ﰡ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة سبإ (٣٤) : آية ١]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (١)الَّذِي في موضع خفض على النعت أو البدل، ويجوز أن يكون في موضع رفع على إضمار مبتدأ، وأن يكون في موضع نصب بمعنى أعني. وحكى سيبويه: الحمد لله أهل الحمد بالنصب والرفع والخفض. وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ مبتدأ وخبره.
[سورة سبإ (٣٤) : آية ٢]
يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (٢)
يَعْلَمُ في موضع نصب على الحال، ويجوز أن يكون مستأنفا.
[سورة سبإ (٣٤) : آية ٣]
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٣)
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي قسم، والجواب لَتَأْتِيَنَّكُمْ وقرأ أهل المدينة عالم الغيب «١» بالرفع لأن جواب القسم قد تقدّم فحسن الرفع بالابتداء والخبر ما بعده، ويجوز أن يكون مرفوعا على إضمار مبتدأ، ويجوز النصب بمعنى أعني، وقرأ أبو عمرو وعاصم عالِمِ الْغَيْبِ على النعت، وقرأ سائر الكوفيين علّام الغيب «٢» بالخفض على النعت أيضا، فعالم يكون للقليل والكثير وعلّام للكثير لا غير، والمستعمل والأشبه في مثل هذا: عالم الغيب فإن قلت: علام الغيوب كان علّام أشبه. وقرأ يحيى بن وثاب والكسائي لا يعزب «٣» بكسر الزاي، يقال: عزب يعزب
(٢) وهذه قراءة ابن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي، انظر البحر المحيط ٧/ ٢٤٨.
(٣) انظر تيسير الداني ١٤٦، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٥٢٦.
[سورة سبإ (٣٤) : الآيات ٤ الى ٥]
لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (٥)
لِيَجْزِيَ منصوب بلام كي، والتقدير لتأتينّكم ليجزي.
وقرأ طلحة وعيسى أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ «٢» بالرفع على النعت لعذاب.
[سورة سبإ (٣٤) : آية ٦]
وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٦)
وَيَرَى في موضع نصب معطوف على ليجزي، ويجوز أن يكون في موضع رفع على أنه مستأنف الَّذِينَ في موضع رفع بيرى. أُوتُوا الْعِلْمَ خبر ما لم يسمّى فاعله، الَّذِي في موضع نصب على أنه مفعول أول ليرى هُوَ الْحَقَّ مفعول ثان «وهو» فاصلة والكوفيون يقولون: عماد، ويجوز الرفع على أن يكون «هو» مبتدأ و «الحقّ» خبره والنصب أكثر فيما كانت فيه الألف واللام عند جميع النحويين، وكذا ما كان نكرة لا تدخله الألف واللام فيشبه المعرفة فإن كان الخبر اسما معروفا نحو قولك: كان أخوك هو زيد. وزعم الفراء «٣» أن الاختيار فيه الرفع وكذا: كان أبو محمد هو عمرو.
وعلّه في اختياره الرفع أنه لما لم يكن فيه ألف ولام أشبه النكرة في قوله: كان زيد هو جالس، لأن هذا لا يجوز فيه إلا الرفع.
[سورة سبإ (٣٤) : آية ٧]
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (٧)
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ وإن شئت أدغمت اللام في النون لقربها منها يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ والمعنى: يقول لكم «وإذا» في موضع نصب، والعامل فيها مزّقتم، ولا يجوز أن يكون العامل فيها ينبئكم لأنه ليس يخبرهم ذلك الوقت، ولا يجوز أن يكون العامل فيها ما بعد أنّ لأنه لا يعمل فيما قبله، وأجاز أبو إسحاق أن يكون العامل فيها محذوفا، والتقدير: إذا مزّقتم كلّ ممزّق بعثتم.
[سورة سبإ (٣٤) : آية ٨]
أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ (٨)
(٢) انظر تيسير الداني ١٤٦.
(٣) انظر معاني الفراء ٢/ ٣٥٢.
[سورة سبإ (٣٤) : آية ١٠]
وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠)
وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا مفعولان: يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ أي رجّعي الحنين فكانت الجبال تجيبه إذا تلا الزبور، وهو من آب يؤوب إذا رجع. وَالطَّيْرَ «١» بالرفع قراءة الأعرج وأبي عبد الرحمن، والرفع من جهتين: إحداهما على العطف على جبال، والأخرى على العطف على المضمر الذي في أوّبي، وحسن ذلك، لأن بعده «معه»، والنصب عند أبي عمرو بن العلاء بمعنى وسخّرنا له الطير، وقال الكسائي: هو معطوف على فضلا أي آتيناه الطير، وعند سيبويه «٢» معطوف على الموضع أي: نادينا الجبال والطير، ويجوز أن يكون مفعولا معه، كما تقول: استوى الماء والخشبة: أي مع الخشبة. قال أبو جعفر: سمعت أبا إسحاق يجيز قمت وزيدا. وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ قيل:
إنه أول من سخّر له الحديد، وقيل أعطي من القوة أنه كان يثني الحديد- والله جلّ وعزّ أعلم بذلك- وقال الحسن: وكان داود صلّى الله عليه وسلّم يأخذ الحديد فيكون في يده مثل العجين فيعمل منه الدروع.
[سورة سبإ (٣٤) : آية ١١]
أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١)
أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ لأبي إسحاق فيه جوابان: أحدهما أن تكون «أن» بمعنى أي مفسّرة تؤدّي عن معنى: قلنا له اعمل، والجواب الآخر أن يكون في موضع نصب أي وألنّا له الحديد لها ووصلت أن بلفظ الأمر سابِغاتٍ في موضع نصب وأقيمت الصفة مقام الموصوف أي: اعمل دروعا سابغات والدروع مؤنثة إذا كانت للحرب، ودرع المرأة مذكر. وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ قال ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: قدر المسمار لا يكون دقيقا فيسلس ولا غليظا فيفصمها.
[سورة سبإ (٣٤) : آية ١٢]
وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ (١٢)
وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ جعله الكسائي نسقا على وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ وقال: المعنى:
وألنّا لسليمان الرّيح، وقال أبو إسحاق: التقدير: وسخّرنا لسليمان الريح: وقرأ عاصم وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ «٣» بالرفع بالابتداء أو بالاستقرار أي لسليمان الريح ثابتة وفيه ذلك
(٢) انظر الكتاب ٢/ ١٨٨.
(٣) انظر تيسير الداني ١٤٦، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٥٢٧.
[سورة سبإ (٣٤) : آية ١٣]
يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ (١٣)
يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ لم ينصرفا لأن هذا الجمع ليس له نظير في الواحد، ولا يجمع كما يجمع غيره من الجموع. والمحراب في اللغة كلّ موضع مرتفع وقيل للذي يصلّي إليه: محراب، لأنه يجب أن يرفّع ويعظّم، وقال الضحاك: «من محاريب» أي من مساجد وتماثيل، قال: صور فقال قوم: عمل الصور جائز لهذه الآية ولما أخبر الله جلّ وعزّ عن المسيح صلّى الله عليه وسلّم، وقال قوم: قد صحّ النهي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم عنها والتوعّد لمن عملها أو اتخذها فنسخ صلّى الله عليه وسلّم هذا ما كان مباحا قبله، وكانت في ذلك الحكمة لأنه بعث صلّى الله عليه وسلّم والصّور تعبد، وكان الأصلح إزالتها. وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ الأولى أن يكون بالياء، ومن حذف الياء قال: سبيل الألف واللام أن يدخلا في النكرة فلا يغيّرها عن حالها فلما كان يقال: «جواب» ودخلت الألف واللام أقرّ على حاله بحذف الياء وواحد الجوابي جابية وهي القدر العظيمة والحوض الكبير الذي يجبى إليه الشيء أن يجمع، ومنه جبيت الخراج وجبيت الجراد أي جعلت كساء فجمعته فيه، إلا أنّ ليثا روى عن مجاهد قال:
الجوابي جمع جوبة. قال أبو جعفر: الجوبة الحفرة الكبيرة تكون في الجبل يجتمع فيها ماء المطر وَقُدُورٍ راسِياتٍ قال سعيد بن جبير: هي قدور النحاس تكون بفارس. قال الضحاك: هي قدور كانت تعمل من حجارة الجبال. اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً أي يقال لهم.
آلَ داوُدَ نداء مضاف ونصب شكر عند أبي إسحاق من جهتين: إحداهما اعملوا للشكر أي لتشكروا الله جلّ وعزّ، والأخرى أن يكون التقدير: اشكروا شكرا. وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ
[سورة سبإ (٣٤) : آية ١٤]
فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ (١٤)
مِنْسَأَتَهُ «١» قراءة أهل المدينة وأبي عمرو، وقرأها الكوفيون بالهمز واشتقاقها يدلّ على أنها مهموزة لأنها مشتقة من نسأته أي أخّرته ودفعته فقيل لها: منسأة لأنه يدفع بها الشيء ويؤخّر. قال مجاهد وعكرمة: هي العصا فمن قرأ (منساته) أبدل من الهمزة ألفا، فإن قال قائل: الإبدال من الهمزة قبيح إنما يجوز في الشعر على بعد وشذوذ وأبو عمرو بن العلاء لا يغيب عنه مثل هذا ولا سيما وأهل المدينة على هذه القراءة فالجواب عن هذا أن العرب استعملت في هذه الكلمة البدل ونطقوا بها هكذا كما يقع البدل في غير هذا ولا يقاس عليه حتى قال أبو عمرو: ولست أدري ممّ هي؟
إلّا أنها غير مهموزة. وهذا كلام العلماء لأن ما كان مهموزا قد يترك همزة وما لم يكن مهموزا لم يجز همزه بوجه. فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ موته وقال غيره: المعنى: تبيّن أمر الجن مثل وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف: ٨٢] وقيل: المعنى تبيّنت الجن للإنس: وفي التفسير بالأسانيد الصحاح تفسير المعنى، وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال: أقام سليمان بن داود صلّى الله عليهما حولا لا يعلم بموته وهو متّكئ على عصاه والجنّ متصرّفة فيما كان أمرها به ثم سقط بعد حول. وقرأ ابن عباس فلما خرّ تبيّنت الإنس أن لو كان الجنّ يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين «٢» قال أبو جعفر: وهذه القراءة عن ابن عباس على سبيل التفسير. فأما. أَنْ فموضعها موضع رفع على البدل من الجن أي تبيّن أن لو كان الجنّ يعلمون الغيب، وهذا بدل الاشتمال، ويجوز أن يكون في موضع نصب بمعنى اللام.
[سورة سبإ (٣٤) : آية ١٥]
لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (١٥)
لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ بالصرف والتنوين على أنه اسم للحيّ، وهو في الأصل اسم رجل جاء بذلك التوقيف عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وقرأ أبو عمرو لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ «٣» بغير صرف
(٢) انظر المحتسب ٢/ ١٨٨، والبحر المحيط ٧/ ٢٥٧.
(٣) انظر تيسير الداني ١٤٦.
والتقدير: قيل لهم: كلوا من رزق ربّكم واشكروا له. قال الفراء: تمّ الكلام. بَلْدَةٌ بالرفع على إضمار مبتدأ أي هذه بلدة وَرَبٌّ على إضمار مبتدأ أيضا. غَفُورٌ من نعته. فأما في مساكنهم «١» فهي قراءة الحسن وأبي رجاء وأبي جعفر وشيبة ونافع وعاصم وأبي عمرو. وقرأ إبراهيم النخعي وحمزة فِي مَسْكَنِهِمْ وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش والكسائي فِي مَسْكَنِهِمْ «٢» بكسر الكاف. قال أبو جعفر: «مساكن» في هذا أبين لأنه يجمع اللفظ والمعنى فإذا قلت: مسكنهم كان فيه تقديران: أحدهما أن يكون واحدا يؤدّي عن جميع، والآخر أن يكون مصدرا لا يثنّى ولا يجمع، كما قال جلّ وعزّ خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ [البقرة: ٧] فجاء السمع مفردا، وكذا فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ [القمر: ٥٥] ومن قال: مسكن بكسر الكاف جعله مثل مسجد، وهو خارج عن القياس لا يوجد مثله إلّا سماعا.
[سورة سبإ (٣٤) : آية ١٦]
فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (١٦)
فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ قال عمرو بن شرحبيل: «العرم» المسنّاة، وقال محمد بن يزيد: العرم كلّ حاجز بين شيئين، وهو الذي يسمّى السّكر وهو جمع عرمة وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وقرأ أبو عمرو ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ «٣» بغير تنوين مضافا. قال أهل التفسير والخليل رحمه الله: «الخمط» : الأراك وقال محمد بن يزيد: الخمط: كلّ ما تغيّر إلى ما لا يشتهى واللبن خمط إذا حمض. والأولى عنده في القراءة ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ بالتنوين على أنه نعت لأكل أو بدل منه لأن الأكل هو الخمط بعينه عنده فأما الإضافة فباب جوازها أن يكون تقديرها ذواتي أكل حموضة أو أكل مرارة وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ قال الفراء: هو السّمر.
(٢) انظر تيسير الداني ١٤٦، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٥٢٨، ومعاني الفراء ٢/ ٣٥٧.
(٣) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد ٥٢٨، وتيسير الداني ١٤٦.
[سورة سبإ (٣٤) : آية ١٧]
ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ (١٧)ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا قال أبو إسحاق: «ذلك» في موضع نصب أي جزيناهم ذلك. وهل يجازى إلا الكفور «١» قراءة أهل الحرمين وأبي عمرو وعاصم، وقرأ الكوفيون إلا عاصما وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ «٢» وهذا عند أبي عبيد أولى لأن قبله «جزيناهم» ولم يقل جوزوا. قال أبو جعفر: الأمر في هذا واسع، والمعنى فيه بين لو قال قائل: خلق الله جلّ وعزّ آدم من طين، وقال آخر: خلق آدم من طين لكان المعنى واحدا. وفي الآية سؤال لا أعلم في السورة أشدّ منه يقال: ما معنى وهل يجازى إلّا الكفور ولم يذكر أصحاب المعاصي غير الكفار؟ وقد تكلم العلماء في هذا فقال قوم:
ليس يجازى بمثل هذا الجزاء الذي هو الاصطلام والهلاك إلّا من كفر. فأما قطرب فجوابه على هذه الآية على خلاف لأنه جعلها في أهل المعاصي غير الكفار وجرى على مذهبه وقوله من كفر بالنعم فعمل الكبائر. وأولى ما قيل في هذه الآية وأجل ما روي فيه أنّ الحسن قال: مثلا بمثل. وروى أيوب عن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من حوسب هلك» فقلت يا نبيّ الله: فأين قوله جلّ وعزّ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً [الانشقاق: ٨] قال: «إنما ذلك العرض ومن نوقش الحساب هلك» «٣». قال أبو جعفر: وهذا إسناد صحيح، وشرحه أن الكافر يكافأ على أعماله ويحاسب عليها ويحبط ما عمل من خير، ويبين لك هذا قوله جلّ وعزّ في الأولى ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وفي الثاني «وهل يجازى» فمعنى «يجازى» يكافأ بما عمل، ومعنى «جزيناهم» وفيناهم فهذا حقيقة اللغة وإن كان جازى يقع بمعنى جزى مجازا.
[سورة سبإ (٣٤) : آية ١٨]
وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ (١٨)
وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً قال أبو العباس: الظاهرة المرتفعة. وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ أي جعلناه بمقدار يسيرون ويبيتون في قرية. قال الفراء: «٤» وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ أي جعلنا بين كل قريتين نصف يوم فهذا التقدير.
سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً ظرفان آمِنِينَ على الحال.
(٢) انظر تيسير الداني ١٤٧، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٥٢٩، حفص وحمزة والكسائي بالنون وكسر الزاي، والباقون بالياء وفتح الزاي والرفع.
(٣) أخرجه الترمذي في سننه- صفة القيامة ٩/ ٢٥٨.
(٤) انظر معاني الفراء ٣٤١.
[سورة سبإ (٣٤) : آية ١٩]
فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (١٩)فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا فيه ستة أوجه من القراءات «١» قرأ الحسن وأبو رجاء وأبو مالك وأبو جعفر وشيبة ونافع ويحيى بن وثاب والأعمش وعاصم وحمزة والكسائي رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا، وقرأ مجاهد وابن كثير وأبو عمرو ربّنا بعد بين أسفارنا وقرأ محمد ابن الحنفية ويروى عن ابن عباس وأبي صالح ربّنا باعد بين أسفارنا، وقرأ يحيى بن يعمر وعيسى بن عمر وتروى عن ابن عباس ربّنا بعّد بين أسفارنا، وقرأ سعيد بن أبي الحسن وهو أخو الحسن البصري فقالوا ربّنا بعد بين أسفارنا. فهذه خمس قراءات. وروى الفراء وأبو إسحاق السادسة ربّنا بعد بين أسفارنا قال أبو جعفر: القراءة الأولى ربّنا نصب على أنه نداء مضاف وهو منصوب على أنه مفعول به لأن معناه ناديت ودعوت، وكذلك القراءة الثانية و «باعد» و «بعّد» واحد في المعنى، كما تقول: قارب وقرّب، والمعنى على ما روى محمد بن ثور عن معمر عن قتادة قال: كانوا آمنين يخرجون إلى أسفارهم ولا يتزوّدون يبيتون في قرية ويقيلون في قرية فبطروا النعمة فقالوا: ربّنا بعد بين أسفارنا فعاقبهم الله جلّ وعزّ.
والقراءة الثالثة «ربّنا» رفع بالابتداء و «باعد» فعل ماض في موضع الخبر، وكذا الرابعة، وقد فسّرها ابن عباس قال: شكوا أن ربّهم باعد بين أسفارهم. القراءة الخامسة ربّنا بعد بين أسفارنا. «ربّنا» نداء مضاف ثم أخبروا بعد ذلك فقالوا «بعد بين أسفارنا» ورفع «بين» بالفعل أي بعد ما يتصل بأسفارنا. والقراءة السادسة مثل هذه إلا أنها تنصب «بين» على أنه ظرف، وتقديره في العربية: بعد سيرنا بين أسفارنا. وهذه القراءات إذا اختلفت معانيها لم يجز أن يقال: إحداها أجود من الأخرى، لا يقال ذلك في الأخبار إذا اختلفت معانيها ولكن خبّر عنهم أنهم دعوا أن يبعّد بين أسفارهم بطر وأشرا، وخبّر أنهم لمّا فعل بهم ذلك خبّروا به وشكوا، كما قال ابن عباس وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ أي بكفرهم فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ أي يتحدّث بهم بأخبارهم، وتقديره في العربية ذوي أحاديث. وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ أي لمّا لحقهم ما لحقهم تفرّقوا وتمزّقوا. قال الشعبي:
فلحقت الأنصار بيثرب. وغسان بالشام، وأسد بعمان، وخزاعة بتهامة. إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ «صبّار» تكثير صابر، والصابر الذي يصبر عن المعاصي يمدح بهذا الاسم وإن أردت أنه صبر على المعصية لم يستعمل فيه إلا صابر عن كذا قال جلّ وعزّ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ [الزمر: ١٠].
[سورة سبإ (٣٤) : آية ٢٠]
وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٠)وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فيه أربع أوجه من القراءات: قرأ أبو جعفر وشيبة ونافع وأبو عمرو وابن كثير وابن عامر يروى عن مجاهد وَلَقَدْ صَدَّقَ «١» بالتخفيف. عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ بالرفع. ظَنَّهُ بالنصب. وقرأ ابن عباس ويحيى بن وثاب والأعمش وعاصم وحمزة والكسائي صَدَّقَ بالتشديد، وقرأ أبو الهجهاج: ولقد صدق عليهم إبليس ظنه «٢» بنصب إبليس ورفع ظنه، قال أبو حاتم: لا وجه لهذه القراءة عندي والله جلّ وعزّ أعلم. قال أبو جعفر: وقد أجاز هذه القراءة الفراء وذكرها أبو إسحاق، وقال:
المعنى: صدّق ظنّ إبليس إبليس بما اتّبعوه، والقراءة الرابعة وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ «٣» برفع إبليس وظنّه. والقراءة الأولى وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ معناها في ظنّه. قال أبو إسحاق: هو منصوب على المصدر، والقراءة الثانية وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ بنصب «ظنه» بوقوع الفعل عليه. قال مجاهد: ظنّ ظنّا فكان كما ظن فصدّق ظنّه، وعن ابن عباس قال: إبليس خلق آدم من طين فهو ضعيف وأنا من نار فلأحتنكنّ ذرّيّته إلّا قليلا فكان كما قال. وقال الحسن: ما ضربهم بسوط ولا بعصا، وإنما ظنّ ظنّا فكان كما ظنّ بوسوسته. إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ نصب بالاستثناء، وفيه قولان: أحدهما أنه يراد به بعض المؤمنين فأما ابن عباس فعنه أنه قال: هم المؤمنون كلّهم.
[سورة سبإ (٣٤) : آية ٢١]
وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٢١)
مِنْ زائدة للتوكيد. وأهل التفسير يقولون السلطان الحجّة. إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ وقد علم الله جلّ وعزّ ذلك غيبا، وهذا علم الشهادة الذي تجب به الحجّة هذا قول أكثر أهل اللغة، وهو عند بعضهم مجاز أي ليكون هذا علمه جازى عليه، وقول ثالث، وهو مذهب الفراء يكون المعنى: إلّا لنعلم ذلك عندكم، كما قال: أَيْنَ شُرَكائِيَ [النحل: ٢٧]. أي على قولكم وعندكم.
[سورة سبإ (٣٤) : آية ٢٢]
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (٢٢)
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ في الكلام حذف، والمعنى: قل ادعوا الّذين زعمتم أنّهم آلهة لكم من دون الله لينفعوكم أو ليدفعوا عنكم ما قضاه الله جلّ وعزّ
(٢) انظر البحر المحيط ٧/ ٢٦٣.
(٣) انظر مختصر ابن خالويه ١٢١.
[سورة سبإ (٣٤) : آية ٢٣]
وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٢٣)
أَذِنَ «١» وأذن بمعنى واحد كما مرّ في وهل يجازى [سبأ: ١٧] و «من» هاهنا للشافعين، ويجوز أن تكون للمشفوع لهم، وزعم أبو إسحاق أنها للشافعين أشبه بالمعنى، قال: لأن بعده حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ فيكون هذا للملائكة صلوات الله عليهم. وفي هذا خمس قراءات قراءة العامة حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ «٢»، وعن ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ «٣» بفتح الفاء والزاي فهاتان القراءتان بمعنى واحد أي فزّع الله جلّ وعزّ عن قلوبهم أي كشف عنها الفزع أي تعدّاها الفزع، وكذا يقول سيبويه «٤» في قول العرب: رميت عن القوس أي تعدّى رميي القوس، وقد ذكرنا معناه. وروى هيثم عن عوف عن الحسن أنه قرأ حتى إذا فرّغ عن قلوبهم «٥» بضم الفاء وبراء غير معجمة وبعدها غين معجمة وكذا قرأ أبو مجلز. وروى مطر الوراق عن الحسن حتى إذا فزّع عن قلوبهم «٦» وهاتان القراءتان يؤول معناهما إلى معنى الأولين لأن المعنى: حتّى إذا فرّغ عن قلوبهم الفزع أزيل عن قلوبهم إلّا أن مجاهدا قال في تفسير هذه الآية على ما رواه عنه ورقاء عن أبي نجيح:
إنها في يوم القيامة. قال: إذا كشف الغطاء. وروى أيّوب وحميد الطويل عن الحسن حتّى إذا فرغ عن قلوبهم بضمّ الفاء وبراء مخففة غير معجمة وبعدها غين معجمة فهذه الروايات عن الحسن مستقيمات الطرق لا مطعن في واحد رواها، وكلّها صحاح عنه قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ «ماذا» في موضع نصب بقال ويجوز أن يكون «ما» في موضع رفع بالابتداء و «ذا» في موضع الخبر، ومعناه معنى الذي قالُوا الْحَقَّ على أن «ماذا» في موضع نصب أي قال الحق، ويجوز رفع «الحقّ» على أن ما في موضع رفع. وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ابتداء وخبر. و «العليّ» الجبار المتعالي، و «الكبير» السيّد المقصود.
[سورة سبإ (٣٤) : آية ٢٤]
قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤)
(٢) انظر تيسير الداني ١٤٧، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٥٣٠.
(٣) انظر الكتاب ٤/ ٣٤٨.
(٤) انظر الكتاب ٤/ ٣٤٨. [.....]
(٥) انظر البحر المحيط ٧/ ٢٦٦، ومعاني الفراء ٢/ ٣٦١.
(٦) انظر البحر المحيط ٧/ ٢٦٦، ومعاني الفراء ٢/ ٣٦١.
[سورة سبإ (٣٤) : آية ٢٧]
قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ كَلاَّ بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧)
قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ تكون أَرُونِيَ هاهنا من رؤية القلب أي عرّفوني هذه الأصنام والأوثان التي جعلتموها شركاء لله جلّ وعزّ هل شاركته في خلق شيء فبيّنوا ما هو وإلّا فلم تعبدونها؟ ويجوز أن يكون من رؤية البصر فيكون «شركاء» حالا. قال أبو إسحاق: والمعنى: أروني الذين ألحقتموهم به شركاء ثم حذف لأنه في الصلة. قال: ثم قال جلّ وعزّ كَلَّا ردع وتنبيه أي ارتدعوا عن هذا القول، وتنبهوا على ضلالكم.
[سورة سبإ (٣٤) : آية ٢٨]
وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢٨)
وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً نصب على الحال. قال أبو إسحاق: والمعنى:
أرسلناك جامعا للناس لأنه صلّى الله عليه وسلّم أرسل إلى العرب والعجم.
[سورة سبإ (٣٤) : آية ٣٠]
قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ (٣٠)
وأجاز النحويون لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ «١» على أنه بدل من ميعاد، وأجازوا ميعاد يوما لا تستأخرون عنه «٢» على أن يكون ظرفا وتكون الهاء تعود على يوم ولا يجوز الإضافة كما تقول: إنّ يوما زيد فيه أمير عبد الله فيه وزير، بتنوين يوم لا غير فإن حذفت فيه جار حذف التنوين ونصبت عبد الله على أنه اسم إنّ، ويجوز مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ «٣» بغير تنوين في يوم على أن يكون الهاء التي في «عنه» تعود على ميعاد لا على يوم.
(٢) انظر البحر المحيط ٧/ ٢٧٠، ومعاني الفراء ٢/ ٣٦.
(٣) انظر مختصر ابن خالويه ١٢٢.
[سورة سبإ (٣٤) : آية ٣١]
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (٣١)قال سعيد عن قتادة: وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ من الكتب والأنبياء عليهم السلام.
وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ الظَّالِمُونَ بالابتداء مرفوعون، ومَوْقُوفُونَ خبره، والجملة في موضع خفض بالإضافة، ولا يجوز أن تنصب «موقوفون» على الحال لأن إذ ظرف زمان فلا تكون خبرا عن الجثث، وجواب «لو» محذوف لعلم السامع. يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ أي يجاوبه واللغة الفصيحة هذه يقال: رجعت زيدا. يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ هذه اللغة الفصيحة ومن العرب من يقول: لولاكم حكاها سيبويه «١» ويكون «لولا» تخفض المضمر وترفع المظهر بعدها بالابتداء وتحذف خبره، ومحمد بن زيد يقول: لا يجوز «لولاكم» لأن المضمر عقب المظهر فلما كان المظهر مرفوعا بإجماع وجب أن يكون المضمر أيضا مرفوعا.
[سورة سبإ (٣٤) : آية ٣٢]
قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (٣٢)
بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ أي أنتم اخترتم الكفر ولم يكن لنا عليكم سبيل إلّا أن دعوناكم فاستجبتم لنا.
[سورة سبإ (٣٤) : آية ٣٣]
وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٣٣)
بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ قال الأخفش: أي هذا مكر الليل والنهار. قال أبو جعفر:
والمعنى والله جلّ وعزّ أعلم، مكركم في اللّيل والنهار أي مشارتكم إيانا ودعاؤكم لنا إلى الكفر الذي حملنا على هذا. قال محمد بن يزيد: أي بل مكركم الليل والنهار كما تقول العرب: نهاره صائم، وليله قائم، وأنشد: [الطويل] ٣٤٦-
لقد لمتنا يا أمّ غيلان في السّرى | ونمت وما ليل المطيّ بنائم «٢» |
(٢) الشاهد لجرير في ديوانه ٩٩٣، وخزانة الأدب ١/ ٤٦٥، ولسان العرب (ريح)، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٨/ ٦٠، والصاحبي في فقه اللغة ٢٢٢، والمحتسب ٢/ ١٨٤، والمقتضب ٣/ ١٠٥.
فنام ليلي وتجلّى همّي «١»
أي نمت فيه، وروى جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير: بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ قال ممرّ اللّيل والنّهار عليهم فغفلوا، وقرأ راشد بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ «٢» بالنصب كما يقال: رأيته مقدم الحاج، وإنما يجوز هذا فيما يعرف، ولو قلت: رأيته مقدم زيد لم يجز إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً قال: ويقال: نديد وأنشد:
[الوافر] ٣٤٨-
أتيما تجعلون إليّ ندّا | وما تيم لذي حسب نديد «٣» |
تجاوزت أحراسا إليها ومعشرا | عليّ حراصا لو يسرّون مقتلي «٤» |
وقيل: الندامة لا تظهر وإنما تكون في القلب وإنما يظهر ما يتولّد عنها.
[سورة سبإ (٣٤) : آية ٣٤]
وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٣٤)
إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها قال سعيد عن قتادة: مترفوها جبابرتها ورؤوسها وقادة الشر.
[سورة سبإ (٣٤) : آية ٣٦]
قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٦)
أحسن ما قيل في هذا قاله الحسن، قال: يخير له والمعنى على قوله وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ أن الله جلّ وعزّ إنما يبسط الرزق لمن يشاء، ويقدر على المحنة ويفعل بهم الذي هو خير لهم.
[سورة سبإ (٣٤) : آية ٣٧]
وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ (٣٧)
(٢) وهذه قراءة ابن جبير وطلحة أيضا، انظر البحر المحيط ٧/ ٢٧١، ومختصر ابن خالويه ١٢٢.
(٣) مرّ الشاهد رقم (٢٣٧).
(٤) الشاهد لامرئ القيس في ديوانه ص ١٣، وجمهرة اللغة ٧٣٦، وخزانة الأدب ١١/ ٢٣٨، وشرح شواهد المغني ٢/ ٦٥١، ولسان العرب (شرر)، ومغني اللبيب ١/ ٢٦٥، وبلا نسبة في رصف المباني ٢٩٢.
نحن بما عندنا وأنت بما عندك | راض والرّأي مختلف «٢» |
إنّي ضمنت بما أتاني ما جنى | وأبي وكان وكنت غير غدور «٣» |
فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وأجاز النحويون أولئك لهم جزاء الضعف «٦» يكون بدلا من جزاء أو على إضمار مبتدأ، وأجازوا «أولئك لهم جزاء الضّعف» بمعنى أولئك لهم أن نجزيهم الضعف، وأجازوا أولئك لهم جزاء الضعف «٧». قال أبو إسحاق:
والمعنى: أولئك لهم الضعف جزاء أي في حال مجازاتهم. وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ «٨» وعن الحسن في الغرفات «٩» إسكان الراء، وعن الأعمش وحمزة في الغرفة «١٠». قال أبو جعفر: «الغرفات» جمع غرفة على جمع التسليم إلّا أن الراء ضمت فرقا بين الاسم والنعت، ومن قال: غرفات حذف الضمة لثقلها، ومن قال:
(٢) مرّ الشاهد رقم (١٨٥).
(٣) الشاهد للفرزدق في الكتاب ١/ ١٢٦، والردّ على النحاة ١٠٠، وشرح أبيات سيبويه ١/ ٢٢٦، ولسان العرب (قعد) وتفسير الطبري ٢٦/ ١٥٨، وبلا نسبة في معاني الفراء ١/ ٤٣٤، وهو غير موجود في ديوان الفرزدق. [.....]
(٤) انظر معاني الفراء ٢/ ٣٦٣.
(٥) انظر معاني الفراء ٢/ ٣٦٣.
(٦) انظر البحر المحيط ٧/ ٢٧٣.
(٧) انظر معاني الفراء ٢/ ٣٦٤.
(٨) انظر البحر المحيط ٧/ ٢٧٣.
(٩) انظر البحر المحيط ٧/ ٢٧٣، ومختصر ابن خالويه ١٢٢، وتيسير الداني ١٤٧.
(١٠) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد ٥٣٠.
[سورة سبإ (٣٤) : آية ٣٩]
قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٣٩)
وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وهذا فيما أنفق في طاعة الله جلّ وعزّ فهو مخلف لا محالة إما في الدنيا وإما في الآخرة. وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ أي رزق العباد.
[سورة سبإ (٣٤) : آية ٤٠]
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (٤٠)
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً على الحال ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ قال سعيد عن قتادة هذا استفهام مثل قوله جلّ وعزّ لعيسى عليه السلام: أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ [المائدة: ١١٦]. قال أبو جعفر: والمعنى أن الملائكة صلوات الله عليهم إذا أكذبتهم كان في ذلك تبكيت لهم.
[سورة سبإ (٣٤) : آية ٤١]
قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (٤١)
قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ أي أنت المتولّي لنا دونهم. بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أي يطيعونهم. أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ بقبولهم منهم وهو مجاز.
[سورة سبإ (٣٤) : آية ٤٦]
قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (٤٦)
قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ قال سفيان عن ليث عن مجاهد: «بواحدة» قال: لا إله إلا الله، وقال غيره: تقديره بخصلة واحدة ثم بينها بقوله جلّ وعزّ: أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى وتكون «أن» في موضع خفض على البدل من واحدة أو في موضع رفع على إضمار مبتدأ، ومذهب أبي إسحاق أنها في موضع نصب بمعنى لأن تقوموا مَثْنى وَفُرادى على الحال وهو لا ينصرف لعلّتين قد ذكرناهما «١»، ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا معطوف على تقوموا.
[سورة سبإ (٣٤) : آية ٤٨]
قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (٤٨)
وقرأ عيسى بن عمر علام الغيوب «٢» على أنه بدل أي: قل إنّ ربّي علّام
(٢) انظر البحر المحيط ٧/ ٢٧٨، وهذه قراءة ابن أبي إسحاق وزيد بن علي وابن أبي عبلة وأبي حيوة وحرب أيضا.
[سورة سبإ (٣٤) : آية ٤٩]
قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ (٤٩)
قُلْ جاءَ الْحَقُّ قال سعيد عن قتادة، قال: القرآن. قال أبو جعفر: والتقدير: جاء صاحب الحقّ أي الكتاب الذي فيه البراهين والحجج الحق. وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ قال سعيد عن قتادة، قال: الباطل إبليس. والتقدير في العربية صاحب الباطل. وقال الضحاك: الباطل الآلهة، وقال: وما يبدئ وما يعيد أي ما يحيى وما يميت وقال قتادة ما يُبْدِئُ وما يُعِيدُ ما يخلق وما يبعث، وقال غيره: «ما يُبْدِئُ الْباطِلُ» أي ما يبتدي بحجة و «ما يُعِيدُ» ما يحكي عن غيره حجة «ما» الأولى في موضع نصب يبدئ، و «ما» الثانية في موضع نصب بيعيد. قال أبو إسحاق: والأجود أن تكون «ما» نافية.
[سورة سبإ (٣٤) : آية ٥٠]
قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (٥٠)
قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي شرط وجوابه، وكذا وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي فإن جعلت «ما» بمعنى الذي كانت الهاء محذوفة، وإن جعلتها مصدرا لم يحتج إلى عائد إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ أي يسمع ممن دعاه قريب الإجابة له.
[سورة سبإ (٣٤) : آية ٥١]
وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٥١)
وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ حذف جواب «لو» قال أبو إسحاق: المعنى: ولو ترى إذ فزعوا لرأيت ما يعتبر به عبرة شديدة أي فلا فوت لهم أي فلا يمكنهم الفوت.
[سورة سبإ (٣٤) : آية ٥٢]
وَقالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٢)
وقرأ أبو عمرو والكسائي والأعمش وحمزة وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ «١» بالهمز وأبو عبيد يستبعد هذه القراءة، لأن «التناؤش» البعد فيكون فكيف يكون وأنّى لهم البعد من مكان بعيد. قال أبو جعفر: والقراءة جائزة حسنة ولها وجهان في كلام العرب ولا يتناول بها هذا المتناول البعيد، فأحد الوجهين أن يكون الأصل غير مهموز ثم همزت الواو لأن الحركة فيها خفية وذلك كثير في كلام العرب، وفي المصحف الذي نقلته
قال: يكون مشتقا من «النئيش» وهو الحركة في إبطاء أي من أين لهم الحركة فيما قد بعد وقد كفروا به من قبل؟
[سورة سبإ (٣٤) : آية ٥٣]
وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٣)
وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ والعرب تقول لكلّ من يتكلّم بما لا يحقه: هو يقذف ويرجم بالغيب. مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ على التمثيل بمن يرجم ولا يصيب برجمه.
ومن قرأ وَيَقْذِفُونَ «١» فمعناه عنده يقذف به إليهم من يغويهم ويضلّهم.
[سورة سبإ (٣٤) : آية ٥٤]
وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (٥٤)
وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ قيل: حيل بينهم وبين النجاة من العذاب، وقيل: حيل بينهم وبين ما يشتهونه في الدنيا من أموالهم وأهليهم. ومذهب قتادة أن المعنى أنهم كانوا يشتهون أن يقبل منهم أن يطيعوا الله جلّ وعزّ وينتهوا إلى ما يأمرهم به فحيل بينهم وبين ذلك، لأن ذلك إنما كان في الدنيا، وقد زالت في ذلك الوقت. والأصل في حيل «حول» فقلبت حركة الواو على الحاء فانقلبت ياء فحذفت حركتها لثقلها. إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ أي في الدنيا والتوحيد مُرِيبٍ أي يستراب به.