تفسير سورة القدر

تفسير الثعلبي
تفسير سورة سورة القدر من كتاب الكشف والبيان عن تفسير القرآن المعروف بـتفسير الثعلبي .
لمؤلفه الثعلبي . المتوفي سنة 427 هـ
مدنيّة في قول أكثر المفسرين، قال علي بن الحسين بن واقد : هي أوّل سورة نزلت بالمدينة، وروى شيبان عن قتادة أنها مكيّة، وهي رواية نوفلا بن أبي عقرب عن ابن عباس، وهي مائة واثنا عشر حرفاً، وثلاثون كلمة، وخمس آيات.
أخبرنا الجنازي قال : حدّثنا ابن خنيس قال : حدّثني أبو العباس محمد بن موسى الدقّاق الرازي قال : حدّثنا عبد اللّه بن روح المدائني ( عن بكر ) بن سواد قال : حدّثنا مخلد بن عبد الواحد، عن علي بن زيد، عن زر بن حبيش، عن أُبي قال : قال رسول اللّه ( صلى الله عليه وسلم ) :( من قرأ سورة القدر أُعطي من الأجر كمن صام رمضان، وأُعطي إحياء ليلة القدر ).

سورة القدر
مدنيّة في قول أكثر المفسرين، قال علي بن الحسين بن واقد: هي أوّل سورة نزلت بالمدينة، وروى شيبان عن قتادة أنها مكيّة، وهي رواية نوفل ابن أبي عقرب عن ابن عباس وهي مائة واثنا عشر حرفا وثلاثون كلمة وخمس آيات
أخبرنا الجنازي قال: حدّثنا ابن خنيس قال: حدّثني أبو العباس محمد بن موسى الدقّاق الرازي قال: حدّثنا عبد الله بن روح المدائني [عن بكر] بن سواد قال: حدّثنا مخلد بن عبد الواحد عن علي بن زيد عن زر بن حبيش عن أبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة القدر أعطي من الأجر كمن صام رمضان، وأعطي إحياء ليلة القدر» [١٩٤] «١».

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة القدر (٩٧) : الآيات ١ الى ٥]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١) وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (٣) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (٤)
سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (٥)
إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ يعني القرآن كناية عن غير مذكور، جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، فوضعناه في بيت العزّة وأملاه جبرئيل على السّفرة ثم كان ينزله جبرئيل على محمد (عليهما السلام) بنحو ما كان، من أوّله إلى آخره بثلاث وعشرين سنة، ثم عجّب نبيّه (عليه السلام) فقال: وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ.
والكلام في ليلة القدر على خمسة أبواب:
الباب الأوّل: في مأخذ هذا الاسم ومعناه
، واختلف العلماء، فقال أكثرهم: هي ليلة الحكم والفصل يقضي الله فيها قضاء السنة، وهو مصدر من قولهم: قدر الله الشيء قدرا وقدرا لغتان كالنّهر والنّهر والشّعر والشّعر، وقدّره تقديرا له بمعنى واحد، قالوا: وهي الليلة التي قال الله سبحانه: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ «٢» وإنّما سمّيت ليلة القدر مباركة لأن الله سبحانه ينزل فيها الخير والبركة والمغفرة.
(١) تفسير مجمع البيان: ١٠/ ٤٠٣.
(٢) سورة الدخان: ٣- ٤.
247
وروى أبو الضحى عن ابن عباس أن الله عزّ وجلّ يقضي الأقضية في ليلة النصف من شعبان ويسلمها إلى أربابها فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ.
روي أنه تعالى يغفر لجميع المسلمين في تلك الليلة إلّا الكاهن أو الساحر أو مدمن خمر أو عاق لوالديه أو مصرّ على الزنا أو [مشاحن] أو قاطع رحم [١٩٥] «١».
وقيل للحسين بن الفضل: أليس قد قدّر الله سبحانه المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض؟ قال: نعم، قال: فما معنى لَيْلَةُ الْقَدْرِ؟ قال: سوق المقادير إلى المواقيت وتنفيذ القضاء المقدّر.
أخبرني عقيل أن أبا الفرج أخبرهم عن ابن جبير قال: حدّثنا ابن حميد قال: حدّثنا مهران عن سفيان عن محمد بن سوقة عن سعيد بن جبير قال: يؤذن للحجاج فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ فيكتبون بأسمائهم وأسماء آبائهم، فلا يغادر منهم أحد ولا يزاد ولا ينقص منهم.
وقال الزهري: هي ليلة العظمة والشرف، من قول الناس لفلان عند الأمير قدر أي جاه ومنزلة، يقال: قدرت فلانا أي عظّمته قال الله سبحانه: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ «٢» أي ما عظّموا الله حق عظمته وقال أبو بكر الورّاق: سمّيت بذلك لأنّ من لم يكن ذا قدر وخطر يصير في هذه الليلة ذا قدر إذا أدركها وأحياها.
وقيل: إنّ كلّ عمل صالح يؤخذ فيها من المؤمن فيكون ذا قدر وقيمة عند الله لكونه مقبولا فيها.
وقيل: لأنّه أنزل كتاب ذو قدر على رسول ذي قدر لأجل أمّة ذات قدر، وقال سهل بن عبد الله: لأنّ الله سبحانه يقدّر الرحمة فيها على عباده المؤمنين.
وقيل: لأنه ينزّل فيها إلى الأرض ملائكة أولو قدر وذوو خطر.
وقال الخليل بن أحمد: سمّيت بذلك لأنّ الأرض تضيق فيها بالملائكة من قوله:
وَيَقْدِرُ ومَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ «٣».
الباب الثاني: اختلاف العلماء في وقتها، وأي ليلة هي، وذكر اختلاف الصحابة فيها.
فقال بعضهم: إنّما كانت على عهد رسول الله ﷺ ثم رفعت.
أخبرني عبد الله بن حامد إجازة قال: أخبرنا محمد بن الحسين بن الحسن قال: حدّثنا
(١) تاريخ دمشق: ٥١/ ٧٢ ط. دار الفكر، وراجع تذكرة الموضوعات للفتني: ٤٥.
(٢) سورة الأنعام: ٩١.
(٣) سورة الطلاق: ٧. [.....]
248
أحمد بن يوسف قال: حدّثنا عبد الله قال: أخبرنا سفيان عن الأوزاعي عن مرشد أو عن أبي مرشد قال: كنت جالسا مع أبي ذرّ عند خمرة الوسطى فسئل عن لَيْلَةِ الْقَدْرِ فقال: كنت أسأل الناس عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال: قلت: يا رسول الله لَيْلَةُ الْقَدْرِ هل هي تكون على عهد الأنبياء (عليهم السلام)، فإذا مضوا رفعت؟ قال: «لا، بل هي إلى يوم القيامة» [١٩٦] «١».
وأخبرنا عبد الله بن حاطب قال: أخبرنا محمد بن عامر السمرقندي قال: أخبرنا عمر بن الحسين قال: حدّثنا عبد بن حميد عن روح بن عبادة قال: حدّثنا ابن جريج قال: أخبرني داود ابن أبي عاصم عن عبد الله بن عيسى مولى معاوية قال: قلت لأبي هريرة زعموا أنّ ليلة القدر قد رفعت قال: كذب من قال ذلك، قال: قلت هي في كلّ شهر رمضان استقبله؟ قال: نعم.
وقال بعضهم: هي في ليالي السنة كلّها، وإنّ من علّق طلاق امرأته أو عتق عبده ليلة القدر لم يقع الطلاق ولم ينفذ العتاق إلى مضي سنة من يوم حلف، وهي إحدى الروايات عن ابن مسعود قال: من يقم الحول كلّه يصبها.
قال: فبلغ ذلك عبد الله بن عمر، فقال: يرحم الله أبا عبد الرحمن أما إنه علم أنها في شهر رمضان؟ ولكن أراد أن لا يتّكل الناس، وإلى هذا ذهب أبو حنيفة أنها في جميع السنة، وحكي عنه أيضا أنّه قال: رفعت ليلة القدر، وروي عن ابن مسعود أيضا أنه قال: إذا كانت السنة في ليلة كانت العام المقبل في ليلة أخرى، والجمهور من أهل العلم على أنها في شهر رمضان في كل عام.
أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا محمد بن عامر قال: أخبرنا عمر بن يحيى قال:
حدّثنا عبد بن حميد عن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن أبي عمير أنه سئل عن لَيْلَةِ الْقَدْرِ: أفي كل رمضان هي؟ قال: نعم.
وأخبرنا عقيل أن المعافى أخبرهم عن محمد بن جرير قال: حدّثني يعقوب قال: حدّثنا ابن عليّة قال: حدّثنا ابن ربيعة بن كلثوم قال: قال رجل للحسين «٢» وأنا أسمع: أرأيت ليلة القدر أفي كل رمضان هي؟ قال: «نعم والله الذي لا إله إلّا هو إنها لفي كلّ رمضان، وإنّها ليلة يفرق فيها كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ، فيها يقضى كلّ أجل وعمل، ورزق وخلق إلى مثلها» [١٩٧] «٣».
واختلفوا في أول ليلة هي منها، فقال أنور بن العقيلي: هي أول ليلة من شهر رمضان، وقال الحسن: هي ليلة سبع عشرة، وهي الليلة التي كانت صبيحتها وقعة بدر.
(١) صحيح ابن خزيمة: ٣/ ٣٢١.
(٢) في المصدر: للحسن.
(٣) تفسير الطبري: ٣٠/ ٣٢٩ والدر المنثور: ٦/ ٢٥.
249
والصحيح أنها في العشر الأواخر من شهر رمضان، وإليه ذهب الشافعي رضي الله عنه، يدلّ عليه ما
أخبرنا أبو محمد الحسن بن أحمد بن محمد الشيباني قال: أخبرنا عبد الله بن مسلم، قال:
حدّثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، وقال: أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن ابن مسلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: «أريت ليلة القدر ثم أيقظني بعض أهلي فنسيتها، فالتمسوها في العشر الغوابر» [١٩٨] «١».
وأخبرنا أبو بكر العباسي قال: أخبرنا أبو الحسن المحفوظي قال: حدّثنا عبد الله بن قاسم قال: حدّثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان وشعبة وإسرائيل عن ابن إسحاق عن هبيرة عن علي رضي الله عنه أن النبي ﷺ كان يوقظ أهله في العشرة الأواخر من رمضان.
وأخبرنا أبو محمد المخلّدي وعبد الله بن حامد قال: أخبرنا مكي قال: حدّثنا عمار بن رجاء قال: حدّثنا أحمد بن أبي طيبة عن عنبسة بن الأزهر عن أبي إسحاق عن الأسود بن يزيد قال: سمعت عليّا رضي الله عنه يقول: «كان رسول الله ﷺ إذا دخل العشر الأواخر من رمضان دأب وأدأب أهله» [١٩٩] «٢»
فدلّت هذه الأخبار على أن ليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان.
ثم اختلفوا في أي ليلة فيها فقال أبو سعيد الخدري: هي الليلة الحادية والعشرون، واحتجّ في ذلك بما
أخبرنا أبو نعيم الأزهري قال: حدّثنا أبو عوانة سنة ست عشرة وثلاثمائة، قال:
أخبرنا المزني قال: قال الشافعي: وأخبرنا أبو محمد إسحاق بن إبراهيم بن أحمد المطوعي، وأبو علي السيوري، وأبو عبد الله محمد بن عبد الله المصيبي قالوا: حدّثنا أبو العباس الأصمّ قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة، عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله ﷺ يعتكف العشر الوسط من شهر رمضان، فلمّا كانت [ليلة] أحدى وعشرين وهي التي كان يخرج في صبيحتها من اعتكافه قال صلى الله عليه وسلم: «من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر، فإني رأيت هذه الليلة ثم أنسيتها- وقال- وأريتني أسجد في ماء وطين فالتمسوها في العشر الأواخر، والتمسوها في كل وتر» [٢٠٠] «٣» فأمطرت السماء في تلك الليلة وكان المسجد على عريش فوكف المسجد.
قال أبو سعيد [فأبصرت عيناي] رسول الله ﷺ انصرف علينا وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين من صبيحة إحدى وعشرين.
(١) كنز العمال: ٨/ ٥٣٣ ح ٢٤٠٢١.
(٢) تفسير مجمع البيان: ١٠/ ٤٠٦.
(٣) سنن أبي داود: ١/ ٣١١.
250
وقال بعضهم هي الليلة الثالثة والعشرون منها «١».
أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الهمداني قال: أخبرنا الحسين بن عبد الأعلى قال: أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله إني رأيت في النوم كأن ليلة القدر سابعة تبقى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرى رؤياكم قد تواطأت على ثلاث وعشرين، من كان منكم يريد أن يقوم من الشهر شيئا فليقم ليلة ثلاث وعشرين» [٢٠١] «٢».
قال معمر: كان أيوب يغتسل ليلة ثلاث وعشرين ويمسّ طيبا.
وأخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا مكّي قال: حدّثنا أحمد بن حفص قال: حدّثني أبي قال: حدّثني إبراهيم عن عبّاد وهو ابن إسحاق عن الزهري عن ضمرة بن عبد الله بن أنيس عن أبيه قال: كنت في مجلس من بني سلمة وأنا أصغرهم فقالوا: من يسأل لنا رسول الله ﷺ عن لَيْلَةِ الْقَدْرِ؟ وذلك صبيحة إحدى وعشرين من رمضان، قال: فخرجت فوافيت مع رسول الله ﷺ صلاة المغرب ثم نمت بباب بيته فمرّ بي فقال: «ادخل» فدخلت فأتي بعشائه فرأيتني أكفّ عنه من قلته، فلمّا فرغ قال: «ناولني نعلي» فقام وقمت معه فقال: كان لك حاجة؟ فقلت: أرسلني إليك رهط من بني سلمة يسألونك عن ليلة القدر فقال: «كم الليلة؟» فقلت: اثنان وعشرون، فقال: «هي الليلة» ثم رجع فقال: «أو الثالثة» «٣» يريد ليلة ثلاث وعشرين [٢٠٢] «٤».
قال أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا طفران قال: حدّثنا الحسن بن إسماعيل المحاملي قال: حدّثنا يعقوب الدورقي قال: حدّثنا عبد الله بن إدريس قال: سمعت عاصم بن كليب يروي عن أبيه عن خاله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني رأيت ليلة القدر ثم أنسيتها ورأيت مسيح الضلالة [فخرجت إليكم لأبيّنها] فرأيت رجلين يتلاحيان فحجزت بينهما فأنسيتهما وسأشدو لكم منها شدوا، فأمّا لَيْلَةُ الْقَدْرِ فاطلبوها في العشر الأواخر وترا، وأمّا مسيح الضلالة فرجل أجلى الجبهة، ممسوح العين اليسرى، عريض النحر، فيه دمامة «٥» كأنّه فلان بن عبد العزى أو عبد العزى بن فلان» [٢٠٣] «٦».
قال: فذكرت هذا الحديث لابن عباس قال: وما عجبك؟ سأل عمر بن الخطاب أصحاب
(١) صحيح البخاري: ٢/ ٢٥٦ باب الاعتكاف.
(٢) تفسير القرطبي: ٢٠/ ١٣٦ بتفاوت يسير.
(٣) في المصدر: أو القابلة.
(٤) سنن أبي داود: ١/ ٣١١.
(٥) في بعض المصادر: دماء، وفي بعضها: دفا، وفسّر بالانحناء.
(٦) الدر المنثور: ٥/ ٣٥٤، والمعجم الكبير: ١٨/ ٣٣٥، وكنز العمال: ٨/ ٥٤١.
251
رسول الله ﷺ وكان يسألني معهم مع الأكابر منهم ويقول لي: لا تتكلم حتى يتكلّموا، فقال:
علمتم أنّ رسول الله ﷺ قال: «لَيْلَةُ الْقَدْرِ اطلبوها في العشر الأواخر وترا» [٢٠٤] «١» ففي أي الوتر ترون؟
قال: فأكثر القوم في الوتر، فقال: ما لك لا تكلّم ابن عباس؟ قال: قلت: إن شئت تكلّمت، قال: عن رأيك أسألك؟ قال: قلت: رأيت الله سبحانه أكثر ذكر السبع، وذكر السماوات سبعا، والأرضين والطواف سبعة، والجمار سبعة، وما شاء الله من ذلك، خلق الإنسان من سبعة، وجعل رزقه من سبعة.
قال: قلت: خلق الإنسان، فقال: فكلّما ذكرت عرقت، فما قولك خلق الإنسان من سبعة وجعل رزقه من سبعة؟ قال: قلت: خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ «٢» إلى قوله: خَلْقاً آخَرَ «٣».
ثم قرأت أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا «٤» إلى قوله سبحانه: وَأَبًّا «٥» والأبّ ما أنبتت الأرض ممّا لا تأكله الناس، فما أراها إلّا ليلة ثلاث وعشرين لسبع بقين، فقال عمر: غلبتموني أن تأتوا بما جاء به هذا الغلام الذي لم تجتمع شؤون رأسه.
وأخبرنا عبد الله بن حامد عن صالح بن محمد قال: حدّثنا إبراهيم بن محمد عن مسلم الأعور عن مجاهد عن ابن عباس أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال له: أخبرني برأيك في لَيْلَةِ الْقَدْرِ، قال: فقلت: إن الله سبحانه وتر يحب الوتر، السماوات سبع، والأرضون سبع، وترزق من سبع، وتخرج من سبع، ولا أراها إلّا في سبع بقين من رمضان، فقال عمر: وافق رأيي رأيك، ثم ضرب منكبي وقال: ما أنت بأقل القوم علما.
وقال زيد بن ثابت وبلال: هي ليلة أربع وعشرين، ودليلهما ما أخبرناه عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن أبي سعيد قال: حدّثنا علي بن حرب قال: حدّثنا محمد بن معاوية قال: حدّثنا بن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن يزيد بن عبد الله عن الضابحي عن بلال قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَيْلَةُ الْقَدْرِ ليلة أربع وعشرين» [٢٠٥] «٦».
وقيل: هي الليلة الخامسة والعشرون، يدلّ عليها ما
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ في
(١) المصنّف: ٢/ ٤٨٧.
(٢) سورة المؤمنون: ١٢- ١٣. [.....]
(٣) سورة المؤمنون: ١٤.
(٤) سورة عبس: ٢٥.
(٥) سورة عبس: ٣١.
(٦) كنز العمال: ٨/ ٥٣٧ ح ٢٤٠٤٨.
252
آخرين قالوا: حدّثنا محمد بن يعقوب قال: حدّثنا بحر بن نصر قال: فرأى علي ابن وهب أخبرك خبر أحد منهم مالك بن أنس عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أن رسول الله ﷺ قال:
«التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة» [٢٠٦] «١».
وقال قوم: هي الليلة السابعة والعشرون، وإليه ذهب علي وأبي وعائشة ومعاوية
، يدل عليه ما
أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن عبدوس قال: أخبرنا أبو أحمد حمزة بن العباس ببغداد قال: حدّثنا أحمد بن الوليد الفحام قال: حدّثنا مسوّد بن عامر شاذان قال: أخبرنا شعبة قال:
عبد الله بن دينار أخبرني قال: سمعت ابن عمر يحدّث عن النبي ﷺ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ قال: «من كان متحرّيا فليتحرّها في ليلة سبع وعشرين» [٢٠٧] «٢».
وأخبرنا عبد الله بن حامد قراءة عليه قال: أخبرنا محمد بن جعفر قال: حدّثنا الحسن بن علي بن عفّان قال: حدّثنا عمرو العنقري قال: حدّثنا سفيان عن عاصم عن زر بن حبيش قال:
أتينا بن مسعود فسألناه عن لَيْلَةِ الْقَدْرِ فقال: من يقم الحول يصبها، فقال: يرحم الله أبا عبد الرحمن قد علم أنها في شهر رمضان وأنها في ليلة تسع وعشرين قال: فقال لنا أبا المنذر: إني قد علمت ذلك فقال: بالآية التي أنبأنا بها رسول الله ﷺ فحفظنا وعددنا، قال: فو الله فإنها لفي ما تستثني، قال: فقلنا: أبا المنذر ما الآية؟ قال: تطلع الشمس عندئذ كأنها طست ليس لها شعاع.
وروي عن أبيّ بن كعب أيضا أنّه قال: سمعت النبي ﷺ بأذنيّ وإلّا فصمتا أنّه قال: «لَيْلَةُ الْقَدْرِ ليلة سبع وعشرين» [٢٠٨] «٣».
وقال بعض الصحابة: قام بنا رسول الله ﷺ ليلة الثالث والعشرين ثلث الليل، فلمّا كانت ليلة الخامس والعشرين قام بنا نصف الليل، فلمّا كانت الليلة السابعة والعشرون قام بنا الليل كلّه.
وقال أبو بكر الورّاق: إنّ الله سبحانه وتعالى قسّم كلمات هذه السورة على ليالي شهر رمضان، فلما بلغ السابعة والعشرين أشار إليها فقال: هِيَ.
وقال بعضهم: هي ليلة التاسع والعشرين،
وروي عن رسول الله ﷺ قال: «لَيْلَةُ الْقَدْرِ ليلة السابع والعشرين أو التاسع والعشرين وإن الملائكة في تلك الليلة بعدد الحصى» [٢٠٩] «٤».
(١) كنز العمال: ٨/ ٥٣٦ ح ٢٤٠٣٨.
(٢) السنن الكبرى: ٤/ ٣١١.
(٣) مسند أحمد: ٥/ ١٣٠.
(٤) تفسير القرطبي: ٢٠/ ١٣٧.
253
وأخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا مكّي قال: حدّثنا محمد بن سعيد القطان قال:
حدّثنا عيينة بن عبد الرحمن قال: حدّثني أبي قال: ذكرت ليلة القدر عند أبي بكرة فقال: ما أنا بطالبها بعد شيء سمعته من رسول الله ﷺ إلّا في العشر الأواخر، سمعت رسول الله ﷺ يقول:
«التمسوها في العشر الأواخر في تسع بقين، أو سبع بقين، أو خمس بقين أو ثلاث بقين أو آخر ليلة» [٢١٠] «١» وكان أبو بكرة إذا دخل شهر رمضان ظلّ يصلي في سائر السنة، فإذا دخل العشر اجتهد.
وفي الجملة، أخفى الله علم هذه الليلة على الأمّة ليجتهدوا في العبادة ليالي رمضان طمعا في إدراكها كما أخفى الصلاة الوسطى في الصلوات، واسمه الأعظم في الأسماء، وساعة الإجابة في ساعات الجمعة، وغضبه في المعاصي، ورضاه في الطاعات، وقيام الساعة في الأوقات، رحمة منه وحكمة، والله أعلم.
الباب الثالث: في علامتها واماراتها
أخبرنا أبو عمر الفراتي قال: أخبرنا أبو نصر السرخسي قال: حدّثنا محمد بن الفضل قال: حدّثنا إبراهيم بن يوسف قال: حدّثنا النضر عن أشعث عن الحسين أن النبي ﷺ قال في لَيْلَةِ الْقَدْرِ: «من أماراتها أنها ليلة بلجة سمحة، لا حارة ولا باردة، تطلع الشمس صبيحتها ليس لها شعاع» [٢١١] «٢».
وقال حميد بن عمر: كنت ليلة السابع والعشرين في البحر فأخذت من مائه فوجدته سلسا.
الباب الرابع: في فضائلها وخصائصها.
حدّثنا أبو بكر محمد بن أحمد الجهني بها قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن سليمان بن الحسن ببغداد قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن عيسى قال: حدّثنا محمد بن كثير عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي (عليه السلام) قال: «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» [٢١٢] «٣».
وفي الحديث: «إن الشيطان لا يخرج في هذه الليلة حتى يضيء فجرها، ولا يستطيع أن يصيب فيها أحد بخبل أو داء أو ضرب من ضروب الفساد، ولا ينفذ فيها سحر ساحر» [٢١٣] «٤».
(١) مسند أحمد: ٥/ ٣٩.
(٢) تفسير القرطبي: ٢٠/ ١٣٧ وقريب منه في كنز العمال: ٨/ ٥٣٨ ح ٢٤٠٥٢.
(٣) سنن أبي داود: ١/ ٣٠٩.
(٤) تفسير القرطبي: ٢٠/ ١٣٧.
254
وروي عن ابن عباس أن النبي (عليه السلام) قال: «إذا كانت لَيْلَةُ الْقَدْرِ ينزل الملائكة الذين هم سكّان سدرة المنتهى، ومنهم جبريل، فينزل جبريل ومعه ألوية ينصب لواء منها على قبري، ولواء منها على بيت المقدس، ولواء في المسجد الحرام، ولواء على طور سيناء، ولا يدع فيها مؤمنا ولا مؤمنة إلّا سلّم عليه إلّا مدمن الخمر وآكل الخنزير والمتضمخ بالزعفران» [٢١٤] «١».
الباب الخامس: في آدابها وفيما يستحب فيها.
حدّثنا أبو بكر بن عبدوس قال: حدّثنا محمد بن يعقوب قال: حدّثنا الحسين بن مكرم قال: حدّثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا كهمس عن عبد الله بن بريدة أنّ عائشة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم:
إن وافت لَيْلَةُ الْقَدْرِ فما أقول؟ قال: «قولي: اللهمّ إنّك عفوّ تحب العفو فاعف عنّي» [٢١٥] «٢».
وروى شريح بن هانئ عن عائشة قالت: لو عرفت أيّ لَيْلَةِ الْقَدْرِ ما سألت الله فيها إلّا العافية.
وأخبرنا أبو عمر الفراتي قال: أخبرنا محمد بن إسحاق بن سهل قال: حدّثنا سعيد بن عيسى قال: حدّثنا فارس بن عمر قال: حدّثنا صالح قال: حدّثنا العمري عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة أنّ النبي ﷺ قال: «من صلّى المغرب والعشاء الآخرة من لَيْلَةِ الْقَدْرِ [في جماعة] فقد أخذ حظه من لَيْلَةِ الْقَدْرِ» [٢١٦] «٣».
لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ «٤»
أخبرنا أبو عمر الفراتي قال: أخبرنا أبو موسى قال:
أخبرنا موسى بن عبد الله: قال: حدّثنا أبو مصعب عن ملك أنه سمع من يثق به أن رسول الله ﷺ أري أعمار الناس تقاصر أعمار أمّته ألّا يبلغوا من الأعمال مثل الذي يبلغ غيره في طول العمر، فأعطاه الله سبحانه: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ.
واختلفوا في الحكمة الموجبة لهذا العدد،
فأخبرني الحسين قال: حدّثنا الكندي قال:
حدّثنا عبد الرحمن بن حاتم قال: قرئ على [يونس] بن عبد الأعلى: أخبرنا ابن وهبة قال:
حدّثنا مسلمة عن علي بن لهيعة قال: ذكر رسول الله ﷺ يوما أربعة من بني إسرائيل عبدوا الله ثمانين عاما، لم يعصوه طرفة عين فذكر: أيّوب، وزكريّا، وحزقيل ابن العجوز، ويوشع بن نون قال: فعجب أصحاب النبي ﷺ من ذلك وأتاه جبريل فقال: «يا محمد عجبت أمّتك من عبادة
(١) تفسير القرطبي: ٢٠/ ١٣٧، والتضمخ: التلطخ بالطيب والإكثار منه.
(٢) مسند أحمد: ٦/ ١٧١. [.....]
(٣) تفسير القرطبي: ٢٠/ ١٣٨.
(٤) سورة القدر: ٣.
255
هؤلاء النفر ثمانين سنة لم يعصوا الله طرفة عين»، فقال: «أنزل الله تعالى عليك خيرا من ذلك»، ثم قرأ عليه: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ لأن هذا أفضل مما عجبت أنت وأمّتك» قال:
فسرّ بذلك النبي ﷺ والناس معه [٢١٧] «١».
وأخبرنا أبو عمرو الفراتي قال: أخبرنا محمد بن إسحاق قال: حدّثنا سعيد بن عيسى قال:
حدّثنا فارس بن عمرو قال: حدّثنا صالح قال: حدّثنا مسلم بن خالد بن أبي نجح أن النبي ﷺ ذكر رجلا من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر قال: فعجب المسلمون من ذلك فأنزل الله سبحانه: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ الذي لبس ذلك الرجل السلاح في سبيل الله.
ويقال: إنّ ذلك الرجل كان شمشون (عليه السلام)، وكانت قصته على ما ذكر وهب بن منبه أنّه كان رجلا مسلما وكانت أمّه قد جعلته نذيرا، وكان من أهل قرية من قرى الروم كانوا يعبدون الأصنام، وكان منزله منها على أميال غير كثيرة، فكان يغزوهم وحده، ويجاهدهم في الله فيصيب منهم وفيهم حاجته، ويقتل ويسبي ويصيب الأموال، وكان إذا لقيهم لقيهم بلحي بعير لا يلقاهم بغيره، فإذا قاتلوه وقاتلهم وتعب وعطش انفجر له من الحجر الذي في اللحي ماء عذب فيشرب منه حتى يروى.
وكان قد أعطي قوّة في البطش، وكان لا يوثقه حديد ولا غيره، فكان كذلك، فجاهدهم في الله، يصيب منهم حاجته لا يقدرون منه على شيء حتى قالوا: لن تأتوه إلّا من قبل امرأته، فدخلوا على امرأته فجعلوا لها جعلا فقالت: نعم، أنا أوثقه لكم فأعطوها حبلا وثيقا، وقالوا لها: إذا نام فأوثقي يده إلى عنقه حتى نأتيه فنأخذه، فلمّا نام أوثقت يده إلى عنقه بذلك الحبل، فلما هبّ جذبه بيده فوقع من عنقه.
فقال لها: لم فعلت ذلك؟ فقالت: أجرّب بها قوتك، ما رأيت مثلك، فأرسلت إليهم:
إني قد ربطته بالحبل فلم أغن شيئا، فأرسلوا إليها بجامعة من حديد، وقالوا: إذا نام فاجعليها في عنقه، فلمّا نام جعلتها في عنقه، فلمّا هبّ جذبها فوقعت من يده وعنقه، فقال لها: لم فعلت هذا؟ قالت: أجرّب بها قوتك، ما رأيت مثلك في الدنيا يا شمشون، أما في الأرض شيء يغلبك؟ قال: إلّا شيء واحد، قالت: وما هو؟ قال لها: ها أنا لمخبرك به، فلم تزل تسأله عن ذلك وكان ذا شعر كثير، فقال لها: ويحك إنّ أمّي كانت جعلتني نذيرا فلا يغلبني شيء أبدا، ولا يضبطني إلّا شعري، فلمّا نام أوثقت يده إلى عنقه بشعر رأسه، فأوثقه ذلك وبعثت إلى القوم.
(١) تفسير ابن كثير: ٤/ ٥٦٧.
256
فجاؤا فأخذوه فجدعوا أنفه وانفذوا أذنيه وفقأوا عينيه، ووقفوا بين ظهراني المدينة، وكانت مدينة ذات أساطين، وكان ملكهم قد أشرف عليها بالناس لينظروا إلى شمشون وما يصنع به، فدعا شمشون ربّه حين مثلوا ووقفوه أن يسلّطه عليهم، فأمر أن يأخذ بعمودين من عمد المدينة التي عليها الملك والناس الذين معه فاجتذبهما جميعا فجذبهما، فردّ الله تعالى إليه بصره وما أصابوا من جسده، ووقعت المئذنة بالملك ومن عليها من الناس، فهلكوا فيها هدما «١».
وقيل: هو أن الرجل فيما مضى كان لا يستحق أن يقال له: عابد، حتى يعبد الله ألف شهر وهي ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر، فجعل الله سبحانه لأمّة محمد (عليه السلام) ليلة خيرا مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ كانوا يعبدون فيها.
وقال أبو بكر الورّاق: كان ملك سليمان خمسمائة شهر وملك ذي القرنين خمسمائة شهر، فيحتمل أن يكون معنى الآية: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ لمن أدركها مما ملكه سليمان وذو القرنين (عليهما السلام).
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبه قال: حدّثنا عبد الله بن محمد بن الأشقر قال:
حدّثنا زيد بن أخرم قال: حدّثنا أبو داود قال: حدّثنا علقمة بن الفضل عن يوسف بن مازن الراسبي قال: قام رجل إلى الحسن بن علي فقال: سوّدت وجوه المؤمنين، عمدت إلى هذا الرجل فبايعته يعني معاوية فقال: «لا تؤنّبني [رحمك الله فإن] رسول الله ﷺ قد أري بني أميّة يخطبون على منبره رجلا رجلا فساءه ذلك فنزلت إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ونزلت إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تملكه بنو أميّة.
قال القاسم: اللهمّ فحسبنا ملك بني أميّة فإذا هو ألف شهر لا يزيد ولا ينقص»
[٢١٨] «٢».
وقال المفسّرون: عمل صالح في ليلة القدر خَيْرٌ مِنْ عمل أَلْفِ شَهْرٍ ليس فيها ليلة القدر، وروى الربيع عن أبي العالية قال: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ عمر أَلْفِ شَهْرٍ، وقال مجاهد: سلام الملائكة والروح عليك تلك الليلة خير من سلام الخلق عليك ألف شهر فذلك [قوله] سبحانه تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ.
قرأ طلحة بن مصرف تنزل خفيفة، من النزول، وَالرُّوحُ يعني جبرئيل في قول أكثر المفسّرين يدلّ عليه ما
روى قتادة عن أنس أن رسول الله (عليه السلام) قال: «إذا كان لَيْلَةُ الْقَدْرِ نزل جبرئيل في كبكبة من الملائكة يصلّون ويسلّمون على كلّ عبد قائم أو قاعد يذكر الله سبحانه» [٢١٩] «٣».
(١) بطوله في تاريخ الطبري: ١/ ٤٦٥.
(٢) مستدرك الصحيحين: ٣/ ١٧٠، وتحفة الأحوذي: ٩/ ١٩٧.
(٣) زاد المسير: ٨/ ٢٨٧.
257
وقال كعب ومقاتل بن حيان: الروح طائفة من الملائكة لا تراهم الملائكة إلّا تلك الليلة، ينزلون من لدن غروب الشمس إلى طلوع الفجر.
وقال الواقدي: هو ملك عظيم [من أعظم الملائكة خلقا] «١» يخلق من الملائكة.
فِيها أي في ليلة القدر بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ قدّره الله سبحانه وقضاه في تلك السنة إلى قابل، لقوله سبحانه في الرعد: يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ «٢» أي بأمر الله.
وقد أخبرنا محمد بن عبدوس قال: حدّثنا محمد بن يعقوب قال: أخبرنا محمد بن الجهم قال: حدّثنا يحيى بن زياد الفرّاء قال: حدّثني أبو بكر بن عباس عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنّه كان يقرأ من كل امرئ سلام، ورويت هذه القراءة أيضا عن علي بن أبي طالب وعكرمة
، ولها وجهان:
أحدهما: إنّه وجّه معناه إلى الملك أي من كلّ ملك سلام.
والثاني: أن يكون من بمعنى على تقديره: على كل امرئ من المسلمين سلام من الملائكة كقوله سبحانه: وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ «٣» أي على القوم، والقراءة الصحيحة ما عليه العامة لإجماع الحجّة من القراءة عليها ولموافقتها خطّ المصاحف لأنه ليس فيها ياء.
وقوله: سَلامٌ هِيَ تمام الكلام عند قوله: مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ثم ابتدأ فقال سبحانه:
سَلامٌ هِيَ أي ليلة القدر سلام وخير كلّها ليس فيها شر.
قال الضّحاك: لا يقدر الله سبحانه في تلك الليلة إلّا السلامة، فأمّا في الليالي الأخر فيقضي الله تعالى فيهنّ البلاء والسلامة، قال مجاهد: هي سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءا ولا أن يحدث فيها أذى.
وقال الشعبي ومنصور بن زاذان: هو تسليم الملائكة ليلة القدر على أهل المساجد من حين تغيب الشمس إلى أن يطلع الفجر، يمرون على كلّ مؤمن ويقولون: السلام عليك يا مؤمن.
حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ حتى حرف غاية، مجازها إلى مطلع الفجر. قرأ يحيى بن وثاب والأعمش والكسائي وخلف بكسر اللام، غيرهم بفتحه وهو الاختيار لأن المطلع بفتح اللام بمعنى الطلوع يقال: طلعت الشمس طلوعا ومطلعا، فأمّا المطلع بكسر اللام فإنّه موضع الطلوع، ولا معنى للاسم في هذا الموضع، إنّما هو لمعنى المصدر، والله أعلم.
(١) عن تفسير ابن كثير: ٤/ ٤٩٦.
(٢) سورة الرعد: ١١.
(٣) سورة الأنبياء: ٧٧.
258
سورة البيّنة (المنفكّين)
مدنيّة، وهي ثلاثمائة وتسعة وتسعون حرفا وأربع وتسعون كلمة وثماني آيات
أخبرنا السلمي والخبازي قالا: أخبرنا محمد بن محمد بن يعقوب قال: أخبرنا محمد بن موسى بن النعمان قال: حدّثنا فهد بن سليمان قال: حدّثنا إسحاق بن بشير قال: حدّثنا مالك بن أنس عن محمد بن سعيد عن سعيد بن المسيّب عن أبي الهاد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو يعلم الناس ما في الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لعطّلوا الأهل والمال وتعلّموها» فقال رجل من خزاعة: ما فيها من الأجر يا رسول الله؟ قال رسول الله (عليه السلام) :«لا يقرأها منافق أبدا ولا رجل في قلبه شكّ في الله عزّ وجلّ، والله إن الملائكة المقرّبين ليقرأونها منذ خلق الله السماوات والأرض لا يفترون من قراءتها، وما من عبد يقرأها بليل إلّا بعث الله سبحانه ملائكة يحفظونه في دينه ودنياه، ويدعون الله له بالمغفرة والرحمة، فإن قرأها نهارا أعطي عليها من الثواب مثل ما أضاء عليه النهار وأظلم عليه الليل».
فقال رجل من قيس عيلان: زدنا من هذا الحديث فداك أبي وأمّي يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعلّموا عَمَّ يَتَساءَلُونَ «١» وتعلّموا ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ «٢» وتعلّموا وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ «٣» وتعلّموا وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ «٤» وإنّكم لو تعلمون ما فيهن لعطّلتم ما أنتم فيه وتعلّمتموهنّ وتقرّبتم إلى الله سبحانه بهنّ فإن الله يغفر بهنّ كل ذنب إلّا الشرك بالله.
واعلموا أنّ تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ «٥» [تجادل عن صاحبها] وتستغفر له من الذنوب» [٢٢٠] «٦».
وأخبرني الخبازي قال: حدّثنا ظفران قال: حدّثنا بن أبي داود قال: حدّثنا محمد بن
(١) سورة النبأ: ١.
(٢) سورة ق: ١.
(٣) سورة البروج: ١.
(٤) سورة الطارق: ١.
(٥) سورة الملك: ١. [.....]
(٦) تفسير مجمع البيان: ١٠/ ٤١١.
259
Icon