تفسير سورة سورة السجدة من كتاب تفسير الجلالين
المعروف بـتفسير الجلالين
.
لمؤلفه
المَحَلِّي
.
المتوفي سنة 864 هـ
ﰡ
﴿الم﴾ اللَّه أَعْلَم بِمُرَادِهِ بِهِ
﴿تَنْزِيل الْكِتَاب﴾ الْقُرْآن مُبْتَدَأ ﴿لَا رَيْب﴾ شَكّ ﴿فِيهِ﴾ خَبَر أَوَّل ﴿مِنْ رَبّ الْعَالَمِينَ﴾ خَبَر ثان
﴿أَمْ﴾ بَلْ ﴿يَقُولُونَ افْتَرَاهُ﴾ مُحَمَّد لَا ﴿بَلْ هُوَ الْحَقّ مِنْ رَبّك لِتُنْذِر﴾ بِهِ ﴿قَوْمًا مَا﴾ نَافِيَة ﴿أَتَاهُمْ مِنْ نَذِير مِنْ قَبْلك لعلهم يهتدون﴾ بإنذارك
﴿الله الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا فِي سِتَّة أَيَّام﴾ أَوَّلهَا الْأَحَد وَآخِرهَا الْجُمُعَة ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش﴾ هُوَ فِي اللُّغَة سَرِير الْمُلْك اسْتِوَاء يَلِيق بِهِ ﴿مَا لَكُمْ﴾ يَا كُفَّار مَكَّة ﴿مِنْ دُونه﴾ أَيْ غَيْره ﴿مِنْ وَلِيّ﴾ اسْم مَا بِزِيَادَةِ مِنْ أَيْ نَاصِر ﴿وَلَا شَفِيع﴾ يَدْفَع عَذَابه عَنْكُمْ ﴿أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ﴾ هَذَا فَتُؤْمِنُونَ
﴿يُدَبِّر الْأَمْر مِنْ السَّمَاء إلَى الْأَرْض﴾ مُدَّة الدُّنْيَا ﴿ثُمَّ يَعْرُج﴾ يَرْجِع الْأَمْر وَالتَّدْبِير ﴿إلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره أَلْف سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ فِي الدُّنْيَا وَفِي سُورَة سَأَلَ خَمْسِينَ أَلْف سَنَة وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة لِشِدَّةِ أَهْوَاله بالنسبة إلى الكفار وَأَمَّا الْمُؤْمِن فَيَكُون أَخَفّ عَلَيْهِ مِنْ صَلَاة مَكْتُوبَة يُصَلِّيهَا فِي الدُّنْيَا كَمَا جَاءَ فِي الحديث
﴿ذَلِكَ﴾ الْخَالِق الْمُدَبِّر ﴿عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة﴾ أَيْ مَا غَابَ عَنْ الْخَلْق وَمَا حَضَرَ ﴿الْعَزِيز﴾ الْمَنِيع فِي مُلْكه ﴿الرَّحِيم﴾ بِأَهْلِ طَاعَته
﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلّ شَيْء خَلَقَهُ﴾ بِفَتْحِ اللَّام فِعْلًا مَاضِيًا صِفَة وَبِسُكُونِهَا بَدَل اشْتِمَال ﴿وَبَدَأَ خلق الإنسان﴾ آدم ﴿من طين﴾
﴿ثُمَّ جَعَلَ نَسْله﴾ ذُرِّيَّته ﴿مِنْ سُلَالَة﴾ عَلَقَة ﴿مِنْ مَاء مَهِين﴾ ضَعِيف هُوَ النُّطْفَة
﴿ثُمَّ سَوَّاهُ﴾ أَيْ خَلْق آدَم ﴿وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحه﴾ أَيْ جَعَلَهُ حَيًّا حَسَّاسًا بَعْد أَنْ كَانَ جَمَادًا ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ﴾ أَيْ لِذُرِّيَّتِهِ ﴿السَّمْع﴾ بِمَعْنَى الْأَسْمَاع ﴿وَالْأَبْصَار وَالْأَفْئِدَة﴾ الْقُلُوب ﴿قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾ مَا زَائِدَة مُؤَكِّدَة لِلْقِلَّةِ
١ -
﴿وقالوا﴾ أي منكرو البعث ﴿أئذا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْض﴾ غِبْنَا فِيهَا بِأَنْ صِرْنَا ترابا مختلطا بترابها ﴿أننا لَفِي خَلْق جَدِيد﴾ اسْتِفْهَام إنْكَار بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ وَتَسْهِيل الثَّانِيَة وَإِدْخَال أَلِف بَيْنهمَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ في الموضعين قال تعالى ﴿بل هم بلقاء ربهم﴾ بالبعث ﴿كافرون﴾
١ -
﴿قُلْ﴾ لَهُمْ ﴿يَتَوَفَّاكُمْ مَلَك الْمَوْت الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ﴾ أَيْ يَقْبِض أَرْوَاحكُمْ ﴿ثُمَّ إلَى رَبّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾ أَحْيَاء فَيُجَازِيكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ
١ -
﴿ولو ترى إذ المجرمون﴾ الكافرون ﴿ناكسوا رؤوسهم عِنْد رَبّهمْ﴾ مُطَأْطِئُوهَا حَيَاء يَقُولُونَ ﴿رَبّنَا أَبْصَرْنَا﴾ مَا أَنْكَرْنَا مِنْ الْبَعْث ﴿وَسَمِعْنَا﴾ مِنْك تَصْدِيق الرُّسُل فِيمَا كَذَّبْنَاهُمْ فِيهِ ﴿فَارْجِعْنَا﴾ إلَى الدُّنْيَا ﴿نَعْمَل صَالِحًا﴾ فِيهَا ﴿إنَّا مُوقِنُونَ﴾ الْآن فَمَا يَنْفَعهُمْ ذَلِكَ وَلَا يَرْجِعُونَ وَجَوَاب لَوْ لَرَأَيْت أمرا فظيعا قال تعالى
١ -
﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلّ نَفْس هُدَاهَا﴾ فَتَهْتَدِي بِالْإِيمَانِ وَالطَّاعَة بِاخْتِيَارٍ مِنْهَا ﴿وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْل مِنِّي﴾ وَهُوَ ﴿لَأَمْلَأَنّ جَهَنَّم مِنْ الْجِنَّة﴾ الْجِنّ ﴿والناس أجمعين﴾ وتقول لهم الخزنة إذا دخلوها
١ -
﴿فَذُوقُوا﴾ الْعَذَاب ﴿بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمكُمْ هَذَا﴾ أَيْ بِتَرْكِكُمْ الْإِيمَان بِهِ ﴿إنَّا نَسِينَاكُمْ﴾ تَرَكْنَاكُمْ فِي الْعَذَاب ﴿وَذُوقُوا عَذَاب الْخُلْد﴾ الدَّائِم ﴿بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ مِنْ الْكُفْر وَالتَّكْذِيب
١ -
﴿إنَّمَا يُؤْمِن بِآيَاتِنَا﴾ الْقُرْآن
﴿الَّذِينَ إذَا ذُكِّرُوا﴾ وُعِظُوا
﴿بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا﴾ مُتَلَبِّسِينَ
﴿بِحَمْدِ رَبّهمْ﴾ أَيْ قَالُوا سُبْحَان اللَّه وَبِحَمْدِهِ
﴿وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ عَنْ الْإِيمَان وَالطَّاعَة
546
﴿تَتَجَافَى جُنُوبهمْ﴾ تَرْتَفِع ﴿عَنْ الْمَضَاجِع﴾ مَوَاضِع الِاضْطِجَاع بِفُرُشِهَا لِصَلَاتِهِمْ بِاللَّيْلِ تَهَجُّدًا ﴿يَدْعُونَ رَبّهمْ خَوْفًا﴾ مِنْ عِقَابه ﴿وَطَمَعًا﴾ فِي رَحْمَته ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ ينفقون﴾ يتصدقون
١ -
﴿فلا تعلم نفس ما أخفي﴾ خبىء ﴿لَهُمْ مِنْ قُرَّة أَعْيُن﴾ مَا تُقِرّ بِهِ أعينهم وفي قراءة بسكون الياء مضارع ﴿جزاء بما كانوا يعملون﴾
١ -
﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ﴾ أَيْ الْمُؤْمِنُونَ وَالْفَاسِقُونَ
١ -
﴿أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات فَلَهُمْ جَنَّات المأوى نزلا﴾ هو ما يعد للضيف ﴿بما كانوا يعملون﴾
٢ -
﴿وأما الذين فسقوا﴾ بالكفر والتكذيب ﴿فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون﴾
٢ -
﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ الْعَذَاب الْأَدْنَى﴾ عَذَاب الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ وَالْأَسْر وَالْجَدْب سِنِينَ وَالْأَمْرَاض ﴿دُون﴾ قَبْل ﴿الْعَذَاب الْأَكْبَر﴾ عَذَاب الْآخِرَة ﴿لَعَلَّهُمْ﴾ أَيْ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ ﴿يَرْجِعُونَ﴾ إلَى الْإِيمَان
٢ -
﴿وَمَنْ أَظْلَم مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبّه﴾ الْقُرْآن ﴿ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا﴾ أَيْ لَا أَحَد أَظْلَم منه ﴿إنا من المجرمين﴾ المشركين ﴿منتقمون﴾
٢ -
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَاب﴾ التَّوْرَاة
﴿فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَة﴾ شَكّ
﴿مِنْ لِقَائِهِ﴾ وَقَدْ الْتَقَيَا لَيْلَة الْإِسْرَاء
﴿وَجَعَلْنَاهُ﴾ أَيْ مُوسَى أَوْ الْكِتَاب
﴿هدى﴾ هاديا {لبني إسرائيل
547
﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّة﴾ بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ وَإِبْدَال الثَّانِيَة يَاء قَادَة ﴿يَهْدُونَ﴾ النَّاس ﴿بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا﴾ عَلَى دِينهمْ وَعَلَى الْبَلَاء مِنْ عَدُوّهُمْ وَفِي قِرَاءَة بِكَسْرِ اللَّام وَتَخْفِيف الْمِيم ﴿وَكَانُوا بِآيَاتِنَا﴾ الدالة على قدرتنا ووحدانيتنا ﴿يوقنون﴾
٢ -
﴿إنَّ رَبّك هُوَ يَفْصِل بَيْنهمْ يَوْم الْقِيَامَة فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ مِنْ أَمْر الدِّين
٢ -
﴿أَوَ لَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلهمْ﴾ أَيْ يَتَبَيَّن لِكُفَّارِ مَكَّة إهْلَاكنَا كَثِيرًا ﴿مِنْ الْقُرُون﴾ الْأُمَم بِكُفْرِهِمْ ﴿يَمْشُونَ﴾ حَال مِنْ ضَمِير لَهُمْ ﴿فِي مَسَاكِنهمْ﴾ فِي أَسْفَارهمْ إلَى الشَّام وَغَيْرهَا فَيَعْتَبِرُوا ﴿إنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات﴾ دَلَالَات عَلَى قُدْرَتنَا ﴿أَفَلَا يَسْمَعُونَ﴾ سَمَاع تَدَبُّر واتعاظ
٢ -
﴿أو لم يَرَوْا أَنَّا نَسُوق الْمَاء إلَى الْأَرْض الْجُرُز﴾ الْيَابِسَة الَّتِي لَا نَبَات فِيهَا ﴿فَنُخْرِج بِهِ زَرْعًا تَأْكُل مِنْهُ أَنْعَامهمْ وَأَنْفُسهمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ﴾ هَذَا فَيَعْلَمُونَ أَنَّا نَقْدِر عَلَى إعَادَتهمْ
٢ -
﴿وَيَقُولُونَ﴾ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴿مَتَى هَذَا الْفَتْح﴾ بَيْننَا وَبَيْنكُمْ ﴿إن كنتم صادقين﴾
٢ -
﴿قُلْ يَوْم الْفَتْح﴾ بِإِنْزَالِ الْعَذَاب بِهِمْ ﴿لَا يَنْفَع الَّذِينَ كَفَرُوا إيمَانهمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾ يُمْهَلُونَ لِتَوْبَةٍ أَوْ مَعْذِرَةٍ
٣ -
﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ﴾ إنْزَال الْعَذَاب بِهِمْ ﴿إنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ﴾ بِك حَادِث مَوْت أَوْ قَتْل فَيَسْتَرِيحُونَ مِنْك وَهَذَا قَبْل الْأَمْر بِقِتَالِهِمْ = ٣٣ سُورَة الْأَحْزَاب
مدنية وآياتها ٧٣ نزلت بعد آل عمران بسم الله الرحمن الرحيم