تفسير سورة سبأ

مجاز القرآن
تفسير سورة سورة سبأ من كتاب مجاز القرآن .
لمؤلفه أبو عبيدة . المتوفي سنة 210 هـ

﴿ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ في الأَرْضِ ﴾ أي يدخل ويغيب فيها قال طرفة :
رأيتُ القوَافي يتَّلجْنَ موَالجاً تَضَايقُ عنها أن تَوَلَجَّأ الإبَرْ
﴿ لاَ يَعزبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّة ﴾ أي لا يشذ ولا يغيب مثقال ذرة أي زنة ذرة.
﴿ والذّيِنَ سَعَوْا في آيَاتِنَا معُاجِزينَ ﴾ أي مسابقين : سَعَوا : كذبوا.
﴿ إنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمْ الأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ ﴾ أي قطعاً، واحدتها كسفة، على تقدير سدرة وسدر.
﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً ﴾ أي أعطينا.
﴿ يَا جِبَالُ أَوِّبي مَعَهُ ﴾ مجازه مجاز المختصر الذي فيه ضمير : وقلنا جبال أُوِّبِى معه، والتأويب أن يبيت في أهله قال سلامة بن جندل :
يَوْمانِ يومُ مقاماتٍ وأنديةٍ ويومُ سَيْر إلى الأعداء تأويبِ
أي رجوع.
﴿ وَالطَّيْرَ ﴾ نصب من مكانين أحدهما فيما زعم يونس عن أبي عمرو على قوله :﴿ وسخَّرنا له الطير ﴾. والآخر على قول النحويين : يا زيد أقبل والصلت، نصب لأنه لا يحسن النداء فيما فيه ألف ولام فنصب على إعمال ضمير فعل كأنه قال : وأعنى الصلت.
﴿ أَنِ أَعْمَلْ سَابِغَاتٍ ﴾ أي دروعاً واسعة طويلة.
﴿ وَقَدِّرْ في السَرْدِ ﴾ يقال : درعٌ مسرودة أي مسمورة الحلق، قال أبو ذؤيب :
وعليهما مسرودتانِ قضاهما داودُ أو صَنَعُ السوابغِ تُبَّعُ
مثل دِسار السفينة وهو ما خرز به من كنبارٍ أو ليفٍ. ويقال : دسره بالرمح إذا طعنه.
﴿ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ ﴾ منصوبة، عمل فيها " وسخَّرنا لسليمان الريح ".
﴿ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ ﴾ مجازه مجاز المختصر المضمر فيه غدوها كأنه غدوها مسيرة شهرٍ ورواحها مسيرة شهر.
﴿ وَأَسَلْنَا لَهُ عيَنْ القِطْرِ ﴾ أي أجرينا وأذنبنا وأسلنا.
﴿ مَحَاريِبَ ﴾ واحدها محراب وهو مقدم كل مسجد ومصلى وبيتٍ قال وضاح اليمن :
رَبَّةُ محرابٍ إذا جئتُها ***لم ألقَها أو أرتقي سُلمّا
﴿ وَجِفَانٍ كَالَجْوابِ ﴾ واحدتها جابية وهي الحوض الذي يجيء فيه الماء قال :
فصبَّحتْ جابيةً صَهَارجَا كأنه جلد السماء خارجا
﴿ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ ﴾ عظام ويقال : ثابتات دائمات، قال زهير :
وأيْنَ الذين يحضرون جِفانَه إذا قُدّمتْ ألقَوا عليها المَراسِيا
أي أثبتوا عليها.
﴿ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ ﴾ وهي العصا أوصلها من نسأت بها الغنم وهي من الهمز الذي تركت العرب الهمزة من أسمائها. ينسأ بها الغنم أي يسوقها، قال طرفة بن العبد :
وعَنْس كألواح الإران نسأْتُها على لاحبٍ كأنه ظَهْرُ بُرجُدِ
نسأتها : نسقتها ويهمزون الفعل منها كما تركوا همزة النبي والبرية والخابية وهي من أنبأت ومن برأت وخبأت قال :
إذا دَببتَ على المِنْساة من كِبَرٍ فقد تباعدَ عنك اللّهوُ والغَزَلُ
وبعضهم يهمزها فيقول منسأة، قال :
أمِنْ أَجل حَبْلٍ لا أباك ضربتَه بمنسَأةٍ قد جرّ حَبْلُكَ أحْبَلا
﴿ فَلمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أنْ لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الغَيْبَ ﴾ مجازه مجاز المختصر الذي فيه ضمير لأن ﴿ تبينت ﴾ في موضع : " أبانت الجن للناس أن لو كانوا يعلمون الغيب لما كانوا في العذاب وقد مات سليمان صلى الله عليه ".
﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ في مَسَاكِنِهمِ ﴾ ينون " سَبَأَ " بعضهم لأنه يجعله اسم أبٍ ويهمزه، وبعضهم لا ينون فيه يجعله اسم أرض.
﴿ سَيْلَ الَعِرمَ ﴾ واحدها عرمة وهو بناء مثل المشار يحبس به الماء ببناء فيشرف به على الماء في وسط الأرض ويترك فيه سبيل للسفينة فتلك العرمات واحدها عرمة والمسار بلسان العجم قال الأعشى :
وفي ذاك للمؤتسى إِسوَةٌ ومأْرِبُ قَفًّى عليها الْعَرِمْ
رُخامٌ بناه لهم حِمْيَرٌ إذا جاش دُفّاعُه لم يرمْ
أي حبسه وقال آخر :
من سَبَأَ الحاضرينَ مأربَ إذ يبنون من دون سَيْله العَرِما
﴿ أُكُلٍ خَمْطٍ ﴾ والخمط كل شجرة ذي شوك والأكل هو الجنى
﴿ رَبَّنَا بَاعدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا ﴾ مجازه مجاز الدّعاء وقرأه قوم ﴿ ربنا بّعِّدْ بين أسفارنا ﴾.
﴿ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمّزَّقٍ ﴾ أي قطعناهم وفرقناهم.
﴿ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ ﴾ مخفف ومثقل ومجازه أنه وجد ظنه بهم صادقاً.
﴿ إلاَّ لِنَعْلَمَ مَنُ يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ ﴾ مجازه : إلاّ لنميز.
﴿ مِنْ ظَهِيرٍ ﴾ أي من معين.
﴿ حَتَّى إذَا فُزِّعَ عَنْ قُلوبِهِمْ ﴾ أي اذهب عن قلوبهم.
﴿ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ ﴾ منصوب لأنه مختصر كأنه : قالوا قال ربنا الحق، وقد رفعه لَبِيد ولا أظنه إلا احتياجاً إلى القافبة قال :
ألا تسألان المرءَ ماذا يحاوِلُ أَنَحْبٌ فيُقضي أم ضلالٌ وباطلُ
﴿ وَإِناَ وَإيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَو فِي ضَلاَلٍ مُّبِينِ ﴾ مجازه : إنا لعلى هدى وإياكم إنكم في ضلال مبين لأن العرب تضع " أو " في موضع واو الموالاة قال :
أثعلبةَ الفوارس أو رياحا عَدلَتَ بهم طُهَيَّةَ والخِشابا
يعنى أثعلبة ورياحاً. وقال قوم قد يتكلم بهذا من لا يشك في دينه وقد علموا أنهم على هدى وأولئك في ضلال مبين فيقال هذا وإن كان كلاماً واحداً على وجه الاستهزاء يقال هذا لهم، قال أبو الأسود :
يقولُ الأرذلون بنو قُشَيْرٍ طَوالَ الدهر ما تَنسى عَلِيَا
بنو عمِّ النبيِّ وأَقربوه أَحبُّ الناس كلِّهم إلَيّا
فإن يك حبُّهمْ رشداً أُصبْه ولستُ بمخطِئ إن كان غَيّا
﴿ ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ ﴾ أي يحكم بيننا.
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ كَافَّةُ للِنَّاسِ ﴾ أي إلا عاماً.
﴿ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ ﴾ والوعيد والميعاد واحد.
﴿ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَاداً ﴾ أي أضداد، واحده ند وضد قال حسان بن ثابت :
أتهجوه ولستَ له بِندِّ فشَرُّكما لخيركما الِفدَاءُ
﴿ هَلْ يَجُزْوَنْ إِلا مَا كانَوُا يَعْمَلُون ﴾ مجازها هاهنا مجاز الإيجاب وليس باستفهام، مجازه : ما يجزون إلا ما كانوا يعلمون.
﴿ إِلاّ قَالَ مُتْرَفُوهَا ﴾ كفارها المتكبرون.
﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ﴾ يبسط : يوسع ويكثر " ويقدر " من قول الله :﴿ قُدِرَ عَلَيْهِ رِْزقُهُ ﴾.
﴿ وَما أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أوْلاَدُكُمْ بِالّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زلْفَى ﴾ مجاز ﴿ زُلفَى ﴾ بما يقع على الجميع وعلى الواحد سواء. وزلفىَ : قربى ومجازه مجاز المشركين يخبر عن أحدهما بلفظ الواحد منهما ويكف عن الآخر وقد دخل معه في المعنى فمجازها : وما أموالكم بالتي تقربكم إلينا زُلْفى ولا أولادكم أيضاً فالخبر بلفظ أحدهما وقد دخل معه في المعنى ولو جمع خبرهما لكان مجازه : وما أموالكم ولا أولادكم بالذين يقربونكم عندنا زلفى لأن العرب إذا أشركوا بين الآدميين والموات غلب تقدم فعل الآدميين على فعل الموات.
﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَكلَائِكَةِ أَهَؤُلاَءِ إِياكُمْ كانَوُا يَعْبُدُونَ ﴾ مجاز الألف ها هنا مجاز الإيجاب والإخبار والتقرير وليست بألف الاستفهام بل هي تقرير للذين عبدوا الملائكة وأبسٌ لهم قال جرير :
ألستمْ خيرَ من ركِب المَطَايَا وأنَدى العالمين بُطونَ رَاحِ
ًٌٌَََََُُ
ًٌَُ
﴿ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ ﴾ أي عشر ما أعطيناهم.
﴿ فَكَيْفَ كَانَ نَكيِرِ ﴾ أي تغييري وعقوبتي.
﴿ مَثْنَى وَفُرَادَى ﴾ اثنين اثنين وفرداً فرداً ولا ينون في مثنى، زعم النحويون لأنه صرف عن وجهه.
﴿ قُلْ إِنِّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاّمُ الغُيُوبِ ﴾ أي يأتي بالحق.
﴿ أنَّى لَهُمْ ﴾ أي كيف لهم وأين.
﴿ التَّنَاوْشُ ﴾ يجعله من لم يهمزه ﴿ من نشتَ تَنُوش ﴾ وهو التناول قال غيلان :
فهْيَ تنوشُ الحوضَ نَوْشاً مِن عَلا ***
ومن همزة جعله من ﴿ نأشتُ إليه ﴾ وهو من بعد المطلب قال رؤبة :
أَقْمَحِني جارُ أبِي الخامُوش إليك نَاشي القَدَر النَّؤوشِ
﴿ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِْ مِنْ قَبْلُ ﴾ يقال : شيعة والجميع شيع ثم جمعوا شيعاً فقالوا : أشياع.
Icon