ﰡ
قوله: (بالجر والرفع) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ وَيَرَى ﴾ إما بالرفع بضمة مقدرة على الاستئناف، أو بالنصب على أنه معطوف على يجزي، فقول المفسر (يعلم) يصح قراءته بالوجهين، و ﴿ ٱلَّذِينَ ﴾ فاعل، و ﴿ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ ﴾ مفعول أول وهو ضمير فصل، و ﴿ ٱلْحَقَّ ﴾ مفعول ثان، وقوله: ﴿ وَيَهْدِيۤ ﴾ إما عطف على ﴿ ٱلْحَقَّ ﴾ من باب عطف الفعل على الاسم الخالص، كأنه قيل: ﴿ وَيَرَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ﴾ الحق وهادياً، أو مستأنف، أو حال بتقدير وهو يهدي. قوله: (مؤمنو أهل الكتاب) هذا أحد أقوال، وقيل: المراد بهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: جميع المسلمين. قوله: ﴿ ٱلْعَزِيزِ ﴾ أي عديم النظير والشبيه والمثيل، أو من عز بمعنى قهر وغلب. قوله: ﴿ ٱلْحَمِيدِ ﴾ فعيل بمعنى مفعول، أي محمود في ذاته وصفاته وأفعاله. قوله: (هو محمد) نكروه تجاهلاً وسخرية، كأنهم لم يعرفوا منه إلا أنه رجل، مع أنه عندهم من الشمس في رائعة النهار. قوله: ﴿ إِذَا مُزِّقْتُمْ ﴾ يتعين أن عامل الظرف محذوف تقديره وتبعثون وتحشرون إذا مزقتم إلخ، يدل عليه قوله: ﴿ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾ ولا يصح أن يكون عامله ﴿ يُنَبِّئُكُمْ ﴾ لأن الإخبار لم يقع في ذلك الوقت، ولا قوله: ﴿ مُزِّقْتُمْ ﴾ لأنه مضاف إليه، والمضاف إليه لا يعمل في المضاف، ولا ﴿ خَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾ لأن ما بعد أن لا يعمل فيما قبلها، وعبارة المفسر غير وافية بالمراد، فلو قال: يخبركم أنكم تبعثون إذا مزقتم لوفى بالمقصود. قوله: (بمعنى تمزيق) أشار بذلك إلى أن ممزق اسم مصدر، لأم كل ما زاد على الثلاث يجيء بالميم، مصدره وزمانه ومكانه، على زنة اسم مفعول. قوله: ﴿ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾ أي تنشؤون خلقاً جديداً بعد تمزيق أجسامكم.
قوله: ﴿ صَالِحاً ﴾ أي عملاً صالحاً، ولا تتكلوا على عز أبيكم وجاهه. قوله: (فأجازيكم عليه) أي إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
قوله: (بتقدير تسخير) أي فالجار والمجرور خبر مقدم، و ﴿ ٱلرِّيحَ ﴾ مبتدأ مؤخر على حذف مضاف، والأصل وتسخير الريح كائن لسليمان، فحذف المضاف إليه مقامه. قوله: ﴿ غُدُوُّهَا شَهْرٌ ﴾ مبتدأ وخبر، والمعنى سيرها من الغداة إلى الزوال، مسيرة شهر للسائر المجد، ومن الزوال للغروب مسيرة شهر، عن الحسن: كان سليمان يغدو من دمشق فيقيل في اصطخر، وبينهما مسيرة شهر، ثم يروح من اصطخر فيبيت ببابل، وبينهما مسيرة شهر للراكب المسرع، وتقدم أن الريح تحمل البساطة بجيوشه لأي جهة توجه إليها، فالعاصف تقلع البساط، والرخاء تسيره. قوله: ﴿ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ ٱلْقِطْرِ ﴾ أي جعلنا النحاس في معدنه جارياً كالعين النابعة من الأرض، وكانت تلك العين باليمن. قوله: (فأجريت له ثلاثة أيام) قيل: مرة واحدة، وقيل: كان يسيل في كل شهر ثلاثة أيام. قوله: (وعمل الناس) إلخ، مبتدأ خبره قوله: (مما أعطي سليمان) أي صنع الناس، وإذابته بالنار من آثار كرامة سليمان، لأنه قبل ذلك لم يكن يلين بنار ولا غيرها. قوله: ﴿ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾ يصح أن يكون مبتدأ خبره الجار والمجرور قبله، ويصح أن يكون مفعولاً لمحذوف تقديره: وسخرنا من الجن من يعمل، ومن على كل حال واقعة على فريق. قوله: (بطاعته) أي بطاعة سليمان. قوله: (بأن يضربه ملك) إلخ، أي فقد وكل الله ملكاً بالجن المسخرين لسليمان، وجعل في يده سوطاً من نار، فمن زاغ منهم عن طاعة سليمان، ضربه الله بذلك السوط ضربة أحرقته. قوله: (أبنية مرتفعة) أي مساجد وغيرها، وسميت بذلك لأن صاحبها يحارب فيها غيره لحمايتها، وقيل: المراد بالمحاريب خصوص المساجد، والأقرب ما قاله المفسر، وليس المراد بها الطاقات التي تقف فيها الأئمة في المساجد، إذ هي حادثة في المساجد بعد زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وسميت بالمحاريب تشبيهاً لها بالأبنية المرتفعة، لأنها رفيعة القدر، ولذا خصوها بالأئمة. قوله: ﴿ وَتَمَاثِيلَ ﴾ قال بعضهم: إنها صور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والعلماء، كانت تصور في المساجد ليراها الناس، فيزدادوا عبادة واجتهاداً، يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:" إن أولئك كان إذا مات فيهم الرجل الصالح، بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك الصورة "أي ليذكروا عبادتهم، فيجتهدوا في العبادة. قوله: (ولم يكن اتخاذ الصور حراماً) إلخ، جواب عما يقال: إن اتخاذ الصور حرام، فكيف يليق اتخاذها من سليمان؟ واعلم أن اتخاذها على العباد. قوله: (وهي حوض كبير) أي وسمي جابية، لأن الماء يجبى فيه أي يجمع. قوله: ﴿ آلَ دَاوُودَ ﴾ المراد سليمان وأهل بيته. قوله: ﴿ شُكْراً ﴾ مفعول لأجله، أي اعملوا لأجل الشكر لله، على ما أعطاكم من تلك النعم العظيمة التي لا تضاهى، وهذا أعظم المقاصد، وهو العمل لأجل شكر الله على نعمه، فالواجب على العباد خدمة الله وطاعته لذاته وسابق نعمه عليهم حيث أوجدهم من العدم، وجعل لهم السمع والبصر والأفئدة والعافية، وغير ذلك من أنواع النعم التي لا تحصى. قوله: ﴿ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ ﴾ أي لكون هذا المقصد عزيزاً، لم يوفق إلا القليل من الناس، وغالب الناس عبادتهم وطاعتهم، إما لأجل طلب الدنيا، أو خوفاً من النار وطمعاً في الجنة. فائدة - من جملة عمل الجن لسليمان بيت المقدس، وذلك أن داود ابتدأ بناءه في موضع فسطاط موسى التي كان ينزل فيها، فرفعه قدر قامة، فأوحى الله إليه لم يكن تمامه على يديك، بل على يد ابن لك اسمه سليمان، فلما قضى على داود، واستخلف سليمان وأحب إتمامه، جمع الجن والشياطين وقسم عليهم الأعمال، فأرسل بعضهم في تحصيل الرخام، وبعضهم في تحصيل البلور من معادنه، وأمر ببناء المدينة بالرخام والصفائح، فلما فرغ منها، ابتدأ في بناء المسجد، فوجه الشياطين فرقاً منهم من يستخرج الجواهر واليواقيت والدر الصافي في أماكنها، ومنهم من يأتيه بالمسك والطيب والعنبر من أماكنه، فأتي من ذلك بشيء كثير، ثم أحضر الصناع لنحت تلك الأحجار، واصلاح تلك الجواهر، وثقب تلك اليواقيت واللآلئ، فبناه بالرخام الأبيض والأصفر والأخضر، وجعل عمده من البلور الصافي، وسقفه بأنواع الجواهر، وبسط أرضه بالعنبر، فلم يكن على وجه الأرض يومئذ بيت أبهى ولا أنور منه، فكان يضيء في الظلمة كالقمر ليلة البدر، فلم يزل على هذا البناء حتى غزاه بختنصر، فخرب المدينة وخدمه، وأخذ ما فيه من الذهب والفضة وسائر أنواع الجواهر، وحمله إلى ملكه بالعراق حين بطرت بنوا إسرائيل النعم، وقتلوا زكريا ويحيى، وكان ابتداء بيت المقدس في السنة الرابعة من ملك سليمان، وكان عمره سبعاً وستين سنة، وملك وهو ابن سبع عشرة، وكان ملكه خمسين سنة، وقرب بعد فراغه منه، اثني عشر ألف ثور، ومائة وعشرين ألف شاة، واتخذ اليوم الذي فرغ فيه من بنائه عيداً، وقام على الصخرة رافعاً يديه إلى الله تعالى بالدعاء وقال: اللهم أنت وهبت لي هذا السلطان، وقويتني على بناء هذا المسجد، اللهم فأوزعني شكرك على ما أن أنعمت علي، وتوفني على ملتك، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، اللهم إني أسألك لمن دخل هذا المسجد خمس خصال: لا يدخله مذنب دخل للتوبة إلا غفرت له وتبت عليه، ولا خائف إلا أمنته، ولا سقيم إلا شفيته، ولا فقير إلا أغنيته والخامسة أن لا تصرف نظرك عمن دخله حتى يخرج منه، إلا من أراد إلحاداً، أو ظلماً يا رب العالمين، وروي أن سليمان لما بنى بيت المقدس، سأل الله تعالى خلالاً ثلاثاً: حكماً يصادف حكمه فأوتيه، وسأل الله تعالى ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه، وسأل الله حين فرغ من بنائه، أن لا يأتيه أحد لا ينهزه إلا الصلاة فيه إلا خرج من خطيئته كيوم ولدته أمه، إذا علمت ذلك، فبيت المقدس تم بناؤه وهو حي، وهو الصحيح.
قوله: (وعلم كونه) إلخ، إما بالبناء للمفعول، أو مصدر مبتدأ خبره قوله: (بحساب) إلخ، فتحصل أن الجن أرادوا أن يعرفوا وقت موته، فوضعوا الأرضة على العصا، فأكلت في يوم وليلة مقداراً؛ فحسبوا على ذلك، فوجدوه قد مات منذ سنة.
قوله: (عن يمين واديهم وشماله) هذا أحد قولين، وقيل: عن يمين الذاهب وشماله. قوله: (وقيل لهم) أي على لسان أنبيائهم، لأنه بعث لهم ثلاثة عشر نبياً، فدعوهم إلى الله وذكروهم بنعمه، وهذا الأمر للإذن والإباحة. قوله: ﴿ وَٱشْكُرُواْ لَهُ ﴾ أي اصرفوا نعمه في مصارفها. قوله: (أرض سبأ) إلخ، أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ﴾ خبر لمحذوف، فهو كلام مستأنف. قوله: (ليس بها سباخ) جمع سبخة وهي الأرض ذات الملح. قوله: (ولا بعوضة) البعوض البق، وقوله: ولا برغوث) بضم الباء. قوله: (فيموت) أي القمل ومثله باقي الهوام. قوله: ﴿ وَرَبٌّ غَفُورٌ ﴾ أي يستر ذنوبهم. قوله: ﴿ فَأَعْرَضُواْ ﴾ (عن شكره) أي عن أمره اتباع رسله، لما روي أنه أرسل الرسل لهم ثلاثة عشر نبياً، فدعوهم إلى الله وذكروهم بنعمة وأنذروهم عقابه، فكذبوهم وقالوا: ما نعرف لله علينا نعمة فقولوا له، فليحبس عنا هذه النعم إن استطاع وكان لهم رئيس يلقب بالحمار، وكان له ولد فمات، فرفعه رأسه إلى السماء فبزق وكفر، فلا يمر بأرضه أحد إلا دعاه للكفر، فإن أجابه وإلا قتله. قوله: (وهو ما يمسك الماء من بناء وغيره) أي فكان واديهم أرضاً متسعة بين جبال شامخة، فبنت بلقيس سداً حول ذلك الوادي بالصخر والقار، وجعلت له أبواباً ثلاثة، بعضها فوق بعض، وصار ماء يتساقط من الجبال خلف السد من كل جهة، فكانوا يسقون من الأعلى، ثم من الأوسط، ثم من الأدنى؛ على حسب علو الماء وهبوطه، فالعرم هو هذا السد، وقيل: العرم اسم للفأر الذي نقب السد لما ورد أنهم كانوا يزعمون أنهم يجدون في كهانتهم أنه يخرب سدهم فأرة، فلم يتركوا فرجة بين صخرتين، إلا ربطوا إلى جانبها هرة، فلما جاء ما أراده بهم، أقبلت فأرة حمراء إلى بعض تلك الهررة، فثاورتها حتى استأخرت على الحجر، ثم وثبت ودخلت في الفرجة التي عندها، ونقبت السد حتى وهنته للسيل وهم لا يدرون، فلما جاء السيل، دخل تلك الفرجة حتى بلغ السد، وفاض الماء على أموالهم فأغرقها ودفن بيوتهم. قوله: ﴿ جَنَّتَيْنِ ﴾ تسميتها بذلك تهكم بهم لمشاكله الأول. قوله: (مفرد في الأصل) أي لأن أصلها ذوية، تحركت الياء وانفتح ما قبلها، قلبت ألفاً فصار ذوات، ثم حذفت الواو تخفيفاً، ففي تثنيته وجهان: اعتبار الأصل، واعتبار العارض، فالأول ذواتان، والثاني ذاتان. قوله: (مر بشع) قيل: هو شجر الأراك. وقيل: كل شجر له شوك. قوله: (بإضافة أكل) أي بضم الكاف لا غير، وقوله: (وتركها) أي بضم الكاف وسكونها، فالقراءات ثلاثة سبعيات. قوله: (ويعطف عليه) أي على أكل. قوله: ﴿ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ﴾ الصحيح أن السدر وهو النبق نوعان: نوع يؤكل ثمره وينتفع بورقه، وهو له ثمر غض، لا يؤكل أصلاً، ولا ينتفع بورقه، وهو المسمى بالضال، وهو المراد هنا. قوله: ﴿ ذَٰلِكَ ﴾ مفعول ثان لجزينا مقدم عليه. قوله: (بكفرهم) أشار بذلك إلى أن ما مصدرية. قوله: (بالياء والنون) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (أي ما يناقش إلا هو) أشار بذلك إلى أن الحصر منصب على المناقشة والتدقيق في الحساب والمؤاخذة بكل الذنوب، وإلا فمطلق المجازاة تكون للمؤمن والكافر، لكن المؤمن يعامل بالفضل والكافر يعامل بالعدل.
قوله: (تسليطاً منا) أي فالشيطان سبب في الإغواء، لا خالق في الإغواء، فمن أراد الله حفظه، منع الشيطان عنه، ومن أراد الله إغوائه، سلط عليه الشيطان، والكل فعل الله تعالى. قوله: (علم ظهور) أي فالمعنى ليظهر متعلق علمنا، فاللام للعاقبة لا للتعليل، ومعنى الآية: ما كان له عليهم إيجاد اضلال، بل خالق الهدى والضلال هو نحن، وإنما سبقت حكمتنا بتسليكه، ليتميز بين عبادنا، من خلقنا فيه الكفر، ومن خلقنا فيه الإيمان، فاتباعه وعدمه، علامة على ما تعلق به علمه تعالى فتدبر. قوله: (رقيب) أي فهو تعالى قادر على منع إبليس منهم، عالم بما سيقع. قوله: ﴿ قُلِ ٱدْعُواْ ﴾ بكسر اللام على أصل التخلص، وبالضم اتباعاً، قراءتان سبعيتان. قوله: (أي زعمتموهم آلهة) أي فالمفعولان محذوفان، الأول لطول بصلته، والثاني لقيام صفته - أعني قوله من دون الله - مقامه. قوله: (لينفعوكم) متعلق بادعوا، أي ادعوهم ليكشفوا عنكم الضر الذي نزل بكم في سني الجوع، ويجلبوا لكم سعة العيش. قوله: ﴿ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ﴾ أي لا يملكون أمراً من الأمور في العالم، وذكر السماوات والأرض للتعميم عرفاً. قوله: (معين) أي على خلق شيء. بل الله تعالى المنفرد بالإيجاد والإعدام.
قوله: (رداً لقولهم) إلخ، أي حيث قالوا:﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ ﴾[الزمر: ٣].
وإيضاحه أن الشفاعة لا تكون ولا تحصل إلا بالإذن والرضا، وهم قد ارتكبوا ما يقتضي للغضب وهو الكفر، فكيف يطلبون الشفاعة بالكفر المقتضي للغضب، وعدم الإذن في الشافعة؟ إن هذا الزعم باطل. قوله: ﴿ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ﴾ يصح وقوع من على الشافعين، والمعنى أن لشافع أذن له في الشفاعة، ويصح وقوعها على المشفوع لهم، والمعنى لا تنفع الشفاعة إلا لمشفوع أذن أن يشفع له، فاللام على كل حال متعلقة بأذن، والضمير عائد على الموصول وفيه الوجهان. قوله: (بفتح الهمزة) أي والضمير عائد على الله تعالى لذكره أولاً، وقوله: (وضمها) أي بالبناء للمفعول، والآذن هو الله تعالى، والقراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ ﴾ غاية في محذوف تقديره يتربصون ويتوقعون مدة من الزمان، فزعين حتى إذا فزع إلى آخره، والتضعيف للسلب كالهمزة، كما أشار له بقوله: (كشف عنها الفزع) والمعنى: حتى إذا أزيل الفزع من قلوب الشافعين والمشفوع لهم، بكلمة يتكلم بها رب العزة في الإذن بالشفاع سأل بعضهم بعضاً. قوله: (بالبناء للفاعل) أي والفاعل ضمير يعود على الله، وقوله: (والمفعول) أي والجار والمجرور نائب الفاعل، والقراءتان سبعيتان. قوله: (استبشاراً) أي لزوال الكرب والحزن عن القلوب، واختلف هل هذا الأمر في الآخرة أو الدنيا؟ فقيل في الآخرة، ويؤيده ما في سورة النبأ﴿ يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلاَئِكَةُ صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَقَالَ صَوَاباً ﴾[النبأ: ٣٨] وعلى هذا فيكون في الكلام حذف، والتقدير لا تنفع الشفاعة عند يوم القيامة، إلا لمن أذن له، ففزع ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله تعالى إذا أراد أن يوحي بأمر وتكلم بالوحي، أخذت السماوات والأرض منه رجفة أو رعدة شديدة خوفاً من الله تعالى، فإذا سمع أهل السماوات بذلك، صعقوا وخروا لله سجداً، فيكون أول من يرفع رأسه جبريل، فينتهي جبريل بالوحي حيث أمر الله تعالى ". قال الحق وهو العلي الكبير، قال: فيقول كلهم كما قال جبريل، فينتهي جبريل بالوحي حيث أمر الله تعالى ". وعن ابن عباس قال: كان لكل قبيلة من الجن مقعد من السماء يستمعون منه الوحي، وكان إذا نزل الوحي، سمع له صوت كإمرار السلسلة على الصفوان، فلا ينزل على أهل سماء إلا صعقوا، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق وهو العلي الكبير، ثم يقول: يكون في هذا العام كذا ويكون كذا، فتسمعه الجن فيخبرون الكهنة، والكهنة تخير الناس، فيجدونه كذلك، هلك من في السماء، فجعل صاحب الإبل ينحر كل يوم بعيراً، وصاحب البقر ينحر كل يوم بقرة، وصاحب الغنم يذبح كل يوم شاة، حتى أسرعوا في أموالهم، فقالت ثقيف وكانت أعقل العرب: أيها الناس أمسكوا على أموالكم، فإنه لم يمت من في السماء، أما ترون معالمكم من النجوم كما هي، والشمس والقمر والليل والنهار؟ فقال إبليس: لقد حدث في الأرض اليوم حدث، فأئتوني من كل تربة أرض فأتوه بها، فلما شم تربة مكة قال: من ههنا جاء الحدث، فانصتوا فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث، فتحصل أن الفزع على القول بأنه في الآخرة يكون من جميع الخلق، وعلى القول في الدنيا يكون من الملائكة خاصة، والآية محتملة للأمرين، والعموم أولى، لأن الكفار زعموا أن آلهتهم تنفعهم في الدنيا والآخرة، فرد الله عليهم بهذه الآية الشاملة للأمرين فتدبر. قوله: (القول) ﴿ ٱلْحَقَّ ﴾ أشار بذلك إلى أن الحق صفة لمصدر محذوف مقول القول. قوله: ﴿ وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ ﴾ هذا من تمام الشفعاء، اعترافاً بعظمة الله وكبريائه. قوله: ﴿ قُلْ مَن يَرْزُقُكُمْ ﴾ إلخ، هذا السؤال تبكيت للمشركين، وإشارة إلى أن آلهتهم لا تملك لهم ضراً ضراً ولا نفعاً، وهذه الآية بمعنى قوله تعالى: ﴿ قُلْ مَن يَرْزُقُكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ﴾ إلى قوله: ﴿ قُلِ ٱللَّهُ ﴾.
قوله: ﴿ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ غاير بين الحرفين، إشارة إلى أن المؤمنين مستعلون على الهدى، كراكب الجواد يسير به حيث يشاء، والكفار محبوسون في الضلال، كالمنغمس في الظلمات الذي لا يبصر شيئاً. قوله: (في الإبهام) خبر مقدم، و (تطلف) مبتدأ مؤخر، و (داع) صفة لتطلف. قوله: ﴿ لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا ﴾ إلخ، فيه تطلف بهم وتواضع، حيث أسند الإجرام لأنفسهم والعمل للمخاطبين. قوله: (يوم القيامة) أي في الموقف. قوله: (أعلموني) أشار بذلك إلى أن أرى علمية، فتتعدى إلى ثلاثة مفاعيل: أولها ياء المتكلم، وثانيها الموصول، وشركاء حال من عائد الموصول، والقصد من ذلك تبكيتهم وإظهار خطئهم بعد إقامة الحجة عليهم. قوله: ﴿ بَلْ هُوَ ﴾ الضمير إما عائد على الله، أو ضمير الشأن، وما بعده مبتدأ وخبره، والجملة خبره.
﴿ فَأُوْلَـٰئِكَ ﴾ إلخ. قوله: ﴿ فَأُوْلَـٰئِكَ ﴾ مبتدأ، و ﴿ لَهُمْ ﴾ خبر مقدم، و ﴿ جَزَآءُ ﴾ مبتدأ مؤخر، والجملة خبر أولئك، وهو استئناف لبيان جزاء أعمالهم. قوله: ﴿ جَزَآءُ ٱلضِّعْفِ ﴾ من إضافة الموصوف لصفته، أي الجزاء المضاعف. قوله: (مثلاً) أي أو الحسنة بسبعين أو بسبعمائة أو أكثر. قوله: (وغيره) أي من سائر المكاره، فلا يفنى شبابهم. ولا تبلى ثيابهم. قوله: (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضاً. قوله: (مقدرين عجزنا) أي معتقدين أننا عاجزون فلا نقدر عليهم. قوله: ﴿ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ ﴾ [سبأ: ٣٦] إلخ، اختلف في هذه الآية، فقيل: مكررة مع التي قبلها للتأكيد، وقيل: مغايرة لها، فالأولى محمولة على أشخاص متعددين، وهذه محمولة على شخص واحد باعتبار وقتين، فوقت البسط غير وقت القبض، وهو الاحتمال الأول في قول المفسر، أو الأولى محمولة على الكفار، وهذه في حق المؤمنين، وكل صحيح. قوله: (ابتلاء) علة لقوله: ﴿ وَيَقْدِرُ لَهُ ﴾ أي يختبر هل يصبر أو لا. قوله: ﴿ وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَيْءٍ ﴾ أي على أنفسكم وعيالكم أو تصدقتم به. قوله: ﴿ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ﴾ أي بالمال أو بالقناعة التي هي كنز لا ينفد، أو بالثواب في الآخرة، وفي الحديث:" ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً "ويؤيد هذا الحديث قوله تعالى:﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ ﴾[الليل: ٥] الآيات، وأتى بهذه الآية عقب التي قبلها، إشارة إلى أن الإنفاق لا يضيق الرزق، بل ربما كان سبباً في توسعته، فالحيلة في توسعة الرزق، الإنفاق في وجوه الخير، والثقة بالله والتوكل عليه. قوله: ﴿ وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ ﴾ أي أحسنهم وأجلهم، لكونه خالق السبب والمسبب. قوله: (يقال كل إنسان) إلخ، أي لغة، ودفع بذلك ما قيل: إن الرزاق في الحقيقة واحد وهو الله. فأجاب: بأن الجمع باعتبار الصورة، فالله خالق الرزق، والعبيد متسببون فيه. إن قلت: أي مشاركة بين المفضل والمفضل عليه؟ أجيب: بأن الرزاق يطلق على الموصل للرزق والخالق له، والرب يوصف بالأمرين، والعبد يوصف بالإيصال فقط، فخيرية الله من حيث إنه خالق وموصل، فعلم أن العبد يقال له رازق بهذا، ولا يقال له رزاق، لأنه من الأسماء المختصة به تعالى. قوله: (يرزق عائلته) أي عياله، وعيال الرجل من يعولهم، واحجى عيل كجيد. قوله: (وابدال الأولى ياء) هذا سبق قلم من المفسر، إذ لم يقرأ بهذه أحد من القراء، وأما تحقيقهما وإسقاط الأولى فقراءتان سبعيتان، وبقي ثلاث قراءات سبعيات: تحقيق الأولى، وتسهيل الثانية وعكسه، وابدال الثانية ياء ساكنة ممدودة مع تحقيق الأولى، فتكون الجملة خمساً.
قوله: ﴿ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا ﴾ أي دلائل توحيدنا. قوله: ﴿ إِلاَّ إِفْكٌ ﴾ أي كذب غير مطابق للواقع، ومع كونه كذلك هو ﴿ مُّفْتَرًى ﴾ أي مختلق من حيث نسبته إلى الله، فقوله: ﴿ مُّفْتَرًى ﴾ تأسيس لا تأكيد. قوله: ﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ التصريح بالفاعل انكار عظيم وتعجيب بليغ. قوله: (قال تعالى) أي رداً عليهم.
قوله: ﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّي ﴾ أي مالكي وسيدي. قوله: ﴿ يَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ ﴾ مفعول ﴿ يَقْذِفُ ﴾ محذوف تقديره بقذف الباطل بالحق، ويؤيده قوله تعالى:﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلَى ٱلْبَاطِلِ ﴾[الأنبياء: ١٨] أي ندفع الباطل بالحق ونصرفه به، ويصح أن تكون الباء للملابسة، والمفعول محذوف أيضاً، والتقدير: يقذف الوحي إلى أنبيائه ملتبساً بالحق، أو ضمن يقذف معنى يقضي ويحكم، والأقرب الأول، لأن خير ما فسرته بالوارد. قوله: ﴿ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ ﴾ خبر ثان لأن، أو خبر مبتدأ محذوف. قوله: (ما غاب عن خلقه) أي فتسميته غيباً بالنسبة للخلق، وإلا فالكل شهادة عنده تعالى. قوله: ﴿ قُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ ﴾ أفاد بذلك أن الوعد منجز ومتحقق بالفعل، فليس مجرد وعد. قوله: ﴿ وَمَا يُبْدِىءُ ٱلْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ ﴾ أي لم يبق له بداية ولا إعادة ولا نهاية، فهو كناية عن ذهابه بالمرة، وهذا بمعنى قوله تعالى:﴿ وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ ﴾[الإسراء: ٨١] إن قلت: إن السورة مكية، والكفر في ذلك الوقت، كان له شوكة قوية، والإسلام كان ضعيفاً، فكيف قال ﴿ قُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ ﴾ إلخ؟ أجيب بأنه لتحقق وقوعه نزله منزلة الواقع، فعبر عنه بالماضي كقوله:﴿ أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ ﴾[النحل: ١].
قوله: ﴿ قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَآ أَضِلُّ عَلَىٰ نَفْسِي ﴾ سبب نزولها: أن الكفار قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: تركت دين آبائك فضللت، والمعنى: فقل لهم يا محمد: إن حصل لي ضلال كما زعمتم، فإن وبال ضلالي على نفسي، لا يضر غيري، وقراءة العامة بفتح اللام من باب ضرب، وقرئ شذوذاً بكسر اللام من باب علم. قوله: ﴿ وَإِنِ ٱهْتَدَيْتُ ﴾ الخ، أي لأن الاهتداء لا يكون إلا بهدايته وتوفيقه. قوله: ﴿ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي ﴾ أي بسبب إيحاء ربي إلي، أو بسبب الذي يوحيه إلي، فما مصدرية أو موصولة، والمعنى فهداي بفضل الله تعالى، فحاصل المعنى المراد، أنه إن كان بي ضلال، فمن نفسي لنفسي، وإن كان بي هدى، فمن فضل الله بالوحي إلي، على حد قوله تعالى:﴿ مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ ﴾[النساء: ٧٩].
قوله: ﴿ إِنَّهُ سَمِيعٌ ﴾ أي يسمع كل ما خفي وما ظهر، وقوله: ﴿ قَرِيبٌ ﴾ أي قرب مكانة لا مكان.