تفسير سورة سورة الإنسان من كتاب الجامع لأحكام القرآن
.
لمؤلفه
القرطبي
.
المتوفي سنة 671 هـ
ﰡ
هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا
سُورَة الْإِنْسَان مَكِّيَّة فِي قَوْل اِبْن عَبَّاس وَمُقَاتِل وَالْكَلْبِيّ.
وَقَالَ الْجُمْهُور : مَدَنِيَّة.
وَقِيلَ : فِيهَا مَكِّيّ، مِنْ قَوْله تَعَالَى :" إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن تَنْزِيلًا " [ الْإِنْسَان : ٢٣ ] إِلَى آخِر السُّورَة، وَمَا تَقَدَّمَهُ مَدَنِيّ.
وَذَكَرَ اِبْن وَهْب قَالَ : وَحَدَّثَنَا اِبْن زَيْد قَالَ : إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَقْرَأ :" هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَان حِين مِنْ الدَّهْر " وَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ وَعِنْده رَجُل أَسْوَد كَانَ يَسْأَل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ عُمَر بْن الْخَطَّاب : لَا تُثْقِلْ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ :( دَعْهُ يَا ابْن الْخَطَّاب ) قَالَ : فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ السُّورَة وَهُوَ عِنْده، فَلَمَّا قَرَأَهَا عَلَيْهِ وَبَلَغَ صِفَة الْجِنَان زَفَرَ زَفْرَة فَخَرَجَتْ نَفْسه.
فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَخْرَجَ نَفْسَ صَاحِبِكُمْ - أَوْ أَخِيكُمْ - الشَّوْق إِلَى الْجَنَّة ) وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عُمَر بِخِلَافِ هَذَا اللَّفْظ، وَسَيَأْتِي.
وَقَالَ الْقُشَيْرِيّ : إِنَّ هَذِهِ السُّورَة نَزَلَتْ فِي عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
وَالْمَقْصُود مِنْ السُّورَة عَامّ.
وَهَكَذَا الْقَوْل فِي كُلّ مَا يُقَال إِنَّهُ نَزَلَ بِسَبَبِ كَذَا وَكَذَا.
" هَلْ " : بِمَعْنَى قَدْ ; قَالَهُ الْكِسَائِيّ وَالْفَرَّاء وَأَبُو عُبَيْدَة.
وَقَدْ حُكِيَ عَنْ سِيبَوَيْهِ " هَلْ " بِمَعْنَى قَدْ.
قَالَ الْفَرَّاء : هَلْ تَكُون جَحْدًا، وَتَكُون خَبَرًا، فَهَذَا مِنْ الْخَبَر ; لِأَنَّك تَقُول : هَلْ أَعْطَيْتُك ؟ تُقَرِّرُهُ بِأَنَّك أَعْطَيْته.
وَالْجَحْد أَنْ تَقُول : هَلْ يَقْدِر أَحَد عَلَى مِثْل هَذَا ؟ وَقِيلَ : هِيَ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِفْهَام، وَالْمَعْنَى : أَتَى.
وَالْإِنْسَان هُنَا آدَم عَلَيْهِ السَّلَام، قَالَهُ قَتَادَة وَالثَّوْرِيّ وَعِكْرِمَة وَالسُّدِّيّ.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس.
" حِينٌ مِنْ الدَّهْر " قَالَ اِبْن عَبَّاس فِي رِوَايَة أَبِي صَالِح : أَرْبَعُونَ سَنَة مَرَّتْ بِهِ، قَبْل أَنْ يُنْفَخَ فِيهِ الرُّوح، وَهُوَ مُلْقًى بَيْن مَكَّة وَالطَّائِف وَعَيَّنَ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا فِي رِوَايَة الضَّحَّاك أَنَّهُ خُلِقَ مِنْ طِين، فَأَقَامَ أَرْبَعِينَ سَنَة، ثُمَّ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ أَرْبَعِينَ سَنَة، ثُمَّ مِنْ صَلْصَال أَرْبَعِينَ سَنَة، فَتَمَّ خَلْقه بَعْد مِائَة وَعِشْرِينَ سَنَة.
وَزَادَ اِبْن مَسْعُود فَقَالَ : أَقَامَ وَهُوَ مِنْ تُرَاب أَرْبَعِينَ سَنَة، فَتَمَّ خَلْقه بَعْد مِائَة وَسِتِّينَ سَنَة، ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ الرُّوح.
وَقِيلَ : الْحِين الْمَذْكُور هَهُنَا : لَا يُعْرَف مِقْدَاره عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا، حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ.
" لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا " قَالَ الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس : لَا فِي السَّمَاء وَلَا فِي الْأَرْض.
وَقِيلَ : أَيْ كَانَ جَسَدًا مُصَوَّرًا تُرَابًا وَطِينًا، لَا يُذْكَر وَلَا يُعْرَف، وَلَا يُدْرَى مَا اِسْمه وَلَا مَا يُرَاد بِهِ، ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ الرُّوح، فَصَارَ مَذْكُورًا ; قَالَهُ الْفَرَّاء وَقُطْرُب وَثَعْلَب.
سُورَة الْإِنْسَان مَكِّيَّة فِي قَوْل اِبْن عَبَّاس وَمُقَاتِل وَالْكَلْبِيّ.
وَقَالَ الْجُمْهُور : مَدَنِيَّة.
وَقِيلَ : فِيهَا مَكِّيّ، مِنْ قَوْله تَعَالَى :" إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن تَنْزِيلًا " [ الْإِنْسَان : ٢٣ ] إِلَى آخِر السُّورَة، وَمَا تَقَدَّمَهُ مَدَنِيّ.
وَذَكَرَ اِبْن وَهْب قَالَ : وَحَدَّثَنَا اِبْن زَيْد قَالَ : إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَقْرَأ :" هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَان حِين مِنْ الدَّهْر " وَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ وَعِنْده رَجُل أَسْوَد كَانَ يَسْأَل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ عُمَر بْن الْخَطَّاب : لَا تُثْقِلْ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ :( دَعْهُ يَا ابْن الْخَطَّاب ) قَالَ : فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ السُّورَة وَهُوَ عِنْده، فَلَمَّا قَرَأَهَا عَلَيْهِ وَبَلَغَ صِفَة الْجِنَان زَفَرَ زَفْرَة فَخَرَجَتْ نَفْسه.
فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَخْرَجَ نَفْسَ صَاحِبِكُمْ - أَوْ أَخِيكُمْ - الشَّوْق إِلَى الْجَنَّة ) وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عُمَر بِخِلَافِ هَذَا اللَّفْظ، وَسَيَأْتِي.
وَقَالَ الْقُشَيْرِيّ : إِنَّ هَذِهِ السُّورَة نَزَلَتْ فِي عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
وَالْمَقْصُود مِنْ السُّورَة عَامّ.
وَهَكَذَا الْقَوْل فِي كُلّ مَا يُقَال إِنَّهُ نَزَلَ بِسَبَبِ كَذَا وَكَذَا.
" هَلْ " : بِمَعْنَى قَدْ ; قَالَهُ الْكِسَائِيّ وَالْفَرَّاء وَأَبُو عُبَيْدَة.
وَقَدْ حُكِيَ عَنْ سِيبَوَيْهِ " هَلْ " بِمَعْنَى قَدْ.
قَالَ الْفَرَّاء : هَلْ تَكُون جَحْدًا، وَتَكُون خَبَرًا، فَهَذَا مِنْ الْخَبَر ; لِأَنَّك تَقُول : هَلْ أَعْطَيْتُك ؟ تُقَرِّرُهُ بِأَنَّك أَعْطَيْته.
وَالْجَحْد أَنْ تَقُول : هَلْ يَقْدِر أَحَد عَلَى مِثْل هَذَا ؟ وَقِيلَ : هِيَ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِفْهَام، وَالْمَعْنَى : أَتَى.
وَالْإِنْسَان هُنَا آدَم عَلَيْهِ السَّلَام، قَالَهُ قَتَادَة وَالثَّوْرِيّ وَعِكْرِمَة وَالسُّدِّيّ.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس.
" حِينٌ مِنْ الدَّهْر " قَالَ اِبْن عَبَّاس فِي رِوَايَة أَبِي صَالِح : أَرْبَعُونَ سَنَة مَرَّتْ بِهِ، قَبْل أَنْ يُنْفَخَ فِيهِ الرُّوح، وَهُوَ مُلْقًى بَيْن مَكَّة وَالطَّائِف وَعَيَّنَ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا فِي رِوَايَة الضَّحَّاك أَنَّهُ خُلِقَ مِنْ طِين، فَأَقَامَ أَرْبَعِينَ سَنَة، ثُمَّ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ أَرْبَعِينَ سَنَة، ثُمَّ مِنْ صَلْصَال أَرْبَعِينَ سَنَة، فَتَمَّ خَلْقه بَعْد مِائَة وَعِشْرِينَ سَنَة.
وَزَادَ اِبْن مَسْعُود فَقَالَ : أَقَامَ وَهُوَ مِنْ تُرَاب أَرْبَعِينَ سَنَة، فَتَمَّ خَلْقه بَعْد مِائَة وَسِتِّينَ سَنَة، ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ الرُّوح.
وَقِيلَ : الْحِين الْمَذْكُور هَهُنَا : لَا يُعْرَف مِقْدَاره عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا، حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ.
" لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا " قَالَ الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس : لَا فِي السَّمَاء وَلَا فِي الْأَرْض.
وَقِيلَ : أَيْ كَانَ جَسَدًا مُصَوَّرًا تُرَابًا وَطِينًا، لَا يُذْكَر وَلَا يُعْرَف، وَلَا يُدْرَى مَا اِسْمه وَلَا مَا يُرَاد بِهِ، ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ الرُّوح، فَصَارَ مَذْكُورًا ; قَالَهُ الْفَرَّاء وَقُطْرُب وَثَعْلَب.
وَقَالَ يَحْيَى بْن سَلَّام : لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا فِي الْخَلْق وَإِنْ كَانَ عِنْد اللَّه شَيْئًا مَذْكُورًا.
وَقِيلَ : لَيْسَ هَذَا الذِّكْر بِمَعْنَى الْإِخْبَار، فَإِنَّ إِخْبَار الرَّبّ عَنْ الْكَائِنَات قَدِيم، بَلْ هَذَا الذِّكْر بِمَعْنَى الْخَطَر وَالشَّرَف وَالْقَدْر ; تَقُول : فُلَان مَذْكُور أَيْ لَهُ شَرَف وَقَدْر.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى :" وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَك وَلِقَوْمِك " [ الزُّخْرُف : ٤٤ ].
أَيْ قَدْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَان حِين لَمْ يَكُنْ لَهُ قَدْر عِنْد الْخَلِيقَة.
ثُمَّ لَمَّا عَرَّفَ اللَّه الْمَلَائِكَة أَنَّهُ جَعَلَ آدَم خَلِيفَة، وَحَمَّلَهُ الْأَمَانَة الَّتِي عَجَزَ عَنْهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال، ظَهَرَ فَضْله عَلَى الْكُلّ، فَصَارَ مَذْكُورًا.
قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَعَلَى الْجُمْلَة مَا كَانَ مَذْكُورًا لِلْخَلْقِ، وَإِنْ كَانَ مَذْكُورًا لِلَّهِ.
وَحَكَى مُحَمَّد بْن الْجَهْم عَنْ الْفَرَّاء :" لَمْ يَكُنْ شَيْئًا " قَالَ : كَانَ شَيْئًا وَلَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا.
وَقَالَ قَوْم : النَّفْي يَرْجِع إِلَى الشَّيْء ; أَيْ قَدْ مَضَى مَدَد مِنْ الدَّهْر وَآدَم لَمْ يَكُنْ شَيْئًا يُذْكَر فِي الْخَلِيقَة ; لِأَنَّهُ آخِر مَا خَلَقَهُ مِنْ أَصْنَاف الْخَلِيقَة، وَالْمَعْدُوم لَيْسَ بِشَيْءٍ حَتَّى يَأْتِي عَلَيْهِ حِين.
وَالْمَعْنَى : قَدْ مَضَتْ عَلَيْهِ أَزْمِنَة وَمَا كَانَ آدَم شَيْئًا وَلَا مَخْلُوقًا وَلَا مَذْكُورًا لِأَحَدٍ مِنْ الْخَلِيقَة.
وَهَذَا مَعْنَى قَوْل قَتَادَة وَمُقَاتِل : قَالَ قَتَادَة : إِنَّمَا خُلِقَ الْإِنْسَان حَدِيثًا مَا نَعْلَم مِنْ خَلِيقَة اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ خَلِيقَة كَانَتْ بَعْد الْإِنْسَان.
وَقَالَ مُقَاتِل : فِي الْكَلَام تَقْدِيم وَتَأْخِير، وَتَقْدِيره : هَلْ أَتَى حِين مِنْ الدَّهْر لَمْ يَكُنْ الْإِنْسَان شَيْئًا مَذْكُورًا ; لِأَنَّهُ خَلَقَهُ بَعْد خَلْق الْحَيَوَان كُلّه، وَلَمْ يَخْلُق بَعْده حَيَوَانًا.
وَقَدْ قِيلَ :" الْإِنْسَان " فِي قَوْله تَعَالَى " هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَان حِين " عُنِيَ بِهِ الْجِنْس مِنْ ذُرِّيَّة آدَم، وَأَنَّ الْحِين تِسْعَة أَشْهُر، مُدَّة حَمْل الْإِنْسَان فِي بَطْن أُمّه " لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا " : إِذْ كَانَ عَلَقَة وَمُضْغَة ; لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَة جَمَاد لَا خَطَر لَهُ.
وَقَالَ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لَمَّا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : لَيْتَهَا تَمَّتْ فَلَا نُبْتَلَى.
أَيْ لَيْتَ الْمُدَّة الَّتِي أَتَتْ عَلَى آدَم لَمْ تَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا تَمَّتْ عَلَى ذَلِكَ، فَلَا يَلِد وَلَا يُبْتَلَى أَوْلَاده.
وَسَمِعَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ رَجُلًا يَقْرَأ " هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَان حِين مِنْ الدَّهْر لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا " فَقَالَ لَيْتَهَا تَمَّتْ.
وَقِيلَ : لَيْسَ هَذَا الذِّكْر بِمَعْنَى الْإِخْبَار، فَإِنَّ إِخْبَار الرَّبّ عَنْ الْكَائِنَات قَدِيم، بَلْ هَذَا الذِّكْر بِمَعْنَى الْخَطَر وَالشَّرَف وَالْقَدْر ; تَقُول : فُلَان مَذْكُور أَيْ لَهُ شَرَف وَقَدْر.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى :" وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَك وَلِقَوْمِك " [ الزُّخْرُف : ٤٤ ].
أَيْ قَدْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَان حِين لَمْ يَكُنْ لَهُ قَدْر عِنْد الْخَلِيقَة.
ثُمَّ لَمَّا عَرَّفَ اللَّه الْمَلَائِكَة أَنَّهُ جَعَلَ آدَم خَلِيفَة، وَحَمَّلَهُ الْأَمَانَة الَّتِي عَجَزَ عَنْهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال، ظَهَرَ فَضْله عَلَى الْكُلّ، فَصَارَ مَذْكُورًا.
قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَعَلَى الْجُمْلَة مَا كَانَ مَذْكُورًا لِلْخَلْقِ، وَإِنْ كَانَ مَذْكُورًا لِلَّهِ.
وَحَكَى مُحَمَّد بْن الْجَهْم عَنْ الْفَرَّاء :" لَمْ يَكُنْ شَيْئًا " قَالَ : كَانَ شَيْئًا وَلَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا.
وَقَالَ قَوْم : النَّفْي يَرْجِع إِلَى الشَّيْء ; أَيْ قَدْ مَضَى مَدَد مِنْ الدَّهْر وَآدَم لَمْ يَكُنْ شَيْئًا يُذْكَر فِي الْخَلِيقَة ; لِأَنَّهُ آخِر مَا خَلَقَهُ مِنْ أَصْنَاف الْخَلِيقَة، وَالْمَعْدُوم لَيْسَ بِشَيْءٍ حَتَّى يَأْتِي عَلَيْهِ حِين.
وَالْمَعْنَى : قَدْ مَضَتْ عَلَيْهِ أَزْمِنَة وَمَا كَانَ آدَم شَيْئًا وَلَا مَخْلُوقًا وَلَا مَذْكُورًا لِأَحَدٍ مِنْ الْخَلِيقَة.
وَهَذَا مَعْنَى قَوْل قَتَادَة وَمُقَاتِل : قَالَ قَتَادَة : إِنَّمَا خُلِقَ الْإِنْسَان حَدِيثًا مَا نَعْلَم مِنْ خَلِيقَة اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ خَلِيقَة كَانَتْ بَعْد الْإِنْسَان.
وَقَالَ مُقَاتِل : فِي الْكَلَام تَقْدِيم وَتَأْخِير، وَتَقْدِيره : هَلْ أَتَى حِين مِنْ الدَّهْر لَمْ يَكُنْ الْإِنْسَان شَيْئًا مَذْكُورًا ; لِأَنَّهُ خَلَقَهُ بَعْد خَلْق الْحَيَوَان كُلّه، وَلَمْ يَخْلُق بَعْده حَيَوَانًا.
وَقَدْ قِيلَ :" الْإِنْسَان " فِي قَوْله تَعَالَى " هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَان حِين " عُنِيَ بِهِ الْجِنْس مِنْ ذُرِّيَّة آدَم، وَأَنَّ الْحِين تِسْعَة أَشْهُر، مُدَّة حَمْل الْإِنْسَان فِي بَطْن أُمّه " لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا " : إِذْ كَانَ عَلَقَة وَمُضْغَة ; لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَة جَمَاد لَا خَطَر لَهُ.
وَقَالَ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لَمَّا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : لَيْتَهَا تَمَّتْ فَلَا نُبْتَلَى.
أَيْ لَيْتَ الْمُدَّة الَّتِي أَتَتْ عَلَى آدَم لَمْ تَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا تَمَّتْ عَلَى ذَلِكَ، فَلَا يَلِد وَلَا يُبْتَلَى أَوْلَاده.
وَسَمِعَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ رَجُلًا يَقْرَأ " هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَان حِين مِنْ الدَّهْر لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا " فَقَالَ لَيْتَهَا تَمَّتْ.
إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ
" إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَان " أَيْ اِبْن آدَم مِنْ غَيْر خِلَاف " مِنْ نُطْفَة " أَيْ مِنْ مَاء يَقْطُر وَهُوَ الْمَنِيّ، وَكُلّ مَاء قَلِيل فِي وِعَاء فَهُوَ نُطْفَة ; كَقَوْلِ عَبْد اللَّه بْن رَوَاحَة يُعَاتِب نَفْسه :
وَجَمْعُهَا : نُطَف وَنِطَاف.
" إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَان " أَيْ اِبْن آدَم مِنْ غَيْر خِلَاف " مِنْ نُطْفَة " أَيْ مِنْ مَاء يَقْطُر وَهُوَ الْمَنِيّ، وَكُلّ مَاء قَلِيل فِي وِعَاء فَهُوَ نُطْفَة ; كَقَوْلِ عَبْد اللَّه بْن رَوَاحَة يُعَاتِب نَفْسه :
مَالِي أَرَاكِ تَكْرَهِينَ الْجَنَّهْ | هَلْ أَنْتِ إِلَّا نُطْفَةٌ فِي شَنَّهْ |
أَمْشَاجٍ
أَخْلَاط.
وَاحِدهَا : مِشْج وَمَشِيج، مِثْل خِدْن وَخَدِين ; قَالَ : رُؤْبَة :
وَيُقَال : مَشَجْت هَذَا بِهَذَا أَيْ خَلَطْته، فَهُوَ مَمْشُوج وَمَشِيج ; مِثْل مَخْلُوط وَخَلِيط.
وَقَالَ الْمُبَرَّد : وَاحِد الْأَمْشَاج : مَشِيج ; يُقَال : مَشَجَ يَمْشِج : إِذَا خَلَطَ، وَهُوَ هُنَا اِخْتِلَاط النُّطْفَة بِالدَّمِ ; قَالَ الشَّمَّاخ :
وَقَالَ الْفَرَّاء : أَمْشَاج : أَخْلَاط مَاء الرَّجُل وَمَاء الْمَرْأَة، وَالدَّم وَالْعَلَقَة.
وَيُقَال لِلشَّيْءِ مِنْ هَذَا إِذَا خُلِطَ : مَشِيج كَقَوْلِك خَلِيط، وَمَمْشُوج كَقَوْلِك مَخْلُوط.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : الْأَمْشَاج : الْحُمْرَة فِي الْبَيَاض، وَالْبَيَاض فِي الْحُمْرَة.
وَهَذَا قَوْل يَخْتَارهُ كَثِير مِنْ أَهْل اللُّغَة ; قَالَ الْهُذَلِيّ :
وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا قَالَ : يَخْتَلِط مَاء الرَّجُل وَهُوَ أَبْيَض غَلِيظ بِمَاءِ الْمَرْأَة وَهُوَ أَصْفَر رَقِيق فَيُخْلَق مِنْهُمَا الْوَلَد، فَمَا كَانَ مِنْ عَصَب وَعَظْم وَقُوَّة فَهُوَ مِنْ مَاء الرَّجُل، وَمَا كَانَ مِنْ لَحْم وَدَم وَشَعْر فَهُوَ مِنْ مَاء الْمَرْأَة.
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مَرْفُوعًا ; ذَكَرَهُ الْبَزَّار.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن مَسْعُود : أَمْشَاجهَا عُرُوق الْمُضْغَة.
وَعَنْهُ : مَاء الرَّجُل وَمَاء الْمَرْأَة وَهُمَا لَوْنَانِ.
وَقَالَ مُجَاهِد : نُطْفَة الرَّجُل بَيْضَاء وَحَمْرَاء، وَنُطْفَة الْمَرْأَة خَضْرَاء وَصَفْرَاء.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : خُلِقَ مِنْ أَلْوَان ; خُلِقَ مِنْ تُرَاب، ثُمَّ مِنْ مَاء الْفَرْج وَالرَّحِم، وَهِيَ نُطْفَة ثُمَّ عَلَقَة ثُمَّ مُضْغَة ثُمَّ عَظْم ثُمَّ لَحْم.
وَنَحْوه قَالَ قَتَادَة : هِيَ أَطْوَار الْخَلْق : طَوْر عَلَقَة وَطَوْر مُضْغَة وَطَوْر عِظَام ثُمَّ يَكْسُو الْعِظَام لَحْمًا ; كَمَا قَالَ فِي سُورَة " الْمُؤْمِنُونَ " " وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَان مِنْ سُلَالَة مِنْ طِين " [ الْمُؤْمِنُونَ : ١٢ ] الْآيَة.
وَقَالَ اِبْن السِّكِّيت : الْأَمْشَاج الْأَخْلَاط ; لِأَنَّهَا مُمْتَزِجَة مِنْ أَنْوَاع فَخُلِقَ الْإِنْسَان مِنْهَا ذَا طَبَائِع مُخْتَلِفَة.
وَقَالَ أَهْل الْمَعَانِي : الْأَمْشَاج مَا جُمِعَ وَهُوَ فِي مَعْنَى الْوَاحِد ; لِأَنَّهُ نَعْت لِلنُّطْفَةِ ; كَمَا يُقَال : بُرْمَة أَعْشَار وَثَوْب أَخْلَاق.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي أَيُّوب الْأَنْصَارِيّ : قَالَ جَاءَ حَبْر مِنْ الْيَهُود إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : أَخْبِرْنِي عَنْ مَاء الرَّجُل وَمَاء الْمَرْأَة ؟ فَقَالَ :( مَاء الرَّجُل أَبْيَض غَلِيظ وَمَاء الْمَرْأَة أَصْفَر رَقِيق فَإِذَا عَلَا مَاء الْمَرْأَة آنَثَتْ وَإِذَا عَلَا مَاء الرَّجُل أَذْكَرَتْ ) فَقَالَ الْحَبْر : أَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَأَنَّك رَسُول اللَّه.
وَقَدْ مَضَى هَذَا الْقَوْل مُسْتَوْفًى فِي سُورَة " الْبَقَرَة ".
أَخْلَاط.
وَاحِدهَا : مِشْج وَمَشِيج، مِثْل خِدْن وَخَدِين ; قَالَ : رُؤْبَة :
يَطْرَحْنَ كُلّ مُعَجَّل نَشَّاج | لَمْ يُكْسَ جِلْدًا فِي دَم أَمْشَاج |
وَقَالَ الْمُبَرَّد : وَاحِد الْأَمْشَاج : مَشِيج ; يُقَال : مَشَجَ يَمْشِج : إِذَا خَلَطَ، وَهُوَ هُنَا اِخْتِلَاط النُّطْفَة بِالدَّمِ ; قَالَ الشَّمَّاخ :
طَوَتْ أَحْشَاء مُرْتِجَة لِوَقْتٍ | عَلَى مَشَج سُلَالَته مَهِين |
وَيُقَال لِلشَّيْءِ مِنْ هَذَا إِذَا خُلِطَ : مَشِيج كَقَوْلِك خَلِيط، وَمَمْشُوج كَقَوْلِك مَخْلُوط.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : الْأَمْشَاج : الْحُمْرَة فِي الْبَيَاض، وَالْبَيَاض فِي الْحُمْرَة.
وَهَذَا قَوْل يَخْتَارهُ كَثِير مِنْ أَهْل اللُّغَة ; قَالَ الْهُذَلِيّ :
كَأَنَّ الرِّيش وَالْفُوقَيْنِ مِنْهُ | خِلَاف النَّصْل سِيطَ بِهِ مَشِيج |
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مَرْفُوعًا ; ذَكَرَهُ الْبَزَّار.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن مَسْعُود : أَمْشَاجهَا عُرُوق الْمُضْغَة.
وَعَنْهُ : مَاء الرَّجُل وَمَاء الْمَرْأَة وَهُمَا لَوْنَانِ.
وَقَالَ مُجَاهِد : نُطْفَة الرَّجُل بَيْضَاء وَحَمْرَاء، وَنُطْفَة الْمَرْأَة خَضْرَاء وَصَفْرَاء.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : خُلِقَ مِنْ أَلْوَان ; خُلِقَ مِنْ تُرَاب، ثُمَّ مِنْ مَاء الْفَرْج وَالرَّحِم، وَهِيَ نُطْفَة ثُمَّ عَلَقَة ثُمَّ مُضْغَة ثُمَّ عَظْم ثُمَّ لَحْم.
وَنَحْوه قَالَ قَتَادَة : هِيَ أَطْوَار الْخَلْق : طَوْر عَلَقَة وَطَوْر مُضْغَة وَطَوْر عِظَام ثُمَّ يَكْسُو الْعِظَام لَحْمًا ; كَمَا قَالَ فِي سُورَة " الْمُؤْمِنُونَ " " وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَان مِنْ سُلَالَة مِنْ طِين " [ الْمُؤْمِنُونَ : ١٢ ] الْآيَة.
وَقَالَ اِبْن السِّكِّيت : الْأَمْشَاج الْأَخْلَاط ; لِأَنَّهَا مُمْتَزِجَة مِنْ أَنْوَاع فَخُلِقَ الْإِنْسَان مِنْهَا ذَا طَبَائِع مُخْتَلِفَة.
وَقَالَ أَهْل الْمَعَانِي : الْأَمْشَاج مَا جُمِعَ وَهُوَ فِي مَعْنَى الْوَاحِد ; لِأَنَّهُ نَعْت لِلنُّطْفَةِ ; كَمَا يُقَال : بُرْمَة أَعْشَار وَثَوْب أَخْلَاق.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي أَيُّوب الْأَنْصَارِيّ : قَالَ جَاءَ حَبْر مِنْ الْيَهُود إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : أَخْبِرْنِي عَنْ مَاء الرَّجُل وَمَاء الْمَرْأَة ؟ فَقَالَ :( مَاء الرَّجُل أَبْيَض غَلِيظ وَمَاء الْمَرْأَة أَصْفَر رَقِيق فَإِذَا عَلَا مَاء الْمَرْأَة آنَثَتْ وَإِذَا عَلَا مَاء الرَّجُل أَذْكَرَتْ ) فَقَالَ الْحَبْر : أَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَأَنَّك رَسُول اللَّه.
وَقَدْ مَضَى هَذَا الْقَوْل مُسْتَوْفًى فِي سُورَة " الْبَقَرَة ".
نَبْتَلِيهِ
أَيْ نَخْتَبِرهُ.
وَقِيلَ : نُقَدِّر فِيهِ الِابْتِلَاء وَهُوَ الِاخْتِبَار.
وَفِيمَا يُخْتَبَر بِهِ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : نَخْتَبِرهُ بِالْخَيْرِ وَالشَّرّ ; قَالَهُ الْكَلْبِيّ.
الثَّانِي : نَخْتَبِر شُكْره فِي السَّرَّاء وَصَبْره فِي الضَّرَّاء ; قَالَهُ الْحَسَن.
وَقِيلَ :" نَبْتَلِيه " نُكَلِّفهُ.
وَفِيهِ أَيْضًا وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : بِالْعَمَلِ بَعْد الْخَلْق ; قَالَهُ مُقَاتِل.
الثَّانِي : بِالدِّينِ لِيَكُونَ مَأْمُورًا بِالطَّاعَةِ وَمَنْهِيًّا عَنْ الْمَعَاصِي.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس :" نَبْتَلِيهِ " : نُصَرِّفهُ خَلْقًا بَعْد خَلْق ; لِنَبْتَلِيَهُ بِالْخَيْرِ وَالشَّرّ.
وَحَكَى مُحَمَّد بْن الْجَهْم عَنْ الْفَرَّاء قَالَ : الْمَعْنَى وَاَللَّه أَعْلَم
أَيْ نَخْتَبِرهُ.
وَقِيلَ : نُقَدِّر فِيهِ الِابْتِلَاء وَهُوَ الِاخْتِبَار.
وَفِيمَا يُخْتَبَر بِهِ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : نَخْتَبِرهُ بِالْخَيْرِ وَالشَّرّ ; قَالَهُ الْكَلْبِيّ.
الثَّانِي : نَخْتَبِر شُكْره فِي السَّرَّاء وَصَبْره فِي الضَّرَّاء ; قَالَهُ الْحَسَن.
وَقِيلَ :" نَبْتَلِيه " نُكَلِّفهُ.
وَفِيهِ أَيْضًا وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : بِالْعَمَلِ بَعْد الْخَلْق ; قَالَهُ مُقَاتِل.
الثَّانِي : بِالدِّينِ لِيَكُونَ مَأْمُورًا بِالطَّاعَةِ وَمَنْهِيًّا عَنْ الْمَعَاصِي.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس :" نَبْتَلِيهِ " : نُصَرِّفهُ خَلْقًا بَعْد خَلْق ; لِنَبْتَلِيَهُ بِالْخَيْرِ وَالشَّرّ.
وَحَكَى مُحَمَّد بْن الْجَهْم عَنْ الْفَرَّاء قَالَ : الْمَعْنَى وَاَللَّه أَعْلَم
فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا
لِنَبْتَلِيَهُ، وَهِيَ مُقَدَّمَة مَعْنَاهَا التَّأْخِير.
قُلْت : لِأَنَّ الِابْتِلَاء لَا يَقَع إِلَّا بَعْد تَمَام الْخِلْقَة وَقِيلَ :" جَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا " : يَعْنِي جَعَلْنَا لَهُ سَمْعًا يَسْمَع بِهِ الْهُدَى، وَبَصَرًا يُبْصِر بِهِ الْهُدَى.
لِنَبْتَلِيَهُ، وَهِيَ مُقَدَّمَة مَعْنَاهَا التَّأْخِير.
قُلْت : لِأَنَّ الِابْتِلَاء لَا يَقَع إِلَّا بَعْد تَمَام الْخِلْقَة وَقِيلَ :" جَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا " : يَعْنِي جَعَلْنَا لَهُ سَمْعًا يَسْمَع بِهِ الْهُدَى، وَبَصَرًا يُبْصِر بِهِ الْهُدَى.
إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ
أَيْ بَيَّنَّا لَهُ وَعَرَّفْنَاهُ طَرِيق الْهُدَى وَالضَّلَال، وَالْخَيْر وَالشَّرّ بِبَعْثِ الرُّسُل، فَآمَنَ أَوْ كَفَرَ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ " [ الْبَلَد : ١٠ ].
وَقَالَ مُجَاهِد : أَيْ بَيَّنَّا لَهُ السَّبِيل إِلَى الشَّقَاء وَالسَّعَادَة.
وَقَالَ الضَّحَّاك وَأَبُو صَالِح وَالسُّدِّيّ : السَّبِيل هُنَا خُرُوجه مِنْ الرَّحِم.
وَقِيلَ : مَنَافِعه وَمَضَارّه الَّتِي يَهْتَدِي إِلَيْهَا بِطَبْعِهِ وَكَمَال عَقْله.
أَيْ بَيَّنَّا لَهُ وَعَرَّفْنَاهُ طَرِيق الْهُدَى وَالضَّلَال، وَالْخَيْر وَالشَّرّ بِبَعْثِ الرُّسُل، فَآمَنَ أَوْ كَفَرَ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ " [ الْبَلَد : ١٠ ].
وَقَالَ مُجَاهِد : أَيْ بَيَّنَّا لَهُ السَّبِيل إِلَى الشَّقَاء وَالسَّعَادَة.
وَقَالَ الضَّحَّاك وَأَبُو صَالِح وَالسُّدِّيّ : السَّبِيل هُنَا خُرُوجه مِنْ الرَّحِم.
وَقِيلَ : مَنَافِعه وَمَضَارّه الَّتِي يَهْتَدِي إِلَيْهَا بِطَبْعِهِ وَكَمَال عَقْله.
إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا
أَيْ أَيّهمَا فَعَلَ فَقَدْ بَيَّنَّا لَهُ.
قَالَ الْكُوفِيُّونَ :" إِنْ " هَهُنَا تَكُون جَزَاء وَ " مَا " زَائِدَة أَيْ بَيَّنَّا لَهُ الطَّرِيق إِنْ شَكَرَ أَوْ كَفَرَ.
وَاخْتَارَهُ الْفَرَّاء وَلَمْ يُجِزْهُ الْبَصْرِيُّونَ ; إِذْ لَا تَدْخُل " إِنْ " لِلْجَزَاءِ عَلَى الْأَسْمَاء إِلَّا أَنْ يُضْمَر بَعْدهَا فِعْل.
وَقِيلَ : أَيْ هَدَيْنَاهُ الرُّشْد، أَيْ بَيَّنَّا لَهُ سَبِيل التَّوْحِيد بِنَصْبِ الْأَدِلَّة عَلَيْهِ ; ثُمَّ إِنْ خَلَقْنَا لَهُ الْهِدَايَة اِهْتَدَى وَآمَنَ، وَإِنْ خَذَلْنَاهُ كَفَرَ.
وَهُوَ كَمَا تَقُول : قَدْ نَصَحْت لَك، إِنْ شِئْت فَاقْبَلْ، وَإِنْ شِئْت فَاتْرُكْ ; أَيْ فَإِنْ شِئْت، فَتُحْذَف الْفَاء.
وَكَذَا " إِمَّا شَاكِرًا " وَاَللَّه أَعْلَم.
وَيُقَال : هَدَيْته السَّبِيل وَلِلسَّبِيلِ وَإِلَى السَّبِيل.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " الْفَاتِحَة " وَغَيْرهَا.
وَجَمَعَ بَيْن الشَّاكِر وَالْكَفُور، وَلَمْ يَجْمَع بَيْن الشَّكُور وَالْكَفُور مَعَ اِجْتِمَاعهمَا فِي مَعْنَى الْمُبَالَغَة ; نَفْيًا لِلْمُبَالَغَةِ فِي الشُّكْر وَإِثْبَاتًا لَهَا فِي الْكُفْر ; لِأَنَّ شُكْر اللَّه تَعَالَى لَا يُؤَدَّى، فَانْتَفَتْ عَنْهُ الْمُبَالَغَة، وَلَمْ تَنْتَفِ عَنْ الْكُفْر الْمُبَالَغَة، فَقَلَّ شُكْره، لِكَثْرَةِ النِّعَم عَلَيْهِ وَكَثْرَة كُفْره وَإِنْ قَلَّ مَعَ الْإِحْسَان إِلَيْهِ.
حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ.
أَيْ أَيّهمَا فَعَلَ فَقَدْ بَيَّنَّا لَهُ.
قَالَ الْكُوفِيُّونَ :" إِنْ " هَهُنَا تَكُون جَزَاء وَ " مَا " زَائِدَة أَيْ بَيَّنَّا لَهُ الطَّرِيق إِنْ شَكَرَ أَوْ كَفَرَ.
وَاخْتَارَهُ الْفَرَّاء وَلَمْ يُجِزْهُ الْبَصْرِيُّونَ ; إِذْ لَا تَدْخُل " إِنْ " لِلْجَزَاءِ عَلَى الْأَسْمَاء إِلَّا أَنْ يُضْمَر بَعْدهَا فِعْل.
وَقِيلَ : أَيْ هَدَيْنَاهُ الرُّشْد، أَيْ بَيَّنَّا لَهُ سَبِيل التَّوْحِيد بِنَصْبِ الْأَدِلَّة عَلَيْهِ ; ثُمَّ إِنْ خَلَقْنَا لَهُ الْهِدَايَة اِهْتَدَى وَآمَنَ، وَإِنْ خَذَلْنَاهُ كَفَرَ.
وَهُوَ كَمَا تَقُول : قَدْ نَصَحْت لَك، إِنْ شِئْت فَاقْبَلْ، وَإِنْ شِئْت فَاتْرُكْ ; أَيْ فَإِنْ شِئْت، فَتُحْذَف الْفَاء.
وَكَذَا " إِمَّا شَاكِرًا " وَاَللَّه أَعْلَم.
وَيُقَال : هَدَيْته السَّبِيل وَلِلسَّبِيلِ وَإِلَى السَّبِيل.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " الْفَاتِحَة " وَغَيْرهَا.
وَجَمَعَ بَيْن الشَّاكِر وَالْكَفُور، وَلَمْ يَجْمَع بَيْن الشَّكُور وَالْكَفُور مَعَ اِجْتِمَاعهمَا فِي مَعْنَى الْمُبَالَغَة ; نَفْيًا لِلْمُبَالَغَةِ فِي الشُّكْر وَإِثْبَاتًا لَهَا فِي الْكُفْر ; لِأَنَّ شُكْر اللَّه تَعَالَى لَا يُؤَدَّى، فَانْتَفَتْ عَنْهُ الْمُبَالَغَة، وَلَمْ تَنْتَفِ عَنْ الْكُفْر الْمُبَالَغَة، فَقَلَّ شُكْره، لِكَثْرَةِ النِّعَم عَلَيْهِ وَكَثْرَة كُفْره وَإِنْ قَلَّ مَعَ الْإِحْسَان إِلَيْهِ.
حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ.
إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَا وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا
بَيَّنَ حَال الْفَرِيقَيْنِ، وَأَنَّهُ تَعَبَّدَ الْعُقَلَاء وَكَلَّفَهُمْ وَمَكَّنَهُمْ مِمَّا أَمَرَهُمْ، فَمَنْ كَفَرَ فَلَهُ الْعِقَاب، وَمَنْ وَحَّدَ وَشَكَرَ فَلَهُ الثَّوَاب.
وَالسَّلَاسِل : الْقُيُود فِي جَهَنَّم طُول كُلّ سَلْسَلَة سَبْعُونَ ذِرَاعًا كَمَا مَضَى فِي " الْحَاقَّة ".
وَقَرَأَ نَافِع وَالْكِسَائِيّ وَأَبُو بَكْر عَنْ عَاصِم وَهِشَام عَنْ اِبْن عَامِر " سَلَاسِلًا " مُنَوَّنًا.
الْبَاقُونَ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ.
وَوَقَفَ قُنْبُل وَابْن كَثِير وَحَمْزَة بِغَيْرِ أَلِف.
الْبَاقُونَ بِالْأَلِفِ.
فَأَمَّا " قَوَارِير " الْأَوَّل فَنَوَّنَهُ نَافِع وَابْن كَثِير وَالْكِسَائِيّ وَأَبُو بَكْر عَنْ عَاصِم، وَلَمْ يُنَوِّن الْبَاقُونَ.
وَوَقَفَ فِيهِ يَعْقُوب وَحَمْزَة بِغَيْرِ أَلِف.
وَالْبَاقُونَ بِالْأَلِفِ.
وَأَمَّا " قَوَارِير " الثَّانِيَة فَنَوَّنَهُ أَيْضًا نَافِع وَالْكِسَائِيّ وَأَبُو بَكْر، وَلَمْ يُنَوِّن الْبَاقُونَ.
فَمَنْ نَوَّنَ قَرَأَهَا بِالْأَلِفِ، وَمَنْ لَمْ يُنَوِّن أَسْقَطَ مِنْهَا الْأَلِف، وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْد التَّنْوِين فِي الثَّلَاثَة، وَالْوَقْف بِالْأَلِفِ اِتِّبَاعًا لِخَطِّ الْمُصْحَف ; قَالَ : رَأَيْت فِي مُصْحَف عُثْمَان " سَلَاسِلًا " بِالْأَلِفِ وَ " وَقَوَارِيرًا " الْأَوَّل بِالْأَلِفِ، وَكَانَ الثَّانِي مَكْتُوبًا بِالْأَلِفِ فَحُكَّتْ فَرَأَيْت أَثَرهَا هُنَاكَ بَيِّنًا.
فَمَنْ صَرَفَ فَلَهُ أَرْبَع حُجَج : أَحَدهَا : أَنَّ الْجُمُوع أَشْبَهَتْ الْآحَاد فَجُمِعَتْ جَمْع الْآحَاد، فَجُعِلَتْ فِي حُكْم الْآحَاد فَصُرِفَتْ.
الثَّانِيَة : أَنَّ الْأَخْفَش حَكَى عَنْ الْعَرَب صَرْف جَمِيع مَا لَا يَنْصَرِف إِلَّا أَفْعَل مِنْك، وَكَذَا قَالَ الْكِسَائِيّ وَالْفَرَّاء : هُوَ عَلَى لُغَة مَنْ يَجُرّ الْأَسْمَاء كُلّهَا إِلَّا قَوْلهمْ هُوَ أَظْرَف مِنْك فَإِنَّهُمْ لَا يَجُرُّونَهُ ; وَأَنْشَدَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ فِي ذَلِكَ قَوْل عَمْرو بْن كُلْثُوم :
وَقَالَ لَبِيد :
وَقَالَ لَبِيد أَيْضًا :
فَصُرِفَ مَخَارِيق وَمَغَالِق وَرَغَائِب، وَسَبِيلهَا أَلَّا تُصْرَف.
وَالْحُجَّة الثَّالِثَة : أَنْ يَقُول نُوِّنَتْ قَوَارِير الْأَوَّل لِأَنَّهُ رَأْس آيَة، وَرُءُوس الْآي جَاءَتْ بِالنُّونِ، كَقَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ :" مَذْكُورًا ".
" سَمِيعًا بَصِيرًا " فَنَوَّنَّا الْأَوَّل لِيُوقَف بَيْن رُءُوس الْآي، وَنَوَّنَّا الثَّانِي عَلَى الْجِوَار لِلْأَوَّلِ.
وَالْحُجَّة الرَّابِعَة : اِتِّبَاع الْمَصَاحِف، وَذَلِكَ أَنَّهُمَا جَمِيعًا فِي مَصَاحِف مَكَّة وَالْمَدِينَة وَالْكُوفَة بِالْأَلِفِ.
بَيَّنَ حَال الْفَرِيقَيْنِ، وَأَنَّهُ تَعَبَّدَ الْعُقَلَاء وَكَلَّفَهُمْ وَمَكَّنَهُمْ مِمَّا أَمَرَهُمْ، فَمَنْ كَفَرَ فَلَهُ الْعِقَاب، وَمَنْ وَحَّدَ وَشَكَرَ فَلَهُ الثَّوَاب.
وَالسَّلَاسِل : الْقُيُود فِي جَهَنَّم طُول كُلّ سَلْسَلَة سَبْعُونَ ذِرَاعًا كَمَا مَضَى فِي " الْحَاقَّة ".
وَقَرَأَ نَافِع وَالْكِسَائِيّ وَأَبُو بَكْر عَنْ عَاصِم وَهِشَام عَنْ اِبْن عَامِر " سَلَاسِلًا " مُنَوَّنًا.
الْبَاقُونَ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ.
وَوَقَفَ قُنْبُل وَابْن كَثِير وَحَمْزَة بِغَيْرِ أَلِف.
الْبَاقُونَ بِالْأَلِفِ.
فَأَمَّا " قَوَارِير " الْأَوَّل فَنَوَّنَهُ نَافِع وَابْن كَثِير وَالْكِسَائِيّ وَأَبُو بَكْر عَنْ عَاصِم، وَلَمْ يُنَوِّن الْبَاقُونَ.
وَوَقَفَ فِيهِ يَعْقُوب وَحَمْزَة بِغَيْرِ أَلِف.
وَالْبَاقُونَ بِالْأَلِفِ.
وَأَمَّا " قَوَارِير " الثَّانِيَة فَنَوَّنَهُ أَيْضًا نَافِع وَالْكِسَائِيّ وَأَبُو بَكْر، وَلَمْ يُنَوِّن الْبَاقُونَ.
فَمَنْ نَوَّنَ قَرَأَهَا بِالْأَلِفِ، وَمَنْ لَمْ يُنَوِّن أَسْقَطَ مِنْهَا الْأَلِف، وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْد التَّنْوِين فِي الثَّلَاثَة، وَالْوَقْف بِالْأَلِفِ اِتِّبَاعًا لِخَطِّ الْمُصْحَف ; قَالَ : رَأَيْت فِي مُصْحَف عُثْمَان " سَلَاسِلًا " بِالْأَلِفِ وَ " وَقَوَارِيرًا " الْأَوَّل بِالْأَلِفِ، وَكَانَ الثَّانِي مَكْتُوبًا بِالْأَلِفِ فَحُكَّتْ فَرَأَيْت أَثَرهَا هُنَاكَ بَيِّنًا.
فَمَنْ صَرَفَ فَلَهُ أَرْبَع حُجَج : أَحَدهَا : أَنَّ الْجُمُوع أَشْبَهَتْ الْآحَاد فَجُمِعَتْ جَمْع الْآحَاد، فَجُعِلَتْ فِي حُكْم الْآحَاد فَصُرِفَتْ.
الثَّانِيَة : أَنَّ الْأَخْفَش حَكَى عَنْ الْعَرَب صَرْف جَمِيع مَا لَا يَنْصَرِف إِلَّا أَفْعَل مِنْك، وَكَذَا قَالَ الْكِسَائِيّ وَالْفَرَّاء : هُوَ عَلَى لُغَة مَنْ يَجُرّ الْأَسْمَاء كُلّهَا إِلَّا قَوْلهمْ هُوَ أَظْرَف مِنْك فَإِنَّهُمْ لَا يَجُرُّونَهُ ; وَأَنْشَدَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ فِي ذَلِكَ قَوْل عَمْرو بْن كُلْثُوم :
كَأَنَّ سُيُوفنَا فِينَا وَفِيهِمْ | مَخَارِيقٌ بِأَيْدِي لَاعِبِينَا |
وَجَزُور أَيَسَار دَعَوْت لِحَتْفِهَا | بِمَغَالِقٍ مُتَشَابِه أَجْسَامهَا |
فَضَلًا وَذُو كَرَم يُعِين عَلَى النَّدَى | سَمْح كَسُوب رَغَائِبٍ غَنَّامهَا |
وَالْحُجَّة الثَّالِثَة : أَنْ يَقُول نُوِّنَتْ قَوَارِير الْأَوَّل لِأَنَّهُ رَأْس آيَة، وَرُءُوس الْآي جَاءَتْ بِالنُّونِ، كَقَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ :" مَذْكُورًا ".
" سَمِيعًا بَصِيرًا " فَنَوَّنَّا الْأَوَّل لِيُوقَف بَيْن رُءُوس الْآي، وَنَوَّنَّا الثَّانِي عَلَى الْجِوَار لِلْأَوَّلِ.
وَالْحُجَّة الرَّابِعَة : اِتِّبَاع الْمَصَاحِف، وَذَلِكَ أَنَّهُمَا جَمِيعًا فِي مَصَاحِف مَكَّة وَالْمَدِينَة وَالْكُوفَة بِالْأَلِفِ.
وَقَدْ اِحْتَجَّ مَنْ لَمْ يَصْرِفْهُنَّ بِأَنْ قَالَ : إِنَّ كُلّ جَمْع بَعْد الْأَلِف مِنْهُ ثَلَاثَة أَحْرُف أَوْ حَرْفَانِ أَوْ حَرْف مُشَدَّد لَمْ يُصْرَف فِي مَعْرِفَة وَلَا نَكِرَة ; فَاَلَّذِي بَعْد الْأَلِف مِنْهُ ثَلَاثَة أَحْرُف قَوْلك : قَنَادِيل وَدَنَانِير وَمَنَادِيل، وَاَلَّذِي بَعْد الْأَلِف مِنْهُ حَرْفَانِ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" لَهُدِّمَتْ صَوَامِع " [ الْحَجّ : ٤٠ ] لِأَنَّ بَعْد الْأَلِف مِنْهُ حَرْفَيْنِ، وَكَذَلِكَ قَوْله :" وَمَسَاجِد يُذْكَر فِيهَا اِسْم اللَّه كَثِيرًا " [ الْحَجّ : ٤٠ ].
وَاَلَّذِي بَعْد الْأَلِف مِنْهُ حَرْف مُشَدَّد شَوَابّ وَدَوَابّ.
وَقَالَ خَلَف : سَمِعْت يَحْيَى بْن آدَم يُحَدِّث عَنْ اِبْن إِدْرِيس قَالَ : فِي الْمَصَاحِف الْأُوَل الْحَرْف الْأَوَّل بِالْأَلِفِ وَالثَّانِي بِغَيْرِ أَلِف ; فَهَذَا حُجَّة لِمَذْهَبِ حَمْزَة.
وَقَالَ خَلَف : رَأَيْت فِي مُصْحَف يُنْسَب إِلَى قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود الْأَوَّل بِالْأَلِفِ وَالثَّانِي بِغَيْرِ أَلِف.
وَأَمَّا أَفْعَل مِنْك فَلَا يَقُول أَحَد مِنْ الْعَرَب فِي شِعْره وَلَا فِي غَيْره هُوَ أَفْعَلٌ مِنْك مُنَوَّنًا ; لِأَنَّ مِنْ تَقُوم مَقَام الْإِضَافَة فَلَا يُجْمَع بَيْن تَنْوِين وَإِضَافَة فِي حَرْف ; لِأَنَّهُمَا دَلِيلَانِ مِنْ دَلَائِل الْأَسْمَاء وَلَا يُجْمَع بَيْن دَلِيلَيْنِ ; قَالَهُ الْفَرَّاء وَغَيْره.
" وَأَغْلَالًا " جَمْع غُلّ تُغَلُّ بِهَا أَيْدِيهمْ إِلَى أَعْنَاقِهِمْ.
وَعَنْ جُبَيْر بْن نُفَيْر عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء كَانَ يَقُول : اِرْفَعُوا هَذِهِ الْأَيْدِي إِلَى اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَبْل أَنْ تُغَلَّ بِالْأَغْلَالِ.
قَالَ الْحَسَن : إِنَّ الْأَغْلَال لَمْ تُجْعَل فِي أَعْنَاق أَهْل النَّار ; لِأَنَّهُمْ أَعْجَزُوا الرَّبّ سُبْحَانه وَلَكِنْ إِذْلَالًا.
" وَسَعِيرًا " تَقَدَّمَ الْقَوْل فِيهِ.
وَاَلَّذِي بَعْد الْأَلِف مِنْهُ حَرْف مُشَدَّد شَوَابّ وَدَوَابّ.
وَقَالَ خَلَف : سَمِعْت يَحْيَى بْن آدَم يُحَدِّث عَنْ اِبْن إِدْرِيس قَالَ : فِي الْمَصَاحِف الْأُوَل الْحَرْف الْأَوَّل بِالْأَلِفِ وَالثَّانِي بِغَيْرِ أَلِف ; فَهَذَا حُجَّة لِمَذْهَبِ حَمْزَة.
وَقَالَ خَلَف : رَأَيْت فِي مُصْحَف يُنْسَب إِلَى قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود الْأَوَّل بِالْأَلِفِ وَالثَّانِي بِغَيْرِ أَلِف.
وَأَمَّا أَفْعَل مِنْك فَلَا يَقُول أَحَد مِنْ الْعَرَب فِي شِعْره وَلَا فِي غَيْره هُوَ أَفْعَلٌ مِنْك مُنَوَّنًا ; لِأَنَّ مِنْ تَقُوم مَقَام الْإِضَافَة فَلَا يُجْمَع بَيْن تَنْوِين وَإِضَافَة فِي حَرْف ; لِأَنَّهُمَا دَلِيلَانِ مِنْ دَلَائِل الْأَسْمَاء وَلَا يُجْمَع بَيْن دَلِيلَيْنِ ; قَالَهُ الْفَرَّاء وَغَيْره.
" وَأَغْلَالًا " جَمْع غُلّ تُغَلُّ بِهَا أَيْدِيهمْ إِلَى أَعْنَاقِهِمْ.
وَعَنْ جُبَيْر بْن نُفَيْر عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء كَانَ يَقُول : اِرْفَعُوا هَذِهِ الْأَيْدِي إِلَى اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَبْل أَنْ تُغَلَّ بِالْأَغْلَالِ.
قَالَ الْحَسَن : إِنَّ الْأَغْلَال لَمْ تُجْعَل فِي أَعْنَاق أَهْل النَّار ; لِأَنَّهُمْ أَعْجَزُوا الرَّبّ سُبْحَانه وَلَكِنْ إِذْلَالًا.
" وَسَعِيرًا " تَقَدَّمَ الْقَوْل فِيهِ.
إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ
الْأَبْرَار : أَهْل الصِّدْق وَاحِدهمْ بَرّ، وَهُوَ مَنْ اِمْتَثَلَ أَمْر اللَّه تَعَالَى.
وَقِيلَ : الْبَرّ الْمُوَحِّد وَالْأَبْرَار جَمْع بَارّ مِثْل شَاهِد وَأَشْهَاد، وَقِيلَ : هُوَ جَمْع بَرّ مِثْل نَهْر وَأَنْهَار ; وَفِي الصِّحَاح : وَجَمْع الْبَرّ الْأَبْرَار، وَجَمْع الْبَارّ الْبَرَرَة، وَفُلَان يَبَرّ خَالِقه وَيَتَبَرَّره أَيْ يُطِيعهُ، وَالْأُمّ بَرَّة بِوَلَدِهَا.
وَرَوَى اِبْن عُمَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( إِنَّمَا سَمَّاهُمْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْأَبْرَار لِأَنَّهُمْ بَرُّوا الْآبَاء وَالْأَبْنَاء، كَمَا أَنَّ لِوَالِدِك عَلَيْك حَقًّا كَذَلِكَ لِوَلَدِك عَلَيْك حَقًّا ).
وَقَالَ الْحَسَن : الْبَرّ الَّذِي لَا يُؤْذِي الذَّرّ.
وَقَالَ قَتَادَة : الْأَبْرَار الَّذِينَ يُؤَدُّونَ حَقّ اللَّه وَيُوفُونَ بِالنَّذْرِ.
وَفِي الْحَدِيث :( الْأَبْرَار الَّذِينَ لَا يُؤْذُونَ أَحَدًا ).
" يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْس " أَيْ مِنْ إِنَاء فِيهِ الشَّرَاب.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : يُرِيد الْخَمْر.
وَالْكَأْس فِي اللُّغَة الْإِنَاء فِيهِ الشَّرَاب : وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَرَاب لَمْ يُسَمَّ كَأْسًا.
قَالَ عَمْرو بْن كُلْثُوم :
وَقَالَ الْأَصْمَعِيّ : يُقَال صَبَنْتَ عَنَّا الْهَدِيَّة أَوَمَا كَانَ مِنْ مَعْرُوف تَصْبِن صَبْنًا : بِمَعْنَى كَفَفْت ; قَالَهُ الْجَوْهَرِيّ.
الْأَبْرَار : أَهْل الصِّدْق وَاحِدهمْ بَرّ، وَهُوَ مَنْ اِمْتَثَلَ أَمْر اللَّه تَعَالَى.
وَقِيلَ : الْبَرّ الْمُوَحِّد وَالْأَبْرَار جَمْع بَارّ مِثْل شَاهِد وَأَشْهَاد، وَقِيلَ : هُوَ جَمْع بَرّ مِثْل نَهْر وَأَنْهَار ; وَفِي الصِّحَاح : وَجَمْع الْبَرّ الْأَبْرَار، وَجَمْع الْبَارّ الْبَرَرَة، وَفُلَان يَبَرّ خَالِقه وَيَتَبَرَّره أَيْ يُطِيعهُ، وَالْأُمّ بَرَّة بِوَلَدِهَا.
وَرَوَى اِبْن عُمَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( إِنَّمَا سَمَّاهُمْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْأَبْرَار لِأَنَّهُمْ بَرُّوا الْآبَاء وَالْأَبْنَاء، كَمَا أَنَّ لِوَالِدِك عَلَيْك حَقًّا كَذَلِكَ لِوَلَدِك عَلَيْك حَقًّا ).
وَقَالَ الْحَسَن : الْبَرّ الَّذِي لَا يُؤْذِي الذَّرّ.
وَقَالَ قَتَادَة : الْأَبْرَار الَّذِينَ يُؤَدُّونَ حَقّ اللَّه وَيُوفُونَ بِالنَّذْرِ.
وَفِي الْحَدِيث :( الْأَبْرَار الَّذِينَ لَا يُؤْذُونَ أَحَدًا ).
" يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْس " أَيْ مِنْ إِنَاء فِيهِ الشَّرَاب.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : يُرِيد الْخَمْر.
وَالْكَأْس فِي اللُّغَة الْإِنَاء فِيهِ الشَّرَاب : وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَرَاب لَمْ يُسَمَّ كَأْسًا.
قَالَ عَمْرو بْن كُلْثُوم :
صَبَنْت الْكَأْس عَنَّا أُمّ عَمْرو | وَكَانَ الْكَأْس مَجْرَاهَا الْيَمِينَا |
كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا
" كَانَ مِزَاجهَا " أَيْ شَوْبهَا وَخَلْطهَا، قَالَ حَسَّان :
وَمِنْهُ مِزَاج الْبَدَن وَهُوَ مَا يُمَازِجُهُ مِنْ الصَّفْرَاء وَالسَّوْدَاء وَالْحَرَارَة وَالْبُرُودَة.
" كَافُورًا " قَالَ اِبْن عَبَّاس : هُوَ اِسْم عَيْن مَاء فِي الْجَنَّة، يُقَال لَهُ عَيْن الْكَافُور.
أَيْ يُمَازِجهُ مَاء هَذِهِ الْعَيْن الَّتِي تُسَمَّى كَافُورًا.
وَقَالَ سَعِيد عَنْ قَتَادَة : تُمْزَج لَهُمْ بِالْكَافُورِ وَتُخْتَم بِالْمِسْكِ.
وَقَالَهُ مُجَاهِد.
وَقَالَ عِكْرِمَة : مِزَاجهَا طَعْمهَا.
وَقِيلَ : إِنَّمَا الْكَافُور فِي رِيحهَا لَا فِي طَعْمهَا.
وَقِيلَ : أَرَادَ كَالْكَافُورِ فِي بَيَاضه وَطِيب رَائِحَته وَبَرْده ; لِأَنَّ الْكَافُور لَا يُشْرَب ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا " [ الْكَهْف : ٩٦ ] أَيْ كَنَارٍ.
وَقَالَ اِبْن كَيْسَان : طُيِّبَ بِالْمِسْكِ وَالْكَافُور وَالزَّنْجَبِيل.
وَقَالَ مُقَاتِل : لَيْسَ بِكَافُورِ الدُّنْيَا.
وَلَكِنْ سَمَّى اللَّه مَا عِنْده بِمَا عِنْدكُمْ حَتَّى تَهْتَدِي لَهَا الْقُلُوب.
وَقَوْله :" كَانَ مِزَاجُهَا " " كَانَ " زَائِدَة أَيْ مِنْ كَأْس مِزَاجهَا كَافُور.
" كَانَ مِزَاجهَا " أَيْ شَوْبهَا وَخَلْطهَا، قَالَ حَسَّان :
كَأَنَّ سَبِيئَة مِنْ بَيْت رَأْس | يَكُون مِزَاجَهَا عَسَلٌ وَمَاءُ |
" كَافُورًا " قَالَ اِبْن عَبَّاس : هُوَ اِسْم عَيْن مَاء فِي الْجَنَّة، يُقَال لَهُ عَيْن الْكَافُور.
أَيْ يُمَازِجهُ مَاء هَذِهِ الْعَيْن الَّتِي تُسَمَّى كَافُورًا.
وَقَالَ سَعِيد عَنْ قَتَادَة : تُمْزَج لَهُمْ بِالْكَافُورِ وَتُخْتَم بِالْمِسْكِ.
وَقَالَهُ مُجَاهِد.
وَقَالَ عِكْرِمَة : مِزَاجهَا طَعْمهَا.
وَقِيلَ : إِنَّمَا الْكَافُور فِي رِيحهَا لَا فِي طَعْمهَا.
وَقِيلَ : أَرَادَ كَالْكَافُورِ فِي بَيَاضه وَطِيب رَائِحَته وَبَرْده ; لِأَنَّ الْكَافُور لَا يُشْرَب ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا " [ الْكَهْف : ٩٦ ] أَيْ كَنَارٍ.
وَقَالَ اِبْن كَيْسَان : طُيِّبَ بِالْمِسْكِ وَالْكَافُور وَالزَّنْجَبِيل.
وَقَالَ مُقَاتِل : لَيْسَ بِكَافُورِ الدُّنْيَا.
وَلَكِنْ سَمَّى اللَّه مَا عِنْده بِمَا عِنْدكُمْ حَتَّى تَهْتَدِي لَهَا الْقُلُوب.
وَقَوْله :" كَانَ مِزَاجُهَا " " كَانَ " زَائِدَة أَيْ مِنْ كَأْس مِزَاجهَا كَافُور.
عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ
قَالَ الْفَرَّاء : إِنَّ الْكَافُور اِسْم لِعَيْن مَاء فِي الْجَنَّة ; فَـ " عَيْنًا " بَدَل مِنْ كَافُور عَلَى هَذَا.
وَقِيلَ : بَدَل مِنْ كَأْس عَلَى الْمَوْضِع.
وَقِيلَ : هِيَ حَال مِنْ الْمُضْمَر فِي " مِزَاجهَا ".
وَقِيلَ : نَصْب عَلَى الْمَدْح ; كَمَا يُذْكَر الرَّجُل فَتَقُول : الْعَاقِلَ اللَّبِيبَ ; أَيْ ذَكَرْتُمْ الْعَاقِل اللَّبِيب فَهُوَ نَصْب بِإِضْمَارِ أَعْنِي.
وَقِيلَ يَشْرَبُونَ عَيْنًا.
وَقَالَ الزَّجَّاج الْمَعْنَى مِنْ عَيْن.
وَيُقَال : كَافُور وَقَافُور.
وَالْكَافُور أَيْضًا : وِعَاء طَلْع النَّخْل وَكَذَلِكَ الْكُفُرَّى ; قَالَهُ الْأَصْمَعِيّ.
وَأَمَّا قَوْل الرَّاعِي :
فَإِنَّ الظَّبْي الَّذِي يَكُون مِنْهُ الْمِسْك إِنَّمَا يَرْعَى سُنْبُل الطِّيب فَجَعَلَهُ كَافُورًا.
" يَشْرَب بِهَا " قَالَ الْفَرَّاء : يَشْرَب بِهَا وَيَشْرَبهَا سَوَاء فِي الْمَعْنَى، وَكَأَنْ يَشْرَب بِهَا يُرْوَى بِهَا وَيُنْقَع ; وَأَنْشَدَ :
قَالَ : وَمِثْله فُلَان يَتَكَلَّم بِكَلَامٍ حَسَن، وَيَتَكَلَّم كَلَامًا حَسَنًا.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى يَشْرَبهَا وَالْبَاء زَائِدَة وَقِيلَ : الْبَاء بَدَل " مِنْ " تَقْدِيره يَشْرَب مِنْهَا ; قَالَهُ الْقُتَبِيّ.
قَالَ الْفَرَّاء : إِنَّ الْكَافُور اِسْم لِعَيْن مَاء فِي الْجَنَّة ; فَـ " عَيْنًا " بَدَل مِنْ كَافُور عَلَى هَذَا.
وَقِيلَ : بَدَل مِنْ كَأْس عَلَى الْمَوْضِع.
وَقِيلَ : هِيَ حَال مِنْ الْمُضْمَر فِي " مِزَاجهَا ".
وَقِيلَ : نَصْب عَلَى الْمَدْح ; كَمَا يُذْكَر الرَّجُل فَتَقُول : الْعَاقِلَ اللَّبِيبَ ; أَيْ ذَكَرْتُمْ الْعَاقِل اللَّبِيب فَهُوَ نَصْب بِإِضْمَارِ أَعْنِي.
وَقِيلَ يَشْرَبُونَ عَيْنًا.
وَقَالَ الزَّجَّاج الْمَعْنَى مِنْ عَيْن.
وَيُقَال : كَافُور وَقَافُور.
وَالْكَافُور أَيْضًا : وِعَاء طَلْع النَّخْل وَكَذَلِكَ الْكُفُرَّى ; قَالَهُ الْأَصْمَعِيّ.
وَأَمَّا قَوْل الرَّاعِي :
تَكْسُو الْمَفَارِق وَاللَّبَّات ذَا أَرَج | مِنْ قَصَب مُعْتَلِف الْكَافُور دَرَّاج |
" يَشْرَب بِهَا " قَالَ الْفَرَّاء : يَشْرَب بِهَا وَيَشْرَبهَا سَوَاء فِي الْمَعْنَى، وَكَأَنْ يَشْرَب بِهَا يُرْوَى بِهَا وَيُنْقَع ; وَأَنْشَدَ :
شَرِبْنَ بِمَاءِ الْبَحْر ثُمَّ تَرَفَّعَتْ | مَتَى لُجَجٍ خُضْر لَهُنَّ نَئِيج |
وَقِيلَ : الْمَعْنَى يَشْرَبهَا وَالْبَاء زَائِدَة وَقِيلَ : الْبَاء بَدَل " مِنْ " تَقْدِيره يَشْرَب مِنْهَا ; قَالَهُ الْقُتَبِيّ.
يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا
فَيُقَال : إِنَّ الرَّجُل مِنْهُمْ لَيَمْشِي فِي بُيُوتَاتِهِ وَيَصْعَد إِلَى قُصُوره، وَبِيَدِهِ قَضِيب يُشِير بِهِ إِلَى الْمَاء فَيَجْرِي مَعَهُ حَيْثُمَا دَارَ فِي مَنَازِله عَلَى مُسْتَوَى الْأَرْض فِي غَيْر أُخْدُود، وَيَتْبَعهُ حَيْثُمَا صَعِدَ إِلَى أَعْلَى قُصُوره ; وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :" عَيْنًا يَشْرَب بِهَا عِبَاد اللَّه يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا " أَيْ يُشَقِّقُونَهَا شَقًّا كَمَا يُفَجِّر الرَّجُل النَّهَر هَهُنَا وَهَهُنَا إِلَى حَيْثُ يُرِيد.
وَعَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد " يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا " يَقُودُونَهَا حَيْثُ شَاءُوا وَتَتْبَعهُمْ حَيْثُمَا مَالُوا مَالَتْ مَعَهُمْ.
وَرَوَى أَبُو مُقَاتِل عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ سَعْد عَنْ أَبِي سَهْل عَنْ الْحَسَن قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَرْبَع عُيُون فِي الْجَنَّة عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ مِنْ تَحْت الْعَرْش إِحْدَاهُمَا الَّتِي ذَكَرَ اللَّه " يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا " [ وَالْأُخْرَى الزَّنْجَبِيل ] وَالْأُخْرَيَانِ نَضَّاخَتَانِ مِنْ فَوْق الْعَرْش إِحْدَاهُمَا الَّتِي ذَكَرَ اللَّه [ عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى ] " سَلْسَبِيلًا " وَالْأُخْرَى التَّسْنِيم ) ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم فِي " نَوَادِر الْأُصُول ".
وَقَالَ : فَالتَّسْنِيم لِلْمُقَرَّبِينَ خَاصَّة شُرْبًا لَهُمْ، وَالْكَافُور لِلْأَبْرَارِ شُرْبًا لَهُمْ ; يُمْزَج لِلْأَبْرَارِ مِنْ التَّسْنِيم شَرَابهمْ، وَأَمَّا الزَّنْجَبِيل وَالسَّلْسَبِيل فَلِلْأَبْرَارِ مِنْهَا مِزَاج هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي التَّنْزِيل وَسَكَتَ عَنْ ذِكْر ذَلِكَ لِمَنْ هِيَ شُرْب، فَمَا كَانَ لِلْأَبْرَارِ مِزَاجًا فَهُوَ لِلْمُقَرَّبِينَ صِرْف، وَمَا كَانَ لِلْأَبْرَارِ صِرْفًا فَهُوَ لِسَائِرِ أَهْل الْجَنَّة مِزَاج.
وَالْأَبْرَار هُمْ الصَّادِقُونَ، وَالْمُقَرَّبُونَ : هُمْ الصِّدِّيقُونَ.
فَيُقَال : إِنَّ الرَّجُل مِنْهُمْ لَيَمْشِي فِي بُيُوتَاتِهِ وَيَصْعَد إِلَى قُصُوره، وَبِيَدِهِ قَضِيب يُشِير بِهِ إِلَى الْمَاء فَيَجْرِي مَعَهُ حَيْثُمَا دَارَ فِي مَنَازِله عَلَى مُسْتَوَى الْأَرْض فِي غَيْر أُخْدُود، وَيَتْبَعهُ حَيْثُمَا صَعِدَ إِلَى أَعْلَى قُصُوره ; وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :" عَيْنًا يَشْرَب بِهَا عِبَاد اللَّه يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا " أَيْ يُشَقِّقُونَهَا شَقًّا كَمَا يُفَجِّر الرَّجُل النَّهَر هَهُنَا وَهَهُنَا إِلَى حَيْثُ يُرِيد.
وَعَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد " يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا " يَقُودُونَهَا حَيْثُ شَاءُوا وَتَتْبَعهُمْ حَيْثُمَا مَالُوا مَالَتْ مَعَهُمْ.
وَرَوَى أَبُو مُقَاتِل عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ سَعْد عَنْ أَبِي سَهْل عَنْ الْحَسَن قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَرْبَع عُيُون فِي الْجَنَّة عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ مِنْ تَحْت الْعَرْش إِحْدَاهُمَا الَّتِي ذَكَرَ اللَّه " يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا " [ وَالْأُخْرَى الزَّنْجَبِيل ] وَالْأُخْرَيَانِ نَضَّاخَتَانِ مِنْ فَوْق الْعَرْش إِحْدَاهُمَا الَّتِي ذَكَرَ اللَّه [ عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى ] " سَلْسَبِيلًا " وَالْأُخْرَى التَّسْنِيم ) ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم فِي " نَوَادِر الْأُصُول ".
وَقَالَ : فَالتَّسْنِيم لِلْمُقَرَّبِينَ خَاصَّة شُرْبًا لَهُمْ، وَالْكَافُور لِلْأَبْرَارِ شُرْبًا لَهُمْ ; يُمْزَج لِلْأَبْرَارِ مِنْ التَّسْنِيم شَرَابهمْ، وَأَمَّا الزَّنْجَبِيل وَالسَّلْسَبِيل فَلِلْأَبْرَارِ مِنْهَا مِزَاج هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي التَّنْزِيل وَسَكَتَ عَنْ ذِكْر ذَلِكَ لِمَنْ هِيَ شُرْب، فَمَا كَانَ لِلْأَبْرَارِ مِزَاجًا فَهُوَ لِلْمُقَرَّبِينَ صِرْف، وَمَا كَانَ لِلْأَبْرَارِ صِرْفًا فَهُوَ لِسَائِرِ أَهْل الْجَنَّة مِزَاج.
وَالْأَبْرَار هُمْ الصَّادِقُونَ، وَالْمُقَرَّبُونَ : هُمْ الصِّدِّيقُونَ.
يُوفُونَ بِالنَّذْرِ
أَيْ لَا يُخْلِفُونَ إِذَا نَذَرُوا.
وَقَالَ مَعْمَر عَنْ قَتَادَة : بِمَا فَرَضَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصَّوْم وَالْحَجّ وَالْعُمْرَة وَغَيْره مِنْ الْوَاجِبَات.
وَقَالَ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة : يُوفُونَ إِذَا نَذَرُوا فِي حَقّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ.
وَقَالَ الْفَرَّاء وَالْجُرْجَانِيّ : وَفِي الْكَلَام إِضْمَار ; أَيْ كَانُوا يُوفُونَ بِالنَّذْرِ فِي الدُّنْيَا.
وَالْعَرَب قَدْ تَزِيد مَرَّة " كَانَ " وَتَحْذِف أُخْرَى.
وَالنَّذْر : حَقِيقَته مَا أَوْجَبَهُ الْمُكَلَّف عَلَى نَفْسه مِنْ شَيْء يَفْعَلهُ.
وَإِنْ شِئْت قُلْت فِي حَدّه : النَّذْر : هُوَ إِيجَاب الْمُكَلَّف عَلَى نَفْسه مِنْ الطَّاعَات مَا لَوْ لَمْ يُوجِبهُ لَمْ يَلْزَمهُ.
وَقَالَ الْكَلْبِيّ :" يُوفُونَ بِالنَّذْرِ " أَيْ يُتَمِّمُونَ الْعُهُود وَالْمَعْنَى وَاحِد ; وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى :" ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ " [ الْحَجّ : ٢٩ ] أَيْ أَعْمَال نُسُكِهِمْ الَّتِي أَلْزَمُوهَا أَنْفُسهمْ بِإِحْرَامِهِمْ بِالْحَجِّ.
وَهَذَا يُقَوِّي قَوْل قَتَادَة.
وَأَنَّ النَّذْر يَنْدَرِج فِيهِ مَا اِلْتَزَمَهُ الْمَرْء بِإِيمَانِهِ مِنْ اِمْتِثَال أَمْر اللَّه ; قَالَهُ الْقُشَيْرِيّ.
وَرَوَى أَشْهَب عَنْ مَالِك أَنَّهُ قَالَ :" يُوفُونَ بِالنَّذْرِ " هُوَ نَذْر الْعِتْق وَالصِّيَام وَالصَّلَاة.
وَرَوَى عَنْهُ أَبُو بَكْر بْن عَبْد الْعَزِيز قَالَ مَالِك.
" يُوفُونَ بِالنَّذْرِ " قَالَ : النَّذْر : هُوَ الْيَمِين.
أَيْ لَا يُخْلِفُونَ إِذَا نَذَرُوا.
وَقَالَ مَعْمَر عَنْ قَتَادَة : بِمَا فَرَضَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصَّوْم وَالْحَجّ وَالْعُمْرَة وَغَيْره مِنْ الْوَاجِبَات.
وَقَالَ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة : يُوفُونَ إِذَا نَذَرُوا فِي حَقّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ.
وَقَالَ الْفَرَّاء وَالْجُرْجَانِيّ : وَفِي الْكَلَام إِضْمَار ; أَيْ كَانُوا يُوفُونَ بِالنَّذْرِ فِي الدُّنْيَا.
وَالْعَرَب قَدْ تَزِيد مَرَّة " كَانَ " وَتَحْذِف أُخْرَى.
وَالنَّذْر : حَقِيقَته مَا أَوْجَبَهُ الْمُكَلَّف عَلَى نَفْسه مِنْ شَيْء يَفْعَلهُ.
وَإِنْ شِئْت قُلْت فِي حَدّه : النَّذْر : هُوَ إِيجَاب الْمُكَلَّف عَلَى نَفْسه مِنْ الطَّاعَات مَا لَوْ لَمْ يُوجِبهُ لَمْ يَلْزَمهُ.
وَقَالَ الْكَلْبِيّ :" يُوفُونَ بِالنَّذْرِ " أَيْ يُتَمِّمُونَ الْعُهُود وَالْمَعْنَى وَاحِد ; وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى :" ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ " [ الْحَجّ : ٢٩ ] أَيْ أَعْمَال نُسُكِهِمْ الَّتِي أَلْزَمُوهَا أَنْفُسهمْ بِإِحْرَامِهِمْ بِالْحَجِّ.
وَهَذَا يُقَوِّي قَوْل قَتَادَة.
وَأَنَّ النَّذْر يَنْدَرِج فِيهِ مَا اِلْتَزَمَهُ الْمَرْء بِإِيمَانِهِ مِنْ اِمْتِثَال أَمْر اللَّه ; قَالَهُ الْقُشَيْرِيّ.
وَرَوَى أَشْهَب عَنْ مَالِك أَنَّهُ قَالَ :" يُوفُونَ بِالنَّذْرِ " هُوَ نَذْر الْعِتْق وَالصِّيَام وَالصَّلَاة.
وَرَوَى عَنْهُ أَبُو بَكْر بْن عَبْد الْعَزِيز قَالَ مَالِك.
" يُوفُونَ بِالنَّذْرِ " قَالَ : النَّذْر : هُوَ الْيَمِين.
وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا
" وَيَخَافُونَ " أَيْ يَحْذَرُونَ " يَوْمًا " أَيْ يَوْم الْقِيَامَة.
" كَانَ شَرّه مُسْتَطِيرًا " أَيْ عَالِيًا دَاهِيًا فَاشِيًّا وَهُوَ فِي اللُّغَة مُمْتَدًّا ; وَالْعَرَب تَقُول : اِسْتَطَارَ الصَّدْع فِي الْقَارُورَة وَالزُّجَاجَة وَاسْتَطَالَ : إِذَا اِمْتَدَّ ; قَالَ الْأَعْشَى :
وَيُقَال : اِسْتَطَارَ الْحَرِيق : إِذَا اِنْتَشَرَ.
وَاسْتَطَارَ الْفَجْر إِذَا اِنْتَشَرَ الضَّوْء.
وَقَالَ حَسَّان :
وَكَانَ قَتَادَة يَقُول : اِسْتَطَارَ وَاَللَّه شَرّ ذَلِكَ الْيَوْم حَتَّى مَلَأَ السَّمَوَات وَالْأَرْض.
وَقَالَ مُقَاتِل : كَانَ شَرّه فَاشِيًا فِي السَّمَوَات فَانْشَقَّتْ، وَتَنَاثَرَتْ الْكَوَاكِب، وَفَزِعَتْ الْمَلَائِكَة، وَفِي الْأَرْض نُسِفَتْ الْجِبَال وَغَارَتْ الْمِيَاه.
" وَيَخَافُونَ " أَيْ يَحْذَرُونَ " يَوْمًا " أَيْ يَوْم الْقِيَامَة.
" كَانَ شَرّه مُسْتَطِيرًا " أَيْ عَالِيًا دَاهِيًا فَاشِيًّا وَهُوَ فِي اللُّغَة مُمْتَدًّا ; وَالْعَرَب تَقُول : اِسْتَطَارَ الصَّدْع فِي الْقَارُورَة وَالزُّجَاجَة وَاسْتَطَالَ : إِذَا اِمْتَدَّ ; قَالَ الْأَعْشَى :
وَبَانَتْ وَقَدْ أَسْأَرَتْ فِي الْفُؤَا | دِ صَدْعًا عَلَى نَأْيِهَا مُسْتَطِيرَا |
وَاسْتَطَارَ الْفَجْر إِذَا اِنْتَشَرَ الضَّوْء.
وَقَالَ حَسَّان :
وَهَانَ عَلَى سَرَاة بَنِي لُؤَيّ | حَرِيق بِالْبُوَيْرَة مُسْتَطِير |
وَقَالَ مُقَاتِل : كَانَ شَرّه فَاشِيًا فِي السَّمَوَات فَانْشَقَّتْ، وَتَنَاثَرَتْ الْكَوَاكِب، وَفَزِعَتْ الْمَلَائِكَة، وَفِي الْأَرْض نُسِفَتْ الْجِبَال وَغَارَتْ الْمِيَاه.
وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا
قَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد : عَلَى قِلَّتِهِ وَحُبّهمْ إِيَّاهُ وَشَهْوَتهمْ لَهُ.
وَقَالَ الدَّارَانِيّ : عَلَى حُبّ اللَّه.
وَقَالَ الْفُضَيْل بْن عِيَاض : عَلَى حُبّ إِطْعَام الطَّعَام.
وَكَانَ الرَّبِيع بْن خَيْثَم إِذَا جَاءَهُ السَّائِل قَالَ : أَطْعِمُوهُ سُكَّرًا فَإِنَّ الرَّبِيع يُحِبّ السُّكَّر.
" مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا " " مِسْكِينًا " أَيْ ذَا مَسْكَنَة.
وَرَوَى أَبُو صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : هُوَ الطَّوَّاف يَسْأَلك مَالَك " وَيَتِيمًا " أَيْ مِنْ يَتَامَى الْمُسْلِمِينَ.
وَرَوَى مَنْصُور عَنْ الْحَسَن : أَنَّ يَتِيمًا كَانَ يَحْضُر طَعَام اِبْن عُمَر، فَدَعَا ذَات يَوْم بِطَعَامِهِ، وَطَلَبَ الْيَتِيم فَلَمْ يَجِدهُ، وَجَاءَهُ بَعْدَمَا فَرَغَ اِبْن عُمَر مِنْ طَعَامه فَلَمْ يَجِد الطَّعَام، فَدَعَا لَهُ بِسَوِيقٍ وَعَسَل ; فَقَالَ : دُونَك هَذَا، فَوَاَللَّهِ مَا غُبِنْت ; قَالَ الْحَسَن وَابْن عُمَر : وَاَللَّه مَا غُبِنَ.
" وَأَسِيرًا " أَيْ الَّذِي يُؤْسَر فَيُحْبَس.
فَرَوَى أَبُو صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : الْأَسِير مِنْ أَهْل الشِّرْك يَكُون فِي أَيْدِيهمْ.
وَقَالَ قَتَادَة.
وَرَوَى اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد قَالَ : الْأَسِير هُوَ الْمَحْبُوس.
وَكَذَا قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَعَطَاء : هُوَ الْمُسْلِم يُحْبَس بِحَقٍّ.
وَعَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر مِثْل قَوْل قَتَادَة وَابْن عَبَّاس.
قَالَ قَتَادَة : لَقَدْ أَمَرَ اللَّه بِالْأَسْرَى أَنْ يُحْسَن إِلَيْهِمْ، وَإِنَّ أَسْرَاهُمْ يَوْمئِذٍ لَأَهْلُ الشِّرْك، وَأَخُوك الْمُسْلِم أَحَقّ أَنْ تُطْعِمهُ.
وَقَالَ عِكْرِمَة : الْأَسِير الْعَبْد.
وَقَالَ أَبُو حَمْزَة الثُّمَالِيّ : الْأَسِير الْمَرْأَة، يَدُلّ عَلَيْهِ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( اِسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ عَوَان عِنْدكُمْ ) أَيْ أَسِيرَات.
وَقَالَ أَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ : قَرَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَيُطْعِمُونَ الطَّعَام عَلَى حُبّه مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا " فَقَالَ :( الْمِسْكِين الْفَقِير، وَالْيَتِيم الَّذِي لَا أَب لَهُ، وَالْأَسِير الْمَمْلُوك وَالْمَسْجُون ) ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ.
وَقِيلَ : نَسَخَ إِطْعَامَ الْمِسْكِينِ آيَةُ الصَّدَقَات ; وَإِطْعَامَ الْأَسِيرِ [ آيَة ] السَّيْفُ ; قَالَهُ سَعِيد بْن جُبَيْر.
وَقَالَ غَيْره : بَلْ هُوَ ثَابِت الْحُكْم، وَإِطْعَام الْيَتِيم وَالْمِسْكِين عَلَى التَّطَوُّع، وَإِطْعَام الْأَسِير لِحِفْظِ نَفْسه إِلَّا أَنْ يَتَخَيَّر فِيهِ الْإِمَام.
الْمَاوَرْدِيّ : وَيَحْتَمِل أَنْ يُرِيد بِالْأَسِيرِ النَّاقِص الْعَقْل ; لِأَنَّهُ فِي أَسْر خَبْله وَجُنُونه، وَأَسْر الْمُشْرِك اِنْتِقَام يَقِف عَلَى رَأْي الْإِمَام ; وَهَذَا بِرّ وَإِحْسَان.
وَعَنْ عَطَاء قَالَ : الْأَسِير مِنْ أَهْل الْقِبْلَة وَغَيْرهمْ.
قُلْت : وَكَأَنَّ هَذَا الْقَوْل عَامّ يَجْمَع جَمِيع الْأَقْوَال، وَيَكُون إِطْعَام الْأَسِير الْمُشْرِك قُرْبَة إِلَى اللَّه تَعَالَى، غَيْر أَنَّهُ مِنْ صَدَقَة التَّطَوُّع، فَأَمَّا الْمَفْرُوضَة فَلَا.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَمَضَى الْقَوْل فِي الْمِسْكِين وَالْيَتِيم وَالْأَسِير وَاشْتِقَاق ذَلِكَ مِنْ اللُّغَة فِي " الْبَقَرَة " مُسْتَوْفًى وَالْحَمْد لِلَّهِ.
قَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد : عَلَى قِلَّتِهِ وَحُبّهمْ إِيَّاهُ وَشَهْوَتهمْ لَهُ.
وَقَالَ الدَّارَانِيّ : عَلَى حُبّ اللَّه.
وَقَالَ الْفُضَيْل بْن عِيَاض : عَلَى حُبّ إِطْعَام الطَّعَام.
وَكَانَ الرَّبِيع بْن خَيْثَم إِذَا جَاءَهُ السَّائِل قَالَ : أَطْعِمُوهُ سُكَّرًا فَإِنَّ الرَّبِيع يُحِبّ السُّكَّر.
" مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا " " مِسْكِينًا " أَيْ ذَا مَسْكَنَة.
وَرَوَى أَبُو صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : هُوَ الطَّوَّاف يَسْأَلك مَالَك " وَيَتِيمًا " أَيْ مِنْ يَتَامَى الْمُسْلِمِينَ.
وَرَوَى مَنْصُور عَنْ الْحَسَن : أَنَّ يَتِيمًا كَانَ يَحْضُر طَعَام اِبْن عُمَر، فَدَعَا ذَات يَوْم بِطَعَامِهِ، وَطَلَبَ الْيَتِيم فَلَمْ يَجِدهُ، وَجَاءَهُ بَعْدَمَا فَرَغَ اِبْن عُمَر مِنْ طَعَامه فَلَمْ يَجِد الطَّعَام، فَدَعَا لَهُ بِسَوِيقٍ وَعَسَل ; فَقَالَ : دُونَك هَذَا، فَوَاَللَّهِ مَا غُبِنْت ; قَالَ الْحَسَن وَابْن عُمَر : وَاَللَّه مَا غُبِنَ.
" وَأَسِيرًا " أَيْ الَّذِي يُؤْسَر فَيُحْبَس.
فَرَوَى أَبُو صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : الْأَسِير مِنْ أَهْل الشِّرْك يَكُون فِي أَيْدِيهمْ.
وَقَالَ قَتَادَة.
وَرَوَى اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد قَالَ : الْأَسِير هُوَ الْمَحْبُوس.
وَكَذَا قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَعَطَاء : هُوَ الْمُسْلِم يُحْبَس بِحَقٍّ.
وَعَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر مِثْل قَوْل قَتَادَة وَابْن عَبَّاس.
قَالَ قَتَادَة : لَقَدْ أَمَرَ اللَّه بِالْأَسْرَى أَنْ يُحْسَن إِلَيْهِمْ، وَإِنَّ أَسْرَاهُمْ يَوْمئِذٍ لَأَهْلُ الشِّرْك، وَأَخُوك الْمُسْلِم أَحَقّ أَنْ تُطْعِمهُ.
وَقَالَ عِكْرِمَة : الْأَسِير الْعَبْد.
وَقَالَ أَبُو حَمْزَة الثُّمَالِيّ : الْأَسِير الْمَرْأَة، يَدُلّ عَلَيْهِ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( اِسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ عَوَان عِنْدكُمْ ) أَيْ أَسِيرَات.
وَقَالَ أَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ : قَرَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَيُطْعِمُونَ الطَّعَام عَلَى حُبّه مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا " فَقَالَ :( الْمِسْكِين الْفَقِير، وَالْيَتِيم الَّذِي لَا أَب لَهُ، وَالْأَسِير الْمَمْلُوك وَالْمَسْجُون ) ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ.
وَقِيلَ : نَسَخَ إِطْعَامَ الْمِسْكِينِ آيَةُ الصَّدَقَات ; وَإِطْعَامَ الْأَسِيرِ [ آيَة ] السَّيْفُ ; قَالَهُ سَعِيد بْن جُبَيْر.
وَقَالَ غَيْره : بَلْ هُوَ ثَابِت الْحُكْم، وَإِطْعَام الْيَتِيم وَالْمِسْكِين عَلَى التَّطَوُّع، وَإِطْعَام الْأَسِير لِحِفْظِ نَفْسه إِلَّا أَنْ يَتَخَيَّر فِيهِ الْإِمَام.
الْمَاوَرْدِيّ : وَيَحْتَمِل أَنْ يُرِيد بِالْأَسِيرِ النَّاقِص الْعَقْل ; لِأَنَّهُ فِي أَسْر خَبْله وَجُنُونه، وَأَسْر الْمُشْرِك اِنْتِقَام يَقِف عَلَى رَأْي الْإِمَام ; وَهَذَا بِرّ وَإِحْسَان.
وَعَنْ عَطَاء قَالَ : الْأَسِير مِنْ أَهْل الْقِبْلَة وَغَيْرهمْ.
قُلْت : وَكَأَنَّ هَذَا الْقَوْل عَامّ يَجْمَع جَمِيع الْأَقْوَال، وَيَكُون إِطْعَام الْأَسِير الْمُشْرِك قُرْبَة إِلَى اللَّه تَعَالَى، غَيْر أَنَّهُ مِنْ صَدَقَة التَّطَوُّع، فَأَمَّا الْمَفْرُوضَة فَلَا.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَمَضَى الْقَوْل فِي الْمِسْكِين وَالْيَتِيم وَالْأَسِير وَاشْتِقَاق ذَلِكَ مِنْ اللُّغَة فِي " الْبَقَرَة " مُسْتَوْفًى وَالْحَمْد لِلَّهِ.
إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ
أَيْ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ لِلْمِسْكِينِ وَالْيَتِيم وَالْأَسِير " إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ " فِي اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ فَزَعًا مِنْ عَذَابه وَطَمَعًا فِي ثَوَابه.
أَيْ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ لِلْمِسْكِينِ وَالْيَتِيم وَالْأَسِير " إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ " فِي اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ فَزَعًا مِنْ عَذَابه وَطَمَعًا فِي ثَوَابه.
لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا
" لَا نُرِيد مِنْكُمْ جَزَاء " أَيْ مُكَافَأَة.
" وَلَا شُكُورًا " أَيْ وَلَا أَنْ تُثْنُوا عَلَيْنَا بِذَلِكَ ; قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَذَلِكَ كَانَتْ نِيَّاتُهُمْ فِي الدُّنْيَا حِين أَطْعَمُوا.
وَعَنْ سَالِم عَنْ مُجَاهِد قَالَ : أَمَا إِنَّهُمْ مَا تَكَلَّمُوا بِهِ وَلَكِنْ عَلِمَهُ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِنْهُمْ فَأَثْنَى بِهِ عَلَيْهِمْ ; لِيَرْغَب فِي ذَلِكَ رَاغِب.
وَقَالَهُ سَعِيد بْن جُبَيْر حَكَاهُ عَنْهُ الْقُشَيْرِيّ.
وَقِيلَ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي مُطْعِم بْن وَرْقَاء الْأَنْصَارِيّ نَذَرَ نَذْرًا فَوَفَّى بِهِ.
وَقِيلَ : نَزَلَتْ فِيمَنْ تَكَفَّلَ بِأَسْرَى بَدْر وَهُمْ سَبْعَة مِنْ الْمُهَاجِرِينَ : أَبُو بَكْر وَعُمَر وَعَلِيّ وَالزُّبَيْر وَعَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف وَسَعْد وَأَبُو عُبَيْدَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ ; ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ.
وَقَالَ مُقَاتِل : نَزَلَتْ فِي رَجُل مِنْ الْأَنْصَار أَطْعَمَ فِي يَوْم وَاحِد مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا.
وَقَالَ أَبُو حَمْزَة الثُّمَالِيّ : بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُول اللَّه أَطْعِمْنِي فَإِنِّي وَاَللَّه مَجْهُود ; فَقَالَ :( وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا عِنْدِي مَا أُطْعِمُك وَلَكِنْ اُطْلُبْ ) فَأَتَى رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَار وَهُوَ يَتَعَشَّى مَعَ اِمْرَأَته فَسَأَلَهُ ; وَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَقَالَتْ الْمَرْأَة : أَطْعِمْهُ وَاسْقِهِ.
ثُمَّ أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتِيم فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه ! أَطْعِمْنِي فَإِنِّي مَجْهُود.
فَقَالَ :( مَا عِنْدِي مَا أُطْعِمُك وَلَكِنْ اُطْلُبْ ) فَاسْتَطْعَمَ ذَلِكَ الْأَنْصَارِيّ فَقَالَتْ الْمَرْأَة : أَطْعِمْهُ وَاسْقِهِ، فَأَطْعَمَهُ.
ثُمَّ أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسِير فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه ! أَطْعِمْنِي فَإِنِّي مَجْهُود.
فَقَالَ :( وَاَللَّه مَا مَعِي مَا أُطْعِمُك وَلَكِنْ اُطْلُبْ ) فَجَاءَ الْأَنْصَارِيّ فَطَلَبَ، فَقَالَتْ الْمَرْأَة : أَطْعِمْهُ وَاسْقِهِ.
فَنَزَلَتْ :" وَيُطْعِمُونَ الطَّعَام عَلَى حُبّه مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا " ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ.
وَقَالَ أَهْل التَّفْسِير : نَزَلَتْ فِي عَلِيّ وَفَاطِمَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا وَجَارِيَة لَهُمَا اِسْمهَا فِضَّة.
قُلْت : وَالصَّحِيح أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي جَمِيع الْأَبْرَار، وَمَنْ فَعَلَ فِعْلًا حَسَنًا ; فَهِيَ عَامَّة.
وَقَدْ ذَكَرَ النَّقَّاش وَالثَّعْلَبِيّ وَالْقُشَيْرِيّ وَغَيْر وَاحِد مِنْ الْمُفَسِّرِينَ فِي قِصَّة عَلِيّ وَفَاطِمَة وَجَارِيَتهمَا حَدِيثًا لَا يَصِحّ وَلَا يَثْبُت، رَوَاهُ لَيْث عَنْ مُجَاهِد عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ :" يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرّه مُسْتَطِيرًا.
" لَا نُرِيد مِنْكُمْ جَزَاء " أَيْ مُكَافَأَة.
" وَلَا شُكُورًا " أَيْ وَلَا أَنْ تُثْنُوا عَلَيْنَا بِذَلِكَ ; قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَذَلِكَ كَانَتْ نِيَّاتُهُمْ فِي الدُّنْيَا حِين أَطْعَمُوا.
وَعَنْ سَالِم عَنْ مُجَاهِد قَالَ : أَمَا إِنَّهُمْ مَا تَكَلَّمُوا بِهِ وَلَكِنْ عَلِمَهُ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِنْهُمْ فَأَثْنَى بِهِ عَلَيْهِمْ ; لِيَرْغَب فِي ذَلِكَ رَاغِب.
وَقَالَهُ سَعِيد بْن جُبَيْر حَكَاهُ عَنْهُ الْقُشَيْرِيّ.
وَقِيلَ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي مُطْعِم بْن وَرْقَاء الْأَنْصَارِيّ نَذَرَ نَذْرًا فَوَفَّى بِهِ.
وَقِيلَ : نَزَلَتْ فِيمَنْ تَكَفَّلَ بِأَسْرَى بَدْر وَهُمْ سَبْعَة مِنْ الْمُهَاجِرِينَ : أَبُو بَكْر وَعُمَر وَعَلِيّ وَالزُّبَيْر وَعَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف وَسَعْد وَأَبُو عُبَيْدَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ ; ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ.
وَقَالَ مُقَاتِل : نَزَلَتْ فِي رَجُل مِنْ الْأَنْصَار أَطْعَمَ فِي يَوْم وَاحِد مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا.
وَقَالَ أَبُو حَمْزَة الثُّمَالِيّ : بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُول اللَّه أَطْعِمْنِي فَإِنِّي وَاَللَّه مَجْهُود ; فَقَالَ :( وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا عِنْدِي مَا أُطْعِمُك وَلَكِنْ اُطْلُبْ ) فَأَتَى رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَار وَهُوَ يَتَعَشَّى مَعَ اِمْرَأَته فَسَأَلَهُ ; وَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَقَالَتْ الْمَرْأَة : أَطْعِمْهُ وَاسْقِهِ.
ثُمَّ أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتِيم فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه ! أَطْعِمْنِي فَإِنِّي مَجْهُود.
فَقَالَ :( مَا عِنْدِي مَا أُطْعِمُك وَلَكِنْ اُطْلُبْ ) فَاسْتَطْعَمَ ذَلِكَ الْأَنْصَارِيّ فَقَالَتْ الْمَرْأَة : أَطْعِمْهُ وَاسْقِهِ، فَأَطْعَمَهُ.
ثُمَّ أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسِير فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه ! أَطْعِمْنِي فَإِنِّي مَجْهُود.
فَقَالَ :( وَاَللَّه مَا مَعِي مَا أُطْعِمُك وَلَكِنْ اُطْلُبْ ) فَجَاءَ الْأَنْصَارِيّ فَطَلَبَ، فَقَالَتْ الْمَرْأَة : أَطْعِمْهُ وَاسْقِهِ.
فَنَزَلَتْ :" وَيُطْعِمُونَ الطَّعَام عَلَى حُبّه مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا " ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ.
وَقَالَ أَهْل التَّفْسِير : نَزَلَتْ فِي عَلِيّ وَفَاطِمَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا وَجَارِيَة لَهُمَا اِسْمهَا فِضَّة.
قُلْت : وَالصَّحِيح أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي جَمِيع الْأَبْرَار، وَمَنْ فَعَلَ فِعْلًا حَسَنًا ; فَهِيَ عَامَّة.
وَقَدْ ذَكَرَ النَّقَّاش وَالثَّعْلَبِيّ وَالْقُشَيْرِيّ وَغَيْر وَاحِد مِنْ الْمُفَسِّرِينَ فِي قِصَّة عَلِيّ وَفَاطِمَة وَجَارِيَتهمَا حَدِيثًا لَا يَصِحّ وَلَا يَثْبُت، رَوَاهُ لَيْث عَنْ مُجَاهِد عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ :" يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرّه مُسْتَطِيرًا.
وَيُطْعِمُونَ الطَّعَام عَلَى حُبّه مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا " قَالَ : مَرِضَ الْحَسَن وَالْحُسَيْن فَعَادَهُمَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَادَهُمَا عَامَّة الْعَرَب ; فَقَالُوا : يَا أَبَا الْحَسَن - وَرَوَاهُ جَابِر الْجُعْفِيّ عَنْ قَنْبَر مَوْلَى عَلِيّ قَالَ : مَرِضَ الْحَسَن وَالْحُسَيْن حَتَّى عَادَهُمَا أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : يَا أَبَا الْحَسَن - رَجَعَ الْحَدِيث إِلَى حَدِيث لَيْث بْن أَبِي سُلَيْم - لَوْ نَذَرْت عَنْ وَلَدَيْك شَيْئًا، وَكُلّ نَذْر لَيْسَ لَهُ وَفَاء فَلَيْسَ بِشَيْءٍ.
فَقَالَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : إِنْ بَرَأَ وَلَدَايَ صُمْت لِلَّهِ ثَلَاثَة أَيَّام شُكْرًا.
وَقَالَتْ جَارِيَة لَهُمْ نُوبِيَّة : إِنْ بَرَأَ سَيِّدَايَ صُمْت لِلَّهِ ثَلَاثَة أَيَّام شُكْرًا.
وَقَالَتْ فَاطِمَة مِثْل ذَلِكَ.
وَفِي حَدِيث الْجُعْفِيّ فَقَالَ الْحَسَن وَالْحُسَيْن : عَلَيْنَا مِثْل ذَلِكَ فَأُلْبِسَ الْغُلَامَانِ الْعَافِيَة، وَلَيْسَ عِنْد آلِ مُحَمَّد قَلِيل وَلَا كَثِير، فَانْطَلَقَ عَلِيّ إِلَى شَمْعُون بْن حاريا الْخَيْبَرِيّ، وَكَانَ يَهُودِيًّا، فَاسْتَقْرَضَ مِنْهُ ثَلَاثَة أَصْوُع مِنْ شَعِير، فَجَاءَ بِهِ، فَوَضَعَهُ نَاحِيَة الْبَيْت، فَقَامَتْ فَاطِمَة إِلَى صَاع فَطَحَنَتْهُ وَاخْتَبَزَتْهُ، وَصَلَّى عَلِيّ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَتَى الْمَنْزِل فَوُضِعَ الطَّعَام بَيْن يَدَيْهِ.
وَفِي حَدِيث الْجُعْفِيّ : فَقَامَتْ الْجَارِيَة إِلَى صَاع مِنْ شَعِير فَخَبَزَتْ مِنْهُ خَمْسَة أَقْرَاص، لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمْ قُرْص، فَلَمَّا مَضَى صِيَامهمْ الْأَوَّل وُضِعَ بَيْن أَيْدِيهمْ الْخُبْز وَالْمِلْح الْجَرِيش ; إِذْ أَتَاهُمْ مِسْكِين، فَوَقَفَ بِالْبَابِ وَقَالَ : السَّلَام عَلَيْكُمْ أَهْل بَيْت مُحَمَّد - فِي حَدِيث الْجُعْفِيّ - أَنَا مِسْكِين مِنْ مَسَاكِين أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا وَاَللَّه جَائِع ; أَطْعِمُونِي أَطْعَمَكُمْ اللَّه مِنْ مَوَائِد الْجَنَّة.
فَسَمِعَهُ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، فَأَنْشَأَ يَقُول :
وَيَدْخُل الْجَنَّة أَيّ حِينْ
فَأَنْشَأَتْ فَاطِمَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا تَقُول :
وَأَدْخُل الْجَنَّة لِي شَفَاعَهْ
فَقَالَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : إِنْ بَرَأَ وَلَدَايَ صُمْت لِلَّهِ ثَلَاثَة أَيَّام شُكْرًا.
وَقَالَتْ جَارِيَة لَهُمْ نُوبِيَّة : إِنْ بَرَأَ سَيِّدَايَ صُمْت لِلَّهِ ثَلَاثَة أَيَّام شُكْرًا.
وَقَالَتْ فَاطِمَة مِثْل ذَلِكَ.
وَفِي حَدِيث الْجُعْفِيّ فَقَالَ الْحَسَن وَالْحُسَيْن : عَلَيْنَا مِثْل ذَلِكَ فَأُلْبِسَ الْغُلَامَانِ الْعَافِيَة، وَلَيْسَ عِنْد آلِ مُحَمَّد قَلِيل وَلَا كَثِير، فَانْطَلَقَ عَلِيّ إِلَى شَمْعُون بْن حاريا الْخَيْبَرِيّ، وَكَانَ يَهُودِيًّا، فَاسْتَقْرَضَ مِنْهُ ثَلَاثَة أَصْوُع مِنْ شَعِير، فَجَاءَ بِهِ، فَوَضَعَهُ نَاحِيَة الْبَيْت، فَقَامَتْ فَاطِمَة إِلَى صَاع فَطَحَنَتْهُ وَاخْتَبَزَتْهُ، وَصَلَّى عَلِيّ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَتَى الْمَنْزِل فَوُضِعَ الطَّعَام بَيْن يَدَيْهِ.
وَفِي حَدِيث الْجُعْفِيّ : فَقَامَتْ الْجَارِيَة إِلَى صَاع مِنْ شَعِير فَخَبَزَتْ مِنْهُ خَمْسَة أَقْرَاص، لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمْ قُرْص، فَلَمَّا مَضَى صِيَامهمْ الْأَوَّل وُضِعَ بَيْن أَيْدِيهمْ الْخُبْز وَالْمِلْح الْجَرِيش ; إِذْ أَتَاهُمْ مِسْكِين، فَوَقَفَ بِالْبَابِ وَقَالَ : السَّلَام عَلَيْكُمْ أَهْل بَيْت مُحَمَّد - فِي حَدِيث الْجُعْفِيّ - أَنَا مِسْكِين مِنْ مَسَاكِين أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا وَاَللَّه جَائِع ; أَطْعِمُونِي أَطْعَمَكُمْ اللَّه مِنْ مَوَائِد الْجَنَّة.
فَسَمِعَهُ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، فَأَنْشَأَ يَقُول :
فَاطِمَ ذَاتَ الْفَضْلِ وَالْيَقِينْ | يَا بِنْتَ خَيْرِ النَّاسِ أَجْمَعِينْ |
أَمَا تَرَيْنَ الْبَائِسَ الْمِسْكِينْ | قَدْ قَامَ بِالْبَابِ لَهُ حَنِينْ |
يَشْكُو إِلَى اللَّه وَيَسْتَكِينْ | يَشْكُو إِلَيْنَا جَائِعٌ حَزِينْ |
كُلُّ اِمْرِئٍ بِكَسْبِهِ رَهِينْ | وَفَاعِل الْخَيْرَات يَسْتَبِينْ |
مَوْعِدنَا جَنَّة عِلِّيِّينْ | حَرَّمَهَا اللَّه عَلَى الضَّنِينْ |
وَلِلْبَخِيلِ مَوْقِف مَهِينْ | تَهْوِي بِهِ النَّار إِلَى سِجِّينْ |
شَرَابه الْحَمِيم وَالْغِسْلِينْ | مَنْ يَفْعَل الْخَيْر يَقُمْ سَمِينْ |
فَأَنْشَأَتْ فَاطِمَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا تَقُول :
أَمْرك عِنْدِي يَا اِبْن عَمٍّ طَاعَهْ | مَا بِي مِنْ لَوْم وَلَا وَضَاعَهْ |
غَدَيْتُ فِي الْخُبْز لَهُ صِنَاعَهْ | أُطْعِمهُ وَلَا أُبَالِي السَّاعَهْ |
أَرْجُو إِذَا أَشْبَعْت ذَا الْمَجَاعَهْ | أَنْ أَلْحَقَ الْأَخْيَار وَالْجَمَاعَهْ |
فَأَطْعَمُوهُ الطَّعَام، وَمَكَثُوا يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتهمْ لَمْ يَذُوقُوا شَيْئًا إِلَّا الْمَاء الْقَرَاح، فَلَمَّا أَنْ كَانَ فِي الْيَوْم الثَّانِي قَامَتْ إِلَى صَاع فَطَحَنَتْهُ وَاخْتَبَزَتْهُ، وَصَلَّى عَلِيّ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَتَى الْمَنْزِل فَوُضِعَ الطَّعَام بَيْن أَيْدِيهمْ ; فَوَقَفَ بِالْبَابِ يَتِيم فَقَالَ : السَّلَام عَلَيْكُمْ أَهْل بَيْت مُحَمَّد، يَتِيم مِنْ أَوْلَاد الْمُهَاجِرِينَ اُسْتُشْهِدَ وَالِدِي يَوْم الْعَقَبَة.
أَطْعِمُونِي أَطْعَمَكُمْ اللَّه مِنْ مَوَائِد الْجَنَّة.
فَسَمِعَهُ عَلِيّ فَأَنْشَأَ يَقُول :
شَرَابه الصَّدِيد وَالْحَمِيمْ
فَأَنْشَأَتْ فَاطِمَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا تَقُول :
كَبَوْلَة زَادَتْ عَلَى الْأَكْبَال
فَأَطْعَمُوهُ الطَّعَام وَمَكَثُوا يَوْمَيْنِ وَلَيْلَتَيْنِ لَمْ يَذُوقُوا شَيْئًا إِلَّا الْمَاء الْقَرَاح ; فَلَمَّا كَانَتْ فِي الْيَوْم الثَّالِث قَامَتْ إِلَى الصَّاع الْبَاقِي فَطَحَنَتْهُ وَاخْتَبَزَتْهُ، وَصَلَّى عَلِيّ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَتَى الْمَنْزِل، فَوُضِعَ الطَّعَام بَيْن أَيْدِيهمْ ; إِذْ أَتَاهُمْ أَسِير فَوَقَفَ بِالْبَابِ فَقَالَ : السَّلَام عَلَيْكُمْ أَهْل بَيْت مُحَمَّد، تَأْسِرُونَنَا وَتَشُدُّونَنَا وَلَا تُطْعِمُونَنَا ! أَطْعِمُونِي فَإِنِّي أَسِير مُحَمَّد.
فَسَمِعَهُ عَلِيّ فَأَنْشَأَ يَقُول :
أَعْطِيهِ لَا لَا تَجْعَلِيهِ أَقْعَدْ
فَأَنْشَأَتْ فَاطِمَة رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهَا تَقُول :
إِلَّا قِنَاعًا نَسْجه أَنْسَاعْ
أَطْعِمُونِي أَطْعَمَكُمْ اللَّه مِنْ مَوَائِد الْجَنَّة.
فَسَمِعَهُ عَلِيّ فَأَنْشَأَ يَقُول :
فَاطِمَ بِنْت السَّيِّد الْكَرِيمْ | بِنْت نَبِيّ لَيْسَ بِالزَّنِيمْ |
لَقَدْ أَتَى اللَّه بِذِي الْيَتِيمْ | مَنْ يَرْحَم الْيَوْم يَكُنْ رَحِيمْ |
وَيَدْخُل الْجَنَّة أَيْ سَلِيمْ | قَدْ حُرِّمَ الْخُلْد عَلَى اللَّئِيمْ |
أَلَّا يَجُوز الصِّرَاط الْمُسْتَقِيمْ | يَزِلّ فِي النَّار إِلَى الْجَحِيمْ |
فَأَنْشَأَتْ فَاطِمَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا تَقُول :
أُطْعِمُهُ الْيَوْم وَلَا أُبَالِي | وَأُوثِر اللَّه عَلَى عِيَالِي |
أَمْسَوْا جِيَاعًا وَهُمْ أَشْبَالِي | أَصْغَرهمْ يُقْتَل فِي الْقِتَالِ |
بِكَرْبَلَا يُقْتَل بِاغْتِيَالِ | يَا وَيْل لِلْقَاتِلِ مَعْ وَبَالِ |
تَهْوِي بِهِ النَّار إِلَى سِفَالِ | وَفِي يَدَيْهِ الْغُلّ وَالْأَغْلَال |
فَأَطْعَمُوهُ الطَّعَام وَمَكَثُوا يَوْمَيْنِ وَلَيْلَتَيْنِ لَمْ يَذُوقُوا شَيْئًا إِلَّا الْمَاء الْقَرَاح ; فَلَمَّا كَانَتْ فِي الْيَوْم الثَّالِث قَامَتْ إِلَى الصَّاع الْبَاقِي فَطَحَنَتْهُ وَاخْتَبَزَتْهُ، وَصَلَّى عَلِيّ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَتَى الْمَنْزِل، فَوُضِعَ الطَّعَام بَيْن أَيْدِيهمْ ; إِذْ أَتَاهُمْ أَسِير فَوَقَفَ بِالْبَابِ فَقَالَ : السَّلَام عَلَيْكُمْ أَهْل بَيْت مُحَمَّد، تَأْسِرُونَنَا وَتَشُدُّونَنَا وَلَا تُطْعِمُونَنَا ! أَطْعِمُونِي فَإِنِّي أَسِير مُحَمَّد.
فَسَمِعَهُ عَلِيّ فَأَنْشَأَ يَقُول :
فَاطِم يَا بِنْت النَّبِيّ أَحْمَدْ | بِنْت نَبِيّ سَيِّد مُسَوَّدْ |
وَسَمَّاهُ اللَّه فَهُوَ مُحَمَّدْ | قَدْ زَانَهُ اللَّه بِحُسْنٍ أَغْيَدْ |
هَذَا أَسِير لِلنَّبِيِّ الْمُهْتَدْ | مُثَقَّل فِي غُلِّهِ مُقَيَّدْ |
يَشْكُو إِلَيْنَا الْجُوع قَدْ تَمَدَّدْ | مَنْ يُطْعِم الْيَوْم يَجِدهُ فِي غَدْ |
عِنْد الْعَلِيّ الْوَاحِد الْمُوَحَّدْ | مَا يَزْرَع الزَّارِع سَوْفَ يَحْصُدْ |
فَأَنْشَأَتْ فَاطِمَة رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهَا تَقُول :
لَمْ يَبْقَ مِمَّا جَاءَ غَيْر صَاع | قَدْ ذَهَبَتْ كَفِّي مَعَ الذِّرَاعْ |
اِبْنَايَ وَاَللَّه هُمَا جِيَاعْ | يَا رَبّ لَا تَتْرُكهُمَا ضَيَاعْ |
أَبُوهُمَا لِلْخَيْرِ ذُو اِصْطِنَاعْ | يَصْطَنِع الْمَعْرُوف بِابْتِدَاعْ |
عَبْل الذِّرَاعَيْنِ شَدِيد الْبَاعْ | وَمَا عَلَى رَأْسِيَ مِنْ قِنَاعْ |
فَأَعْطَوْهُ الطَّعَام وَمَكَثُوا ثَلَاثَة أَيَّام وَلَيَالِيهَا لَمْ يَذُوقُوا شَيْئًا إِلَّا الْمَاء الْقَرَاح، فَلَمَّا أَنْ كَانَ فِي الْيَوْم الرَّابِع، وَقَدْ قَضَى اللَّه النَّذْر أَخَذَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى الْحَسَن، وَبِيَدِهِ الْيُسْرَى الْحُسَيْن، وَأَقْبَلَ نَحْو رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ يَرْتَعِشُونَ كَالْفِرَاخِ مِنْ شِدَّة الْجُوع ; فَلَمَّا أَبْصَرَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( يَا أَبَا الْحَسَن مَا أَشَدّ مَا يَسُوءنِي مَا أَرَى بِكُمْ اِنْطَلِقْ بِنَا إِلَى اِبْنَتِي فَاطِمَة ) فَانْطَلَقُوا إِلَيْهَا وَهِيَ فِي مِحْرَابهَا، وَقَدْ لَصِقَ بَطْنهَا بِظَهْرِهَا، وَغَارَتْ عَيْنَاهَا مِنْ شِدَّة الْجُوع، فَلَمَّا رَآهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَرَفَ الْمَجَاعَة فِي وَجْههَا بَكَى وَقَالَ :( وَاغَوْثَاه يَا اللَّه، أَهْل بَيْت مُحَمَّد يَمُوتُونَ جُوعًا ) فَهَبَطَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَقَالَ : السَّلَام عَلَيْك، رَبّك يُقْرِئك السَّلَام يَا مُحَمَّد، خُذْهُ هَنِيئًا فِي أَهْل بَيْتك.
قَالَ :( وَمَا آخُذ يَا جِبْرِيل ) فَأَقْرَأهُ " هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَان حِين مِنْ الدَّهْر " إِلَى قَوْله :" وَيُطْعِمُونَ الطَّعَام عَلَى حُبّه مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا.
إِنَّمَا نُطْعِمكُمْ لِوَجْهِ اللَّه لَا نُرِيد مِنْكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا " قَالَ التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم أَبُو عَبْد اللَّه فِي نَوَادِر الْأُصُول : فَهَذَا حَدِيث مُزَوَّق مُزَيَّف، قَدْ تَطَرَّفَ فِيهِ صَاحِبه حَتَّى تَشَبَّهَ عَلَى الْمُسْتَمِعِينَ، فَالْجَاهِل بِهَذَا الْحَدِيث يَعَضّ شَفَتَيْهِ تَلَهُّفًا أَلَّا يَكُون بِهَذِهِ الصِّفَة، وَلَا يَعْلَم أَنَّ صَاحِب هَذَا الْفِعْل مَذْمُوم ; وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى فِي تَنْزِيله :" وَيَسْأَلُونَك مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ الْعَفْو " [ الْبَقَرَة : ٢١٩ ] وَهُوَ الْفَضْل الَّذِي يَفْضُل عَنْ نَفْسك وَعِيَالك، وَجَرَتْ الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَاتِرَة بِأَنَّ ( خَيْر الصَّدَقَة مَا كَانَ عَنْ ظَهْر غِنًى ).
( وَابْدَأْ بِنَفْسِك ثُمَّ بِمَنْ تَعُول ) وَافْتَرَضَ اللَّه عَلَى الْأَزْوَاج نَفَقَة أَهَالِيهمْ وَأَوْلَادهمْ.
وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوت ) أَفَيَحْسَب عَاقِل أَنَّ عَلِيًّا جَهِلَ هَذَا الْأَمْر حَتَّى أَجْهَدَ صِبْيَانًا صِغَارًا مِنْ أَبْنَاء خَمْس أَوْ سِتّ عَلَى جُوع ثَلَاثَة أَيَّام وَلَيَالِيهنَّ ؟ حَتَّى تَضَوَّرُوا مِنْ الْجُوع، وَغَارَتْ الْعُيُون مِنْهُمْ ; لِخَلَاءِ أَجْوَافِهِمْ، حَتَّى أَبْكَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بِهِمْ مِنْ الْجَهْد.
هَبْ أَنَّهُ آثَرَ عَلَى نَفْسه هَذَا السَّائِل، فَهَلْ كَانَ يَجُوز لَهُ أَنْ يَحْمِل أَهْله عَلَى ذَلِكَ ؟ ! وَهْب أَنَّ أَهْله سَمَحَتْ بِذَلِكَ لِعَلِيٍّ فَهَلْ جَازَ لَهُ أَنْ يَحْمِل أَطْفَاله عَلَى جُوع ثَلَاثَة أَيَّام بِلَيَالِيِهِنَّ ؟ ! مَا يُرَوَّج مِثْل هَذَا إِلَّا عَلَى حَمْقَى جُهَّال ; أَبَى اللَّه لِقُلُوبٍ مُتَنَبِّهَة أَنْ تَظُنَّ بِعَلِيٍّ مِثْل هَذَا.
قَالَ :( وَمَا آخُذ يَا جِبْرِيل ) فَأَقْرَأهُ " هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَان حِين مِنْ الدَّهْر " إِلَى قَوْله :" وَيُطْعِمُونَ الطَّعَام عَلَى حُبّه مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا.
إِنَّمَا نُطْعِمكُمْ لِوَجْهِ اللَّه لَا نُرِيد مِنْكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا " قَالَ التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم أَبُو عَبْد اللَّه فِي نَوَادِر الْأُصُول : فَهَذَا حَدِيث مُزَوَّق مُزَيَّف، قَدْ تَطَرَّفَ فِيهِ صَاحِبه حَتَّى تَشَبَّهَ عَلَى الْمُسْتَمِعِينَ، فَالْجَاهِل بِهَذَا الْحَدِيث يَعَضّ شَفَتَيْهِ تَلَهُّفًا أَلَّا يَكُون بِهَذِهِ الصِّفَة، وَلَا يَعْلَم أَنَّ صَاحِب هَذَا الْفِعْل مَذْمُوم ; وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى فِي تَنْزِيله :" وَيَسْأَلُونَك مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ الْعَفْو " [ الْبَقَرَة : ٢١٩ ] وَهُوَ الْفَضْل الَّذِي يَفْضُل عَنْ نَفْسك وَعِيَالك، وَجَرَتْ الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَاتِرَة بِأَنَّ ( خَيْر الصَّدَقَة مَا كَانَ عَنْ ظَهْر غِنًى ).
( وَابْدَأْ بِنَفْسِك ثُمَّ بِمَنْ تَعُول ) وَافْتَرَضَ اللَّه عَلَى الْأَزْوَاج نَفَقَة أَهَالِيهمْ وَأَوْلَادهمْ.
وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوت ) أَفَيَحْسَب عَاقِل أَنَّ عَلِيًّا جَهِلَ هَذَا الْأَمْر حَتَّى أَجْهَدَ صِبْيَانًا صِغَارًا مِنْ أَبْنَاء خَمْس أَوْ سِتّ عَلَى جُوع ثَلَاثَة أَيَّام وَلَيَالِيهنَّ ؟ حَتَّى تَضَوَّرُوا مِنْ الْجُوع، وَغَارَتْ الْعُيُون مِنْهُمْ ; لِخَلَاءِ أَجْوَافِهِمْ، حَتَّى أَبْكَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بِهِمْ مِنْ الْجَهْد.
هَبْ أَنَّهُ آثَرَ عَلَى نَفْسه هَذَا السَّائِل، فَهَلْ كَانَ يَجُوز لَهُ أَنْ يَحْمِل أَهْله عَلَى ذَلِكَ ؟ ! وَهْب أَنَّ أَهْله سَمَحَتْ بِذَلِكَ لِعَلِيٍّ فَهَلْ جَازَ لَهُ أَنْ يَحْمِل أَطْفَاله عَلَى جُوع ثَلَاثَة أَيَّام بِلَيَالِيِهِنَّ ؟ ! مَا يُرَوَّج مِثْل هَذَا إِلَّا عَلَى حَمْقَى جُهَّال ; أَبَى اللَّه لِقُلُوبٍ مُتَنَبِّهَة أَنْ تَظُنَّ بِعَلِيٍّ مِثْل هَذَا.
وَلَيْتَ شِعْرِي مَنْ حَفِظَ هَذِهِ الْأَبْيَات كُلّ لَيْلَة عَنْ عَلِيّ وَفَاطِمَة، وَإِجَابَة كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا صَاحِبه، حَتَّى أَدَّاهُ إِلَى هَؤُلَاءِ الرُّوَاة ؟ فَهَذَا وَأَشْبَاهه مِنْ أَحَادِيث أَهْل السُّجُون - فِيمَا أَرَى - بَلَغَنِي أَنَّ قَوْمًا يُخَلَّدُونَ فِي السُّجُون فَيَبْقَوْنَ بِلَا حِيلَة، فَيَكْتُبُونَ أَحَادِيث فِي السَّمَر وَأَشْبَاهه، وَمِثْل هَذِهِ الْأَحَادِيث مُفْتَعَلَة، فَإِذَا صَارَتْ إِلَى الْجَهَابِذَة رَمَوْا بِهَا وَزَيَّفُوهَا، وَمَا مِنْ شَيْء إِلَّا لَهُ آفَة وَمَكِيدَة، وَآفَة الدِّين وَكَيْدُهُ أَكْثَر.
إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا
" عَبُوسًا " مِنْ صِفَة الْيَوْم، أَيْ يَوْمًا تَعْبِس فِيهِ الْوُجُوه مِنْ هَوْله وَشِدَّته، فَالْمَعْنَى نَخَاف يَوْمًا ذَا عَبُوس.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس يَعْبِس الْكَافِر يَوْمئِذٍ حَتَّى يَسِيل مِنْهُ عَرَق كَالْقَطِرَانِ.
وَعَنْ اِبْن عَبَّاس : الْعَبُوس : الضَّيِّق، وَالْقَمْطَرِير : الطَّوِيل ; قَالَ الشَّاعِر :
شَدِيدًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا
وَقِيلَ : الْقَمْطَرِير الشَّدِيد ; تَقُول الْعَرَب : يَوْم قَمْطَرِير وَقُمَاطِر وَعَصِيب بِمَعْنًى ; وَأَنْشَدَ الْفَرَّاء :
بِضَمِّ الْقَاف.
وَاقْمَطَرَّ إِذَا اِشْتَدَّ.
وَقَالَ الْأَخْفَش : الْقَمْطَرِير : أَشَدّ مَا يَكُون مِنْ الْأَيَّام وَأَطْوَله فِي الْبَلَاء ; قَالَ الشَّاعِر :
وَقَالَ الْكِسَائِيّ : يُقَال اِقْمَطَرَّ الْيَوْم وَازْمَهَرَّ اِقْمِطْرَارًا وَازْمِهْرَارًا، وَهُوَ الْقَمْطَرِير وَالزَّمْهَرِير، وَيَوْم مُقْمَطِرّ إِذَا كَانَ صَعْبًا شَدِيدًا ; قَالَ الْهُذَلِيّ :
وَقَالَ مُجَاهِد : إِنَّ الْعُبُوس بِالشَّفَتَيْنِ، وَالْقَمْطَرِير بِالْجَبْهَةِ وَالْحَاجِبَيْنِ ; فَجَعَلَهَا مِنْ صِفَات الْوَجْه الْمُتَغَيِّر مِنْ شَدَائِد ذَلِكَ الْيَوْم ; وَأَنْشَدَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ :
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : يُقَال رَجُل قَمْطَرِير أَيْ مُتَقَبّض مَا بَيْن الْعَيْنَيْنِ.
وَقَالَ الزَّجَّاج : يُقَال اِقْمَطَرَّتْ النَّاقَة : إِذَا رَفَعَتْ ذَنَبهَا وَجَمَعَتْ قُطْرَيْهَا، وَزَمَّتْ بِأَنْفِهَا ; فَاشْتَقَّهُ مِنْ الْقُطْر، وَجَعَلَ الْمِيم مَزِيدَة.
قَالَ أَسَد بْن نَاعِصَة :
" عَبُوسًا " مِنْ صِفَة الْيَوْم، أَيْ يَوْمًا تَعْبِس فِيهِ الْوُجُوه مِنْ هَوْله وَشِدَّته، فَالْمَعْنَى نَخَاف يَوْمًا ذَا عَبُوس.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس يَعْبِس الْكَافِر يَوْمئِذٍ حَتَّى يَسِيل مِنْهُ عَرَق كَالْقَطِرَانِ.
وَعَنْ اِبْن عَبَّاس : الْعَبُوس : الضَّيِّق، وَالْقَمْطَرِير : الطَّوِيل ; قَالَ الشَّاعِر :
شَدِيدًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا
وَقِيلَ : الْقَمْطَرِير الشَّدِيد ; تَقُول الْعَرَب : يَوْم قَمْطَرِير وَقُمَاطِر وَعَصِيب بِمَعْنًى ; وَأَنْشَدَ الْفَرَّاء :
بَنِي عَمّنَا هَلْ تَذْكُرُونَ بَلَاءَنَا | عَلَيْكُمْ إِذَا مَا كَانَ يَوْم قُمَاطِر |
وَاقْمَطَرَّ إِذَا اِشْتَدَّ.
وَقَالَ الْأَخْفَش : الْقَمْطَرِير : أَشَدّ مَا يَكُون مِنْ الْأَيَّام وَأَطْوَله فِي الْبَلَاء ; قَالَ الشَّاعِر :
فَفَرُّوا إِذَا مَا الْحَرْب ثَارَ غُبَارهَا | وَلَجَّ بِهَا الْيَوْم الْعَبُوس الْقُمَاطِر |
بَنُو الْحَرْب أُرْضِعْنَا لَهُمْ مُقْمَطِرَّة | وَمَنْ يُلْقَ مِنَّا ذَلِكَ الْيَوْم يَهْرُب |
يَغْدُو عَلَى الصَّيْد يَعُود مُنْكَسِر | وَيَقْمَطِرّ سَاعَة وَيَكْفَهِرّ |
وَقَالَ الزَّجَّاج : يُقَال اِقْمَطَرَّتْ النَّاقَة : إِذَا رَفَعَتْ ذَنَبهَا وَجَمَعَتْ قُطْرَيْهَا، وَزَمَّتْ بِأَنْفِهَا ; فَاشْتَقَّهُ مِنْ الْقُطْر، وَجَعَلَ الْمِيم مَزِيدَة.
قَالَ أَسَد بْن نَاعِصَة :