تفسير سورة سورة سبأ من كتاب روح المعاني
المعروف بـتفسير الألوسي
.
لمؤلفه
الألوسي
.
المتوفي سنة 1342 هـ
سورة سبأ
مكية كما روى عن ابن عباس وقتادة وفي التحرير هي مكية بإجماعهم وقال ابن عطية : مكية إلا قوله تعالى ( ويرى الذين أوتوا العلم ) وروى الترمذي عن فروة بن مسيكة المرادي قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله ألا أقاتل من أدبر من قومي الحديث وفيه وأنزل في سبأ ما أنزل فقال رجل : يا رسول الله وما سبأ الحديث قال ابن الحصار هذا يدل على أن هذه القصة مدنية لأن مهاجرة فروة بعد إسلام ثقيف سنة تسع ويحتمل أن يكون قوله وأنزل حكاية عما تقدم نزوله قبل هجرته فلا يأبى كونها مكية وآياتها خمس وخمسون في الشامي وأربع وخمسون في الباقين وما قيل خمس وأربعون سهو من قلم الناسخ ووجه اتصالها بما قبلها أن الصفات التي أجريت على الله تعالى في مفتتحها مما يناسب الحكم التي في مختتم ما قبل من قوله تعالى :( ليعذب الله المنافقين والمنافقات ) إلخ وأيضا قد أشير فيما تقدم إلى سؤال الكفار عن الساعة على جهة الاستهزاء وههنا قد حكى عنهم إنكارها صريحا والطعن بمن يقول بالمعاد على أتم وجه وذكر مما يتعلق بذلك ما لم يذكر هناك وفي البحر أن سبب نزولها أن أبا سفيان قال لكفار مكة لما سمعوا ( ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ) كأن محمدا يتوعدنا بالعذاب بعد أن نموت ويتخوفنا بالبعث واللات والعزى لا تأتينا الساعة أبدا ولا نبعث فقال الله تعالى قل يا محمد بلى وربي لتبعثن قاله مقاتل وباقي السورة تهديد لهم وتخويف ومن هذا ظهرت المناسبة بين هذه السورة والتي قبلها انتهى.
مكية كما روى عن ابن عباس وقتادة وفي التحرير هي مكية بإجماعهم وقال ابن عطية : مكية إلا قوله تعالى ( ويرى الذين أوتوا العلم ) وروى الترمذي عن فروة بن مسيكة المرادي قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله ألا أقاتل من أدبر من قومي الحديث وفيه وأنزل في سبأ ما أنزل فقال رجل : يا رسول الله وما سبأ الحديث قال ابن الحصار هذا يدل على أن هذه القصة مدنية لأن مهاجرة فروة بعد إسلام ثقيف سنة تسع ويحتمل أن يكون قوله وأنزل حكاية عما تقدم نزوله قبل هجرته فلا يأبى كونها مكية وآياتها خمس وخمسون في الشامي وأربع وخمسون في الباقين وما قيل خمس وأربعون سهو من قلم الناسخ ووجه اتصالها بما قبلها أن الصفات التي أجريت على الله تعالى في مفتتحها مما يناسب الحكم التي في مختتم ما قبل من قوله تعالى :( ليعذب الله المنافقين والمنافقات ) إلخ وأيضا قد أشير فيما تقدم إلى سؤال الكفار عن الساعة على جهة الاستهزاء وههنا قد حكى عنهم إنكارها صريحا والطعن بمن يقول بالمعاد على أتم وجه وذكر مما يتعلق بذلك ما لم يذكر هناك وفي البحر أن سبب نزولها أن أبا سفيان قال لكفار مكة لما سمعوا ( ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ) كأن محمدا يتوعدنا بالعذاب بعد أن نموت ويتخوفنا بالبعث واللات والعزى لا تأتينا الساعة أبدا ولا نبعث فقال الله تعالى قل يا محمد بلى وربي لتبعثن قاله مقاتل وباقي السورة تهديد لهم وتخويف ومن هذا ظهرت المناسبة بين هذه السورة والتي قبلها انتهى.
ﰡ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ
ﰀ
ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ
ﰁ
ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ
ﰂ
ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ
ﰃ
ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ
ﰄ
ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ
ﰅ
ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴ
ﰆ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ
ﰇ
ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ
ﰈ
ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ
ﰉ
ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ
ﰊ
ﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ
ﰋ
سورة سباء
مكية كما روي عن ابن عباس وقتادة، وفي التحرير هي مكية بإجماعهم، وقال ابن عطية: مكية إلا قوله تعالى:
وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ [سبأ: ٦] وروى الترمذي عن فروة بن مسيكة المرادي قال: أتيت النبي صلّى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله ألا أقاتل من أدبر من قومي الحديث، وفيه وأنزل في سبأ ما أنزل فقال رجل: يا رسول الله وما سبأ؟ الحديث.
قال ابن الحصار هذا يدل على أن هذه القصة مدنية لأن مهاجرة فروة بعد إسلام ثقيف سنة تسع، ويحتمل أن يكون قوله وأنزل حكاية عما تقدم نزوله قبل هجرته فلا يأبى كونها مكية، وآياتها خمس وخمسون في الشامي وأربع وخمسون في الباقين، وما قيل خمس وأربعون سهو من قلم الناسخ، ووجه اتصالها بما قبلها أن الصفات التي أجريت على الله تعالى في مفتتحها مما يناسب الحكم التي في مختتم ما قبل من قوله تعالى: لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ [الأحزاب: ٧٣] إلخ.
وأيضا قد أشير فيما تقدم إلى سؤال الكفار عن الساعة على جهة الاستهزاء وهاهنا قد حكي عنهم إنكارها صريحا والطعن بمن يقول بالمعاد على أتم وجه وذكر مما يتعلق بذلك ما لم يذكر هناك، وفي البحر أن سبب نزولها أن أبا سفيان قال لكفار مكة لما سمعوا لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ كأن محمدا يتوعدنا بالعذاب بعد أن نموت ويتخوفنا بالبعث واللات والعزى لا تأتينا الساعة أبدا ولا نبعث فقال الله تعالى قل يا محمد بلى وربي لتبعثن قاله مقاتل وباقي السورة تهديد لهم وتخويف، ومن هذا ظهرت المناسبة بين هذه السورة والتي قبلها انتهى.
مكية كما روي عن ابن عباس وقتادة، وفي التحرير هي مكية بإجماعهم، وقال ابن عطية: مكية إلا قوله تعالى:
وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ [سبأ: ٦] وروى الترمذي عن فروة بن مسيكة المرادي قال: أتيت النبي صلّى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله ألا أقاتل من أدبر من قومي الحديث، وفيه وأنزل في سبأ ما أنزل فقال رجل: يا رسول الله وما سبأ؟ الحديث.
قال ابن الحصار هذا يدل على أن هذه القصة مدنية لأن مهاجرة فروة بعد إسلام ثقيف سنة تسع، ويحتمل أن يكون قوله وأنزل حكاية عما تقدم نزوله قبل هجرته فلا يأبى كونها مكية، وآياتها خمس وخمسون في الشامي وأربع وخمسون في الباقين، وما قيل خمس وأربعون سهو من قلم الناسخ، ووجه اتصالها بما قبلها أن الصفات التي أجريت على الله تعالى في مفتتحها مما يناسب الحكم التي في مختتم ما قبل من قوله تعالى: لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ [الأحزاب: ٧٣] إلخ.
وأيضا قد أشير فيما تقدم إلى سؤال الكفار عن الساعة على جهة الاستهزاء وهاهنا قد حكي عنهم إنكارها صريحا والطعن بمن يقول بالمعاد على أتم وجه وذكر مما يتعلق بذلك ما لم يذكر هناك، وفي البحر أن سبب نزولها أن أبا سفيان قال لكفار مكة لما سمعوا لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ كأن محمدا يتوعدنا بالعذاب بعد أن نموت ويتخوفنا بالبعث واللات والعزى لا تأتينا الساعة أبدا ولا نبعث فقال الله تعالى قل يا محمد بلى وربي لتبعثن قاله مقاتل وباقي السورة تهديد لهم وتخويف، ومن هذا ظهرت المناسبة بين هذه السورة والتي قبلها انتهى.
277
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أي له عزّ وجلّ خلقا وملكا وتصرفا بالإيجاد والإعدام والإحياء والإماتة جميع ما وجد فيهما داخلا في حقيقتهما أو خارجا عنهما متمكنا فيهما فكأنه قيل: له هذا العالم بالأسر، ووصفه تعالى بذلك على ما قاله أبو السعود لتقرير ما أفاده تعليق الحمد المعرف بلام الحقيقة عند أرباب التحقيق بالاسم الجليل من اختصاص جميع أفراد المخلوقات به عزّ وجلّ ببيان تفرده تعالى واستقلاله بما يوجب ذلك وكون كل ما سواه سبحانه من الموجودات التي من جملتها الإنسان تحت ملكوته تعالى ليس لها في حد ذاتها استحقاق الوجود فضلا عما عداه من صفاتها بل كل ذلك نعم فائضة عليها من جهته عزّ وجلّ فما هذا شأنه فهو بمعزل من استحقاق الحمد الذي مداره الجميل الصادر عن القادر بالاختيار فظهر اختصاص جميع أفراده به تعالى، وفي الوصف بما ذكر أيضا إيذان بأنه تعالى المحمود على نعم الدنيا حيث عقب الحمد بما تضمن جميع النعم الدنيوية فيكون الكلام نظير قولك: احمد أخاك الذي حملك وكساك فإنك تريد به أحمده على حملانه وكسوته، وفي عطف قوله تعالى: وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ على الصلة كما هو الظاهر إيذان بأنه سبحانه المحمود على نعم الآخرة ليتلاءم الكلام، وفي تقييد الحمد فيه بأن محله الآخرة إيذان بأن محل الحمد الأول الدنيا لذلك أيضا فتفيد الجملتان أنه عزّ وجلّ المحمود على نعم الدنيا فيها وأنه تبارك وتعالى المحمود على نعم الآخرة فيها، وجوز أن يكون في الكلام صنعة الاحتباك وأصله الحمد لله إلخ في الدنيا وله ما في الآخرة والحمد فيها فأثبت في كل منهما ما حذف من الآخر، وقال أبو السعود: إن الجملة الثانية لاختصاص الحمد الأخروي به تعالى إثر بيان اختصاص الدنيوي به سبحانه على أن فِي الْآخِرَةِ متعلق بنفس الحمد أو بما تعلق به لَهُ من الاستقرار، وإطلاقه عن ذكر ما يشعر بالمحمود عليه ليس للاكتفاء بذكر كونه في الآخرة عن التعيين كما اكتفى فيما سبق بذكر كون المحمود عليه في الدنيا عن ذكر كون الحمد فيها أيضا بل ليعم النعم الأخروية كما في قوله تعالى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ [الزمر: ٧٤] وقوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ [فاطر: ٣٥] وما يكون ذريعة إلى نيلها من النعم الدنيوية كما في قوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا [الأعراف: ٤٣] أي لما جزاؤه هذا النعيم من الإيمان والعمل الصالح.
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ [الزمر: ٧٤] وقوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ [فاطر: ٣٥] وما يكون ذريعة إلى نيلها من النعم الدنيوية كما في قوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا [الأعراف: ٤٣] أي لما جزاؤه هذا النعيم من الإيمان والعمل الصالح.
278
وأنت تعلم أن المتبادر إلى الذهن هو ما قرر أولا، والفرق بين الحمدين مع كون نعم الدنيا ونعم الآخرة بطريق التفضل أن الأول على نهج العبادة والثاني على وجه التلذذ والاغتباط، وقد ورد في الخبر أن أهل الجنة يلهمون التسبيح كما يلهمون النفس، وقول الزمخشري: إن الأول واجب لأنه على نعمة متفضل بها والثاني ليس بواجب لأنه على نعمة واجبة الإيصال إلى مستحقها مبني على رأي المعتزلة على أن قوله: لأنه على نعمة واجبة الإيصال ليس على إطلاقه عندهم لأن ما يعطي الله تعالى العباد في الآخرة ليس مقصورا على الجزاء عندهم بل بعض ذلك تفضل وبعضه أجر، وتقديم الخبر في الجملة الثانية لتأكيد الحصر المستفاد من اللام على ما هو الشائع اعتناء بشأن نعم الآخرة، وقيل: للاختصاص لأن النعم الدنيوية قد تكون بواسطة من يستحق الحمد لأجلها ولا كذلك نعم الآخرة، وكأنه أراد لتأكيد الاختصاص أو بنى الأمر على أن الاختصاص المستفاد من اللام بمعنى الملابسة التامة لا الحصر كما فصله الفاضل اليمني، وأما أنه أراد لاختصاص الاختصاص فكما ترى، ويرد على قوله: ولا كذلك نعم الآخرة عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً [الإسراء: ٧٩] فتأمل وَهُوَ الْحَكِيمُ الذي أحكم أمر الدارين ودبره حسبما تقتضيه الحكمة الْخَبِيرُ العالم ببواطن الأشياء ومكنوناتها ويلزم من ذلك علمه تعالى بغيرها، وعمم بعضهم من أول الأمر وما ذكر مبني على ما قاله بعض أهل اللغة من أن الخبرة تختص بالبواطن لأنها من خبر الأرض إذا شقها، وفي هذه الفاصلة إيذان بأنه تعالى كما يستحق الحمد لأنه سبحانه منعم يستحقه لأنه جل شأنه منعوت بالكمال الاختياري وتكميل معنى كونه تعالى منعما أيضا بأنه على وجه الحكمة والصواب وعن علم بموضع الاستحقاق والاستيجاب لا كمن يطلق عليه أنه منعم مجازا، وقوله تعالى: يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ إلخ استئناف لتفصيل بعض ما يحيط به علمه تعالى من الأمور التي نيطت بها مصالحهم الدينية والدنيوية، وجوز أن يكون تفسيرا لخبير، وأن يكون حالا من ضميره تعالى في لَهُ ما فِي السَّماواتِ فيكون لَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ اعتراضا بين الحال وصاحبها أي بعلم سبحانه ما يدخل في الأرض من المطر وَما يَخْرُجُ مِنْها من النبات قاله السدي.
وقال الكلبي: ما يدخل فيها من الأموات وما يخرج منها من جواهر المعادن، والأولى التعميم في الموصولين فيشملان كل ما يلج في الأرض ولو بالوضع فيها وكل ما يخرج منها حتى الحيوان فإنه كله مخلوق من التراب.
وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها أي من الملائكة قاله السدي والكلبي، والأولى التعميم فيشمل ما يَنْزِلُ المطر والثلج والبرد والصاعقة والمقادير ونحوها أيضا وَما يَعْرُجُ الأبخرة والأدخنة وأعمال العباد وأدعيتهم ونحوها أيضا، ويراد بالسماء جهة العلو مطلقا ولعل ترتيب المتعاطفات كما سمعت إفادة للترقي في المدح، وضمن العروج معنى السير أو الاستقرار على ما قيل فلذا عدي بفي دون إلى، وقيل: لا حاجة إلى اعتبار التضمين والمراد بما يعرج فيها ما يعرج في ثخن السماء ويعلم من العلم بذلك العلم بما يعرج إليها من باب أولى فتدبر، وقرأ علي كرّم الله تعالى وجهه والسلمي «ينزّل» بضم الياء وفتح النون وشد الزاي أي الله كذا في البحر.
وفي الكشاف عن علي كرّم الله تعالى وجهه أنه قرأ «ننزّل» بالتشديد ونون العظمة وَهُوَ مع كثرة نعمته وسبوغ فضله الرَّحِيمُ الْغَفُورُ للمفرطين في أداء مواجب شكرها فهذا التذنيب مع كونه مقررا للخبرة مفصل لما أجمل في قوله سبحانه: لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يعرف منه كيف كان كله نعمة وكالتبصر لأنواع النعم الكلية فكل منه ومن التذنيب السابق في موضعه اللاحق فلا تتوهم أن العكس أنسب.
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ أرادوا بضمير المتكلم جنس البشر قاطبة لا أنفسهم أو معاصريهم فقط وبنفي إتيانها نفي وجودها بالكلية لا عدم حضورها مع تحقيقها في نفس الأمر، وإنما عبروا عنه بذلك لأنهم كانوا
وقال الكلبي: ما يدخل فيها من الأموات وما يخرج منها من جواهر المعادن، والأولى التعميم في الموصولين فيشملان كل ما يلج في الأرض ولو بالوضع فيها وكل ما يخرج منها حتى الحيوان فإنه كله مخلوق من التراب.
وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها أي من الملائكة قاله السدي والكلبي، والأولى التعميم فيشمل ما يَنْزِلُ المطر والثلج والبرد والصاعقة والمقادير ونحوها أيضا وَما يَعْرُجُ الأبخرة والأدخنة وأعمال العباد وأدعيتهم ونحوها أيضا، ويراد بالسماء جهة العلو مطلقا ولعل ترتيب المتعاطفات كما سمعت إفادة للترقي في المدح، وضمن العروج معنى السير أو الاستقرار على ما قيل فلذا عدي بفي دون إلى، وقيل: لا حاجة إلى اعتبار التضمين والمراد بما يعرج فيها ما يعرج في ثخن السماء ويعلم من العلم بذلك العلم بما يعرج إليها من باب أولى فتدبر، وقرأ علي كرّم الله تعالى وجهه والسلمي «ينزّل» بضم الياء وفتح النون وشد الزاي أي الله كذا في البحر.
وفي الكشاف عن علي كرّم الله تعالى وجهه أنه قرأ «ننزّل» بالتشديد ونون العظمة وَهُوَ مع كثرة نعمته وسبوغ فضله الرَّحِيمُ الْغَفُورُ للمفرطين في أداء مواجب شكرها فهذا التذنيب مع كونه مقررا للخبرة مفصل لما أجمل في قوله سبحانه: لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يعرف منه كيف كان كله نعمة وكالتبصر لأنواع النعم الكلية فكل منه ومن التذنيب السابق في موضعه اللاحق فلا تتوهم أن العكس أنسب.
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ أرادوا بضمير المتكلم جنس البشر قاطبة لا أنفسهم أو معاصريهم فقط وبنفي إتيانها نفي وجودها بالكلية لا عدم حضورها مع تحقيقها في نفس الأمر، وإنما عبروا عنه بذلك لأنهم كانوا
279
يوعدون بإتيانها، وقيل: لأن وجود الأمور الزمانية المستقبلة لا سيما أجزاء الزمان لا يكون إلا بالإتيان والحضور، وقيل: هو استبطاء لإتيانها الموعود بطريق الهزء والسخرية كقولهم: مَتى هذَا الْوَعْدُ؟ [الملك: ٢٥] والأول أولى، والجملة قيل: معطوفة على ما قبلها عطف القصة على القصة وجعلها حالية غير ظاهر قُلْ بَلى رد لكلامهم وإثبات لما نفوه على معنى ليس الأمر إلا إتيانها، وقوله تعالى: وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ تأكيد له على أتم الوجوه وأكملها، وجاء القسم بالرب للإشارة إلى أن إتيانها من شؤون الربوبية، وأتى به مضافا إلى ضميره صلّى الله عليه وسلم ليدل على شدة القسم، وروى هارون كما قال ابن جني عن طليق قال: سمعت أشياخنا يقرؤون «ليأتينكم» بالياء التحتية وخرجت على أن الفاعل ضمير البعث لأن مقصودهم من نفي إتيان الساعة أنهم لا يبعثون، وقيل: الفاعل ضمير السَّاعَةُ على تأويلها باليوم أو الوقت. وتعقبه أبو حيان بأنه بعيد إذ لا يكون مثل هذا إلا في الشعر نحو:
ولا أرض أبقل إبقالها وقوله تعالى: عالِمِ الْغَيْبِ بدل من المقسم به على ما ذهب إليه الحوفي وأبو البقاء، وجوز أن يكون عطف بيان، وأجاز أبو البقاء أن يكون صفة له.
وتعقب بأنه صفة مشبهة وهي كما ذكره سيبويه في الكتاب لا تتعرف بالإضافة إلى معرفة والجمهور على أنها تتعرف بها ولذا ذهب جمع من الأجلة إلى أنه صفة ووصف سبحانه بإحاطة العلم إمدادا للتأكيد وتشديدا له إثر تشديد فإن عظمة حال المقسم به تؤذن بقوة حال المقسم عليه وشدة ثباته واستقامته لأنه بمنزلة الاستشهاد على الأمر وكلما كان المستشهد به أعلى كعبا وأبين فضلا وأرفع منزلة كانت الشهادة أقوى وآكد والمستشهد عليه أثبت وأرسخ، وخص هذا الوصف بالذكر من بين الأوصاف مع أن كل وصف يقتضي العظمة يتأتي به ذلك لما أن له تعلقا خاصا بالمقسم عليه فإنه أشهر إفراد الغيب في الخفاء ففيه مع رعاية التأكيد حسن الأقسام على منوال وثناياك أنها إغريض كأنه قيل: وربي العالم بوقت قيامها لتأتينكم، وفيه إدماج أن لا كلام في ثبوتها.
وقال صاحب الفرائد: جيء بالوصف المذكور لأن إنكارهم البعث باعتبار أن الأجزاء المتفرقة المنتشرة يمتنع اجتماعها كما كانت يدل عليه قوله تعالى: قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ [ق: ٤] الآية، فالوصف بهذه الأوصاف رد لزعمهم الاستحالة وهو أن من كان علمه بهذه المثابة كيف يمتنع منه ذلك انتهى، واستحسنه الطيبي، وقال في البحر: أتبع القسم بقوله تعالى: عالِمِ الْغَيْبِ وما بعده ليعلم أن إتيانها من الغيب الذي تفرد به عزّ وجلّ، وما ذكر أولا أبعد مغزى، وفائدة الأمر بهذه المرتبة من اليمين أن لا يبقى للمعاندين عذر ما أصلا فإنهم كانوا يعرفون أمانته صلّى الله عليه وسلم ونزاهته عن وصمة الكذب فضلا عن اليمين الفاجرة وإنما لم يصدقوه عليه الصلاة والسلام مكابرة، وغفل صاحب الفرائد عن هذه الفائدة فقال: اقتضى المقام اليمين لأن من أنكر ما قيل له فالذي وجب بعد ذلك إذا أريد إعادة القول له أن يكون مقترنا باليمين وإلا كان خطأ بالنظر إلى علم المعاني وإن كان صحيحا بالنظر إلى العربية والنحو وقد يغفل الأريب.
وقرأ نافع وابن عامر ورويس وسلام والجحدري وقعنب «عالم» بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو عالم، وجوز الحوفي أن يكون مبتدأ خبره محذوف أي عالم الغيب هو، وجوز هو وأبو البقاء أن يكون مبتدأ والجملة بعده خبره.
وقرأ ابن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي «علام» بصيغة المبالغة والخفض، وقرىء «عالم» بالرفع يكون بلا
ولا أرض أبقل إبقالها وقوله تعالى: عالِمِ الْغَيْبِ بدل من المقسم به على ما ذهب إليه الحوفي وأبو البقاء، وجوز أن يكون عطف بيان، وأجاز أبو البقاء أن يكون صفة له.
وتعقب بأنه صفة مشبهة وهي كما ذكره سيبويه في الكتاب لا تتعرف بالإضافة إلى معرفة والجمهور على أنها تتعرف بها ولذا ذهب جمع من الأجلة إلى أنه صفة ووصف سبحانه بإحاطة العلم إمدادا للتأكيد وتشديدا له إثر تشديد فإن عظمة حال المقسم به تؤذن بقوة حال المقسم عليه وشدة ثباته واستقامته لأنه بمنزلة الاستشهاد على الأمر وكلما كان المستشهد به أعلى كعبا وأبين فضلا وأرفع منزلة كانت الشهادة أقوى وآكد والمستشهد عليه أثبت وأرسخ، وخص هذا الوصف بالذكر من بين الأوصاف مع أن كل وصف يقتضي العظمة يتأتي به ذلك لما أن له تعلقا خاصا بالمقسم عليه فإنه أشهر إفراد الغيب في الخفاء ففيه مع رعاية التأكيد حسن الأقسام على منوال وثناياك أنها إغريض كأنه قيل: وربي العالم بوقت قيامها لتأتينكم، وفيه إدماج أن لا كلام في ثبوتها.
وقال صاحب الفرائد: جيء بالوصف المذكور لأن إنكارهم البعث باعتبار أن الأجزاء المتفرقة المنتشرة يمتنع اجتماعها كما كانت يدل عليه قوله تعالى: قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ [ق: ٤] الآية، فالوصف بهذه الأوصاف رد لزعمهم الاستحالة وهو أن من كان علمه بهذه المثابة كيف يمتنع منه ذلك انتهى، واستحسنه الطيبي، وقال في البحر: أتبع القسم بقوله تعالى: عالِمِ الْغَيْبِ وما بعده ليعلم أن إتيانها من الغيب الذي تفرد به عزّ وجلّ، وما ذكر أولا أبعد مغزى، وفائدة الأمر بهذه المرتبة من اليمين أن لا يبقى للمعاندين عذر ما أصلا فإنهم كانوا يعرفون أمانته صلّى الله عليه وسلم ونزاهته عن وصمة الكذب فضلا عن اليمين الفاجرة وإنما لم يصدقوه عليه الصلاة والسلام مكابرة، وغفل صاحب الفرائد عن هذه الفائدة فقال: اقتضى المقام اليمين لأن من أنكر ما قيل له فالذي وجب بعد ذلك إذا أريد إعادة القول له أن يكون مقترنا باليمين وإلا كان خطأ بالنظر إلى علم المعاني وإن كان صحيحا بالنظر إلى العربية والنحو وقد يغفل الأريب.
وقرأ نافع وابن عامر ورويس وسلام والجحدري وقعنب «عالم» بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو عالم، وجوز الحوفي أن يكون مبتدأ خبره محذوف أي عالم الغيب هو، وجوز هو وأبو البقاء أن يكون مبتدأ والجملة بعده خبره.
وقرأ ابن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي «علام» بصيغة المبالغة والخفض، وقرىء «عالم» بالرفع يكون بلا
280
مبالغة «الغيوب» بالجمع لا يَعْزُبُ عَنْهُ أي لا يبعد ومنه روض عزيب بعيد من الناس.
وقرأ الكسائي بكسر الزاي مِثْقالُ ذَرَّةٍ مقدار أصغر نملة فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ أي كائنة فيهما وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ أي مثقال ذرة وَلا أَكْبَرُ أي منه، والكلام على حد لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً ورفعهما على الابتداء والخبر قوله تعالى: إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ هو اللوح المحفوظ عند الأكثرين.
والجملة مؤكدة لنفي العزوب، وقرأ الأعمش وقتادة وأبو عمرو ونافع في رواية عنهما وَلا أَصْغَرُ وَلا أَكْبَرُ بالنصب على أن لا لنفي الجنس عاملة عمل إن وما بعدها اسمها منصوب بها لأنه شبيه بالمضاف ولم ينون للوصف ووزن الفعل فليس ذلك نحو لا مانع لما أعطيت، والخبر هو الخبر على قراءة الجمهور، وقال أبو حيان:
لا لنفي الجنس وهي وما بني معها مبتدأ على مذهب سيبويه والخبر إِلَّا فِي كِتابٍ وما ذكرناه في توجيه القراءتين هو الذي ذهب إليه كثير من الأجلة، وقيل: إن ذلك معطوف في قراءة الرفع على مِثْقالُ وفي القراءة الأخرى على ذَرَّةٍ والفتحة فيه نيابة عن الكسرة للوصف والوزن وإليه ذهب أبو البقاء واستشكل بأنه يصير المعنى عليه إذا كان الاستثناء متصلا كما هو الأصل لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين فإنه يعزب عنه فيه، وفساده ظاهر، والتزم السراج البلقيني على تقدير العطف المذكور أن يكون الاستثناء من محذوف والتقدير ولا شيء إلا في كتاب ثم قال: ولا بدع في حذف ما قدر لدلالة الكلام عليه، ويحصل من مجموع ذلك إثبات العلم لله تعالى بكل معلوم وأن كل شيء مكتوب في الكتاب، وقيل العطف على ما ذكر والاستثناء منقطع والمعنى لا يعزب عنه تعالى شيء من ذلك لكن هو في كتاب، وقيل العطف على ذلك والكلام نهج قوله:
فالمعنى إن كان يعزب عنه شيء فهو الذي في كتاب مبين لكن الذي في الكتاب لا يعزب عنه فلا يعزب عنه شيء، وفيه من البعد ما فيه، وقيل: إن المراد بقوله تعالى: لا يَعْزُبُ إلخ أنه تعالى عالم به والمراد بقوله سبحانه:
إِلَّا فِي كِتابٍ نحو ذلك لأن الكتاب هو علم الله تعالى، والمعنى وما يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء إلا يعلمه ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في علمه فيكون نظير قوله: وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ [الأنعام: ٥٩] وفيه أنه أبعد مما قبله، وقيل: يعزب بمعنى يظهر ويذهب والعطف على ما سمعت، والمعنى لم يظهر شيء عن الله تعالى بعد خلقه له ألا وهو مكتوب في اللوح المحفوظ، وتلخيصه كل مخلوق مكتوب، وفيه أن هذا المعنى ليعزب غير معروف وإنما المعروف ما تقدم، نعم قال الصغاني في العباب قال: أبو سعيد الضرير يقال ليس لفلان امرأة تعزبه أي تذهب عزبته بالنكاح مثل قولك تمرضه أي تقوم عليه في مرضه ثم قال الصغاني: والتركيب يدل على تباعد وتنح فتفسيره بالظهور بعيد ولئن سلمنا قربه فلأي شيء جمع بين الظهور والذهاب، وقيل إلا بمعنى الواو وهو مقدر في الكلام والكلام قد تم عند أَكْبَرُ كأنه قيل: لا يعزب عنه ذلك وهو في كتاب، ومجيء إلا بمعنى الواو ذهب إليه الأخفش من البصريين والفراء من الكوفيين.
وخرج عليه قوم: يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ [النجم: ٣٢] وخالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ [هود: ١٠٧] وقد حكي هذا القول مكي في نظير الآية ثم قال: وهو قول حسن لولا أن جميع البصريين لا يعرفون إلا بمعنى الواو كأنه لم يقف على قول الأخفش وهو من رؤساء نحاة البصرة أو لم يعتبره فلذا قال جميع البصريين، وقد كثر الكلام في هذا الوجه وارتضاه السراج البلقيني وأنا لا أراه مرضيا وإن أوقد
وقرأ الكسائي بكسر الزاي مِثْقالُ ذَرَّةٍ مقدار أصغر نملة فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ أي كائنة فيهما وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ أي مثقال ذرة وَلا أَكْبَرُ أي منه، والكلام على حد لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً ورفعهما على الابتداء والخبر قوله تعالى: إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ هو اللوح المحفوظ عند الأكثرين.
والجملة مؤكدة لنفي العزوب، وقرأ الأعمش وقتادة وأبو عمرو ونافع في رواية عنهما وَلا أَصْغَرُ وَلا أَكْبَرُ بالنصب على أن لا لنفي الجنس عاملة عمل إن وما بعدها اسمها منصوب بها لأنه شبيه بالمضاف ولم ينون للوصف ووزن الفعل فليس ذلك نحو لا مانع لما أعطيت، والخبر هو الخبر على قراءة الجمهور، وقال أبو حيان:
لا لنفي الجنس وهي وما بني معها مبتدأ على مذهب سيبويه والخبر إِلَّا فِي كِتابٍ وما ذكرناه في توجيه القراءتين هو الذي ذهب إليه كثير من الأجلة، وقيل: إن ذلك معطوف في قراءة الرفع على مِثْقالُ وفي القراءة الأخرى على ذَرَّةٍ والفتحة فيه نيابة عن الكسرة للوصف والوزن وإليه ذهب أبو البقاء واستشكل بأنه يصير المعنى عليه إذا كان الاستثناء متصلا كما هو الأصل لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين فإنه يعزب عنه فيه، وفساده ظاهر، والتزم السراج البلقيني على تقدير العطف المذكور أن يكون الاستثناء من محذوف والتقدير ولا شيء إلا في كتاب ثم قال: ولا بدع في حذف ما قدر لدلالة الكلام عليه، ويحصل من مجموع ذلك إثبات العلم لله تعالى بكل معلوم وأن كل شيء مكتوب في الكتاب، وقيل العطف على ما ذكر والاستثناء منقطع والمعنى لا يعزب عنه تعالى شيء من ذلك لكن هو في كتاب، وقيل العطف على ذلك والكلام نهج قوله:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم | بهن فلول من قراع الكتائب |
إِلَّا فِي كِتابٍ نحو ذلك لأن الكتاب هو علم الله تعالى، والمعنى وما يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء إلا يعلمه ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في علمه فيكون نظير قوله: وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ [الأنعام: ٥٩] وفيه أنه أبعد مما قبله، وقيل: يعزب بمعنى يظهر ويذهب والعطف على ما سمعت، والمعنى لم يظهر شيء عن الله تعالى بعد خلقه له ألا وهو مكتوب في اللوح المحفوظ، وتلخيصه كل مخلوق مكتوب، وفيه أن هذا المعنى ليعزب غير معروف وإنما المعروف ما تقدم، نعم قال الصغاني في العباب قال: أبو سعيد الضرير يقال ليس لفلان امرأة تعزبه أي تذهب عزبته بالنكاح مثل قولك تمرضه أي تقوم عليه في مرضه ثم قال الصغاني: والتركيب يدل على تباعد وتنح فتفسيره بالظهور بعيد ولئن سلمنا قربه فلأي شيء جمع بين الظهور والذهاب، وقيل إلا بمعنى الواو وهو مقدر في الكلام والكلام قد تم عند أَكْبَرُ كأنه قيل: لا يعزب عنه ذلك وهو في كتاب، ومجيء إلا بمعنى الواو ذهب إليه الأخفش من البصريين والفراء من الكوفيين.
وخرج عليه قوم: يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ [النجم: ٣٢] وخالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ [هود: ١٠٧] وقد حكي هذا القول مكي في نظير الآية ثم قال: وهو قول حسن لولا أن جميع البصريين لا يعرفون إلا بمعنى الواو كأنه لم يقف على قول الأخفش وهو من رؤساء نحاة البصرة أو لم يعتبره فلذا قال جميع البصريين، وقد كثر الكلام في هذا الوجه وارتضاه السراج البلقيني وأنا لا أراه مرضيا وإن أوقد
281
له ألف سراج، وقيل العطف على ما سمعت وضمير عَنْهُ للغيب فلا إشكال إذ المعنى حينئذ لا يبعد عن غيبه شيء إلا ما كان في اللوح لبروزه من الغيب إلى الشهادة واطلاع الملأ الأعلى عليه. وتعقب بأن المعنى لا يساعده لأن الأمر الغيبي إذا برز إلى الشهادة لم يعزب عنه بل بقي في الغيب على ما كان عليه مع بروزه، ومعناه أن كونه في اللوح المحفوظ كناية عن كونه من جملة معلوماته تعالى وهي إما مغيبة وإما ظاهرة وكل مغيب سيظهر وإلا كان معدوما لا مغيبا وظهوره وقت ظهوره لا يرفع كونه مغيبا فلا يكون استثناء متصلا، ألا ترى أنك لو قلت علم الساعة مغيب عن الناس إلا علمهم بها حين تقوم ويشاهدونها لم يكن هذا الاستثناء متصلا كذا قيل فتأمل ولا تغفل.
وأنت تعلم أن هذا الوجه على فرض عدم ورود ما ذكر عليه ضعيف لأن الظاهر الذي يقتضيه قوله تعالى: وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ الآية رجوع الضمير إلى الله عزّ وجلّ.
والذي ذهب إليه أبو حيان أن الكتاب ليس هو اللوح وليس الكلام إلا كناية عن ضبط الشيء والتحفظ به وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ بكسر الراءين.
وخرج علي أنه نوى مضاف إليه والتقدير ولا أصغره ولا أكبره، ومِنْ ذلِكَ ليس متعلقا بأفعل بل هو تبيين لأنه لما حذف المضاف إليه أبهم لفظا فبين بقوله تعالى من ذلك أي أعني من ذلك، ولا يخفى أنه توجيه شذوذ.
لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ متعلق بقوله سبحانه: لَتَأْتِيَنَّكُمْ على أنه علة له وبيان لمقتضى إتيانها فهو من تتمة المقسم عليه، فحاصل الكلام أن الحكمة تقتضي إثباتها والعلم البالغ المحيط بالغيب وجميع الجزئيات جليها وخفيها حاصل والقدرة المقتضية لإيجاد العالم وما فيه وجعله نعمة على ما مر فقد تم المقتضى وارتفع المانع فليس في الآية اكتفاء في الرد بمجرد اليمين، واستظهر في البحر تعلقه بلا يعزب.
وذهب إليه أبو البقاء وتعقب بأن علمه تعالى ليس لأجل الجزاء، وقيل متعلق بمتعلق فِي كِتابٍ وهو كما ترى.
أُولئِكَ إشارة إلى الموصول من حيث اتصافه بما في حيز الصلة، وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلتهم في الفضل والشرف أي أولئك الموصوفون بالإيمان وعمل الأعمال الصالحات لَهُمْ بسبب ذلك مَغْفِرَةٌ لما فرط منهم من بعض فرطات قلما يخلو عنها البشر وَرِزْقٌ كَرِيمٌ حسن لا تعب فيه ولا من عليه وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا بالقدح فيها وصيد الناس عن التصديق بها مُعاجِزِينَ أي مسابقين يحسبون أنهم يفوتوننا قاله قتادة، وقال عكرمة: مراغمين، وقال ابن زيد: مجاهدين في إبطالها.
وقرأ جمع «معجزين» مخففا، وابن كثير وأبو عمرو والجحدري وأبو السمال مثقلا، قال ابن الزبير: أي مثبطين عن الإيمان من أراده مدخلين عليه العجز في نشاطه، وقيل معجزين قدرة الله عزّ وجلّ في زعمهم.
أُولئِكَ الموصوفون بما ذكر وفيه إشارة إلى بعد منزلتهم في الشر لَهُمْ بسبب ذلك عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أي من سيء العذاب وأشده، ومن للبيان أَلِيمٌ بالرفع صفة عَذابٌ وقرأ أكثر السبعة بالجر على أنه صفة مؤكدة لرجز بناء على ما سمعت من معناه، وجعله بعضهم صفة مؤسسة له بناء على أن الرجز كما روي عن قتادة مطلق العذاب وجوز جعله صفة عَذابٌ أيضا والجر للمجاورة، والظاهر أن الموصول مبتدأ والخبر جملة أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ وجوز أن يكون في محل نصب عطفا على الموصول قبله أي ويجزي الذين سعوا وجملة أُولئِكَ لَهُمْ إلخ التي بعده مستأنفة والتي قبله معترضة. وفي البحر يحتمل على تقدير العطف على الموصول أن تكون الجملتان
وأنت تعلم أن هذا الوجه على فرض عدم ورود ما ذكر عليه ضعيف لأن الظاهر الذي يقتضيه قوله تعالى: وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ الآية رجوع الضمير إلى الله عزّ وجلّ.
والذي ذهب إليه أبو حيان أن الكتاب ليس هو اللوح وليس الكلام إلا كناية عن ضبط الشيء والتحفظ به وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ بكسر الراءين.
وخرج علي أنه نوى مضاف إليه والتقدير ولا أصغره ولا أكبره، ومِنْ ذلِكَ ليس متعلقا بأفعل بل هو تبيين لأنه لما حذف المضاف إليه أبهم لفظا فبين بقوله تعالى من ذلك أي أعني من ذلك، ولا يخفى أنه توجيه شذوذ.
لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ متعلق بقوله سبحانه: لَتَأْتِيَنَّكُمْ على أنه علة له وبيان لمقتضى إتيانها فهو من تتمة المقسم عليه، فحاصل الكلام أن الحكمة تقتضي إثباتها والعلم البالغ المحيط بالغيب وجميع الجزئيات جليها وخفيها حاصل والقدرة المقتضية لإيجاد العالم وما فيه وجعله نعمة على ما مر فقد تم المقتضى وارتفع المانع فليس في الآية اكتفاء في الرد بمجرد اليمين، واستظهر في البحر تعلقه بلا يعزب.
وذهب إليه أبو البقاء وتعقب بأن علمه تعالى ليس لأجل الجزاء، وقيل متعلق بمتعلق فِي كِتابٍ وهو كما ترى.
أُولئِكَ إشارة إلى الموصول من حيث اتصافه بما في حيز الصلة، وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلتهم في الفضل والشرف أي أولئك الموصوفون بالإيمان وعمل الأعمال الصالحات لَهُمْ بسبب ذلك مَغْفِرَةٌ لما فرط منهم من بعض فرطات قلما يخلو عنها البشر وَرِزْقٌ كَرِيمٌ حسن لا تعب فيه ولا من عليه وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا بالقدح فيها وصيد الناس عن التصديق بها مُعاجِزِينَ أي مسابقين يحسبون أنهم يفوتوننا قاله قتادة، وقال عكرمة: مراغمين، وقال ابن زيد: مجاهدين في إبطالها.
وقرأ جمع «معجزين» مخففا، وابن كثير وأبو عمرو والجحدري وأبو السمال مثقلا، قال ابن الزبير: أي مثبطين عن الإيمان من أراده مدخلين عليه العجز في نشاطه، وقيل معجزين قدرة الله عزّ وجلّ في زعمهم.
أُولئِكَ الموصوفون بما ذكر وفيه إشارة إلى بعد منزلتهم في الشر لَهُمْ بسبب ذلك عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أي من سيء العذاب وأشده، ومن للبيان أَلِيمٌ بالرفع صفة عَذابٌ وقرأ أكثر السبعة بالجر على أنه صفة مؤكدة لرجز بناء على ما سمعت من معناه، وجعله بعضهم صفة مؤسسة له بناء على أن الرجز كما روي عن قتادة مطلق العذاب وجوز جعله صفة عَذابٌ أيضا والجر للمجاورة، والظاهر أن الموصول مبتدأ والخبر جملة أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ وجوز أن يكون في محل نصب عطفا على الموصول قبله أي ويجزي الذين سعوا وجملة أُولئِكَ لَهُمْ إلخ التي بعده مستأنفة والتي قبله معترضة. وفي البحر يحتمل على تقدير العطف على الموصول أن تكون الجملتان
282
المصدرتان بأولئك هما نفس الثواب والعقاب، ويحتمل أن يكونا مستأنفين والثواب والعقاب غير ما تضمنتا مما هو أعظم كرضا الله تعالى عن المؤمن دائما وسخطه على الكافر دائما، وفيه أنه كيف يتأتى حمل ذلك على رضا الله تعالى وضده وقد صرح أولا بالمغفرة والرزق الكريم وفي مقابله بالعذاب الأليم وجعل الأول جزاء.
وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أي ويعلم أولو العلم من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومن يطأ أعقابهم من أمته عليه الصلاة والسلام أو من آمن من علماء أهل الكتاب كما روى عن قتادة كعبد الله بن سلام وكعب وأضرابهما رضي الله تعالى عنهم الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ أي القرآن هُوَ الْحَقَّ بالنصب على أنه مفعول ثان ليرى والمفعول الأول هو الموصول الثاني وهُوَ ضمير الفصل.
وقرأ ابن أبي عبلة بالرفع على جعل الضمير مبتدأ وجعله خبرا والجملة في موضع المفعول الثاني ليرى وهي لغة تميم يجعلون ما هو فصل عند غيرهم مبتدأ، وقوله تعالى: وَيَرَى إلخ ابتداء كلام غير معطوف على ما قبله مسوق للاستشهاد بأولي العلم على الجهلة الساعين في الآيات. وفي الكشف هو عطف على قوله تعالى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ على معنى وقال الجهلة: لا ساعة وعلم أولى العلم أنه الحق الذي نطق به المنزل إليك الحق. وتعقب بأنه تكلف بعيد فإن دلالة النظم الكريم على الاهتمام بشأن القرآن لا غير، وقيل عليه: أنت خبير بأن ما قبله من قوله تعالى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ وقوله سبحانه: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ إلخ في شأن الساعة ومنكري الحشر فكيف يكون ما ذكر بعيدا بسلامة الأمير فذكر حقية القرآن بطريق الاستطراد والمقصود بالذات حقية ما نطق به من أمر الساعة، وقال الطبري والثعلبي: إن يَرَى منصوب بفتحة مقدرة عطفا على يجزي أي وليعلم أولو العلم عند مجيء الساعة معاينة أنه الحق حسبما علموه قبل برهانا ويحتجوا به على المكذبين وعليه فقوله تعالى: وَالَّذِينَ سَعَوْا معطوف على الموصول الأول أو مبتدأ والجملة معترضة فلا يضر الفصل كما توهم، وجوز أن يراد بأولى العلم من لم يؤمن من الأحبار أي ليعلموا يومئذ أنه هو الحق فيزدادوا حسرة وغما. وتعقب بأن وصفهم بأولى العلم يأباه لأنه صفة مادحة ولعل المجوز لا يسلم هذا، نعم كون ذلك بعيدا لا ينكر لا سيما وظاهر المقابلة بقوله تعالى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا يقتضي الحمل على المؤمنين وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الذي يقهر ولا يقهر الْحَمِيدِ المحمود في جميع شؤونه عزّ وجلّ، والمراد بصراطه تعالى التوحيد والتقوى، وفاعل يهدي إما ضمير الَّذِي أُنْزِلَ أو ضمير الله تعالى ففي الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ التفات، والجملة على الأول إما مستأنفة أو في موضع الحال من الَّذِي على إضمار مبتدأ أي وهو يهدي كما في قوله:
نجوت وأرهنهم مالكا أو معطوفة على الْحَقَّ بتقدير وإنه يهدي وجوز أن يكون يهدي معطوفا على الْحَقَّ عطف الفعل على الاسم لأنه في تأويله كما في قوله تعالى: صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ [الملك: ١٩] أي قابضات وبعكسه قوله:
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هم كفار قريش قالوا مخاطبا بعضهم لبعض على جهة التعجب والاستهزاء هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يعنون به النبي صلّى الله عليه وسلم والتعبير عنه عليه الصلاة والسلام بذلك من باب التجاهل كأنهم لم يعرفوا منه صلّى الله عليه وسلم إلا أنه رجل وهو عليه الصلاة والسلام عندهم أظهر من الشمس:
وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أي ويعلم أولو العلم من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومن يطأ أعقابهم من أمته عليه الصلاة والسلام أو من آمن من علماء أهل الكتاب كما روى عن قتادة كعبد الله بن سلام وكعب وأضرابهما رضي الله تعالى عنهم الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ أي القرآن هُوَ الْحَقَّ بالنصب على أنه مفعول ثان ليرى والمفعول الأول هو الموصول الثاني وهُوَ ضمير الفصل.
وقرأ ابن أبي عبلة بالرفع على جعل الضمير مبتدأ وجعله خبرا والجملة في موضع المفعول الثاني ليرى وهي لغة تميم يجعلون ما هو فصل عند غيرهم مبتدأ، وقوله تعالى: وَيَرَى إلخ ابتداء كلام غير معطوف على ما قبله مسوق للاستشهاد بأولي العلم على الجهلة الساعين في الآيات. وفي الكشف هو عطف على قوله تعالى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ على معنى وقال الجهلة: لا ساعة وعلم أولى العلم أنه الحق الذي نطق به المنزل إليك الحق. وتعقب بأنه تكلف بعيد فإن دلالة النظم الكريم على الاهتمام بشأن القرآن لا غير، وقيل عليه: أنت خبير بأن ما قبله من قوله تعالى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ وقوله سبحانه: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ إلخ في شأن الساعة ومنكري الحشر فكيف يكون ما ذكر بعيدا بسلامة الأمير فذكر حقية القرآن بطريق الاستطراد والمقصود بالذات حقية ما نطق به من أمر الساعة، وقال الطبري والثعلبي: إن يَرَى منصوب بفتحة مقدرة عطفا على يجزي أي وليعلم أولو العلم عند مجيء الساعة معاينة أنه الحق حسبما علموه قبل برهانا ويحتجوا به على المكذبين وعليه فقوله تعالى: وَالَّذِينَ سَعَوْا معطوف على الموصول الأول أو مبتدأ والجملة معترضة فلا يضر الفصل كما توهم، وجوز أن يراد بأولى العلم من لم يؤمن من الأحبار أي ليعلموا يومئذ أنه هو الحق فيزدادوا حسرة وغما. وتعقب بأن وصفهم بأولى العلم يأباه لأنه صفة مادحة ولعل المجوز لا يسلم هذا، نعم كون ذلك بعيدا لا ينكر لا سيما وظاهر المقابلة بقوله تعالى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا يقتضي الحمل على المؤمنين وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الذي يقهر ولا يقهر الْحَمِيدِ المحمود في جميع شؤونه عزّ وجلّ، والمراد بصراطه تعالى التوحيد والتقوى، وفاعل يهدي إما ضمير الَّذِي أُنْزِلَ أو ضمير الله تعالى ففي الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ التفات، والجملة على الأول إما مستأنفة أو في موضع الحال من الَّذِي على إضمار مبتدأ أي وهو يهدي كما في قوله:
نجوت وأرهنهم مالكا أو معطوفة على الْحَقَّ بتقدير وإنه يهدي وجوز أن يكون يهدي معطوفا على الْحَقَّ عطف الفعل على الاسم لأنه في تأويله كما في قوله تعالى: صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ [الملك: ١٩] أي قابضات وبعكسه قوله:
وألفيته يوما يبير عدوه | وبحر عطاء يستحق المعابرا |
وليس قولك من هذا بضائره | العرب تعرف من أنكرت والعجم |
حذار فقد نبئت أنك للذي | ستجزى بما تسعى فتسعد أو تشقى |
وقال الزجاج: إذا في موضع النصب بمزقتم وهي بمنزلة من الشرطية يعمل فيها الذي يليها، وقال السجاوندي:
العامل محذوف وما بعدها إنما يعمل فيها إذا كان مجزوما بها وهو مخصوص بالضرورة نحو. وإذا تصبك خصاصة فتجمل. فلا يخرج عليه القرآن فإذا لم تجزم كانت مضافة إلى ما بعدها والمضاف إليه لا يعمل في المضاف.
وقال أبو حيان: الصحيح أن العامل فيها فعل الشرط كسائر أدوات الشرط، وتمام الكلام على ذلك في كتب النحو، وممزق مصدر جاء على زنة اسم المفعول كمسرح في قوله:
ألم تعلم مسرّحي القوافي | فلا عيّا بهن ولا اجتلابا |
إذا كنت مأكولا فكن خير آكل | وإلا فأدركني ولما أمزق |
وجوز أن يكون اسم مكان فنصب كل على الظرفية لأن لها حكم ما تضاف إليه أي إذا فرقت أجسادكم في كل مكان من القبور وبطون الطير والسباع وما ذهبت به السيول كل مذهب وما نسفته الرياح فطرحته كل مطرح، وجَدِيدٍ فعيل بمعنى فاعل عند البصريين من جد الشيء إذا صار جديدا وبمعنى مفعول عند الكوفيين من جده إذا قطعه ثم شاع في كل جديد وإن لم يكن مقطوعا كالبناء، والسبب في الخلاف أنهم رأوا العرب لا يؤنثونه ويقولون ملحفة جديد لا جديدة فذهب الكوفيون إلى أنه بمعنى مفعول والبصريون إلى خلافه وقالوا ترك التأنيث لتأويله بشيء جديد أو لحمله على فعيل بمعنى مفعول كذا قيل: أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فيما ينسب إليه من أمر البعث أَمْ بِهِ جِنَّةٌ أي جنون يوهمه ذلك ويلقيه على لسانه، واستدل به أبو عمرو الجاحظ على ما ذهب إليه من أن صدق الخبر مطابقته للواقع مع الاعتقاد وكذبه عدمها معه وغيرهما ليس بصدق ولا كذب، وذلك أن الكفار وهم عقلاء من أهل اللسان عارفون باللغة حصروا أخبار النبي صلّى الله عليه وسلم بالبعث في الافتراء والأخبار حال الجنة على سبيل منع الخلو بالمعنى الأعم ولا شك أن المراد بالثاني غير الكذب لأنه قسيمه وغير الصدق لأنهم اعتقدوا عدمه، وأيضا لا دلالة لقولهم: أَمْ بِهِ جِنَّةٌ على معنى أم صدق بوجه من الوجوه فيجب أن يكون بعض الخبر ما ليس بصادق ولا كاذب ليكون ذلك منه بزعمهم وإن كان صادقا في نفس الأمر، وتوضيحه أن ظاهر كلامهم هذا يدل على طلب تعيين أحد حالي النبي
284
صلّى الله عليه وسلم المستويين في اعتقاد المتكلم حين الإخبار بالبعث وهو يستلزم تعيين أحد حالي الخبر والاستفهام هاهنا للتقرير فيفيد ثبوت أحد الحالين للخبر ولا شك أن ثبوت أحدهما لا يثبت الواسطة ما لم يعتبر تنافيهما وكذا تنافيهما في الجمع لا يثبتها بل لا بدّ من تنافيهما في الارتفاع يعني أن خبره عليه الصلاة والسلام بالبعث لا يخلو عن أحد الأمرين المتنافيين فيكون المراد بالثاني ما هو مناف وقسيم للأول ومعلوم أنه غير الصدق فليس الصدق عبارة عن مطابقة الواقع فقط والكذب عن عدم المطابقة له كما يقول الجمهور أو عن مطابقة الاعتقاد له وعدم مطابقته له كما يقول النظام فيكونان عبارتين عن مطابقتهما وعدم مطابقتهما وتثبت الواسطة. وأجيب بأن معنى أَمْ بِهِ جِنَّةٌ أم لم يفتر فعبر عن عدم الافتراء بالجنة لأن المجنون يلزمه أن لا افتراء له كما دل عليه نقل الأئمة واستعمال العرب الكذب عن عمد ولا عمد للمجنون فالثاني ليس قسيما للكذب بل لما هو أخص منه أعني الافتراء فيكون ذلك حصرا للخبر الكاذب بزعمهم في نوعيه الكذب عن عمد والكذب لا عن عمد ولو سلم أن الافتراء بمعنى الكذب مطلقا فالمعنى أقصد الافتراء أي الكذب أم لم يقصد بل كذب بلا قصد لما به من الجنة.
وقيل: المعنى افترى أم لم يفتر بل به جنون وكلام المجنون ليس بخبر لأنه لا قصد له يعتد به ولا شعور فيكون مرادهم حصره في كونه خبرا كاذبا أو ليس بخبر فلا يثبت خبر لا يكون صادقا ولا كاذبا، ونوقش فيه كما لا يخفى على من راجع كتب المعاني. بقي هاهنا بحث وهو أن الطيبي أشار إلى أن مبنى الاستدلال كون أَمْ متصلة واعترضه بأن الظاهر كونها منقطعة أما لفظا فلاختلاف مدخول الهمزة وأم وأما معنى فلأن الكفرة المعاندين لما أخرجوا قولهم هل ندلكم على رجل ينبئكم مخرج الظن والسخرية متجاهلين برسول الله صلّى الله عليه وسلم وبكلامه من إثبات الحشر والنشر وعقبوه بقولهم أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أضربوا عنه إلى ما هو أبلغ منه ترقيا من الأهون إلى الأغلظ من نسبة الجنون إليه وحاشاه صلّى الله عليه وسلم فكأنهم قالوا: دعوا حديث الافتراء فإن هاهنا ما هو أطعم منه لأن العاقل كيف يحدث بإنشاء خلق جديد بعد الرفات والتراب، ولما كان التعويل على ما بعد الاضراب من إثبات الجنون أوقع الاضراب الثاني في كلامه تعالى ردا لقولهم ونفيا للجنون عنه صلوات الله تعالى وسلامه عليه وإثباتا له فيهم إلى آخر ما قال، ولم يرتض ذلك صاحب الكشف فقال في كلام الكشاف إشارة إلى أن أم متصلة: وفائدة العدول عن الفعل في جن إيماء إلى أن الثابت هو ذلك الشق كأنه قيل: أعن افتراء هذا الكذب العجاب أم جنون، والتقابل لأن المجنون لا افتراء له فالاستدلال على الانقطاع بتخالف العديلين ساقط، وأما الترقي من الاتصال أيضا على ما لوح إليه بوجه الطف اهـ.
وأنت تعلم أن ظاهر الاستدلال يقتضي الاتصال لكن قال الخفاجي: إن كون الاستدلال مبنيا على الاتصال غير مسلم فتأمل، والظاهر أفترى على الله كذبا أم به جنة من قول بعضهم لبعض. وفي البحر يحتمل أن يكون من كلام السامع المجيب لمن قال هل ندلكم ردد بين شيئين ولم يجزم بأحدهما لما في كل من الفظاعة.
بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ إبطال من جهته تعالى لما قالوا بقسيميه وإثبات ما هو أشد وأفظع لهم ولذا وضع الذين لا يؤمنون موضع الضمير توبيخا لهم وإيماء إلى سبب الحكم بما بعده كأنه قيل:
ليس الأمر كما زعموا بل هم في كمال اختلال العقل وغاية الضلال عن الفهم والإدراك الذي هو الجنون حقيقة وفيما يؤدي إليه ذلك من العذاب حيث أنكروا حكمة الله تعالى في خلق العالم وكذبوه عزّ وجلّ في وعده ووعيده وتعرضوا لسخطه سبحانه. وتقديم العذاب على ما يوجبه ويستتبعه للمسارعة إلى بيان ما يسوءهم ويفت في أعضادهم والأشعار بغاية سرعة ترتبه عليه كأنه يسابقه فيسبقه، ووصف الضلال بالبعيد الذي هو وصف الضال للمبالغة لأن ضلالهم إذا كان بعيدا في نفسه فكيف بهم أنفسهم.
وقوله تعالى: أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ
وقيل: المعنى افترى أم لم يفتر بل به جنون وكلام المجنون ليس بخبر لأنه لا قصد له يعتد به ولا شعور فيكون مرادهم حصره في كونه خبرا كاذبا أو ليس بخبر فلا يثبت خبر لا يكون صادقا ولا كاذبا، ونوقش فيه كما لا يخفى على من راجع كتب المعاني. بقي هاهنا بحث وهو أن الطيبي أشار إلى أن مبنى الاستدلال كون أَمْ متصلة واعترضه بأن الظاهر كونها منقطعة أما لفظا فلاختلاف مدخول الهمزة وأم وأما معنى فلأن الكفرة المعاندين لما أخرجوا قولهم هل ندلكم على رجل ينبئكم مخرج الظن والسخرية متجاهلين برسول الله صلّى الله عليه وسلم وبكلامه من إثبات الحشر والنشر وعقبوه بقولهم أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أضربوا عنه إلى ما هو أبلغ منه ترقيا من الأهون إلى الأغلظ من نسبة الجنون إليه وحاشاه صلّى الله عليه وسلم فكأنهم قالوا: دعوا حديث الافتراء فإن هاهنا ما هو أطعم منه لأن العاقل كيف يحدث بإنشاء خلق جديد بعد الرفات والتراب، ولما كان التعويل على ما بعد الاضراب من إثبات الجنون أوقع الاضراب الثاني في كلامه تعالى ردا لقولهم ونفيا للجنون عنه صلوات الله تعالى وسلامه عليه وإثباتا له فيهم إلى آخر ما قال، ولم يرتض ذلك صاحب الكشف فقال في كلام الكشاف إشارة إلى أن أم متصلة: وفائدة العدول عن الفعل في جن إيماء إلى أن الثابت هو ذلك الشق كأنه قيل: أعن افتراء هذا الكذب العجاب أم جنون، والتقابل لأن المجنون لا افتراء له فالاستدلال على الانقطاع بتخالف العديلين ساقط، وأما الترقي من الاتصال أيضا على ما لوح إليه بوجه الطف اهـ.
وأنت تعلم أن ظاهر الاستدلال يقتضي الاتصال لكن قال الخفاجي: إن كون الاستدلال مبنيا على الاتصال غير مسلم فتأمل، والظاهر أفترى على الله كذبا أم به جنة من قول بعضهم لبعض. وفي البحر يحتمل أن يكون من كلام السامع المجيب لمن قال هل ندلكم ردد بين شيئين ولم يجزم بأحدهما لما في كل من الفظاعة.
بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ إبطال من جهته تعالى لما قالوا بقسيميه وإثبات ما هو أشد وأفظع لهم ولذا وضع الذين لا يؤمنون موضع الضمير توبيخا لهم وإيماء إلى سبب الحكم بما بعده كأنه قيل:
ليس الأمر كما زعموا بل هم في كمال اختلال العقل وغاية الضلال عن الفهم والإدراك الذي هو الجنون حقيقة وفيما يؤدي إليه ذلك من العذاب حيث أنكروا حكمة الله تعالى في خلق العالم وكذبوه عزّ وجلّ في وعده ووعيده وتعرضوا لسخطه سبحانه. وتقديم العذاب على ما يوجبه ويستتبعه للمسارعة إلى بيان ما يسوءهم ويفت في أعضادهم والأشعار بغاية سرعة ترتبه عليه كأنه يسابقه فيسبقه، ووصف الضلال بالبعيد الذي هو وصف الضال للمبالغة لأن ضلالهم إذا كان بعيدا في نفسه فكيف بهم أنفسهم.
وقوله تعالى: أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ
285
قيل: هو استئناف مسوق لتذكيرهم بما يعاينون مما يدل على كمال قدرته عزّ وجلّ وتنبيههم على ما يحتمل أن يقع من الأمور الهائلة في ذلك إزاحة لاستحالتهم الإحياء حتى قالوا ما قالوا فيمن أخبرهم به وتهديدا على ما اجترءوا عليه، والمعنى أعموا فلم ينظروا إلى ما أحاط بجوانبهم من السماء والأرض ولم يتفكروا أنهم أشد خلقا أم هي وأنا إن نشأ نخسف بهم الأرض كما خسفناها بقارون أو نسقط عليهم كسفا أي قطعا من السماء كما أسقطنا على أصحاب الأيكة لتكذيبهم بالآيات بعد ظهور البينات وهو تفسير ملائم للمقام إلا أن ربط قوله تعالى إن نشأ إلخ بما قبله بالطريق الذي ذكره بعيد. وفي البحر أنه تعالى وقفهم في ذلك على قدرته الباهرة وحذرهم إحاطة السماء والأرض بهم وكأن ثم حالا محذوفة أي أفلا يرون إلى ما يحيط بهم من سماء وأرض مقهورا تحت قدرتنا نتصرف فيه كما نريد إن نشأ نخسف بهم الأرض إلخ أو فلم ينظروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم محيطا بهم وهم مقهورون فيما بينه إن نشأ إلخ ولا يخلو عن شيء، وقال العلامة أبو السعود: إن قوله تعالى: أَفَلَمْ يَرَوْا إلخ استئناف مسوق لتهويل ما اجترءوا عليه من تكذيب آيات الله تعالى واستعظام ما قالوا في حقه عليه الصلاة والسلام وأنه من العظائم الموجبة لنزول أشد العقاب وحلول أفظع العذاب من غير ريث وتأخير، وقوله تعالى: إِنْ نَشَأْ إلخ بيان لما ينبىء عنه ذكر إحاطتهما بهم من المحذور المتوقع من جهتهما وفيه تنبيه على أنه لم يبق من أسباب وقوعه إلا تعلق المشيئة به أي فعلوا ما فعلوا من المنكر الهائل المستتبع للعقوبة فلم ينظروا إلى ما أحاط بهم من جميع جوانبهم بحيث لا مفر لهم عنه ولا محيص إن نشأ جريا على موجب جناياتهم نخسف إلخ، ولا يخفى أن فيه بعدا وضعف ربط بالنسبة إلى ما سمعت أولا مع أن ما بعد ليس فيه كثير ملائمة لما قبله عليه، ويخطر لي أن قوله تعالى: أَفَلَمْ يَرَوْا مسوق لتذكيرهم بأظهر شيء لهم بحيث إنهم يعاينونه أينما التفتوا ولا يغيب عن أبصارهم حيثما ذهبوا يدل على كمال قدرته عزّ وجلّ إزاحة لما دعاهم إلى ذلك الاستهزاء والوقيعة بسيد الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام من زعمهم قصور قدرته تعالى عن البعث والإحياء ضرورة أن من قدر على خلق تلك الاجرام العظام لا يعجزه إعادة أجسام هي كلا شيء بالنسبة إلى تلك الإجرام كما قال سبحانه: أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ [يس: ٨١] وفيه من التنبيه على مزيد جهلهم المشار إليه بالضلال البعيد ما فيه، وقوله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ أي فيما ذكر مما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض لَآيَةً أي لدلالة واضحة على كمال قدرة الله عزّ وجلّ وأنه لا يعجزه البعث بعد الموت وتفرق الأجزاء المحاطة بهما لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ أي راجع إلى ربه تعالى مطيع له جل شأنه لأن المنيب لا يخلو من النظر في آيات الله عزّ وجلّ والتفكر فيها كالتعليل لما يشعر به قوله سبحانه أَفَلَمْ يَرَوْا إلخ من الحث على الاستدلال بذلك على ما يزيح إنكارهم البعث وفيه تعريض بأنهم معرضون عن ربهم سبحانه غير مطيعين له جل وعلا وتخلص إلى ذكر المنيبين إليه تعالى على قول، وقوله تعالى: إِنْ نَشَأْ كالاعتراض جيء به لتأكيد تقصيرهم والتنبيه على أنهم بلغوا فيه مبلغا يستحقون به في الدنيا فضلا عن الأخرى نزول أشد العقاب وحلول أفظع العذاب وأنه لم يبق من أسباب ذلك إلا تعلق المشيئة به إلا أنها لم تتعلق لحكمة، وظني أنه حسن وتحتمل الآية غير ذلك والله تعالى أعلم بأسرار كتابه، وقيل: إن ذلك إشارة إلى مصدر يروا وهو الرؤية وذكر لتأويله بالنظر والمراد به الفكر، وقيل إشارة إلى ما تلي من الوحي الناطق بما ذكر. وقرأ حمزة والكسائي وابن وثاب وعيسى والأعمش وابن مصرف يشأ ويخسف ويسقط بالياء فيهن وأدغم الكسائي الفاء في الباء في يخسف بهم قال أبو علي: ولا
يجوز ذلك لأن الباء أضعف في الصوت من الفاء فلا تدغم فيها وإن كانت الباء تدغم في الفاء نحو اضرب فلانا وهذا كما تدغم الباء في الميم نحو اضرب مالكا ولا تدغم الميم في الباء نحو اضمم بك لأن الباء انحطت عن الميم بفقد العنة التي فيها، وقال الزمخشري: قرأ الكسائي «يخسف بهم» بالإدغام وليست
يجوز ذلك لأن الباء أضعف في الصوت من الفاء فلا تدغم فيها وإن كانت الباء تدغم في الفاء نحو اضرب فلانا وهذا كما تدغم الباء في الميم نحو اضرب مالكا ولا تدغم الميم في الباء نحو اضمم بك لأن الباء انحطت عن الميم بفقد العنة التي فيها، وقال الزمخشري: قرأ الكسائي «يخسف بهم» بالإدغام وليست
286
بقوية، وأنت تعلم أن القراءة سنة متبعة ويوجد فيها الفصيح والأفصح وذلك من تيسير الله تعالى القرآن للذكر وما أدغم الكسائي إلا عن سماع فلا التفات إلى قول أبي علي ولا الزمخشري وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا أي آتيناه لحسن إنابته وصحة توبته فضلا أي نعمة وإحسانا، وقيل فضلا وزيادة على سائر الأنبياء المتقدمين عليه أو أنبياء بني إسرائيل أو على ما عدا نبينا صلّى الله عليه وسلم لأنه ما من فضيلة في أحد من الأنبياء عليهم السّلام إلا وقد أوتي عليه الصلاة والسلام مثلها بالفعل أو تمكن منها فلم يختر إظهارها أو على الأنبياء مطلقا وقد يكون في المفضول ما ليس في غيره، وقد انفرد عليه السّلام بما ذكر هاهنا، وقيل: أو على سائر الناس فيندرج فيه النبوة والكتاب والملك والصوت الحسن. وتعقب بأنه إن أريد أن كلا منها فضل لا يوجد في سائر الناس فعدم مثل ملكه وصوته محل شبهة وإن أريد المجموع من حيث هو نفيه أنه غير موجود في الأنبياء أيضا فلا وجه لتخصيصه بهذا الوجه. وأنا أرى الفضل لتفسير الفضل بالإحسان وتنكيره للتفخيم ومِنَّا أي بلا واسطة لتأكيد فخامته الذاتية بفخامته الإضافية كما في قوله تعالى: وآتَيْناهُ... مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (١) وتقديمه على المفعول الصريح للاهتمام بالمقدم والتشويق إلى المؤخر ليتمكن في النفس عند وروده فضل تمكن، وذكر شؤون داود وسليمان عليهما السّلام هنا لمناسبة ذكر المنيب في قوله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لآية لكل عبد منيب كما أشرنا إليه، وقال أبو حيان: مناسبة قصتيهما عليهما السّلام لما قبلها هي أن أولئك الكفار أنكروا البعث لاستحالته في زعمهم فأخبروا بوقوع ما هو مستحيل في العادة مما لا يمكنهم إنكاره إذ طفحت ببعضه أخبارهم وأشعارهم، وقيل: ذكر سبحانه نعمته عليهما احتجاجا على ما منح نبينا صلّى الله عليه وسلم كأنه قيل: لا تستبعدوا هذا فقد تفضلنا على عبيدنا قديما بكذا وكذا فلما فرغ التمثيل له عليه الصلاة والسّلام رجع التمثيل لهم بسبا وما كان من هلاكهم بالكفر والعتو يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ أي سبحي معه قاله ابن عباس وقتادة وابن زيد، وأخرجه ابن جرير عن أبي ميسرة إلا أنه قال: معناه ذلك بلغة الحبشة، والظاهر أنه عربي من التأويب والمراد رجعي معه التسبيح وردديه، وقال ابن عطية:
إن أصل ماضيه آب وضعف للمبالغة. وتعقبه في البحر بقوله ويظهر أن التضعيف للتعدية لأن آب بمعنى رجع لازم صلته اللام فعدي بالتضعيف إذ شرحوه بقولهم رجعي معه التسبيح.
يروى أنه عليه السّلام كان إذا سبح سبحت الجبال مثل تسبيحه بصوت يسمع منها
ولا يعجز الله عزّ وجلّ أن يجعلها بحيث تسبح بصوت يسمع وقد سبح الحصى في كف نبينا عليه الصلاة والسّلام وسمع تسبيحه وكذا في كف أبي بكر رضي الله تعالى عنه، ولا يبعد على هذا أن يقال: إنه تعالى خلق فيها الفهم أولا فناداها كما ينادى أولو الفهم وأمرها، وقال بعضهم: إنه سبحانه نزل الجبال منزلة العقلاء الذين إذا أمرهم أطاعوا وأذعنوا وإذا دعاهم سمعوا وأجابوا إشعارا بأنه ما من حيوان وجماد إلا وهو منقاد لمشيئته تعالى غير ممتنع على إرادته سبحانه ودلالة على عزة الربوبية وكبرياء الألوهية حيث نادى الجبال وأمرها، وقيل: المراد بتأويبها حملها إياه على التسبيح إذا تأمل ما فيها، وفيه مع كونه خلاف المأثور أن مَعَهُ يأباه، وأيضا لا اختصاص له عليه السّلام بتأويب الجبال بهذا المعنى حتى يفضل به أو يكون معجزة له، وقيل: كان عليه السّلام ينوح على ذنبه بترجيع وتحزين وكانت الجبال تسعده بأصدائها.
وفيه أن الصدى ليس بصوت الجبال حقيقة وإنما هو من آثار صوت المتكلم على ما قام عليه البرهان، والله تعالى نادى الجبال وأمرها أن تؤوب معه، وأيضا أي اختصاص له عليه الصلاة والسّلام بذلك ولصوت كل أحد صدى عند الجبال،
إن أصل ماضيه آب وضعف للمبالغة. وتعقبه في البحر بقوله ويظهر أن التضعيف للتعدية لأن آب بمعنى رجع لازم صلته اللام فعدي بالتضعيف إذ شرحوه بقولهم رجعي معه التسبيح.
يروى أنه عليه السّلام كان إذا سبح سبحت الجبال مثل تسبيحه بصوت يسمع منها
ولا يعجز الله عزّ وجلّ أن يجعلها بحيث تسبح بصوت يسمع وقد سبح الحصى في كف نبينا عليه الصلاة والسّلام وسمع تسبيحه وكذا في كف أبي بكر رضي الله تعالى عنه، ولا يبعد على هذا أن يقال: إنه تعالى خلق فيها الفهم أولا فناداها كما ينادى أولو الفهم وأمرها، وقال بعضهم: إنه سبحانه نزل الجبال منزلة العقلاء الذين إذا أمرهم أطاعوا وأذعنوا وإذا دعاهم سمعوا وأجابوا إشعارا بأنه ما من حيوان وجماد إلا وهو منقاد لمشيئته تعالى غير ممتنع على إرادته سبحانه ودلالة على عزة الربوبية وكبرياء الألوهية حيث نادى الجبال وأمرها، وقيل: المراد بتأويبها حملها إياه على التسبيح إذا تأمل ما فيها، وفيه مع كونه خلاف المأثور أن مَعَهُ يأباه، وأيضا لا اختصاص له عليه السّلام بتأويب الجبال بهذا المعنى حتى يفضل به أو يكون معجزة له، وقيل: كان عليه السّلام ينوح على ذنبه بترجيع وتحزين وكانت الجبال تسعده بأصدائها.
وفيه أن الصدى ليس بصوت الجبال حقيقة وإنما هو من آثار صوت المتكلم على ما قام عليه البرهان، والله تعالى نادى الجبال وأمرها أن تؤوب معه، وأيضا أي اختصاص له عليه الصلاة والسّلام بذلك ولصوت كل أحد صدى عند الجبال،
(١) نص الآية ٢٢ من سورة يوسف آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً ونص الآية ٦٥ من سورة الكهف آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً.
287
وعن الحسن أن معنى أَوِّبِي مَعَهُ سيري معه أين سار، والتأويب سير النهار كأن الإنسان يسير الليل ثم يرجع السير بالنهار أي يردده.
ومن ذلك قول تميم بن مقبل:
وقول آخر:
وأورد عليه أن الجبال أوتاد الأرض ولم ينقل سيرها مع داود عليه السّلام أو غيره، وقيل: المعنى تصرفي معه على ما يتصرف فيه فكانت إذا سبح سبحت وإذا ناح ناحت وإذا قرأ الزبور قرأت. وتعقب بأنه لم يعرف التأويب بمعنى التصرف في لغة العرب، وقيل: المعنى ارجعي إلى مراده فيما يريد من حفر واستنباط أعين واستخراج معدن ووضع طريق، والجملة معمولة لقول مضمر أي قولنا يا جبال على أنه بدل من فَضْلًا بدل كل من كل أو بدل اشتمال أو قلنا يا جبال على أنه بدل من آتَيْنا وجوز كونه بدلا من فَضْلًا بناء على أنه يجوز إبدال الجملة من المفرد، وجوز أبو حيان الاستئناف وليس بذاك.
وقرأ ابن عباس والحسن وقتادة وابن أبي إسحاق «أوبي» بضم الهمزة وسكون الواو أمر من الأوب وهو الرجوع وفرق بينهما الراغب بأن الأوب لا يقال إلا في الحيوان الذي له إرادة والرجوع يقال فيه وفي غيره.
والمعنى على هذه القراءة عند الجمهور ارجعي معه في التسبيح وأمر الجبال كأمر الواحدة المؤنثة لأن جمع ما لا يعقل يجوز فيه ذلك، ومنه يا خيل الله اركبي وكذا مَآرِبُ أُخْرى [طه: ١٨] وقد جاء ذلك في جمع من يعقل من المؤنث قال الشاعر:
لكن هذا قليل وَالطَّيْرَ بالنصب وهو عند أبي عمرو بن العلاء بإضمار فعل تقديره وسخرنا له الطير وحكى أبو عبيدة عنه أن ذاك بالعطف على فَضْلًا ولا حاجة إلى الإضمار لأن إيتاءها إياه عليه السّلام تسخيرها له، وذكر الطيبي أن ذلك كقوله:
علفتها تبنا وماء باردا وقال الكسائي: بالعطف أيضا إلا أنه قدر مضافا أي وتسبيح لطير ولا يحتاج إليه، وقال سيبويه: الطير معطوف على محل جِبالُ نحو قوله:
ألا يا زيد والضحاك سيرا بنصب الضحاك، ومنعه بعض النحويين للزوم دخول يا على المنادى المعرف بأل.
والمجيز يقول: رب شيء يجوز تبعا ولا يجوز استقلالا، وقال الزجاج: هو منصوب على أنه مفعول معه. وتعقبه أبو حيان بأنه لا يجوز لأن قبله مَعَهُ ولا يقتضي اثنين من المفعول معه إلا على البدل أو العطف فكما لا يجوز جاء زيد مع عمرو مع زينب إلا بالعطف كذلك هذا، وقال الخفاجي: لا يأباه مَعَهُ سواء تعلق بأوبي على أنه ظرف لغو أو جعل حالا لأنهما معمولان متغايران إذ الظرف والحال غير المفعول معه وكل منها باب على حده وإنما الموهم
ومن ذلك قول تميم بن مقبل:
لحقنا بحي أوبوا السير بعد ما | دفعنا شعاع الشمس والطرف يجنح |
يومان يوم مقامات وأندية | ويوم سير إلى الأعداء تأويب |
وقرأ ابن عباس والحسن وقتادة وابن أبي إسحاق «أوبي» بضم الهمزة وسكون الواو أمر من الأوب وهو الرجوع وفرق بينهما الراغب بأن الأوب لا يقال إلا في الحيوان الذي له إرادة والرجوع يقال فيه وفي غيره.
والمعنى على هذه القراءة عند الجمهور ارجعي معه في التسبيح وأمر الجبال كأمر الواحدة المؤنثة لأن جمع ما لا يعقل يجوز فيه ذلك، ومنه يا خيل الله اركبي وكذا مَآرِبُ أُخْرى [طه: ١٨] وقد جاء ذلك في جمع من يعقل من المؤنث قال الشاعر:
تركنا الخيل والنعم المفدى | وقلنا للنساء بها أقيمي |
علفتها تبنا وماء باردا وقال الكسائي: بالعطف أيضا إلا أنه قدر مضافا أي وتسبيح لطير ولا يحتاج إليه، وقال سيبويه: الطير معطوف على محل جِبالُ نحو قوله:
ألا يا زيد والضحاك سيرا بنصب الضحاك، ومنعه بعض النحويين للزوم دخول يا على المنادى المعرف بأل.
والمجيز يقول: رب شيء يجوز تبعا ولا يجوز استقلالا، وقال الزجاج: هو منصوب على أنه مفعول معه. وتعقبه أبو حيان بأنه لا يجوز لأن قبله مَعَهُ ولا يقتضي اثنين من المفعول معه إلا على البدل أو العطف فكما لا يجوز جاء زيد مع عمرو مع زينب إلا بالعطف كذلك هذا، وقال الخفاجي: لا يأباه مَعَهُ سواء تعلق بأوبي على أنه ظرف لغو أو جعل حالا لأنهما معمولان متغايران إذ الظرف والحال غير المفعول معه وكل منها باب على حده وإنما الموهم
288
لذلك لفظ المعية فما اعترض به أبو حيان غير متوجه وإن ظن كذلك، وأقبح من الذنب الاعتذار حيث أجيب بأنه يجوز أن يقال حذفت واو العطف من قوله تعالى: وَالطَّيْرَ استثقالا لاجتماع الواوين أو اعتبر تعلق الثاني بعد تعلق الأول.
وقرأ السلمي وابن هرمز وأبو يحيى وأبو نوفل ويعقوب وابن أبي عبلة وجماعة من أهل المدينة وعاصم في رواية «والطير» بالرفع وخرج على أنه معطوف على جِبالُ باعتبار لفظه وحركته لعروضها تشبه حركة الإعراب ويغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع، وقيل معطوف على الضمير المستتر في أَوِّبِي وسوغ ذلك الفصل بالظرف، وقيل:
هو بتقدير ولتؤوب الطير نظير ما قيل في قوله تعالى: اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ [البقرة: ٣٥، الأعراف: ١٩].
وقيل: هو مرفوع بالابتداء والخبر محذوف أي والطير تؤوب وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ وجعلناه في يده كالشمع والعجين يصرفه كما يشاء من غير نار ولا ضرب مطرقة قاله السدي وغيره، وقيل: جعلناه بالنسبة إلى قوته التي آتيناها إياه لينا كالسمع بالنسبة إلى قوى سائر البشر أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ أَنِ مصدرية وهي على إسقاط حرف الجر أي ألنا له الحديد لعمل سابغات أو وأمرناه بعمل سابغات، والأول أولى، وأجاز الحوفي وغيره أن تكون مفسرة ولما كان شرط المفسرة أن يتقدمها معنى القول دون حروفه وألنّا ليس فيه ذلك قدر بعضهم قبلها فعلا محذوفا فيه معنى القول ليصح كونها مفسرة أي وأمرناه أن أعمل أي أي أعمل، وأورد عليه أن حذف المفسر لم يعهد، والسابغات الدروع وأصله صفة من السبوغ وهو التمام والكمال فغلب على الدروع كالأبطح قال الشاعر:
ويقال سوابغ أيضا كما في قوله:
فلا حاجة إلى تقدير موصوف أي دروعا سابغات، ولا يرد هذا نقصا على ما قيل إن الصفة ما لم تكن مختصة بالموصوف كحائض لا يحذف موصوفها. وقرىء «صابغات» بإبدال السين صادا لأجل الغين.
وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ السرد نسج في الأصل كما قال الراغب خرز ما يخشن ويغلظ قال الشماخ:
واستعير لنظم الحديد وفي البحر هو اتباع الشيء بالشيء من جنسه ويقال للدرع مسرودة لأنه توبع فيها الحلق بالحلق قال الشاعر:
ولصانعها سراد وزراد بإبدال السين زايا، وفسره هنا غير واحد بالنسج وقال: المعنى اقتصد في نسج الدروع بحيث تتناسب حلقها، وابن عباس فيما أخرجه عنه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق بالحلق أي اجعل حلقها على مقادير متناسبة، وقال ابن زيد: لا تعملها صغيرة فتضعف فلا يقوى الدرع على الدفاع ولا كبيرة فينال صاحبها من خلالها، وجاء في رواية أخرى عن ابن عباس تفسيرها بالمسامير وروي ذلك عن قتادة ومجاهد أي قدر مساميرها فلا تعملها دقاقا ولا غلاظا أي اجعلها على مقدار معين دقة وغيرها مناسبة للثقب الذي هيىء لها في الحلقة فإنها إن كانت دقيقة اضطربت فيها فلم تمسك طرفيها وإن كانت غليظة خرقت طرف الحلقة الموضوعة فيه فلا تمسك أيضا، ويبعد هذا أن إلانة الحديد له عليه السّلام بحيث كان كالشمع والعجين يغني عن التسمير فإنه بعد جمع الحلق وإدخال بعضه في بعض يزال انفصال طرفي كل حلقة يمزج الطرفين كما يمزج طرفا حلقة من شمع أو عجين والاحكام بذلك أتم من الأحكام بالتسمير بل لا يبقى معه حاجة إلى التسمير أصلا فلعله إن صح مبني على أنه عليه
وقرأ السلمي وابن هرمز وأبو يحيى وأبو نوفل ويعقوب وابن أبي عبلة وجماعة من أهل المدينة وعاصم في رواية «والطير» بالرفع وخرج على أنه معطوف على جِبالُ باعتبار لفظه وحركته لعروضها تشبه حركة الإعراب ويغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع، وقيل معطوف على الضمير المستتر في أَوِّبِي وسوغ ذلك الفصل بالظرف، وقيل:
هو بتقدير ولتؤوب الطير نظير ما قيل في قوله تعالى: اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ [البقرة: ٣٥، الأعراف: ١٩].
وقيل: هو مرفوع بالابتداء والخبر محذوف أي والطير تؤوب وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ وجعلناه في يده كالشمع والعجين يصرفه كما يشاء من غير نار ولا ضرب مطرقة قاله السدي وغيره، وقيل: جعلناه بالنسبة إلى قوته التي آتيناها إياه لينا كالسمع بالنسبة إلى قوى سائر البشر أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ أَنِ مصدرية وهي على إسقاط حرف الجر أي ألنا له الحديد لعمل سابغات أو وأمرناه بعمل سابغات، والأول أولى، وأجاز الحوفي وغيره أن تكون مفسرة ولما كان شرط المفسرة أن يتقدمها معنى القول دون حروفه وألنّا ليس فيه ذلك قدر بعضهم قبلها فعلا محذوفا فيه معنى القول ليصح كونها مفسرة أي وأمرناه أن أعمل أي أي أعمل، وأورد عليه أن حذف المفسر لم يعهد، والسابغات الدروع وأصله صفة من السبوغ وهو التمام والكمال فغلب على الدروع كالأبطح قال الشاعر:
لا سابغات ولا جأواء باسلة | تقي المنون لدى استيفاء آجال |
عليها أسود ضاريات لبوسهم | سوابغ بيض لا تخرقها النبل |
وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ السرد نسج في الأصل كما قال الراغب خرز ما يخشن ويغلظ قال الشماخ:
فظلت سراعا خيلنا في بيوتكم | كما تابعت سرد العنان الخوارز |
وعليهما مسرودتان قضاهما | داود أو صنع السوابغ تبع |
289
السّلام كان يعمل الحلق من غير مزج لطرفي كل فيسمر للاحكام بعد إدخال بعضه في بعض، ويظهر ذلك على التفسير الثاني لقوله تعالى: وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ إذ غاية القوة كسر الحديد كما يريد من غير آلة دون وصل بعضه ببعض، ولا يعارض ذلك ما نقل عن البقاعي أنه قال: أخبرنا بعض من رأى ما نسب إلى داود عليه السّلام من الدروع أنه بغير مسامير فإنه نقل عن مجهول فلا يلتفت لمثله، وقيل معنى قَدِّرْ فِي السَّرْدِ لا تصرف جميع أوقاتك فيه بل مقدار ما يحصل به القوت وأما الباقي فاصرفه إلى العبادة قيل وهو الأنسب بالأمر الآتي، وحكي أنه عليه السّلام أول من صنع الدرع حلقا وكانت قبل صفائح وروي ذلك عن قتادة.
وعن مقاتل أنه عليه السّلام حين ملك على بني إسرائيل يخرج متنكرا فيسأل الناس عن حاله فعرض له ملك في صورة إنسان فسأله فقال: نعم العبد لولا خلة فيه فقال وما هي؟ قال: يرزق من بيت المال ولو أكل من عمل يده تمت فضائله فدعا الله تعالى أن يعلمه صنعة ويسهلها عليه فعلمه صنعة الدروع وألان له الحديد فأثرى وكان ينفق ثلث المال في مصالح المسلمين وكان يفرغ من الدرع في بعض يوم أو في بعض ليل وثمنها ألف درهم.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول. وابن أبي حاتم عن ابن شوذب قال: كان داود عليه السّلام يرفع في كل يوم درعا فيبيعها بستة آلاف درهم ألفان له ولأهله وأربعة آلاف يطعم بها بني إسرائيل الخبز الحواري
، وقيل: كان يبيع الدرع بأربعة آلاف فينفق منها على نفسه وعياله ويتصدق على الفقراء،
وفي مجمع البيان عن الصادق رضي الله تعالى عنه أنه عمل ثلاثمائة وستين درعا فباعها بثلاثمائة وستين ألف درهم فاستغنى عن بيت المال
وَاعْمَلُوا صالِحاً خطاب لداود وآله عليهم السّلام وهم وإن لم يجر لهم ذكر يفهمون على ما قال الخفاجي التزاما من ذكره، وجوز أن يكون خطابا له عليه السّلام خاصة على سبيل التعظيم، وأيا ما كان فالظاهر أنه أمر بالعمل الصالح مطلقا، وليس هو على الوجه الثاني أمرا بعمل الدروع خالية من عيب.
إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ فأجازيكم به وهو تعليل للأمر أو لوجوب الامتثال به على وجه الترغيب والترهيب وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ أي وسخرنا له الريح، وقيل لِسُلَيْمانَ عطف على لَهُ في أَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ والريح عطف على الْحَدِيدَ وإلانة الريح عبارة عن تسخيرها.
وقرأ أبو بكر «الريح» بالرفع على أنه مبتدأ و «لسليمان» خبره والكلام على تقدير مضاف أي ولسليمان تسخير الريح، وذهب غير واحد إلى أنه مبتدأ ومتعلق الجار كون خاص هو الخبر وليس هناك مضاف مقدر أي ولسليمان الريح مسخرة، وعندي أن الجملة على القراءتين معطوفة على قوله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا إلخ عطف القصة على القصة، وقال ابن الشيخ: العطف على القراءة الأولى على أَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ وكلتا الجملتين فعلية وعلى القراءة الثانية العطف على اسمية مقدرة دلت عليها تلك الجملة الفعلية لا عليها للتخالف فكأنه قيل: ما ذكرنا لداود ولسليمان الريح فإنها كانت له كالمملوك المختص بالمالك يأمرها بما يريد ويسير عليها حيثما يشاء، ثم قال: وإنما لم يقل ومع سليمان الريح لأن حركتها ليست بحركة سليمان بل هي تتحرك بنفسها وتحرك سليمان وجنوده بحركتها وتسير بهم حيث شاء وهذا على خلاف تأويب الجبال فإنه كان تبعا لتأويب داود عليه السّلام فلذا جيء هناك بمعه.
وقرأ الحسن وأبو حيوة وخالد بن إلياس «الرياح» بالرفع جمعا غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ أي جريها بالغداة مسيرة شهر وجريها بالعشي كذلك، والجملة أما مستأنفة أو حال من الرِّيحَ ولا بدّ من تقدير مضاف في الخبر لأن الغدو والرواح ليس نفس الشهر وإنما يكونان فيه، ولا حاجة إلى تقدير في المبتدأ كما فعل مكي حيث قال: أي مسير غدوها مسيرة شهر ومسير رواحها كذلك لما لا يخفى، وقال ابن الحاجب في أماليه الفائدة في إعادة لفظ الشهر
وعن مقاتل أنه عليه السّلام حين ملك على بني إسرائيل يخرج متنكرا فيسأل الناس عن حاله فعرض له ملك في صورة إنسان فسأله فقال: نعم العبد لولا خلة فيه فقال وما هي؟ قال: يرزق من بيت المال ولو أكل من عمل يده تمت فضائله فدعا الله تعالى أن يعلمه صنعة ويسهلها عليه فعلمه صنعة الدروع وألان له الحديد فأثرى وكان ينفق ثلث المال في مصالح المسلمين وكان يفرغ من الدرع في بعض يوم أو في بعض ليل وثمنها ألف درهم.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول. وابن أبي حاتم عن ابن شوذب قال: كان داود عليه السّلام يرفع في كل يوم درعا فيبيعها بستة آلاف درهم ألفان له ولأهله وأربعة آلاف يطعم بها بني إسرائيل الخبز الحواري
، وقيل: كان يبيع الدرع بأربعة آلاف فينفق منها على نفسه وعياله ويتصدق على الفقراء،
وفي مجمع البيان عن الصادق رضي الله تعالى عنه أنه عمل ثلاثمائة وستين درعا فباعها بثلاثمائة وستين ألف درهم فاستغنى عن بيت المال
وَاعْمَلُوا صالِحاً خطاب لداود وآله عليهم السّلام وهم وإن لم يجر لهم ذكر يفهمون على ما قال الخفاجي التزاما من ذكره، وجوز أن يكون خطابا له عليه السّلام خاصة على سبيل التعظيم، وأيا ما كان فالظاهر أنه أمر بالعمل الصالح مطلقا، وليس هو على الوجه الثاني أمرا بعمل الدروع خالية من عيب.
إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ فأجازيكم به وهو تعليل للأمر أو لوجوب الامتثال به على وجه الترغيب والترهيب وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ أي وسخرنا له الريح، وقيل لِسُلَيْمانَ عطف على لَهُ في أَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ والريح عطف على الْحَدِيدَ وإلانة الريح عبارة عن تسخيرها.
وقرأ أبو بكر «الريح» بالرفع على أنه مبتدأ و «لسليمان» خبره والكلام على تقدير مضاف أي ولسليمان تسخير الريح، وذهب غير واحد إلى أنه مبتدأ ومتعلق الجار كون خاص هو الخبر وليس هناك مضاف مقدر أي ولسليمان الريح مسخرة، وعندي أن الجملة على القراءتين معطوفة على قوله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا إلخ عطف القصة على القصة، وقال ابن الشيخ: العطف على القراءة الأولى على أَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ وكلتا الجملتين فعلية وعلى القراءة الثانية العطف على اسمية مقدرة دلت عليها تلك الجملة الفعلية لا عليها للتخالف فكأنه قيل: ما ذكرنا لداود ولسليمان الريح فإنها كانت له كالمملوك المختص بالمالك يأمرها بما يريد ويسير عليها حيثما يشاء، ثم قال: وإنما لم يقل ومع سليمان الريح لأن حركتها ليست بحركة سليمان بل هي تتحرك بنفسها وتحرك سليمان وجنوده بحركتها وتسير بهم حيث شاء وهذا على خلاف تأويب الجبال فإنه كان تبعا لتأويب داود عليه السّلام فلذا جيء هناك بمعه.
وقرأ الحسن وأبو حيوة وخالد بن إلياس «الرياح» بالرفع جمعا غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ أي جريها بالغداة مسيرة شهر وجريها بالعشي كذلك، والجملة أما مستأنفة أو حال من الرِّيحَ ولا بدّ من تقدير مضاف في الخبر لأن الغدو والرواح ليس نفس الشهر وإنما يكونان فيه، ولا حاجة إلى تقدير في المبتدأ كما فعل مكي حيث قال: أي مسير غدوها مسيرة شهر ومسير رواحها كذلك لما لا يخفى، وقال ابن الحاجب في أماليه الفائدة في إعادة لفظ الشهر
290
الأعلام بمقدار زمن الغدو وزمن الرواح والألفاظ التي تأتي مبينة للمقادير لا يحسن فيها الإضمار ألا ترى أنك تقول زنة هذا مثقال وزنة هذا مثقال فلا يحسن الإضمار كما لا يحسن في التمييز، وأيضا فإنه لو أضمر فالضمير إنما يكون لما تقدم باعتبار خصوصيته فإذا لم يكن له بذلك الاعتبار وجب العدول إلى الظاهر، ألا ترى أنك إذا أكرمت رجلا وكسوت ذلك الرجل بخصوصه لكانت العبارة أكرمت رجلا وكسوته ولو أكرمت رجلا وكسوت رجلا آخر لكانت العبارة أكرمت رجلا وكسوت رجلا فتبين أنه ليس من وضع الظاهر موضع الضمير كذا في حواشي الطيبي عليه الرحمة، ولا يخفى أن ما ذكره مبني على ما هو الغالب وإلا فقد قال تعالى: وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ [فاطر: ١١] ولم يقتصر على الإعلام بزمن الغدو ليقاس عليه زمن الرواح لأن الريح كثيرا ما تسكن أو تضعف حركتها بالعشي فدفع بالتنصيص على بيان زمن الرواح توهم اختلاف الزمانين، قال قتادة كانت الريح تقطع به عليه السّلام في الغدو إلى الزوال مسيرة شهر وفي الرواح من بعد الزوال إلى الغروب مسيرة شهر.
وأخرج أحمد في الزهد عن الحسن أنه قال في الآية كان سليمان عليه السّلام يغدو من بيت المقدس فيقيل بإصطخر ثم يروح من إصطخر فيقيل بقلعة خراسان.
وقد ذكر حديث هذه الريح في بعض الأشعار القديمة قال وهب: ونقله عنه في البحر وجدت أبياتا منقورة في صخرة بأرض كسكر لبعض أصحاب سليمان عليه السّلام وهي:
وذكر أيضا رضي الله تعالى عنه أنه عليه السّلام كان مستقره تدمر وأن الجن قد بنتها له بالصفاح والعمد والرخام الأبيض والأشقر وقال: وفيه يقول النابغة:
انتهى، وما ذكره في تدمر هو المشهور عند العامة وقد ذكر ذلك الثعالبي في تفسيره مع الأبيات المذكورة لكن في القاموس تدمر كتنصر بنت حسان بن أذينة بها سميت مدينتها وهو ظاهر في المخالفة، ولعل التعويل على ما فيه إن لم يمكن الجمع والله تعالى أعلم بحقيقة الحال.
وقرأ ابن أبي عبلة «غدوتها» «وروحتها» على وزن فعلة وهي المرة الواحدة غدا وراح وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ أي النحاس الذائب من قطر يقطر قطرا وقطرانا بسكون الطاء وفتحها، وقيل الفلزات النحاس والحديد وغيرهما، وعلى الأول جمهور اللغويين، وأريد بعين القطر معدن النحاس ولكنه سبحانه أساله كما ألان الحديد لداود فنبع كما ينبع الماء من العين فلذلك سمي عين القطر باسم ما آل إليه، وذكر الجلبي أن نسبة الإسالة إلى العين مجازية كما في جري النهر.
وقال الخفاجي: إن كانت العين هنا بمعنى الماء المعين أي الجاري وإضافتها كما في لجين الماء فلا تجوز في
وأخرج أحمد في الزهد عن الحسن أنه قال في الآية كان سليمان عليه السّلام يغدو من بيت المقدس فيقيل بإصطخر ثم يروح من إصطخر فيقيل بقلعة خراسان.
وقد ذكر حديث هذه الريح في بعض الأشعار القديمة قال وهب: ونقله عنه في البحر وجدت أبياتا منقورة في صخرة بأرض كسكر لبعض أصحاب سليمان عليه السّلام وهي:
ونحن ولا حول سوى حول ربنا | نروح من الأوطان من أرض تدمر |
إذا نحن رحنا كان ريث رواحنا | مسيرة شهر والغدو لآخر |
أناس شروا لله طوعا نفوسهم | بنصر ابن داود النبي المطهر |
لهم في معالي الدين فضل ورفعة | وإن نسبوا يوما فمن خير معشر |
متى تركب الريح المطيعة أسرعت | مبادرة عن شهرها لم تقصر |
تظلم طير صفوف عليهم | متى رفرفت من فوقهم لم تنفر |
ألا سليمان إذ قال الإله له | قم في البرية فاصددها عن الفند |
وجيش الجن إني قد أذنت لهم | يبنون تدمر بالصفاح والعمد |
وقرأ ابن أبي عبلة «غدوتها» «وروحتها» على وزن فعلة وهي المرة الواحدة غدا وراح وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ أي النحاس الذائب من قطر يقطر قطرا وقطرانا بسكون الطاء وفتحها، وقيل الفلزات النحاس والحديد وغيرهما، وعلى الأول جمهور اللغويين، وأريد بعين القطر معدن النحاس ولكنه سبحانه أساله كما ألان الحديد لداود فنبع كما ينبع الماء من العين فلذلك سمي عين القطر باسم ما آل إليه، وذكر الجلبي أن نسبة الإسالة إلى العين مجازية كما في جري النهر.
وقال الخفاجي: إن كانت العين هنا بمعنى الماء المعين أي الجاري وإضافتها كما في لجين الماء فلا تجوز في
291
ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ
ﰌ
ﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓ
ﰍ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ
ﰎ
ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ
ﰏ
ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ
ﰐ
ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ
ﰑ
ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ
ﰒ
النسبة وإنما هو من مجاز الأول على أن العين منبع الماء ولا حاجة إليه اهـ فتأمل.
وقال بعضهم: القطر النحاس وعين بمعنى ذات ومعنى أسلنا أذبنا فالمعنى أذبنا له النحاس على نحو ما كان الحديد يلين لداود عليه السّلام فكانت الأعمال تتأتى منه وهو بارد دون نار ولم يلن ولا ذاب لأحد قبله والظاهر المؤيد بالآثار أنه تعالى جعله في معدنه عينا تسيل كعيون الماء.
أخرج ابن المنذر عن عكرمة أنه قال في الآية: أسأل الله تعالى له القطر ثلاثة أيام يسيل كما يسيل الماء قيل: إلى أين؟ قال: لا أدري. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: سيلت له عين من نحاس ثلاثة أيام، وفي البحر عن ابن عباس والسدي ومجاهد قالوا، أجريت له عليه السّلام ثلاثة أيام بلياليهن وكانت بأرض اليمن، وفي رواية عن مجاهد أن النحاس سال من صنعاء وقيل: كان يسيل في الشهر ثلاثة أيام.
وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ يحتمل أن يكون الجار والمجرور متعلقا بمحذوف هو خبر مقدم ومِنَ في محل رفع مبتدأ ويحتمل أن يكون متعلقا بمحذوف وقع حالا مقدما من مِنَ وهي في محل نصب عطف على الرِّيحَ وجوز أن يكون مِنَ الْجِنِّ عطفا على الريح على أن من للتبعيض ومَنْ يَعْمَلُ بدل منه وهو تكلف ويَعْمَلُ إما منزل منزلة اللازم أو مفعوله مقدر يفسره ما سيأتي إن شاء الله تعالى ليكون تفصيلا بعد الإجمال وهو أوقع في النفس بِإِذْنِ رَبِّهِ بأمره عزّ وجلّ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا أي ومن يعدل منهم عما أمرناه به من طاعة سليمان عليه السّلام. وقرىء «يزغ» بضم الياء من أزاغ مبنيا للفاعل ومفعوله محذوف أي من يمل ويصرف نفسه أو غيره، وقيل مبنيا للمفعول فلا يحتاج إلى تقدير مفعول نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ أي عذاب النار في الآخرة كما قال أكثر المفسرين وروي ذلك عن ابن عباس، وقال بعضهم: المراد تعذيبه في الدنيا.
روي عن السدي أنه عليه السّلام كان معه ملك بيده سوط من نار كل ما استعصى عليه جني ضربه من حيث لا يراه الجني.
وفي بعض الروايات أنه كان يحرق من يخالفه، واحتراق الجني مع أنه مخلوق من النار غير منكر فإنه عندنا ليس نارا محضة وإنما النار أغلب العناصر فيه.
وقال بعضهم: القطر النحاس وعين بمعنى ذات ومعنى أسلنا أذبنا فالمعنى أذبنا له النحاس على نحو ما كان الحديد يلين لداود عليه السّلام فكانت الأعمال تتأتى منه وهو بارد دون نار ولم يلن ولا ذاب لأحد قبله والظاهر المؤيد بالآثار أنه تعالى جعله في معدنه عينا تسيل كعيون الماء.
أخرج ابن المنذر عن عكرمة أنه قال في الآية: أسأل الله تعالى له القطر ثلاثة أيام يسيل كما يسيل الماء قيل: إلى أين؟ قال: لا أدري. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: سيلت له عين من نحاس ثلاثة أيام، وفي البحر عن ابن عباس والسدي ومجاهد قالوا، أجريت له عليه السّلام ثلاثة أيام بلياليهن وكانت بأرض اليمن، وفي رواية عن مجاهد أن النحاس سال من صنعاء وقيل: كان يسيل في الشهر ثلاثة أيام.
وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ يحتمل أن يكون الجار والمجرور متعلقا بمحذوف هو خبر مقدم ومِنَ في محل رفع مبتدأ ويحتمل أن يكون متعلقا بمحذوف وقع حالا مقدما من مِنَ وهي في محل نصب عطف على الرِّيحَ وجوز أن يكون مِنَ الْجِنِّ عطفا على الريح على أن من للتبعيض ومَنْ يَعْمَلُ بدل منه وهو تكلف ويَعْمَلُ إما منزل منزلة اللازم أو مفعوله مقدر يفسره ما سيأتي إن شاء الله تعالى ليكون تفصيلا بعد الإجمال وهو أوقع في النفس بِإِذْنِ رَبِّهِ بأمره عزّ وجلّ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا أي ومن يعدل منهم عما أمرناه به من طاعة سليمان عليه السّلام. وقرىء «يزغ» بضم الياء من أزاغ مبنيا للفاعل ومفعوله محذوف أي من يمل ويصرف نفسه أو غيره، وقيل مبنيا للمفعول فلا يحتاج إلى تقدير مفعول نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ أي عذاب النار في الآخرة كما قال أكثر المفسرين وروي ذلك عن ابن عباس، وقال بعضهم: المراد تعذيبه في الدنيا.
روي عن السدي أنه عليه السّلام كان معه ملك بيده سوط من نار كل ما استعصى عليه جني ضربه من حيث لا يراه الجني.
وفي بعض الروايات أنه كان يحرق من يخالفه، واحتراق الجني مع أنه مخلوق من النار غير منكر فإنه عندنا ليس نارا محضة وإنما النار أغلب العناصر فيه.
292
يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ جمع محراب وهو كما قال عطية القصر، وسمي باسم صاحبه لأنه يحارب غيره في حمايته، فإن المحراب في الأصل من صيغ المبالغة اسم لمن يكثر الحرب وليس منقولا من اسم الآلة وإن جوزه بعضهم، ولابن حيوس:
ويطلق على المكان المعروف الذي يقف بحذائه الإمام، وهو مما أحدث في المساجد ولم يكن في الصدر الأول كما قال السيوطي وألف في ذلك رسالة ولذا كره الفقهاء الوقوف في داخله.
وقال ابن زيد: المحاريب المساكر، وقيل ما يصعد إليه بالدرج كالغرف، وقال مجاهد: هي المساجد سميت باسم بعضها تجوزا على ما قيل، وهو مبني على أن المحراب اسم لحجرة في المسجد يعبد الله تعالى فيها أو لموقف الإمام.
وأخرج ابن المنذر وغيره عن قتادة تفسيرها بالقصور والمساجد معا، وجملة يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ استئناف لتفصيل ما ذكر من عملهم، وجوز كونها حالا وهو كما ترى وَتَماثِيلَ قال الضحاك: كانت صور حيوانات، وقال الزمخشري: صور الملائكة والأنبياء والصلحاء كانت تعمل في المساجد من نحاس وصفر وزجاج ورخام ليراها الناس فيعبدوا نحو عبادتهم وكان اتخاذ الصور في ذلك الشرع جائزا كما قال في الآية اتخذ سليمان عليه السّلام تماثيل من نحاس فقال يا رب انفخ فيها الروح فإنها أقوى على الخدمة فينفخ الله تعالى فيها الروح فكانت تخدمه وإسفنديار من بقاياهم، وهذا من العجب العجاب ولا ينبغي اعتقاد صحته وما هو إلا حديث خرافة، وأما ما روي من أنهم عملوا له عليه السّلام أسدين في أسفل كرسيه ونسرين فوقه فإذا أراد أن يصعد بسط الأسدان له ذراعيهما وإذا قعد أظله النسران بأجنحتهما فأمر غير مستبعد فإن ذلك يكون بآلات تتحرك عند الصعود وعند القعود فتحرك الذراعين والأجنحة، وقد انتهت صنائع البشر إلى مثل ذلك في الغرابة، وقيل: التماثيل طلسمات فتعمل تمثالا للتمساح أو للذباب أو للبعوض فلا يتجاوزه الممثل به ما دام في ذلك المكان، وقد اشتهر عمل نحو ذلك عن الفلاسفة وهو مما لا يتم عندهم إلا بواسطة بعض الأوضاع الفلكية، وعلى الباب الشهيرة بباب الطلسم من أبواب بغداد تمثال حية يزعمون أنه لمنع الحيات عن الإيذاء داخل بغداد ونحن قد شاهدنا مرارا أناسا لسعتهم الحيات فمنهم من لم يتأذ ومنهم من تأذى يسيرا ولم نشاهد موت أحد من ذلك وقلما يسلم من لسعته خارج بغداد لكن لا نعتقد أن لذلك التمثال مدخلا فيما ذكر ونظن أن ذاك لضعف الصنف الموجود في بغداد من الحيات وقلة شره بالطبيعة، وقيل كانت التماثيل صور شجر أو حيوانات
جمع الشجاعة والخشوع لربه | ما أحسن المحراب في محرابه |
وقال ابن زيد: المحاريب المساكر، وقيل ما يصعد إليه بالدرج كالغرف، وقال مجاهد: هي المساجد سميت باسم بعضها تجوزا على ما قيل، وهو مبني على أن المحراب اسم لحجرة في المسجد يعبد الله تعالى فيها أو لموقف الإمام.
وأخرج ابن المنذر وغيره عن قتادة تفسيرها بالقصور والمساجد معا، وجملة يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ استئناف لتفصيل ما ذكر من عملهم، وجوز كونها حالا وهو كما ترى وَتَماثِيلَ قال الضحاك: كانت صور حيوانات، وقال الزمخشري: صور الملائكة والأنبياء والصلحاء كانت تعمل في المساجد من نحاس وصفر وزجاج ورخام ليراها الناس فيعبدوا نحو عبادتهم وكان اتخاذ الصور في ذلك الشرع جائزا كما قال في الآية اتخذ سليمان عليه السّلام تماثيل من نحاس فقال يا رب انفخ فيها الروح فإنها أقوى على الخدمة فينفخ الله تعالى فيها الروح فكانت تخدمه وإسفنديار من بقاياهم، وهذا من العجب العجاب ولا ينبغي اعتقاد صحته وما هو إلا حديث خرافة، وأما ما روي من أنهم عملوا له عليه السّلام أسدين في أسفل كرسيه ونسرين فوقه فإذا أراد أن يصعد بسط الأسدان له ذراعيهما وإذا قعد أظله النسران بأجنحتهما فأمر غير مستبعد فإن ذلك يكون بآلات تتحرك عند الصعود وعند القعود فتحرك الذراعين والأجنحة، وقد انتهت صنائع البشر إلى مثل ذلك في الغرابة، وقيل: التماثيل طلسمات فتعمل تمثالا للتمساح أو للذباب أو للبعوض فلا يتجاوزه الممثل به ما دام في ذلك المكان، وقد اشتهر عمل نحو ذلك عن الفلاسفة وهو مما لا يتم عندهم إلا بواسطة بعض الأوضاع الفلكية، وعلى الباب الشهيرة بباب الطلسم من أبواب بغداد تمثال حية يزعمون أنه لمنع الحيات عن الإيذاء داخل بغداد ونحن قد شاهدنا مرارا أناسا لسعتهم الحيات فمنهم من لم يتأذ ومنهم من تأذى يسيرا ولم نشاهد موت أحد من ذلك وقلما يسلم من لسعته خارج بغداد لكن لا نعتقد أن لذلك التمثال مدخلا فيما ذكر ونظن أن ذاك لضعف الصنف الموجود في بغداد من الحيات وقلة شره بالطبيعة، وقيل كانت التماثيل صور شجر أو حيوانات
293
محذوفة الرؤوس مما جوز في شرعنا، ولا يحتاج إلى التزام ذلك إذا صح فيه نقل فإن الحق أن حرمة تصوير الحيوان كاملا لم تكن في ذلك الشرع وإنما هي في شرعنا ولا فرق عندنا بين أن تكون الصورة ذات ظل وأن لا تكون كذلك كصورة الفرس المنقوشة على كاغد أو جدار مثلا.
وحكى مكي في الهداية أن قوما أجازوا التصوير وحكاه النحاس أيضا وكذا ابن الفرس واحتجوا بهذه الآية، وأنت تعلم أنه ورد في شرعنا من تشديد الوعيد على المصورين ما ورد فلا يلتفت إلى هذا القول ولا يصح الاحتجاج بالآية، وكأنه إنما حرمت التماثيل لأنه بمرور الزمان اتخذها الجهلة مما يعبد وظنوا وضعها في المعابد لذلك فشاعت عبادة الأصنام أو سدا لباب التشبه بمتخذي الأصنام بالكلية وَجِفانٍ جمع جفنة وهي ما يوضع فيها الطعام مطلقا كما ذكره غير واحد، وقال بعض اللغويين: الجفنة أعظم القصاع ويليها القصعة وهي ما تشبع العشرة ويليها الصحفة وهي ما تشبع الخمسة ويليها المئكلة وهي ما تشبع الاثنين والثلاثة ويليها الصحيفة وهي ما تشبع الواحد، وعليه فالمراد هنا المطلق لظاهر قوله تعالى: كَالْجَوابِ أي كالحياض العظام جمع جابية من الجباية أي الجمع فهي في الأصل مجاز في الطرف أو النسبة لأنها يجبي إليها لا جابية ثم غلبت على الإناء المخصوص غلبة الدابة في ذوات الأربع، وجاء تشبيه الجفنة بالجابية في كلامهم من ذلك قول الأعشى:
نفي الذم عن آل المحلق جفنة... كجابية السيح العراقي تفهق
وقول الأفوه الأودي:
وقدور كالربى راسيه... وجفان كالجوابي مترعه
وذكر في سعة جفان سليمان عليه السّلام أنها كان على الواحدة منها ألف رجل. وقرىء «كالجوابي» بياء وهو الأصل وحذفها للاجتزاء بالكسرة وإجراء أل مجرى ما عاقبها وهو التنوين فكما يحذف مع التنوين يحذف مع ما عاقبه وَقُدُورٍ جمع قدر وهو ما يطبخ فيه من فخار أو غيره وهو على شكل مخصوص راسِياتٍ ثابتات على الأثافي لا تنزل عنها لعظمها قاله قتادة، وقيل: كانت عظيمة كالجبال وقدمت المحاريب على التماثيل لأن الصور توضع في المحاريب أو تنقش على جدرانها، وقدمت الجفان على القدور مع أن القدور آلة الطبخ والجفان آلة الأكل والطبخ قبل الأكل لأنه لما ذكرت الأبنية الملكية ناسب أن يشار إلى عظمة السماط الذي يمد فيها فذكرت الجفان أولا لأنها تكون فيها بخلاف القدور فإنها لا تحضر هناك كما ينبىء عنه قوله تعالى: راسِياتٍ على ما سمعت أولا، وكأنه لما بين حال الجفان اشتاق الذهن إلى حال القدور فذكرت للمناسبة.
اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً بتقدير القول على الاستئناف أو الحالية من فاعل (سخرنا) المقدر وآل منادى حذف منه حرف النداء وشُكْراً نصب على أنه مفعول له، وفيه إشارة إلى أن العمل حقه أن يكون للشكر لا للرجاء والخوف أو على أنه مفعول مطلق لاعملوا لأن الشكر نوع من العمل فهو كقعدت القرفصاء، وقيل: لتضمين اعْمَلُوا معنى اشكروا، وقيل: لا شكروا محذوفا أو على أنه حال بتأويل اسم الفاعل أي اعملوا شاكرين لأن الشكر يعم القلب والجوارح أو على أنه صفة لمصدر محذوف أي اعملوا عملا شكرا أو على أنه مفعول به لا عملوا فالكلام كقولك عملت الطاعة، وقيل: إن اعملوا أقيم مقام اشكروا مشاكلة لقوله سبحانه يعملون.
وقال ابن الحاجب: إنه جعل مفعولا به تجوزا. وأيا ما كان فقد روى ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال: لما قيل لهم اعملوا آل داود شكرا، لم يأت ساعة على القوم إلا ومنهم قائم يصلي،
وفي رواية
وحكى مكي في الهداية أن قوما أجازوا التصوير وحكاه النحاس أيضا وكذا ابن الفرس واحتجوا بهذه الآية، وأنت تعلم أنه ورد في شرعنا من تشديد الوعيد على المصورين ما ورد فلا يلتفت إلى هذا القول ولا يصح الاحتجاج بالآية، وكأنه إنما حرمت التماثيل لأنه بمرور الزمان اتخذها الجهلة مما يعبد وظنوا وضعها في المعابد لذلك فشاعت عبادة الأصنام أو سدا لباب التشبه بمتخذي الأصنام بالكلية وَجِفانٍ جمع جفنة وهي ما يوضع فيها الطعام مطلقا كما ذكره غير واحد، وقال بعض اللغويين: الجفنة أعظم القصاع ويليها القصعة وهي ما تشبع العشرة ويليها الصحفة وهي ما تشبع الخمسة ويليها المئكلة وهي ما تشبع الاثنين والثلاثة ويليها الصحيفة وهي ما تشبع الواحد، وعليه فالمراد هنا المطلق لظاهر قوله تعالى: كَالْجَوابِ أي كالحياض العظام جمع جابية من الجباية أي الجمع فهي في الأصل مجاز في الطرف أو النسبة لأنها يجبي إليها لا جابية ثم غلبت على الإناء المخصوص غلبة الدابة في ذوات الأربع، وجاء تشبيه الجفنة بالجابية في كلامهم من ذلك قول الأعشى:
نفي الذم عن آل المحلق جفنة... كجابية السيح العراقي تفهق
وقول الأفوه الأودي:
وقدور كالربى راسيه... وجفان كالجوابي مترعه
وذكر في سعة جفان سليمان عليه السّلام أنها كان على الواحدة منها ألف رجل. وقرىء «كالجوابي» بياء وهو الأصل وحذفها للاجتزاء بالكسرة وإجراء أل مجرى ما عاقبها وهو التنوين فكما يحذف مع التنوين يحذف مع ما عاقبه وَقُدُورٍ جمع قدر وهو ما يطبخ فيه من فخار أو غيره وهو على شكل مخصوص راسِياتٍ ثابتات على الأثافي لا تنزل عنها لعظمها قاله قتادة، وقيل: كانت عظيمة كالجبال وقدمت المحاريب على التماثيل لأن الصور توضع في المحاريب أو تنقش على جدرانها، وقدمت الجفان على القدور مع أن القدور آلة الطبخ والجفان آلة الأكل والطبخ قبل الأكل لأنه لما ذكرت الأبنية الملكية ناسب أن يشار إلى عظمة السماط الذي يمد فيها فذكرت الجفان أولا لأنها تكون فيها بخلاف القدور فإنها لا تحضر هناك كما ينبىء عنه قوله تعالى: راسِياتٍ على ما سمعت أولا، وكأنه لما بين حال الجفان اشتاق الذهن إلى حال القدور فذكرت للمناسبة.
اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً بتقدير القول على الاستئناف أو الحالية من فاعل (سخرنا) المقدر وآل منادى حذف منه حرف النداء وشُكْراً نصب على أنه مفعول له، وفيه إشارة إلى أن العمل حقه أن يكون للشكر لا للرجاء والخوف أو على أنه مفعول مطلق لاعملوا لأن الشكر نوع من العمل فهو كقعدت القرفصاء، وقيل: لتضمين اعْمَلُوا معنى اشكروا، وقيل: لا شكروا محذوفا أو على أنه حال بتأويل اسم الفاعل أي اعملوا شاكرين لأن الشكر يعم القلب والجوارح أو على أنه صفة لمصدر محذوف أي اعملوا عملا شكرا أو على أنه مفعول به لا عملوا فالكلام كقولك عملت الطاعة، وقيل: إن اعملوا أقيم مقام اشكروا مشاكلة لقوله سبحانه يعملون.
وقال ابن الحاجب: إنه جعل مفعولا به تجوزا. وأيا ما كان فقد روى ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال: لما قيل لهم اعملوا آل داود شكرا، لم يأت ساعة على القوم إلا ومنهم قائم يصلي،
وفي رواية
294
كان مصلى آل داود لم يخل من قائم يصلي ليلا ونهارا وكانوا يتناوبونه وكان سليمان عليه السّلام يأكل خبز الشعير ويطعم أهله خشادته، والمساكين الدرمك وهو الدقيق الحواري وما شبع قط، وقيل: له في ذلك فقال: أخاف إذا شبعت أن أنسى الجياع، وجوز بعض الأفاضل دخول داود عليه السّلام في الآل هنا لأن آل الرجل قد يعمه.
ويؤيده ما
أخرجه أحمد في الزهد: وابن المنذر والبيهقي في شعب الإيمان عن المغيرة بن عتيبة قال: قال داود عليه السّلام يا رب هل بات أحد من خلقك أطول ذكرا مني فأوحى الله تعالى إليه الضفدع وأنزل سبحانه عليه عليه السّلام اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً فقال داود عليه السّلام كيف أطيق شكرك وأنت الذي تنعم عليّ ثم ترزقني على النعمة الشكر فالنعمة منك والشكر منك فكيف أطيق شكرك؟ فقال جل وعلا: يا داود الآن عرفتني حق معرفتي.
وجاء في رواية ابن أبي حاتم عن الفضيل أنه عليه السّلام قال يا رب: كيف أشكرك والشكر نعمة منك؟ قال سبحانه: الآن شكرتني حين علمت النعم مني
، وكذا ما
أخرجه الفريابي: وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: قال داود لسليمان عليهما السّلام: قد ذكر الله تعالى الشكر فاكفني قيام النار أكفك قيام الليل قال: لا أستطيع قال: فأكفني صلاة النهار فكفاه
وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ قال ابن عباس: هو الذي يشكر على أحواله كلها، وفي الكشاف هو المتوفر على أداء الشكر الباذل وسعه فيه قد شغل به قلبه ولسانه وجوارحه اعترافا واعتقادا وكدحا وأكثر أوقاته، وقال السدي هو من يشكر على الشكر، وقيل: من يرى عجزه عن الشكر لأن توفيقه للشكر نعمة يستدعي شكرا آخر لا إلى نهاية، وقد نظم هذا بعضهم فقال:
وقد سمعت آنفا ما روي عن داود عليه السّلام، وهذه الجملة يحتمل أن تكون داخلة في خطاب آل داود وهو الظاهر وأن تكون جملة مستقلة جيء بها إخبارا لنبينا صلّى الله عليه وسلم وفيها تنبيه وتحريض على الشكر.
وقرأ حمزة «عبادي» بسكون الياء وفتحها الباقون فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ قيل أي أوقعنا على سليمان الموت حاكمين به عليه، وفي مجمع البيان أي حكمنا عليه بالموت، وقيل: أوجبناه عليه، وفي البحر أي أنفذنا عليه ما قضينا عليه في الأزل من الموت وأخرجناه إلى حيز الوجود، وفيه تكلف، وأيا ما كان فليس المراد بالقضاء أخا القدر فتدبر، ولما شرطية ما بعدها شرطها وجوابها قوله تعالى: ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ واستدل بذلك على حرفيتها وفيه نظر، وضمير دَلَّهُمْ عائد على الجن الذين كانوا يعملون له عليه السّلام، وقيل: عائد على آل سليمان، ويأباه بحسب الظاهر قوله تعالى بعد تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ والمراد بدابة الأرض الأرضة بفتحات وهي دويبة تأكل الخشب ونحوه وتسمى سرفة بضم السين وإسكان الراء المهملة وبالفاء، وفي حياة الحيوان عن ابن السكيت إنها دويبة سوداء الرأس وسائرها أحمر تتخذ لنفسها بيتا مربعا من دقاق العيدان تضم بعضها إلى بعض بلعابها ثم تدخل فيه وتموت، وفي المثل أصنع من سرفة وسماها في البحر بسوسة الخشب، والأرض على ما ذهب إليه أبو حاتم وجماعة مصدر أرضت الدابة الخشب تأرضه إذا أكلته من باب ضرب يضرب فإضافة دَابَّةُ إليه من إضافة الشيء إلى فعله، ويؤيد ذلك قراءة ابن عباس والعباس بن الفضل الْأَرْضِ بفتح الراء لأنه مصدر أرض من باب علم المطاوع لأرض من باب ضرب يقال أرضت الدابة الخشب بالفتح فأرض بالكسر كما يقال أكلت القوادح الأسنان أكلا فأكلت أكلا فالأرض بالسكون الأكل والأرض بالفتح التأثر من ذلك الفعل.
ويؤيده ما
أخرجه أحمد في الزهد: وابن المنذر والبيهقي في شعب الإيمان عن المغيرة بن عتيبة قال: قال داود عليه السّلام يا رب هل بات أحد من خلقك أطول ذكرا مني فأوحى الله تعالى إليه الضفدع وأنزل سبحانه عليه عليه السّلام اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً فقال داود عليه السّلام كيف أطيق شكرك وأنت الذي تنعم عليّ ثم ترزقني على النعمة الشكر فالنعمة منك والشكر منك فكيف أطيق شكرك؟ فقال جل وعلا: يا داود الآن عرفتني حق معرفتي.
وجاء في رواية ابن أبي حاتم عن الفضيل أنه عليه السّلام قال يا رب: كيف أشكرك والشكر نعمة منك؟ قال سبحانه: الآن شكرتني حين علمت النعم مني
، وكذا ما
أخرجه الفريابي: وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: قال داود لسليمان عليهما السّلام: قد ذكر الله تعالى الشكر فاكفني قيام النار أكفك قيام الليل قال: لا أستطيع قال: فأكفني صلاة النهار فكفاه
وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ قال ابن عباس: هو الذي يشكر على أحواله كلها، وفي الكشاف هو المتوفر على أداء الشكر الباذل وسعه فيه قد شغل به قلبه ولسانه وجوارحه اعترافا واعتقادا وكدحا وأكثر أوقاته، وقال السدي هو من يشكر على الشكر، وقيل: من يرى عجزه عن الشكر لأن توفيقه للشكر نعمة يستدعي شكرا آخر لا إلى نهاية، وقد نظم هذا بعضهم فقال:
إذا كان شكري نعمة الله نعمة | علي له في مثلها يجب الشكر |
فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله | وإن طالت الأيام واتسع العمر |
إذا مس بالنعماء عم سرورها | وإن مس بالضراء أعقبها الأجر |
وقرأ حمزة «عبادي» بسكون الياء وفتحها الباقون فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ قيل أي أوقعنا على سليمان الموت حاكمين به عليه، وفي مجمع البيان أي حكمنا عليه بالموت، وقيل: أوجبناه عليه، وفي البحر أي أنفذنا عليه ما قضينا عليه في الأزل من الموت وأخرجناه إلى حيز الوجود، وفيه تكلف، وأيا ما كان فليس المراد بالقضاء أخا القدر فتدبر، ولما شرطية ما بعدها شرطها وجوابها قوله تعالى: ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ واستدل بذلك على حرفيتها وفيه نظر، وضمير دَلَّهُمْ عائد على الجن الذين كانوا يعملون له عليه السّلام، وقيل: عائد على آل سليمان، ويأباه بحسب الظاهر قوله تعالى بعد تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ والمراد بدابة الأرض الأرضة بفتحات وهي دويبة تأكل الخشب ونحوه وتسمى سرفة بضم السين وإسكان الراء المهملة وبالفاء، وفي حياة الحيوان عن ابن السكيت إنها دويبة سوداء الرأس وسائرها أحمر تتخذ لنفسها بيتا مربعا من دقاق العيدان تضم بعضها إلى بعض بلعابها ثم تدخل فيه وتموت، وفي المثل أصنع من سرفة وسماها في البحر بسوسة الخشب، والأرض على ما ذهب إليه أبو حاتم وجماعة مصدر أرضت الدابة الخشب تأرضه إذا أكلته من باب ضرب يضرب فإضافة دَابَّةُ إليه من إضافة الشيء إلى فعله، ويؤيد ذلك قراءة ابن عباس والعباس بن الفضل الْأَرْضِ بفتح الراء لأنه مصدر أرض من باب علم المطاوع لأرض من باب ضرب يقال أرضت الدابة الخشب بالفتح فأرض بالكسر كما يقال أكلت القوادح الأسنان أكلا فأكلت أكلا فالأرض بالسكون الأكل والأرض بالفتح التأثر من ذلك الفعل.
295
وقد يفسر الأول بالتأثر الذي هو الحاصل بالمصدر لتتوافق القراءتان، وقيل الأرض بالفتح جمع أرضة وإضافة دَابَّةُ إليه من إضافة العام إلى الخاص، وقيل: إن الأرض بالسكون بمعناها المعروف وإضافة دَابَّةُ إليها قيل لأن فعلها في الأكثر فيها، وقيل لأنها تؤثر في الخشب ونحوه كما تؤثر الأرض فيه إذا دفن فيها وقيل غير ذلك والأولى التفسير الأول وإن لم تجىء الأرض في القرآن بذلك المعنى في غير هذا الموضع، وقوله تعالى: تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ في موضع الحال من دَابَّةُ أي آكلة منسأته والمنسأة العصا من نسأت البعير إذا طردته لأنها يطرد بها أو من نسأته إذا أخرته ومنه النسيء، ويظهر من هذا أنها العصا الكبيرة التي تكون مع الراعي وأضرابه.
وقرأ نافع وابن عامر وجماعة «منساته» بألف وأصله منسأته فأبدلت الهمزة ألفا بدلا غير قياسي.
وقال أبو عمرو: أنا لا أهمزها لأني لا أعرف لها اشتقاقا فإن كانت مما لا تهمز فقد احتطت وإن كانت مما تهمز فقد يجوز لي ترك الهمز فيما يهمز، ولعله بيان لوجه اختيار القراءة بدون همزة وبالهمز جاءت في قول الشاعر:
ضربت بمنسأة وجهه... فصار بذاك مهينا ذليلا
وبدونه في قوله:
إذا دببت على المنساة من هرم... فقد تباعد منك اللهو والغزل
وقرأ ابن ذكوان وبكار والوليد بن أبي عتبة وابن مسلم وآخرون «منسأته» بهمزة ساكنة وهو من تسكين المتحرك تخفيفا وليس بقياس، وضعف النحاة هذه القراءة لأنه يلزم فيها أن يكون ما قبل تاء التأنيث ساكنا غير ألف، وقيل:
قياسها التخفيف بين بين والراوي لم يضبط، وأنشد هارون بن موسى الأخفش الدمشقي شاهدا على السكون في هذه القراءة قول الراجز:
صريع خمر قام من وكأته... كقومة الشيخ إلى منسأته
وقرىء بفتح الميم وتخفيف الهمزة قلبا وحذفا و «منساءته» بالمد على وزن مفعالة كما يقال في الميضأة وهي آلة التوضؤ وتطلق على محله أيضا ميضاءة، وقرىء «منسيته» بإبدال الهمزة ياء. وقرأت فرقة منهم عمرو بن ثابت عن ابن جبير «من» مفصولة حرف جر «ساته» بجر التاء وهي طرف العصا وأصلها ما انعطف من طرفي القوس ويقال فيه سية أيضا استعيرت لما ذكر إما استعارة اصطلاحية لأنها كانت خضراء فاعوجت بالاتكاء عليها على ما ستسمعه إن شاء الله تعالى في القصة أو لغوية باستعمال المقيد في المطلق، وبما ذكر علم رد ما قاله البطليوسي بعد ما نقل هذه القراءة عن القراء أنه تعجرف لا يجوز أن يستعمل في كتاب الله عزّ وجلّ ولم يأت به رواية ولا سماع ومع ذلك هو غير موافق لقصة سليمان عليه السّلام لأنه لم يكن معتمدا على قوس وإنما كان معتمدا على عصا. وقرىء «أكلت منسأته» بصيغة الماضي فالجملة إما حال أيضا بتقدير قد أو بدونه وإما استئناف بياني.
فَلَمَّا خَرَّ أي سقط تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أي علمت بعد التباس أمر سليمان من حياته ومماته عليهم أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ أنهم لو كانوا يعلمون الغيب كما يزعمون لعلموا موته زمن وقوعه فلم يلبثوا بعده حولا في الأعمال الشاقة إلى أن خر، والمراد بالجن الذين علموا ذلك ضعفاء الجن وبالذين نفي عنهم علم الغيب رؤساؤهم وكبارهم على ما روي عن قتادة، وجوز عليه أن يراد بالأمر الملتبس عليهم أمر علم الغيب أو المراد بالجن الجنس بأن يسند للكل ما للبعض أو المراد كبارهم المدعون علم الغيب أي علم المدعون علم الغيب منهم عجزهم وأنهم لا يعلمون الغيب، وهم وإن كانوا عالمين قبل ذلك بحالهم لكن أريد التهكم بهم كما تقول
وقرأ نافع وابن عامر وجماعة «منساته» بألف وأصله منسأته فأبدلت الهمزة ألفا بدلا غير قياسي.
وقال أبو عمرو: أنا لا أهمزها لأني لا أعرف لها اشتقاقا فإن كانت مما لا تهمز فقد احتطت وإن كانت مما تهمز فقد يجوز لي ترك الهمز فيما يهمز، ولعله بيان لوجه اختيار القراءة بدون همزة وبالهمز جاءت في قول الشاعر:
ضربت بمنسأة وجهه... فصار بذاك مهينا ذليلا
وبدونه في قوله:
إذا دببت على المنساة من هرم... فقد تباعد منك اللهو والغزل
وقرأ ابن ذكوان وبكار والوليد بن أبي عتبة وابن مسلم وآخرون «منسأته» بهمزة ساكنة وهو من تسكين المتحرك تخفيفا وليس بقياس، وضعف النحاة هذه القراءة لأنه يلزم فيها أن يكون ما قبل تاء التأنيث ساكنا غير ألف، وقيل:
قياسها التخفيف بين بين والراوي لم يضبط، وأنشد هارون بن موسى الأخفش الدمشقي شاهدا على السكون في هذه القراءة قول الراجز:
صريع خمر قام من وكأته... كقومة الشيخ إلى منسأته
وقرىء بفتح الميم وتخفيف الهمزة قلبا وحذفا و «منساءته» بالمد على وزن مفعالة كما يقال في الميضأة وهي آلة التوضؤ وتطلق على محله أيضا ميضاءة، وقرىء «منسيته» بإبدال الهمزة ياء. وقرأت فرقة منهم عمرو بن ثابت عن ابن جبير «من» مفصولة حرف جر «ساته» بجر التاء وهي طرف العصا وأصلها ما انعطف من طرفي القوس ويقال فيه سية أيضا استعيرت لما ذكر إما استعارة اصطلاحية لأنها كانت خضراء فاعوجت بالاتكاء عليها على ما ستسمعه إن شاء الله تعالى في القصة أو لغوية باستعمال المقيد في المطلق، وبما ذكر علم رد ما قاله البطليوسي بعد ما نقل هذه القراءة عن القراء أنه تعجرف لا يجوز أن يستعمل في كتاب الله عزّ وجلّ ولم يأت به رواية ولا سماع ومع ذلك هو غير موافق لقصة سليمان عليه السّلام لأنه لم يكن معتمدا على قوس وإنما كان معتمدا على عصا. وقرىء «أكلت منسأته» بصيغة الماضي فالجملة إما حال أيضا بتقدير قد أو بدونه وإما استئناف بياني.
فَلَمَّا خَرَّ أي سقط تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أي علمت بعد التباس أمر سليمان من حياته ومماته عليهم أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ أنهم لو كانوا يعلمون الغيب كما يزعمون لعلموا موته زمن وقوعه فلم يلبثوا بعده حولا في الأعمال الشاقة إلى أن خر، والمراد بالجن الذين علموا ذلك ضعفاء الجن وبالذين نفي عنهم علم الغيب رؤساؤهم وكبارهم على ما روي عن قتادة، وجوز عليه أن يراد بالأمر الملتبس عليهم أمر علم الغيب أو المراد بالجن الجنس بأن يسند للكل ما للبعض أو المراد كبارهم المدعون علم الغيب أي علم المدعون علم الغيب منهم عجزهم وأنهم لا يعلمون الغيب، وهم وإن كانوا عالمين قبل ذلك بحالهم لكن أريد التهكم بهم كما تقول
296
للمبطل إذا دحضت حجته هل تبينت أنك مبطل. وأنت تعلم أنه لم يزل كذلك متبينا.
وجوز أن يكون تبين بمعنى بأن وظهر فهو وغير متعد لمفعول كما في الوجه الأول فإن مفعوله فيه أَنْ لَوْ كانُوا إلخ وهو في هذا الوجه بدل من الْجِنُّ بدل اشتمال نحو تبين زيد جهله، والظهور في الحقيقة مسند إليه أي فلما خر بأن للناس وظهر أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب، ولا حاجة على ما قرر إلى اعتبار مضاف مقدر هو فاعل تبين في الحقيقة إلا أنه بعد حذفه أقيم المضاف إليه مقامه وأسند إليه الفعل ثم جعل أَنْ لَوْ كانُوا إلخ بدلا منه بدل كل من كل والأصل تبين أمر الجن أن لو كانوا إلخ، وجعل بعضهم في قوله تعالى أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ إلخ قياسا طويت كبراه فكأنه قيل لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين لكنهم لبثوا في العذاب المهين فهم لا يعلمون الغيب، ومجيء تبين بمعنى بأن وظهر لازما وبمعنى أدرك وعلم متعديا موجود في كلام العرب قال الشاعر:
وقال الآخر:
وفي البحر نقلا عن ابن عطية قال: ذهب سيبويه إلى أن أَنْ لا موضع لها من الأعراب وإنما هي منزلة منزلة القسم من الفعل الذي معناه التحقيق واليقين، لأن هذه الأفعال التي هي تحققت وتيقنت وعلمت ونحوها تحل محل القسم- فما لبثوا- جواب القسم لا جواب لو اهـ فتأمله فإني لا أكاد أتعقله وجها يلتفت إليه.
وفي أمالي العز بن عبد السّلام أن الجن ليس فاعل تَبَيَّنَتِ بل هو مبتدأ وأَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ خبره والجملة مفسرة لضمير الشأن في تَبَيَّنَتِ إذ لولا ذلك لكان معنى الكلام لما مات سليمان وخر ظهر لهم أنهم لا يعلمون الغيب وعلمهم بعدم علمهم الغيب لا يتوقف على هذا بل المعنى تبينت القصة ما هي والقصة قوله تعالى:
تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ اهـ، والعجب من صدور مثله عن مثله، وما جعله مانعا عن فاعلية الْجِنُّ مدفوع بما سمعت في تفسير الآية كما لا يخفى، وفي كتاب النحاس إشارة إلى أنه قرىء «تبينت الجن» بالنصب على أن تبينت بمعنى علمت والفاعل ضمير الإنس والجن مفعوله، وقرأ ابن عباس فيما ذكر ابن خالويه ويعقوب بخلاف عنه «تبيّنت» مبنيا للمفعول، وقرأ أبي «تبينت الإنس» وعن الضحاك «تباينت الإنس» بمعنى تعارقت وتعالمت والضمير في كانُوا للجن المذكور فيما سبق وقرأ ابن مسعود «تبينت الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب» وهي قراءات مخالفة لسواد المصحف مخالفة كثيرة وفي القصة روايات
فروي أنه كان من عادة سليمان عليه السّلام أن يعتكف في مسجد بيت المقدس المدد الطوال فلما دنا أجله لم يصبح إلا رأى في محرابه شجرة نابتة قد أنطقها الله تعالى فيسألها لأي شيء أنت؟ فتقول: لكذا حتى أصبح ذات يوم فرأى الخرنوبة فسألها فقالت نبت لخراب هذا المسجد فقال: ما كان الله تعالى ليخربه وأنا حي أنت التي على وجهك هلاكي وخراب بيت المقدس فنزعها وغرسها في حائط له واتخذ منها عصا وقال: اللهم عم على الجن موتى حتى يعلم أنهم لا يعلمون الغيب كما يموهون وقال لملك الموت: إذا أمرت بي فاعلمني فقال: أمرت بك وقد بقي من عمرك ساعة فدعا الجن فبنوا عليه صرحا من قوارير ليس له باب فقام يصلي متكئا على عصاه فقبض روحه وهو متكىء عليها وكانت الجن تجتمع حول محرابه أينما صلى فلم يكن جني ينظر إليه في صلاته إلا احترق فمر جني فلم يسمع صوته ثم رجع فلم يسمع فنظر إذا سليمان قد خر ميتا ففتحوا عنه فإذا العصا قد أكلتها الأرضة فأرادوا أن يعرفوا وقت موته
وجوز أن يكون تبين بمعنى بأن وظهر فهو وغير متعد لمفعول كما في الوجه الأول فإن مفعوله فيه أَنْ لَوْ كانُوا إلخ وهو في هذا الوجه بدل من الْجِنُّ بدل اشتمال نحو تبين زيد جهله، والظهور في الحقيقة مسند إليه أي فلما خر بأن للناس وظهر أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب، ولا حاجة على ما قرر إلى اعتبار مضاف مقدر هو فاعل تبين في الحقيقة إلا أنه بعد حذفه أقيم المضاف إليه مقامه وأسند إليه الفعل ثم جعل أَنْ لَوْ كانُوا إلخ بدلا منه بدل كل من كل والأصل تبين أمر الجن أن لو كانوا إلخ، وجعل بعضهم في قوله تعالى أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ إلخ قياسا طويت كبراه فكأنه قيل لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين لكنهم لبثوا في العذاب المهين فهم لا يعلمون الغيب، ومجيء تبين بمعنى بأن وظهر لازما وبمعنى أدرك وعلم متعديا موجود في كلام العرب قال الشاعر:
تبين لي أن القماءة ذلة | وأن أعزاء الرجال طيالها |
أفاطم إني ميت فتبيني | ولا تجزعي كل الأنام تموت |
وفي أمالي العز بن عبد السّلام أن الجن ليس فاعل تَبَيَّنَتِ بل هو مبتدأ وأَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ خبره والجملة مفسرة لضمير الشأن في تَبَيَّنَتِ إذ لولا ذلك لكان معنى الكلام لما مات سليمان وخر ظهر لهم أنهم لا يعلمون الغيب وعلمهم بعدم علمهم الغيب لا يتوقف على هذا بل المعنى تبينت القصة ما هي والقصة قوله تعالى:
تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ اهـ، والعجب من صدور مثله عن مثله، وما جعله مانعا عن فاعلية الْجِنُّ مدفوع بما سمعت في تفسير الآية كما لا يخفى، وفي كتاب النحاس إشارة إلى أنه قرىء «تبينت الجن» بالنصب على أن تبينت بمعنى علمت والفاعل ضمير الإنس والجن مفعوله، وقرأ ابن عباس فيما ذكر ابن خالويه ويعقوب بخلاف عنه «تبيّنت» مبنيا للمفعول، وقرأ أبي «تبينت الإنس» وعن الضحاك «تباينت الإنس» بمعنى تعارقت وتعالمت والضمير في كانُوا للجن المذكور فيما سبق وقرأ ابن مسعود «تبينت الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب» وهي قراءات مخالفة لسواد المصحف مخالفة كثيرة وفي القصة روايات
فروي أنه كان من عادة سليمان عليه السّلام أن يعتكف في مسجد بيت المقدس المدد الطوال فلما دنا أجله لم يصبح إلا رأى في محرابه شجرة نابتة قد أنطقها الله تعالى فيسألها لأي شيء أنت؟ فتقول: لكذا حتى أصبح ذات يوم فرأى الخرنوبة فسألها فقالت نبت لخراب هذا المسجد فقال: ما كان الله تعالى ليخربه وأنا حي أنت التي على وجهك هلاكي وخراب بيت المقدس فنزعها وغرسها في حائط له واتخذ منها عصا وقال: اللهم عم على الجن موتى حتى يعلم أنهم لا يعلمون الغيب كما يموهون وقال لملك الموت: إذا أمرت بي فاعلمني فقال: أمرت بك وقد بقي من عمرك ساعة فدعا الجن فبنوا عليه صرحا من قوارير ليس له باب فقام يصلي متكئا على عصاه فقبض روحه وهو متكىء عليها وكانت الجن تجتمع حول محرابه أينما صلى فلم يكن جني ينظر إليه في صلاته إلا احترق فمر جني فلم يسمع صوته ثم رجع فلم يسمع فنظر إذا سليمان قد خر ميتا ففتحوا عنه فإذا العصا قد أكلتها الأرضة فأرادوا أن يعرفوا وقت موته
297
فوضعوا الأرضة على العصا فأكلت منها في يوم وليلة مقدارا فحسبوا على ذلك النحو فوجدوه قد مات منذ سنة وكانوا يعملون بين يديه ويحسبونه حيا فتبين أنهم لو كانوا يعلمون الغيب لما لبثوا في العذاب سنة
، ولا يخفى أن هذا من باب التخمين والاقتصار على الأقل وإلا فيجوز أن تكون الأرضة بدت بالأكل بعد موته بزمان كثير وأنها كانت تأكل أحيانا وتترك أحيانا.
وأما كون بدئها في حياته فبعيد، وكونه بالوحي إلى نبي في ذلك الزمان كما قيل فواه لأنه لو كان كذلك لم يحتاجوا إلى وضع الأرضة على العصا ليستعلموا المدة، وروي أن داود عليه السّلام أسس بناء بيت المقدس في موضع فسطاط موسى عليه السّلام فمات قبل أن يتمه فوصى به إلى سليمان فأمر الجن بإتمامه فلما بقي من عمره سنة سأل أن يعمى عليهم موته حتى يفرغوا منه ولتبطل دعواهم علم الغيب، وهذا بظاهره مخالف لما روي أن إبراهيم عليه السّلام هو الذي أسس بيت المقدس بعد الكعبة بأربعين سنة ثم خرب وأعاده داود ومات قبل أن يتمه، وأيضا إن موسى عليه السّلام لم يدخل بيت المقدس بل مات في التيه،
وجاء في الحديث الصحيح أنه عليه السّلام سأل ربه عند وفاته أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر
، وأيضا
قد روي أن سليمان قد فرغ من بناء المسجد وتعبد فيه وتجهز بعده للحج شكرا لله تعالى على ذلك
. وأجيب عن الأول بأن المراد تجديد التأسيس، وعن الثاني بأن المراد بفسطاط موسى فسطاطه المتوارث وكانوا يضربونه يتعبدون فيه تبركا لا أنه كان يضرب هنالك في زمنه عليه السّلام، ويحتاج هذا إلى نقل فإن مثله لا يقال بالرأي فإن كان فأهلا ومرحبا، وقيل المراد به مجمع العبادة على دين موسى كما وقع في الحديث فسطاط إيمان.
وقال القرطبي في التذكرة: المراد به فرقة منحازة عن غيرها، مجتمعة تشبيها بالخيمة، ولا يخفى ما فيهما وإن قيل إنهما أظهر من الأول، وعن الثالث بأن المراد بالفراغ القرب من الفراغ وما قارب الشيء له حكمه وفيه بعد واختير أن هذا رواية وذاك رواية والله تعالى أعلم بالصحيح منهما.
وروي أنه عليه السّلام قد أمر ببناء صرح له فبنوه فدخله مختليا ليصفو له يوم في الدهر من الكدر فدخل عليه شاب فقال: له كيف دخلت عليّ بلا إذن؟ فقال: إنما دخلت بإذن فقال: ومن أذن لك؟ قال: رب هذا الصرح فعلم أنه ملك الموت أتى لقبض روحه فقال: سبحان الله هذا اليوم الذي طلبت فيه الصفا فقال له: طلبت ما لم يخلق فاستوثق من الاتكاء على عصاه فقبض روحه وخفي على الجن موته حتى سقط
، وروي أن أفريدون جاء ليصعد كرسيه فلما دنا ضرب الأسدان ساقه فكسراها فلم يجسر أحد بعده أن يدنو منه، ولذا لم تقربه الجن وخفي أمر موته عليهم.
ونظر فيه بأن سليمان كان بعد موسى بمدة مديدة وأفريدون كان قبله لأن منوجهر من أسباط أفريدون وظهر موسى عليه في زمانه، وعلى جميع الروايات الدالة على موته عليه السّلام خروره لما كسرت العصا لضعفها بأكل الأرضة منها، ونسبة الدلالة في الآية إليها نسبة إلى السبب البعيد.
ومن الغريب ما نقل عن ابن عباس أنه عليه السّلام مات في متعبده على فراشه، وقد أغلق الباب على نفسه فأكلت الأرضة المنسأة أي عتبة الباب فلما خر أي الباب علم موته فإن فيه جعل ضمير خَرَّ للباب وإليه ذهب بعضهم، وفيه أنه لم يعهد تسمية العتبة منسأة، وأيضا كان اللازم عليه خرت بتاء التأنيث ولا يجيء حذفها في مثل ذلك إلا في ضرورة الشعر، وكون التذكير على معنى العود بعيد فالظاهر عدم صحة الرواية عن الحبر والله تعالى أعلم.
وحكى البغوي عنه أن الجن شكروا الأرضة فهم يأتونها بالماء والطين في جوف الخشب وهذا شيء لا أقول به ولا أعتقد صحة الرواية أيضا، وكان عمره عليه السّلام ثلاثا وخمسين سنة وملك بعد أبيه وعمره ثلاثة عشر سنة وابتدأ
، ولا يخفى أن هذا من باب التخمين والاقتصار على الأقل وإلا فيجوز أن تكون الأرضة بدت بالأكل بعد موته بزمان كثير وأنها كانت تأكل أحيانا وتترك أحيانا.
وأما كون بدئها في حياته فبعيد، وكونه بالوحي إلى نبي في ذلك الزمان كما قيل فواه لأنه لو كان كذلك لم يحتاجوا إلى وضع الأرضة على العصا ليستعلموا المدة، وروي أن داود عليه السّلام أسس بناء بيت المقدس في موضع فسطاط موسى عليه السّلام فمات قبل أن يتمه فوصى به إلى سليمان فأمر الجن بإتمامه فلما بقي من عمره سنة سأل أن يعمى عليهم موته حتى يفرغوا منه ولتبطل دعواهم علم الغيب، وهذا بظاهره مخالف لما روي أن إبراهيم عليه السّلام هو الذي أسس بيت المقدس بعد الكعبة بأربعين سنة ثم خرب وأعاده داود ومات قبل أن يتمه، وأيضا إن موسى عليه السّلام لم يدخل بيت المقدس بل مات في التيه،
وجاء في الحديث الصحيح أنه عليه السّلام سأل ربه عند وفاته أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر
، وأيضا
قد روي أن سليمان قد فرغ من بناء المسجد وتعبد فيه وتجهز بعده للحج شكرا لله تعالى على ذلك
. وأجيب عن الأول بأن المراد تجديد التأسيس، وعن الثاني بأن المراد بفسطاط موسى فسطاطه المتوارث وكانوا يضربونه يتعبدون فيه تبركا لا أنه كان يضرب هنالك في زمنه عليه السّلام، ويحتاج هذا إلى نقل فإن مثله لا يقال بالرأي فإن كان فأهلا ومرحبا، وقيل المراد به مجمع العبادة على دين موسى كما وقع في الحديث فسطاط إيمان.
وقال القرطبي في التذكرة: المراد به فرقة منحازة عن غيرها، مجتمعة تشبيها بالخيمة، ولا يخفى ما فيهما وإن قيل إنهما أظهر من الأول، وعن الثالث بأن المراد بالفراغ القرب من الفراغ وما قارب الشيء له حكمه وفيه بعد واختير أن هذا رواية وذاك رواية والله تعالى أعلم بالصحيح منهما.
وروي أنه عليه السّلام قد أمر ببناء صرح له فبنوه فدخله مختليا ليصفو له يوم في الدهر من الكدر فدخل عليه شاب فقال: له كيف دخلت عليّ بلا إذن؟ فقال: إنما دخلت بإذن فقال: ومن أذن لك؟ قال: رب هذا الصرح فعلم أنه ملك الموت أتى لقبض روحه فقال: سبحان الله هذا اليوم الذي طلبت فيه الصفا فقال له: طلبت ما لم يخلق فاستوثق من الاتكاء على عصاه فقبض روحه وخفي على الجن موته حتى سقط
، وروي أن أفريدون جاء ليصعد كرسيه فلما دنا ضرب الأسدان ساقه فكسراها فلم يجسر أحد بعده أن يدنو منه، ولذا لم تقربه الجن وخفي أمر موته عليهم.
ونظر فيه بأن سليمان كان بعد موسى بمدة مديدة وأفريدون كان قبله لأن منوجهر من أسباط أفريدون وظهر موسى عليه في زمانه، وعلى جميع الروايات الدالة على موته عليه السّلام خروره لما كسرت العصا لضعفها بأكل الأرضة منها، ونسبة الدلالة في الآية إليها نسبة إلى السبب البعيد.
ومن الغريب ما نقل عن ابن عباس أنه عليه السّلام مات في متعبده على فراشه، وقد أغلق الباب على نفسه فأكلت الأرضة المنسأة أي عتبة الباب فلما خر أي الباب علم موته فإن فيه جعل ضمير خَرَّ للباب وإليه ذهب بعضهم، وفيه أنه لم يعهد تسمية العتبة منسأة، وأيضا كان اللازم عليه خرت بتاء التأنيث ولا يجيء حذفها في مثل ذلك إلا في ضرورة الشعر، وكون التذكير على معنى العود بعيد فالظاهر عدم صحة الرواية عن الحبر والله تعالى أعلم.
وحكى البغوي عنه أن الجن شكروا الأرضة فهم يأتونها بالماء والطين في جوف الخشب وهذا شيء لا أقول به ولا أعتقد صحة الرواية أيضا، وكان عمره عليه السّلام ثلاثا وخمسين سنة وملك بعد أبيه وعمره ثلاثة عشر سنة وابتدأ
298
في بناء بيت المقدس لأربع سنين مضين من ملكه ثم مضى وانقضى وسبحان من لا ينقضي ملكه ولا يزول سلطانه، وفي الآية دليل على أن الغيب لا يختص بالأمور المستقبلة بل يشمل الأمور الواقعة التي هي غائبة عن الشخص أيضا لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ لما ذكر عزّ وجلّ حال الشاكرين لنعمه المنيبين إليه تعالى ذكر حال الكافرين بالنعمة المعرضين عنه جل شأنه موعظة لقريش وتحذيرا لمن كفر بالنعم وأعرض عن المنعم، وسبأ في الأصل اسم رجل وهو سبأ بن يشجب بالشين المعجمة والجيم كينصر بن يعرب بن قحطان،
وفي بعض الأخبار عن فروة بن مسيك قال: أتيت النبي صلّى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أخبرني عن سبأ أرجل هو أم امرأة؟ فقال: هو رجل من العرب ولد عشرة تيامن منهم ستة وتشاءم منهم أربعة فأما الذين تيامنوا فالأزد وكندة ومذحج والأشعريون وأنمار ومنهم بجيلة وأما الذين تشاءموا فعاملة وغسان ولخم وجذام
، وفي شرح قصيدة عبد المجيد بن عبدون لعبد الملك بن عبد الله بن بدرون الحضرمي البستي أن سبأ بن يشجب أول ملوك اليمن في قول واسمه عبد شمس وإنما سمي سبأ لأنه أول من سبى السبي من ولد قحطان وكان ملكه أربعمائة وأربعا وثمانين سنة ثم سمي به الحي، ومنع الصرف عنه ابن كثير وأبو عمرو باعتبار جعله اسما للقبيلة ففيه العلمية والتأنيث، وقرأ قنبل بإسكان الهمزة على نية الوقف، وعن ابن كثير قلب همزته ألفا ولعله سكنها أولا بنية الوقف كقنبل ثم قلبها ألفا والهمزة إذا سكنت يطرد قلبها من جنس حركة ما قبلها، وقيل: لعله أخرجها بين بين فلم يؤده الراوي كما وجب، والمراد بسبأ هنا إما الحي أو القبيلة وإما الرجل الذي سمعت وعليه فالكلام على تقدير مضاف أي لقد كان في أولاد سبأ، وجوز أن يراد به البلد وقد شاع إطلاقه عليه وحينئذ فالضمير في قوله تعالى:
فِي مَسْكَنِهِمْ لأهلها أولها مرادا بها الحي على سبيل الاستخدام والأمر فيه على ما تقدم ظاهر، والمسكين اسم مكان أي في محل سكناهم وهو كالدار يطلق على المأوى للجميع وإن كان قطرا واسعا كما تسمى الدنيا دارا، وقال أبو حيان: ينبغي أن يحمل على المصدر أي في سكناهم لأن كل أحد له مسكن وقد أفرد في هذه القراءة وجعل المفرد بمعنى الجمع كما في قوله:
كلوا في بعض بطنكم تعفوا وقوله:
قد عض أعناقهم جلد الجواميس يختص بالضرورة عند سيبويه انتهى.
وبما ذكرنا لا تبقى حاجة إليه كما لا يخفى، واسم ذلك المكان مأرب كمنزل وهي من بلاد اليمن بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاث، وقرأ الكسائي والأعمش وعلقمة «مسكنهم» بكسر الكاف على خلاف القياس كمسجد ومطلع لأن ما ضمت عين مضارعه أو فتحت قياس المفعل منه زمانا ومكانا ومصدرا الفتح لا غير، وقال أبو الحسن كسر الكاف لغة فاشية وهي لغة الناس اليوم والفتح لغة الحجاز وهي اليوم قليلة، وقال الفراء: هي لغة يمانية فصيحة.
وقرأ الجمهور «مساكنهم» جمعا أي في مواضع سكناهم آيَةٌ أي علامة دالة بملاحظة أخواتها السابقة واللاحقة على وجود الصانع المختار وأنه سبحانه قادر على ما يشاء من الأمور العجيبة مجاز للمحسن والمسيء وهي اسم كان وقوله تعالى: جَنَّتانِ بدل منها على ما أشار إليه الفراء وصرح به مكي وغيره، وقال الزجاج: خبر مبتدأ محذوف أي هي جنتان ولا يشترط في البدل المطابقة إفرادا وغيره وكذا الخبر إذا كان غير مشتق ولم يمنع المعنى من اتحاده مع المبتدأ، ولعل وجه توحيد الآية هنا مثله في قوله تعالى: وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً [المؤمنون: ٥٠] ولا حاجة إلى اعتبار مضاف مفرد محذوف هو البدل أو الخبر في الحقيقة أي قصة جنتين، وذهب ابن عطية بعد أن
وفي بعض الأخبار عن فروة بن مسيك قال: أتيت النبي صلّى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أخبرني عن سبأ أرجل هو أم امرأة؟ فقال: هو رجل من العرب ولد عشرة تيامن منهم ستة وتشاءم منهم أربعة فأما الذين تيامنوا فالأزد وكندة ومذحج والأشعريون وأنمار ومنهم بجيلة وأما الذين تشاءموا فعاملة وغسان ولخم وجذام
، وفي شرح قصيدة عبد المجيد بن عبدون لعبد الملك بن عبد الله بن بدرون الحضرمي البستي أن سبأ بن يشجب أول ملوك اليمن في قول واسمه عبد شمس وإنما سمي سبأ لأنه أول من سبى السبي من ولد قحطان وكان ملكه أربعمائة وأربعا وثمانين سنة ثم سمي به الحي، ومنع الصرف عنه ابن كثير وأبو عمرو باعتبار جعله اسما للقبيلة ففيه العلمية والتأنيث، وقرأ قنبل بإسكان الهمزة على نية الوقف، وعن ابن كثير قلب همزته ألفا ولعله سكنها أولا بنية الوقف كقنبل ثم قلبها ألفا والهمزة إذا سكنت يطرد قلبها من جنس حركة ما قبلها، وقيل: لعله أخرجها بين بين فلم يؤده الراوي كما وجب، والمراد بسبأ هنا إما الحي أو القبيلة وإما الرجل الذي سمعت وعليه فالكلام على تقدير مضاف أي لقد كان في أولاد سبأ، وجوز أن يراد به البلد وقد شاع إطلاقه عليه وحينئذ فالضمير في قوله تعالى:
فِي مَسْكَنِهِمْ لأهلها أولها مرادا بها الحي على سبيل الاستخدام والأمر فيه على ما تقدم ظاهر، والمسكين اسم مكان أي في محل سكناهم وهو كالدار يطلق على المأوى للجميع وإن كان قطرا واسعا كما تسمى الدنيا دارا، وقال أبو حيان: ينبغي أن يحمل على المصدر أي في سكناهم لأن كل أحد له مسكن وقد أفرد في هذه القراءة وجعل المفرد بمعنى الجمع كما في قوله:
كلوا في بعض بطنكم تعفوا وقوله:
قد عض أعناقهم جلد الجواميس يختص بالضرورة عند سيبويه انتهى.
وبما ذكرنا لا تبقى حاجة إليه كما لا يخفى، واسم ذلك المكان مأرب كمنزل وهي من بلاد اليمن بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاث، وقرأ الكسائي والأعمش وعلقمة «مسكنهم» بكسر الكاف على خلاف القياس كمسجد ومطلع لأن ما ضمت عين مضارعه أو فتحت قياس المفعل منه زمانا ومكانا ومصدرا الفتح لا غير، وقال أبو الحسن كسر الكاف لغة فاشية وهي لغة الناس اليوم والفتح لغة الحجاز وهي اليوم قليلة، وقال الفراء: هي لغة يمانية فصيحة.
وقرأ الجمهور «مساكنهم» جمعا أي في مواضع سكناهم آيَةٌ أي علامة دالة بملاحظة أخواتها السابقة واللاحقة على وجود الصانع المختار وأنه سبحانه قادر على ما يشاء من الأمور العجيبة مجاز للمحسن والمسيء وهي اسم كان وقوله تعالى: جَنَّتانِ بدل منها على ما أشار إليه الفراء وصرح به مكي وغيره، وقال الزجاج: خبر مبتدأ محذوف أي هي جنتان ولا يشترط في البدل المطابقة إفرادا وغيره وكذا الخبر إذا كان غير مشتق ولم يمنع المعنى من اتحاده مع المبتدأ، ولعل وجه توحيد الآية هنا مثله في قوله تعالى: وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً [المؤمنون: ٥٠] ولا حاجة إلى اعتبار مضاف مفرد محذوف هو البدل أو الخبر في الحقيقة أي قصة جنتين، وذهب ابن عطية بعد أن
299
ضعف وجه البدلية ولم يذكر الجهة إلى أن جَنَّتانِ مبتدأ خبره قوله تعالى: عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ ولا يظهر لأنه نكرة لا مسوغ للابتداء بها إلا أن اعتقد أن ثم صفة محذوفة أي جنتان لهم أو جنتان عظيمتان وعلى تقدير ذلك يبقى الكلام متلفتا عما قبله. وقرأ ابن أبي عبلة «جنتين» بالنصب على المدح، وقال أبو حيان: على أن آية اسم كان و «جنتين» الخبر وأيا ما كان فالمراد بالجنتين على ما روي عن قتادة جماعتان من البساتين جماعة عن يمين بلدهم وجماعة عن شماله وإطلاق الجنة على كل جماعة لأنها التقارب أفرادها وتضامها كأنها جنة واحدة كما تكون بلاد الريف العامرة وبساتينها، وقيل: أريد بستانا كل رجل منهم عن يمين مسكنه وشماله كما قال سبحانه: جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ [الكهف: ٣٢] قيل: ولم تجمع لئلا يلزم أن لكل مسكن رجل جنة واحدة لمقابلة الجمع بالجمع، ورد بأن قوله تعالى: عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ يدفع ذلك لأنه بالنظر إلى كل مسكن إلا أنها لو جمعت أو هم أن لكل مسكن جنات عن يمين وجنات عن شمال هذا لا محذور فيه إلا أن يدعى أنه مخالف للواقع ثم أنه قيل إن في فيما سبق بمعنى عند فإن المساكن محفوفة بالجنتين لا ظرف لهما، وقيل: لا حاجة إلى هذا فإن القريب من الشيء قد يجعل فيه مبالغة في شدة القرب ولكل جهة لكن أنت تعلم أنه إذا أريد بالمساكن أو المسكن ما يصلح أن يكون ظرفا لبلدهم المحفوفة بالجنتين أو لمحل كل منهم المحفوفة بهما لم يحتج إلى التأويل أصلا فلا تغفل كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ
جملة مستأنفة بتقدير قول أي قال لهم نبيهم كلوا إلخ، وفي مجمع البيان قيل: إن مساكنهم كانت ثلاثة عشر قرية في كل قرية نبي يدعوهم إلى الله عزّ وجلّ يقول كلوا من رزق ربكم إلخ، وقيل: ليس هناك قول حقيقة وإنما هو قول بلسان الحال بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ أي هذه البلدة التي فيها رزقكم بلدة طيبة وربكم الذي رزقكم وطلب شكركم رب غفور فرطات من يشكره، والجملة استئناف للتصريح بموجب الشكر، ومعنى طيبة زكية مستلذة.
يروى أنها كانت لطيفة الهواء حسنة التربة لا تحدث فيها عاهة ولا يكون فيها هامة حتى أن الغريب إذا حلها وفي ثيابه قمل أو براغيث ماتت، وقيل: المراد بطيبها صحة هوائها وعذوبة مائها ووفور نزهتها وأنه ليس فيها حر يؤذي في الصيف ولا برد يؤذي في الشتاء، وقرأ رويس بنصب «بلدة» وجميع ما بعدها وذلك على المدح والوصفية.
وقال أحمد بن يحيى: بتقدير اسكنوا بلدة طيبة واعبدوا ربا غفورا ومن الاتفاقات النادرة إن لفظ بلدة طيبة بحساب الجمل واعتبار هاء التأنيث بأربعمائة كما ذهب إليه كثير من الأدباء وقع تاريخا لفتح القسطنطينية وكانت نزهة بلاد الروم فَأَعْرَضُوا أي عن الشكر كما يقتضيه المقام ويدخل فيه الأعراض عن الإيمان لأنه أعظم الكفر والكفران، وقال أبو حيان: أعرضوا عما جاء به إليهم أنبياؤهم الثلاثة عشر حيث دعوهم إلى الله تعالى وذكروهم نعمه سبحانه فكذبوهم وقالوا ما نعرف لله نعمة فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ أي الصعب من عرم الرجل مثلث الراء فهو عارم وعرم إذا شرس خلقه وصعب، وفي معناه ما جاء في رواية عن ابن عباس من تفسيره بالشديد، وإضافة السيل إليه من إضافة الموصوف إلى الصفة، ومن أباها من النحاة قال التقدير سيل الأمر العرم.
وقيل: العرم المطر الشديد والإضافة على ظاهرها، وقيل: هو اسم للجرذ الذي نقب عليهم سدهم فصار سببا لتسلط السيل عليهم وهو الفار الأعمى الذي يقال له الخلد وإضافة السيل إليه لأدنى ملابسة، وقال ابن جبير: العرم المسناة بلسان الحبشة، وقال الأخفش، هو بهذا المعنى عربي، وقال المغيرة بن حكيم وأبو ميسرة: العرم في لغة اليمن جمع عرمة وهي كل ما بني أو سنم ليمسك الماء ويقال لذلك البناء بلغة الحجاز المسناة، والإضافة كما في سابقه والملابسة في هذا أقوى، وعن ابن عباس وقتادة والضحاك ومقاتل هو اسم الوادي الذي كان يأتي السيل منه وبني السد فيه، ووجه إضافة السيل إليه ظاهر، وقرأ عزرة بن الورد فيما حكى ابن خالويه «العرم» بإسكان الراء تخفيفا كقولهم في
جملة مستأنفة بتقدير قول أي قال لهم نبيهم كلوا إلخ، وفي مجمع البيان قيل: إن مساكنهم كانت ثلاثة عشر قرية في كل قرية نبي يدعوهم إلى الله عزّ وجلّ يقول كلوا من رزق ربكم إلخ، وقيل: ليس هناك قول حقيقة وإنما هو قول بلسان الحال بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ أي هذه البلدة التي فيها رزقكم بلدة طيبة وربكم الذي رزقكم وطلب شكركم رب غفور فرطات من يشكره، والجملة استئناف للتصريح بموجب الشكر، ومعنى طيبة زكية مستلذة.
يروى أنها كانت لطيفة الهواء حسنة التربة لا تحدث فيها عاهة ولا يكون فيها هامة حتى أن الغريب إذا حلها وفي ثيابه قمل أو براغيث ماتت، وقيل: المراد بطيبها صحة هوائها وعذوبة مائها ووفور نزهتها وأنه ليس فيها حر يؤذي في الصيف ولا برد يؤذي في الشتاء، وقرأ رويس بنصب «بلدة» وجميع ما بعدها وذلك على المدح والوصفية.
وقال أحمد بن يحيى: بتقدير اسكنوا بلدة طيبة واعبدوا ربا غفورا ومن الاتفاقات النادرة إن لفظ بلدة طيبة بحساب الجمل واعتبار هاء التأنيث بأربعمائة كما ذهب إليه كثير من الأدباء وقع تاريخا لفتح القسطنطينية وكانت نزهة بلاد الروم فَأَعْرَضُوا أي عن الشكر كما يقتضيه المقام ويدخل فيه الأعراض عن الإيمان لأنه أعظم الكفر والكفران، وقال أبو حيان: أعرضوا عما جاء به إليهم أنبياؤهم الثلاثة عشر حيث دعوهم إلى الله تعالى وذكروهم نعمه سبحانه فكذبوهم وقالوا ما نعرف لله نعمة فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ أي الصعب من عرم الرجل مثلث الراء فهو عارم وعرم إذا شرس خلقه وصعب، وفي معناه ما جاء في رواية عن ابن عباس من تفسيره بالشديد، وإضافة السيل إليه من إضافة الموصوف إلى الصفة، ومن أباها من النحاة قال التقدير سيل الأمر العرم.
وقيل: العرم المطر الشديد والإضافة على ظاهرها، وقيل: هو اسم للجرذ الذي نقب عليهم سدهم فصار سببا لتسلط السيل عليهم وهو الفار الأعمى الذي يقال له الخلد وإضافة السيل إليه لأدنى ملابسة، وقال ابن جبير: العرم المسناة بلسان الحبشة، وقال الأخفش، هو بهذا المعنى عربي، وقال المغيرة بن حكيم وأبو ميسرة: العرم في لغة اليمن جمع عرمة وهي كل ما بني أو سنم ليمسك الماء ويقال لذلك البناء بلغة الحجاز المسناة، والإضافة كما في سابقه والملابسة في هذا أقوى، وعن ابن عباس وقتادة والضحاك ومقاتل هو اسم الوادي الذي كان يأتي السيل منه وبني السد فيه، ووجه إضافة السيل إليه ظاهر، وقرأ عزرة بن الورد فيما حكى ابن خالويه «العرم» بإسكان الراء تخفيفا كقولهم في
300
الكبد الكبد. روي أن بلقيس لما ملكت اقتتل قومها على ماء واديهم فتركت ملكها وسكنت قصرها وراودوها على أن ترجع فأبت فقالوا: لترجعن أو لنقتلنك فقالت لهم: أنتم لا عقول لكم ولا تطيعوني فقالوا: نطيعك فرجعت إلى واديهم وكانوا إذا مطروا أتاهم السيل من مسيرة ثلاثة أيام فأمرت فسد ما بين الجبلين بمسناة بالصخر والقار وحبست الماء من وراء السد وجعلت له أبوابا بعضها فوق بعض وبنت من دونه بركة منها اثنا عشر مخرجا على عدة أنهارهم وكان الماء يخرج لهم بالسوية إلى أن كان من شأنها مع سليمان عليه السّلام ما كان.
وقيل: الذي بنى لهم السد هو حمير أبو القبائل اليمنية، وقيل بناه لقمان الأكبر بن عاد ورصف أحجاره بالرصاص والحديد وكان فرسخا في فرسخ ولم يزالوا في أرغد عيش وأخصب أرض حتى أن المرأة تخرج وعلى رأسها المكتل فتعمل بيديها وتسير فيمتلىء المكتل مما يتساقط من أشجار بساتينهم إلى أن أعرضوا عن الشكر وكذبوا الأنبياء عليهم السّلام فسلط الله تعالى على سدهم الخلد فوالد فيه فخرقه فأرسل سبحانه سيلا عظيما فحمل السد وذهب بالجنان وكثير من الناس، وقيل إنه أذهب السد فاختل أمر قسمة الماء ووصوله إلى جنانهم فيبست وهلكت، وكان ذلك السيل على ما قيل في ملك ذي الأذعار بن حسان في الفترة بين نبينا صلّى الله عليه وسلم وعيسى عليه السّلام، وفيه بحث على تقدير القول بأن الاعراض كان عما جاءهم من أنبيائهم الثلاثة عشر كما ستعلمه إن شاء الله تعالى عن قريب.
وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ أي أذهبنا جنتيهم وأتينا بدلها جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ أي ثمر خَمْطٍ أي حامض أو مر، وعن ابن عباس الخمط الأراك ويقال لثمره مطلقا أو إذا اسود وبلغ البربر، وقيل شجر الغضا ولا أعلم هل له ثمر أم لا، وقال أبو عبيدة: كل شجرة مرة ذات شوك، وقال ابن الأعرابي: هو ثمر شجرة على صورة الخشخاش لا ينتفع به وتسمى تلك الشجرة على ما قيل بفسوة الضبع وهو على الأول صفة لأكل والأمر في ذلك ظاهر، وعلى الأخير عطف بيان على مذهب الكوفيين المجوزين له في النكرات، وقيل بدل وعلى ما بينهما الكلام على حذف مضاف أي أكل أكل خمط وذلك المضاف بدل من أكل أو عطف بيان عليه ولما حذف أقيم المضاف إليه مقامه وأعرب بإعرابه كما في البحر، وقيل هو بتقدير أكل ذي خمط، وقيل هو بدل من باب يعجبني القمر فلكه وهو كما ترى. ومنع جعله وصفا من غير ضرب من التأويل لأن الثمر لا يوصف بالشجر لا لأن الوصف بالأسماء الجامدة لا يطرد وإن جاء منه شيء نحو مررت بقاع عرفج فتأمل.
وقرأ أبو عمرو «أكل خمط» بالإضافة وهو من باب ثوب خز، وقرأ ابن كثير «أكل» بسكون الكاف والتنوين وَأَثْلٍ ضرب من الطرفاء على ما قاله أبو حنيفة اللغوي في كتاب النبات له، وعن ابن عباس تفسيره بالطرفاء، ونقل الطبرسي قولا أنه السمر وهو عطف على أُكُلٍ ولم يجوز الزمخشري عطفه على خَمْطٍ معللا بأن الأثل لا ثمر له، والأطباء كداود الأنطاكي وغيره يذكرون له ثمرا كالحمص ينكسر عن حب صغار ملتصق بعضه ببعض ويفسرون الأثل بالعظيم من الطرفاء ويقولون في الطرفاء هو بري لا ثمر له وبستاني له ثمر لكن قال الخفاجي: لا يعتمد على الكتب الطبية في مثل ذلك وفي القلب منه شيء، ونحن قد حققنا أن للأثل ثمرا. وكذا لصنف من الطرفاء إلا أن ثمرهما لا يؤكل ولعل مراد النافي نفي ثمرة تؤكل، والأطباء يعدون ما تخرجه الشجر غير الورق ونحوه ثمرة أكلت أم لا، ومثله في العطف على ذلك في قوله تعالى:
وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ وحكى الفضيل بن إبراهيم أنه قرىء «أثلا وشيئا» بالنصب عطفا على جَنَّتَيْنِ والسدر شجر النبق، وقال الأزهري: السدر سدران سدر لا ينتفع به ولا يصلح ورقه للغسول وله ثمرة عفصة لا تؤكل
وقيل: الذي بنى لهم السد هو حمير أبو القبائل اليمنية، وقيل بناه لقمان الأكبر بن عاد ورصف أحجاره بالرصاص والحديد وكان فرسخا في فرسخ ولم يزالوا في أرغد عيش وأخصب أرض حتى أن المرأة تخرج وعلى رأسها المكتل فتعمل بيديها وتسير فيمتلىء المكتل مما يتساقط من أشجار بساتينهم إلى أن أعرضوا عن الشكر وكذبوا الأنبياء عليهم السّلام فسلط الله تعالى على سدهم الخلد فوالد فيه فخرقه فأرسل سبحانه سيلا عظيما فحمل السد وذهب بالجنان وكثير من الناس، وقيل إنه أذهب السد فاختل أمر قسمة الماء ووصوله إلى جنانهم فيبست وهلكت، وكان ذلك السيل على ما قيل في ملك ذي الأذعار بن حسان في الفترة بين نبينا صلّى الله عليه وسلم وعيسى عليه السّلام، وفيه بحث على تقدير القول بأن الاعراض كان عما جاءهم من أنبيائهم الثلاثة عشر كما ستعلمه إن شاء الله تعالى عن قريب.
وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ أي أذهبنا جنتيهم وأتينا بدلها جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ أي ثمر خَمْطٍ أي حامض أو مر، وعن ابن عباس الخمط الأراك ويقال لثمره مطلقا أو إذا اسود وبلغ البربر، وقيل شجر الغضا ولا أعلم هل له ثمر أم لا، وقال أبو عبيدة: كل شجرة مرة ذات شوك، وقال ابن الأعرابي: هو ثمر شجرة على صورة الخشخاش لا ينتفع به وتسمى تلك الشجرة على ما قيل بفسوة الضبع وهو على الأول صفة لأكل والأمر في ذلك ظاهر، وعلى الأخير عطف بيان على مذهب الكوفيين المجوزين له في النكرات، وقيل بدل وعلى ما بينهما الكلام على حذف مضاف أي أكل أكل خمط وذلك المضاف بدل من أكل أو عطف بيان عليه ولما حذف أقيم المضاف إليه مقامه وأعرب بإعرابه كما في البحر، وقيل هو بتقدير أكل ذي خمط، وقيل هو بدل من باب يعجبني القمر فلكه وهو كما ترى. ومنع جعله وصفا من غير ضرب من التأويل لأن الثمر لا يوصف بالشجر لا لأن الوصف بالأسماء الجامدة لا يطرد وإن جاء منه شيء نحو مررت بقاع عرفج فتأمل.
وقرأ أبو عمرو «أكل خمط» بالإضافة وهو من باب ثوب خز، وقرأ ابن كثير «أكل» بسكون الكاف والتنوين وَأَثْلٍ ضرب من الطرفاء على ما قاله أبو حنيفة اللغوي في كتاب النبات له، وعن ابن عباس تفسيره بالطرفاء، ونقل الطبرسي قولا أنه السمر وهو عطف على أُكُلٍ ولم يجوز الزمخشري عطفه على خَمْطٍ معللا بأن الأثل لا ثمر له، والأطباء كداود الأنطاكي وغيره يذكرون له ثمرا كالحمص ينكسر عن حب صغار ملتصق بعضه ببعض ويفسرون الأثل بالعظيم من الطرفاء ويقولون في الطرفاء هو بري لا ثمر له وبستاني له ثمر لكن قال الخفاجي: لا يعتمد على الكتب الطبية في مثل ذلك وفي القلب منه شيء، ونحن قد حققنا أن للأثل ثمرا. وكذا لصنف من الطرفاء إلا أن ثمرهما لا يؤكل ولعل مراد النافي نفي ثمرة تؤكل، والأطباء يعدون ما تخرجه الشجر غير الورق ونحوه ثمرة أكلت أم لا، ومثله في العطف على ذلك في قوله تعالى:
وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ وحكى الفضيل بن إبراهيم أنه قرىء «أثلا وشيئا» بالنصب عطفا على جَنَّتَيْنِ والسدر شجر النبق، وقال الأزهري: السدر سدران سدر لا ينتفع به ولا يصلح ورقه للغسول وله ثمرة عفصة لا تؤكل
301
وهو الذي يسمى الضال وسدر ينبت على الماء وثمره النبق وورقه غسول يشبه شجر العناب انتهى. واختلف في المراد هنا فقيل الثاني، ووصف بقليل لفظا ومعنى أو معنى فقط وذلك إذا كان نعتا لشيء المبين به لأن ثمره مما يطيب أكله فجعل قليلا فيما بدلوا به لأنه لو كثر كان نعمة لا نقمة، وإنما أوتوه تذكيرا للنعم الزائلة لتكون حسرة عليهم، وقيل المراد به الأول حتما لأنه الأنسب بالمقام، ولم يذكر نكتة الوصف بالقليل عليه. ويمكن أن يقال في الوصف به مطلقا أن السدر له شأن عند العرب ولذا نص الله تعالى على وجوده في الجنة والبستاني منه لا يخفى نفعه والبري يستظل به أبناء السبيل ويأنسون به ولهم فيه منافع أخرى ويستأنس لعلو شأنه بما
أخرجه أبو داود في سننه والضياء في المختارة عن عبد الله بن حبشي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار
وبما
أخرجه البيهقي عن أبي جعفر قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لعلي كرّم الله تعالى وجهه في مرض موته: اخرج يا علي فقل عن الله لا عن رسول الله لعن الله من يقطع السدر»
وفي معناهما عدة أخبار لها عدة طرق، والكل فيما أرى محمول على ما إذا كان القطع عبثا ولو كان السدر في ملكه. وقيل في ذلك مخصوص بسدر المدينة، وإنما نهى عن قطعه ليكون إنسا وظلا لمن يهاجر إليها، وقيل بسدر الفلاة ليستظل به أبناء السبيل والحيوان، وقيل بسدر مكة لأنها حرم، وقيل بما إذا كان في ملك الغير وكان القطع بغير حق، والكل كما ترى، وأيا ما كان ففي التنصيص عليه ما يشير إلى أن له شأنا فلما ذكر سبحانه ما آل إليه حال أولئك المعرضين وما بدلوا بجنتيهم أتى جل وعلا بما يتضمن الإيذان بحقارة ما عوضوا به وهو مما له شأن عند العرب أعني السدر وقلته، والإيذان بالقلة ظاهر وأما الإيذان بالحقارة فمن ذكر شيء والعدول عن أن يقال وسدر قليل مع أنه الأخصر الأوفق بما قبله ففيه إشارة إلى غاية انعكاس الحال حيث أومأ الكلام إلى أنهم لم يؤتوا بعد إذهاب جنتيهم شيئا مما لجنسه شأن عند العرب إلا السدر وما أوتوه من هذا الجنس حقير قليل، وتسمية البدل جنتين مع أنه ما سمعت للمشاكلة والتهكم ذلِكَ إشارة إلى ما ذكر من التبديل، وما فيه من معنى البعد للإشارة إلى بعد رتبته في الفظاعة أو إلى مصدر قوله تعالى:
جَزَيْناهُمْ كما قيل في قوله سبحانه: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [البقرة: ١٤٣] ومحله على الأول النصب على أنه مفعول ثان، وعلى الثاني النصب على أنه مصدر مؤكد للفعل المذكور، والتقديم للتعظيم والتهويل وقيل للتخصيص أي ذلك التبديل جزيناهم لا غيره أو ذلك الجزاء الفظيع جزيناهم لا جزاء آخر بِما كَفَرُوا بسبب كفرانهم النعمة حيث نزعناها منهم ووضعنا مكانها ضدها. وقيل بسبب كفرهم بالرسل الثلاثة عشر الذين بعثوا إليهم.
واستشكل هذا مع القول بأن السيل العرم كان زمن الفترة بأن الجمهور قالوا: لا نبي بين نبينا وعيسى عليهما الصلاة والسّلام، ومن الناس من قال: بينهما صلّى الله عليه وسلم أربعة أنبياء ثلاثة من بني إسرائيل وواحد من العرب وهو خالد العبسي وهو قد بعث لقومه وبنو إسرائيل لم يبعثوا للعرب وأجيب بأن ما كان زمن الفترة هو السيل العرم لا غير والرسل الثلاثة عشر هم جملة من كان في قومهم من سبأ بن يشجب إلى أن أهلكهم الله تعالى أجمعين فتأمل ولا تغفل.
وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ أي ما نجازي مثل هذا الجزاء الشديد المستأصل إلا المبالغ في الكفران أو الكفر فلا يتوجه على الحصر إشكال أن المؤمن قد يعاقب في العاجل. وفي الكشف لا يراد أن المؤمن أيضا يعاقب فإنه ليس بعقاب على الحقيقة بل تمحيص ولأنه أريد المعاقبة بجميع ما يفعله من السوء، ولا كذلك للمؤمن، ولا مانع من أن يكون الجزاء عاما في كل مكافأت وأريد به المعاقبة مطلقا من غير تقييد بما سبق لقرينة جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا لتعيين المعاقبة فيه بل قال الزمخشري: هو الوجه الصحيح وذلك لعدم الإضمار ولأن التذييل هكذا آكد وأسد موقعا ولا يتوجه الإشكال لما في الكشف وقرأ الجمهور «يجازي» بضم الياء وفتح الزاي مبنيا للمفعول «الكفور» بالرفع على النيابة عن
أخرجه أبو داود في سننه والضياء في المختارة عن عبد الله بن حبشي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار
وبما
أخرجه البيهقي عن أبي جعفر قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لعلي كرّم الله تعالى وجهه في مرض موته: اخرج يا علي فقل عن الله لا عن رسول الله لعن الله من يقطع السدر»
وفي معناهما عدة أخبار لها عدة طرق، والكل فيما أرى محمول على ما إذا كان القطع عبثا ولو كان السدر في ملكه. وقيل في ذلك مخصوص بسدر المدينة، وإنما نهى عن قطعه ليكون إنسا وظلا لمن يهاجر إليها، وقيل بسدر الفلاة ليستظل به أبناء السبيل والحيوان، وقيل بسدر مكة لأنها حرم، وقيل بما إذا كان في ملك الغير وكان القطع بغير حق، والكل كما ترى، وأيا ما كان ففي التنصيص عليه ما يشير إلى أن له شأنا فلما ذكر سبحانه ما آل إليه حال أولئك المعرضين وما بدلوا بجنتيهم أتى جل وعلا بما يتضمن الإيذان بحقارة ما عوضوا به وهو مما له شأن عند العرب أعني السدر وقلته، والإيذان بالقلة ظاهر وأما الإيذان بالحقارة فمن ذكر شيء والعدول عن أن يقال وسدر قليل مع أنه الأخصر الأوفق بما قبله ففيه إشارة إلى غاية انعكاس الحال حيث أومأ الكلام إلى أنهم لم يؤتوا بعد إذهاب جنتيهم شيئا مما لجنسه شأن عند العرب إلا السدر وما أوتوه من هذا الجنس حقير قليل، وتسمية البدل جنتين مع أنه ما سمعت للمشاكلة والتهكم ذلِكَ إشارة إلى ما ذكر من التبديل، وما فيه من معنى البعد للإشارة إلى بعد رتبته في الفظاعة أو إلى مصدر قوله تعالى:
جَزَيْناهُمْ كما قيل في قوله سبحانه: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [البقرة: ١٤٣] ومحله على الأول النصب على أنه مفعول ثان، وعلى الثاني النصب على أنه مصدر مؤكد للفعل المذكور، والتقديم للتعظيم والتهويل وقيل للتخصيص أي ذلك التبديل جزيناهم لا غيره أو ذلك الجزاء الفظيع جزيناهم لا جزاء آخر بِما كَفَرُوا بسبب كفرانهم النعمة حيث نزعناها منهم ووضعنا مكانها ضدها. وقيل بسبب كفرهم بالرسل الثلاثة عشر الذين بعثوا إليهم.
واستشكل هذا مع القول بأن السيل العرم كان زمن الفترة بأن الجمهور قالوا: لا نبي بين نبينا وعيسى عليهما الصلاة والسّلام، ومن الناس من قال: بينهما صلّى الله عليه وسلم أربعة أنبياء ثلاثة من بني إسرائيل وواحد من العرب وهو خالد العبسي وهو قد بعث لقومه وبنو إسرائيل لم يبعثوا للعرب وأجيب بأن ما كان زمن الفترة هو السيل العرم لا غير والرسل الثلاثة عشر هم جملة من كان في قومهم من سبأ بن يشجب إلى أن أهلكهم الله تعالى أجمعين فتأمل ولا تغفل.
وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ أي ما نجازي مثل هذا الجزاء الشديد المستأصل إلا المبالغ في الكفران أو الكفر فلا يتوجه على الحصر إشكال أن المؤمن قد يعاقب في العاجل. وفي الكشف لا يراد أن المؤمن أيضا يعاقب فإنه ليس بعقاب على الحقيقة بل تمحيص ولأنه أريد المعاقبة بجميع ما يفعله من السوء، ولا كذلك للمؤمن، ولا مانع من أن يكون الجزاء عاما في كل مكافأت وأريد به المعاقبة مطلقا من غير تقييد بما سبق لقرينة جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا لتعيين المعاقبة فيه بل قال الزمخشري: هو الوجه الصحيح وذلك لعدم الإضمار ولأن التذييل هكذا آكد وأسد موقعا ولا يتوجه الإشكال لما في الكشف وقرأ الجمهور «يجازي» بضم الياء وفتح الزاي مبنيا للمفعول «الكفور» بالرفع على النيابة عن
302
الفاعل. وقرىء «يجازي» بضم الياء وكسر الزاي مبنيا للفاعل وهو ضميره تعالى وحده «الكفور» بالنصب على المفعولية، وقرأ مسلم بن جندب «يجزى» مبنيا للمفعول «الكفور» بالرفع على النيابة، والمجازاة على ما سمعت عن الزمخشري المكافآت لكن قال الخفاجي لم ترد في القرآن إلا مع العقاب بخلاف الجزاء فإنه عام وقد يخص بالخير، وعن أبي إسحاق تقول جزيت الرجل في الخير وجازيته في الشر، وفي معناه قول مجاهد يقال في العقوبة يجازي وفي المثوبة يجزى.
وقال بعض الأجلة: ينبغي أن يكون أبو إسحاق قد أراد أنك إذا أرسلت الفعلين ولم تعدهما إلى المفعول الثاني كانا كذلك وأما إذا ذكرته فيستعمل كل منهما في الخير والشر، ويرد على ما ذكر جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وكذا «وهل يجزى» في قراءة مسلم إذ الجزاء في ذلك مستعمل في الشر مع عدم ذكر المفعول الثاني، وقوله:
وقال الراغب: يقال جزيته وجازيته ولم يجىء في القرآن إلا جزى دون جازى وذلك لأن المجازاة المكافأة وهي مقابلة نعمة بنعمة هي كفؤها ونعمة الله عزّ وجلّ تتعالى عن ذلك ولهذا لا يستعمل لفظ المكافأة فيه سبحانه وتعالى، وفيه غفلة عما هنا إلا أن يقال: أراد أنه لم يجىء في القرآن جازى فيما هو نعمة مسندا إليه تعالى فإنه لم يخطر لي مجيء ذلك فيه والله تعالى أعلم، ويحسن عندي قول أبي حيان: أكثر ما يستعمل الجزاء في الخير والمجازاة في الشر لكن في تقييدهما قد يقع كل منهما موقع الآخر، وفي قوله سبحانه: جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا دون جازيناهم بما كفروا على الوجه الثاني في اسم الإشارة ما يحكى تمتع القوم بما يسر ووقوعهم بعده فيما يسيء ويضر، ويمكن أن تكون نكتة التعبير بجزى الأكثر استعمالا في الخير، ويجوز أن يكون التعبير بذاك أول وبنجازي ثانيا ليكون كل أوفق بعلته وهذا جار على كلا الوجهين في الإشارة فتدبر جدا.
وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً إلى آخره عطف بمجموعه على مجموع ما قبله عطف القصة على القصة وهو حكاية لما أوتوا من النعم في مسايرهم ومتاجرهم وما فعلوا بها من الكفران وما حاق بهم بسبب ذلك وما قبل كان حكاية لما أوتوا من النعم في مساكنهم ومحل إقامتهم وما فعلوا بها وما فعل بهم، والمراد بالقرى التي بورك فيها قرى الشام وذلك بكثرة أشجارها وأثمارها والتوسعة على أهلها وعن ابن عباس هي قرى بيت المقدس وعن مجاهد هي السراوية وعن وهب قرى صنعاء وقال ابن جبير: قرى مأرب والمعول عليه الأول حتى قال ابن عطية إن إجماع المفسرين عليه، ومعنى ظاهِرَةً على ما روي عن قتادة متواصلة يقرب بعضها من بعض بحيث يظهر لمن في بعضها ما في مقابلته من الأخرى وهذا يقتضي القرب الشديد لكن سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى ما قيل في مقدار ما بين كل قريتين وقال المبرد ظاهرة مرتفعة أي على الآكام والظراب وهي أشرف القرى، وقيل ظاهرة معروفة يقال هذا أمر ظاهر أي معروف وتعرف القرية لحسنها ورعاية أهلها المارين عليها، وقيل ظاهرة موضوعة على الطرق ليسهل سير السابلة فيها.
وقال ابن عطية: الذي يظهر لي أن معنى ظاهِرَةً خارجة عن المدن فهي عبارة عن القرى الصغار التي في ظواهر المدن كأنه فصل بهذه الصفة بين القرى الصغار وبين القرى المطلقة التي هي المدن، وظواهر المدن ما خرج عنها في الفيافي ومنه قولهم نزلنا بظاهر البلد الفلاني أي خارجا عنه، ومنه قول الشاعر:
وقال بعض الأجلة: ينبغي أن يكون أبو إسحاق قد أراد أنك إذا أرسلت الفعلين ولم تعدهما إلى المفعول الثاني كانا كذلك وأما إذا ذكرته فيستعمل كل منهما في الخير والشر، ويرد على ما ذكر جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وكذا «وهل يجزى» في قراءة مسلم إذ الجزاء في ذلك مستعمل في الشر مع عدم ذكر المفعول الثاني، وقوله:
جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر | وحسن فعل كما يجزى سنمار |
وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً إلى آخره عطف بمجموعه على مجموع ما قبله عطف القصة على القصة وهو حكاية لما أوتوا من النعم في مسايرهم ومتاجرهم وما فعلوا بها من الكفران وما حاق بهم بسبب ذلك وما قبل كان حكاية لما أوتوا من النعم في مساكنهم ومحل إقامتهم وما فعلوا بها وما فعل بهم، والمراد بالقرى التي بورك فيها قرى الشام وذلك بكثرة أشجارها وأثمارها والتوسعة على أهلها وعن ابن عباس هي قرى بيت المقدس وعن مجاهد هي السراوية وعن وهب قرى صنعاء وقال ابن جبير: قرى مأرب والمعول عليه الأول حتى قال ابن عطية إن إجماع المفسرين عليه، ومعنى ظاهِرَةً على ما روي عن قتادة متواصلة يقرب بعضها من بعض بحيث يظهر لمن في بعضها ما في مقابلته من الأخرى وهذا يقتضي القرب الشديد لكن سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى ما قيل في مقدار ما بين كل قريتين وقال المبرد ظاهرة مرتفعة أي على الآكام والظراب وهي أشرف القرى، وقيل ظاهرة معروفة يقال هذا أمر ظاهر أي معروف وتعرف القرية لحسنها ورعاية أهلها المارين عليها، وقيل ظاهرة موضوعة على الطرق ليسهل سير السابلة فيها.
وقال ابن عطية: الذي يظهر لي أن معنى ظاهِرَةً خارجة عن المدن فهي عبارة عن القرى الصغار التي في ظواهر المدن كأنه فصل بهذه الصفة بين القرى الصغار وبين القرى المطلقة التي هي المدن، وظواهر المدن ما خرج عنها في الفيافي ومنه قولهم نزلنا بظاهر البلد الفلاني أي خارجا عنه، ومنه قول الشاعر:
فلو شهدتني من قريش عصابة | قريش البطاح لا قريش الظواهر |
أيادي سبأ يا عز ما كنت بعدكم | فلم يحل بالعينين بعدك منظر |
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه | وصدق ما يعتاده من توهم |
وقيل هو منصوب على أنه مصدر لفعل مقدر أي يظن ظنه كفعلته جهدك أي تجهد جهدك، والجملة في موقع
307
الحال وصَدَّقَ مفسر بما مر، ويجوز أن يكون منصوبا على أنه مفعول به والفعل متعد إليه بنفسه لأن الصدق أصله في الأقوال والقول مما يتعدى إلى المفعول به بنفسه، والمعنى حقق ظنه كما في الحديث «صدق وعده ونصر عبده» وقوله تعالى: رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [الأحزاب: ٢٣].
وقرأ زيد بن علي وجعفر بن محمد رضي الله تعالى عنهم والزهري وأبو الجهجاه الأعرابي من فصحاء العرب وبلال بن أبي برزة بنصب «إبليس» ورفع «ظنّه» كذا في البحر والظان ذلك مع قراءة «صدّق» بالتشديد أي وجده ظنه صادقا لكن ذكر ابن جني أن الزهري كان يقرأ ذلك مع تخفيف «صدق» أي قال له الصدق حين خيل له إغواؤهم.
وقرأ عبد الوارث عن أبي عمرو «إبليس ظنّه» برفعهما بجعل الثاني بدل اشتمال، وأبهم الزمخشري القارئ بذلك فقال قرىء بالتخفيف ورفعهما على معنى صدق عليهم ظن إبليس ولو قرىء بالتشديد مع رفعهما لكان على المبالغة في صَدَّقَ كقوله:
وهو ظاهر في أنه لم يقرأ أحد بذلك والله تعالى أعلم، وعلى جميع القراءات عَلَيْهِمْ متعلق بالفعل السابق وليس متعلقا بالظن على شيء منها فَاتَّبَعُوهُ أي سبأ وقيل بنو آدم إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أي إلا فريقا هم المؤمنون لم يتبعوه على أن من بيانية، وتقليلهم إما لقلتهم في حد ذاتهم أو لقلتهم بالإضافة إلى الكفار، وهذا متعين على القول برجوع الضمير إلى بني آدم، وكأني بك تختار كون القلة في حد ذاتهم على القول برجوع الضمير إلى سبأ لعدم شيوع كثرة المؤمنين في حد ذاتهم منهم أو إلا فريقا من فرق المؤمنين لم يتبعوه وهم المخلصون فمن تبعيضية والمراد مطلق الاتباع الذي هو أعم من الكفر.
وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ أي تسلط واستيلاء بالوسوسة والاستغواء.
إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ استثناء مفرغ من أعم العلل، ومِنْ موصولة وجعلها استفهامية بعيد، والعلم المستقبل المعلل ليس هو العلم الأزلي القائم بالذات المقدس بل تعلقه بالمعلوم في عالم الشهادة الذي يترتب عليه الجزاء بالثواب والعقاب وهو مضمن معنى التميز لمكان من أي ما كان له عليهم تسلط لأمر من الأمور إلا لتعلق علمنا بمن يؤمن بالآخرة متميزا ممن هو منها في شك تعلقا حاليا يترتب عليه الجزاء وإلى هذا يشير كلام كثير من أئمة التفسير، وقيل: المعنى لنجعل المؤمن متميزا من غيره في الخارج فيتميز عند الناس، وقيل:
المراد من وقوع العلم في المستقبل وقوع المعلوم لأنه لازمه فكأنه قيل ما كان ذلك لأمر من الأمور إلا ليؤمن من قدر إيمانه ويضل من قدر ضلاله، وعدل عنه إلى ما في النظم الجليل للمبالغة لما فيه من جعل المعلوم عين العلم، وقيل المراد بالعلم الجزاء فكأنه قيل على الإيمان وضده، وقيل: العلم على ظاهره إلا أن المستقبل بمعنى الماضي وعلم الله تعالى الأزلي بأهل الشك يستدعي تسلط الشيطان عليهم.
وقيل: المراد لنعامل معاملة من كأنه لا يعلم ذلك وإنما يعمل ليعلم، وقيل: المراد ليعلم أولياؤنا وحزبنا ذلك، ولا يخفى عليك ما في بعض هذه الأقوال، وكان الظاهر إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن لا يؤمن بها وعدل عنه إلى ما فيه النظم الجليل لنكتة وهي أنه قوبل الإيمان بالشك ليؤذن بأن أدنى مراتب الكفر مهلكة، وأورد المضارع في الجملة الأولى إشارة إلى أن المعتبر في الإيمان الخاتمة ولأنه يحصل بنظر تدريجي متجدد، وأتى بالثانية اسمية إشارة إلى أن المعتبر الدوام والثبات على الشك إلى الموت، ونون شكا للتقليل، وأتى بفي إشارة إلى أن قليله كأنه محيط بصاحبه،
وقرأ زيد بن علي وجعفر بن محمد رضي الله تعالى عنهم والزهري وأبو الجهجاه الأعرابي من فصحاء العرب وبلال بن أبي برزة بنصب «إبليس» ورفع «ظنّه» كذا في البحر والظان ذلك مع قراءة «صدّق» بالتشديد أي وجده ظنه صادقا لكن ذكر ابن جني أن الزهري كان يقرأ ذلك مع تخفيف «صدق» أي قال له الصدق حين خيل له إغواؤهم.
وقرأ عبد الوارث عن أبي عمرو «إبليس ظنّه» برفعهما بجعل الثاني بدل اشتمال، وأبهم الزمخشري القارئ بذلك فقال قرىء بالتخفيف ورفعهما على معنى صدق عليهم ظن إبليس ولو قرىء بالتشديد مع رفعهما لكان على المبالغة في صَدَّقَ كقوله:
فدت نفسي وما ملكت يميني | فوارس صدقت فيهم ظنوني |
وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ أي تسلط واستيلاء بالوسوسة والاستغواء.
إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ استثناء مفرغ من أعم العلل، ومِنْ موصولة وجعلها استفهامية بعيد، والعلم المستقبل المعلل ليس هو العلم الأزلي القائم بالذات المقدس بل تعلقه بالمعلوم في عالم الشهادة الذي يترتب عليه الجزاء بالثواب والعقاب وهو مضمن معنى التميز لمكان من أي ما كان له عليهم تسلط لأمر من الأمور إلا لتعلق علمنا بمن يؤمن بالآخرة متميزا ممن هو منها في شك تعلقا حاليا يترتب عليه الجزاء وإلى هذا يشير كلام كثير من أئمة التفسير، وقيل: المعنى لنجعل المؤمن متميزا من غيره في الخارج فيتميز عند الناس، وقيل:
المراد من وقوع العلم في المستقبل وقوع المعلوم لأنه لازمه فكأنه قيل ما كان ذلك لأمر من الأمور إلا ليؤمن من قدر إيمانه ويضل من قدر ضلاله، وعدل عنه إلى ما في النظم الجليل للمبالغة لما فيه من جعل المعلوم عين العلم، وقيل المراد بالعلم الجزاء فكأنه قيل على الإيمان وضده، وقيل: العلم على ظاهره إلا أن المستقبل بمعنى الماضي وعلم الله تعالى الأزلي بأهل الشك يستدعي تسلط الشيطان عليهم.
وقيل: المراد لنعامل معاملة من كأنه لا يعلم ذلك وإنما يعمل ليعلم، وقيل: المراد ليعلم أولياؤنا وحزبنا ذلك، ولا يخفى عليك ما في بعض هذه الأقوال، وكان الظاهر إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن لا يؤمن بها وعدل عنه إلى ما فيه النظم الجليل لنكتة وهي أنه قوبل الإيمان بالشك ليؤذن بأن أدنى مراتب الكفر مهلكة، وأورد المضارع في الجملة الأولى إشارة إلى أن المعتبر في الإيمان الخاتمة ولأنه يحصل بنظر تدريجي متجدد، وأتى بالثانية اسمية إشارة إلى أن المعتبر الدوام والثبات على الشك إلى الموت، ونون شكا للتقليل، وأتى بفي إشارة إلى أن قليله كأنه محيط بصاحبه،
308
وعداه بمن دون في وقدمه لأنه إنما يضر الشك الناشئ منها وأنه يكفي شك ما فيما يتعلق بها.
وقرأ الزهري «ليعلم» بضم الياء وفتح اللام مبنيا للمفعول وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ أي وكيل قائم على أحواله وشؤونه، وهو إما مبالغة في حافظ وإما بمعنى محاظ كجليس ومجالس وخليط ومخالط ورضيع ومراضع إلى غير ذلك.
قُلِ يا محمد للمشركين الذين ضرب لهم المثل بقصة سبأ المعروفة عندهم بالنقل في أخبارهم وأشعارهم تنبيها على بطلان ما هم عليه وتبكيتا لهم ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أي زعمتموهم آلهة كذا قدره الجمهور على أن الضمير مفعول أول وآلهة مفعول ثان وحذف الأول تخفيفا لأن الصلة والموصول بمنزلة اسم واحد فهناك طول يطلب تخفيفه والثاني لأن صفته أعني قوله تعالى: مِنْ دُونِ اللَّهِ سدت مسده فلا يلزم إجحاف بحذفهما معا، ولا يجوز أن يكون مِنْ دُونِ اللَّهِ هو المفعول الثاني إذ لا يتم به مع الضمير الكلام ولا يلتئم النظام فأي معنى معتبر لهم من دون الله على أن في جواز حذف أحد مفعولي هذا الباب اختصارا خلافا ومن أجازه قال هو قليل في كلامهم، وكذا لا يجوز أن يكون لا يملكونه لأن ما زعموه ليس كونهم غير مالكين بل خلافه، وليس ذلك أيضا بزعم بالمعنى الشائع لو سلم أنه صدر منهم بل حق، وقال ابن هشام: الأولى أن يقدر زعمتم أنهم آلهة لأن الغالب على- زعم- أن لا يقع على المفعولين الصريحين بل على ما يسد مسدهما من أن وصلتهما ولم يقع في التنزيل إلا كذلك أي فالأنسب أن يوافق المقدر المصرح به في التنزيل.
ورجح تقدير الجمهور بأنه أبعد عن لزوم الإجحاف والأمر للتوبيخ والتعجيز أي ادعوهم فيما يهمكم من دفع ضر أو جلب نفع لعلهم يستجيبون لكم إن صح دعواكم. روي أن ذلك نزل عند الجوع الذي أصاب قريشا.
وقوله تعالى: لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ كلام مستأنف في موقع الجواب ولم يمهلهم ليجيبوا إشعارا بتعينه فإنه لا يقبل المكابرة، وجوز تقدير ثم أجب عنهم قائلا لا يملكون إلخ وهو متضمن بيان حال الآلهة في الواقع وأنهم إذا لم يملكوا مقدار ذرة أي من خير وشر ونفع وضر كيف يكونون آلهة تعبد.
فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ أي في أمر من الأمور، وذكر السماوات والأرض للتعميم عرفا فيراد بهما جميع الموجودات، وهذا كما يقال المهاجرون والأنصار ويراد جميع الصحابة رضي الله تعالى عنهم فلا يتوهم أنهم يملكون في غيرهما، ويجوز أن يقال: إن ذكرهما لأن بعض آلهة المخاطبين سماوية كالملائكة والكواكب وبعضها أرضية كالأصنام فالمراد نفي قدرة السماوي منهم على أمر سماوي والأرضي على أمر أرضي ويعلم نفي قدرته على غيره بالطريق الأولى أو لأن الأسباب القريبة للخير والشر سماوية وأرضية فالمراد نفي قدرتهم بشيء من الأسباب القريبة فكيف بغيرها وَما لَهُمْ أي لآلهتهم فِيهِما مِنْ شِرْكٍ أي شركة ما لا خلقا ولا ملكا ولا تصرفا وَما لَهُ أي لله عزّ وجلّ مِنْهُمْ أي من آلهتهم مِنْ ظَهِيرٍ أي معين يعينه سبحانه في تدبير أمرهما وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ أي لا توجد رأسا كما في قوله:
على لاحب لا يهتدى بمناره لقوله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ وإنما علق النفي بنفعها دون وقوعها تصريحا بنفي ما هو غرضهم من وقوعها.
وقوله تعالى: إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ استثناء مفرغ من أعم الأحوال على ما اختاره الزمخشري، و (من) عبارة
وقرأ الزهري «ليعلم» بضم الياء وفتح اللام مبنيا للمفعول وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ أي وكيل قائم على أحواله وشؤونه، وهو إما مبالغة في حافظ وإما بمعنى محاظ كجليس ومجالس وخليط ومخالط ورضيع ومراضع إلى غير ذلك.
قُلِ يا محمد للمشركين الذين ضرب لهم المثل بقصة سبأ المعروفة عندهم بالنقل في أخبارهم وأشعارهم تنبيها على بطلان ما هم عليه وتبكيتا لهم ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أي زعمتموهم آلهة كذا قدره الجمهور على أن الضمير مفعول أول وآلهة مفعول ثان وحذف الأول تخفيفا لأن الصلة والموصول بمنزلة اسم واحد فهناك طول يطلب تخفيفه والثاني لأن صفته أعني قوله تعالى: مِنْ دُونِ اللَّهِ سدت مسده فلا يلزم إجحاف بحذفهما معا، ولا يجوز أن يكون مِنْ دُونِ اللَّهِ هو المفعول الثاني إذ لا يتم به مع الضمير الكلام ولا يلتئم النظام فأي معنى معتبر لهم من دون الله على أن في جواز حذف أحد مفعولي هذا الباب اختصارا خلافا ومن أجازه قال هو قليل في كلامهم، وكذا لا يجوز أن يكون لا يملكونه لأن ما زعموه ليس كونهم غير مالكين بل خلافه، وليس ذلك أيضا بزعم بالمعنى الشائع لو سلم أنه صدر منهم بل حق، وقال ابن هشام: الأولى أن يقدر زعمتم أنهم آلهة لأن الغالب على- زعم- أن لا يقع على المفعولين الصريحين بل على ما يسد مسدهما من أن وصلتهما ولم يقع في التنزيل إلا كذلك أي فالأنسب أن يوافق المقدر المصرح به في التنزيل.
ورجح تقدير الجمهور بأنه أبعد عن لزوم الإجحاف والأمر للتوبيخ والتعجيز أي ادعوهم فيما يهمكم من دفع ضر أو جلب نفع لعلهم يستجيبون لكم إن صح دعواكم. روي أن ذلك نزل عند الجوع الذي أصاب قريشا.
وقوله تعالى: لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ كلام مستأنف في موقع الجواب ولم يمهلهم ليجيبوا إشعارا بتعينه فإنه لا يقبل المكابرة، وجوز تقدير ثم أجب عنهم قائلا لا يملكون إلخ وهو متضمن بيان حال الآلهة في الواقع وأنهم إذا لم يملكوا مقدار ذرة أي من خير وشر ونفع وضر كيف يكونون آلهة تعبد.
فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ أي في أمر من الأمور، وذكر السماوات والأرض للتعميم عرفا فيراد بهما جميع الموجودات، وهذا كما يقال المهاجرون والأنصار ويراد جميع الصحابة رضي الله تعالى عنهم فلا يتوهم أنهم يملكون في غيرهما، ويجوز أن يقال: إن ذكرهما لأن بعض آلهة المخاطبين سماوية كالملائكة والكواكب وبعضها أرضية كالأصنام فالمراد نفي قدرة السماوي منهم على أمر سماوي والأرضي على أمر أرضي ويعلم نفي قدرته على غيره بالطريق الأولى أو لأن الأسباب القريبة للخير والشر سماوية وأرضية فالمراد نفي قدرتهم بشيء من الأسباب القريبة فكيف بغيرها وَما لَهُمْ أي لآلهتهم فِيهِما مِنْ شِرْكٍ أي شركة ما لا خلقا ولا ملكا ولا تصرفا وَما لَهُ أي لله عزّ وجلّ مِنْهُمْ أي من آلهتهم مِنْ ظَهِيرٍ أي معين يعينه سبحانه في تدبير أمرهما وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ أي لا توجد رأسا كما في قوله:
على لاحب لا يهتدى بمناره لقوله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ وإنما علق النفي بنفعها دون وقوعها تصريحا بنفي ما هو غرضهم من وقوعها.
وقوله تعالى: إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ استثناء مفرغ من أعم الأحوال على ما اختاره الزمخشري، و (من) عبارة
309
عن الشافع واللام الداخلة عليه للاختصاص مثلها في الكرم لزيد ولام لَهُ صلة أذن، والمراد نفي شفاعة آلهتهم لهم لكن ذكر ذلك على وجه عام ليكون طريقا برهانيا أي لا تنفع الشفاعة في حال من الأحوال أو كائنة لمن كانت إلا كائنة لشافع أذن له فيها من النبيين والملائكة ونحوهم من المستأهلين لمقام الشفاعة، ومن البين أنهم لا يؤذن لهم في الشفاعة للكفار فقد قال الله تعالى: لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً [النبأ: ٣٨] والشفاعة لهم بمعزل عن الصواب وعدم الإذن للأصنام أبين وأبين فتبين حرمان هؤلاء الكفرة منها بالكلية أو (من) عبارة عن المشفوع له واللام الداخلة عليه للتعليل ولام لَهُ صلة أَذِنَ أي لا تنفع الشفاعة إلا كائنة لمشفوع أذن له أي لشفيعه على الإضمار لأن المشفوع لم يصدر عنه فعل حتى يؤذن له فيه أن يشفعه، واختار الزمخشري أن لام لَهُ للتعليل أي إلا لمن وقع الإذن للشفيع لأجله، ووجهه على ما في الكشف حصول الإشارة إلى الشافع والمشفوع لأن المأذون لأجله المشفوع والمأذون الشافع ولأن الغرض بيان محل النفع وهو المشفوع كان التصريح بذكره أهم، ولا يخفى أن الوجه السابق ظاهر التكلف فيه الإضمار الذي لا يقتضيه المقام، وحاصل المعنى على هذا لا تنفع الشفاعة من الشفعاء المستأهلين لها إلا كائنة لمن وقع الإذن للشفيع لأجله وفي شأنه من المستحقين للشفاعة وأما من عداهم من غير المستحقين لها فلا تنفعهم أصلا وإن فرض وقوعها من الشفعاء إذ لم يؤذن لهم في شفاعتهم بل في شفاعة غيرهم، ويثبت من هذا حرمان هؤلاء الكفرة من شفاعة الشفعاء المستأهلين للشفاعة بعبارة النص وعن شفاعة الأصنام بدلالته إذ حين حرموها من جهة القادرين عليها في الجملة فلأن يحرموها من جهة العجزة عنها بالكلية أولى، وذهب أبو حيان إلى أن الاستثناء من أعم الذوات أي لا تنفع الشفاعة لأحد إلا لمن إلخ، واستظهر احتمال أن تكون من عبارة عن المشفوع له واللام نظرا إلى الظاهر متعلقة بالشفاعة، وجوز أبو البقاء تعلقها بتنفع. وتعقبه بأنه لا يتعدى إلا بنفسه وقال أبو حيان فيه: إن المفعول متأخر فدخول اللام قليل. وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي أَذِنَ مبنيا للمفعول فله قائم مقام فاعله حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ صيغة التفعيل للسلب كما في قردت البعير إذا أزلت قراده ومنه التمريض فالتفزيع إزالة الفزع، وهو على ما قال الراغب انقباض ونفار يعتري الإنسان من الشيء المخيف، وحَتَّى للغاية واختلفوا في المغيا إذ لم يكن قبلها ما يصلح أن يكون مغيا بحسب الظاهر، واختلفوا لذلك في المراد بالآية اختلافا كثيرا، فقيل: هو ما يفهم من حديث الشفاعة ويشير إليه، وذلك أن قوله تعالى: وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ يؤذن بشفعاء ومشفوع لهم وأن هناك استئذانا في الشفاعة ضرورة أن وقوع الإذن يستدعي سابقية ذلك وهو مستدع للترقب والانتظار للجواب وحيث أنه كلام صادر عن مقام العظمة والكبرياء كيف وقد تقدمه ما تقدمه يدل على كون الكل في ذلك الموقف خلف سرادق العظمة ملقى عليهم رداء الهيبة، وما بعد حرف الغاية أيضا شديد الدلالة على ذلك فكأنه قيل: تقف الشفعاء والمشفوع لهم في ذلك الموقف الذي يتشبث فيه المستشفعون بأذيال الرجاء من المستشفع بهم ويقوم فيه المستشفع به على قدم الالتجاء إلى الله جل جلاله فيطرق باب الشفاعة بالاستئذان فيها ويبقون جميعا منتظرين وجلين فزعين لا يدرون ما يوقع لهم الملك الأعظم جل وعلا على رقعة سؤالهم وماذا يصح لهم بعد عرض حالهم حتى إذا أزيل الفزع عن قلوب الشفعاء والمشفوع لهم بظهور تباشير حسن التوقيع وسطوع أنوار الإجابة والارتضاء من آفاق رحمة الملك الرفيع قالوا أي قال بعضهم لبعض، والظاهر أن البعض القائل المشفوع لهم وإن شئت فأعد الضمير إليهم من أول الأمر إذ هم الأشد احتياجا إلى الأذن والأعظم اهتماما بأمره ماذا قال ربكم في شأن الإذن بالشفاعة قالوا: أي الشفعاء فإنهم المباشرون للاستئذان بالذات المتوسطون لأولئك السائلين بالشفاعة عنده عزّ وجلّ قال ربنا القول الحق أي الواقع بحسب ما تقتضيه الحكمة وهو الإذن بالشفاعة لمن ارتضى.
310
والظاهر
أن قوله تعالى: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ من تتمة كلام الشفعاء قالوه اعترافا بعظمة جناب العزة جل جلاله وقصور شأن كل من سواه أي هو جل شأنه المتفرد بالعلو والكبرياء لا يشاركه في ذلك أحد من خلقه وليس لكل منهم كائنا من كان أن يتكلم إلا من بعد إذنه جل وجلا، وفيه من تواضعهم بعد ترفيع قدرهم بالإذن لهم بالشفاعة ما فيه، وفيه أيضا نوع من الحمد كما لا يخفى وهذه الجملة المغياة بما ذكر لا يبعد أن تكون جوابا بالسؤال مقدر كأنه قيل: كيف يكون الإذن في ذلك الموقف للمستأذنين وكيف الحال فيه للشافعين والمستشفعين؟ فقيل: يقفون منتظرين وجلين فزعين حتى إذا إلخ، والآيات دالة على أن المشفوع لهم هم المؤمنون وأما الكفرة فهم عن موقف الاستشفاع بمعزل وعن التفزيع عن قلوبهم بألف ألف منزل، وجعل بعضهم على هذا الوجه من كون المغيا ما ذكر ضمير قُلُوبِهِمْ للملائكة وخص الشفعاء بهم وضمير قالُوا الأول لهم أيضا وضمير قالُوا الثاني للملائكة الذين فوقهم وهم الذين يبلغون ذلك إليهم وقال: إن فزعهم إما لما يقرن به الإذن من الأمر الهائل أو لغشية تصيبهم عند سماع كلام الله جل شأنه أو من ملاحظة وقوع التقصير في تعيين المشفوع لهم بناء على ورود الإذن بالشفاعة إجمالا وهو كما ترى.
وقال الزجاج: تفسير هذا أن جبريل عليه السّلام لما نزل إلى النبي صلّى الله عليه وسلم بالوحي ظنت الملائكة عليهم السّلام أنه نزل بشيء من أمر الساعة ففزعت لذلك فلما انكشف عنها الفزع قالوا: ماذا قال: ربكم سألت لأي شيء نزل جبريل عليه السّلام قالوا: الحق اهـ.
روي ذلك عن قتادة ومقاتل وابن السائب بيد أنهم قالوا: إن الملائكة صعقوا لذلك فجعل جبريل عليه السّلام يمر بكل سماء ويكشف عنهم الفزع ويخبرهم أنه الوحي،
ولم يبين الزجاج وجه اتصال الآية بما قبلها ولا بحث عن الغاية بشيء وقد ذكر نحو ذلك الإمام الرازي ثم قال في ذلك: أن حَتَّى غاية متعلقة بقوله تعالى: قُلِ لأنه تبينه بالوحي فلما قال سبحانه قُلِ فزع من في السماوات وهو لعمري من العجب العجاب.
وقال الفاضل الطيبي بعد نقله ذلك التفسير: وعليه أكثر كلام المفسرين ويعضده ما
روينا عن البخاري والترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «إذا قضى الله تعالى الأمر في السماء ضربت الملائكة أجنحتها خضعانا لقوله تعالى كأنه سلسلة على صفوان فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم، قالوا الذي قال الحق وهو العلي الكبير»
وعن أبي داود عن ابن مسعود قال: «إذا تكلم الله تعالى بالوحي سمع أهل السماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا فيصعقون فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل فإذا أتاهم جبريل عليه السّلام فرّع عن قلوبهم فيقولون: يا جبريل ماذا قال ربكم؟ فيقول: الحق الحق»
ثم ذكر في أمر الغاية واتصال الآية بما قبلها عل ذلك أنه يستخرج معنى المغيا من المفهوم وذلك إن المشركين لما ادعوا شفاعة الآلهة والملائكة وأجيبوا بقوله تعالى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ
من الأصنام والملائكة وسميتموهم باسمه تعالى والتجئوا إليهم فإنهم لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا تنفع الشفاعة من هؤلاء إلا للملائكة لكن من الإذن والفزع العظيم وهم لا يشفعون إلا للمرضيين فعبر عن الملائكة عليهم السّلام بقوله تعالى: إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ الآية كناية كأنه قيل: لا تنفع الشفاعة إلا لمن هذا شأنه ودأبه وأنه لا يثبت عند صدمة من صدمات هذا الكتاب المبين وعند سماع كلام الحق يعني الذين إذا نزل عليهم الوحي يفزعون ويصعقون حتى إذا أتاهم جبريل عليه السّلام فزع عن قلوبهم فيقولون: ماذا قال ربكم؟ فيقول: الحق انتهى، ولا يخفى على من له أدنى تمييز حاله وأنه مما لا ينبغي أن يعول عليه.
أن قوله تعالى: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ من تتمة كلام الشفعاء قالوه اعترافا بعظمة جناب العزة جل جلاله وقصور شأن كل من سواه أي هو جل شأنه المتفرد بالعلو والكبرياء لا يشاركه في ذلك أحد من خلقه وليس لكل منهم كائنا من كان أن يتكلم إلا من بعد إذنه جل وجلا، وفيه من تواضعهم بعد ترفيع قدرهم بالإذن لهم بالشفاعة ما فيه، وفيه أيضا نوع من الحمد كما لا يخفى وهذه الجملة المغياة بما ذكر لا يبعد أن تكون جوابا بالسؤال مقدر كأنه قيل: كيف يكون الإذن في ذلك الموقف للمستأذنين وكيف الحال فيه للشافعين والمستشفعين؟ فقيل: يقفون منتظرين وجلين فزعين حتى إذا إلخ، والآيات دالة على أن المشفوع لهم هم المؤمنون وأما الكفرة فهم عن موقف الاستشفاع بمعزل وعن التفزيع عن قلوبهم بألف ألف منزل، وجعل بعضهم على هذا الوجه من كون المغيا ما ذكر ضمير قُلُوبِهِمْ للملائكة وخص الشفعاء بهم وضمير قالُوا الأول لهم أيضا وضمير قالُوا الثاني للملائكة الذين فوقهم وهم الذين يبلغون ذلك إليهم وقال: إن فزعهم إما لما يقرن به الإذن من الأمر الهائل أو لغشية تصيبهم عند سماع كلام الله جل شأنه أو من ملاحظة وقوع التقصير في تعيين المشفوع لهم بناء على ورود الإذن بالشفاعة إجمالا وهو كما ترى.
وقال الزجاج: تفسير هذا أن جبريل عليه السّلام لما نزل إلى النبي صلّى الله عليه وسلم بالوحي ظنت الملائكة عليهم السّلام أنه نزل بشيء من أمر الساعة ففزعت لذلك فلما انكشف عنها الفزع قالوا: ماذا قال: ربكم سألت لأي شيء نزل جبريل عليه السّلام قالوا: الحق اهـ.
روي ذلك عن قتادة ومقاتل وابن السائب بيد أنهم قالوا: إن الملائكة صعقوا لذلك فجعل جبريل عليه السّلام يمر بكل سماء ويكشف عنهم الفزع ويخبرهم أنه الوحي،
ولم يبين الزجاج وجه اتصال الآية بما قبلها ولا بحث عن الغاية بشيء وقد ذكر نحو ذلك الإمام الرازي ثم قال في ذلك: أن حَتَّى غاية متعلقة بقوله تعالى: قُلِ لأنه تبينه بالوحي فلما قال سبحانه قُلِ فزع من في السماوات وهو لعمري من العجب العجاب.
وقال الفاضل الطيبي بعد نقله ذلك التفسير: وعليه أكثر كلام المفسرين ويعضده ما
روينا عن البخاري والترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «إذا قضى الله تعالى الأمر في السماء ضربت الملائكة أجنحتها خضعانا لقوله تعالى كأنه سلسلة على صفوان فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم، قالوا الذي قال الحق وهو العلي الكبير»
وعن أبي داود عن ابن مسعود قال: «إذا تكلم الله تعالى بالوحي سمع أهل السماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا فيصعقون فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل فإذا أتاهم جبريل عليه السّلام فرّع عن قلوبهم فيقولون: يا جبريل ماذا قال ربكم؟ فيقول: الحق الحق»
ثم ذكر في أمر الغاية واتصال الآية بما قبلها عل ذلك أنه يستخرج معنى المغيا من المفهوم وذلك إن المشركين لما ادعوا شفاعة الآلهة والملائكة وأجيبوا بقوله تعالى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ
من الأصنام والملائكة وسميتموهم باسمه تعالى والتجئوا إليهم فإنهم لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا تنفع الشفاعة من هؤلاء إلا للملائكة لكن من الإذن والفزع العظيم وهم لا يشفعون إلا للمرضيين فعبر عن الملائكة عليهم السّلام بقوله تعالى: إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ الآية كناية كأنه قيل: لا تنفع الشفاعة إلا لمن هذا شأنه ودأبه وأنه لا يثبت عند صدمة من صدمات هذا الكتاب المبين وعند سماع كلام الحق يعني الذين إذا نزل عليهم الوحي يفزعون ويصعقون حتى إذا أتاهم جبريل عليه السّلام فزع عن قلوبهم فيقولون: ماذا قال ربكم؟ فيقول: الحق انتهى، ولا يخفى على من له أدنى تمييز حاله وأنه مما لا ينبغي أن يعول عليه.
311
وقول ابن عطية: إن تأويل الآية بالملائكة إذا سمعت الوحي إلى جبريل أو الأمر بأمر الله تعالى به فتسمع كجر سلسلة الحديد على الحديد فتفزع تعظيما وهيبة، وقيل خوف قيام الساعة هو الصحيح وهو الذي تظاهرت به الأحاديث ناشىء من حرمان عطية سلامة الذوق وتدقيق النظر، والتفسير الذي ذكرناه أولا بمراحل في الحسن عما ذكر عن أكثر المفسرين، وما سمعت من الرواية لا ينافيه إذ لا دلالة فيه على أنه عليه الصلاة والسّلام ذكر ذلك في معرض تفسير الآية ولا تنافي بين التفزيعين وكأن الأكثر من المفسرين نظروا إلى ظاهر طباق اللفظ مع الحديث فنزلوا الآية على ذلك فوقعوا فيما وقعوا فيه وإن كثروا وجلوا، والقائل بما سبق نظر إلى طباق المقام وحقق عدم المنافاة وظهر له حال ما قالوه فعدل عنه.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الضحاك أنه قال في الآية: زعم ابن مسعود أن الملائكة المعقبات الذين يختلفون إلى أهل الأرض يكتبون أعمالهم إذا أرسلهم الرب تبارك وتعالى فانحدروا سمع لهم صوت شديد فيحسب بالذين أسفل منهم من الملائكة أنه من أمر الساعة فيخرون سجدا وهذا كلما مروا عليهم فيفعلون من خوف ربهم تبارك وتعالى، وابن مسعود عندي أجل من أن يحمل الآية على هذا فالظاهر أنه لا يصح عنه.
ومثل هذا ما زعمه بعضهم أن ذاك فزع ملائكة أدنى السماوات عند نزول المدبرات إلى الأرض، وقيل: إن حَتَّى غاية متعلقة بقوله تعالى زَعَمْتُمْ أي زعمتم الكفر إلى غاية التفزيع ثم تركتم ما زعمتم وقلتم قال الحق وإليه يشير ما أخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم أنه قال في الآية: حتى إذا فزع الشيطان عن قلوبهم ففارقهم وأمانيهم وما كان يضلهم به قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير ثم قال: وهذا في بني آدم أي كفارهم عند الموت أقروا حين لا ينفعهم الإقرار، والظاهر أن في الكلام عليه التفاتا من الخطاب في زَعَمْتُمْ إلى الغيبة في قُلُوبِهِمْ وأن ضمير قالُوا الأول للملائكة الموكلين بقبض أرواحهم والمراد بالتفزيع عن القلوب كشف الغطاء وموانع إدراك الحق عنها. وما نقل عن الحسن من أنه قال: إنما يقال للمشركين ماذا قال ربك أي على لسان الأنبياء عليهم السّلام فأقروا حين لا ينفع يحتمل أن يكون كالقول المذكور في أن ذلك عند الموت ويحتمل أن يكون قولا بأن ذلك يوم القيامة إلا أن في جعل حتى غاية للزعم عليه غير ظاهر إذ لا يستصحبهم ذلك إلى يوم القيامة حقيقة كما لا يخفى، وأبعد من هذا القول كون ذلك غاية لقوله تعالى: مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وضمير قلوبهم لمن باعتبار معناه، والتفزيع كشف الغطاء ومواقع إدراك الحق بل هو مما لا ينبغي حمل كلام الله تعالى عليه.
وزعم بعضهم أن المعنى إذا دعاهم إسرافيل عليه السّلام من قبورهم قالوا مجيبين ماذا قال ربكم حكاه في البحر ثم قال: والتفزيع من الفزع الذي هو الدعاء والاستصراخ كما قال زهير:
وأنت تعلم أن التفزيع بالمعنى المذكور لا يتعدى بعن وأمر الغاية عليه غير ظاهر، وبالجملة ذلك الزعم ليس بشيء.
واختار أبو حيان أن المغيا الاتباع في قوله تعالى: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وضمير قلوبهم عائد إلى ما عاد إليه ضمير الرفع في (اتبعوه) أعني الكفار وكذا ضمير قالُوا الثاني وضمير قالُوا الأول للملائكة وكذا ضمير رَبُّكُمْ وجملة قوله تعالى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ إلخ اعتراضية بين الغاية والمغيا والتفزيع حال مفارقة الحياة أو يوم القيامة وبجعل اتباعهم إبليس مستصحبا لهم إلى ذلك اليوم مجازا، ولا
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الضحاك أنه قال في الآية: زعم ابن مسعود أن الملائكة المعقبات الذين يختلفون إلى أهل الأرض يكتبون أعمالهم إذا أرسلهم الرب تبارك وتعالى فانحدروا سمع لهم صوت شديد فيحسب بالذين أسفل منهم من الملائكة أنه من أمر الساعة فيخرون سجدا وهذا كلما مروا عليهم فيفعلون من خوف ربهم تبارك وتعالى، وابن مسعود عندي أجل من أن يحمل الآية على هذا فالظاهر أنه لا يصح عنه.
ومثل هذا ما زعمه بعضهم أن ذاك فزع ملائكة أدنى السماوات عند نزول المدبرات إلى الأرض، وقيل: إن حَتَّى غاية متعلقة بقوله تعالى زَعَمْتُمْ أي زعمتم الكفر إلى غاية التفزيع ثم تركتم ما زعمتم وقلتم قال الحق وإليه يشير ما أخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم أنه قال في الآية: حتى إذا فزع الشيطان عن قلوبهم ففارقهم وأمانيهم وما كان يضلهم به قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير ثم قال: وهذا في بني آدم أي كفارهم عند الموت أقروا حين لا ينفعهم الإقرار، والظاهر أن في الكلام عليه التفاتا من الخطاب في زَعَمْتُمْ إلى الغيبة في قُلُوبِهِمْ وأن ضمير قالُوا الأول للملائكة الموكلين بقبض أرواحهم والمراد بالتفزيع عن القلوب كشف الغطاء وموانع إدراك الحق عنها. وما نقل عن الحسن من أنه قال: إنما يقال للمشركين ماذا قال ربك أي على لسان الأنبياء عليهم السّلام فأقروا حين لا ينفع يحتمل أن يكون كالقول المذكور في أن ذلك عند الموت ويحتمل أن يكون قولا بأن ذلك يوم القيامة إلا أن في جعل حتى غاية للزعم عليه غير ظاهر إذ لا يستصحبهم ذلك إلى يوم القيامة حقيقة كما لا يخفى، وأبعد من هذا القول كون ذلك غاية لقوله تعالى: مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وضمير قلوبهم لمن باعتبار معناه، والتفزيع كشف الغطاء ومواقع إدراك الحق بل هو مما لا ينبغي حمل كلام الله تعالى عليه.
وزعم بعضهم أن المعنى إذا دعاهم إسرافيل عليه السّلام من قبورهم قالوا مجيبين ماذا قال ربكم حكاه في البحر ثم قال: والتفزيع من الفزع الذي هو الدعاء والاستصراخ كما قال زهير:
إذا فزعوا طاروا إلى مستغيثهم | طوال الرماح لا ضعاف ولا عزل |
واختار أبو حيان أن المغيا الاتباع في قوله تعالى: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وضمير قلوبهم عائد إلى ما عاد إليه ضمير الرفع في (اتبعوه) أعني الكفار وكذا ضمير قالُوا الثاني وضمير قالُوا الأول للملائكة وكذا ضمير رَبُّكُمْ وجملة قوله تعالى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ إلخ اعتراضية بين الغاية والمغيا والتفزيع حال مفارقة الحياة أو يوم القيامة وبجعل اتباعهم إبليس مستصحبا لهم إلى ذلك اليوم مجازا، ولا
312
يخفى بعده، والوجه عندي ما ذكر أولا، وماذا تحتمل أن تكون منصوبة بقال أي أي شيء قال ربكم، وتحتمل أن تكون في موضع رفع على أن ما اسم استفهام مبتدأ وذا اسم موصول خبره وجملة قال صلة الموصول والعائد محذوف أي ما الذي قاله ربكم، وقرأ ابن عباس وابن مسعود وطلحة وأبو المتوكل الناجي وابن السميفع وابن عامر ويعقوب «فزّع» بالتشديد والبناء للفاعل والفاعل ضمير الله تعالى المستتر أي أزال الله تعالى الفزع عن قلوبهم.
وقال أبو حيان: هو ضميره تعالى إن كان ضمير قلوبهم للملائكة وإن كان للكفار فهو ضمير مغريهم.
وقرأ الحسن «فزع» بالتخفيف والبناء للمفعول فعن قلوبهم نائب الفاعل كما في قراءة الجمهور، وقرأ هو وأبو المتوكل أيضا وقتادة ومجاهد «فرغ» بالفاء والراء المهملة والغين المعجمة مشددا مبنيا للفاعل بمعنى أزال، وقرأ الحسن أيضا كذلك إلا أنه خفف الراء، وقرأ عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما والحسن أيضا وأيوب السختياني وقتادة أيضا وأبو مجلز «فرغ» كذلك إلا أنهم بنوه للمفعول وقرأ ابن مسعود في رواية وعيسى «افرنقع» قيل بمعنى تفرق.
وقال الزمخشري: بمعنى انكشف، والكلمة مركبة من حروف المفارقة مع زيادة العين كما ركب اقمطر من حروف القمط مع زيادة الراء، وفيه إيهام أن العين والراء من حروف الزيادة وليس كذلك، وقرأ ابن أبي عبلة «الحق» بالرفع أي مقوله الحق قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أمر صلّى الله عليه وسلم أن يقول ذلك تبكيتا للمشركين بحملهم على الإقرار بأن آلهتهم لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وإن الرزاق هو الله عزّ وجلّ فإنهم لا ينكرونه وحيث كانوا يتلعثمون أحيانا في الجواب مخافة الإلزام قيل له عليه الصلاة والسّلام قُلِ اللَّهُ إذ لا جواب سواه عندهم أيضا وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ أي وإن أحد الفريقين منا معشر الموحدين المتوحد بالرزق والقدرة الذاتية العابدية وحده عزّ وجلّ ومنكم فرقة المشركين به العاجزين في أنفسهم عن دفع أدنى ضر وجلب أحقر نفع وفيهم النازل إلى أسفل المراتب الإمكانية المتصفون بأحد الأمرين من الاستقرار على الهدى والانغماس في الضلال، وهذا من الكلام المنصف الذي كل من سمعه من موال أو مناف قال لمن خوطب به: قد أنصفك صاحبك، وفي درجة بعد تقدمة ما قدم من التقرير البليغ دلالة ظاهرة على من هو من الفريقين على هدى ومن هو في ضلال ولكن التعريض أبلغ من التصريح وأوصل بالمجادل إلى الغرض وأهجم به على الغلبة مع قلة شغب الخصم وفل شوكته بالهوينا، ونحوه قول الرجل لصاحبه قد علم الله تعالى الصادق مني ومنك وإن أحدنا لكاذب، ومنه قول حسان يخاطب أبا سفيان بن حرب وكان قد هجا رسول الله صلّى الله عليه وسلم قبل أن يسلم:
أتهجوه ولست له بكفء... فشركما لخيركما الفداء
وقول أبي الأسود:
يقول الأرذلون بنو قشير... طوال الدهر لا تنسى عليا
بنو عم النبي وأقربوه... أحب الناس كلهم اليا
فإن يك حبهم خيرا أصبه... ولست بمخطىء إن كان غيا
وذهب أبو عبيدة إلى أن أو بمعنى الواو كما في قوله:
سيان كسر رغيفه... أو كسر عظم من عظامه
والكلام من باب اللف والنشر المرتب بأن يكون على هُدىً راجعا لقوله تعالى: إِنَّا وفِي ضَلالٍ راجعا لقوله سبحانه: إِيَّاكُمْ فإن العقل يحكم بذلك كما في قول امرئ القيس:
كأن قلوب الطير رطبا ويابسا... لدى وكرها العناب والحشف البالي
وقال أبو حيان: هو ضميره تعالى إن كان ضمير قلوبهم للملائكة وإن كان للكفار فهو ضمير مغريهم.
وقرأ الحسن «فزع» بالتخفيف والبناء للمفعول فعن قلوبهم نائب الفاعل كما في قراءة الجمهور، وقرأ هو وأبو المتوكل أيضا وقتادة ومجاهد «فرغ» بالفاء والراء المهملة والغين المعجمة مشددا مبنيا للفاعل بمعنى أزال، وقرأ الحسن أيضا كذلك إلا أنه خفف الراء، وقرأ عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما والحسن أيضا وأيوب السختياني وقتادة أيضا وأبو مجلز «فرغ» كذلك إلا أنهم بنوه للمفعول وقرأ ابن مسعود في رواية وعيسى «افرنقع» قيل بمعنى تفرق.
وقال الزمخشري: بمعنى انكشف، والكلمة مركبة من حروف المفارقة مع زيادة العين كما ركب اقمطر من حروف القمط مع زيادة الراء، وفيه إيهام أن العين والراء من حروف الزيادة وليس كذلك، وقرأ ابن أبي عبلة «الحق» بالرفع أي مقوله الحق قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أمر صلّى الله عليه وسلم أن يقول ذلك تبكيتا للمشركين بحملهم على الإقرار بأن آلهتهم لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وإن الرزاق هو الله عزّ وجلّ فإنهم لا ينكرونه وحيث كانوا يتلعثمون أحيانا في الجواب مخافة الإلزام قيل له عليه الصلاة والسّلام قُلِ اللَّهُ إذ لا جواب سواه عندهم أيضا وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ أي وإن أحد الفريقين منا معشر الموحدين المتوحد بالرزق والقدرة الذاتية العابدية وحده عزّ وجلّ ومنكم فرقة المشركين به العاجزين في أنفسهم عن دفع أدنى ضر وجلب أحقر نفع وفيهم النازل إلى أسفل المراتب الإمكانية المتصفون بأحد الأمرين من الاستقرار على الهدى والانغماس في الضلال، وهذا من الكلام المنصف الذي كل من سمعه من موال أو مناف قال لمن خوطب به: قد أنصفك صاحبك، وفي درجة بعد تقدمة ما قدم من التقرير البليغ دلالة ظاهرة على من هو من الفريقين على هدى ومن هو في ضلال ولكن التعريض أبلغ من التصريح وأوصل بالمجادل إلى الغرض وأهجم به على الغلبة مع قلة شغب الخصم وفل شوكته بالهوينا، ونحوه قول الرجل لصاحبه قد علم الله تعالى الصادق مني ومنك وإن أحدنا لكاذب، ومنه قول حسان يخاطب أبا سفيان بن حرب وكان قد هجا رسول الله صلّى الله عليه وسلم قبل أن يسلم:
أتهجوه ولست له بكفء... فشركما لخيركما الفداء
وقول أبي الأسود:
يقول الأرذلون بنو قشير... طوال الدهر لا تنسى عليا
بنو عم النبي وأقربوه... أحب الناس كلهم اليا
فإن يك حبهم خيرا أصبه... ولست بمخطىء إن كان غيا
وذهب أبو عبيدة إلى أن أو بمعنى الواو كما في قوله:
سيان كسر رغيفه... أو كسر عظم من عظامه
والكلام من باب اللف والنشر المرتب بأن يكون على هُدىً راجعا لقوله تعالى: إِنَّا وفِي ضَلالٍ راجعا لقوله سبحانه: إِيَّاكُمْ فإن العقل يحكم بذلك كما في قول امرئ القيس:
كأن قلوب الطير رطبا ويابسا... لدى وكرها العناب والحشف البالي
313
ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ
ﰌ
ﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓ
ﰍ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ
ﰎ
ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ
ﰏ
ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ
ﰐ
ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ
ﰑ
ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ
ﰒ
ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ
ﰓ
ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ
ﰔ
ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ
ﰕ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ
ﰖ
ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ
ﰗ
يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ جمع محراب وهو كما قال عطية القصر، وسمي باسم صاحبه لأنه يحارب غيره في حمايته، فإن المحراب في الأصل من صيغ المبالغة اسم لمن يكثر الحرب وليس منقولا من اسم الآلة وإن جوزه بعضهم، ولابن حيوس:
ويطلق على المكان المعروف الذي يقف بحذائه الإمام، وهو مما أحدث في المساجد ولم يكن في الصدر الأول كما قال السيوطي وألف في ذلك رسالة ولذا كره الفقهاء الوقوف في داخله.
وقال ابن زيد: المحاريب المساكر، وقيل ما يصعد إليه بالدرج كالغرف، وقال مجاهد: هي المساجد سميت باسم بعضها تجوزا على ما قيل، وهو مبني على أن المحراب اسم لحجرة في المسجد يعبد الله تعالى فيها أو لموقف الإمام.
وأخرج ابن المنذر وغيره عن قتادة تفسيرها بالقصور والمساجد معا، وجملة يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ استئناف لتفصيل ما ذكر من عملهم، وجوز كونها حالا وهو كما ترى وَتَماثِيلَ قال الضحاك: كانت صور حيوانات، وقال الزمخشري: صور الملائكة والأنبياء والصلحاء كانت تعمل في المساجد من نحاس وصفر وزجاج ورخام ليراها الناس فيعبدوا نحو عبادتهم وكان اتخاذ الصور في ذلك الشرع جائزا كما قال في الآية اتخذ سليمان عليه السّلام تماثيل من نحاس فقال يا رب انفخ فيها الروح فإنها أقوى على الخدمة فينفخ الله تعالى فيها الروح فكانت تخدمه وإسفنديار من بقاياهم، وهذا من العجب العجاب ولا ينبغي اعتقاد صحته وما هو إلا حديث خرافة، وأما ما روي من أنهم عملوا له عليه السّلام أسدين في أسفل كرسيه ونسرين فوقه فإذا أراد أن يصعد بسط الأسدان له ذراعيهما وإذا قعد أظله النسران بأجنحتهما فأمر غير مستبعد فإن ذلك يكون بآلات تتحرك عند الصعود وعند القعود فتحرك الذراعين والأجنحة، وقد انتهت صنائع البشر إلى مثل ذلك في الغرابة، وقيل: التماثيل طلسمات فتعمل تمثالا للتمساح أو للذباب أو للبعوض فلا يتجاوزه الممثل به ما دام في ذلك المكان، وقد اشتهر عمل نحو ذلك عن الفلاسفة وهو مما لا يتم عندهم إلا بواسطة بعض الأوضاع الفلكية، وعلى الباب الشهيرة بباب الطلسم من أبواب بغداد تمثال حية يزعمون أنه لمنع الحيات عن الإيذاء داخل بغداد ونحن قد شاهدنا مرارا أناسا لسعتهم الحيات فمنهم من لم يتأذ ومنهم من تأذى يسيرا ولم نشاهد موت أحد من ذلك وقلما يسلم من لسعته خارج بغداد لكن لا نعتقد أن لذلك التمثال مدخلا فيما ذكر ونظن أن ذاك لضعف الصنف الموجود في بغداد من الحيات وقلة شره بالطبيعة، وقيل كانت التماثيل صور شجر أو حيوانات
جمع الشجاعة والخشوع لربه | ما أحسن المحراب في محرابه |
وقال ابن زيد: المحاريب المساكر، وقيل ما يصعد إليه بالدرج كالغرف، وقال مجاهد: هي المساجد سميت باسم بعضها تجوزا على ما قيل، وهو مبني على أن المحراب اسم لحجرة في المسجد يعبد الله تعالى فيها أو لموقف الإمام.
وأخرج ابن المنذر وغيره عن قتادة تفسيرها بالقصور والمساجد معا، وجملة يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ استئناف لتفصيل ما ذكر من عملهم، وجوز كونها حالا وهو كما ترى وَتَماثِيلَ قال الضحاك: كانت صور حيوانات، وقال الزمخشري: صور الملائكة والأنبياء والصلحاء كانت تعمل في المساجد من نحاس وصفر وزجاج ورخام ليراها الناس فيعبدوا نحو عبادتهم وكان اتخاذ الصور في ذلك الشرع جائزا كما قال في الآية اتخذ سليمان عليه السّلام تماثيل من نحاس فقال يا رب انفخ فيها الروح فإنها أقوى على الخدمة فينفخ الله تعالى فيها الروح فكانت تخدمه وإسفنديار من بقاياهم، وهذا من العجب العجاب ولا ينبغي اعتقاد صحته وما هو إلا حديث خرافة، وأما ما روي من أنهم عملوا له عليه السّلام أسدين في أسفل كرسيه ونسرين فوقه فإذا أراد أن يصعد بسط الأسدان له ذراعيهما وإذا قعد أظله النسران بأجنحتهما فأمر غير مستبعد فإن ذلك يكون بآلات تتحرك عند الصعود وعند القعود فتحرك الذراعين والأجنحة، وقد انتهت صنائع البشر إلى مثل ذلك في الغرابة، وقيل: التماثيل طلسمات فتعمل تمثالا للتمساح أو للذباب أو للبعوض فلا يتجاوزه الممثل به ما دام في ذلك المكان، وقد اشتهر عمل نحو ذلك عن الفلاسفة وهو مما لا يتم عندهم إلا بواسطة بعض الأوضاع الفلكية، وعلى الباب الشهيرة بباب الطلسم من أبواب بغداد تمثال حية يزعمون أنه لمنع الحيات عن الإيذاء داخل بغداد ونحن قد شاهدنا مرارا أناسا لسعتهم الحيات فمنهم من لم يتأذ ومنهم من تأذى يسيرا ولم نشاهد موت أحد من ذلك وقلما يسلم من لسعته خارج بغداد لكن لا نعتقد أن لذلك التمثال مدخلا فيما ذكر ونظن أن ذاك لضعف الصنف الموجود في بغداد من الحيات وقلة شره بالطبيعة، وقيل كانت التماثيل صور شجر أو حيوانات
293
محذوفة الرؤوس مما جوز في شرعنا، ولا يحتاج إلى التزام ذلك إذا صح فيه نقل فإن الحق أن حرمة تصوير الحيوان كاملا لم تكن في ذلك الشرع وإنما هي في شرعنا ولا فرق عندنا بين أن تكون الصورة ذات ظل وأن لا تكون كذلك كصورة الفرس المنقوشة على كاغد أو جدار مثلا.
وحكى مكي في الهداية أن قوما أجازوا التصوير وحكاه النحاس أيضا وكذا ابن الفرس واحتجوا بهذه الآية، وأنت تعلم أنه ورد في شرعنا من تشديد الوعيد على المصورين ما ورد فلا يلتفت إلى هذا القول ولا يصح الاحتجاج بالآية، وكأنه إنما حرمت التماثيل لأنه بمرور الزمان اتخذها الجهلة مما يعبد وظنوا وضعها في المعابد لذلك فشاعت عبادة الأصنام أو سدا لباب التشبه بمتخذي الأصنام بالكلية وَجِفانٍ جمع جفنة وهي ما يوضع فيها الطعام مطلقا كما ذكره غير واحد، وقال بعض اللغويين: الجفنة أعظم القصاع ويليها القصعة وهي ما تشبع العشرة ويليها الصحفة وهي ما تشبع الخمسة ويليها المئكلة وهي ما تشبع الاثنين والثلاثة ويليها الصحيفة وهي ما تشبع الواحد، وعليه فالمراد هنا المطلق لظاهر قوله تعالى: كَالْجَوابِ أي كالحياض العظام جمع جابية من الجباية أي الجمع فهي في الأصل مجاز في الطرف أو النسبة لأنها يجبي إليها لا جابية ثم غلبت على الإناء المخصوص غلبة الدابة في ذوات الأربع، وجاء تشبيه الجفنة بالجابية في كلامهم من ذلك قول الأعشى:
نفي الذم عن آل المحلق جفنة... كجابية السيح العراقي تفهق
وقول الأفوه الأودي:
وقدور كالربى راسيه... وجفان كالجوابي مترعه
وذكر في سعة جفان سليمان عليه السّلام أنها كان على الواحدة منها ألف رجل. وقرىء «كالجوابي» بياء وهو الأصل وحذفها للاجتزاء بالكسرة وإجراء أل مجرى ما عاقبها وهو التنوين فكما يحذف مع التنوين يحذف مع ما عاقبه وَقُدُورٍ جمع قدر وهو ما يطبخ فيه من فخار أو غيره وهو على شكل مخصوص راسِياتٍ ثابتات على الأثافي لا تنزل عنها لعظمها قاله قتادة، وقيل: كانت عظيمة كالجبال وقدمت المحاريب على التماثيل لأن الصور توضع في المحاريب أو تنقش على جدرانها، وقدمت الجفان على القدور مع أن القدور آلة الطبخ والجفان آلة الأكل والطبخ قبل الأكل لأنه لما ذكرت الأبنية الملكية ناسب أن يشار إلى عظمة السماط الذي يمد فيها فذكرت الجفان أولا لأنها تكون فيها بخلاف القدور فإنها لا تحضر هناك كما ينبىء عنه قوله تعالى: راسِياتٍ على ما سمعت أولا، وكأنه لما بين حال الجفان اشتاق الذهن إلى حال القدور فذكرت للمناسبة.
اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً بتقدير القول على الاستئناف أو الحالية من فاعل (سخرنا) المقدر وآل منادى حذف منه حرف النداء وشُكْراً نصب على أنه مفعول له، وفيه إشارة إلى أن العمل حقه أن يكون للشكر لا للرجاء والخوف أو على أنه مفعول مطلق لاعملوا لأن الشكر نوع من العمل فهو كقعدت القرفصاء، وقيل: لتضمين اعْمَلُوا معنى اشكروا، وقيل: لا شكروا محذوفا أو على أنه حال بتأويل اسم الفاعل أي اعملوا شاكرين لأن الشكر يعم القلب والجوارح أو على أنه صفة لمصدر محذوف أي اعملوا عملا شكرا أو على أنه مفعول به لا عملوا فالكلام كقولك عملت الطاعة، وقيل: إن اعملوا أقيم مقام اشكروا مشاكلة لقوله سبحانه يعملون.
وقال ابن الحاجب: إنه جعل مفعولا به تجوزا. وأيا ما كان فقد روى ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال: لما قيل لهم اعملوا آل داود شكرا، لم يأت ساعة على القوم إلا ومنهم قائم يصلي،
وفي رواية
وحكى مكي في الهداية أن قوما أجازوا التصوير وحكاه النحاس أيضا وكذا ابن الفرس واحتجوا بهذه الآية، وأنت تعلم أنه ورد في شرعنا من تشديد الوعيد على المصورين ما ورد فلا يلتفت إلى هذا القول ولا يصح الاحتجاج بالآية، وكأنه إنما حرمت التماثيل لأنه بمرور الزمان اتخذها الجهلة مما يعبد وظنوا وضعها في المعابد لذلك فشاعت عبادة الأصنام أو سدا لباب التشبه بمتخذي الأصنام بالكلية وَجِفانٍ جمع جفنة وهي ما يوضع فيها الطعام مطلقا كما ذكره غير واحد، وقال بعض اللغويين: الجفنة أعظم القصاع ويليها القصعة وهي ما تشبع العشرة ويليها الصحفة وهي ما تشبع الخمسة ويليها المئكلة وهي ما تشبع الاثنين والثلاثة ويليها الصحيفة وهي ما تشبع الواحد، وعليه فالمراد هنا المطلق لظاهر قوله تعالى: كَالْجَوابِ أي كالحياض العظام جمع جابية من الجباية أي الجمع فهي في الأصل مجاز في الطرف أو النسبة لأنها يجبي إليها لا جابية ثم غلبت على الإناء المخصوص غلبة الدابة في ذوات الأربع، وجاء تشبيه الجفنة بالجابية في كلامهم من ذلك قول الأعشى:
نفي الذم عن آل المحلق جفنة... كجابية السيح العراقي تفهق
وقول الأفوه الأودي:
وقدور كالربى راسيه... وجفان كالجوابي مترعه
وذكر في سعة جفان سليمان عليه السّلام أنها كان على الواحدة منها ألف رجل. وقرىء «كالجوابي» بياء وهو الأصل وحذفها للاجتزاء بالكسرة وإجراء أل مجرى ما عاقبها وهو التنوين فكما يحذف مع التنوين يحذف مع ما عاقبه وَقُدُورٍ جمع قدر وهو ما يطبخ فيه من فخار أو غيره وهو على شكل مخصوص راسِياتٍ ثابتات على الأثافي لا تنزل عنها لعظمها قاله قتادة، وقيل: كانت عظيمة كالجبال وقدمت المحاريب على التماثيل لأن الصور توضع في المحاريب أو تنقش على جدرانها، وقدمت الجفان على القدور مع أن القدور آلة الطبخ والجفان آلة الأكل والطبخ قبل الأكل لأنه لما ذكرت الأبنية الملكية ناسب أن يشار إلى عظمة السماط الذي يمد فيها فذكرت الجفان أولا لأنها تكون فيها بخلاف القدور فإنها لا تحضر هناك كما ينبىء عنه قوله تعالى: راسِياتٍ على ما سمعت أولا، وكأنه لما بين حال الجفان اشتاق الذهن إلى حال القدور فذكرت للمناسبة.
اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً بتقدير القول على الاستئناف أو الحالية من فاعل (سخرنا) المقدر وآل منادى حذف منه حرف النداء وشُكْراً نصب على أنه مفعول له، وفيه إشارة إلى أن العمل حقه أن يكون للشكر لا للرجاء والخوف أو على أنه مفعول مطلق لاعملوا لأن الشكر نوع من العمل فهو كقعدت القرفصاء، وقيل: لتضمين اعْمَلُوا معنى اشكروا، وقيل: لا شكروا محذوفا أو على أنه حال بتأويل اسم الفاعل أي اعملوا شاكرين لأن الشكر يعم القلب والجوارح أو على أنه صفة لمصدر محذوف أي اعملوا عملا شكرا أو على أنه مفعول به لا عملوا فالكلام كقولك عملت الطاعة، وقيل: إن اعملوا أقيم مقام اشكروا مشاكلة لقوله سبحانه يعملون.
وقال ابن الحاجب: إنه جعل مفعولا به تجوزا. وأيا ما كان فقد روى ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال: لما قيل لهم اعملوا آل داود شكرا، لم يأت ساعة على القوم إلا ومنهم قائم يصلي،
وفي رواية
294
كان مصلى آل داود لم يخل من قائم يصلي ليلا ونهارا وكانوا يتناوبونه وكان سليمان عليه السّلام يأكل خبز الشعير ويطعم أهله خشادته، والمساكين الدرمك وهو الدقيق الحواري وما شبع قط، وقيل: له في ذلك فقال: أخاف إذا شبعت أن أنسى الجياع، وجوز بعض الأفاضل دخول داود عليه السّلام في الآل هنا لأن آل الرجل قد يعمه.
ويؤيده ما
أخرجه أحمد في الزهد: وابن المنذر والبيهقي في شعب الإيمان عن المغيرة بن عتيبة قال: قال داود عليه السّلام يا رب هل بات أحد من خلقك أطول ذكرا مني فأوحى الله تعالى إليه الضفدع وأنزل سبحانه عليه عليه السّلام اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً فقال داود عليه السّلام كيف أطيق شكرك وأنت الذي تنعم عليّ ثم ترزقني على النعمة الشكر فالنعمة منك والشكر منك فكيف أطيق شكرك؟ فقال جل وعلا: يا داود الآن عرفتني حق معرفتي.
وجاء في رواية ابن أبي حاتم عن الفضيل أنه عليه السّلام قال يا رب: كيف أشكرك والشكر نعمة منك؟ قال سبحانه: الآن شكرتني حين علمت النعم مني
، وكذا ما
أخرجه الفريابي: وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: قال داود لسليمان عليهما السّلام: قد ذكر الله تعالى الشكر فاكفني قيام النار أكفك قيام الليل قال: لا أستطيع قال: فأكفني صلاة النهار فكفاه
وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ قال ابن عباس: هو الذي يشكر على أحواله كلها، وفي الكشاف هو المتوفر على أداء الشكر الباذل وسعه فيه قد شغل به قلبه ولسانه وجوارحه اعترافا واعتقادا وكدحا وأكثر أوقاته، وقال السدي هو من يشكر على الشكر، وقيل: من يرى عجزه عن الشكر لأن توفيقه للشكر نعمة يستدعي شكرا آخر لا إلى نهاية، وقد نظم هذا بعضهم فقال:
وقد سمعت آنفا ما روي عن داود عليه السّلام، وهذه الجملة يحتمل أن تكون داخلة في خطاب آل داود وهو الظاهر وأن تكون جملة مستقلة جيء بها إخبارا لنبينا صلّى الله عليه وسلم وفيها تنبيه وتحريض على الشكر.
وقرأ حمزة «عبادي» بسكون الياء وفتحها الباقون فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ قيل أي أوقعنا على سليمان الموت حاكمين به عليه، وفي مجمع البيان أي حكمنا عليه بالموت، وقيل: أوجبناه عليه، وفي البحر أي أنفذنا عليه ما قضينا عليه في الأزل من الموت وأخرجناه إلى حيز الوجود، وفيه تكلف، وأيا ما كان فليس المراد بالقضاء أخا القدر فتدبر، ولما شرطية ما بعدها شرطها وجوابها قوله تعالى: ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ واستدل بذلك على حرفيتها وفيه نظر، وضمير دَلَّهُمْ عائد على الجن الذين كانوا يعملون له عليه السّلام، وقيل: عائد على آل سليمان، ويأباه بحسب الظاهر قوله تعالى بعد تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ والمراد بدابة الأرض الأرضة بفتحات وهي دويبة تأكل الخشب ونحوه وتسمى سرفة بضم السين وإسكان الراء المهملة وبالفاء، وفي حياة الحيوان عن ابن السكيت إنها دويبة سوداء الرأس وسائرها أحمر تتخذ لنفسها بيتا مربعا من دقاق العيدان تضم بعضها إلى بعض بلعابها ثم تدخل فيه وتموت، وفي المثل أصنع من سرفة وسماها في البحر بسوسة الخشب، والأرض على ما ذهب إليه أبو حاتم وجماعة مصدر أرضت الدابة الخشب تأرضه إذا أكلته من باب ضرب يضرب فإضافة دَابَّةُ إليه من إضافة الشيء إلى فعله، ويؤيد ذلك قراءة ابن عباس والعباس بن الفضل الْأَرْضِ بفتح الراء لأنه مصدر أرض من باب علم المطاوع لأرض من باب ضرب يقال أرضت الدابة الخشب بالفتح فأرض بالكسر كما يقال أكلت القوادح الأسنان أكلا فأكلت أكلا فالأرض بالسكون الأكل والأرض بالفتح التأثر من ذلك الفعل.
ويؤيده ما
أخرجه أحمد في الزهد: وابن المنذر والبيهقي في شعب الإيمان عن المغيرة بن عتيبة قال: قال داود عليه السّلام يا رب هل بات أحد من خلقك أطول ذكرا مني فأوحى الله تعالى إليه الضفدع وأنزل سبحانه عليه عليه السّلام اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً فقال داود عليه السّلام كيف أطيق شكرك وأنت الذي تنعم عليّ ثم ترزقني على النعمة الشكر فالنعمة منك والشكر منك فكيف أطيق شكرك؟ فقال جل وعلا: يا داود الآن عرفتني حق معرفتي.
وجاء في رواية ابن أبي حاتم عن الفضيل أنه عليه السّلام قال يا رب: كيف أشكرك والشكر نعمة منك؟ قال سبحانه: الآن شكرتني حين علمت النعم مني
، وكذا ما
أخرجه الفريابي: وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: قال داود لسليمان عليهما السّلام: قد ذكر الله تعالى الشكر فاكفني قيام النار أكفك قيام الليل قال: لا أستطيع قال: فأكفني صلاة النهار فكفاه
وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ قال ابن عباس: هو الذي يشكر على أحواله كلها، وفي الكشاف هو المتوفر على أداء الشكر الباذل وسعه فيه قد شغل به قلبه ولسانه وجوارحه اعترافا واعتقادا وكدحا وأكثر أوقاته، وقال السدي هو من يشكر على الشكر، وقيل: من يرى عجزه عن الشكر لأن توفيقه للشكر نعمة يستدعي شكرا آخر لا إلى نهاية، وقد نظم هذا بعضهم فقال:
إذا كان شكري نعمة الله نعمة | علي له في مثلها يجب الشكر |
فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله | وإن طالت الأيام واتسع العمر |
إذا مس بالنعماء عم سرورها | وإن مس بالضراء أعقبها الأجر |
وقرأ حمزة «عبادي» بسكون الياء وفتحها الباقون فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ قيل أي أوقعنا على سليمان الموت حاكمين به عليه، وفي مجمع البيان أي حكمنا عليه بالموت، وقيل: أوجبناه عليه، وفي البحر أي أنفذنا عليه ما قضينا عليه في الأزل من الموت وأخرجناه إلى حيز الوجود، وفيه تكلف، وأيا ما كان فليس المراد بالقضاء أخا القدر فتدبر، ولما شرطية ما بعدها شرطها وجوابها قوله تعالى: ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ واستدل بذلك على حرفيتها وفيه نظر، وضمير دَلَّهُمْ عائد على الجن الذين كانوا يعملون له عليه السّلام، وقيل: عائد على آل سليمان، ويأباه بحسب الظاهر قوله تعالى بعد تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ والمراد بدابة الأرض الأرضة بفتحات وهي دويبة تأكل الخشب ونحوه وتسمى سرفة بضم السين وإسكان الراء المهملة وبالفاء، وفي حياة الحيوان عن ابن السكيت إنها دويبة سوداء الرأس وسائرها أحمر تتخذ لنفسها بيتا مربعا من دقاق العيدان تضم بعضها إلى بعض بلعابها ثم تدخل فيه وتموت، وفي المثل أصنع من سرفة وسماها في البحر بسوسة الخشب، والأرض على ما ذهب إليه أبو حاتم وجماعة مصدر أرضت الدابة الخشب تأرضه إذا أكلته من باب ضرب يضرب فإضافة دَابَّةُ إليه من إضافة الشيء إلى فعله، ويؤيد ذلك قراءة ابن عباس والعباس بن الفضل الْأَرْضِ بفتح الراء لأنه مصدر أرض من باب علم المطاوع لأرض من باب ضرب يقال أرضت الدابة الخشب بالفتح فأرض بالكسر كما يقال أكلت القوادح الأسنان أكلا فأكلت أكلا فالأرض بالسكون الأكل والأرض بالفتح التأثر من ذلك الفعل.
295
وقد يفسر الأول بالتأثر الذي هو الحاصل بالمصدر لتتوافق القراءتان، وقيل الأرض بالفتح جمع أرضة وإضافة دَابَّةُ إليه من إضافة العام إلى الخاص، وقيل: إن الأرض بالسكون بمعناها المعروف وإضافة دَابَّةُ إليها قيل لأن فعلها في الأكثر فيها، وقيل لأنها تؤثر في الخشب ونحوه كما تؤثر الأرض فيه إذا دفن فيها وقيل غير ذلك والأولى التفسير الأول وإن لم تجىء الأرض في القرآن بذلك المعنى في غير هذا الموضع، وقوله تعالى: تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ في موضع الحال من دَابَّةُ أي آكلة منسأته والمنسأة العصا من نسأت البعير إذا طردته لأنها يطرد بها أو من نسأته إذا أخرته ومنه النسيء، ويظهر من هذا أنها العصا الكبيرة التي تكون مع الراعي وأضرابه.
وقرأ نافع وابن عامر وجماعة «منساته» بألف وأصله منسأته فأبدلت الهمزة ألفا بدلا غير قياسي.
وقال أبو عمرو: أنا لا أهمزها لأني لا أعرف لها اشتقاقا فإن كانت مما لا تهمز فقد احتطت وإن كانت مما تهمز فقد يجوز لي ترك الهمز فيما يهمز، ولعله بيان لوجه اختيار القراءة بدون همزة وبالهمز جاءت في قول الشاعر:
ضربت بمنسأة وجهه... فصار بذاك مهينا ذليلا
وبدونه في قوله:
إذا دببت على المنساة من هرم... فقد تباعد منك اللهو والغزل
وقرأ ابن ذكوان وبكار والوليد بن أبي عتبة وابن مسلم وآخرون «منسأته» بهمزة ساكنة وهو من تسكين المتحرك تخفيفا وليس بقياس، وضعف النحاة هذه القراءة لأنه يلزم فيها أن يكون ما قبل تاء التأنيث ساكنا غير ألف، وقيل:
قياسها التخفيف بين بين والراوي لم يضبط، وأنشد هارون بن موسى الأخفش الدمشقي شاهدا على السكون في هذه القراءة قول الراجز:
صريع خمر قام من وكأته... كقومة الشيخ إلى منسأته
وقرىء بفتح الميم وتخفيف الهمزة قلبا وحذفا و «منساءته» بالمد على وزن مفعالة كما يقال في الميضأة وهي آلة التوضؤ وتطلق على محله أيضا ميضاءة، وقرىء «منسيته» بإبدال الهمزة ياء. وقرأت فرقة منهم عمرو بن ثابت عن ابن جبير «من» مفصولة حرف جر «ساته» بجر التاء وهي طرف العصا وأصلها ما انعطف من طرفي القوس ويقال فيه سية أيضا استعيرت لما ذكر إما استعارة اصطلاحية لأنها كانت خضراء فاعوجت بالاتكاء عليها على ما ستسمعه إن شاء الله تعالى في القصة أو لغوية باستعمال المقيد في المطلق، وبما ذكر علم رد ما قاله البطليوسي بعد ما نقل هذه القراءة عن القراء أنه تعجرف لا يجوز أن يستعمل في كتاب الله عزّ وجلّ ولم يأت به رواية ولا سماع ومع ذلك هو غير موافق لقصة سليمان عليه السّلام لأنه لم يكن معتمدا على قوس وإنما كان معتمدا على عصا. وقرىء «أكلت منسأته» بصيغة الماضي فالجملة إما حال أيضا بتقدير قد أو بدونه وإما استئناف بياني.
فَلَمَّا خَرَّ أي سقط تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أي علمت بعد التباس أمر سليمان من حياته ومماته عليهم أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ أنهم لو كانوا يعلمون الغيب كما يزعمون لعلموا موته زمن وقوعه فلم يلبثوا بعده حولا في الأعمال الشاقة إلى أن خر، والمراد بالجن الذين علموا ذلك ضعفاء الجن وبالذين نفي عنهم علم الغيب رؤساؤهم وكبارهم على ما روي عن قتادة، وجوز عليه أن يراد بالأمر الملتبس عليهم أمر علم الغيب أو المراد بالجن الجنس بأن يسند للكل ما للبعض أو المراد كبارهم المدعون علم الغيب أي علم المدعون علم الغيب منهم عجزهم وأنهم لا يعلمون الغيب، وهم وإن كانوا عالمين قبل ذلك بحالهم لكن أريد التهكم بهم كما تقول
وقرأ نافع وابن عامر وجماعة «منساته» بألف وأصله منسأته فأبدلت الهمزة ألفا بدلا غير قياسي.
وقال أبو عمرو: أنا لا أهمزها لأني لا أعرف لها اشتقاقا فإن كانت مما لا تهمز فقد احتطت وإن كانت مما تهمز فقد يجوز لي ترك الهمز فيما يهمز، ولعله بيان لوجه اختيار القراءة بدون همزة وبالهمز جاءت في قول الشاعر:
ضربت بمنسأة وجهه... فصار بذاك مهينا ذليلا
وبدونه في قوله:
إذا دببت على المنساة من هرم... فقد تباعد منك اللهو والغزل
وقرأ ابن ذكوان وبكار والوليد بن أبي عتبة وابن مسلم وآخرون «منسأته» بهمزة ساكنة وهو من تسكين المتحرك تخفيفا وليس بقياس، وضعف النحاة هذه القراءة لأنه يلزم فيها أن يكون ما قبل تاء التأنيث ساكنا غير ألف، وقيل:
قياسها التخفيف بين بين والراوي لم يضبط، وأنشد هارون بن موسى الأخفش الدمشقي شاهدا على السكون في هذه القراءة قول الراجز:
صريع خمر قام من وكأته... كقومة الشيخ إلى منسأته
وقرىء بفتح الميم وتخفيف الهمزة قلبا وحذفا و «منساءته» بالمد على وزن مفعالة كما يقال في الميضأة وهي آلة التوضؤ وتطلق على محله أيضا ميضاءة، وقرىء «منسيته» بإبدال الهمزة ياء. وقرأت فرقة منهم عمرو بن ثابت عن ابن جبير «من» مفصولة حرف جر «ساته» بجر التاء وهي طرف العصا وأصلها ما انعطف من طرفي القوس ويقال فيه سية أيضا استعيرت لما ذكر إما استعارة اصطلاحية لأنها كانت خضراء فاعوجت بالاتكاء عليها على ما ستسمعه إن شاء الله تعالى في القصة أو لغوية باستعمال المقيد في المطلق، وبما ذكر علم رد ما قاله البطليوسي بعد ما نقل هذه القراءة عن القراء أنه تعجرف لا يجوز أن يستعمل في كتاب الله عزّ وجلّ ولم يأت به رواية ولا سماع ومع ذلك هو غير موافق لقصة سليمان عليه السّلام لأنه لم يكن معتمدا على قوس وإنما كان معتمدا على عصا. وقرىء «أكلت منسأته» بصيغة الماضي فالجملة إما حال أيضا بتقدير قد أو بدونه وإما استئناف بياني.
فَلَمَّا خَرَّ أي سقط تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أي علمت بعد التباس أمر سليمان من حياته ومماته عليهم أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ أنهم لو كانوا يعلمون الغيب كما يزعمون لعلموا موته زمن وقوعه فلم يلبثوا بعده حولا في الأعمال الشاقة إلى أن خر، والمراد بالجن الذين علموا ذلك ضعفاء الجن وبالذين نفي عنهم علم الغيب رؤساؤهم وكبارهم على ما روي عن قتادة، وجوز عليه أن يراد بالأمر الملتبس عليهم أمر علم الغيب أو المراد بالجن الجنس بأن يسند للكل ما للبعض أو المراد كبارهم المدعون علم الغيب أي علم المدعون علم الغيب منهم عجزهم وأنهم لا يعلمون الغيب، وهم وإن كانوا عالمين قبل ذلك بحالهم لكن أريد التهكم بهم كما تقول
296
للمبطل إذا دحضت حجته هل تبينت أنك مبطل. وأنت تعلم أنه لم يزل كذلك متبينا.
وجوز أن يكون تبين بمعنى بأن وظهر فهو وغير متعد لمفعول كما في الوجه الأول فإن مفعوله فيه أَنْ لَوْ كانُوا إلخ وهو في هذا الوجه بدل من الْجِنُّ بدل اشتمال نحو تبين زيد جهله، والظهور في الحقيقة مسند إليه أي فلما خر بأن للناس وظهر أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب، ولا حاجة على ما قرر إلى اعتبار مضاف مقدر هو فاعل تبين في الحقيقة إلا أنه بعد حذفه أقيم المضاف إليه مقامه وأسند إليه الفعل ثم جعل أَنْ لَوْ كانُوا إلخ بدلا منه بدل كل من كل والأصل تبين أمر الجن أن لو كانوا إلخ، وجعل بعضهم في قوله تعالى أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ إلخ قياسا طويت كبراه فكأنه قيل لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين لكنهم لبثوا في العذاب المهين فهم لا يعلمون الغيب، ومجيء تبين بمعنى بأن وظهر لازما وبمعنى أدرك وعلم متعديا موجود في كلام العرب قال الشاعر:
وقال الآخر:
وفي البحر نقلا عن ابن عطية قال: ذهب سيبويه إلى أن أَنْ لا موضع لها من الأعراب وإنما هي منزلة منزلة القسم من الفعل الذي معناه التحقيق واليقين، لأن هذه الأفعال التي هي تحققت وتيقنت وعلمت ونحوها تحل محل القسم- فما لبثوا- جواب القسم لا جواب لو اهـ فتأمله فإني لا أكاد أتعقله وجها يلتفت إليه.
وفي أمالي العز بن عبد السّلام أن الجن ليس فاعل تَبَيَّنَتِ بل هو مبتدأ وأَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ خبره والجملة مفسرة لضمير الشأن في تَبَيَّنَتِ إذ لولا ذلك لكان معنى الكلام لما مات سليمان وخر ظهر لهم أنهم لا يعلمون الغيب وعلمهم بعدم علمهم الغيب لا يتوقف على هذا بل المعنى تبينت القصة ما هي والقصة قوله تعالى:
تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ اهـ، والعجب من صدور مثله عن مثله، وما جعله مانعا عن فاعلية الْجِنُّ مدفوع بما سمعت في تفسير الآية كما لا يخفى، وفي كتاب النحاس إشارة إلى أنه قرىء «تبينت الجن» بالنصب على أن تبينت بمعنى علمت والفاعل ضمير الإنس والجن مفعوله، وقرأ ابن عباس فيما ذكر ابن خالويه ويعقوب بخلاف عنه «تبيّنت» مبنيا للمفعول، وقرأ أبي «تبينت الإنس» وعن الضحاك «تباينت الإنس» بمعنى تعارقت وتعالمت والضمير في كانُوا للجن المذكور فيما سبق وقرأ ابن مسعود «تبينت الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب» وهي قراءات مخالفة لسواد المصحف مخالفة كثيرة وفي القصة روايات
فروي أنه كان من عادة سليمان عليه السّلام أن يعتكف في مسجد بيت المقدس المدد الطوال فلما دنا أجله لم يصبح إلا رأى في محرابه شجرة نابتة قد أنطقها الله تعالى فيسألها لأي شيء أنت؟ فتقول: لكذا حتى أصبح ذات يوم فرأى الخرنوبة فسألها فقالت نبت لخراب هذا المسجد فقال: ما كان الله تعالى ليخربه وأنا حي أنت التي على وجهك هلاكي وخراب بيت المقدس فنزعها وغرسها في حائط له واتخذ منها عصا وقال: اللهم عم على الجن موتى حتى يعلم أنهم لا يعلمون الغيب كما يموهون وقال لملك الموت: إذا أمرت بي فاعلمني فقال: أمرت بك وقد بقي من عمرك ساعة فدعا الجن فبنوا عليه صرحا من قوارير ليس له باب فقام يصلي متكئا على عصاه فقبض روحه وهو متكىء عليها وكانت الجن تجتمع حول محرابه أينما صلى فلم يكن جني ينظر إليه في صلاته إلا احترق فمر جني فلم يسمع صوته ثم رجع فلم يسمع فنظر إذا سليمان قد خر ميتا ففتحوا عنه فإذا العصا قد أكلتها الأرضة فأرادوا أن يعرفوا وقت موته
وجوز أن يكون تبين بمعنى بأن وظهر فهو وغير متعد لمفعول كما في الوجه الأول فإن مفعوله فيه أَنْ لَوْ كانُوا إلخ وهو في هذا الوجه بدل من الْجِنُّ بدل اشتمال نحو تبين زيد جهله، والظهور في الحقيقة مسند إليه أي فلما خر بأن للناس وظهر أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب، ولا حاجة على ما قرر إلى اعتبار مضاف مقدر هو فاعل تبين في الحقيقة إلا أنه بعد حذفه أقيم المضاف إليه مقامه وأسند إليه الفعل ثم جعل أَنْ لَوْ كانُوا إلخ بدلا منه بدل كل من كل والأصل تبين أمر الجن أن لو كانوا إلخ، وجعل بعضهم في قوله تعالى أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ إلخ قياسا طويت كبراه فكأنه قيل لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين لكنهم لبثوا في العذاب المهين فهم لا يعلمون الغيب، ومجيء تبين بمعنى بأن وظهر لازما وبمعنى أدرك وعلم متعديا موجود في كلام العرب قال الشاعر:
تبين لي أن القماءة ذلة | وأن أعزاء الرجال طيالها |
أفاطم إني ميت فتبيني | ولا تجزعي كل الأنام تموت |
وفي أمالي العز بن عبد السّلام أن الجن ليس فاعل تَبَيَّنَتِ بل هو مبتدأ وأَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ خبره والجملة مفسرة لضمير الشأن في تَبَيَّنَتِ إذ لولا ذلك لكان معنى الكلام لما مات سليمان وخر ظهر لهم أنهم لا يعلمون الغيب وعلمهم بعدم علمهم الغيب لا يتوقف على هذا بل المعنى تبينت القصة ما هي والقصة قوله تعالى:
تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ اهـ، والعجب من صدور مثله عن مثله، وما جعله مانعا عن فاعلية الْجِنُّ مدفوع بما سمعت في تفسير الآية كما لا يخفى، وفي كتاب النحاس إشارة إلى أنه قرىء «تبينت الجن» بالنصب على أن تبينت بمعنى علمت والفاعل ضمير الإنس والجن مفعوله، وقرأ ابن عباس فيما ذكر ابن خالويه ويعقوب بخلاف عنه «تبيّنت» مبنيا للمفعول، وقرأ أبي «تبينت الإنس» وعن الضحاك «تباينت الإنس» بمعنى تعارقت وتعالمت والضمير في كانُوا للجن المذكور فيما سبق وقرأ ابن مسعود «تبينت الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب» وهي قراءات مخالفة لسواد المصحف مخالفة كثيرة وفي القصة روايات
فروي أنه كان من عادة سليمان عليه السّلام أن يعتكف في مسجد بيت المقدس المدد الطوال فلما دنا أجله لم يصبح إلا رأى في محرابه شجرة نابتة قد أنطقها الله تعالى فيسألها لأي شيء أنت؟ فتقول: لكذا حتى أصبح ذات يوم فرأى الخرنوبة فسألها فقالت نبت لخراب هذا المسجد فقال: ما كان الله تعالى ليخربه وأنا حي أنت التي على وجهك هلاكي وخراب بيت المقدس فنزعها وغرسها في حائط له واتخذ منها عصا وقال: اللهم عم على الجن موتى حتى يعلم أنهم لا يعلمون الغيب كما يموهون وقال لملك الموت: إذا أمرت بي فاعلمني فقال: أمرت بك وقد بقي من عمرك ساعة فدعا الجن فبنوا عليه صرحا من قوارير ليس له باب فقام يصلي متكئا على عصاه فقبض روحه وهو متكىء عليها وكانت الجن تجتمع حول محرابه أينما صلى فلم يكن جني ينظر إليه في صلاته إلا احترق فمر جني فلم يسمع صوته ثم رجع فلم يسمع فنظر إذا سليمان قد خر ميتا ففتحوا عنه فإذا العصا قد أكلتها الأرضة فأرادوا أن يعرفوا وقت موته
297
فوضعوا الأرضة على العصا فأكلت منها في يوم وليلة مقدارا فحسبوا على ذلك النحو فوجدوه قد مات منذ سنة وكانوا يعملون بين يديه ويحسبونه حيا فتبين أنهم لو كانوا يعلمون الغيب لما لبثوا في العذاب سنة
، ولا يخفى أن هذا من باب التخمين والاقتصار على الأقل وإلا فيجوز أن تكون الأرضة بدت بالأكل بعد موته بزمان كثير وأنها كانت تأكل أحيانا وتترك أحيانا.
وأما كون بدئها في حياته فبعيد، وكونه بالوحي إلى نبي في ذلك الزمان كما قيل فواه لأنه لو كان كذلك لم يحتاجوا إلى وضع الأرضة على العصا ليستعلموا المدة، وروي أن داود عليه السّلام أسس بناء بيت المقدس في موضع فسطاط موسى عليه السّلام فمات قبل أن يتمه فوصى به إلى سليمان فأمر الجن بإتمامه فلما بقي من عمره سنة سأل أن يعمى عليهم موته حتى يفرغوا منه ولتبطل دعواهم علم الغيب، وهذا بظاهره مخالف لما روي أن إبراهيم عليه السّلام هو الذي أسس بيت المقدس بعد الكعبة بأربعين سنة ثم خرب وأعاده داود ومات قبل أن يتمه، وأيضا إن موسى عليه السّلام لم يدخل بيت المقدس بل مات في التيه،
وجاء في الحديث الصحيح أنه عليه السّلام سأل ربه عند وفاته أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر
، وأيضا
قد روي أن سليمان قد فرغ من بناء المسجد وتعبد فيه وتجهز بعده للحج شكرا لله تعالى على ذلك
. وأجيب عن الأول بأن المراد تجديد التأسيس، وعن الثاني بأن المراد بفسطاط موسى فسطاطه المتوارث وكانوا يضربونه يتعبدون فيه تبركا لا أنه كان يضرب هنالك في زمنه عليه السّلام، ويحتاج هذا إلى نقل فإن مثله لا يقال بالرأي فإن كان فأهلا ومرحبا، وقيل المراد به مجمع العبادة على دين موسى كما وقع في الحديث فسطاط إيمان.
وقال القرطبي في التذكرة: المراد به فرقة منحازة عن غيرها، مجتمعة تشبيها بالخيمة، ولا يخفى ما فيهما وإن قيل إنهما أظهر من الأول، وعن الثالث بأن المراد بالفراغ القرب من الفراغ وما قارب الشيء له حكمه وفيه بعد واختير أن هذا رواية وذاك رواية والله تعالى أعلم بالصحيح منهما.
وروي أنه عليه السّلام قد أمر ببناء صرح له فبنوه فدخله مختليا ليصفو له يوم في الدهر من الكدر فدخل عليه شاب فقال: له كيف دخلت عليّ بلا إذن؟ فقال: إنما دخلت بإذن فقال: ومن أذن لك؟ قال: رب هذا الصرح فعلم أنه ملك الموت أتى لقبض روحه فقال: سبحان الله هذا اليوم الذي طلبت فيه الصفا فقال له: طلبت ما لم يخلق فاستوثق من الاتكاء على عصاه فقبض روحه وخفي على الجن موته حتى سقط
، وروي أن أفريدون جاء ليصعد كرسيه فلما دنا ضرب الأسدان ساقه فكسراها فلم يجسر أحد بعده أن يدنو منه، ولذا لم تقربه الجن وخفي أمر موته عليهم.
ونظر فيه بأن سليمان كان بعد موسى بمدة مديدة وأفريدون كان قبله لأن منوجهر من أسباط أفريدون وظهر موسى عليه في زمانه، وعلى جميع الروايات الدالة على موته عليه السّلام خروره لما كسرت العصا لضعفها بأكل الأرضة منها، ونسبة الدلالة في الآية إليها نسبة إلى السبب البعيد.
ومن الغريب ما نقل عن ابن عباس أنه عليه السّلام مات في متعبده على فراشه، وقد أغلق الباب على نفسه فأكلت الأرضة المنسأة أي عتبة الباب فلما خر أي الباب علم موته فإن فيه جعل ضمير خَرَّ للباب وإليه ذهب بعضهم، وفيه أنه لم يعهد تسمية العتبة منسأة، وأيضا كان اللازم عليه خرت بتاء التأنيث ولا يجيء حذفها في مثل ذلك إلا في ضرورة الشعر، وكون التذكير على معنى العود بعيد فالظاهر عدم صحة الرواية عن الحبر والله تعالى أعلم.
وحكى البغوي عنه أن الجن شكروا الأرضة فهم يأتونها بالماء والطين في جوف الخشب وهذا شيء لا أقول به ولا أعتقد صحة الرواية أيضا، وكان عمره عليه السّلام ثلاثا وخمسين سنة وملك بعد أبيه وعمره ثلاثة عشر سنة وابتدأ
، ولا يخفى أن هذا من باب التخمين والاقتصار على الأقل وإلا فيجوز أن تكون الأرضة بدت بالأكل بعد موته بزمان كثير وأنها كانت تأكل أحيانا وتترك أحيانا.
وأما كون بدئها في حياته فبعيد، وكونه بالوحي إلى نبي في ذلك الزمان كما قيل فواه لأنه لو كان كذلك لم يحتاجوا إلى وضع الأرضة على العصا ليستعلموا المدة، وروي أن داود عليه السّلام أسس بناء بيت المقدس في موضع فسطاط موسى عليه السّلام فمات قبل أن يتمه فوصى به إلى سليمان فأمر الجن بإتمامه فلما بقي من عمره سنة سأل أن يعمى عليهم موته حتى يفرغوا منه ولتبطل دعواهم علم الغيب، وهذا بظاهره مخالف لما روي أن إبراهيم عليه السّلام هو الذي أسس بيت المقدس بعد الكعبة بأربعين سنة ثم خرب وأعاده داود ومات قبل أن يتمه، وأيضا إن موسى عليه السّلام لم يدخل بيت المقدس بل مات في التيه،
وجاء في الحديث الصحيح أنه عليه السّلام سأل ربه عند وفاته أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر
، وأيضا
قد روي أن سليمان قد فرغ من بناء المسجد وتعبد فيه وتجهز بعده للحج شكرا لله تعالى على ذلك
. وأجيب عن الأول بأن المراد تجديد التأسيس، وعن الثاني بأن المراد بفسطاط موسى فسطاطه المتوارث وكانوا يضربونه يتعبدون فيه تبركا لا أنه كان يضرب هنالك في زمنه عليه السّلام، ويحتاج هذا إلى نقل فإن مثله لا يقال بالرأي فإن كان فأهلا ومرحبا، وقيل المراد به مجمع العبادة على دين موسى كما وقع في الحديث فسطاط إيمان.
وقال القرطبي في التذكرة: المراد به فرقة منحازة عن غيرها، مجتمعة تشبيها بالخيمة، ولا يخفى ما فيهما وإن قيل إنهما أظهر من الأول، وعن الثالث بأن المراد بالفراغ القرب من الفراغ وما قارب الشيء له حكمه وفيه بعد واختير أن هذا رواية وذاك رواية والله تعالى أعلم بالصحيح منهما.
وروي أنه عليه السّلام قد أمر ببناء صرح له فبنوه فدخله مختليا ليصفو له يوم في الدهر من الكدر فدخل عليه شاب فقال: له كيف دخلت عليّ بلا إذن؟ فقال: إنما دخلت بإذن فقال: ومن أذن لك؟ قال: رب هذا الصرح فعلم أنه ملك الموت أتى لقبض روحه فقال: سبحان الله هذا اليوم الذي طلبت فيه الصفا فقال له: طلبت ما لم يخلق فاستوثق من الاتكاء على عصاه فقبض روحه وخفي على الجن موته حتى سقط
، وروي أن أفريدون جاء ليصعد كرسيه فلما دنا ضرب الأسدان ساقه فكسراها فلم يجسر أحد بعده أن يدنو منه، ولذا لم تقربه الجن وخفي أمر موته عليهم.
ونظر فيه بأن سليمان كان بعد موسى بمدة مديدة وأفريدون كان قبله لأن منوجهر من أسباط أفريدون وظهر موسى عليه في زمانه، وعلى جميع الروايات الدالة على موته عليه السّلام خروره لما كسرت العصا لضعفها بأكل الأرضة منها، ونسبة الدلالة في الآية إليها نسبة إلى السبب البعيد.
ومن الغريب ما نقل عن ابن عباس أنه عليه السّلام مات في متعبده على فراشه، وقد أغلق الباب على نفسه فأكلت الأرضة المنسأة أي عتبة الباب فلما خر أي الباب علم موته فإن فيه جعل ضمير خَرَّ للباب وإليه ذهب بعضهم، وفيه أنه لم يعهد تسمية العتبة منسأة، وأيضا كان اللازم عليه خرت بتاء التأنيث ولا يجيء حذفها في مثل ذلك إلا في ضرورة الشعر، وكون التذكير على معنى العود بعيد فالظاهر عدم صحة الرواية عن الحبر والله تعالى أعلم.
وحكى البغوي عنه أن الجن شكروا الأرضة فهم يأتونها بالماء والطين في جوف الخشب وهذا شيء لا أقول به ولا أعتقد صحة الرواية أيضا، وكان عمره عليه السّلام ثلاثا وخمسين سنة وملك بعد أبيه وعمره ثلاثة عشر سنة وابتدأ
298
في بناء بيت المقدس لأربع سنين مضين من ملكه ثم مضى وانقضى وسبحان من لا ينقضي ملكه ولا يزول سلطانه، وفي الآية دليل على أن الغيب لا يختص بالأمور المستقبلة بل يشمل الأمور الواقعة التي هي غائبة عن الشخص أيضا لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ لما ذكر عزّ وجلّ حال الشاكرين لنعمه المنيبين إليه تعالى ذكر حال الكافرين بالنعمة المعرضين عنه جل شأنه موعظة لقريش وتحذيرا لمن كفر بالنعم وأعرض عن المنعم، وسبأ في الأصل اسم رجل وهو سبأ بن يشجب بالشين المعجمة والجيم كينصر بن يعرب بن قحطان،
وفي بعض الأخبار عن فروة بن مسيك قال: أتيت النبي صلّى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أخبرني عن سبأ أرجل هو أم امرأة؟ فقال: هو رجل من العرب ولد عشرة تيامن منهم ستة وتشاءم منهم أربعة فأما الذين تيامنوا فالأزد وكندة ومذحج والأشعريون وأنمار ومنهم بجيلة وأما الذين تشاءموا فعاملة وغسان ولخم وجذام
، وفي شرح قصيدة عبد المجيد بن عبدون لعبد الملك بن عبد الله بن بدرون الحضرمي البستي أن سبأ بن يشجب أول ملوك اليمن في قول واسمه عبد شمس وإنما سمي سبأ لأنه أول من سبى السبي من ولد قحطان وكان ملكه أربعمائة وأربعا وثمانين سنة ثم سمي به الحي، ومنع الصرف عنه ابن كثير وأبو عمرو باعتبار جعله اسما للقبيلة ففيه العلمية والتأنيث، وقرأ قنبل بإسكان الهمزة على نية الوقف، وعن ابن كثير قلب همزته ألفا ولعله سكنها أولا بنية الوقف كقنبل ثم قلبها ألفا والهمزة إذا سكنت يطرد قلبها من جنس حركة ما قبلها، وقيل: لعله أخرجها بين بين فلم يؤده الراوي كما وجب، والمراد بسبأ هنا إما الحي أو القبيلة وإما الرجل الذي سمعت وعليه فالكلام على تقدير مضاف أي لقد كان في أولاد سبأ، وجوز أن يراد به البلد وقد شاع إطلاقه عليه وحينئذ فالضمير في قوله تعالى:
فِي مَسْكَنِهِمْ لأهلها أولها مرادا بها الحي على سبيل الاستخدام والأمر فيه على ما تقدم ظاهر، والمسكين اسم مكان أي في محل سكناهم وهو كالدار يطلق على المأوى للجميع وإن كان قطرا واسعا كما تسمى الدنيا دارا، وقال أبو حيان: ينبغي أن يحمل على المصدر أي في سكناهم لأن كل أحد له مسكن وقد أفرد في هذه القراءة وجعل المفرد بمعنى الجمع كما في قوله:
كلوا في بعض بطنكم تعفوا وقوله:
قد عض أعناقهم جلد الجواميس يختص بالضرورة عند سيبويه انتهى.
وبما ذكرنا لا تبقى حاجة إليه كما لا يخفى، واسم ذلك المكان مأرب كمنزل وهي من بلاد اليمن بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاث، وقرأ الكسائي والأعمش وعلقمة «مسكنهم» بكسر الكاف على خلاف القياس كمسجد ومطلع لأن ما ضمت عين مضارعه أو فتحت قياس المفعل منه زمانا ومكانا ومصدرا الفتح لا غير، وقال أبو الحسن كسر الكاف لغة فاشية وهي لغة الناس اليوم والفتح لغة الحجاز وهي اليوم قليلة، وقال الفراء: هي لغة يمانية فصيحة.
وقرأ الجمهور «مساكنهم» جمعا أي في مواضع سكناهم آيَةٌ أي علامة دالة بملاحظة أخواتها السابقة واللاحقة على وجود الصانع المختار وأنه سبحانه قادر على ما يشاء من الأمور العجيبة مجاز للمحسن والمسيء وهي اسم كان وقوله تعالى: جَنَّتانِ بدل منها على ما أشار إليه الفراء وصرح به مكي وغيره، وقال الزجاج: خبر مبتدأ محذوف أي هي جنتان ولا يشترط في البدل المطابقة إفرادا وغيره وكذا الخبر إذا كان غير مشتق ولم يمنع المعنى من اتحاده مع المبتدأ، ولعل وجه توحيد الآية هنا مثله في قوله تعالى: وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً [المؤمنون: ٥٠] ولا حاجة إلى اعتبار مضاف مفرد محذوف هو البدل أو الخبر في الحقيقة أي قصة جنتين، وذهب ابن عطية بعد أن
وفي بعض الأخبار عن فروة بن مسيك قال: أتيت النبي صلّى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أخبرني عن سبأ أرجل هو أم امرأة؟ فقال: هو رجل من العرب ولد عشرة تيامن منهم ستة وتشاءم منهم أربعة فأما الذين تيامنوا فالأزد وكندة ومذحج والأشعريون وأنمار ومنهم بجيلة وأما الذين تشاءموا فعاملة وغسان ولخم وجذام
، وفي شرح قصيدة عبد المجيد بن عبدون لعبد الملك بن عبد الله بن بدرون الحضرمي البستي أن سبأ بن يشجب أول ملوك اليمن في قول واسمه عبد شمس وإنما سمي سبأ لأنه أول من سبى السبي من ولد قحطان وكان ملكه أربعمائة وأربعا وثمانين سنة ثم سمي به الحي، ومنع الصرف عنه ابن كثير وأبو عمرو باعتبار جعله اسما للقبيلة ففيه العلمية والتأنيث، وقرأ قنبل بإسكان الهمزة على نية الوقف، وعن ابن كثير قلب همزته ألفا ولعله سكنها أولا بنية الوقف كقنبل ثم قلبها ألفا والهمزة إذا سكنت يطرد قلبها من جنس حركة ما قبلها، وقيل: لعله أخرجها بين بين فلم يؤده الراوي كما وجب، والمراد بسبأ هنا إما الحي أو القبيلة وإما الرجل الذي سمعت وعليه فالكلام على تقدير مضاف أي لقد كان في أولاد سبأ، وجوز أن يراد به البلد وقد شاع إطلاقه عليه وحينئذ فالضمير في قوله تعالى:
فِي مَسْكَنِهِمْ لأهلها أولها مرادا بها الحي على سبيل الاستخدام والأمر فيه على ما تقدم ظاهر، والمسكين اسم مكان أي في محل سكناهم وهو كالدار يطلق على المأوى للجميع وإن كان قطرا واسعا كما تسمى الدنيا دارا، وقال أبو حيان: ينبغي أن يحمل على المصدر أي في سكناهم لأن كل أحد له مسكن وقد أفرد في هذه القراءة وجعل المفرد بمعنى الجمع كما في قوله:
كلوا في بعض بطنكم تعفوا وقوله:
قد عض أعناقهم جلد الجواميس يختص بالضرورة عند سيبويه انتهى.
وبما ذكرنا لا تبقى حاجة إليه كما لا يخفى، واسم ذلك المكان مأرب كمنزل وهي من بلاد اليمن بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاث، وقرأ الكسائي والأعمش وعلقمة «مسكنهم» بكسر الكاف على خلاف القياس كمسجد ومطلع لأن ما ضمت عين مضارعه أو فتحت قياس المفعل منه زمانا ومكانا ومصدرا الفتح لا غير، وقال أبو الحسن كسر الكاف لغة فاشية وهي لغة الناس اليوم والفتح لغة الحجاز وهي اليوم قليلة، وقال الفراء: هي لغة يمانية فصيحة.
وقرأ الجمهور «مساكنهم» جمعا أي في مواضع سكناهم آيَةٌ أي علامة دالة بملاحظة أخواتها السابقة واللاحقة على وجود الصانع المختار وأنه سبحانه قادر على ما يشاء من الأمور العجيبة مجاز للمحسن والمسيء وهي اسم كان وقوله تعالى: جَنَّتانِ بدل منها على ما أشار إليه الفراء وصرح به مكي وغيره، وقال الزجاج: خبر مبتدأ محذوف أي هي جنتان ولا يشترط في البدل المطابقة إفرادا وغيره وكذا الخبر إذا كان غير مشتق ولم يمنع المعنى من اتحاده مع المبتدأ، ولعل وجه توحيد الآية هنا مثله في قوله تعالى: وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً [المؤمنون: ٥٠] ولا حاجة إلى اعتبار مضاف مفرد محذوف هو البدل أو الخبر في الحقيقة أي قصة جنتين، وذهب ابن عطية بعد أن
299
ضعف وجه البدلية ولم يذكر الجهة إلى أن جَنَّتانِ مبتدأ خبره قوله تعالى: عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ ولا يظهر لأنه نكرة لا مسوغ للابتداء بها إلا أن اعتقد أن ثم صفة محذوفة أي جنتان لهم أو جنتان عظيمتان وعلى تقدير ذلك يبقى الكلام متلفتا عما قبله. وقرأ ابن أبي عبلة «جنتين» بالنصب على المدح، وقال أبو حيان: على أن آية اسم كان و «جنتين» الخبر وأيا ما كان فالمراد بالجنتين على ما روي عن قتادة جماعتان من البساتين جماعة عن يمين بلدهم وجماعة عن شماله وإطلاق الجنة على كل جماعة لأنها التقارب أفرادها وتضامها كأنها جنة واحدة كما تكون بلاد الريف العامرة وبساتينها، وقيل: أريد بستانا كل رجل منهم عن يمين مسكنه وشماله كما قال سبحانه: جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ [الكهف: ٣٢] قيل: ولم تجمع لئلا يلزم أن لكل مسكن رجل جنة واحدة لمقابلة الجمع بالجمع، ورد بأن قوله تعالى: عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ يدفع ذلك لأنه بالنظر إلى كل مسكن إلا أنها لو جمعت أو هم أن لكل مسكن جنات عن يمين وجنات عن شمال هذا لا محذور فيه إلا أن يدعى أنه مخالف للواقع ثم أنه قيل إن في فيما سبق بمعنى عند فإن المساكن محفوفة بالجنتين لا ظرف لهما، وقيل: لا حاجة إلى هذا فإن القريب من الشيء قد يجعل فيه مبالغة في شدة القرب ولكل جهة لكن أنت تعلم أنه إذا أريد بالمساكن أو المسكن ما يصلح أن يكون ظرفا لبلدهم المحفوفة بالجنتين أو لمحل كل منهم المحفوفة بهما لم يحتج إلى التأويل أصلا فلا تغفل كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ
جملة مستأنفة بتقدير قول أي قال لهم نبيهم كلوا إلخ، وفي مجمع البيان قيل: إن مساكنهم كانت ثلاثة عشر قرية في كل قرية نبي يدعوهم إلى الله عزّ وجلّ يقول كلوا من رزق ربكم إلخ، وقيل: ليس هناك قول حقيقة وإنما هو قول بلسان الحال بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ أي هذه البلدة التي فيها رزقكم بلدة طيبة وربكم الذي رزقكم وطلب شكركم رب غفور فرطات من يشكره، والجملة استئناف للتصريح بموجب الشكر، ومعنى طيبة زكية مستلذة.
يروى أنها كانت لطيفة الهواء حسنة التربة لا تحدث فيها عاهة ولا يكون فيها هامة حتى أن الغريب إذا حلها وفي ثيابه قمل أو براغيث ماتت، وقيل: المراد بطيبها صحة هوائها وعذوبة مائها ووفور نزهتها وأنه ليس فيها حر يؤذي في الصيف ولا برد يؤذي في الشتاء، وقرأ رويس بنصب «بلدة» وجميع ما بعدها وذلك على المدح والوصفية.
وقال أحمد بن يحيى: بتقدير اسكنوا بلدة طيبة واعبدوا ربا غفورا ومن الاتفاقات النادرة إن لفظ بلدة طيبة بحساب الجمل واعتبار هاء التأنيث بأربعمائة كما ذهب إليه كثير من الأدباء وقع تاريخا لفتح القسطنطينية وكانت نزهة بلاد الروم فَأَعْرَضُوا أي عن الشكر كما يقتضيه المقام ويدخل فيه الأعراض عن الإيمان لأنه أعظم الكفر والكفران، وقال أبو حيان: أعرضوا عما جاء به إليهم أنبياؤهم الثلاثة عشر حيث دعوهم إلى الله تعالى وذكروهم نعمه سبحانه فكذبوهم وقالوا ما نعرف لله نعمة فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ أي الصعب من عرم الرجل مثلث الراء فهو عارم وعرم إذا شرس خلقه وصعب، وفي معناه ما جاء في رواية عن ابن عباس من تفسيره بالشديد، وإضافة السيل إليه من إضافة الموصوف إلى الصفة، ومن أباها من النحاة قال التقدير سيل الأمر العرم.
وقيل: العرم المطر الشديد والإضافة على ظاهرها، وقيل: هو اسم للجرذ الذي نقب عليهم سدهم فصار سببا لتسلط السيل عليهم وهو الفار الأعمى الذي يقال له الخلد وإضافة السيل إليه لأدنى ملابسة، وقال ابن جبير: العرم المسناة بلسان الحبشة، وقال الأخفش، هو بهذا المعنى عربي، وقال المغيرة بن حكيم وأبو ميسرة: العرم في لغة اليمن جمع عرمة وهي كل ما بني أو سنم ليمسك الماء ويقال لذلك البناء بلغة الحجاز المسناة، والإضافة كما في سابقه والملابسة في هذا أقوى، وعن ابن عباس وقتادة والضحاك ومقاتل هو اسم الوادي الذي كان يأتي السيل منه وبني السد فيه، ووجه إضافة السيل إليه ظاهر، وقرأ عزرة بن الورد فيما حكى ابن خالويه «العرم» بإسكان الراء تخفيفا كقولهم في
جملة مستأنفة بتقدير قول أي قال لهم نبيهم كلوا إلخ، وفي مجمع البيان قيل: إن مساكنهم كانت ثلاثة عشر قرية في كل قرية نبي يدعوهم إلى الله عزّ وجلّ يقول كلوا من رزق ربكم إلخ، وقيل: ليس هناك قول حقيقة وإنما هو قول بلسان الحال بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ أي هذه البلدة التي فيها رزقكم بلدة طيبة وربكم الذي رزقكم وطلب شكركم رب غفور فرطات من يشكره، والجملة استئناف للتصريح بموجب الشكر، ومعنى طيبة زكية مستلذة.
يروى أنها كانت لطيفة الهواء حسنة التربة لا تحدث فيها عاهة ولا يكون فيها هامة حتى أن الغريب إذا حلها وفي ثيابه قمل أو براغيث ماتت، وقيل: المراد بطيبها صحة هوائها وعذوبة مائها ووفور نزهتها وأنه ليس فيها حر يؤذي في الصيف ولا برد يؤذي في الشتاء، وقرأ رويس بنصب «بلدة» وجميع ما بعدها وذلك على المدح والوصفية.
وقال أحمد بن يحيى: بتقدير اسكنوا بلدة طيبة واعبدوا ربا غفورا ومن الاتفاقات النادرة إن لفظ بلدة طيبة بحساب الجمل واعتبار هاء التأنيث بأربعمائة كما ذهب إليه كثير من الأدباء وقع تاريخا لفتح القسطنطينية وكانت نزهة بلاد الروم فَأَعْرَضُوا أي عن الشكر كما يقتضيه المقام ويدخل فيه الأعراض عن الإيمان لأنه أعظم الكفر والكفران، وقال أبو حيان: أعرضوا عما جاء به إليهم أنبياؤهم الثلاثة عشر حيث دعوهم إلى الله تعالى وذكروهم نعمه سبحانه فكذبوهم وقالوا ما نعرف لله نعمة فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ أي الصعب من عرم الرجل مثلث الراء فهو عارم وعرم إذا شرس خلقه وصعب، وفي معناه ما جاء في رواية عن ابن عباس من تفسيره بالشديد، وإضافة السيل إليه من إضافة الموصوف إلى الصفة، ومن أباها من النحاة قال التقدير سيل الأمر العرم.
وقيل: العرم المطر الشديد والإضافة على ظاهرها، وقيل: هو اسم للجرذ الذي نقب عليهم سدهم فصار سببا لتسلط السيل عليهم وهو الفار الأعمى الذي يقال له الخلد وإضافة السيل إليه لأدنى ملابسة، وقال ابن جبير: العرم المسناة بلسان الحبشة، وقال الأخفش، هو بهذا المعنى عربي، وقال المغيرة بن حكيم وأبو ميسرة: العرم في لغة اليمن جمع عرمة وهي كل ما بني أو سنم ليمسك الماء ويقال لذلك البناء بلغة الحجاز المسناة، والإضافة كما في سابقه والملابسة في هذا أقوى، وعن ابن عباس وقتادة والضحاك ومقاتل هو اسم الوادي الذي كان يأتي السيل منه وبني السد فيه، ووجه إضافة السيل إليه ظاهر، وقرأ عزرة بن الورد فيما حكى ابن خالويه «العرم» بإسكان الراء تخفيفا كقولهم في
300
الكبد الكبد. روي أن بلقيس لما ملكت اقتتل قومها على ماء واديهم فتركت ملكها وسكنت قصرها وراودوها على أن ترجع فأبت فقالوا: لترجعن أو لنقتلنك فقالت لهم: أنتم لا عقول لكم ولا تطيعوني فقالوا: نطيعك فرجعت إلى واديهم وكانوا إذا مطروا أتاهم السيل من مسيرة ثلاثة أيام فأمرت فسد ما بين الجبلين بمسناة بالصخر والقار وحبست الماء من وراء السد وجعلت له أبوابا بعضها فوق بعض وبنت من دونه بركة منها اثنا عشر مخرجا على عدة أنهارهم وكان الماء يخرج لهم بالسوية إلى أن كان من شأنها مع سليمان عليه السّلام ما كان.
وقيل: الذي بنى لهم السد هو حمير أبو القبائل اليمنية، وقيل بناه لقمان الأكبر بن عاد ورصف أحجاره بالرصاص والحديد وكان فرسخا في فرسخ ولم يزالوا في أرغد عيش وأخصب أرض حتى أن المرأة تخرج وعلى رأسها المكتل فتعمل بيديها وتسير فيمتلىء المكتل مما يتساقط من أشجار بساتينهم إلى أن أعرضوا عن الشكر وكذبوا الأنبياء عليهم السّلام فسلط الله تعالى على سدهم الخلد فوالد فيه فخرقه فأرسل سبحانه سيلا عظيما فحمل السد وذهب بالجنان وكثير من الناس، وقيل إنه أذهب السد فاختل أمر قسمة الماء ووصوله إلى جنانهم فيبست وهلكت، وكان ذلك السيل على ما قيل في ملك ذي الأذعار بن حسان في الفترة بين نبينا صلّى الله عليه وسلم وعيسى عليه السّلام، وفيه بحث على تقدير القول بأن الاعراض كان عما جاءهم من أنبيائهم الثلاثة عشر كما ستعلمه إن شاء الله تعالى عن قريب.
وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ أي أذهبنا جنتيهم وأتينا بدلها جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ أي ثمر خَمْطٍ أي حامض أو مر، وعن ابن عباس الخمط الأراك ويقال لثمره مطلقا أو إذا اسود وبلغ البربر، وقيل شجر الغضا ولا أعلم هل له ثمر أم لا، وقال أبو عبيدة: كل شجرة مرة ذات شوك، وقال ابن الأعرابي: هو ثمر شجرة على صورة الخشخاش لا ينتفع به وتسمى تلك الشجرة على ما قيل بفسوة الضبع وهو على الأول صفة لأكل والأمر في ذلك ظاهر، وعلى الأخير عطف بيان على مذهب الكوفيين المجوزين له في النكرات، وقيل بدل وعلى ما بينهما الكلام على حذف مضاف أي أكل أكل خمط وذلك المضاف بدل من أكل أو عطف بيان عليه ولما حذف أقيم المضاف إليه مقامه وأعرب بإعرابه كما في البحر، وقيل هو بتقدير أكل ذي خمط، وقيل هو بدل من باب يعجبني القمر فلكه وهو كما ترى. ومنع جعله وصفا من غير ضرب من التأويل لأن الثمر لا يوصف بالشجر لا لأن الوصف بالأسماء الجامدة لا يطرد وإن جاء منه شيء نحو مررت بقاع عرفج فتأمل.
وقرأ أبو عمرو «أكل خمط» بالإضافة وهو من باب ثوب خز، وقرأ ابن كثير «أكل» بسكون الكاف والتنوين وَأَثْلٍ ضرب من الطرفاء على ما قاله أبو حنيفة اللغوي في كتاب النبات له، وعن ابن عباس تفسيره بالطرفاء، ونقل الطبرسي قولا أنه السمر وهو عطف على أُكُلٍ ولم يجوز الزمخشري عطفه على خَمْطٍ معللا بأن الأثل لا ثمر له، والأطباء كداود الأنطاكي وغيره يذكرون له ثمرا كالحمص ينكسر عن حب صغار ملتصق بعضه ببعض ويفسرون الأثل بالعظيم من الطرفاء ويقولون في الطرفاء هو بري لا ثمر له وبستاني له ثمر لكن قال الخفاجي: لا يعتمد على الكتب الطبية في مثل ذلك وفي القلب منه شيء، ونحن قد حققنا أن للأثل ثمرا. وكذا لصنف من الطرفاء إلا أن ثمرهما لا يؤكل ولعل مراد النافي نفي ثمرة تؤكل، والأطباء يعدون ما تخرجه الشجر غير الورق ونحوه ثمرة أكلت أم لا، ومثله في العطف على ذلك في قوله تعالى:
وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ وحكى الفضيل بن إبراهيم أنه قرىء «أثلا وشيئا» بالنصب عطفا على جَنَّتَيْنِ والسدر شجر النبق، وقال الأزهري: السدر سدران سدر لا ينتفع به ولا يصلح ورقه للغسول وله ثمرة عفصة لا تؤكل
وقيل: الذي بنى لهم السد هو حمير أبو القبائل اليمنية، وقيل بناه لقمان الأكبر بن عاد ورصف أحجاره بالرصاص والحديد وكان فرسخا في فرسخ ولم يزالوا في أرغد عيش وأخصب أرض حتى أن المرأة تخرج وعلى رأسها المكتل فتعمل بيديها وتسير فيمتلىء المكتل مما يتساقط من أشجار بساتينهم إلى أن أعرضوا عن الشكر وكذبوا الأنبياء عليهم السّلام فسلط الله تعالى على سدهم الخلد فوالد فيه فخرقه فأرسل سبحانه سيلا عظيما فحمل السد وذهب بالجنان وكثير من الناس، وقيل إنه أذهب السد فاختل أمر قسمة الماء ووصوله إلى جنانهم فيبست وهلكت، وكان ذلك السيل على ما قيل في ملك ذي الأذعار بن حسان في الفترة بين نبينا صلّى الله عليه وسلم وعيسى عليه السّلام، وفيه بحث على تقدير القول بأن الاعراض كان عما جاءهم من أنبيائهم الثلاثة عشر كما ستعلمه إن شاء الله تعالى عن قريب.
وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ أي أذهبنا جنتيهم وأتينا بدلها جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ أي ثمر خَمْطٍ أي حامض أو مر، وعن ابن عباس الخمط الأراك ويقال لثمره مطلقا أو إذا اسود وبلغ البربر، وقيل شجر الغضا ولا أعلم هل له ثمر أم لا، وقال أبو عبيدة: كل شجرة مرة ذات شوك، وقال ابن الأعرابي: هو ثمر شجرة على صورة الخشخاش لا ينتفع به وتسمى تلك الشجرة على ما قيل بفسوة الضبع وهو على الأول صفة لأكل والأمر في ذلك ظاهر، وعلى الأخير عطف بيان على مذهب الكوفيين المجوزين له في النكرات، وقيل بدل وعلى ما بينهما الكلام على حذف مضاف أي أكل أكل خمط وذلك المضاف بدل من أكل أو عطف بيان عليه ولما حذف أقيم المضاف إليه مقامه وأعرب بإعرابه كما في البحر، وقيل هو بتقدير أكل ذي خمط، وقيل هو بدل من باب يعجبني القمر فلكه وهو كما ترى. ومنع جعله وصفا من غير ضرب من التأويل لأن الثمر لا يوصف بالشجر لا لأن الوصف بالأسماء الجامدة لا يطرد وإن جاء منه شيء نحو مررت بقاع عرفج فتأمل.
وقرأ أبو عمرو «أكل خمط» بالإضافة وهو من باب ثوب خز، وقرأ ابن كثير «أكل» بسكون الكاف والتنوين وَأَثْلٍ ضرب من الطرفاء على ما قاله أبو حنيفة اللغوي في كتاب النبات له، وعن ابن عباس تفسيره بالطرفاء، ونقل الطبرسي قولا أنه السمر وهو عطف على أُكُلٍ ولم يجوز الزمخشري عطفه على خَمْطٍ معللا بأن الأثل لا ثمر له، والأطباء كداود الأنطاكي وغيره يذكرون له ثمرا كالحمص ينكسر عن حب صغار ملتصق بعضه ببعض ويفسرون الأثل بالعظيم من الطرفاء ويقولون في الطرفاء هو بري لا ثمر له وبستاني له ثمر لكن قال الخفاجي: لا يعتمد على الكتب الطبية في مثل ذلك وفي القلب منه شيء، ونحن قد حققنا أن للأثل ثمرا. وكذا لصنف من الطرفاء إلا أن ثمرهما لا يؤكل ولعل مراد النافي نفي ثمرة تؤكل، والأطباء يعدون ما تخرجه الشجر غير الورق ونحوه ثمرة أكلت أم لا، ومثله في العطف على ذلك في قوله تعالى:
وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ وحكى الفضيل بن إبراهيم أنه قرىء «أثلا وشيئا» بالنصب عطفا على جَنَّتَيْنِ والسدر شجر النبق، وقال الأزهري: السدر سدران سدر لا ينتفع به ولا يصلح ورقه للغسول وله ثمرة عفصة لا تؤكل
301
وهو الذي يسمى الضال وسدر ينبت على الماء وثمره النبق وورقه غسول يشبه شجر العناب انتهى. واختلف في المراد هنا فقيل الثاني، ووصف بقليل لفظا ومعنى أو معنى فقط وذلك إذا كان نعتا لشيء المبين به لأن ثمره مما يطيب أكله فجعل قليلا فيما بدلوا به لأنه لو كثر كان نعمة لا نقمة، وإنما أوتوه تذكيرا للنعم الزائلة لتكون حسرة عليهم، وقيل المراد به الأول حتما لأنه الأنسب بالمقام، ولم يذكر نكتة الوصف بالقليل عليه. ويمكن أن يقال في الوصف به مطلقا أن السدر له شأن عند العرب ولذا نص الله تعالى على وجوده في الجنة والبستاني منه لا يخفى نفعه والبري يستظل به أبناء السبيل ويأنسون به ولهم فيه منافع أخرى ويستأنس لعلو شأنه بما
أخرجه أبو داود في سننه والضياء في المختارة عن عبد الله بن حبشي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار
وبما
أخرجه البيهقي عن أبي جعفر قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لعلي كرّم الله تعالى وجهه في مرض موته: اخرج يا علي فقل عن الله لا عن رسول الله لعن الله من يقطع السدر»
وفي معناهما عدة أخبار لها عدة طرق، والكل فيما أرى محمول على ما إذا كان القطع عبثا ولو كان السدر في ملكه. وقيل في ذلك مخصوص بسدر المدينة، وإنما نهى عن قطعه ليكون إنسا وظلا لمن يهاجر إليها، وقيل بسدر الفلاة ليستظل به أبناء السبيل والحيوان، وقيل بسدر مكة لأنها حرم، وقيل بما إذا كان في ملك الغير وكان القطع بغير حق، والكل كما ترى، وأيا ما كان ففي التنصيص عليه ما يشير إلى أن له شأنا فلما ذكر سبحانه ما آل إليه حال أولئك المعرضين وما بدلوا بجنتيهم أتى جل وعلا بما يتضمن الإيذان بحقارة ما عوضوا به وهو مما له شأن عند العرب أعني السدر وقلته، والإيذان بالقلة ظاهر وأما الإيذان بالحقارة فمن ذكر شيء والعدول عن أن يقال وسدر قليل مع أنه الأخصر الأوفق بما قبله ففيه إشارة إلى غاية انعكاس الحال حيث أومأ الكلام إلى أنهم لم يؤتوا بعد إذهاب جنتيهم شيئا مما لجنسه شأن عند العرب إلا السدر وما أوتوه من هذا الجنس حقير قليل، وتسمية البدل جنتين مع أنه ما سمعت للمشاكلة والتهكم ذلِكَ إشارة إلى ما ذكر من التبديل، وما فيه من معنى البعد للإشارة إلى بعد رتبته في الفظاعة أو إلى مصدر قوله تعالى:
جَزَيْناهُمْ كما قيل في قوله سبحانه: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [البقرة: ١٤٣] ومحله على الأول النصب على أنه مفعول ثان، وعلى الثاني النصب على أنه مصدر مؤكد للفعل المذكور، والتقديم للتعظيم والتهويل وقيل للتخصيص أي ذلك التبديل جزيناهم لا غيره أو ذلك الجزاء الفظيع جزيناهم لا جزاء آخر بِما كَفَرُوا بسبب كفرانهم النعمة حيث نزعناها منهم ووضعنا مكانها ضدها. وقيل بسبب كفرهم بالرسل الثلاثة عشر الذين بعثوا إليهم.
واستشكل هذا مع القول بأن السيل العرم كان زمن الفترة بأن الجمهور قالوا: لا نبي بين نبينا وعيسى عليهما الصلاة والسّلام، ومن الناس من قال: بينهما صلّى الله عليه وسلم أربعة أنبياء ثلاثة من بني إسرائيل وواحد من العرب وهو خالد العبسي وهو قد بعث لقومه وبنو إسرائيل لم يبعثوا للعرب وأجيب بأن ما كان زمن الفترة هو السيل العرم لا غير والرسل الثلاثة عشر هم جملة من كان في قومهم من سبأ بن يشجب إلى أن أهلكهم الله تعالى أجمعين فتأمل ولا تغفل.
وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ أي ما نجازي مثل هذا الجزاء الشديد المستأصل إلا المبالغ في الكفران أو الكفر فلا يتوجه على الحصر إشكال أن المؤمن قد يعاقب في العاجل. وفي الكشف لا يراد أن المؤمن أيضا يعاقب فإنه ليس بعقاب على الحقيقة بل تمحيص ولأنه أريد المعاقبة بجميع ما يفعله من السوء، ولا كذلك للمؤمن، ولا مانع من أن يكون الجزاء عاما في كل مكافأت وأريد به المعاقبة مطلقا من غير تقييد بما سبق لقرينة جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا لتعيين المعاقبة فيه بل قال الزمخشري: هو الوجه الصحيح وذلك لعدم الإضمار ولأن التذييل هكذا آكد وأسد موقعا ولا يتوجه الإشكال لما في الكشف وقرأ الجمهور «يجازي» بضم الياء وفتح الزاي مبنيا للمفعول «الكفور» بالرفع على النيابة عن
أخرجه أبو داود في سننه والضياء في المختارة عن عبد الله بن حبشي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار
وبما
أخرجه البيهقي عن أبي جعفر قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لعلي كرّم الله تعالى وجهه في مرض موته: اخرج يا علي فقل عن الله لا عن رسول الله لعن الله من يقطع السدر»
وفي معناهما عدة أخبار لها عدة طرق، والكل فيما أرى محمول على ما إذا كان القطع عبثا ولو كان السدر في ملكه. وقيل في ذلك مخصوص بسدر المدينة، وإنما نهى عن قطعه ليكون إنسا وظلا لمن يهاجر إليها، وقيل بسدر الفلاة ليستظل به أبناء السبيل والحيوان، وقيل بسدر مكة لأنها حرم، وقيل بما إذا كان في ملك الغير وكان القطع بغير حق، والكل كما ترى، وأيا ما كان ففي التنصيص عليه ما يشير إلى أن له شأنا فلما ذكر سبحانه ما آل إليه حال أولئك المعرضين وما بدلوا بجنتيهم أتى جل وعلا بما يتضمن الإيذان بحقارة ما عوضوا به وهو مما له شأن عند العرب أعني السدر وقلته، والإيذان بالقلة ظاهر وأما الإيذان بالحقارة فمن ذكر شيء والعدول عن أن يقال وسدر قليل مع أنه الأخصر الأوفق بما قبله ففيه إشارة إلى غاية انعكاس الحال حيث أومأ الكلام إلى أنهم لم يؤتوا بعد إذهاب جنتيهم شيئا مما لجنسه شأن عند العرب إلا السدر وما أوتوه من هذا الجنس حقير قليل، وتسمية البدل جنتين مع أنه ما سمعت للمشاكلة والتهكم ذلِكَ إشارة إلى ما ذكر من التبديل، وما فيه من معنى البعد للإشارة إلى بعد رتبته في الفظاعة أو إلى مصدر قوله تعالى:
جَزَيْناهُمْ كما قيل في قوله سبحانه: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [البقرة: ١٤٣] ومحله على الأول النصب على أنه مفعول ثان، وعلى الثاني النصب على أنه مصدر مؤكد للفعل المذكور، والتقديم للتعظيم والتهويل وقيل للتخصيص أي ذلك التبديل جزيناهم لا غيره أو ذلك الجزاء الفظيع جزيناهم لا جزاء آخر بِما كَفَرُوا بسبب كفرانهم النعمة حيث نزعناها منهم ووضعنا مكانها ضدها. وقيل بسبب كفرهم بالرسل الثلاثة عشر الذين بعثوا إليهم.
واستشكل هذا مع القول بأن السيل العرم كان زمن الفترة بأن الجمهور قالوا: لا نبي بين نبينا وعيسى عليهما الصلاة والسّلام، ومن الناس من قال: بينهما صلّى الله عليه وسلم أربعة أنبياء ثلاثة من بني إسرائيل وواحد من العرب وهو خالد العبسي وهو قد بعث لقومه وبنو إسرائيل لم يبعثوا للعرب وأجيب بأن ما كان زمن الفترة هو السيل العرم لا غير والرسل الثلاثة عشر هم جملة من كان في قومهم من سبأ بن يشجب إلى أن أهلكهم الله تعالى أجمعين فتأمل ولا تغفل.
وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ أي ما نجازي مثل هذا الجزاء الشديد المستأصل إلا المبالغ في الكفران أو الكفر فلا يتوجه على الحصر إشكال أن المؤمن قد يعاقب في العاجل. وفي الكشف لا يراد أن المؤمن أيضا يعاقب فإنه ليس بعقاب على الحقيقة بل تمحيص ولأنه أريد المعاقبة بجميع ما يفعله من السوء، ولا كذلك للمؤمن، ولا مانع من أن يكون الجزاء عاما في كل مكافأت وأريد به المعاقبة مطلقا من غير تقييد بما سبق لقرينة جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا لتعيين المعاقبة فيه بل قال الزمخشري: هو الوجه الصحيح وذلك لعدم الإضمار ولأن التذييل هكذا آكد وأسد موقعا ولا يتوجه الإشكال لما في الكشف وقرأ الجمهور «يجازي» بضم الياء وفتح الزاي مبنيا للمفعول «الكفور» بالرفع على النيابة عن
302
الفاعل. وقرىء «يجازي» بضم الياء وكسر الزاي مبنيا للفاعل وهو ضميره تعالى وحده «الكفور» بالنصب على المفعولية، وقرأ مسلم بن جندب «يجزى» مبنيا للمفعول «الكفور» بالرفع على النيابة، والمجازاة على ما سمعت عن الزمخشري المكافآت لكن قال الخفاجي لم ترد في القرآن إلا مع العقاب بخلاف الجزاء فإنه عام وقد يخص بالخير، وعن أبي إسحاق تقول جزيت الرجل في الخير وجازيته في الشر، وفي معناه قول مجاهد يقال في العقوبة يجازي وفي المثوبة يجزى.
وقال بعض الأجلة: ينبغي أن يكون أبو إسحاق قد أراد أنك إذا أرسلت الفعلين ولم تعدهما إلى المفعول الثاني كانا كذلك وأما إذا ذكرته فيستعمل كل منهما في الخير والشر، ويرد على ما ذكر جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وكذا «وهل يجزى» في قراءة مسلم إذ الجزاء في ذلك مستعمل في الشر مع عدم ذكر المفعول الثاني، وقوله:
وقال الراغب: يقال جزيته وجازيته ولم يجىء في القرآن إلا جزى دون جازى وذلك لأن المجازاة المكافأة وهي مقابلة نعمة بنعمة هي كفؤها ونعمة الله عزّ وجلّ تتعالى عن ذلك ولهذا لا يستعمل لفظ المكافأة فيه سبحانه وتعالى، وفيه غفلة عما هنا إلا أن يقال: أراد أنه لم يجىء في القرآن جازى فيما هو نعمة مسندا إليه تعالى فإنه لم يخطر لي مجيء ذلك فيه والله تعالى أعلم، ويحسن عندي قول أبي حيان: أكثر ما يستعمل الجزاء في الخير والمجازاة في الشر لكن في تقييدهما قد يقع كل منهما موقع الآخر، وفي قوله سبحانه: جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا دون جازيناهم بما كفروا على الوجه الثاني في اسم الإشارة ما يحكى تمتع القوم بما يسر ووقوعهم بعده فيما يسيء ويضر، ويمكن أن تكون نكتة التعبير بجزى الأكثر استعمالا في الخير، ويجوز أن يكون التعبير بذاك أول وبنجازي ثانيا ليكون كل أوفق بعلته وهذا جار على كلا الوجهين في الإشارة فتدبر جدا.
وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً إلى آخره عطف بمجموعه على مجموع ما قبله عطف القصة على القصة وهو حكاية لما أوتوا من النعم في مسايرهم ومتاجرهم وما فعلوا بها من الكفران وما حاق بهم بسبب ذلك وما قبل كان حكاية لما أوتوا من النعم في مساكنهم ومحل إقامتهم وما فعلوا بها وما فعل بهم، والمراد بالقرى التي بورك فيها قرى الشام وذلك بكثرة أشجارها وأثمارها والتوسعة على أهلها وعن ابن عباس هي قرى بيت المقدس وعن مجاهد هي السراوية وعن وهب قرى صنعاء وقال ابن جبير: قرى مأرب والمعول عليه الأول حتى قال ابن عطية إن إجماع المفسرين عليه، ومعنى ظاهِرَةً على ما روي عن قتادة متواصلة يقرب بعضها من بعض بحيث يظهر لمن في بعضها ما في مقابلته من الأخرى وهذا يقتضي القرب الشديد لكن سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى ما قيل في مقدار ما بين كل قريتين وقال المبرد ظاهرة مرتفعة أي على الآكام والظراب وهي أشرف القرى، وقيل ظاهرة معروفة يقال هذا أمر ظاهر أي معروف وتعرف القرية لحسنها ورعاية أهلها المارين عليها، وقيل ظاهرة موضوعة على الطرق ليسهل سير السابلة فيها.
وقال ابن عطية: الذي يظهر لي أن معنى ظاهِرَةً خارجة عن المدن فهي عبارة عن القرى الصغار التي في ظواهر المدن كأنه فصل بهذه الصفة بين القرى الصغار وبين القرى المطلقة التي هي المدن، وظواهر المدن ما خرج عنها في الفيافي ومنه قولهم نزلنا بظاهر البلد الفلاني أي خارجا عنه، ومنه قول الشاعر:
وقال بعض الأجلة: ينبغي أن يكون أبو إسحاق قد أراد أنك إذا أرسلت الفعلين ولم تعدهما إلى المفعول الثاني كانا كذلك وأما إذا ذكرته فيستعمل كل منهما في الخير والشر، ويرد على ما ذكر جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وكذا «وهل يجزى» في قراءة مسلم إذ الجزاء في ذلك مستعمل في الشر مع عدم ذكر المفعول الثاني، وقوله:
جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر | وحسن فعل كما يجزى سنمار |
وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً إلى آخره عطف بمجموعه على مجموع ما قبله عطف القصة على القصة وهو حكاية لما أوتوا من النعم في مسايرهم ومتاجرهم وما فعلوا بها من الكفران وما حاق بهم بسبب ذلك وما قبل كان حكاية لما أوتوا من النعم في مساكنهم ومحل إقامتهم وما فعلوا بها وما فعل بهم، والمراد بالقرى التي بورك فيها قرى الشام وذلك بكثرة أشجارها وأثمارها والتوسعة على أهلها وعن ابن عباس هي قرى بيت المقدس وعن مجاهد هي السراوية وعن وهب قرى صنعاء وقال ابن جبير: قرى مأرب والمعول عليه الأول حتى قال ابن عطية إن إجماع المفسرين عليه، ومعنى ظاهِرَةً على ما روي عن قتادة متواصلة يقرب بعضها من بعض بحيث يظهر لمن في بعضها ما في مقابلته من الأخرى وهذا يقتضي القرب الشديد لكن سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى ما قيل في مقدار ما بين كل قريتين وقال المبرد ظاهرة مرتفعة أي على الآكام والظراب وهي أشرف القرى، وقيل ظاهرة معروفة يقال هذا أمر ظاهر أي معروف وتعرف القرية لحسنها ورعاية أهلها المارين عليها، وقيل ظاهرة موضوعة على الطرق ليسهل سير السابلة فيها.
وقال ابن عطية: الذي يظهر لي أن معنى ظاهِرَةً خارجة عن المدن فهي عبارة عن القرى الصغار التي في ظواهر المدن كأنه فصل بهذه الصفة بين القرى الصغار وبين القرى المطلقة التي هي المدن، وظواهر المدن ما خرج عنها في الفيافي ومنه قولهم نزلنا بظاهر البلد الفلاني أي خارجا عنه، ومنه قول الشاعر:
فلو شهدتني من قريش عصابة | قريش البطاح لا قريش الظواهر |
أيادي سبأ يا عز ما كنت بعدكم | فلم يحل بالعينين بعدك منظر |
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه | وصدق ما يعتاده من توهم |
وقيل هو منصوب على أنه مصدر لفعل مقدر أي يظن ظنه كفعلته جهدك أي تجهد جهدك، والجملة في موقع
307
الحال وصَدَّقَ مفسر بما مر، ويجوز أن يكون منصوبا على أنه مفعول به والفعل متعد إليه بنفسه لأن الصدق أصله في الأقوال والقول مما يتعدى إلى المفعول به بنفسه، والمعنى حقق ظنه كما في الحديث «صدق وعده ونصر عبده» وقوله تعالى: رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [الأحزاب: ٢٣].
وقرأ زيد بن علي وجعفر بن محمد رضي الله تعالى عنهم والزهري وأبو الجهجاه الأعرابي من فصحاء العرب وبلال بن أبي برزة بنصب «إبليس» ورفع «ظنّه» كذا في البحر والظان ذلك مع قراءة «صدّق» بالتشديد أي وجده ظنه صادقا لكن ذكر ابن جني أن الزهري كان يقرأ ذلك مع تخفيف «صدق» أي قال له الصدق حين خيل له إغواؤهم.
وقرأ عبد الوارث عن أبي عمرو «إبليس ظنّه» برفعهما بجعل الثاني بدل اشتمال، وأبهم الزمخشري القارئ بذلك فقال قرىء بالتخفيف ورفعهما على معنى صدق عليهم ظن إبليس ولو قرىء بالتشديد مع رفعهما لكان على المبالغة في صَدَّقَ كقوله:
وهو ظاهر في أنه لم يقرأ أحد بذلك والله تعالى أعلم، وعلى جميع القراءات عَلَيْهِمْ متعلق بالفعل السابق وليس متعلقا بالظن على شيء منها فَاتَّبَعُوهُ أي سبأ وقيل بنو آدم إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أي إلا فريقا هم المؤمنون لم يتبعوه على أن من بيانية، وتقليلهم إما لقلتهم في حد ذاتهم أو لقلتهم بالإضافة إلى الكفار، وهذا متعين على القول برجوع الضمير إلى بني آدم، وكأني بك تختار كون القلة في حد ذاتهم على القول برجوع الضمير إلى سبأ لعدم شيوع كثرة المؤمنين في حد ذاتهم منهم أو إلا فريقا من فرق المؤمنين لم يتبعوه وهم المخلصون فمن تبعيضية والمراد مطلق الاتباع الذي هو أعم من الكفر.
وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ أي تسلط واستيلاء بالوسوسة والاستغواء.
إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ استثناء مفرغ من أعم العلل، ومِنْ موصولة وجعلها استفهامية بعيد، والعلم المستقبل المعلل ليس هو العلم الأزلي القائم بالذات المقدس بل تعلقه بالمعلوم في عالم الشهادة الذي يترتب عليه الجزاء بالثواب والعقاب وهو مضمن معنى التميز لمكان من أي ما كان له عليهم تسلط لأمر من الأمور إلا لتعلق علمنا بمن يؤمن بالآخرة متميزا ممن هو منها في شك تعلقا حاليا يترتب عليه الجزاء وإلى هذا يشير كلام كثير من أئمة التفسير، وقيل: المعنى لنجعل المؤمن متميزا من غيره في الخارج فيتميز عند الناس، وقيل:
المراد من وقوع العلم في المستقبل وقوع المعلوم لأنه لازمه فكأنه قيل ما كان ذلك لأمر من الأمور إلا ليؤمن من قدر إيمانه ويضل من قدر ضلاله، وعدل عنه إلى ما في النظم الجليل للمبالغة لما فيه من جعل المعلوم عين العلم، وقيل المراد بالعلم الجزاء فكأنه قيل على الإيمان وضده، وقيل: العلم على ظاهره إلا أن المستقبل بمعنى الماضي وعلم الله تعالى الأزلي بأهل الشك يستدعي تسلط الشيطان عليهم.
وقيل: المراد لنعامل معاملة من كأنه لا يعلم ذلك وإنما يعمل ليعلم، وقيل: المراد ليعلم أولياؤنا وحزبنا ذلك، ولا يخفى عليك ما في بعض هذه الأقوال، وكان الظاهر إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن لا يؤمن بها وعدل عنه إلى ما فيه النظم الجليل لنكتة وهي أنه قوبل الإيمان بالشك ليؤذن بأن أدنى مراتب الكفر مهلكة، وأورد المضارع في الجملة الأولى إشارة إلى أن المعتبر في الإيمان الخاتمة ولأنه يحصل بنظر تدريجي متجدد، وأتى بالثانية اسمية إشارة إلى أن المعتبر الدوام والثبات على الشك إلى الموت، ونون شكا للتقليل، وأتى بفي إشارة إلى أن قليله كأنه محيط بصاحبه،
وقرأ زيد بن علي وجعفر بن محمد رضي الله تعالى عنهم والزهري وأبو الجهجاه الأعرابي من فصحاء العرب وبلال بن أبي برزة بنصب «إبليس» ورفع «ظنّه» كذا في البحر والظان ذلك مع قراءة «صدّق» بالتشديد أي وجده ظنه صادقا لكن ذكر ابن جني أن الزهري كان يقرأ ذلك مع تخفيف «صدق» أي قال له الصدق حين خيل له إغواؤهم.
وقرأ عبد الوارث عن أبي عمرو «إبليس ظنّه» برفعهما بجعل الثاني بدل اشتمال، وأبهم الزمخشري القارئ بذلك فقال قرىء بالتخفيف ورفعهما على معنى صدق عليهم ظن إبليس ولو قرىء بالتشديد مع رفعهما لكان على المبالغة في صَدَّقَ كقوله:
فدت نفسي وما ملكت يميني | فوارس صدقت فيهم ظنوني |
وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ أي تسلط واستيلاء بالوسوسة والاستغواء.
إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ استثناء مفرغ من أعم العلل، ومِنْ موصولة وجعلها استفهامية بعيد، والعلم المستقبل المعلل ليس هو العلم الأزلي القائم بالذات المقدس بل تعلقه بالمعلوم في عالم الشهادة الذي يترتب عليه الجزاء بالثواب والعقاب وهو مضمن معنى التميز لمكان من أي ما كان له عليهم تسلط لأمر من الأمور إلا لتعلق علمنا بمن يؤمن بالآخرة متميزا ممن هو منها في شك تعلقا حاليا يترتب عليه الجزاء وإلى هذا يشير كلام كثير من أئمة التفسير، وقيل: المعنى لنجعل المؤمن متميزا من غيره في الخارج فيتميز عند الناس، وقيل:
المراد من وقوع العلم في المستقبل وقوع المعلوم لأنه لازمه فكأنه قيل ما كان ذلك لأمر من الأمور إلا ليؤمن من قدر إيمانه ويضل من قدر ضلاله، وعدل عنه إلى ما في النظم الجليل للمبالغة لما فيه من جعل المعلوم عين العلم، وقيل المراد بالعلم الجزاء فكأنه قيل على الإيمان وضده، وقيل: العلم على ظاهره إلا أن المستقبل بمعنى الماضي وعلم الله تعالى الأزلي بأهل الشك يستدعي تسلط الشيطان عليهم.
وقيل: المراد لنعامل معاملة من كأنه لا يعلم ذلك وإنما يعمل ليعلم، وقيل: المراد ليعلم أولياؤنا وحزبنا ذلك، ولا يخفى عليك ما في بعض هذه الأقوال، وكان الظاهر إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن لا يؤمن بها وعدل عنه إلى ما فيه النظم الجليل لنكتة وهي أنه قوبل الإيمان بالشك ليؤذن بأن أدنى مراتب الكفر مهلكة، وأورد المضارع في الجملة الأولى إشارة إلى أن المعتبر في الإيمان الخاتمة ولأنه يحصل بنظر تدريجي متجدد، وأتى بالثانية اسمية إشارة إلى أن المعتبر الدوام والثبات على الشك إلى الموت، ونون شكا للتقليل، وأتى بفي إشارة إلى أن قليله كأنه محيط بصاحبه،
308
وعداه بمن دون في وقدمه لأنه إنما يضر الشك الناشئ منها وأنه يكفي شك ما فيما يتعلق بها.
وقرأ الزهري «ليعلم» بضم الياء وفتح اللام مبنيا للمفعول وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ أي وكيل قائم على أحواله وشؤونه، وهو إما مبالغة في حافظ وإما بمعنى محاظ كجليس ومجالس وخليط ومخالط ورضيع ومراضع إلى غير ذلك.
قُلِ يا محمد للمشركين الذين ضرب لهم المثل بقصة سبأ المعروفة عندهم بالنقل في أخبارهم وأشعارهم تنبيها على بطلان ما هم عليه وتبكيتا لهم ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أي زعمتموهم آلهة كذا قدره الجمهور على أن الضمير مفعول أول وآلهة مفعول ثان وحذف الأول تخفيفا لأن الصلة والموصول بمنزلة اسم واحد فهناك طول يطلب تخفيفه والثاني لأن صفته أعني قوله تعالى: مِنْ دُونِ اللَّهِ سدت مسده فلا يلزم إجحاف بحذفهما معا، ولا يجوز أن يكون مِنْ دُونِ اللَّهِ هو المفعول الثاني إذ لا يتم به مع الضمير الكلام ولا يلتئم النظام فأي معنى معتبر لهم من دون الله على أن في جواز حذف أحد مفعولي هذا الباب اختصارا خلافا ومن أجازه قال هو قليل في كلامهم، وكذا لا يجوز أن يكون لا يملكونه لأن ما زعموه ليس كونهم غير مالكين بل خلافه، وليس ذلك أيضا بزعم بالمعنى الشائع لو سلم أنه صدر منهم بل حق، وقال ابن هشام: الأولى أن يقدر زعمتم أنهم آلهة لأن الغالب على- زعم- أن لا يقع على المفعولين الصريحين بل على ما يسد مسدهما من أن وصلتهما ولم يقع في التنزيل إلا كذلك أي فالأنسب أن يوافق المقدر المصرح به في التنزيل.
ورجح تقدير الجمهور بأنه أبعد عن لزوم الإجحاف والأمر للتوبيخ والتعجيز أي ادعوهم فيما يهمكم من دفع ضر أو جلب نفع لعلهم يستجيبون لكم إن صح دعواكم. روي أن ذلك نزل عند الجوع الذي أصاب قريشا.
وقوله تعالى: لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ كلام مستأنف في موقع الجواب ولم يمهلهم ليجيبوا إشعارا بتعينه فإنه لا يقبل المكابرة، وجوز تقدير ثم أجب عنهم قائلا لا يملكون إلخ وهو متضمن بيان حال الآلهة في الواقع وأنهم إذا لم يملكوا مقدار ذرة أي من خير وشر ونفع وضر كيف يكونون آلهة تعبد.
فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ أي في أمر من الأمور، وذكر السماوات والأرض للتعميم عرفا فيراد بهما جميع الموجودات، وهذا كما يقال المهاجرون والأنصار ويراد جميع الصحابة رضي الله تعالى عنهم فلا يتوهم أنهم يملكون في غيرهما، ويجوز أن يقال: إن ذكرهما لأن بعض آلهة المخاطبين سماوية كالملائكة والكواكب وبعضها أرضية كالأصنام فالمراد نفي قدرة السماوي منهم على أمر سماوي والأرضي على أمر أرضي ويعلم نفي قدرته على غيره بالطريق الأولى أو لأن الأسباب القريبة للخير والشر سماوية وأرضية فالمراد نفي قدرتهم بشيء من الأسباب القريبة فكيف بغيرها وَما لَهُمْ أي لآلهتهم فِيهِما مِنْ شِرْكٍ أي شركة ما لا خلقا ولا ملكا ولا تصرفا وَما لَهُ أي لله عزّ وجلّ مِنْهُمْ أي من آلهتهم مِنْ ظَهِيرٍ أي معين يعينه سبحانه في تدبير أمرهما وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ أي لا توجد رأسا كما في قوله:
على لاحب لا يهتدى بمناره لقوله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ وإنما علق النفي بنفعها دون وقوعها تصريحا بنفي ما هو غرضهم من وقوعها.
وقوله تعالى: إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ استثناء مفرغ من أعم الأحوال على ما اختاره الزمخشري، و (من) عبارة
وقرأ الزهري «ليعلم» بضم الياء وفتح اللام مبنيا للمفعول وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ أي وكيل قائم على أحواله وشؤونه، وهو إما مبالغة في حافظ وإما بمعنى محاظ كجليس ومجالس وخليط ومخالط ورضيع ومراضع إلى غير ذلك.
قُلِ يا محمد للمشركين الذين ضرب لهم المثل بقصة سبأ المعروفة عندهم بالنقل في أخبارهم وأشعارهم تنبيها على بطلان ما هم عليه وتبكيتا لهم ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أي زعمتموهم آلهة كذا قدره الجمهور على أن الضمير مفعول أول وآلهة مفعول ثان وحذف الأول تخفيفا لأن الصلة والموصول بمنزلة اسم واحد فهناك طول يطلب تخفيفه والثاني لأن صفته أعني قوله تعالى: مِنْ دُونِ اللَّهِ سدت مسده فلا يلزم إجحاف بحذفهما معا، ولا يجوز أن يكون مِنْ دُونِ اللَّهِ هو المفعول الثاني إذ لا يتم به مع الضمير الكلام ولا يلتئم النظام فأي معنى معتبر لهم من دون الله على أن في جواز حذف أحد مفعولي هذا الباب اختصارا خلافا ومن أجازه قال هو قليل في كلامهم، وكذا لا يجوز أن يكون لا يملكونه لأن ما زعموه ليس كونهم غير مالكين بل خلافه، وليس ذلك أيضا بزعم بالمعنى الشائع لو سلم أنه صدر منهم بل حق، وقال ابن هشام: الأولى أن يقدر زعمتم أنهم آلهة لأن الغالب على- زعم- أن لا يقع على المفعولين الصريحين بل على ما يسد مسدهما من أن وصلتهما ولم يقع في التنزيل إلا كذلك أي فالأنسب أن يوافق المقدر المصرح به في التنزيل.
ورجح تقدير الجمهور بأنه أبعد عن لزوم الإجحاف والأمر للتوبيخ والتعجيز أي ادعوهم فيما يهمكم من دفع ضر أو جلب نفع لعلهم يستجيبون لكم إن صح دعواكم. روي أن ذلك نزل عند الجوع الذي أصاب قريشا.
وقوله تعالى: لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ كلام مستأنف في موقع الجواب ولم يمهلهم ليجيبوا إشعارا بتعينه فإنه لا يقبل المكابرة، وجوز تقدير ثم أجب عنهم قائلا لا يملكون إلخ وهو متضمن بيان حال الآلهة في الواقع وأنهم إذا لم يملكوا مقدار ذرة أي من خير وشر ونفع وضر كيف يكونون آلهة تعبد.
فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ أي في أمر من الأمور، وذكر السماوات والأرض للتعميم عرفا فيراد بهما جميع الموجودات، وهذا كما يقال المهاجرون والأنصار ويراد جميع الصحابة رضي الله تعالى عنهم فلا يتوهم أنهم يملكون في غيرهما، ويجوز أن يقال: إن ذكرهما لأن بعض آلهة المخاطبين سماوية كالملائكة والكواكب وبعضها أرضية كالأصنام فالمراد نفي قدرة السماوي منهم على أمر سماوي والأرضي على أمر أرضي ويعلم نفي قدرته على غيره بالطريق الأولى أو لأن الأسباب القريبة للخير والشر سماوية وأرضية فالمراد نفي قدرتهم بشيء من الأسباب القريبة فكيف بغيرها وَما لَهُمْ أي لآلهتهم فِيهِما مِنْ شِرْكٍ أي شركة ما لا خلقا ولا ملكا ولا تصرفا وَما لَهُ أي لله عزّ وجلّ مِنْهُمْ أي من آلهتهم مِنْ ظَهِيرٍ أي معين يعينه سبحانه في تدبير أمرهما وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ أي لا توجد رأسا كما في قوله:
على لاحب لا يهتدى بمناره لقوله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ وإنما علق النفي بنفعها دون وقوعها تصريحا بنفي ما هو غرضهم من وقوعها.
وقوله تعالى: إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ استثناء مفرغ من أعم الأحوال على ما اختاره الزمخشري، و (من) عبارة
309
عن الشافع واللام الداخلة عليه للاختصاص مثلها في الكرم لزيد ولام لَهُ صلة أذن، والمراد نفي شفاعة آلهتهم لهم لكن ذكر ذلك على وجه عام ليكون طريقا برهانيا أي لا تنفع الشفاعة في حال من الأحوال أو كائنة لمن كانت إلا كائنة لشافع أذن له فيها من النبيين والملائكة ونحوهم من المستأهلين لمقام الشفاعة، ومن البين أنهم لا يؤذن لهم في الشفاعة للكفار فقد قال الله تعالى: لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً [النبأ: ٣٨] والشفاعة لهم بمعزل عن الصواب وعدم الإذن للأصنام أبين وأبين فتبين حرمان هؤلاء الكفرة منها بالكلية أو (من) عبارة عن المشفوع له واللام الداخلة عليه للتعليل ولام لَهُ صلة أَذِنَ أي لا تنفع الشفاعة إلا كائنة لمشفوع أذن له أي لشفيعه على الإضمار لأن المشفوع لم يصدر عنه فعل حتى يؤذن له فيه أن يشفعه، واختار الزمخشري أن لام لَهُ للتعليل أي إلا لمن وقع الإذن للشفيع لأجله، ووجهه على ما في الكشف حصول الإشارة إلى الشافع والمشفوع لأن المأذون لأجله المشفوع والمأذون الشافع ولأن الغرض بيان محل النفع وهو المشفوع كان التصريح بذكره أهم، ولا يخفى أن الوجه السابق ظاهر التكلف فيه الإضمار الذي لا يقتضيه المقام، وحاصل المعنى على هذا لا تنفع الشفاعة من الشفعاء المستأهلين لها إلا كائنة لمن وقع الإذن للشفيع لأجله وفي شأنه من المستحقين للشفاعة وأما من عداهم من غير المستحقين لها فلا تنفعهم أصلا وإن فرض وقوعها من الشفعاء إذ لم يؤذن لهم في شفاعتهم بل في شفاعة غيرهم، ويثبت من هذا حرمان هؤلاء الكفرة من شفاعة الشفعاء المستأهلين للشفاعة بعبارة النص وعن شفاعة الأصنام بدلالته إذ حين حرموها من جهة القادرين عليها في الجملة فلأن يحرموها من جهة العجزة عنها بالكلية أولى، وذهب أبو حيان إلى أن الاستثناء من أعم الذوات أي لا تنفع الشفاعة لأحد إلا لمن إلخ، واستظهر احتمال أن تكون من عبارة عن المشفوع له واللام نظرا إلى الظاهر متعلقة بالشفاعة، وجوز أبو البقاء تعلقها بتنفع. وتعقبه بأنه لا يتعدى إلا بنفسه وقال أبو حيان فيه: إن المفعول متأخر فدخول اللام قليل. وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي أَذِنَ مبنيا للمفعول فله قائم مقام فاعله حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ صيغة التفعيل للسلب كما في قردت البعير إذا أزلت قراده ومنه التمريض فالتفزيع إزالة الفزع، وهو على ما قال الراغب انقباض ونفار يعتري الإنسان من الشيء المخيف، وحَتَّى للغاية واختلفوا في المغيا إذ لم يكن قبلها ما يصلح أن يكون مغيا بحسب الظاهر، واختلفوا لذلك في المراد بالآية اختلافا كثيرا، فقيل: هو ما يفهم من حديث الشفاعة ويشير إليه، وذلك أن قوله تعالى: وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ يؤذن بشفعاء ومشفوع لهم وأن هناك استئذانا في الشفاعة ضرورة أن وقوع الإذن يستدعي سابقية ذلك وهو مستدع للترقب والانتظار للجواب وحيث أنه كلام صادر عن مقام العظمة والكبرياء كيف وقد تقدمه ما تقدمه يدل على كون الكل في ذلك الموقف خلف سرادق العظمة ملقى عليهم رداء الهيبة، وما بعد حرف الغاية أيضا شديد الدلالة على ذلك فكأنه قيل: تقف الشفعاء والمشفوع لهم في ذلك الموقف الذي يتشبث فيه المستشفعون بأذيال الرجاء من المستشفع بهم ويقوم فيه المستشفع به على قدم الالتجاء إلى الله جل جلاله فيطرق باب الشفاعة بالاستئذان فيها ويبقون جميعا منتظرين وجلين فزعين لا يدرون ما يوقع لهم الملك الأعظم جل وعلا على رقعة سؤالهم وماذا يصح لهم بعد عرض حالهم حتى إذا أزيل الفزع عن قلوب الشفعاء والمشفوع لهم بظهور تباشير حسن التوقيع وسطوع أنوار الإجابة والارتضاء من آفاق رحمة الملك الرفيع قالوا أي قال بعضهم لبعض، والظاهر أن البعض القائل المشفوع لهم وإن شئت فأعد الضمير إليهم من أول الأمر إذ هم الأشد احتياجا إلى الأذن والأعظم اهتماما بأمره ماذا قال ربكم في شأن الإذن بالشفاعة قالوا: أي الشفعاء فإنهم المباشرون للاستئذان بالذات المتوسطون لأولئك السائلين بالشفاعة عنده عزّ وجلّ قال ربنا القول الحق أي الواقع بحسب ما تقتضيه الحكمة وهو الإذن بالشفاعة لمن ارتضى.
310
والظاهر
أن قوله تعالى: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ من تتمة كلام الشفعاء قالوه اعترافا بعظمة جناب العزة جل جلاله وقصور شأن كل من سواه أي هو جل شأنه المتفرد بالعلو والكبرياء لا يشاركه في ذلك أحد من خلقه وليس لكل منهم كائنا من كان أن يتكلم إلا من بعد إذنه جل وجلا، وفيه من تواضعهم بعد ترفيع قدرهم بالإذن لهم بالشفاعة ما فيه، وفيه أيضا نوع من الحمد كما لا يخفى وهذه الجملة المغياة بما ذكر لا يبعد أن تكون جوابا بالسؤال مقدر كأنه قيل: كيف يكون الإذن في ذلك الموقف للمستأذنين وكيف الحال فيه للشافعين والمستشفعين؟ فقيل: يقفون منتظرين وجلين فزعين حتى إذا إلخ، والآيات دالة على أن المشفوع لهم هم المؤمنون وأما الكفرة فهم عن موقف الاستشفاع بمعزل وعن التفزيع عن قلوبهم بألف ألف منزل، وجعل بعضهم على هذا الوجه من كون المغيا ما ذكر ضمير قُلُوبِهِمْ للملائكة وخص الشفعاء بهم وضمير قالُوا الأول لهم أيضا وضمير قالُوا الثاني للملائكة الذين فوقهم وهم الذين يبلغون ذلك إليهم وقال: إن فزعهم إما لما يقرن به الإذن من الأمر الهائل أو لغشية تصيبهم عند سماع كلام الله جل شأنه أو من ملاحظة وقوع التقصير في تعيين المشفوع لهم بناء على ورود الإذن بالشفاعة إجمالا وهو كما ترى.
وقال الزجاج: تفسير هذا أن جبريل عليه السّلام لما نزل إلى النبي صلّى الله عليه وسلم بالوحي ظنت الملائكة عليهم السّلام أنه نزل بشيء من أمر الساعة ففزعت لذلك فلما انكشف عنها الفزع قالوا: ماذا قال: ربكم سألت لأي شيء نزل جبريل عليه السّلام قالوا: الحق اهـ.
روي ذلك عن قتادة ومقاتل وابن السائب بيد أنهم قالوا: إن الملائكة صعقوا لذلك فجعل جبريل عليه السّلام يمر بكل سماء ويكشف عنهم الفزع ويخبرهم أنه الوحي،
ولم يبين الزجاج وجه اتصال الآية بما قبلها ولا بحث عن الغاية بشيء وقد ذكر نحو ذلك الإمام الرازي ثم قال في ذلك: أن حَتَّى غاية متعلقة بقوله تعالى: قُلِ لأنه تبينه بالوحي فلما قال سبحانه قُلِ فزع من في السماوات وهو لعمري من العجب العجاب.
وقال الفاضل الطيبي بعد نقله ذلك التفسير: وعليه أكثر كلام المفسرين ويعضده ما
روينا عن البخاري والترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «إذا قضى الله تعالى الأمر في السماء ضربت الملائكة أجنحتها خضعانا لقوله تعالى كأنه سلسلة على صفوان فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم، قالوا الذي قال الحق وهو العلي الكبير»
وعن أبي داود عن ابن مسعود قال: «إذا تكلم الله تعالى بالوحي سمع أهل السماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا فيصعقون فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل فإذا أتاهم جبريل عليه السّلام فرّع عن قلوبهم فيقولون: يا جبريل ماذا قال ربكم؟ فيقول: الحق الحق»
ثم ذكر في أمر الغاية واتصال الآية بما قبلها عل ذلك أنه يستخرج معنى المغيا من المفهوم وذلك إن المشركين لما ادعوا شفاعة الآلهة والملائكة وأجيبوا بقوله تعالى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ
من الأصنام والملائكة وسميتموهم باسمه تعالى والتجئوا إليهم فإنهم لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا تنفع الشفاعة من هؤلاء إلا للملائكة لكن من الإذن والفزع العظيم وهم لا يشفعون إلا للمرضيين فعبر عن الملائكة عليهم السّلام بقوله تعالى: إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ الآية كناية كأنه قيل: لا تنفع الشفاعة إلا لمن هذا شأنه ودأبه وأنه لا يثبت عند صدمة من صدمات هذا الكتاب المبين وعند سماع كلام الحق يعني الذين إذا نزل عليهم الوحي يفزعون ويصعقون حتى إذا أتاهم جبريل عليه السّلام فزع عن قلوبهم فيقولون: ماذا قال ربكم؟ فيقول: الحق انتهى، ولا يخفى على من له أدنى تمييز حاله وأنه مما لا ينبغي أن يعول عليه.
أن قوله تعالى: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ من تتمة كلام الشفعاء قالوه اعترافا بعظمة جناب العزة جل جلاله وقصور شأن كل من سواه أي هو جل شأنه المتفرد بالعلو والكبرياء لا يشاركه في ذلك أحد من خلقه وليس لكل منهم كائنا من كان أن يتكلم إلا من بعد إذنه جل وجلا، وفيه من تواضعهم بعد ترفيع قدرهم بالإذن لهم بالشفاعة ما فيه، وفيه أيضا نوع من الحمد كما لا يخفى وهذه الجملة المغياة بما ذكر لا يبعد أن تكون جوابا بالسؤال مقدر كأنه قيل: كيف يكون الإذن في ذلك الموقف للمستأذنين وكيف الحال فيه للشافعين والمستشفعين؟ فقيل: يقفون منتظرين وجلين فزعين حتى إذا إلخ، والآيات دالة على أن المشفوع لهم هم المؤمنون وأما الكفرة فهم عن موقف الاستشفاع بمعزل وعن التفزيع عن قلوبهم بألف ألف منزل، وجعل بعضهم على هذا الوجه من كون المغيا ما ذكر ضمير قُلُوبِهِمْ للملائكة وخص الشفعاء بهم وضمير قالُوا الأول لهم أيضا وضمير قالُوا الثاني للملائكة الذين فوقهم وهم الذين يبلغون ذلك إليهم وقال: إن فزعهم إما لما يقرن به الإذن من الأمر الهائل أو لغشية تصيبهم عند سماع كلام الله جل شأنه أو من ملاحظة وقوع التقصير في تعيين المشفوع لهم بناء على ورود الإذن بالشفاعة إجمالا وهو كما ترى.
وقال الزجاج: تفسير هذا أن جبريل عليه السّلام لما نزل إلى النبي صلّى الله عليه وسلم بالوحي ظنت الملائكة عليهم السّلام أنه نزل بشيء من أمر الساعة ففزعت لذلك فلما انكشف عنها الفزع قالوا: ماذا قال: ربكم سألت لأي شيء نزل جبريل عليه السّلام قالوا: الحق اهـ.
روي ذلك عن قتادة ومقاتل وابن السائب بيد أنهم قالوا: إن الملائكة صعقوا لذلك فجعل جبريل عليه السّلام يمر بكل سماء ويكشف عنهم الفزع ويخبرهم أنه الوحي،
ولم يبين الزجاج وجه اتصال الآية بما قبلها ولا بحث عن الغاية بشيء وقد ذكر نحو ذلك الإمام الرازي ثم قال في ذلك: أن حَتَّى غاية متعلقة بقوله تعالى: قُلِ لأنه تبينه بالوحي فلما قال سبحانه قُلِ فزع من في السماوات وهو لعمري من العجب العجاب.
وقال الفاضل الطيبي بعد نقله ذلك التفسير: وعليه أكثر كلام المفسرين ويعضده ما
روينا عن البخاري والترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «إذا قضى الله تعالى الأمر في السماء ضربت الملائكة أجنحتها خضعانا لقوله تعالى كأنه سلسلة على صفوان فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم، قالوا الذي قال الحق وهو العلي الكبير»
وعن أبي داود عن ابن مسعود قال: «إذا تكلم الله تعالى بالوحي سمع أهل السماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا فيصعقون فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل فإذا أتاهم جبريل عليه السّلام فرّع عن قلوبهم فيقولون: يا جبريل ماذا قال ربكم؟ فيقول: الحق الحق»
ثم ذكر في أمر الغاية واتصال الآية بما قبلها عل ذلك أنه يستخرج معنى المغيا من المفهوم وذلك إن المشركين لما ادعوا شفاعة الآلهة والملائكة وأجيبوا بقوله تعالى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ
من الأصنام والملائكة وسميتموهم باسمه تعالى والتجئوا إليهم فإنهم لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا تنفع الشفاعة من هؤلاء إلا للملائكة لكن من الإذن والفزع العظيم وهم لا يشفعون إلا للمرضيين فعبر عن الملائكة عليهم السّلام بقوله تعالى: إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ الآية كناية كأنه قيل: لا تنفع الشفاعة إلا لمن هذا شأنه ودأبه وأنه لا يثبت عند صدمة من صدمات هذا الكتاب المبين وعند سماع كلام الحق يعني الذين إذا نزل عليهم الوحي يفزعون ويصعقون حتى إذا أتاهم جبريل عليه السّلام فزع عن قلوبهم فيقولون: ماذا قال ربكم؟ فيقول: الحق انتهى، ولا يخفى على من له أدنى تمييز حاله وأنه مما لا ينبغي أن يعول عليه.
311
وقول ابن عطية: إن تأويل الآية بالملائكة إذا سمعت الوحي إلى جبريل أو الأمر بأمر الله تعالى به فتسمع كجر سلسلة الحديد على الحديد فتفزع تعظيما وهيبة، وقيل خوف قيام الساعة هو الصحيح وهو الذي تظاهرت به الأحاديث ناشىء من حرمان عطية سلامة الذوق وتدقيق النظر، والتفسير الذي ذكرناه أولا بمراحل في الحسن عما ذكر عن أكثر المفسرين، وما سمعت من الرواية لا ينافيه إذ لا دلالة فيه على أنه عليه الصلاة والسّلام ذكر ذلك في معرض تفسير الآية ولا تنافي بين التفزيعين وكأن الأكثر من المفسرين نظروا إلى ظاهر طباق اللفظ مع الحديث فنزلوا الآية على ذلك فوقعوا فيما وقعوا فيه وإن كثروا وجلوا، والقائل بما سبق نظر إلى طباق المقام وحقق عدم المنافاة وظهر له حال ما قالوه فعدل عنه.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الضحاك أنه قال في الآية: زعم ابن مسعود أن الملائكة المعقبات الذين يختلفون إلى أهل الأرض يكتبون أعمالهم إذا أرسلهم الرب تبارك وتعالى فانحدروا سمع لهم صوت شديد فيحسب بالذين أسفل منهم من الملائكة أنه من أمر الساعة فيخرون سجدا وهذا كلما مروا عليهم فيفعلون من خوف ربهم تبارك وتعالى، وابن مسعود عندي أجل من أن يحمل الآية على هذا فالظاهر أنه لا يصح عنه.
ومثل هذا ما زعمه بعضهم أن ذاك فزع ملائكة أدنى السماوات عند نزول المدبرات إلى الأرض، وقيل: إن حَتَّى غاية متعلقة بقوله تعالى زَعَمْتُمْ أي زعمتم الكفر إلى غاية التفزيع ثم تركتم ما زعمتم وقلتم قال الحق وإليه يشير ما أخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم أنه قال في الآية: حتى إذا فزع الشيطان عن قلوبهم ففارقهم وأمانيهم وما كان يضلهم به قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير ثم قال: وهذا في بني آدم أي كفارهم عند الموت أقروا حين لا ينفعهم الإقرار، والظاهر أن في الكلام عليه التفاتا من الخطاب في زَعَمْتُمْ إلى الغيبة في قُلُوبِهِمْ وأن ضمير قالُوا الأول للملائكة الموكلين بقبض أرواحهم والمراد بالتفزيع عن القلوب كشف الغطاء وموانع إدراك الحق عنها. وما نقل عن الحسن من أنه قال: إنما يقال للمشركين ماذا قال ربك أي على لسان الأنبياء عليهم السّلام فأقروا حين لا ينفع يحتمل أن يكون كالقول المذكور في أن ذلك عند الموت ويحتمل أن يكون قولا بأن ذلك يوم القيامة إلا أن في جعل حتى غاية للزعم عليه غير ظاهر إذ لا يستصحبهم ذلك إلى يوم القيامة حقيقة كما لا يخفى، وأبعد من هذا القول كون ذلك غاية لقوله تعالى: مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وضمير قلوبهم لمن باعتبار معناه، والتفزيع كشف الغطاء ومواقع إدراك الحق بل هو مما لا ينبغي حمل كلام الله تعالى عليه.
وزعم بعضهم أن المعنى إذا دعاهم إسرافيل عليه السّلام من قبورهم قالوا مجيبين ماذا قال ربكم حكاه في البحر ثم قال: والتفزيع من الفزع الذي هو الدعاء والاستصراخ كما قال زهير:
وأنت تعلم أن التفزيع بالمعنى المذكور لا يتعدى بعن وأمر الغاية عليه غير ظاهر، وبالجملة ذلك الزعم ليس بشيء.
واختار أبو حيان أن المغيا الاتباع في قوله تعالى: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وضمير قلوبهم عائد إلى ما عاد إليه ضمير الرفع في (اتبعوه) أعني الكفار وكذا ضمير قالُوا الثاني وضمير قالُوا الأول للملائكة وكذا ضمير رَبُّكُمْ وجملة قوله تعالى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ إلخ اعتراضية بين الغاية والمغيا والتفزيع حال مفارقة الحياة أو يوم القيامة وبجعل اتباعهم إبليس مستصحبا لهم إلى ذلك اليوم مجازا، ولا
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الضحاك أنه قال في الآية: زعم ابن مسعود أن الملائكة المعقبات الذين يختلفون إلى أهل الأرض يكتبون أعمالهم إذا أرسلهم الرب تبارك وتعالى فانحدروا سمع لهم صوت شديد فيحسب بالذين أسفل منهم من الملائكة أنه من أمر الساعة فيخرون سجدا وهذا كلما مروا عليهم فيفعلون من خوف ربهم تبارك وتعالى، وابن مسعود عندي أجل من أن يحمل الآية على هذا فالظاهر أنه لا يصح عنه.
ومثل هذا ما زعمه بعضهم أن ذاك فزع ملائكة أدنى السماوات عند نزول المدبرات إلى الأرض، وقيل: إن حَتَّى غاية متعلقة بقوله تعالى زَعَمْتُمْ أي زعمتم الكفر إلى غاية التفزيع ثم تركتم ما زعمتم وقلتم قال الحق وإليه يشير ما أخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم أنه قال في الآية: حتى إذا فزع الشيطان عن قلوبهم ففارقهم وأمانيهم وما كان يضلهم به قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير ثم قال: وهذا في بني آدم أي كفارهم عند الموت أقروا حين لا ينفعهم الإقرار، والظاهر أن في الكلام عليه التفاتا من الخطاب في زَعَمْتُمْ إلى الغيبة في قُلُوبِهِمْ وأن ضمير قالُوا الأول للملائكة الموكلين بقبض أرواحهم والمراد بالتفزيع عن القلوب كشف الغطاء وموانع إدراك الحق عنها. وما نقل عن الحسن من أنه قال: إنما يقال للمشركين ماذا قال ربك أي على لسان الأنبياء عليهم السّلام فأقروا حين لا ينفع يحتمل أن يكون كالقول المذكور في أن ذلك عند الموت ويحتمل أن يكون قولا بأن ذلك يوم القيامة إلا أن في جعل حتى غاية للزعم عليه غير ظاهر إذ لا يستصحبهم ذلك إلى يوم القيامة حقيقة كما لا يخفى، وأبعد من هذا القول كون ذلك غاية لقوله تعالى: مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وضمير قلوبهم لمن باعتبار معناه، والتفزيع كشف الغطاء ومواقع إدراك الحق بل هو مما لا ينبغي حمل كلام الله تعالى عليه.
وزعم بعضهم أن المعنى إذا دعاهم إسرافيل عليه السّلام من قبورهم قالوا مجيبين ماذا قال ربكم حكاه في البحر ثم قال: والتفزيع من الفزع الذي هو الدعاء والاستصراخ كما قال زهير:
إذا فزعوا طاروا إلى مستغيثهم | طوال الرماح لا ضعاف ولا عزل |
واختار أبو حيان أن المغيا الاتباع في قوله تعالى: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وضمير قلوبهم عائد إلى ما عاد إليه ضمير الرفع في (اتبعوه) أعني الكفار وكذا ضمير قالُوا الثاني وضمير قالُوا الأول للملائكة وكذا ضمير رَبُّكُمْ وجملة قوله تعالى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ إلخ اعتراضية بين الغاية والمغيا والتفزيع حال مفارقة الحياة أو يوم القيامة وبجعل اتباعهم إبليس مستصحبا لهم إلى ذلك اليوم مجازا، ولا
312
يخفى بعده، والوجه عندي ما ذكر أولا، وماذا تحتمل أن تكون منصوبة بقال أي أي شيء قال ربكم، وتحتمل أن تكون في موضع رفع على أن ما اسم استفهام مبتدأ وذا اسم موصول خبره وجملة قال صلة الموصول والعائد محذوف أي ما الذي قاله ربكم، وقرأ ابن عباس وابن مسعود وطلحة وأبو المتوكل الناجي وابن السميفع وابن عامر ويعقوب «فزّع» بالتشديد والبناء للفاعل والفاعل ضمير الله تعالى المستتر أي أزال الله تعالى الفزع عن قلوبهم.
وقال أبو حيان: هو ضميره تعالى إن كان ضمير قلوبهم للملائكة وإن كان للكفار فهو ضمير مغريهم.
وقرأ الحسن «فزع» بالتخفيف والبناء للمفعول فعن قلوبهم نائب الفاعل كما في قراءة الجمهور، وقرأ هو وأبو المتوكل أيضا وقتادة ومجاهد «فرغ» بالفاء والراء المهملة والغين المعجمة مشددا مبنيا للفاعل بمعنى أزال، وقرأ الحسن أيضا كذلك إلا أنه خفف الراء، وقرأ عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما والحسن أيضا وأيوب السختياني وقتادة أيضا وأبو مجلز «فرغ» كذلك إلا أنهم بنوه للمفعول وقرأ ابن مسعود في رواية وعيسى «افرنقع» قيل بمعنى تفرق.
وقال الزمخشري: بمعنى انكشف، والكلمة مركبة من حروف المفارقة مع زيادة العين كما ركب اقمطر من حروف القمط مع زيادة الراء، وفيه إيهام أن العين والراء من حروف الزيادة وليس كذلك، وقرأ ابن أبي عبلة «الحق» بالرفع أي مقوله الحق قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أمر صلّى الله عليه وسلم أن يقول ذلك تبكيتا للمشركين بحملهم على الإقرار بأن آلهتهم لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وإن الرزاق هو الله عزّ وجلّ فإنهم لا ينكرونه وحيث كانوا يتلعثمون أحيانا في الجواب مخافة الإلزام قيل له عليه الصلاة والسّلام قُلِ اللَّهُ إذ لا جواب سواه عندهم أيضا وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ أي وإن أحد الفريقين منا معشر الموحدين المتوحد بالرزق والقدرة الذاتية العابدية وحده عزّ وجلّ ومنكم فرقة المشركين به العاجزين في أنفسهم عن دفع أدنى ضر وجلب أحقر نفع وفيهم النازل إلى أسفل المراتب الإمكانية المتصفون بأحد الأمرين من الاستقرار على الهدى والانغماس في الضلال، وهذا من الكلام المنصف الذي كل من سمعه من موال أو مناف قال لمن خوطب به: قد أنصفك صاحبك، وفي درجة بعد تقدمة ما قدم من التقرير البليغ دلالة ظاهرة على من هو من الفريقين على هدى ومن هو في ضلال ولكن التعريض أبلغ من التصريح وأوصل بالمجادل إلى الغرض وأهجم به على الغلبة مع قلة شغب الخصم وفل شوكته بالهوينا، ونحوه قول الرجل لصاحبه قد علم الله تعالى الصادق مني ومنك وإن أحدنا لكاذب، ومنه قول حسان يخاطب أبا سفيان بن حرب وكان قد هجا رسول الله صلّى الله عليه وسلم قبل أن يسلم:
أتهجوه ولست له بكفء... فشركما لخيركما الفداء
وقول أبي الأسود:
يقول الأرذلون بنو قشير... طوال الدهر لا تنسى عليا
بنو عم النبي وأقربوه... أحب الناس كلهم اليا
فإن يك حبهم خيرا أصبه... ولست بمخطىء إن كان غيا
وذهب أبو عبيدة إلى أن أو بمعنى الواو كما في قوله:
سيان كسر رغيفه... أو كسر عظم من عظامه
والكلام من باب اللف والنشر المرتب بأن يكون على هُدىً راجعا لقوله تعالى: إِنَّا وفِي ضَلالٍ راجعا لقوله سبحانه: إِيَّاكُمْ فإن العقل يحكم بذلك كما في قول امرئ القيس:
كأن قلوب الطير رطبا ويابسا... لدى وكرها العناب والحشف البالي
وقال أبو حيان: هو ضميره تعالى إن كان ضمير قلوبهم للملائكة وإن كان للكفار فهو ضمير مغريهم.
وقرأ الحسن «فزع» بالتخفيف والبناء للمفعول فعن قلوبهم نائب الفاعل كما في قراءة الجمهور، وقرأ هو وأبو المتوكل أيضا وقتادة ومجاهد «فرغ» بالفاء والراء المهملة والغين المعجمة مشددا مبنيا للفاعل بمعنى أزال، وقرأ الحسن أيضا كذلك إلا أنه خفف الراء، وقرأ عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما والحسن أيضا وأيوب السختياني وقتادة أيضا وأبو مجلز «فرغ» كذلك إلا أنهم بنوه للمفعول وقرأ ابن مسعود في رواية وعيسى «افرنقع» قيل بمعنى تفرق.
وقال الزمخشري: بمعنى انكشف، والكلمة مركبة من حروف المفارقة مع زيادة العين كما ركب اقمطر من حروف القمط مع زيادة الراء، وفيه إيهام أن العين والراء من حروف الزيادة وليس كذلك، وقرأ ابن أبي عبلة «الحق» بالرفع أي مقوله الحق قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أمر صلّى الله عليه وسلم أن يقول ذلك تبكيتا للمشركين بحملهم على الإقرار بأن آلهتهم لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وإن الرزاق هو الله عزّ وجلّ فإنهم لا ينكرونه وحيث كانوا يتلعثمون أحيانا في الجواب مخافة الإلزام قيل له عليه الصلاة والسّلام قُلِ اللَّهُ إذ لا جواب سواه عندهم أيضا وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ أي وإن أحد الفريقين منا معشر الموحدين المتوحد بالرزق والقدرة الذاتية العابدية وحده عزّ وجلّ ومنكم فرقة المشركين به العاجزين في أنفسهم عن دفع أدنى ضر وجلب أحقر نفع وفيهم النازل إلى أسفل المراتب الإمكانية المتصفون بأحد الأمرين من الاستقرار على الهدى والانغماس في الضلال، وهذا من الكلام المنصف الذي كل من سمعه من موال أو مناف قال لمن خوطب به: قد أنصفك صاحبك، وفي درجة بعد تقدمة ما قدم من التقرير البليغ دلالة ظاهرة على من هو من الفريقين على هدى ومن هو في ضلال ولكن التعريض أبلغ من التصريح وأوصل بالمجادل إلى الغرض وأهجم به على الغلبة مع قلة شغب الخصم وفل شوكته بالهوينا، ونحوه قول الرجل لصاحبه قد علم الله تعالى الصادق مني ومنك وإن أحدنا لكاذب، ومنه قول حسان يخاطب أبا سفيان بن حرب وكان قد هجا رسول الله صلّى الله عليه وسلم قبل أن يسلم:
أتهجوه ولست له بكفء... فشركما لخيركما الفداء
وقول أبي الأسود:
يقول الأرذلون بنو قشير... طوال الدهر لا تنسى عليا
بنو عم النبي وأقربوه... أحب الناس كلهم اليا
فإن يك حبهم خيرا أصبه... ولست بمخطىء إن كان غيا
وذهب أبو عبيدة إلى أن أو بمعنى الواو كما في قوله:
سيان كسر رغيفه... أو كسر عظم من عظامه
والكلام من باب اللف والنشر المرتب بأن يكون على هُدىً راجعا لقوله تعالى: إِنَّا وفِي ضَلالٍ راجعا لقوله سبحانه: إِيَّاكُمْ فإن العقل يحكم بذلك كما في قول امرئ القيس:
كأن قلوب الطير رطبا ويابسا... لدى وكرها العناب والحشف البالي
313
ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ
ﰘ
ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ
ﰙ
ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ
ﰚ
ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ
ﰛ
ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ
ﰜ
ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ
ﰝ
ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆ
ﰞ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ
ﰟ
ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ
ﰠ
ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ
ﰡ
ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ
ﰢ
ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ
ﰣ
ﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ
ﰤ
ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ
ﰥ
ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆ
ﰦ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ
ﰧ
ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ
ﰨ
ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ
ﰩ
ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ
ﰪ
ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ
ﰫ
ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ
ﰬ
ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ
ﰭ
ﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐ
ﰮ
ﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘ
ﰯ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘ
ﰰ
ﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ
ﰱ
ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ
ﰲ
ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀ
ﰳ
ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ
ﰴ
ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ
ﰵ
ولا يخفى بعده، وأيا ما كان فليس هذا من باب التقية في شيء كما يزعمه بعض الجهلة، والظاهر أن لَعَلى هُدىً إلخ خبر إِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ من غير تقدير حذف إذ المعنى إن أحدنا لمتصف بأحد الأمرين كقولك زيد أو عمرو في السوق أو في البيت، وقيل: هو خبر إِنَّا وخبر إِيَّاكُمْ محذوف تقديره لعلى هدى أو في ضلال مبين وقيل هو خبر إِيَّاكُمْ وخبر إِنَّا محذوف لدلالة ما ذكر عليه، وإِيَّاكُمْ على تقديران ولكنها لما حذفت انفصل الضمير.
وفي البحر لا حاجة إلى تقدير الحذف في مثل هذا وإنما يحتاج إليه في نحو زيد أو عمرو قائم فتدبر، والمتبادر أن مُبِينٍ صفة ضَلالٍ ويجوز أن يكون وصفا له ولهدى والوصف وكذا الضمير يلزم إفراده بعد المعطوف بأو، وأدخل على على الهدى للدلالة على استعلاء صاحبه وتمكنه واطلاعه على ما يريد كالواقف على مكان عال أو الراكب على جواد يركضه حيث شاء، وفِي على الضلال للدلالة على انغماس صاحبه في ظلام حتى كأنه في مهواة مظلمة لا يدري أين يتوجه ففي الكلام استعارة مكنية أو تبعية. وفي قراءة أبي إنا أو إياكم إما على هدى أو في ضلال مبين.
وفي البحر لا حاجة إلى تقدير الحذف في مثل هذا وإنما يحتاج إليه في نحو زيد أو عمرو قائم فتدبر، والمتبادر أن مُبِينٍ صفة ضَلالٍ ويجوز أن يكون وصفا له ولهدى والوصف وكذا الضمير يلزم إفراده بعد المعطوف بأو، وأدخل على على الهدى للدلالة على استعلاء صاحبه وتمكنه واطلاعه على ما يريد كالواقف على مكان عال أو الراكب على جواد يركضه حيث شاء، وفِي على الضلال للدلالة على انغماس صاحبه في ظلام حتى كأنه في مهواة مظلمة لا يدري أين يتوجه ففي الكلام استعارة مكنية أو تبعية. وفي قراءة أبي إنا أو إياكم إما على هدى أو في ضلال مبين.
314
قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ هذا أبلغ في الإنصاف حيث عبر عن الهفوات التي لا يخلو عنها مؤمن بما يعبر به عن العظائم وأسند إلى النفس وعن العظائم من الكفر ونحوه بما يعبر به عن الهفوات وأسند للمخطابين وزيادة على ذلك أنه ذكر الإجرام المنسوب إلى النفس بصيغة الماضي الدالة على التحقق وعن العمل المنسوب إلى الخصم بصيغة المضارع التي لا تدل على ذلك، وذكر أن في الآية تعريضا وأنه لا يضر بما ذكر، وزعم بعضهم أنها من باب المتاركة وأنها منسوخة بآية السيف.
قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا يوم القيامة عند الحشر والحساب ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ يقضي سبحانه بيننا ويفصل بعد ظهور حال كل منا ومنكم بالعدل بأن يدخل المحقين الجنة والمبطلين النار وَهُوَ الْفَتَّاحُ القاضي في القضايا المنغلقة فكيف بالواضحة كإبطال الشرك وإحقاق التوحيد أو القاضي في كل قضية خفية كانت أو واضحة، والمبالغة على الأول في الكيف وعلى الثاني في الكم، ولعل الوجه الأول أولى، وفيه إشارة إلى وجه تسمية فصل الخصومات فتحا وأنه في الأصل لتشبيه ما حكم فيه بأمر منغلق كما يشبه بأمر منعقد في قولهم: حلال المشكلات، وقرأ عيسى «الفاتح» الْعَلِيمُ بما ينبغي أن يقضي به أو بكل شيء.
قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ استفسار عن شبهتهم بعد إلزام الحجة عليهم زيادة في تبكيتهم، وأرى على ما استظهره أبو حيان بمعنى أعلم فتتعدى إلى ثلاثة مفاعيل ياء المتكلم والموصول وشُرَكاءَ وعائد الموصول محذوف أي ألحقتموهم، والمراد أعلموني بالحجة والدليل كيف وجه الشركة، وجوز كون رأي بصرية تعدت بالنقل
قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا يوم القيامة عند الحشر والحساب ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ يقضي سبحانه بيننا ويفصل بعد ظهور حال كل منا ومنكم بالعدل بأن يدخل المحقين الجنة والمبطلين النار وَهُوَ الْفَتَّاحُ القاضي في القضايا المنغلقة فكيف بالواضحة كإبطال الشرك وإحقاق التوحيد أو القاضي في كل قضية خفية كانت أو واضحة، والمبالغة على الأول في الكيف وعلى الثاني في الكم، ولعل الوجه الأول أولى، وفيه إشارة إلى وجه تسمية فصل الخصومات فتحا وأنه في الأصل لتشبيه ما حكم فيه بأمر منغلق كما يشبه بأمر منعقد في قولهم: حلال المشكلات، وقرأ عيسى «الفاتح» الْعَلِيمُ بما ينبغي أن يقضي به أو بكل شيء.
قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ استفسار عن شبهتهم بعد إلزام الحجة عليهم زيادة في تبكيتهم، وأرى على ما استظهره أبو حيان بمعنى أعلم فتتعدى إلى ثلاثة مفاعيل ياء المتكلم والموصول وشُرَكاءَ وعائد الموصول محذوف أي ألحقتموهم، والمراد أعلموني بالحجة والدليل كيف وجه الشركة، وجوز كون رأي بصرية تعدت بالنقل
315
لاثنين ياء المتكلم والموصول وشُرَكاءَ حال من ضمير الموصول المحذوف أي ألحقتموهم متوهما شركتهم أو مفعول ثان لألحق لتضمينه معنى الجعل أو التسمية، والمراد أرونيهم لأنظر بأي صفة ألحقتموهم بالله عزّ وجلّ الذي ليس كمثله شيء في استحقاق العبادة أو ألحقتموهم به سبحانه جاعليهم أو مسميهم شركاء، والغرض إظهار خطئهم العظيم.
وقال بعض الأجلة: لم يرد من أَرُونِيَ حقيقته لأنه صلّى الله عليه وسلم كان يراهم ويعلمهم فهو مجاز وتمثيل، والمعنى ما زعمتموه شريكا إذا برز للعيون وهو خشب وحجر تمت فضيحتكم، وهذا كما تقول للرجل الخسيس الأصل اذكر لي أباك الذي قايست به فلانا الشريف ولا تريد حقيقة الذكر وإنما تريد تبكيته وأنه إن ذكر أباه افتضح.
كَلَّا ردع لهم عن زعم الشركة بعد ما كسره بالإبطال كما قال إبراهيم عليه الصلاة والسّلام: أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ [الأنبياء: ٦٧] بعد ما حج قومه بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ أي الموصوف بالغلبة القاهرة المستدعية لوجوب الوجود الْحَكِيمُ الموصوف بالحكمة الباهرة المستدعية للعلم المحيط بالأشياء، وهؤلاء الملحقون عن الاتصاف بذلك في معزل وعن الحوم حول ما يقتضيه بألف ألف منزل، والضمير أما عائد لما في الذهن وما بعده وهو الله الواقع خبرا له يفسره والْعَزِيزُ الْحَكِيمُ صفتان للاسم الجليل أو عائد لربنا في قوله سبحانه:
«يفتح بيننا ربنا» على ما قيل أو هو ضمير الشأن واللَّهُ مبتدأ والْعَزِيزُ الْحَكِيمُ خبره والجملة خبر ضمير الشأن لأن خبره لا يكون إلا جملة على الصحيح وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ المتبادر أن كَافَّةً حال من الناس قدم مع إلا عليه للاهتمام كما قال ابن عطية، وأصله من الكف بمعنى المنع وأريد به العموم لما فيه من المنع من الخروج واشتهر في ذلك حتى قطع النظر فيه عن معنى المنع بالكلية فمعنى جاء الناس كافة جاؤوا جميعا، ويشير إلى هذا الإعراب ما أخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن مجاهد أنه قال في الآية: أي إلى الناس جميعا، وما أخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب أنه قال: أي للناس كافة، وكذا ما أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة أنه قال في الآية: أرسل الله تعالى محمدا صلّى الله عليه وسلم إلى العرب والعجم فأكرمهم على الله تعالى أطوعهم له، وما نقل عن ابن عباس أنه قال: أي إلى العرب والعجم وسائر الأمم، وهو مبني على جواز تقديم الحال على صاحبها المجرور بالحرف وهو الذي ذهب إليه خلافا لكثير من النحاة أبو علي وابن كيسان وابن برهان والرضي وابن مالك حيث قال:
وأبو حيان حيث قال بعد أن نقل الجواز عمن عدا الرضى من المذكورين وهو الصحيح: ومن أمثلة أبي علي زيد خير ما يكون خير منك، وقال الشاعر:
وقال آخر:
وقد جاء تقديم الحال على صاحبها المجرور وعلى ما يتعلق به، ومن ذلك قوله:
وقول آخر:
وقال بعض الأجلة: لم يرد من أَرُونِيَ حقيقته لأنه صلّى الله عليه وسلم كان يراهم ويعلمهم فهو مجاز وتمثيل، والمعنى ما زعمتموه شريكا إذا برز للعيون وهو خشب وحجر تمت فضيحتكم، وهذا كما تقول للرجل الخسيس الأصل اذكر لي أباك الذي قايست به فلانا الشريف ولا تريد حقيقة الذكر وإنما تريد تبكيته وأنه إن ذكر أباه افتضح.
كَلَّا ردع لهم عن زعم الشركة بعد ما كسره بالإبطال كما قال إبراهيم عليه الصلاة والسّلام: أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ [الأنبياء: ٦٧] بعد ما حج قومه بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ أي الموصوف بالغلبة القاهرة المستدعية لوجوب الوجود الْحَكِيمُ الموصوف بالحكمة الباهرة المستدعية للعلم المحيط بالأشياء، وهؤلاء الملحقون عن الاتصاف بذلك في معزل وعن الحوم حول ما يقتضيه بألف ألف منزل، والضمير أما عائد لما في الذهن وما بعده وهو الله الواقع خبرا له يفسره والْعَزِيزُ الْحَكِيمُ صفتان للاسم الجليل أو عائد لربنا في قوله سبحانه:
«يفتح بيننا ربنا» على ما قيل أو هو ضمير الشأن واللَّهُ مبتدأ والْعَزِيزُ الْحَكِيمُ خبره والجملة خبر ضمير الشأن لأن خبره لا يكون إلا جملة على الصحيح وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ المتبادر أن كَافَّةً حال من الناس قدم مع إلا عليه للاهتمام كما قال ابن عطية، وأصله من الكف بمعنى المنع وأريد به العموم لما فيه من المنع من الخروج واشتهر في ذلك حتى قطع النظر فيه عن معنى المنع بالكلية فمعنى جاء الناس كافة جاؤوا جميعا، ويشير إلى هذا الإعراب ما أخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن مجاهد أنه قال في الآية: أي إلى الناس جميعا، وما أخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب أنه قال: أي للناس كافة، وكذا ما أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة أنه قال في الآية: أرسل الله تعالى محمدا صلّى الله عليه وسلم إلى العرب والعجم فأكرمهم على الله تعالى أطوعهم له، وما نقل عن ابن عباس أنه قال: أي إلى العرب والعجم وسائر الأمم، وهو مبني على جواز تقديم الحال على صاحبها المجرور بالحرف وهو الذي ذهب إليه خلافا لكثير من النحاة أبو علي وابن كيسان وابن برهان والرضي وابن مالك حيث قال:
وسبق حال ما بحرف جر قد | أبوا ولا أمنعه فقد ورد |
إذا المرء أعيته المروءة ناشئا | فمطلبها كهلا عليه شديد |
تسليت طرا عنكم بعد بينكم | بذكراكم حتى كأنكم عندي |
مشغوفة بك قد شغفت وإنما | حتم الفراق فما إليك سبيل |