تفسير سورة الأحقاف

النهر الماد من البحر المحيط
تفسير سورة سورة الأحقاف من كتاب النهر الماد من البحر المحيط .
لمؤلفه أبو حيان الأندلسي . المتوفي سنة 745 هـ

﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * حـمۤ * تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ ﴾.
هذه السورة مكية قال ابن عباس: إلا قل أرأيتم وفاصبر كما الآيتين فإِنهما مدنيتان. ومناسبة أولها لآخر ما قبلها أن في آخرها ذلكم بأنكم اتخذتم وقلتم أنه عليه السلام اختلقها فقال تعالى: ﴿ حـمۤ * تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ ﴾ وهاتان الصفتان هما آخر تلك وهما أول هذه وأجل مسمى أي موعد لفساد هذه البنية. قال ابن عباس: هو يوم القيامة.﴿ عَمَّآ أُنذِرُواْ ﴾ يحتمل أن يكون ما مصدرية وأن تكون بمعنى الذي.﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا تَدْعُونَ ﴾ معناه أخبروني عن الذين تدعون من دون الله وهي الأصنام.﴿ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ ﴾ إستفهام توبيخ ومفعول أرأيتم الأول هو ما تدعون وماذا خلقوا جملة استفهامية يطلبها أرأيتم لأن مفعولها الثاني يكون استفهاماً ويطلبها أروني على سبيل التعليق فهذا من باب الأعمال أعمل الثاني وحذف مفعول أرأيتم الثاني ومن الأرض تفسير للمهم فيما خلقوا والظاهر أنه يريد من أجزاء الأرض أي خلق ذلك إنما هو الله تعالى. قال ابن عطية: يحتمل أرأيتم وجهين أحدهما أن تكون متعدية وما مفعولة بها ويحتمل أن تكون منبهة لا تتعدى وتكون ما استفهاماً على معنى التوبيخ وتدعون معناه تعبدون " انتهى ". كون أرأيتم لا تتعدى وانها منبهة شىء قاله الأخفش في قوله: قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة والذي يظهر ما قلناه ثم وقفهم على غباوتهم فقال: أم لهم أي بل الهم شرك إئتوني بكتاب من قبل هذا أو إثارة من علم وهو القرآن فإِنه ناطق بالتوحيد فطلب منهم أن يأتوا بكتاب واحد يشهد بصحة ما هم عليه.﴿ أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ ﴾ أي بقية من علم من علوم الأولين. وقال ابن عباس: المراد بالإِثارة الخط في التراب لك شىء كانت العرب تفعله وتتكهن به وتزجر.﴿ وَهُمْ ﴾ أي الأصنام عن دعاء الكفار.﴿ غَافِلُونَ ﴾ أي ليس لهم عقل يفهمون به دعاء الكفار والضمير في افتراه عائد على الحق والمراد به الآيات.﴿ قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ ﴾ على سبيل الفرض فالله حسبي في ذلك.﴿ فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ ٱللَّهِ ﴾ أي من رد عقوبة الله لي شيئاً.﴿ بِمَا تُفِيضُونَ ﴾ أي تندفعون فيه من الباطل ومراده الحق وتسميته تارة سحراً وتارة فرية والضمير في فيه يعود على ما وعلى القرآن.﴿ شَهِيداً ﴾ لي بالتبليغ وشهيداً عليكم بالتكذيب.﴿ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ﴾ عدة لهم بالغفران إن رجعوا عن الكفر.﴿ قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ ﴾ أي جاء قبلي غيري والبدع والبديع في الأشياء ما لم ير مثله والظاهر أن ما استفهامية وأدري معلقة فجملة الاستفهام في موضع المفعول وما مبتدأ ويفعل الخبر " انتهى ". وقال الزمخشري: يجوز أن تكون موصولة منصوبة " انتهى ". الفصيح المشهور ان دري تتعدى بالباء ولذلك حين عدى بهمزة النقل تعدى بالباء نحو قوله ولا أدراكم به فجعل ما استفهامية هو الأولى وكثيراً ما علقت في القرآن نحو وإن أدرى أقريب أم بعيد ما توعدون ويفعل مثبت غير منفي لكنه قد انسحب عليه النفي لاشتماله على ما ويفعل فلذلك قال: ولا بكم ولولا اعتبار النفي لكان التركيب ما يفعل بي وبكم.﴿ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ﴾ إستسلام من علم المغيبات ووقوف مع النذارة من عذاب الله تعالى.﴿ وَشَهِدَ شَاهِدٌ ﴾ هو عبد الله بن سلام قاله الجمهور والآية مدنية وعن عبد الله بن سلام نزلت في آيات من كتاب الله تعالى وعد منها وشهد شاهد. وقال الزمخشري: جواب الشرط محذوف تقديره إن كان هذا القرآن من عند الله. وكفرتم به ألستم ظالمين ويدل على هذا المحذوف قوله: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ ﴾ انتهى جملة الإِستفهام لا تكون جواباً للشرط إلا بالفاء فإِن كانت الاداة الهمزة تقدمت الفاء نحو ان تزرنا أفما نحسن إليك أو غيرها تقدمت الفاء نحو إن تزرنا فهل ترى إلا خيراً فقول الزمخشري ألستم ظالمين بغير فاء. لا يجوز أن يكون جواب الشرط.﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ الآية قال مقاتل: هي مقالة كفار قريش للذين آمنوا أي لأجل الذين آمنوا واللام للتبليغ ثم انتقلوا إلى الغيبة في قولهم ما سبقونا ولو لم ينتقلوا لكان الكلام ما سبقتم إليه والعامل في إذ محذوف أي وإذ لم يهتدوا به ظهر عنادهم وقوله فسيقولون مسبب في ذلك الجواب المحذوف لأن هذا القول ناشىء عن العناد ويمتنع أن يعمل في إذ سيقولون لحيلولة الفاء وقدمه بمرور الأعصار عليه ولما طعنوا في صحة القرآن قيل لهم أنه أنزل الله من قبله التوراة على موسى عليه السلام أئنتم لا تنازعون في ذلك إماماً أي يهتدي به إذ فيه البشارة بمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وإرساله فيلزم اتباعه والإِيمان به وانتصب إماماً على الحال والعامل فيه العامل في ومن قبله أي وكتاب موسى كائن من قبل القرآن في حال كونه إماماً ولما عبر عن الكفار بالذين ظلموا عبر عن المؤمنين بالمحسنين ليقابل بلفظ الإِحسان لفظ الظلم وبشرى في موضع جر معطوف على المصدر المنسبك في قوله: لتنذر.﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ﴾ تقدم الكلام عليه ولما ذكر جزاء بما كانوا يعملون قال: ووصينا الإِنسان إذ كان بر الوالدين ثاني أفضل الأعمال إذ في الصحيح" أي الأعمال أفضل فقال الصلاة على ميقاتها قال: ثم أي قال بر الوالدين "وإذ كان عقوقهما ثاني أكبر الكبائر إذ قال عليه السلام:" ألا أنبئكم الكبائر الإِشراك بالله وعقوق الوالدين "والوارد في برهما كثير. قال ابن عطية: ونصب هذا يعني إحساناً على المصدر الصريح والمفعول الثاني في المجرور والباء متعلقة بوحينا أو بقوله إحساناً " انتهى ". لا يصح أن يتعلق بإِحساناً لأنه مصدر مقدر بحرف مصدري والفعل فلا يتقدم معموله عليه ولأن أحسن لا يتعدى بالباء إنما يتعدى باللام تقول أحسنت لزيد ولا تقول أحسنت بزيد على معنى أن الإِحسان يصل إليه.﴿ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً ﴾ ليس الكره في أول علوقها به بل في ثاني استمرار الحمل حتى تتوقع حوادثه وحمله وفصاله أي ومدة حمله وفصاله وهذا لا يكون إلا بأن يكون أحد الطرفين ناقصاً إما بأن تلد المرأة لستة أشهر وترضع عامين وإما بأن تلد لتسعة أشهر على العرف وترضع عامين غير ربع عام فإِن زادت مدة الحمل نقصت مدة الرضاع وبالعكس فترتب من هذا أن أقل مدة الحمل ستة أشهر وأقل لمدة الرضاع عام وتسعة أشهر وإكمال العامين لمن أراد أن يتم الرضاعة وتقدم الكلام على بلغ أشده وبلغ أربعين سنة.﴿ قَالَ ﴾ أي قال المحسن منهم.﴿ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ ﴾ ولذلك إشارة بقوله: أولئك بصيغة الجمع وقرىء: يتقبل ويتجاوز مبنياً للمفعول ورفع أحسن وقرىء: بالنون فيهما ونصب أحسن.﴿ فِيۤ أَصْحَابِ ٱلْجَنَّةِ ﴾ قيل في بمعنى مع وقيل هو نحو قولك أكرمني الأمير في ناس من أصحابه تريد في جملة من أكرم منهم محله النصب على الحال على معنى كاثنين في أصحاب الجنة وانتصب وعد الله على أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة السابقة والمراد بالذي الجنس ولذلك جاء الخبر مجموعاً في قوله: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ ﴾.
﴿ أُفٍّ ﴾ تقدم الكلام عليه وإن أخرج أي أبعث بعد الموت.﴿ مِن قَبْلِي ﴾ ولم يبعث أحد بعد موته.﴿ وَهُمَا يَسْتَغثِيَانِ ﴾ جملة حالية واستغاث يتعدى بنفسه وبالباء.﴿ وَيْلَكَ ﴾ دعاء عليه بالثبور والمراد به الحث والتحريض على الإِيمان لا حقيقة الهلاك.﴿ آمِنْ ﴾ أمر منهما له الإِيمان.﴿ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ ﴾ هو البعث بعد الموت.﴿ وَلِكُلٍّ ﴾ أي من المحسن والمسيء.﴿ دَرَجَٰتٌ ﴾ لأن الجنة درجات غلب درجات والنار دركات.﴿ وَلِيُوَفِّيَهُمْ ﴾ بعثناهم وقرىء: أذهبتم على الخبر وأأذهبتم بهمزتين على الاستفهام وهو إستفهام توبيخ وإنكار فاليوم هو يوم القيامة.﴿ وَٱذْكُرْ أَخَا عَادٍ ﴾ هو هود عليه السلام والاحقاف قال ابن عباس: واد بين عمان ومهرة.﴿ وَقَدْ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ ﴾ هم الرسل الذين تقدموا أزمانه.﴿ وَمِنْ خَلْفِهِ ﴾ الرسل الذين كانوا في زمانه وقد خلت جملة حالية وأن لا تعبدوا متعلق بالنذر.
﴿ قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا ﴾ إستفهام تقرير وتوبيخ فيما أنذره إياهم من العذاب العظيم على ترك أفراد الله تعالى بالعبادة.﴿ لِتَأْفِكَنَا ﴾ أي لتصرفنا.﴿ عَنْ آلِهَتِنَا ﴾ بالإِفك وهو الكذب.﴿ فَأْتِنَا ﴾ إستعجال منهم لحلول ما وعدهم به من العذاب العظيم والضمير في رأوه الظاهر أنه عائد على ما في قوله بما تعدنا وهو العذاب وانتصب عارضاً على الحال من المفعول. وقال الزمخشري: فلما رأوه في الضمير وجهان ان يرجع إلى ما تعدنا وأن يكون مبهماً وقد وضح أمره بقوله عارضاً إما تمييزاً وإما حالاً وهذا الوجه أعرب وأفصح " انتهى ". هذا الذي ذكر أنه أعرب وأفصح ليس جارياً على ما ذكره النحاة لأن المبهم الذي يفسره ويوضحه التمييز لا يكون إلا في باب رب نحو ربه رجلاً لقيته وفي باب نعم وبئس على مذهب البصريين نحو نعم رجلاً زيد وبئس غلاماً عمرو وأما ان الحال توضح المبهم وتفسره فلا نعلم ان أحداً ذهب إليه وقد حصر النحاة الذي يفسره ما بعد فلم يذكروا فيه مفعول رأى إذا كان ضميراً ولا ان الحال تفسر الضمير وتوضحه والعارض المعترض في الجو من السحاب الممطر وأودية جمع واد وهو جمع شاذ في القياس إذ فاعل الإِسم لا يجمع على أفعلة.﴿ بَلْ هُوَ ﴾ بل حرف إضراب وهو مبتدأ وما خبره وريح بدل من ما.﴿ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ هو عام مخصوص بتدمير ما أمرت به وقرىء: ترى بالتاء مبنياً للمفعول مساكنهم رفع ولما أخبر بهلاك قوم عاد خاطب قريشاً على سبيل الموعظة فقال:﴿ وَلَقَدْ مَكَّنَاهُمْ ﴾ وان نافية أي في الذي ما مكناكم فيه من القوة والغنى والبسط في الأجسام والأموال ولم يكن النفي بلفظ ما كراهة لتكرير اللفظ وإن اختلف المعنى.﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلْقُرَىٰ ﴾ خطاب لقريش على جهة التمثيل لهم والذي حولهم من القرى ما رب وحجر ثمود وسدوم.﴿ وَصَرَّفْنَا ٱلآيَاتِ ﴾ أي الحجج والدلائل.﴿ فَلَوْلاَ نَصَرَهُمُ ﴾ أي فهلا نصرهم حين جاءهم الهلاك.﴿ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ ﴾ أي اتخذوهم من دون الله قرباناً أي في حال التقرب وجعلهم شفعاء.﴿ آلِهَةَ ﴾ وهو المفعول الثاني لاتخذوا والأول الضمير المحذوف العائد على الموصول. وقال الزمخشري: وقرباناً حال ولا يصح أن يكون قرباناً مفعولاً ثانياً وآلهة بدل لفساد المعنى " انتهى ". لم يبين الزمخشري كيف يفسر المعنى ويظهر أن المعنى صحيح على ذلك الإِعراب.﴿ وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ ٱلْجِنِّ ﴾ قضية الجن كانت مرتين: الأولى يأتي ذكرها. والثانية:" ان الله تعالى أمره عليه السلام أن ينذر الجن ويقرأ عليهم القرآن فقال: إني أمرت أن أقرأ على الجن فمن يتبعني قالها ثلاثاً فأطرقوا إلا عبد الله بن مسعود قال: لم يحضره أحد ليلة الجن غيري فانطلقنا حتى إذا كنا في شعب الحجون خط لي خطاً وقال لا تخرج منه حتى أعود إليك ثم افتتح القرآن وسمعت لغطاً شديداً حتى خفت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وغشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه حتى ما أسمع صوته ثم انقطعوا كقطع السحاب فقال لي هل رأيت شيئاً قلت: نعم رجالاً سوداً مستثفري ثياب بيض فقال: أولئك من نصيبين وكانوا اثني عشر ألفاً والسورة التي قرأها عليهم: ﴿ ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ﴾ [العلق: ١] وفي آخر هذا الحديث قلت: يا رسول الله سمعت لهم لغطاً فقال: إنهم تدارؤا في قتيل لهم فحكمت بالحق ".﴿ فَلَمَّا حَضَرُوهُ ﴾ أي القرآن.﴿ قَالُوۤاْ أَنصِتُواْ ﴾ أي اسكتوا للإِستماع وفيه تأدب مع العلم وكيف يتعلم.﴿ فَلَمَّا قُضِيَ ﴾ أي القرآن.﴿ وَلَّوْاْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ ﴾ تفرقوا على البلاد ينذرون الجن قال قتادة: ما أسرع ما عقل القوم وعند ذلك وقعت قصة سواد بن فارب وخنافر وأمثالهما حين جاءهما ربياهما من الجن وكان سبب إسلامهما.﴿ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ ﴾ أي بعد كتاب موسى قال عطاء: كانوا على ملة اليهود.﴿ أَجِيبُواْ دَاعِيَ ٱللَّهِ ﴾ هو الرسول صلى الله عليه وسلم وآمنوا به يعود على الله.﴿ يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ ﴾ من للتبعيض.﴿ وَيُجِرْكُمْ مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ وهذا كله وظواهر القرآن يدل على أن الجن مكلفون ولم ينص هنا على ثوابهم إذ أطاعوا وعمومات القرآن تدل على الثواب وكذا قال ابن عباس: لهم ثواب وعليهم عقاب يلتقون في الجنة ويزدحمون على أبوابها.﴿ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ ﴾ أي بفائت من عقابه إذ لا منجا ولا مهرب منه. قال الزمخشري: ويجوز أن يراد عرض النار عليهم من قولهم: عرضت الناقة على الحوض يريدون عرض الحوض عليها فقلبوا ويدل عليه تفسير ابن عباس يجاء بهم إليها فيكشف لهم عنها " انتهى ". لا ينبغي حمل القرآن على القلب إذ الصحيح في القلب أنه مما يضطر إليه في الشعر وإذا كان المعنى صحيحاً واضحاً مع عدم القلب فأي ضرورة تدعو إليه وليس في قولهم عرضت الناقة على الحوض ولا في تفسير ابن عباس ما يدل على القلب لأن عرض الناقة على الحوض وعرض الحوض على الناقة كل منهما كل منهما صحيح أو العرض أمر نسبي يصح إسناده لكل واحد من الحوض والناقة.﴿ أَلَيْسَ هَـٰذَا بِٱلْحَقِّ ﴾ أي يقال لهم والإِشارة بهذا إلى العذاب.﴿ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَا ﴾ تصديق حيث لا ينفع فيقول لهم المجاوب من الملائكة عند ذلك فذوقوا العذاب.﴿ فَٱصْبِرْ ﴾ الفاء عاطفة هذه الجملة على الجملة من إخبار الكفار في الآخرة والمعنى بينهما مرتبط أي هذه حالهم مع الله تعالى فلا تستعجل أنت واصبر ولا تخف إلا الله تعالى وأولوا العزم أي الجد من الرسل.﴿ وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ ﴾ أي لكفار قريش بالعذاب أي لا تدع بتعجيله لهم فإِنه نازل بهم لا محالة وإن تأخر وإنهم مستقصرون حينئذٍ مدة لبثهم في الدنيا كأنهم لم يلبثوا فيها إلا ساعة من نهار بلاغ يعني به القرآن والشرع أي هذا بلاغ أي تبليغ وإنذار وبلاغ مبتدأ خبره لهم.﴿ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْفَاسِقُونَ ﴾ في هذه الآية وعيد وإنذار.
Icon