تفسير سورة سبأ

فتح الرحمن في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة سبأ من كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن .
لمؤلفه تعيلب . المتوفي سنة 2004 هـ
سورة سبأ مكية
وآياتها أربع وخمسون
كلماتها ٨٨٣- حروفها ٣٥١٢

بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير١ ﴾
الشكر الجزيل، والمدح والثناء الحسن الجميل، مستحق للمعبود بحق، الذي يملك السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما ومن فيهما، فهو رب العالمين، المنعم بالنعم الظاهرة والباطنة، والآلاء السابغة التي لا تحصى، محمودا على هدانا إليه من الرشد، محمود على تأييد المهتدين وقطع دابر الظالمين، ولله الكبير المتعال –دون سواه- الحمد في الآخرة أن صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء – إن شاء الله- ).. وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين( ١، محمود يقضي بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون ).. لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون( ٢، وهو الحكيم في تدبير أمره، أحكم تدبير الدارين، الخبير بشئون خلقه، ما ظهر منها وما بطن.
[ وجوز أن يكون في الكلام صنعة الاحتباك، وأصله : الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض في الدنيا، وله ما في الآخرة والحمد فيها، فأثبت في كل منهما ما حذف من الآخر... والفرق بين الحمدين مع كون نعم الدنيا ونعم الآخرة بطريق التفضل أن الأول على نهج العبادة والثاني على وجه التلذذ والاغتباط ]٣. ( وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور. الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب( ٤.
١ سورة يونس. من الآية ١٠..
٢ سورة القصص. من الآية ٨٨..
٣ ما بين العارضتين مقتبس من روح المعاني، بتصرف..
٤ سورة فاطر. الآيتان: ٣٤، ٣٥..
﴿ يلج ﴾ يدخل، ويستتر، ويقال لما يستتر فيه : ولجة، والجمع أولاج، والوليجة : البطانة، ودخيلة الأمر.
﴿ يعرج ﴾ يقيم، أو يرقى ويصعد، أو يرتفع ويعلو، والعرج : غيبوبة الشمس.
﴿ يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور٢ ﴾
ربنا المالك للسماوات والأرض وما فيهما ومن فيهما، والخالق لكل ذلك، والمدبر لكافة الأمور والمحمود أولى وعقبى، يعلم علما محيطا بسائر ما برأ وذرأ، وما خفي وما ظهر، ومن جملة ذلك ما يدخل في الأرض ويستكن ويتوارى فيها، وما يبرز أو يجتنى منها [ يعلم سبحانه ما يدخل في الأرض من المطر﴿ وما يخرج منها ﴾ من النبات، قاله السدي. وقال الكلبي : ما يدخل فيها من الأموات، وما يخرج منها من جواهر المعادن. والأولى التعميم في الموصولين، فيشملان كل ما يلج في الأرض ولو بالوضع فيها، وكل ما يخرج منها حتى الحيوان فإنه كله مخلوق من التراب ]١، ويعلم ما ينزل من السماء وما يقيم أو يرقى أو يصعد أو يرتفع إليها ويعلو فيها أو يغيب في طياتها وآفاقها- إذ من معاني العرج : غيبوبة الشمس- وهو سبحانه مع كامل ملكه ومحيط علمه، واسعة رحمته، عظيم غفرانه.
[ { يعلم ما يلج في الأرض ] أي يدخل فيها من المياه والحبات، والكنوز والأموات﴿ وما يخرج منها ﴾ من الشجر والنبات، ومياه الآبار، والجواهر، والمعدنيات ﴿ وما ينزل من السماء ﴾ من الأمطار والأرزاق، وأنواع البركات والوحي ﴿ وما يعرج فيه ﴾ من الملائكة وأعمال العباد، [ وقد أشار قوله :﴿ فيها ﴾ دون أن يقول إليها إلى أن الأعمال الصالحة مقبولة، والنفوس الزكية واصلة، فقد ينتهي الشيء إلى الشيء ولا ينفذ فيه ولا يتصل به﴿ وهو الرحيم ﴾ حين الإنزال٢ ﴿ الغفور ﴾ وقت عروج الأعمال، للمفرطين في الأقوال و الأفعال ]٣.
١ مما نقل الألوسي..
٢ حين ينزل وحيه وشرائعه لا يكلف عباده مالا طاقة لهم به:)... يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر...(..
٣ مما أورد صاحب غرائب القرآن..
﴿ الساعة ﴾ القيامة وأحوالها، ومنازلها وأهوالها.
﴿ لا يعزب ﴾ لا يبعد، ولا يغيب.
﴿ وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين٣ ﴾
ينكر الكافرون الإحياء بعد الإماتة، والبعث بعد البلى :( بل قالوا مثل ما قال الأولون. قالوا أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون. لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين( ١ [ أرادوا بضمير المتكلم –[ نا ] من ﴿ تأتينا ﴾- جنس البشر قاطبة لا أنفسهم أو معاصريهم فقط، وبنفي إتيانها نفى وجودها بالكلية لا عدم حضورها مع تحققها في نفس الأمر، وإنما عبروا عنه بذلك لأنهم كانوا يوعدون بإتيانها... وقيل : هو استبطاء لإتيانها الموعود بطريق الهزء والسخرية كقولهم :).. متى هذا الوعد( ٢. ]٣.
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم برد كلامهم وإبطاله، وأن يحلف على الحق الذي لا ريب فيه )وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور( ٤.
يقول ابن كثير- رحمه الله- : هذه إحدى الآيات الثلاث التي لا رابع لهن مما أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقسم بربه العظيم على وقوع المعاد، لما أنكره من أنكره من أهل الكفر والعناد، فإحداهن في سورة يونس عليه السلام، وهي قوله تعالى :)ويستنبؤونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين )٥والثانية هذه :)وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم.. } والثالثة في سورة التغابن وهي قوله تعالى :)زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير( ٦. اه.
ولما كان من المنكرين للبعث من يستبعد جمع ما تفرق من الأجساد، وما تمزق من الجلود، ساق القرآن لهم حجة على اقتدار العليم أن يعيد ما تناثر من هذه الأجساد، وأن يرد عليها أرواحها يوم التناد )قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ( ٧. فهو سبحانه يعلم كل مشاهد وغائب، لا يبعد عن علمه المحيط شيء في الأرض ولا في السماء مهما دق أو عظم، وإن كان مثقال حبة من خردل، وإن كان ذرة أو فوق ذلك أو دون ذلك، بل وكل شيء من هذا مدون مسطور في كتاب ظاهر مظهر.
[ وفي قوله :﴿ لايعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض )إشارة إلى أن الإنسان جسم أرضي وروح سماوي، فالعالم بما في العالمين القادر على تأليفهما قادر على إعادتهما على ما كانا عليه، وإنما ذكر الأكبر- يشير إلى قول الله تبارك وتعالى :{ ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ﴾- مع أن الأصغر هو اللائق بالمبالغة لئلا يتوهم متوهم أن الصغار تثبت لكونها تنسى، أما الأكبر فلا ينسى، فلا حاجة إلى إثباته، بل المراد أن الصغير والكبير مثبت في الكتاب ]٨.
١ سورة المؤمنون. الآيات. ٨١، ٨٢، ٨٣..
٢ سورة الملك. من الآية ٢٥..
٣ ما بين العلامتين[ ] مقتبس من روح المعاني، بتصرف..
٤ سورة الحج. الآية ٧..
٥ الآية ٥٣..
٦ الآية ٧..
٧ سورة(ق(. الآية ٤..
٨ مقتبس من غرائب القرآن، بتصرف..
﴿ ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة ورزق كريم ٤ ﴾
قضت حكمة الحق جل علاه أن تكون حياة آخرة ).. ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى( ١ فثواب المصدقين الصالحين المصلحين أن يرفع الله أقدارهم، ويضع عنهم أوزارهم، ويجري عليهم في دار النعيم أرزاقهم.
١ سورة النجم. من الآية ٣١..
﴿ والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم ٥ ﴾
ومن حكم الله تعالى في مجيء الساعة أن ينزل عقابه الشديد بمن عملوا على التكذيب بآيات ربنا القرآنية والكونية، فقدحوا فيها، وصدوا الناس عن التصديق بها )وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون( ١ يحسبون أنهم سيغلبوننا، أو سيفوتوننا، فلن نقدر على بعثهم، ولن ندركهم بجزائهم، فسحقا لهم، وأشد العقاب ينتظرهم- والرجز : سيء العذاب وأشده- نسأل الله أن يقينا العذاب.
١ سورة فصلت. الآية ٢٦..
﴿ ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد٦ ﴾
ويعلم أصحاب العلم من أهل الإيمان عند مجيء الآخرة علما هو عين اليقين أن الوحي الذي جاءك صدق، ويدل على الرشد، ويوصل إلى مرضاة القوي القهار، المحمود بالعشي والإبكار، وآناء الليل وأطراف النهار. [ والمراد بصراطه تعالى : التوحيد والتقوى ]١
[ يهدي القرآن إلى طريق الإسلام الذي هو دين الله. ودل بقوله :﴿ العزيز ﴾ على أنه لا يغالب. وبقوله :﴿ الحميد ﴾ على أنه لا يليق به صفة العجز ]٢.
يقول صاحب تفسير القرآن العظيم : هذه حكمة أخرى معطوفة على التي قبلها، وهي أن المؤمنين بما أنزل على الرسل إذا شاهدوا قيام الساعة ومجازاة الأبرار والفجار بالذي كانوا قد علموه من كتب الله تعالى في الدنيا رأوه حينئذ عين اليقين، ويقولون يومئذ أيضا :).. لقد جاءت رسل ربنا بالحق.. ( ٣ ويقال أيضا(... هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون( ٤ )وقال الذين أوتو العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث.. ( ٥. اه. بتصرف.
١ ما بين العارضتين مما أورد الألوسي..
٢ مما أورد صاحب الجامع لأحكام القرآن..
٣ سورة الأعراف. من الآية ٤٣..
٤ سورة يس. من الآية ٥٢..
٥ سورة الروم. من الآية ٥٦..
﴿ وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد ٧ أفترى على الله كذبا أم به جنة بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد٨ ﴾
سخر الكافرون من الرسالة والرسول، وقال بعضهم لبعض مستبعدين- البعث، مستهزئين بمن يدعوهم إلى الإيمان به- : هل نعرفكم بإنسان يخبركم يقول إنكم إذا متم وبليت أجسادكم وتفرقت أجزاؤها غاية التفرق إذا كان ذلك تبعثون أحياء في خلق جديد ؟ !
نقل عن الزمخشري١ : فإن قلت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهورا علما في قريش، وكان إنباؤه بالبعث شائعا عندهم، فما معنى قولهم :﴿ .. هل ندلكم على رجل ينبئكم.. ﴾ فنكروه لهم وعرضوا عليهم الدلالة عليه، كما يدل على مجهول في أمر مجهول ؟. قلت : كانوا يقصدون بذلك الطنز٢ والهزء والسخرية، فأخرجوه مخرج التحكي ببعض الأحاجي التي يتحاجى بها للضحك والتلهي، متجاهلين به وبأمره. اه.
١ صاحب التفسير المعروف[ بالكشاف]، ونقل هذا عنه القرطبي في تفسيره جـ ١٤، ص ٢٦٢، ٢٦٣..
٢ الاستخفاف والتهكم..
وهمزة ﴿ أفترى ﴾ مفتوحة مقطوعة يراد بها الاستفهام ولو كانت ألف وصل لم تفتح ولا جيء بهمزة القطع، ونظيره قوله تعالى :)أطلع الغيب... ( ١ وقال المشركون : هل هذا المخبر بالبعث يدعي على الله كذبا وزورا أم انتابه جنون فهو لا يدري ولا يعقل ما يقول ؟ فرد الله تعالى افتراءهم، ودمغهم باختلال عقولهم، وضلال أفهامهم، الذي سيهوي بهم إلى درك الشقاء وسوء مصيرهم ﴿ بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد ﴾ فلا أحد أضل منهم ولا أشقى.
١ سورة مريم. من الآية ٧٨..
﴿ أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض و نسقط عليهم كسفا من السماء إن في ذلك لآية لكل عبد منيب ٩ ﴾
الاستفهام إنكاري، يتضمن وعيدا، وكأن المعنى : أفعموا فلم يروا ما يحيط بهم من السماء والأرض، المخلوقين العظيمين المقهورين بقهرنا، ولو أردنا لانخسفت بهم الأرض، أو تساقطت عليهم قطع السماء، لعظم ما خاضوا فيه من جحود المعاد، والاستهزاء بالمبعوث رحمة للعباد- صلى الله عليه وسلم – [ على أن فاعل ذلك لا يمتنع عليه فعل شيء أراد فعله ولا يتعذر عليه فعل شيء شاءه ]١ إن في هذه الآيات، وما يشاهد من إتقان صنعه تلك المخلوقات، لعبرة لكل صاحب عقل هدي إلى عبادة ربه القوي القدير، وحببت إليه الإنابة إلى الله اللطيف الخبير.
١ مما أورده الطبري..
﴿ *ولقد آتينا داوود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد ١٠ إن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير١١ ﴾
يقص القرآن الحكيم من نبأ المرسلين ما يثبت الفؤاد ويقوي اليقين، باقتدار مولانا الملك المتين، وسابغ نعمه على المقربين المكرمين، في هذه الدنيا ويوم الدين، فداود عليه السلام أعطاه الله من لدنه فضلا عظيما، فأمر الجبال أن ترجع معه التسبيح كلما سبح والطير كذلك، كما جاء في قوله الله تبارك وتعالى :).. وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين( ١.
وفي آية كريمة أخرى :)إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق. والطير محشورة كل له أواب( ٢، ومع تسخير الطير والجماد علمه الله صنعة فيها نجاة للعباد، ومرتزق كريم لنبي ملك. عف عن مال الأمة فعمل حدادا. يرعاه ربه وييسر له صنعته، بل ويهديه إلى ما به يحسنها ويتقنها :﴿ وألنا له الحديد. أن اعمل سابغات وقدر في السرد.. ﴾ قال ابن عباس : صار عنده كالشمع، وقال السدي : كان الحديد في يده كالطين المبلول والعجين والشمع، يصرفه كيف يشاء من غير إدخال نار، ولا ضرب بمطرقة. قال قتادة : كانت الدروع قبله صفائح فكانت ثقالا، فلذلك أمر هو بالتقدير فيما يجمع من الخفة والحصانة، أي قدر ما تأخذ من هذين المعنيين بقسطه، لا تقصد الحصانة فتثقل، ولا الخفة فتزيل المنعة، وقال ابن زيد : التقدير الذي أمر به هو في قدر الحلقة، أي : لا تعملها صغيرة فتضعف فلا تقوى الدروع على الدفاع، ولا تعملها كبيرة فينال لابسها، وقال ابن عباس : التقدير الذي أمر به هو في المسمار، أي لا تجعل مسمار الدرع رقيقا فيقلق، ولا غليظا فيفصم الحلق. و﴿ السرد ﴾ نسج حلق الدروع.
[ وسبب ذلك أن داود عليه السلام لما ملك بني إسرائيل لقي ملكا، وداود يظنه إنسانا، وداود خرج متنكرا يسأل عن نفسه وسيرته في بني إسرائيل في خفاء، فقال داود لذلك الشخص الذي تمثل له " :" وما قولك في هذا الملك داود ؟ فقال له الملك : " نعم العبد لولا خلة فيه " قال داود : وما هي " ؟ قال :" يرتزق من بيت المال ولو أكل من عمل يده لتمت فضائله " فرجع فدعا الله في أن يعلمه صنعة ويسهلها عليه، فعلمه صنعة لبوس كما قال جل وعز :)وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون( ٣ فألان له الحديد فصنع الدروع..... في هذه الآية دليل على تعلم أهل الفضل الصنائع. وأن التحرف بها لا ينقصهم، بل ذلك زيادة في فضلهم وفضائلهم.... وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إن خير ما أكل المرء من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده " ]٤، واذكر داود وأهله. أو ذكر أهل داود أن يستصحبوا عمل الصالحين، ومنهاج الشاكرين، فإنهم تحت سمع الله تعالى وبصره، لا يخفى عليه شيء من الأقوال ولا من الأفعال ولا من الأحوال، ومن استصحب اليقين برؤية رب العالمين كان ذلك أحرى أن يحسن فلا يسيء، ولا يرتضي تفريطا ولا غفلة.
﴿ ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ﴾
وكما سخر المنعم الوهاب لداود الجبال يسبحن والطير، سخر لسليمان الريح تجري بأمره رخاء حيث يريد، أو عاصفة حين يأمرها تعصف، تجري في الغداة حاملة ما يأمرها سليمان بحمله تقطع أول النهار مسيرة شهر، وجريها بالعشي- من وسط النهار إلى آخره- مسيرة شهر كذلك-[ قال الحسن : كان يغدو عن دمشق فيقيل بإصطخر، وبينهما مسيرة شهر للمسرع، ثم يروح من إصطخر ويبيت بكابل، وبينهما شهر للمسرع. قال السدي : كانت تسير به في اليوم مسيرة شهرين ]٥. ووهبناه صناعة ثقيلة من النحاس المذاب- يذيبه سليمان- أو يخرج الله له المعدن سائلا.
١ سورة الأنبياء. من الآية ٧٩..
٢ سورة ص. الآيتان ١٨، ١٩..
٣ سورة الأنبياء. الآية ٨٠..
٤ ما بين العارضتين مما أورد القرطبي، بتصرف..
٥ أورده القرطبي..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠:﴿ *ولقد آتينا داوود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد ١٠ إن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير١١ ﴾
يقص القرآن الحكيم من نبأ المرسلين ما يثبت الفؤاد ويقوي اليقين، باقتدار مولانا الملك المتين، وسابغ نعمه على المقربين المكرمين، في هذه الدنيا ويوم الدين، فداود عليه السلام أعطاه الله من لدنه فضلا عظيما، فأمر الجبال أن ترجع معه التسبيح كلما سبح والطير كذلك، كما جاء في قوله الله تبارك وتعالى :).. وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين( ١.
وفي آية كريمة أخرى :)إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق. والطير محشورة كل له أواب( ٢، ومع تسخير الطير والجماد علمه الله صنعة فيها نجاة للعباد، ومرتزق كريم لنبي ملك. عف عن مال الأمة فعمل حدادا. يرعاه ربه وييسر له صنعته، بل ويهديه إلى ما به يحسنها ويتقنها :﴿ وألنا له الحديد. أن اعمل سابغات وقدر في السرد.. ﴾ قال ابن عباس : صار عنده كالشمع، وقال السدي : كان الحديد في يده كالطين المبلول والعجين والشمع، يصرفه كيف يشاء من غير إدخال نار، ولا ضرب بمطرقة. قال قتادة : كانت الدروع قبله صفائح فكانت ثقالا، فلذلك أمر هو بالتقدير فيما يجمع من الخفة والحصانة، أي قدر ما تأخذ من هذين المعنيين بقسطه، لا تقصد الحصانة فتثقل، ولا الخفة فتزيل المنعة، وقال ابن زيد : التقدير الذي أمر به هو في قدر الحلقة، أي : لا تعملها صغيرة فتضعف فلا تقوى الدروع على الدفاع، ولا تعملها كبيرة فينال لابسها، وقال ابن عباس : التقدير الذي أمر به هو في المسمار، أي لا تجعل مسمار الدرع رقيقا فيقلق، ولا غليظا فيفصم الحلق. و﴿ السرد ﴾ نسج حلق الدروع.
[ وسبب ذلك أن داود عليه السلام لما ملك بني إسرائيل لقي ملكا، وداود يظنه إنسانا، وداود خرج متنكرا يسأل عن نفسه وسيرته في بني إسرائيل في خفاء، فقال داود لذلك الشخص الذي تمثل له " :" وما قولك في هذا الملك داود ؟ فقال له الملك :" نعم العبد لولا خلة فيه " قال داود : وما هي " ؟ قال :" يرتزق من بيت المال ولو أكل من عمل يده لتمت فضائله " فرجع فدعا الله في أن يعلمه صنعة ويسهلها عليه، فعلمه صنعة لبوس كما قال جل وعز :)وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون( ٣ فألان له الحديد فصنع الدروع..... في هذه الآية دليل على تعلم أهل الفضل الصنائع. وأن التحرف بها لا ينقصهم، بل ذلك زيادة في فضلهم وفضائلهم.... وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إن خير ما أكل المرء من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده " ]٤، واذكر داود وأهله. أو ذكر أهل داود أن يستصحبوا عمل الصالحين، ومنهاج الشاكرين، فإنهم تحت سمع الله تعالى وبصره، لا يخفى عليه شيء من الأقوال ولا من الأفعال ولا من الأحوال، ومن استصحب اليقين برؤية رب العالمين كان ذلك أحرى أن يحسن فلا يسيء، ولا يرتضي تفريطا ولا غفلة.
﴿ ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ﴾
وكما سخر المنعم الوهاب لداود الجبال يسبحن والطير، سخر لسليمان الريح تجري بأمره رخاء حيث يريد، أو عاصفة حين يأمرها تعصف، تجري في الغداة حاملة ما يأمرها سليمان بحمله تقطع أول النهار مسيرة شهر، وجريها بالعشي- من وسط النهار إلى آخره- مسيرة شهر كذلك-[ قال الحسن : كان يغدو عن دمشق فيقيل بإصطخر، وبينهما مسيرة شهر للمسرع، ثم يروح من إصطخر ويبيت بكابل، وبينهما شهر للمسرع. قال السدي : كانت تسير به في اليوم مسيرة شهرين ]٥. ووهبناه صناعة ثقيلة من النحاس المذاب- يذيبه سليمان- أو يخرج الله له المعدن سائلا.
١ سورة الأنبياء. من الآية ٧٩..
٢ سورة ص. الآيتان ١٨، ١٩..
٣ سورة الأنبياء. الآية ٨٠..
٤ ما بين العارضتين مما أورد القرطبي، بتصرف..
٥ أورده القرطبي..

﴿ ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير ١٢ يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور ١٣ ﴾
وذلل الله تعالى الجن، ومكن سليمان من التسلط عليهم وإخضاعهم بأمر العزيز الوهاب- تبارك اسمه- ومن يتمرد من الجن أو يخرج على ما كلف به من العمل فإن الله المهيمن يعذبه عذابا نكرا. ووجههم سليمان عليه السلام إلى التعمير في البر والبحر، كما تشير الآية الكريمة :)والشياطين كل بناء وغواص( ١فهم يبنون المساجد، والمجالس المشرفة، والمساكن المشيدة، والتماثيل- ولم تكن حرمت في تلك الشريعة، أو كانت لما لا روح له أصلا-
وجفان وأوان للطعام، قال بعض اللغويين : الجفنة أعظم القصاع، ويليها القصعة وهي ما تشبع العشرة، ويليها الصحفة وهي ما تشبع الخمسة ويليها المنكلة وهي ما تشبع الاثنين والثلاثة، ويليها الصحيفة وهي ما تشبع الواحد. ﴿ كالجواب ﴾ أي الحياض العظيمة- جمع جابية-﴿ وقدور ﴾ آنية الطبخ﴿ راسيات ﴾ ثابتات على الأثافي- حجارة الموقد- لا تنزل عنها لسعتها وثقلها، فاعملوا يا آل داود عمل الشاكرين. [.. إنا سخرنا لكم الجن يعملون لكم ما شئتم فاعملوا أنتم شكرا، قلت : وفي لفظ العمل إشارة إلى أن الشكر اللساني غير كاف، وإنما المعتبر الشكر الفعلي، أو هو مع القولي، يروى أن داود عليه السلام جزأ ساعات الليل والنهار على أهله فلم تكن تأتي ساعة من الساعات إلا وإنسان قائم يصلي ]٢، وقليل من عباد الله من يتوفر على الشكر ويبذل فيه الوسع باللسان والقلب والجوارح في أكثر الأوقات.
١ سورة ص. الآية ٣٧..
٢ مما أورد صاحب غرائب القرآن..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٢:﴿ ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير ١٢ يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور ١٣ ﴾
وذلل الله تعالى الجن، ومكن سليمان من التسلط عليهم وإخضاعهم بأمر العزيز الوهاب- تبارك اسمه- ومن يتمرد من الجن أو يخرج على ما كلف به من العمل فإن الله المهيمن يعذبه عذابا نكرا. ووجههم سليمان عليه السلام إلى التعمير في البر والبحر، كما تشير الآية الكريمة :)والشياطين كل بناء وغواص( ١فهم يبنون المساجد، والمجالس المشرفة، والمساكن المشيدة، والتماثيل- ولم تكن حرمت في تلك الشريعة، أو كانت لما لا روح له أصلا-
وجفان وأوان للطعام، قال بعض اللغويين : الجفنة أعظم القصاع، ويليها القصعة وهي ما تشبع العشرة، ويليها الصحفة وهي ما تشبع الخمسة ويليها المنكلة وهي ما تشبع الاثنين والثلاثة، ويليها الصحيفة وهي ما تشبع الواحد. ﴿ كالجواب ﴾ أي الحياض العظيمة- جمع جابية-﴿ وقدور ﴾ آنية الطبخ﴿ راسيات ﴾ ثابتات على الأثافي- حجارة الموقد- لا تنزل عنها لسعتها وثقلها، فاعملوا يا آل داود عمل الشاكرين. [.. إنا سخرنا لكم الجن يعملون لكم ما شئتم فاعملوا أنتم شكرا، قلت : وفي لفظ العمل إشارة إلى أن الشكر اللساني غير كاف، وإنما المعتبر الشكر الفعلي، أو هو مع القولي، يروى أن داود عليه السلام جزأ ساعات الليل والنهار على أهله فلم تكن تأتي ساعة من الساعات إلا وإنسان قائم يصلي ]٢، وقليل من عباد الله من يتوفر على الشكر ويبذل فيه الوسع باللسان والقلب والجوارح في أكثر الأوقات.
١ سورة ص. الآية ٣٧..
٢ مما أورد صاحب غرائب القرآن..

﴿ قضينا ﴾ أوقعنا.
﴿ دابة الأرض ﴾ الأرضية [ سوسة الخشب ].
﴿ منسأته ﴾ عصاه.
﴿ خر ﴾ سقط ووقع.
﴿ لبثوا ﴾ أقاموا وبقوا.
﴿ فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين١٤ ﴾
فلما أمضينا الموت في سليمان- وهو قائم متكىء على عصاه- ظلت الجن تتابع أعمالها متهيبة سليمان يحسبونه ما زال حيا، حتى إذا أكل السوس العصا التي كان يتكىء عليها سقط، فظهر للجن حينئذ أنهم لا يعلمون غيبا فقد فارقت الروح سليمان منذ أمد وهم لا يدرون، ولو انكشف لهم الأمر في حينه لما داموا وبقوا مسخرين منذ ذلك الحين.
أخرج النسائي وغيره بإسناد صحيح من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم :" أن سليمان بن داود لما بنى بيت المقدس سأل الله تعالى خلالا ثلاثة حكما يصادف حكمه فأوتيته وسأل الله تعالى ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه وسأل الله تعالى حين فرغ من بنائه المسجد ألا يأتيه أحد لا ينهزه١ إلا الصلاة فيه أن يخرج من خطيئته كيوم ولدته أمه ".
١ لا يحركه..
﴿ لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور ١٥ ﴾
لما بين القرآن في الآيات الأربع السابقة حال من شكر النعمة ومنهم داود وسليمان عليهما السلام بين في هذه الآية وما بعدها حال طائفة ممن كفر النعمة، وسبأ قبيلة كانت تسكن اليمن في منطقة مأرب عاشوا فيما بين بعثة عيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهما وقد منحهم الله تعالى رزقا حسنا، وزرعا وحدائق ذات بهجة، يرى فيها المتدبر الشاكر آية من آيات اقتدار المولى، وبرهانا على جلاله وواسع فضله، قال ابن عباس : العرم : السد، وكانوا قد أقاموا سدا بين جبلين ليحجز الماء فتروى الحدائق كلما احتاجت، فجاء فيضان المطر فهدمه، وقال عطاء : العرم اسم الوادي، وقال الزجاج : العرم : اسم الجرذ – الفأر- الذي نقب السكر عليهم، وقال الأعرابي : والعرم من أسماء الفأر، فالجنات والبساتين تحف بها وبالسائر منها وإليها عن يمينه حدائق، وعن شماله كذلك، ومكنوا من ثمرها وخيرها، فقيل لهم- أو كأنهم بتمكنهم قيل لهم- : كلوا مما رزقكم الله المنعم مولاكم، واشكروا له أنعمه يزدكم فتحيون الحياة الكريمة، ويغفر لكم في الآخرة، أو : اسكنوا هذه البلدة الطيبة، واعبدوا الله الغفور، فهو سبحانه يتجاوز عن تقصير من قصر شكره، لكنه لم يبطر ولا جحد.
﴿ فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل ١٦ ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور١٧ ﴾
فبطروا، وتولوا عن أمرنا، وتأنفوا عن شكرنا فبعثنا عليهم سيلا ومطرا مدمرا يهدم ويغرق ).. فما استكانوا لربهم وما يتضرعون( ١، وأذاقهم الله العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون، فالثمار الجنية، والفاكهة الشهية حرموها، ولم تبق في حدائقهم إلا أشجار الأثل، وقليل من شجر السدر، والخمط : كل ما تغير إلى ما لا يشتهى، فكأن التقدير :- جنتين ذواتي أكل خمط- ذواتي أكل حموضة أو أكل مرارة، وقيل : الخمط الأراك، وقال الأزهري : السدر من الشجر سدران : بري لا ينتفع به ولا يصلح ورقه للغسول وله ثمر عفص لا يؤكل، وهو الذي يسمى الضال. والثاني- سدر ينبت على الماء وثمره النبق وورقه غسول يشبه شجر العناب. قال القشيري : وأشجار البوادي لا تسمى جنة ولابستانا، ولكن لما وقعت الثانية في مقابلة الأولى أطلق لفظ الجنة، وهو كقوله تعالى :)وجزاء سيئة سيئة مثلها... ( ٢. وهذا التبديل كان عقوبة عاجلة لهم على كفرهم بأنعم ربهم، وبسبب بطرهم وتأبيهم عن شكر المولى الوهاب، وهل يغير الله ما بقوم إلا إذا كفروا وبطروا )ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم... ( ٣، )وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا بصنعون( ٤.
١ سورة المؤمنون. من الآية ٧٦..
٢ سورة الشورى. من الآية ٤٠..
٣ سورة الأنفال. من الآية ٥٣..
٤ سورة النحل. الآية ١١٢..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٦:﴿ فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل ١٦ ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور١٧ ﴾
فبطروا، وتولوا عن أمرنا، وتأنفوا عن شكرنا فبعثنا عليهم سيلا ومطرا مدمرا يهدم ويغرق ).. فما استكانوا لربهم وما يتضرعون( ١، وأذاقهم الله العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون، فالثمار الجنية، والفاكهة الشهية حرموها، ولم تبق في حدائقهم إلا أشجار الأثل، وقليل من شجر السدر، والخمط : كل ما تغير إلى ما لا يشتهى، فكأن التقدير :- جنتين ذواتي أكل خمط- ذواتي أكل حموضة أو أكل مرارة، وقيل : الخمط الأراك، وقال الأزهري : السدر من الشجر سدران : بري لا ينتفع به ولا يصلح ورقه للغسول وله ثمر عفص لا يؤكل، وهو الذي يسمى الضال. والثاني- سدر ينبت على الماء وثمره النبق وورقه غسول يشبه شجر العناب. قال القشيري : وأشجار البوادي لا تسمى جنة ولابستانا، ولكن لما وقعت الثانية في مقابلة الأولى أطلق لفظ الجنة، وهو كقوله تعالى :)وجزاء سيئة سيئة مثلها... ( ٢. وهذا التبديل كان عقوبة عاجلة لهم على كفرهم بأنعم ربهم، وبسبب بطرهم وتأبيهم عن شكر المولى الوهاب، وهل يغير الله ما بقوم إلا إذا كفروا وبطروا )ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم... ( ٣، )وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا بصنعون( ٤.
١ سورة المؤمنون. من الآية ٧٦..
٢ سورة الشورى. من الآية ٤٠..
٣ سورة الأنفال. من الآية ٥٣..
٤ سورة النحل. الآية ١١٢..

﴿ وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين ١٨ فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ١٩ ﴾
ومما كان من نعم بطروها وما شكروها أن الله متعهم في نقلهم وارتحالهم، مثلما متعهم في مساكنهم ومحالهم، فكان المسافر من اليمن إلى الأرض المباركة- الشام- لا يقطع قفرا، ولا يجتاز بادية، إنما يعبر طريقا مأهولة تنتشر على امتدادها المدائن والقرى، متقاربة العمران، يغدو الغادي من محلته فيقيل في قرية، ويرتحل عشية فيمسي في أخرى، وقيل : إنما قيل لها ظاهرة لظهورها، أي إذا خرجت عن هذه ظهرت لك الأخرى، كانوا يسيرون فيها إلى مقاصدهم إذا أرادوا آمنين، فهو أمر بمعنى الخبر، وفيه إضمار القول.
فلما بطروا، وسئموا الراحة، وغلبت عليهم شقوتهم، دعوا قائلين : يا ربنا باعد بين أسفارنا، كما قال بنو إسرائيل وقد سئموا ما رزقهم الله من المن والسلوى، وتمنوا البقل والفوم والعدس والبصل وسألوا نبيهم موسى عليه الصلاة والسلام أن يدعو ربه ليحقق سؤلهم وقد ضاقوا بطيبات ما رزقهم ربهم :- ).. فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله.. ( ١، وكما قال مشركو قريش :).. اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم( ٢ فأنزل الله تعالى بهم الخزي والهزيمة والبطشة الكبرى يوم بدر يوم الفرقان- فأجاب الله أهل سبأ إلى ما سألوا وشردهم في الآفاق، وجعل بينهم وبين الأرض التي باركها الله-الشام- مفاوز وبراري وفلوات، وبقيت بطشة الله بهم أحاديث يتمثل بها فيقال : تفرقوا أيدي سبأ، أي كأولاد سبأ، أو على طريق مجهزة كالطريق التي سلكتها سبأ، إن في ذلك الذي صنعنا لعبرا لكل عبد صابر على قسم الله، شكور لأنعمه٣.
١ سورة البقرة. من الآية ٦١..
٢ سورة الأنفال. من الآية ٣٢..
٣ أورد ابن كثير في تفسيره لهذه الآيات الكريمة خمسة أحاديث تحدثت عن سبأ، وبطون سبأ ونسله، لم يبلغ واحد منها درجة الصحة، كما ذكر كثيرا من الغرائب وأخبار الكهان عن بلاد سبأ، وأورد بعضها على أنه من المأثور جـ ٣ من ص ٥٣٥ ونحا نحوه الألوسي جـ ٢٢ من ص ١٢٤ –ص ١٣٣، ومن قبلهما الطبري جـ ٢٢ من ص ٥٢-ص ٨٠، بينما لم يذكر القرطبي في هذا إلا حديثا واحدا عن الترمذي ثم عقب قائلا: قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٨:﴿ وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين ١٨ فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ١٩ ﴾
ومما كان من نعم بطروها وما شكروها أن الله متعهم في نقلهم وارتحالهم، مثلما متعهم في مساكنهم ومحالهم، فكان المسافر من اليمن إلى الأرض المباركة- الشام- لا يقطع قفرا، ولا يجتاز بادية، إنما يعبر طريقا مأهولة تنتشر على امتدادها المدائن والقرى، متقاربة العمران، يغدو الغادي من محلته فيقيل في قرية، ويرتحل عشية فيمسي في أخرى، وقيل : إنما قيل لها ظاهرة لظهورها، أي إذا خرجت عن هذه ظهرت لك الأخرى، كانوا يسيرون فيها إلى مقاصدهم إذا أرادوا آمنين، فهو أمر بمعنى الخبر، وفيه إضمار القول.
فلما بطروا، وسئموا الراحة، وغلبت عليهم شقوتهم، دعوا قائلين : يا ربنا باعد بين أسفارنا، كما قال بنو إسرائيل وقد سئموا ما رزقهم الله من المن والسلوى، وتمنوا البقل والفوم والعدس والبصل وسألوا نبيهم موسى عليه الصلاة والسلام أن يدعو ربه ليحقق سؤلهم وقد ضاقوا بطيبات ما رزقهم ربهم :- ).. فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله.. ( ١، وكما قال مشركو قريش :).. اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم( ٢ فأنزل الله تعالى بهم الخزي والهزيمة والبطشة الكبرى يوم بدر يوم الفرقان- فأجاب الله أهل سبأ إلى ما سألوا وشردهم في الآفاق، وجعل بينهم وبين الأرض التي باركها الله-الشام- مفاوز وبراري وفلوات، وبقيت بطشة الله بهم أحاديث يتمثل بها فيقال : تفرقوا أيدي سبأ، أي كأولاد سبأ، أو على طريق مجهزة كالطريق التي سلكتها سبأ، إن في ذلك الذي صنعنا لعبرا لكل عبد صابر على قسم الله، شكور لأنعمه٣.
١ سورة البقرة. من الآية ٦١..
٢ سورة الأنفال. من الآية ٣٢..
٣ أورد ابن كثير في تفسيره لهذه الآيات الكريمة خمسة أحاديث تحدثت عن سبأ، وبطون سبأ ونسله، لم يبلغ واحد منها درجة الصحة، كما ذكر كثيرا من الغرائب وأخبار الكهان عن بلاد سبأ، وأورد بعضها على أنه من المأثور جـ ٣ من ص ٥٣٥ ونحا نحوه الألوسي جـ ٢٢ من ص ١٢٤ –ص ١٣٣، ومن قبلهما الطبري جـ ٢٢ من ص ٥٢-ص ٨٠، بينما لم يذكر القرطبي في هذا إلا حديثا واحدا عن الترمذي ثم عقب قائلا: قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب..

﴿ ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين٢٠ وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ٢١ ﴾
ظن إبليس أنه ما دام قد ضعف الوالد أمام وسوسته فسيكون الولد أضعف، فبان صدق ظنه، أو ظن أن الترف يحمل المترفين على الفسوق والمروق، والأشر والبطر، فكان ما ظن، والضمير في ﴿ عليهم ﴾ إما لقوم سبأ، أو لعامة الآدميين، إلا الصفوة المخلصين، وما يملك الشيطان أن يستكرههم على الكفر والعصيان، وإنما هو تزيين وأماني، ووعد مكذوب، كما حكى الله تعالى عن إقراره يوم التغابن، بقوله جل علاه :)وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي.. ( ١ وما اختبرناهم إلا لنعلم علما يبنى عليه الثواب والعقاب٢ من هم المصدقون بلقائنا وحسابنا وجزائنا ومن هم المرتابون المترددون في الإيمان بوعدنا، ومولانا حفيظ رقيب على كل شيء قائم على أحواله وشئونه [ ومع حفظه ضل من ضل من أتباع إبليس، وبحفظه وكلاءته سلم من سلم من المؤمنين.. ]٣ وقيل : يحفظ كل شيء على العبد حتى يجازيه به.
١ سورة إبراهيم. من الآية٢٢..
٢ يقول صاحب روح المعاني: والعلم المستقبل ليس هو العلم الأزلي القائم بالذات المقدس بل تعلقه بالمعلوم في علم الشهادة الذي يترتب عليه الجزاء، بالثواب والعقاب، وهو مضمن معنى التميز لمكان من، أي ما كان له عليهم تسلط لأمر من الأمور إلا علمنا بمن يؤمن بالآخرة متميزا ممن هو منها في شك، تعلقا حاليا يترتب عليه الجزاء.. اهـ..
٣ مما أورد صاحب تفسير القرآن العظيم جـ ٣ ص ٥٣٦..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٠:﴿ ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين٢٠ وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ٢١ ﴾
ظن إبليس أنه ما دام قد ضعف الوالد أمام وسوسته فسيكون الولد أضعف، فبان صدق ظنه، أو ظن أن الترف يحمل المترفين على الفسوق والمروق، والأشر والبطر، فكان ما ظن، والضمير في ﴿ عليهم ﴾ إما لقوم سبأ، أو لعامة الآدميين، إلا الصفوة المخلصين، وما يملك الشيطان أن يستكرههم على الكفر والعصيان، وإنما هو تزيين وأماني، ووعد مكذوب، كما حكى الله تعالى عن إقراره يوم التغابن، بقوله جل علاه :)وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي.. ( ١ وما اختبرناهم إلا لنعلم علما يبنى عليه الثواب والعقاب٢ من هم المصدقون بلقائنا وحسابنا وجزائنا ومن هم المرتابون المترددون في الإيمان بوعدنا، ومولانا حفيظ رقيب على كل شيء قائم على أحواله وشئونه [ ومع حفظه ضل من ضل من أتباع إبليس، وبحفظه وكلاءته سلم من سلم من المؤمنين.. ]٣ وقيل : يحفظ كل شيء على العبد حتى يجازيه به.
١ سورة إبراهيم. من الآية٢٢..
٢ يقول صاحب روح المعاني: والعلم المستقبل ليس هو العلم الأزلي القائم بالذات المقدس بل تعلقه بالمعلوم في علم الشهادة الذي يترتب عليه الجزاء، بالثواب والعقاب، وهو مضمن معنى التميز لمكان من، أي ما كان له عليهم تسلط لأمر من الأمور إلا علمنا بمن يؤمن بالآخرة متميزا ممن هو منها في شك، تعلقا حاليا يترتب عليه الجزاء.. اهـ..
٣ مما أورد صاحب تفسير القرآن العظيم جـ ٣ ص ٥٣٦..

﴿ قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير ٢٢ ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع على قلوبهم قالوا ما ذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير ٢٣ ﴾
روي أن ذلك نزل عند الجوع والقحط والسنين العجاف السبع التي أصابت قريشا، فكأن القرآن الكريم يوبخ المشركين ويعجزهم، ويتحداهم أن يملك من زعموهم آلهة دفع ما نزل بهم من بلاء، ويتهكم بهم : أن ادعوهم لعلهم يستجيبون لكم إن صح دعواكم أنهم يقدرون على شيء، ومناسبة هذا لما قبله : أننا ضربنا لهم الأمثال بما نتفضل به على المخلصين الشاكرين المصطفين الأخيار- من أمثال داود وسليمان عليهما السلام- وضربنا لهم المثل ببأسنا الذي لا يرد عن القوم المجرمين من أمثال سبأ، فهل عند شركائكم قدرة على شيء من ذلك ؟ ! كلا، ثم بين حال ما اتخذوه آلهة من دون الله وأنها إذا لم تملك وزن ذرة من خير أو شر أو نفع أو ضر فكيف تليق لها العبادة ؟ !
.. [ وذكر السماوات والأرض للتعميم عرفا، فيراد بهما جميع الموجودات.... ويجوز أن يقال : إن ذكرهما لأن بعض آلهة المخاطبين سماوية كالملائكة والكواكب، وبعضها أرضية كالأصنام، فالمراد نفي قدرة السماوي منها على أمر سماوي، والأرضي على أمر أرضي، ويعلم نفي قدرته على غيره بطريق الأولى ]١
﴿ وما لهم فيهما من شرك ﴾ ما لمعبوداتهم الباطلة أي شركة ما لا في الأرض ولا في السماوات لا خلقا ولا ملكا ولا تصرفا، وما الله عز وجل ممن زعموهم شركاء من يعينه، بل الله وحده هو الخلاق والمدبر، الملك القدوس المهيمن، وهو- دون سواه- المستحق للعبادة، وما لأحد عند المولى تبارك وتعالى شفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا )وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى( ٢.
.. [ إن الشفاعة لا تكون من أحد هؤلاء المعبودين من دون الله من الملائكة والأنبياء والأصنام، إلا أن الله تعالى يأذن للأنبياء والملائكة في الشفاعة وهم على غاية الفزع من الله، كما قال :).. وهم من خشيته مشفقون( ٣والمعنى : أنه إذا أذن لهم في الشفاعة وورد عليهم كلام الله فزعوا، لما يقترن بتلك الحال من الأمر الهائل والخوف... فإذا سري عنهم قالوا للملائكة فوقهم- وهم الذين يوردون عليهم الوحي بالإذن :﴿ ماذا قال ربكم ﴾ أي ماذا أمر الله به ؟ فيقولون لهم :﴿ قالوا الحق ﴾ وهو أنه أذن لكم في الشفاعة للمؤمنين. ﴿ وهو العلي الكبير ﴾ فله أن يحكم في عباده بما يريد ]٤ وذهب كثير من المفسرين إلى أن هذا الوجل ثم انكشاف الفزع إنما يكون كلما سمعت الملائكة وحيا من وحي الله تعالى العلي الكبير واستشهدوا بأحاديث منها ما رواه البخاري في صحيحه بسنده عن عكرمة قال : سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول : إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال :" إذا قضى الله تعالى الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الذي قال الحق وهو العلي الكبير فيسمعها مسترق السمع ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض- ووصف سفيان بيده فحرفها ونشر بين أصابعه- فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها وربما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذبة فيقال أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا وكذا فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء ". - هكذا نقله ابن كثير وأما الألوسي فبعد أن أورد أقوالا متعددة في تفسير تلك الآية الكريمة قال : وكأن الأكثر من المفسرين نظروا إلى ظاهر طباق اللفظ مع الحديث فنزلوا الآية على ذلك فوقعوا فيما وقعوا فيه..
أقول : والذي أوردته أولا مطابق المقام ومتوافق مع السياق، ولا تنافي بينه وبين الحديث الشريف.
﴿ *قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله ﴾
في الآيتين الكريمتين السابقتين قامت حجة الله تعالى على المشركين، وأن ما عبدوه من دون الله لا يملك شيئا في السماوات ولا في الأرض، ولا يشارك في شيء منهما خلقا ولا ملكا ولا تصرفا، وفي الآخرة هم وما يعبدون من دون الله حطب جهنم، يكفر بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضا، وما لهم من شافعين ولا صديق حميم، وفي هذه الآية المباركة يأمر الله تعالى نبيه أن يبكتهم ويذكرهم ويقررهم بأن الرزاق هو الله الكبير المتعال ذو القوة المتين، إذ لا جواب سواه عندهم أيضا.
١ مما أورد الألوسي..
٢ سورة النجم. الآية ٢٦..
٣ سورة الأنبياء. من الآية ٢٨..
٤ مما أورد القرطبي..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٢:﴿ قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير ٢٢ ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع على قلوبهم قالوا ما ذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير ٢٣ ﴾
روي أن ذلك نزل عند الجوع والقحط والسنين العجاف السبع التي أصابت قريشا، فكأن القرآن الكريم يوبخ المشركين ويعجزهم، ويتحداهم أن يملك من زعموهم آلهة دفع ما نزل بهم من بلاء، ويتهكم بهم : أن ادعوهم لعلهم يستجيبون لكم إن صح دعواكم أنهم يقدرون على شيء، ومناسبة هذا لما قبله : أننا ضربنا لهم الأمثال بما نتفضل به على المخلصين الشاكرين المصطفين الأخيار- من أمثال داود وسليمان عليهما السلام- وضربنا لهم المثل ببأسنا الذي لا يرد عن القوم المجرمين من أمثال سبأ، فهل عند شركائكم قدرة على شيء من ذلك ؟ ! كلا، ثم بين حال ما اتخذوه آلهة من دون الله وأنها إذا لم تملك وزن ذرة من خير أو شر أو نفع أو ضر فكيف تليق لها العبادة ؟ !
.. [ وذكر السماوات والأرض للتعميم عرفا، فيراد بهما جميع الموجودات.... ويجوز أن يقال : إن ذكرهما لأن بعض آلهة المخاطبين سماوية كالملائكة والكواكب، وبعضها أرضية كالأصنام، فالمراد نفي قدرة السماوي منها على أمر سماوي، والأرضي على أمر أرضي، ويعلم نفي قدرته على غيره بطريق الأولى ]١
﴿ وما لهم فيهما من شرك ﴾ ما لمعبوداتهم الباطلة أي شركة ما لا في الأرض ولا في السماوات لا خلقا ولا ملكا ولا تصرفا، وما الله عز وجل ممن زعموهم شركاء من يعينه، بل الله وحده هو الخلاق والمدبر، الملك القدوس المهيمن، وهو- دون سواه- المستحق للعبادة، وما لأحد عند المولى تبارك وتعالى شفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا )وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى( ٢.
.. [ إن الشفاعة لا تكون من أحد هؤلاء المعبودين من دون الله من الملائكة والأنبياء والأصنام، إلا أن الله تعالى يأذن للأنبياء والملائكة في الشفاعة وهم على غاية الفزع من الله، كما قال :).. وهم من خشيته مشفقون( ٣والمعنى : أنه إذا أذن لهم في الشفاعة وورد عليهم كلام الله فزعوا، لما يقترن بتلك الحال من الأمر الهائل والخوف... فإذا سري عنهم قالوا للملائكة فوقهم- وهم الذين يوردون عليهم الوحي بالإذن :﴿ ماذا قال ربكم ﴾ أي ماذا أمر الله به ؟ فيقولون لهم :﴿ قالوا الحق ﴾ وهو أنه أذن لكم في الشفاعة للمؤمنين. ﴿ وهو العلي الكبير ﴾ فله أن يحكم في عباده بما يريد ]٤ وذهب كثير من المفسرين إلى أن هذا الوجل ثم انكشاف الفزع إنما يكون كلما سمعت الملائكة وحيا من وحي الله تعالى العلي الكبير واستشهدوا بأحاديث منها ما رواه البخاري في صحيحه بسنده عن عكرمة قال : سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول : إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال :" إذا قضى الله تعالى الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الذي قال الحق وهو العلي الكبير فيسمعها مسترق السمع ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض- ووصف سفيان بيده فحرفها ونشر بين أصابعه- فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها وربما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذبة فيقال أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا وكذا فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء ". - هكذا نقله ابن كثير وأما الألوسي فبعد أن أورد أقوالا متعددة في تفسير تلك الآية الكريمة قال : وكأن الأكثر من المفسرين نظروا إلى ظاهر طباق اللفظ مع الحديث فنزلوا الآية على ذلك فوقعوا فيما وقعوا فيه..
أقول : والذي أوردته أولا مطابق المقام ومتوافق مع السياق، ولا تنافي بينه وبين الحديث الشريف.
﴿ *قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله ﴾
في الآيتين الكريمتين السابقتين قامت حجة الله تعالى على المشركين، وأن ما عبدوه من دون الله لا يملك شيئا في السماوات ولا في الأرض، ولا يشارك في شيء منهما خلقا ولا ملكا ولا تصرفا، وفي الآخرة هم وما يعبدون من دون الله حطب جهنم، يكفر بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضا، وما لهم من شافعين ولا صديق حميم، وفي هذه الآية المباركة يأمر الله تعالى نبيه أن يبكتهم ويذكرهم ويقررهم بأن الرزاق هو الله الكبير المتعال ذو القوة المتين، إذ لا جواب سواه عندهم أيضا.
١ مما أورد الألوسي..
٢ سورة النجم. الآية ٢٦..
٣ سورة الأنبياء. من الآية ٢٨..
٤ مما أورد القرطبي..

﴿ وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ٢٤ ﴾
ويقينا يحلف عليه إن فريقا من الفريقين نحن وأنتم متصف بأحد أمرين : إما الاستقرار على الهدى، وإما التيه والدخول في الضلال الظاهر قبحه، الموضح سفاهة من يخوض في ظلماته ولجته.
[ هذا من باب اللف والنشر أي واحد من الفريقين مبطل والآخر محق، ولا سبيل إلى أن تكونوا أنتم ونحن على الهدى أو على الضلال، بل واحد منا مصيب، ونحن قد أقمنا البرهان على التوحيد فدل على بطلان ما أنتم عليه من الشرك بالله تعالى ]١.
مما نقل الألوسي : وهذا من كلام المنصف الذي كل من سمعه من موال أو مناف قال لمن خوطب به : قد أنصفك صاحبك، وفي درجه بعد تقدمة ما قدم من التقرير البليغ دلالة ظاهرة على من هو من الفريقين على هدى ومن هو في ضلال، ولكن التعريض أبلغ من التصريح، وأوصل إلى الغرض، وأهجم به على الغلبة مع قلة شغب الخصم، وفل شوكته بالهوينا، ونحوه قول الرجل لصاحبه : قد علم الله تعالى الصادق مني ومنك، وإن أحدنا لكاذب. اه
[ وفي تخالف حرف الجر في قوله﴿ لعلى هدى أو في ضلال ﴾ إشارة إلى أن أهل الحق راكبون مطية الهدى، مستعلون على متنها، وأن أهل الباطل منغمسون في ظلمة الضلال لا يدرون أين يتوجهون، وإنما وصف الضلال ب﴿ المبين ﴾ وأطلق ال ﴿ هدى ﴾ لأن الحق كالخط المستقيم واحد، والباطل كالخطوط المنحنية لا حصر لها فبعضها أدخل في الضلالة من بعض وأبين ]٢.
١ مما أورد ابن كثير..
٢ مما أورد النيسابوري..
﴿ قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون ٢٥ ﴾
وقل لهم : كل منا مجزي بعمله :)لكم دينكم ولي دين( ١، وإنها لحكمة بالغة أن يجادل أهل الكفر والطغيان بأحسن منهاج وأقوى برهان، فهو لا يبادئهم بالتسفيه حتى لا تزداد أحلامهم طيشا، بل يسند الإجرام – الذي قد يعني مقارفة الكبائر- إلى أهل الإيمان، بينما يسوق إجرام أهل الكفر بلفظ عام هو العمل إعذارا وبلاغا لئلا يكون للناس على الله حجة، وهو مع ذلك كالتبري من شركهم وإفكهم، كما جاء في آية كريمة :)وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون( ٢.
١ سورة الكافرون. الآية ٦..
٢ سورة يونس. الآية ٤١..
﴿ قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم٢٦ ﴾.
يوم الجمع آت لا ريب فيه، وسنلتقي بين يدي ربنا، ثم يقضي بالعدل بيننا وبينكم، فتعلمون عندئذ أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا، ومولانا يقضي ويفصل بالقسط والحق، وهو العليم بكل شيء وبأحوال الخلق )ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون. فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون. وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون( ١.
[ ﴿ وهو الفتاح ﴾ القاضي في القضايا المنغلقة فكيف بالواضحة كإبطال الشرك وإحقاق التوحيد ]٢.
١ سورة الروم. الآيات: ١٢ –١٤..
٢ مما أورد الألوسي..
﴿ قل أروني الذين ألحقتم به شركاء كلا بل هو الله العزيز الحكيم٢٧ ﴾
قل أعلموني بالحجة والبرهان كيف وجه شركة ما زعمتم شركتهم، كلا ! ليس لله نظير ولا شريك، ولا نديد ولا عديل، بل هو المولى المعبود بحق، الغالب على كل شيء، الحكيم في أقواله وأفعاله، وشرعه وتدبيره.
﴿ وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون ٢٨ ﴾
وما بعثناك إلا للناس عامة، فلست مبعوثا إلى قومك دون غيرهم، نقل عن ابن عباس : إلى العرب والعجم وسائر الأمم، وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وغيرهما عن قتادة أنه قال في الآية : أرسل الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم إلى العرب والعجم، فأكرمهم على الله تعالى أطوعهم له، ﴿ بشيرا ﴾ بالرفعة والتمكين والنعيم لمن صدق واتقى، ﴿ ونذيرا ﴾ بالخزي والنكال والجحيم لمن كذب وعصى، ولكن الكثيرين يتعامون ويتصامون، أو يكابرون ويجحدون، وهي سنة الله تعالى أن يقل الطيب ويكثر الخبيث، يشهد لذلك قول المولى- تبارك اسمه- :)وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله.. ( ١ )وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين( ٢، مما جاء في عموم رسالته صلى الله عليه وسلم قول الحق تبارك وتعالى :)قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا.. ( ٣ )تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا( ٤.
ومما جاء في حديث جابر الوارد في الصحيحين قوله صلى الله تعالى عليه وسلم :" وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة "، بل وهو مبعوث الله جل علاه إلى الجن كذلك، فسورة الجن برهان على ما نقول، وكفى بالله شهيدا(.. فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا. يهدي إلى الرشد فآمنا به.. ( ٥( وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا( ٦ ) وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا. وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا( ٧.
١ سورة الأنعام. من الآية ١١٦..
٢ سورة يوسف. الآية ١٠٣..
٣ سورة الأعراف. من الآية ١٥٨..
٤ أول سورة الفرقان..
٥ سورة الجن. من الآية ١ ومن الآية ٢..
٦ سورة الجن. الآية ١٣..
٧ سورة الجن. الآيتان: ١٤، ١٥..
﴿ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ٢٩ قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون ٣٠ ﴾
ويقول المنكرون للبعث- يستهزئون- في أي وقت يحين الجمع والفصل الذي أخبرتمونا عنه أيها المؤمنون إن كنتم حدثتمونا عنه صادقين في إخباركم ؟ وهكذا كانوا يستبعدون مجيء القيامة، بل يتعنتون في طلب الدليل على صدق مجيئها حتى قالوا :)فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين( ١ )لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين( ٢ )أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون. هيهات هيهات لما توعدون. إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين( ٣، فأعلم الله تعالى نبيه والمؤمنين وثبتهم بالقول الثابت، وأمرهم أن يبطلوا إنكار الجاحدين، واستهزاء الساخرين، وأن يقولوا لهؤلاء الضالين : لكم ميعاد قضاه الله الحق، وهو آت لا ريب فيه، فإذا جاء أجل هذا اليوم فلن يتفلت منه أحد، ولن يملك له أحد تأخيرا، كما أن أحدا لا يأتيكم به قبل موعده، [ سألوا عن وقت إرساء الساعة وأجيبوا عن أحوالهم فيها، فكأنه قيل : دعوا السؤال عن وقت إرسالها فإن كينونته لابد منه، بل سلوا عن أحوال أنفسكم حيث تكونون مبهوتين متحيرين فيها من هول ما تشاهدون، فهذا أليق بحالكم.. ]٤.
ولا يغرنكم تأخيره، فقد جاءكم نذيره :)وما نؤخره إلا لأجل معدود. يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد )٥.
﴿ وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه ﴾
﴿ بالذي بين يديه ﴾ بما سبقه من كتاب أو رسول، أو بما وعد بمجيئه بعد من الآخر.
عشرات الآيات المباركات في هذه السورة الكريمة تمت بها الحجة على الذين قالوا : لا تأتينا الساعة، وعلى المرتابين في صدق البشير النذير صلى الله عليه وسلم، فلما انقطعت حجتهم، وغلبتهم شقوتهم، أغلقوا قلوبهم وعقولهم وأسماعهم من دون هذا الكتاب العزيز، بل وبما أرسل الله من قبل من رسول، وما أنزل من كتاب، كالذين قالوا حين سمعوا الحق المبين، الموحى به إلى خاتم النبيين :).. لولا أوتي مثل ما أوتي موسى أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون( ٦وفي هذه الآية نفوا على التأبيد أن يصدقوا بهذا القرآن أو بما سبقه، وهكذا كفروا بالله تعالى وبلقائه وبكتبه ورسله.
١ سورة الدخان. الآية ٣٦..
٢ سورة المؤمنون. الآية ٨٣..
٣ سورة المؤمنون. الآيات: ٣٥ –٣٧..
٤ مما أورد الألوسي..
٥ سورة هود الآيتان: ١٠٤، ١٠٥..
٦ سورة القصص. من الآية ٤٨..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٩:﴿ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ٢٩ قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون ٣٠ ﴾
ويقول المنكرون للبعث- يستهزئون- في أي وقت يحين الجمع والفصل الذي أخبرتمونا عنه أيها المؤمنون إن كنتم حدثتمونا عنه صادقين في إخباركم ؟ وهكذا كانوا يستبعدون مجيء القيامة، بل يتعنتون في طلب الدليل على صدق مجيئها حتى قالوا :)فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين( ١ )لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين( ٢ )أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون. هيهات هيهات لما توعدون. إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين( ٣، فأعلم الله تعالى نبيه والمؤمنين وثبتهم بالقول الثابت، وأمرهم أن يبطلوا إنكار الجاحدين، واستهزاء الساخرين، وأن يقولوا لهؤلاء الضالين : لكم ميعاد قضاه الله الحق، وهو آت لا ريب فيه، فإذا جاء أجل هذا اليوم فلن يتفلت منه أحد، ولن يملك له أحد تأخيرا، كما أن أحدا لا يأتيكم به قبل موعده، [ سألوا عن وقت إرساء الساعة وأجيبوا عن أحوالهم فيها، فكأنه قيل : دعوا السؤال عن وقت إرسالها فإن كينونته لابد منه، بل سلوا عن أحوال أنفسكم حيث تكونون مبهوتين متحيرين فيها من هول ما تشاهدون، فهذا أليق بحالكم.. ]٤.
ولا يغرنكم تأخيره، فقد جاءكم نذيره :)وما نؤخره إلا لأجل معدود. يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد )٥.
﴿ وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه ﴾
﴿ بالذي بين يديه ﴾ بما سبقه من كتاب أو رسول، أو بما وعد بمجيئه بعد من الآخر.
عشرات الآيات المباركات في هذه السورة الكريمة تمت بها الحجة على الذين قالوا : لا تأتينا الساعة، وعلى المرتابين في صدق البشير النذير صلى الله عليه وسلم، فلما انقطعت حجتهم، وغلبتهم شقوتهم، أغلقوا قلوبهم وعقولهم وأسماعهم من دون هذا الكتاب العزيز، بل وبما أرسل الله من قبل من رسول، وما أنزل من كتاب، كالذين قالوا حين سمعوا الحق المبين، الموحى به إلى خاتم النبيين :).. لولا أوتي مثل ما أوتي موسى أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون( ٦وفي هذه الآية نفوا على التأبيد أن يصدقوا بهذا القرآن أو بما سبقه، وهكذا كفروا بالله تعالى وبلقائه وبكتبه ورسله.
١ سورة الدخان. الآية ٣٦..
٢ سورة المؤمنون. الآية ٨٣..
٣ سورة المؤمنون. الآيات: ٣٥ –٣٧..
٤ مما أورد الألوسي..
٥ سورة هود الآيتان: ١٠٤، ١٠٥..
٦ سورة القصص. من الآية ٤٨..

﴿ ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين٣١ قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين ٣٢ وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون ٣٣ ﴾
يتخاصم الفجار والكفار، إذ يؤخذ بنواصيهم وأقدامهم ويوقفون بين يدي الواحد القهار، ويتحاورون ويتراجعون القول، فيقول الضعفاء الذي كانوا أتباعا لجبابرة الكفر : لولا أنتم لصدقنا مع المصدقين، فيرد عليهم أكابر فجارهم- مستنكرين لقيلهم : ما صددناكم عن الهدى وقد تبين لكم، لكنكم زينت لكم الشرور، وعبدتم أهواءكم، فيجيب الضعفاء : بل صدنا عن الهدى مكر الليل والنهار بنا، عن سعيد بن جبير﴿ بل مكر الليل والنهار ﴾ قال : مر الليل عليهم فغفلوا، وقيل طول السلامة فيهما كقوله تعالى :).. فطال عليهم الأمد.. ( ١ وقيل بل مكركم في الليل والنهار أي مسارتكم إيانا، ودعاؤكم لنا إلى الكفر حملنا على هذا، إذ تأمروننا أن نجحد ولا نستيقن بالله، وأغريتمونا أن نجعل لله أشباها ونظراء، وأضمروا الحسرة حين عاينوا سوء المصير، واستيقنوا أن لا ملجأ لهم بعدئذ ومالهم من نصير، وقيل ﴿ أسروا ﴾ من باب الأضداد، تعني الإضمار، وتعني الإظهار، وربطت الملائكة الخزنة أعناق الكافرين بالسلاسل والقيود- وما ظلمهم الله وإنما جزاهم ببغيهم- فاللهم قنا عذاب النار، وأدخلنا الجنة مع الأبرار.
١ سورة الحديد. من الآية ١٦..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣١:﴿ ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين٣١ قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين ٣٢ وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون ٣٣ ﴾
يتخاصم الفجار والكفار، إذ يؤخذ بنواصيهم وأقدامهم ويوقفون بين يدي الواحد القهار، ويتحاورون ويتراجعون القول، فيقول الضعفاء الذي كانوا أتباعا لجبابرة الكفر : لولا أنتم لصدقنا مع المصدقين، فيرد عليهم أكابر فجارهم- مستنكرين لقيلهم : ما صددناكم عن الهدى وقد تبين لكم، لكنكم زينت لكم الشرور، وعبدتم أهواءكم، فيجيب الضعفاء : بل صدنا عن الهدى مكر الليل والنهار بنا، عن سعيد بن جبير﴿ بل مكر الليل والنهار ﴾ قال : مر الليل عليهم فغفلوا، وقيل طول السلامة فيهما كقوله تعالى :).. فطال عليهم الأمد.. ( ١ وقيل بل مكركم في الليل والنهار أي مسارتكم إيانا، ودعاؤكم لنا إلى الكفر حملنا على هذا، إذ تأمروننا أن نجحد ولا نستيقن بالله، وأغريتمونا أن نجعل لله أشباها ونظراء، وأضمروا الحسرة حين عاينوا سوء المصير، واستيقنوا أن لا ملجأ لهم بعدئذ ومالهم من نصير، وقيل ﴿ أسروا ﴾ من باب الأضداد، تعني الإضمار، وتعني الإظهار، وربطت الملائكة الخزنة أعناق الكافرين بالسلاسل والقيود- وما ظلمهم الله وإنما جزاهم ببغيهم- فاللهم قنا عذاب النار، وأدخلنا الجنة مع الأبرار.
١ سورة الحديد. من الآية ١٦..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣١:﴿ ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين٣١ قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين ٣٢ وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون ٣٣ ﴾
يتخاصم الفجار والكفار، إذ يؤخذ بنواصيهم وأقدامهم ويوقفون بين يدي الواحد القهار، ويتحاورون ويتراجعون القول، فيقول الضعفاء الذي كانوا أتباعا لجبابرة الكفر : لولا أنتم لصدقنا مع المصدقين، فيرد عليهم أكابر فجارهم- مستنكرين لقيلهم : ما صددناكم عن الهدى وقد تبين لكم، لكنكم زينت لكم الشرور، وعبدتم أهواءكم، فيجيب الضعفاء : بل صدنا عن الهدى مكر الليل والنهار بنا، عن سعيد بن جبير﴿ بل مكر الليل والنهار ﴾ قال : مر الليل عليهم فغفلوا، وقيل طول السلامة فيهما كقوله تعالى :).. فطال عليهم الأمد.. ( ١ وقيل بل مكركم في الليل والنهار أي مسارتكم إيانا، ودعاؤكم لنا إلى الكفر حملنا على هذا، إذ تأمروننا أن نجحد ولا نستيقن بالله، وأغريتمونا أن نجعل لله أشباها ونظراء، وأضمروا الحسرة حين عاينوا سوء المصير، واستيقنوا أن لا ملجأ لهم بعدئذ ومالهم من نصير، وقيل ﴿ أسروا ﴾ من باب الأضداد، تعني الإضمار، وتعني الإظهار، وربطت الملائكة الخزنة أعناق الكافرين بالسلاسل والقيود- وما ظلمهم الله وإنما جزاهم ببغيهم- فاللهم قنا عذاب النار، وأدخلنا الجنة مع الأبرار.
١ سورة الحديد. من الآية ١٦..

﴿ قرية ﴾ مصر جامع، وحاضرة جامعة :[ تجمع سكاني ] والمراد : أهلها.
﴿ نذير ﴾ نبي ينذر من عاند أمر الله تعالى وأعرض عن هداه.
﴿ مترفوها ﴾ أغنياؤها ورؤساؤها وجبابرتها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون ٣٤ وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين ٣٥ قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس لا يعلمون ٣٦ وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون ٣٧ ﴾
في هذه الآيات تذكير ببعض سنن الله، وفيها –كذلك- تسلية وبشرى لرسول الله ومن والاه، فما بعث المولى الحكيم رسولا إلى قوم إلا قال الممتعون المنعمون من هؤلاء الأقوام لرسلهم : ما نحن لكم بمؤمنين، فهي سنة ربنا لا تتحول ولا تتبدل :)وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا.. ( ١ ؟ ( وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها.. ( ٢ وذلك شأن المترفين :)إنهم كانوا قبل ذلك مترفين. وكانوا يصرون على الحنث العظيم( ٣، وكان من فتنتهم أن غرتهم أنعم الله عليهم بالأموال والأولاد – فظنوا أن أموالهم تخلدهم، أو أن أولادهم تعصمهم )أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين. نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون( ٤ فأمر الله تعالى نبيه أن يبين لهم أن المولى سبحانه يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ويوسع الرزق على من سبقت مشيئته أن يوسعه له، ويضيق على الكثير ممن شاء له ذلك، [ فسعة الرزق في الدنيا لا تدل على سعادة الآخرة ]٥ ولكن الغفلة أعمت كثيرين فهم لا يعقلون، ولن تزيدكم الأموال التي ملكتموها، ولا الأولاد الذين رزقتموهم ما تزيدكم هذه الأنعم من الله تعالى قربا ومكانة، ولا رفعة ودرجة، إلا أهل الإيمان والعمل الصالح، ينفقون أموالهم في سبيل الله، ويعلمون أولادهم الخير والفقه في الدين، فيثابون الثواب المضاعف، تضعف لهم الحسنة إلى عشر أمثالها إلى سبعمائة مثل إلى أضعاف كثيرة، فقد أخذوا أجور حسناتهم هم، وأخذوا مثل أجور من صلح من ذرياتهم، وهم في حجرات الجنة العالية منعمون، أمنوا سخط الله وعذابه، وأمنوا الموت والأسقام والأحزان.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون ٣٤ وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين ٣٥ قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس لا يعلمون ٣٦ وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون ٣٧ ﴾
في هذه الآيات تذكير ببعض سنن الله، وفيها –كذلك- تسلية وبشرى لرسول الله ومن والاه، فما بعث المولى الحكيم رسولا إلى قوم إلا قال الممتعون المنعمون من هؤلاء الأقوام لرسلهم : ما نحن لكم بمؤمنين، فهي سنة ربنا لا تتحول ولا تتبدل :)وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا.. ( ١ ؟ ( وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها.. ( ٢ وذلك شأن المترفين :)إنهم كانوا قبل ذلك مترفين. وكانوا يصرون على الحنث العظيم( ٣، وكان من فتنتهم أن غرتهم أنعم الله عليهم بالأموال والأولاد – فظنوا أن أموالهم تخلدهم، أو أن أولادهم تعصمهم )أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين. نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون( ٤ فأمر الله تعالى نبيه أن يبين لهم أن المولى سبحانه يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ويوسع الرزق على من سبقت مشيئته أن يوسعه له، ويضيق على الكثير ممن شاء له ذلك، [ فسعة الرزق في الدنيا لا تدل على سعادة الآخرة ]٥ ولكن الغفلة أعمت كثيرين فهم لا يعقلون، ولن تزيدكم الأموال التي ملكتموها، ولا الأولاد الذين رزقتموهم ما تزيدكم هذه الأنعم من الله تعالى قربا ومكانة، ولا رفعة ودرجة، إلا أهل الإيمان والعمل الصالح، ينفقون أموالهم في سبيل الله، ويعلمون أولادهم الخير والفقه في الدين، فيثابون الثواب المضاعف، تضعف لهم الحسنة إلى عشر أمثالها إلى سبعمائة مثل إلى أضعاف كثيرة، فقد أخذوا أجور حسناتهم هم، وأخذوا مثل أجور من صلح من ذرياتهم، وهم في حجرات الجنة العالية منعمون، أمنوا سخط الله وعذابه، وأمنوا الموت والأسقام والأحزان.

﴿ يبسط ﴾ يوسع.
﴿ ويقدر ﴾ يضيق.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون ٣٤ وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين ٣٥ قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس لا يعلمون ٣٦ وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون ٣٧ ﴾
في هذه الآيات تذكير ببعض سنن الله، وفيها –كذلك- تسلية وبشرى لرسول الله ومن والاه، فما بعث المولى الحكيم رسولا إلى قوم إلا قال الممتعون المنعمون من هؤلاء الأقوام لرسلهم : ما نحن لكم بمؤمنين، فهي سنة ربنا لا تتحول ولا تتبدل :)وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا.. ( ١ ؟ ( وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها.. ( ٢ وذلك شأن المترفين :)إنهم كانوا قبل ذلك مترفين. وكانوا يصرون على الحنث العظيم( ٣، وكان من فتنتهم أن غرتهم أنعم الله عليهم بالأموال والأولاد – فظنوا أن أموالهم تخلدهم، أو أن أولادهم تعصمهم )أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين. نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون( ٤ فأمر الله تعالى نبيه أن يبين لهم أن المولى سبحانه يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ويوسع الرزق على من سبقت مشيئته أن يوسعه له، ويضيق على الكثير ممن شاء له ذلك، [ فسعة الرزق في الدنيا لا تدل على سعادة الآخرة ]٥ ولكن الغفلة أعمت كثيرين فهم لا يعقلون، ولن تزيدكم الأموال التي ملكتموها، ولا الأولاد الذين رزقتموهم ما تزيدكم هذه الأنعم من الله تعالى قربا ومكانة، ولا رفعة ودرجة، إلا أهل الإيمان والعمل الصالح، ينفقون أموالهم في سبيل الله، ويعلمون أولادهم الخير والفقه في الدين، فيثابون الثواب المضاعف، تضعف لهم الحسنة إلى عشر أمثالها إلى سبعمائة مثل إلى أضعاف كثيرة، فقد أخذوا أجور حسناتهم هم، وأخذوا مثل أجور من صلح من ذرياتهم، وهم في حجرات الجنة العالية منعمون، أمنوا سخط الله وعذابه، وأمنوا الموت والأسقام والأحزان.

﴿ زلفى ﴾ زلافا واقترابا ومنزلة.
﴿ جزاء الضعف ﴾ الجزاء المضاعف.
﴿ الغرفات ﴾ الحجرات العالية.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون ٣٤ وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين ٣٥ قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس لا يعلمون ٣٦ وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون ٣٧ ﴾
في هذه الآيات تذكير ببعض سنن الله، وفيها –كذلك- تسلية وبشرى لرسول الله ومن والاه، فما بعث المولى الحكيم رسولا إلى قوم إلا قال الممتعون المنعمون من هؤلاء الأقوام لرسلهم : ما نحن لكم بمؤمنين، فهي سنة ربنا لا تتحول ولا تتبدل :)وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا.. ( ١ ؟ ( وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها.. ( ٢ وذلك شأن المترفين :)إنهم كانوا قبل ذلك مترفين. وكانوا يصرون على الحنث العظيم( ٣، وكان من فتنتهم أن غرتهم أنعم الله عليهم بالأموال والأولاد – فظنوا أن أموالهم تخلدهم، أو أن أولادهم تعصمهم )أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين. نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون( ٤ فأمر الله تعالى نبيه أن يبين لهم أن المولى سبحانه يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ويوسع الرزق على من سبقت مشيئته أن يوسعه له، ويضيق على الكثير ممن شاء له ذلك، [ فسعة الرزق في الدنيا لا تدل على سعادة الآخرة ]٥ ولكن الغفلة أعمت كثيرين فهم لا يعقلون، ولن تزيدكم الأموال التي ملكتموها، ولا الأولاد الذين رزقتموهم ما تزيدكم هذه الأنعم من الله تعالى قربا ومكانة، ولا رفعة ودرجة، إلا أهل الإيمان والعمل الصالح، ينفقون أموالهم في سبيل الله، ويعلمون أولادهم الخير والفقه في الدين، فيثابون الثواب المضاعف، تضعف لهم الحسنة إلى عشر أمثالها إلى سبعمائة مثل إلى أضعاف كثيرة، فقد أخذوا أجور حسناتهم هم، وأخذوا مثل أجور من صلح من ذرياتهم، وهم في حجرات الجنة العالية منعمون، أمنوا سخط الله وعذابه، وأمنوا الموت والأسقام والأحزان.

﴿ والذين يسعون في آياتنا معاجزين أولئك في العذاب محضرون ٣٨ ﴾
وأما من عملوا على إبطال حجج الله تعالى والتكذيب بكلماته ورسالاته، وحسبوا أن الله لن يدركهم، أولئك الذين أبعدوا في الغلط والشطط تأخذهم الزبانية وتغلهم وتسلكهم في السلاسل والأغلال يسحبون بها في النار على وجوههم، تحسرهم خزنة النار، وما هم منها بمخرجين.
﴿ قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين ٣٩ ﴾
لكأن الآية السادسة والثلاثين عامة – يبسط الله تعالى الرزق لطائفة ويقدره لطائفة – وقد تكون هذه الآية خاصة بعبد من عباده سبحانه : فقد يوسع عليه حينا ويضيق عليه حينا آخر، فأنفقوا ينفق الله عليكم، ويخلف لكم خيرا مما أنفقتم وهو أكرم وأغنى من يرزق.
[ فلا تخشوا الفقر، وأنفقوا في سبيل الله تعالى، وتقربوا لديه عز وجل بأموالكم، وتعرضوا لنفحاته جل وعلا، فمساق الآية للوعظ والتزهيد في الدنيا، والحض على التقرب إليه تعالى بالإنفاق، وهذا بخلاف مساق نظيرها المتقدم فإنه للرد على الكفرة كما سمعت، وأيضا ما سبق عام، وما ها هنا خاص في البسط والتضييق لشخص واحد باعتبار وقتين، كما يشعر به قوله تعالى هنا :﴿ له ﴾، وعدم قوله هناك، والضمير وإن كان في موضع من المبهم إلا أن سبق النظير خاليا عن ذلك وذكر هذا بعده مشتملا عليه كالقرينة على إدارة ما ذكر.. ]١. ومعنى ﴿ الرازقين ﴾ الموصلين للرزق والموهبين له فيطلق الرازق حقيقة على الله عز وجل ومجازا على غيره. ويشعر بذلك قول المولى سبحانه :).. فارزقوهم منه.. ( ٢.
١ مما أورد صاحب روح المعاني..
٢ سورة النساء. من الآية ٨..
﴿ ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون ٤٠ قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون ٤١ ﴾
ولو ترى- يامن تتأتى منه الرؤية- إذ الظالمون موقوفون، ولو تراهم إذ هم مجموعون ليوم الحساب، نجمع الضعفاء والمستكبرين، والعابدين والمعبودين، )يوم يقوم الناس لرب العالمين( ١ لرأيت الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد، والخزي والسوء يومئذ على الكافرين، ثم يسأل الله تعالى الملائكة ليكذبوا هؤلاء المشركين، فإذا هم من الندامى المقبوحين، كما جاء في قول المولى- تبارك اسمه- )ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل. قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا. فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصرا.. ( ٢، فتنزه الملائكة مولانا عن الشريك والند، ولا نوالي سواك، ونعادي من عاداك[ أنت ربنا الذي نتولاه ونطيعه، ونعبده ونخلص في العبادة له. ﴿ بل كانوا يعبدون الجن ﴾ أي يطيعون إبليس وأعوانه. وفي التفاسير : أن حيا يقال لهم بنو مليح من خزاعة كانوا يعبدون الجن، يزعمون أن الجن تتراءى لهم، وأنهم ملائكة، وأنهم بنات الله، وهو قوله :)وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا.. ( ٣ ]٤.
مما أورد الألوسي : وظاهر العطف بثم يقتضي أن القول للملائكة متراخ عن الحشر.. و﴿ هؤلاء ﴾ مبتدأ و ﴿ كانوا يعبدون ﴾ خبره و﴿ إياكم ﴾ مفعول ﴿ يعبدون ﴾ قدم للفاصلة مع أنه أهم لأمر التفريع.. ﴿ أكثرهم بهم مؤمنون ﴾ الضمير الثاني للجن والأول للمشركين.. اه.
١ سورة المطففين. الآية ٦..
٢ سورة الفرقان. الآيتان: ١٧، ١٨، ومن الآية ١٩..
٣ سورة الصافات. من الآية ١٥٨..
٤ ما بين العارضتين مما أورد القرطبي جـ ١٤ ص٣٠٩..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٠:﴿ ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون ٤٠ قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون ٤١ ﴾
ولو ترى- يامن تتأتى منه الرؤية- إذ الظالمون موقوفون، ولو تراهم إذ هم مجموعون ليوم الحساب، نجمع الضعفاء والمستكبرين، والعابدين والمعبودين، )يوم يقوم الناس لرب العالمين( ١ لرأيت الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد، والخزي والسوء يومئذ على الكافرين، ثم يسأل الله تعالى الملائكة ليكذبوا هؤلاء المشركين، فإذا هم من الندامى المقبوحين، كما جاء في قول المولى- تبارك اسمه- )ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل. قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا. فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصرا.. ( ٢، فتنزه الملائكة مولانا عن الشريك والند، ولا نوالي سواك، ونعادي من عاداك[ أنت ربنا الذي نتولاه ونطيعه، ونعبده ونخلص في العبادة له. ﴿ بل كانوا يعبدون الجن ﴾ أي يطيعون إبليس وأعوانه. وفي التفاسير : أن حيا يقال لهم بنو مليح من خزاعة كانوا يعبدون الجن، يزعمون أن الجن تتراءى لهم، وأنهم ملائكة، وأنهم بنات الله، وهو قوله :)وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا.. ( ٣ ]٤.
مما أورد الألوسي : وظاهر العطف بثم يقتضي أن القول للملائكة متراخ عن الحشر.. و﴿ هؤلاء ﴾ مبتدأ و ﴿ كانوا يعبدون ﴾ خبره و﴿ إياكم ﴾ مفعول ﴿ يعبدون ﴾ قدم للفاصلة مع أنه أهم لأمر التفريع.. ﴿ أكثرهم بهم مؤمنون ﴾ الضمير الثاني للجن والأول للمشركين.. اه.
١ سورة المطففين. الآية ٦..
٢ سورة الفرقان. الآيتان: ١٧، ١٨، ومن الآية ١٩..
٣ سورة الصافات. من الآية ١٥٨..
٤ ما بين العارضتين مما أورد القرطبي جـ ١٤ ص٣٠٩..

﴿ فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون ٤٢ ﴾
عندئذ تتحققون البوار، وأن ليس للضالين من أنصار، ويؤمر بالمشركين وما عبدوا من دون الله إلى ما كانوا ينكرون من النار.
[ ووقع الموصول هنا وصفا للمضاف إليه، وفي السجدة في قوله تعالى :).. كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون( ١ صفة للمضاف، فقال أبو حيان : لأن ثمت كانوا ملابسين للعذاب.. فوصف لهم ثمت مالابسوه، وهنا لم يكونوا ملابسين له بل ذلك أول ما رأوا النار عقب الحشر فوصف ما عاينوه لهم. ]٢
١ سورة الروم. الآية ٣٥..
٢ سورة السجدة. من الآية ٢٠..
﴿ وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين ٤٣ ﴾
بينت السورة الكريمة في الآيات السابقات كثيرا من مرائهم في لقاء الله، بل وإنكارهم له، وجحودهم بالمنعم –جل علاه- وبنعمه، وجادلتهم الآيات ودحضت باطلهم، وهذه الآيات تبين كفرهم بالرسالة والرسول، بالقرآن ومن أنزل عليه، وتسوق البرهان والسلطان لتدمغ إفك المفترين، فكلما أسمعهم النبي كلمات الله- وكلها صدق وعدل ما يجادل فيها إلا جاحد معاند- كلما تليت عليهم استهزءوا بالرسول صلى الله عليه وسلم- وكذبوا بصدق الوحي، ووصفوه بأنه زور مبتدع، ومع أنه الحق المبين زعموا أنه ليس إلا سحرا يخدع السامعين، [ وجوز أن تكون كل جملة صدرت من قوم من الكفرة ]١.
١ مما أورد صاحب[روح المعاني}..
﴿ وماآتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير ٤٤ ﴾
ما أعطيناهم ولا أنزلنا إليهم كتبا تعلموها فعلموا منها أن ما جئتم به باطل،
وهذا قريب من معنى قول ربنا تبارك وتعالى :)أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون( ١( أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون( ٢، وما بعثنا إليهم رسولا من قبلك حتى يزعموا أنك لست على سنن المرسلين، فثبت بطلان ما ادعوه عقلا ونقلا، وإنما هو ضلال التقليد للآباء والأسلاف، ولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون.
١ سورة الروم. الآية ٣٥..
٢ سورة الزخرف. الآية ٢١..
﴿ معشار ﴾ عشر، ولا يقول العرب هذا في شيء سوى العشر. وقيل : المعشار : هو عشر العشير، والعشير : عشر العشر، فيكون جزءا من ألف جزء، ومال إلى هذا الماوردي.
﴿ وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم فكذبوا رسلي فكيف كان نكير ٤٥* ﴾
تحذير من الله القدير سبحانه، ووعيد للمشركين، فإن أقواما سبقوهم كانوا أشد منهم قوة وأكثر أموالا وأولادا، بل لا يبلغ هؤلاء في النعمة والقوة جزءا قليلا مما أعطينا أولئك، فلما كذبوا الرسل حق وعيدي، وعقابي العاجل، وبطشتي الكبرى، وأنت تعلم وقومك يعلمون كيف أنكرت على المكذبين، وقطعت دابر الظالمين، فأنذرهم بطشتنا قبل أن أحل بهم الهلاك والعذاب الأليم.
﴿ قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد ٤٦ ﴾
وجادلهم وادعهم إلى التبصر والاعتبار من قبل أن يأتيهم عذاب النار، وعظهم بوصية واحدة لو أنفذوها لكفتهم وأنقذتهم من سوء المصير، وحر السعير، تلك هي تحري الحق ليرضى عنهم الحق، وأن يجعلوا تفكرهم آحادا ومجتمعين بعيدا عن الهوى- فإن الهوى يضل ويعمي- : هل بمحمد مس من الجنون فهو يهرف بما لا يعرف ؟ أم هو الصادق الأمين، وما جربتم عليه إلا الحكمة والعقل الراجح المكين ! وإياكم والمراء، فإنه يعقب الدمار والشقاء.
مما أورد القرطبي :﴿ بواحدة ﴾.. قال مجاهد : هي لا إله إلا الله.. وقيل تقديره : بخصلة واحدة، ثم بينها بقوله :﴿ أن تقوموا لله مثنى وفرادى ﴾... وهذا القيام معناه القيام إلى طلب الحق لا القيام الذي هو ضد القعود، وهو كما يقال : قام فلان بأمر كذا، أي لوجه الله والتقرب إليه، وكما قال تعالى :... )وأن تقوموا لليتامى بالقسط.. ( ١.. وقيل : إنما قال :﴿ مثنى وفرادى ﴾ لأن الذهن حجة الله على العباد، وهو العقل، فأوفرهم عقلا أوفرهم حظا من الله، فإذا كانوا فرادى كانت فكرة واحدة، وإذا كانوا مثنى تقابل الذهنان فتراءى من العلم لهما ما أضعف على الانفراد، والله أعلم... مما في صحيح مسلم عن ابن عباس قال : لما نزلت :)وأنذر عشيرتك الأقربين( ٢.. خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا يهتف :" ياصباحاه " فقالوا من هذا الذي يهتف ؟ قالوا : محمد، فاجتمعوا إليه فقال- أرأيت لو أخبرتكم أن خيلا تخرج من سفح هذا الجبل أكنتم مصدقي " ؟ قالوا : ما جربنا عليك كذبا. قال :" فإني لكم نذير بين يدي عذاب شديد ".. اه. فإذا كانوا قد أجمعوا على صدقه فما بال هذه المعاندة ؟ !.
١ سورة النساء. من الآية ١٢٧..
٢ سورة الشعراء. الآية ٢١٤..
﴿ قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله وهو على كل شيء شهيد ٤٧ قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب ٤٨ قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد ٤٩ قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي إنه سميع قريب ٥٠ ﴾
برهان من الله تعالى إثر برهان، وحجة تلو حجة تبطل الزيغ والبهتان، فقد أمر البشير النذير صلى الله عليه وسلم أن يقول للمكابرين : ما أسألكم على تبصرتكم بالرشد عوضا ومقابلا حتى تنفروا من الدعوة هربا من تبعاتها، إذ التجرد في الدلالة على الخير أرجى لاستجابة العقلاء، وإلى هذا المعنى يشير القول الرباني الكريم :)اتبعوا من لا يسألكم أجرا.. ( ١، فإن سألتكم المودة في القربى فقد ربحتم وغنمتم المقابل، وإن طلبت إليكم اتخاذ السبيل إلى الله عز وجل ففي ذلك نفعكم وفلاحكم، وربي شهيد على كل شيء وشهيد على دعوتي إياكم، وأنها خالصة لوجهه الكريم، كما أمر صلى الله عليه وسلم أن يبين لهم أن المولى تبارك اسمه يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده، ويقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق٢، وهو محيط العلم بكل شيء وإن غاب واختفى، وأن يبلغهم بتمام نور الله، وعلو كلمة الإيمان، وظهور هذا الدين على الدين كله، وما بقي للباطل شيء يعيده أو يبدئه، وعلم ربنا نبيه أن يقول لهم : إن بعدت عن الحق فحيرتي وضلالي على نفسي، وإن سلكت سبيل الرشد فبهداية ربي ووحيه وتوفيقه وحكمته، إن مولانا سميع لكل قول ودعوة، قريب من كل متكلم وداع، [ ولا يخفى عليه سبحانه قول كل من المهتدي والضال وفعله وإن بالغ في إخفائهما، فيجازي كلا بما يليق ]٣. ومن حديث أبي موسى الذي في الصحيحين :" إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنما تدعون سميعا قريبا مجيبا ".
١ سورة يس. من الآية ٢١..
٢ أورد ابن كثير في تفسير هذه الآية: ولهذا لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد الحرام يوم الفتح ووجد تلك الأصنام منصوبة حول الكعبة جعل يطعن الصنم منها. بسية قوسه ويقرأ:)وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا))قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد)رواه البخاري ومسلم والترميذي والنسائي وحده عند هذه الآية كلهم بسنده إلى ابن مسعود..
٣ ما بين العارضتين أورده الألوسي..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٧:﴿ قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله وهو على كل شيء شهيد ٤٧ قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب ٤٨ قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد ٤٩ قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي إنه سميع قريب ٥٠ ﴾
برهان من الله تعالى إثر برهان، وحجة تلو حجة تبطل الزيغ والبهتان، فقد أمر البشير النذير صلى الله عليه وسلم أن يقول للمكابرين : ما أسألكم على تبصرتكم بالرشد عوضا ومقابلا حتى تنفروا من الدعوة هربا من تبعاتها، إذ التجرد في الدلالة على الخير أرجى لاستجابة العقلاء، وإلى هذا المعنى يشير القول الرباني الكريم :)اتبعوا من لا يسألكم أجرا.. ( ١، فإن سألتكم المودة في القربى فقد ربحتم وغنمتم المقابل، وإن طلبت إليكم اتخاذ السبيل إلى الله عز وجل ففي ذلك نفعكم وفلاحكم، وربي شهيد على كل شيء وشهيد على دعوتي إياكم، وأنها خالصة لوجهه الكريم، كما أمر صلى الله عليه وسلم أن يبين لهم أن المولى تبارك اسمه يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده، ويقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق٢، وهو محيط العلم بكل شيء وإن غاب واختفى، وأن يبلغهم بتمام نور الله، وعلو كلمة الإيمان، وظهور هذا الدين على الدين كله، وما بقي للباطل شيء يعيده أو يبدئه، وعلم ربنا نبيه أن يقول لهم : إن بعدت عن الحق فحيرتي وضلالي على نفسي، وإن سلكت سبيل الرشد فبهداية ربي ووحيه وتوفيقه وحكمته، إن مولانا سميع لكل قول ودعوة، قريب من كل متكلم وداع، [ ولا يخفى عليه سبحانه قول كل من المهتدي والضال وفعله وإن بالغ في إخفائهما، فيجازي كلا بما يليق ]٣. ومن حديث أبي موسى الذي في الصحيحين :" إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنما تدعون سميعا قريبا مجيبا ".
١ سورة يس. من الآية ٢١..
٢ أورد ابن كثير في تفسير هذه الآية: ولهذا لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد الحرام يوم الفتح ووجد تلك الأصنام منصوبة حول الكعبة جعل يطعن الصنم منها. بسية قوسه ويقرأ:)وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا))قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد)رواه البخاري ومسلم والترميذي والنسائي وحده عند هذه الآية كلهم بسنده إلى ابن مسعود..
٣ ما بين العارضتين أورده الألوسي..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٧:﴿ قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله وهو على كل شيء شهيد ٤٧ قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب ٤٨ قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد ٤٩ قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي إنه سميع قريب ٥٠ ﴾
برهان من الله تعالى إثر برهان، وحجة تلو حجة تبطل الزيغ والبهتان، فقد أمر البشير النذير صلى الله عليه وسلم أن يقول للمكابرين : ما أسألكم على تبصرتكم بالرشد عوضا ومقابلا حتى تنفروا من الدعوة هربا من تبعاتها، إذ التجرد في الدلالة على الخير أرجى لاستجابة العقلاء، وإلى هذا المعنى يشير القول الرباني الكريم :)اتبعوا من لا يسألكم أجرا.. ( ١، فإن سألتكم المودة في القربى فقد ربحتم وغنمتم المقابل، وإن طلبت إليكم اتخاذ السبيل إلى الله عز وجل ففي ذلك نفعكم وفلاحكم، وربي شهيد على كل شيء وشهيد على دعوتي إياكم، وأنها خالصة لوجهه الكريم، كما أمر صلى الله عليه وسلم أن يبين لهم أن المولى تبارك اسمه يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده، ويقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق٢، وهو محيط العلم بكل شيء وإن غاب واختفى، وأن يبلغهم بتمام نور الله، وعلو كلمة الإيمان، وظهور هذا الدين على الدين كله، وما بقي للباطل شيء يعيده أو يبدئه، وعلم ربنا نبيه أن يقول لهم : إن بعدت عن الحق فحيرتي وضلالي على نفسي، وإن سلكت سبيل الرشد فبهداية ربي ووحيه وتوفيقه وحكمته، إن مولانا سميع لكل قول ودعوة، قريب من كل متكلم وداع، [ ولا يخفى عليه سبحانه قول كل من المهتدي والضال وفعله وإن بالغ في إخفائهما، فيجازي كلا بما يليق ]٣. ومن حديث أبي موسى الذي في الصحيحين :" إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنما تدعون سميعا قريبا مجيبا ".
١ سورة يس. من الآية ٢١..
٢ أورد ابن كثير في تفسير هذه الآية: ولهذا لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد الحرام يوم الفتح ووجد تلك الأصنام منصوبة حول الكعبة جعل يطعن الصنم منها. بسية قوسه ويقرأ:)وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا))قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد)رواه البخاري ومسلم والترميذي والنسائي وحده عند هذه الآية كلهم بسنده إلى ابن مسعود..
٣ ما بين العارضتين أورده الألوسي..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٧:﴿ قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله وهو على كل شيء شهيد ٤٧ قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب ٤٨ قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد ٤٩ قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي إنه سميع قريب ٥٠ ﴾
برهان من الله تعالى إثر برهان، وحجة تلو حجة تبطل الزيغ والبهتان، فقد أمر البشير النذير صلى الله عليه وسلم أن يقول للمكابرين : ما أسألكم على تبصرتكم بالرشد عوضا ومقابلا حتى تنفروا من الدعوة هربا من تبعاتها، إذ التجرد في الدلالة على الخير أرجى لاستجابة العقلاء، وإلى هذا المعنى يشير القول الرباني الكريم :)اتبعوا من لا يسألكم أجرا.. ( ١، فإن سألتكم المودة في القربى فقد ربحتم وغنمتم المقابل، وإن طلبت إليكم اتخاذ السبيل إلى الله عز وجل ففي ذلك نفعكم وفلاحكم، وربي شهيد على كل شيء وشهيد على دعوتي إياكم، وأنها خالصة لوجهه الكريم، كما أمر صلى الله عليه وسلم أن يبين لهم أن المولى تبارك اسمه يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده، ويقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق٢، وهو محيط العلم بكل شيء وإن غاب واختفى، وأن يبلغهم بتمام نور الله، وعلو كلمة الإيمان، وظهور هذا الدين على الدين كله، وما بقي للباطل شيء يعيده أو يبدئه، وعلم ربنا نبيه أن يقول لهم : إن بعدت عن الحق فحيرتي وضلالي على نفسي، وإن سلكت سبيل الرشد فبهداية ربي ووحيه وتوفيقه وحكمته، إن مولانا سميع لكل قول ودعوة، قريب من كل متكلم وداع، [ ولا يخفى عليه سبحانه قول كل من المهتدي والضال وفعله وإن بالغ في إخفائهما، فيجازي كلا بما يليق ]٣. ومن حديث أبي موسى الذي في الصحيحين :" إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنما تدعون سميعا قريبا مجيبا ".
١ سورة يس. من الآية ٢١..
٢ أورد ابن كثير في تفسير هذه الآية: ولهذا لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد الحرام يوم الفتح ووجد تلك الأصنام منصوبة حول الكعبة جعل يطعن الصنم منها. بسية قوسه ويقرأ:)وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا))قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد)رواه البخاري ومسلم والترميذي والنسائي وحده عند هذه الآية كلهم بسنده إلى ابن مسعود..
٣ ما بين العارضتين أورده الألوسي..

﴿ ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب ٥١ وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد ٥٢ وقد كفروا به من قبل ويقذفون بالغيب من مكان بعيد ٥٣ وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل إنهم كانوا في شك مريب ٥٤ ﴾
تثبيت لليقين بالآخرة، وتحذير من سوء المصير، وإنذار للمكذبين بالله ورسوله وبالبعث والنشور، وجاء البيان مهيبا رهيبا : ولو تعاين يا من تتأتى منه المعاينة حين يشتد الهول على الكافرين في يوم عسير فيشتد فزعهم إذا ألقوا من النار مكانا ضيقا مقرنين ومكبلين بالسلاسل والأصفاد، فلا يفوتون الواحد القهار، إذ تعرفهم النار وخزنتها بسيماهم )إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا( ١ فالنار منهم قريبة لأن الله تعالى محيط بهم لا يعزبون عنه، وعندها يقرون بالإيمان لكن بعد فوات الأوان، فكيف يصلون إلى الدخول فيه ويناوشونه ويناولونه وقد انقضت دار العمل )فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين. فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون( ٢، وكيف يقبل منهم وقد قضوا حياتهم الدنيا جاحدين، بل مفترين، ويرجمون بالغيب، وظن السوء، ويرمون بالبهتان كالذي يرجم من بعيد فلا يصيب، يقولون :﴿ لا تأتينا الساعة ﴾، ويقولون :﴿ وما نحن بمعذبين ﴾ ويقولون :﴿ ما هذا إلا إفك مفترى ﴾ ﴿ ما هاذا إلا سحر مبين ﴾، وحرموا رغائبهم فلا يصل إليهم ما لهم الذي كان لهم في الدنيا ولا يصلون إليه ولا إلى ما متعوا به من جاه، كما يحال بينهم وبين ما يتمنون من الرجوع إلى الدنيا للتوبة والاهتداء والاستقامة، كما أخبر الله العليم عنهم بقوله الحكيم :)ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون( ٣ ولكن هيهات فقد حيل بينهم وبين ما يشتهون، كما يفعل الحكم العدل بكل من سبقوهم ومن على شاكلتهم من أهل الجحود والفتون :)قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين. ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون. قال اخسئوا فيها ولا تكلمون( ٤، وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون، فقد عاشوا في شك أوقعهم في الحيرة وظنوا أن الله لا يعلم كثيرا مما يعملون )وذلك ظنكم الذي ظننتم بربكم أرادكم فأصبحتم من الخاسرين. فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين( ٥ بل يشهد الله العليم الخبير أنهم بعد معاينتهم العذاب لو رجعوا إلى دار التكليف لظلوا في طغيانهم يعمهون، يقول الحق جل علاه :)ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين. بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون( ٦.
وبعد : فاليقين بيوم الجزاء موصول بخلق الأرض والسماء )وخلق الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت.. ( ٧ والتصديق بالله تعالى ورسله ورسالاته، وناره وجناته، إذا لم يكن جازما راسخا لم ينفع أصحابه ( بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون( ٨ ومشيئة العليم الحكيم أن يبتلي العباد ليظهر أهل الزيغ من أهل الإيمان ﴿ .. لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ ﴾.
١ سورة الفرقان. الآية ١٢..
٢ سورة غافر. الآيتان: ٨٤، ٨٥..
٣ سورة السجدة. الآية ١٢..
٤ سورة المؤمنون. الآيات: ١٠٦، ١٠٨..
٥ سورة فصلت. الآيتان: ٢٣، ٢٤..
٦ سورة الأنعام. الآيتان: ٢٧، ٢٨.
٧ سورة الجاثية. من الآية ٢٢..
٨ سورة النمل. الآية ٦٦..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥١:﴿ ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب ٥١ وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد ٥٢ وقد كفروا به من قبل ويقذفون بالغيب من مكان بعيد ٥٣ وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل إنهم كانوا في شك مريب ٥٤ ﴾
تثبيت لليقين بالآخرة، وتحذير من سوء المصير، وإنذار للمكذبين بالله ورسوله وبالبعث والنشور، وجاء البيان مهيبا رهيبا : ولو تعاين يا من تتأتى منه المعاينة حين يشتد الهول على الكافرين في يوم عسير فيشتد فزعهم إذا ألقوا من النار مكانا ضيقا مقرنين ومكبلين بالسلاسل والأصفاد، فلا يفوتون الواحد القهار، إذ تعرفهم النار وخزنتها بسيماهم )إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا( ١ فالنار منهم قريبة لأن الله تعالى محيط بهم لا يعزبون عنه، وعندها يقرون بالإيمان لكن بعد فوات الأوان، فكيف يصلون إلى الدخول فيه ويناوشونه ويناولونه وقد انقضت دار العمل )فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين. فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون( ٢، وكيف يقبل منهم وقد قضوا حياتهم الدنيا جاحدين، بل مفترين، ويرجمون بالغيب، وظن السوء، ويرمون بالبهتان كالذي يرجم من بعيد فلا يصيب، يقولون :﴿ لا تأتينا الساعة ﴾، ويقولون :﴿ وما نحن بمعذبين ﴾ ويقولون :﴿ ما هذا إلا إفك مفترى ﴾ ﴿ ما هاذا إلا سحر مبين ﴾، وحرموا رغائبهم فلا يصل إليهم ما لهم الذي كان لهم في الدنيا ولا يصلون إليه ولا إلى ما متعوا به من جاه، كما يحال بينهم وبين ما يتمنون من الرجوع إلى الدنيا للتوبة والاهتداء والاستقامة، كما أخبر الله العليم عنهم بقوله الحكيم :)ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون( ٣ ولكن هيهات فقد حيل بينهم وبين ما يشتهون، كما يفعل الحكم العدل بكل من سبقوهم ومن على شاكلتهم من أهل الجحود والفتون :)قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين. ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون. قال اخسئوا فيها ولا تكلمون( ٤، وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون، فقد عاشوا في شك أوقعهم في الحيرة وظنوا أن الله لا يعلم كثيرا مما يعملون )وذلك ظنكم الذي ظننتم بربكم أرادكم فأصبحتم من الخاسرين. فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين( ٥ بل يشهد الله العليم الخبير أنهم بعد معاينتهم العذاب لو رجعوا إلى دار التكليف لظلوا في طغيانهم يعمهون، يقول الحق جل علاه :)ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين. بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون( ٦.
وبعد : فاليقين بيوم الجزاء موصول بخلق الأرض والسماء )وخلق الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت.. ( ٧ والتصديق بالله تعالى ورسله ورسالاته، وناره وجناته، إذا لم يكن جازما راسخا لم ينفع أصحابه ( بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون( ٨ ومشيئة العليم الحكيم أن يبتلي العباد ليظهر أهل الزيغ من أهل الإيمان ﴿.. لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ ﴾.
١ سورة الفرقان. الآية ١٢..
٢ سورة غافر. الآيتان: ٨٤، ٨٥..
٣ سورة السجدة. الآية ١٢..
٤ سورة المؤمنون. الآيات: ١٠٦، ١٠٨..
٥ سورة فصلت. الآيتان: ٢٣، ٢٤..
٦ سورة الأنعام. الآيتان: ٢٧، ٢٨.
٧ سورة الجاثية. من الآية ٢٢..
٨ سورة النمل. الآية ٦٦..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥١:﴿ ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب ٥١ وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد ٥٢ وقد كفروا به من قبل ويقذفون بالغيب من مكان بعيد ٥٣ وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل إنهم كانوا في شك مريب ٥٤ ﴾
تثبيت لليقين بالآخرة، وتحذير من سوء المصير، وإنذار للمكذبين بالله ورسوله وبالبعث والنشور، وجاء البيان مهيبا رهيبا : ولو تعاين يا من تتأتى منه المعاينة حين يشتد الهول على الكافرين في يوم عسير فيشتد فزعهم إذا ألقوا من النار مكانا ضيقا مقرنين ومكبلين بالسلاسل والأصفاد، فلا يفوتون الواحد القهار، إذ تعرفهم النار وخزنتها بسيماهم )إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا( ١ فالنار منهم قريبة لأن الله تعالى محيط بهم لا يعزبون عنه، وعندها يقرون بالإيمان لكن بعد فوات الأوان، فكيف يصلون إلى الدخول فيه ويناوشونه ويناولونه وقد انقضت دار العمل )فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين. فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون( ٢، وكيف يقبل منهم وقد قضوا حياتهم الدنيا جاحدين، بل مفترين، ويرجمون بالغيب، وظن السوء، ويرمون بالبهتان كالذي يرجم من بعيد فلا يصيب، يقولون :﴿ لا تأتينا الساعة ﴾، ويقولون :﴿ وما نحن بمعذبين ﴾ ويقولون :﴿ ما هذا إلا إفك مفترى ﴾ ﴿ ما هاذا إلا سحر مبين ﴾، وحرموا رغائبهم فلا يصل إليهم ما لهم الذي كان لهم في الدنيا ولا يصلون إليه ولا إلى ما متعوا به من جاه، كما يحال بينهم وبين ما يتمنون من الرجوع إلى الدنيا للتوبة والاهتداء والاستقامة، كما أخبر الله العليم عنهم بقوله الحكيم :)ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون( ٣ ولكن هيهات فقد حيل بينهم وبين ما يشتهون، كما يفعل الحكم العدل بكل من سبقوهم ومن على شاكلتهم من أهل الجحود والفتون :)قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين. ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون. قال اخسئوا فيها ولا تكلمون( ٤، وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون، فقد عاشوا في شك أوقعهم في الحيرة وظنوا أن الله لا يعلم كثيرا مما يعملون )وذلك ظنكم الذي ظننتم بربكم أرادكم فأصبحتم من الخاسرين. فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين( ٥ بل يشهد الله العليم الخبير أنهم بعد معاينتهم العذاب لو رجعوا إلى دار التكليف لظلوا في طغيانهم يعمهون، يقول الحق جل علاه :)ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين. بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون( ٦.
وبعد : فاليقين بيوم الجزاء موصول بخلق الأرض والسماء )وخلق الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت.. ( ٧ والتصديق بالله تعالى ورسله ورسالاته، وناره وجناته، إذا لم يكن جازما راسخا لم ينفع أصحابه ( بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون( ٨ ومشيئة العليم الحكيم أن يبتلي العباد ليظهر أهل الزيغ من أهل الإيمان ﴿.. لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ ﴾.
١ سورة الفرقان. الآية ١٢..
٢ سورة غافر. الآيتان: ٨٤، ٨٥..
٣ سورة السجدة. الآية ١٢..
٤ سورة المؤمنون. الآيات: ١٠٦، ١٠٨..
٥ سورة فصلت. الآيتان: ٢٣، ٢٤..
٦ سورة الأنعام. الآيتان: ٢٧، ٢٨.
٧ سورة الجاثية. من الآية ٢٢..
٨ سورة النمل. الآية ٦٦..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥١:﴿ ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب ٥١ وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد ٥٢ وقد كفروا به من قبل ويقذفون بالغيب من مكان بعيد ٥٣ وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل إنهم كانوا في شك مريب ٥٤ ﴾
تثبيت لليقين بالآخرة، وتحذير من سوء المصير، وإنذار للمكذبين بالله ورسوله وبالبعث والنشور، وجاء البيان مهيبا رهيبا : ولو تعاين يا من تتأتى منه المعاينة حين يشتد الهول على الكافرين في يوم عسير فيشتد فزعهم إذا ألقوا من النار مكانا ضيقا مقرنين ومكبلين بالسلاسل والأصفاد، فلا يفوتون الواحد القهار، إذ تعرفهم النار وخزنتها بسيماهم )إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا( ١ فالنار منهم قريبة لأن الله تعالى محيط بهم لا يعزبون عنه، وعندها يقرون بالإيمان لكن بعد فوات الأوان، فكيف يصلون إلى الدخول فيه ويناوشونه ويناولونه وقد انقضت دار العمل )فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين. فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون( ٢، وكيف يقبل منهم وقد قضوا حياتهم الدنيا جاحدين، بل مفترين، ويرجمون بالغيب، وظن السوء، ويرمون بالبهتان كالذي يرجم من بعيد فلا يصيب، يقولون :﴿ لا تأتينا الساعة ﴾، ويقولون :﴿ وما نحن بمعذبين ﴾ ويقولون :﴿ ما هذا إلا إفك مفترى ﴾ ﴿ ما هاذا إلا سحر مبين ﴾، وحرموا رغائبهم فلا يصل إليهم ما لهم الذي كان لهم في الدنيا ولا يصلون إليه ولا إلى ما متعوا به من جاه، كما يحال بينهم وبين ما يتمنون من الرجوع إلى الدنيا للتوبة والاهتداء والاستقامة، كما أخبر الله العليم عنهم بقوله الحكيم :)ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون( ٣ ولكن هيهات فقد حيل بينهم وبين ما يشتهون، كما يفعل الحكم العدل بكل من سبقوهم ومن على شاكلتهم من أهل الجحود والفتون :)قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين. ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون. قال اخسئوا فيها ولا تكلمون( ٤، وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون، فقد عاشوا في شك أوقعهم في الحيرة وظنوا أن الله لا يعلم كثيرا مما يعملون )وذلك ظنكم الذي ظننتم بربكم أرادكم فأصبحتم من الخاسرين. فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين( ٥ بل يشهد الله العليم الخبير أنهم بعد معاينتهم العذاب لو رجعوا إلى دار التكليف لظلوا في طغيانهم يعمهون، يقول الحق جل علاه :)ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين. بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون( ٦.
وبعد : فاليقين بيوم الجزاء موصول بخلق الأرض والسماء )وخلق الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت.. ( ٧ والتصديق بالله تعالى ورسله ورسالاته، وناره وجناته، إذا لم يكن جازما راسخا لم ينفع أصحابه ( بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون( ٨ ومشيئة العليم الحكيم أن يبتلي العباد ليظهر أهل الزيغ من أهل الإيمان ﴿.. لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ ﴾.
١ سورة الفرقان. الآية ١٢..
٢ سورة غافر. الآيتان: ٨٤، ٨٥..
٣ سورة السجدة. الآية ١٢..
٤ سورة المؤمنون. الآيات: ١٠٦، ١٠٨..
٥ سورة فصلت. الآيتان: ٢٣، ٢٤..
٦ سورة الأنعام. الآيتان: ٢٧، ٢٨.
٧ سورة الجاثية. من الآية ٢٢..
٨ سورة النمل. الآية ٦٦..

Icon