تفسير سورة الأحقاف

تفسير ابن أبي زمنين
تفسير سورة سورة الأحقاف من كتاب تفسير القرآن العزيز المعروف بـتفسير ابن أبي زمنين .
لمؤلفه ابن أبي زَمَنِين . المتوفي سنة 399 هـ
وهي مكية كلها.

﴿تَنْزِيل الْكتاب﴾ الْقُرْآن ﴿مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ الْعَزِيز فِي نقمته، الْحَكِيم فِي أمره
﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دون الله﴾ يَعْنِي: أوثانهم ﴿أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا من الأَرْض﴾ أَي: لم يخلقوا مِنْهَا شَيْئا ﴿أم لَهُم شرك فِي السَّمَاوَات﴾ هَل خلقُوا مِنْهَا شَيْئا؟ أيْ: لم يخلقوا ﴿ائْتُونِي﴾ يَقُول للنَّبِي: قل لَهُم: ﴿ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قبل هَذَا﴾ فِيهِ أَن هَذِه الْأَوْثَان خلقت من الأَرْض شَيْئا أم من السَّمَاوَات ﴿أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ﴾ بِهَذَا ﴿إِن كُنْتُم صَادِقين﴾ أَي: لَيْسَ عنْدكُمْ بِهَذَا كتاب (وَلَا أَثَرة من علم) فِي مقرأ الْحسن، وَهِي تقْرَأ (أَثْرَة) و (أَثَارة) فَمن قَرَأَ ﴿أَثَارَةٍ﴾ يَعْنِي: رِوَايَة، وَمن قَرَأَ ﴿أَثَرَة﴾ يَعْنِي: خَاصَّة.
قَوْله: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لاَ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ
221
الْقِيَامَةِ} يَعْنِي: أوثانهم ﴿وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ﴾ يَعْنِي: الْأَوْثَان عَن دُعَاء من عَبدهَا غافلون.
قَالَ محمدٌ: قَالَ (من) وَهُو لغير مَا يعقل؛ لِأَن الَّذين عبدوها أجروها مجْرى مَا يُمَيّز، فَخُوطِبُوا على مخاطبتهم؛ كَمَا قَالُوا: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى الله زلفى﴾.
تَفْسِير سُورَة الْأَحْقَاف من الْآيَة ٦ إِلَى آيَة ١٠.
222
﴿وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء﴾ الْآيَة، قَالَ الْحسن: إِن اللَّه يَجْمَعُ يَوْم الْقِيَامَة بَين كل عابدٍ ومعبود، فيوقفون بَين يَدَيْهِ، ويحشرها اللَّه بِأَعْيَانِهَا، فينطقها فتخاصم من كَانَ يَعْبُدهَا.
﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ﴾ مُحَمَّد قَالَ الله: ﴿قُلْ﴾ لَهُم يَا مُحَمَّد: (إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلاَ
222
تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} أَي: سَوف يُعَذِّبنِي وَلَا تَسْتَطِيعُونَ أَن تَمْنَعُونِي من عَذَابه ﴿هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ﴾ من الشِّرك أَي: تتكلمون بِهِ ﴿كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾ أَي: جِئْت بِالْقُرْآنِ من عِنْده وَإِنِّي لم أفتره ﴿وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ لمن آمن.
223
﴿قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ﴾ أَي: مَا كنت أَوَّلهمْ؛ قد كَانَت الرُّسُل قبلي ﴿وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ﴾ تَفْسِير الْكَلْبِيّ: إِن النَّبِي قَالَ: " لقد رَأَيْت فِي مَنَامِي أَرضًا أَخْرجُ إِلَيْهَا من مَكَّة. فَلَمَّا اشْتَدَّ البلاءُ على أَصْحَابه بِمَكَّة قَالُوا: يَا نَبِي اللَّه، حَتَّى مَتى نلقى هَذَا الْبلَاء، وَمَتى نخرج إِلَى الأَرْض حَتَّى أُرِيتَ؟! فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ، أنموت بِمَكَّة أم نخرجُ مِنْهَا؟ ".
﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَ مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾
﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ﴾ يَعْنِي: الْقُرْآن ﴿وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ﴾ على مثل الْقُرْآن؛ يَعْنِي: التَّوْرَاة. قَالَ الْحسن: يَعْنِي بِالشَّاهِدِ: عبد اللَّه بن سَلام ﴿فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ الْمُشْركين؛ يَعْنِي: الَّذين يلقون اللَّه بشركهم.
تَفْسِير سُورَة الْأَحْقَاف من الْآيَة ١١ إِلَى آيَة ١٤.
﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ﴾ [
223
٣٢٤ - )
].
224
﴿وَمن قبله﴾ مِنْ قَبْلِ الْقُرْآنِ ﴿كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا﴾ يَعْنِي: التَّوْرَاة؛ يَهْتَدُونَ بِهِ ﴿وَرَحْمَةً﴾ لمن آمن بِهِ ﴿وَهَذَا كِتَابٌ﴾ يَعْنِي: الْقُرْآن ﴿مُصدق﴾ للتوراة وَالْإِنْجِيل ﴿لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ أشركوا ﴿وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ﴾ الْمُؤمنِينَ بِالْجنَّةِ.
قَالَ محمدٌ: ﴿إِمَامًا﴾، مَنْصُوب على الْحَال، ﴿وَرَحْمَة﴾ عطف عَلَيْهِ، و ﴿لِسَانًا عَرَبِيًّا﴾ منصوبٌ أَيْضا على الْحَال، الْمَعْنى: مصدقٌ لما بَين يَدَيْهِ عربيًّا وَذكر (لِسَانا) توكيدا.
قَوْله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا الله ثمَّ استقاموا﴾ على ذَلِك ﴿فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ الْآيَةُ.
يَحْيَى: عَنْ يُونُسَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ [عَامِرِ] بْنِ سَعْدٍ الْبَجَلِيِّ قَالَ: " قَرَأَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ هَذِهِ الآيَةَ، فَقَالُوا: وَمَا الاسْتِقَامَةُ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ؟ قَالَ: لَمْ يشركوا ".
224
تَفْسِير سُورَة الْأَحْقَاف من الْآيَة ١٥ إِلَى آيَة ١٦.
225
﴿وَوَصينَا الْإِنْسَان بِوَالِديهِ حسنا﴾ يَعْنِي: برًّا ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعته كرها﴾ حَملته بِمَشَقَّة، وَوَضَعته بِمَشَقَّة ﴿وَحَمْلُهُ﴾ فِي الْبَطن ﴿وفصاله﴾ فطامه ﴿ثَلَاثُونَ شهرا﴾.
قَالَ مُحَمَّد: ﴿حسنا﴾ نصبٌ على الْمصدر، الْمَعْنى: أمرناه بِأَن يحسن
225
إِلَيْهِمَا إحسانا. و ﴿كرها﴾ منصوبٌ بِمَعْنى: حَملته أمه على مشقة، وَوَضَعته على مشقة.
﴿حَتَّى إِذا بلغ أشده﴾ يَعْنِي: احْتَلَمَ، وَبَعْضهمْ يَقُول: عشْرين سنة.
قَالَ محمدٌ: وَجَاء فِي الأشد هَا هُنَا أَنه بضع وَثَلَاثُونَ سنة، وَهُوَ الْأَكْثَر.
قَوْله: ﴿وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سنة﴾ أَي: فِي سِنِّهِ ﴿قَالَ رَبِّ أوزعني﴾ يَعْنِي: ألهمني ﴿أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ﴾ الْآيَة.
226
﴿أُولَئِكَ الَّذين يُتقبل عَنْهُم﴾ أَي: يتَقَبَّل اللَّه مِنْهُم ﴿أَحْسَنَ مَا عمِلُوا﴾.
﴿فِي أَصْحَاب الْجنَّة﴾ مَعَ أَصْحَاب الْجنَّة ﴿وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يوعدون﴾ فِي الدُّنْيَا.
قَالَ محمدٌ: ﴿وَعْدَ الصدْق﴾ منصوبٌ مصدر مُؤَكد لما قبله.
﴿وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أتعدانني أَن أخرج﴾ أَن أبْعث ﴿وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ من قبلي﴾ فَلم يبعثوا.
قَالَ محمدٌ: (أُفٍّ) كلمة تبرم، وَقد مضى تَفْسِيرهَا واشتقاقها بِأَكْثَرَ من هَذَا فِي سُورَة سُبْحَانَ وَسورَة الْأَنْبِيَاء.
قَالَ: ﴿وَهُمَا يستغيثان الله وَيلك آمن﴾ أَي: يَقُولَانِ لَهُ ذَلِك ﴿إِنَّ وعد الله حق﴾ الْقِيَامَة ﴿فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ﴾ كَذِبِ الأَوَّلِينَ وَبَاطِلِهِمْ، نزلت فِي عبد الرَّحْمَن بْن أبي بكر قبل أَن يسلم، وَفِي أَبَوَيْهِ: أبي بكر الصّديق وَامْرَأَته: أم رُومَان.
قَالَ اللَّه: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِم القَوْل﴾ وَجب عَلَيْهِم الْغَضَب ﴿فِي أُمَمٍ﴾ أَيْ: مَعَ أُمَمٍ ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ﴾ صَارُوا إِلَى النَّار.
﴿وَلكُل دَرَجَات مِمَّا عمِلُوا﴾ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُشْرِكُونَ؛ للْمُؤْمِنين دَرَجَات فِي الْجنَّة على قدر أَعْمَالهم، وللمشركين درجاتٌ فِي النَّار على قدر أَعْمَالهم.
﴿وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّار﴾ وعرضهم فِي تَفْسِير الْحسن: دُخُولهمْ ﴿أَذهَبْتُم﴾ وتقرأ أَيْضا بالاستفهام بِمد: (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتكُمْ فِي حَيَاتكُم الدُّنْيَا) فَمن قَرَأَهَا بِغَيْر مد يَقُول: قد فَعلْتُمْ، وَمن قَرَأَهَا بِمد فَهِيَ على الِاسْتِفْهَام (....) أَي: قد فَعلْتُمْ، الْمَعْنى: أَنكُمْ أَذهَبْتُم ﴿طَيِّبَاتِكُمْ﴾
227
فِي الْجنَّة بشرككم ﴿وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا﴾ يَعْنِي: بالدنيا ﴿وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ﴾ يَعْنِي: فسق الشّرك.
قَالَ محمدٌ: قِرَاءَة نَافِع ﴿أَذهَبْتُم﴾ بِلَا مد على الْخَبَر، وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ يحيى.
تَفْسِير سُورَة الْأَحْقَاف من الْآيَة ٢١ إِلَى آيَة ٢٦.
228
﴿وَاذْكُر أَخا عَاد﴾ يَعْنِي: هودًا؛ أخوهم فِي النّسَب، وَلَيْسَ بأخيهم فِي الدّين ﴿إِذْ أنذر قومه بالأحقاف﴾ وَكَانَت مَنَازِلهمْ.
قَالَ محمدٌ: الأحقافُ فِي اللُّغَة وَاحِدهَا: حِقْفٌ، وَهُوَ من الرمل مَا أشرف من كثبانه واستطال، وَقد قيل: إِن الْأَحْقَاف هَا هُنَا: جبلٌ بِالشَّام.
﴿وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ﴾ وَهُوَ بَدْء كَلَام مُسْتَقْبل، يخبر اللَّه أَن النّذر قد مَضَت من بَين يَدي هود؛ أَي: من قبله ﴿وَمن خَلفه﴾ أَي:
228
وَمن بعده يدعونَ إِلَى مَا دَعَا إِلَيْهِ هود [﴿أَلَّا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ﴾] ﴿إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَاب يَوْم عَظِيم﴾ رَجَعَ إِلَى قصتهم (ل ٣٢٥) أَي: قد فعلت
229
﴿ واذكر أخا عاد ﴾ يعني : هودا ؛ أخوهم في النسب، وليس بأخيهم في الدين ﴿ إذ أنذر قومه بالأحقاف ﴾ وكانت منازلهم. قال محمد : الأحقاف في اللغة واحدها : حقف، وهو من الرمل ما أشرف من كثبانه واستطال، وقد قيل : إن الأحقاف ها هنا : جبل بالشام.
﴿ وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ﴾ وهو بدء كلام مستقبل، يخبر الله أن النذر قد مضت من بين يدي هود ؛ أي : من قبله ﴿ ومن خلفه ﴾ أي : ومن بعده يدعون إلى ما دعا إليه هود ﴿ ألا تعبدوا إلا الله ﴾ ﴿ إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم( ٢١ ) ﴾ رجع إلى قصتهم ؛ أي : قد فعلت.
﴿فأتنا بِمَا تعدنا﴾ كَانَ يعدهم [بِالْعَذَابِ] إِن لم يُؤمنُوا.
﴿قَالَ﴾ لَهُم: ﴿إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ علم مَتى يأتيكم الْعَذَاب.
﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ﴾ رَأَوْا الْعَذَاب ﴿عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارض مُمْطِرنَا﴾ حسبوه سحابًا، وَكَانَ قد أَبْطَأَ عَنْهُم الْمَطَر، قَالَ اللَّه: ﴿بَلْ هُوَ مَا استعجلتم بِهِ﴾ لما كَانُوا يستعجلون بِهِ هودًا من الْعَذَاب استهزاءً وتكذيبًا ﴿رِيحٌ فِيهَا عَذَاب أَلِيم﴾ موجع.
قَوْله تَعَالَى: ﴿تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا﴾ أَي: تدمر كل شيءٍ أُمِرتْ بِهِ، وَهِي ريحُ الدَّبُور ﴿فَأَصْبَحُوا لاَ تُرَى إِلاَ مَسَاكِنُهُمْ﴾ يَقُوله للنَّبِي، أَي: لَا تُبْصر إِلَّا مساكنَهم
﴿وَلَقَد مكناهم فِيمَا إِن مكناهم فِيهِ﴾ أَي: فِيمَا لم نمكنكم فِيهِ كَقَوْلِه: ﴿كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأكْثر أَمْوَالًا وأولادا﴾
﴿وحاق بهم﴾ نزل بهم ﴿مَا كَانُوا بِهِ يستهزئون﴾ نزل بهم عُقُوبَة استهزائهم، يَعْنِي: مَا عذبهم بِهِ.
تَفْسِير سُورَة الْأَحْقَاف من الْآيَة ٢٧ إِلَى آيَة ٢٨.
﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقرى﴾ يَقُوله لأهل مَكَّة وَهِي أم الْقرى، مِنْهَا دُحِيت الأرضُ، وَمَا حولهَا الْبِلَاد كلهَا أخبر اللَّه بِهَلَاك من أَهْلَكَ ﴿وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ لَعَلَّهُم يرجعُونَ﴾ لَعَلَّ مَنْ بَعْدَهُمْ أَنْ يَرْجِعَوا إِلَى الْإِيمَان؛ يُحَذرهُمْ.
﴿فلولا﴾ فَهَلا ﴿نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دون الله قربانا آلِهَة﴾ يَعْنِي: آلهتَهم الَّتِي عبدوها، زَعَمُوا أَنَّهَا تقربهم إِلَى اللَّه زلفى، يَقُول: فَهَلا نصروهم إِذْ جَاءَهُم الْعَذَاب.
قَالَ محمدٌ: الْمَعْنى: اتخذوهم آلِهَة يَتَقَرَّبُون بهم إِلَى اللَّه، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ يَحْيَى.
تَفْسِيرُ سُورَة الْأَحْقَاف من الْآيَة ٢٩ إِلَى آيَة ٣٢.
﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنّ﴾ أَي: وجهنا ﴿يَسْتَمِعُون الْقُرْآن فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصتُوا﴾ يَقُوله بعضُهم لبَعض ﴿فَلَمَّا قُضِيَ﴾ لما قَرَأَهُ النَّبِي عَلَيْهِم ﴿ولوا﴾ رجعُوا ﴿إِلَى قَومهمْ منذرين﴾ وهم جن نَصِيبين
﴿قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كتابا﴾ يعنون: الْقُرْآن ﴿أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى﴾ كَانُوا على الْيَهُودِيَّة
230
﴿مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ مِنَ الْكتاب.
231
﴿وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ﴾ يَعْنِي: النَّبِي؛ أَي: لَا يُؤمن ﴿فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْض﴾ فَلَيْسَ بِالَّذِي يسْبق اللَّه حَتَّى لَا يبْعَث.
يَحْيَى: عَنِ الصَّلْتِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أبي فضَالة، عَن عَوْف بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: " خَرَجْنَا حَاجِّينَ - أَوْ مُعْتَمِرِينَ - حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالطَّرِيقِ هَاجَتْ رِيحٌ، فَارْتَفَعَتْ عَجَاجَةٌ مِنَ الأَرْضِ، حَتَّى إِذَا كَانَتْ عَلَى رُءُوسِنَا تَكَشَّفَتْ عَنْ جَانٍّ بَيْضَاءَ - يَعْنِي: حَيَّةً - فَنَزَلْنَا، وَتَخَلَّفَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ فَأَبْصَرَهَا، فَصَبَّ عَلَيْهَا مِنْ مِطْهَرَتِهِ، وَأَخْرَجَ خِرْقَةً مِنْ عَيْبَتِهِ فَكَفَّنَهَا فِيهَا، ثُمَّ دَفَنَهَا ثُمَّ اتَّبَعَنَا، فَإِذَا بِنِسْوَةٍ قَدْ جِئْنَ عِنْدَ الْعِشَاءِ فَسَلَّمْنَ، فَقُلْنَ: أَيُّكُمْ دَفَنَ عَمْرَو بْنَ جَابِرٍ؟ قُلْنَا: وَاللَّهِ مَا نَعْرِفُ عَمْرَو بْنَ جَابِرٍ! فَقَالَ صَفْوَانُ: أَبْصَرْتُ جَانًّا بَيْضَاءَ فَدَفَنْتُهَا. قُلْتُ: فَإِنَّ ذَلِكَ عَمْرُو بْنُ جَابِرٍ بَقِيَّةُ مَنِ اسْتمع إِلَى رَسُول الله قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ مِنَ الْجِنِّ، الْتَقَى زَحْفَانِ مِنَ الْجِنِّ: زَحْفٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَزَحْفٌ مِنَ الْكُفَّارِ، فَاسْتُشْهِدَ رَحمَه الله ".
231
تَفْسِير سُورَة الْأَحْقَاف من الْآيَة ٣٣ إِلَى آيَة ٣٥.
232
قَوْله: ﴿أولم يرَوا﴾ يَعْنِي: الْمُشْركين ﴿أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَلم يعي بخلقهن﴾ كَقَوْلِه: ﴿وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ﴾ ﴿بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾.
قَالَ محمدٌ: دخلت الْبَاء فِي خبر (أَن) بِدُخُول (أَو لمْ) فِي أول الْكَلَام، الْمَعْنى: أَلَيْسَ اللَّه بِقَادِر على أَن يحيى الْمَوْتَى.
﴿وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّار أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ﴾ يُقَال لَهُم وهم فِي
232
النَّار: أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ الَّذِي كُنْتُم توعدون فِي الدُّنْيَا؟
233
﴿فاصبر كَمَا صَبر أولُوا الْعَزْم من الرُّسُل﴾ تَفْسِير الْكَلْبِيّ يَعْنِي: من أَمر بِالْقِتَالِ من الرُّسُل ﴿وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُم﴾ يَعْنِي: الْمُشْركين بِالْعَذَابِ.
﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يرَوْنَ مَا يوعدون﴾ يَعْنِي: الْعَذَاب ﴿لَمْ يَلْبَثُوا إِلا سَاعَة من نَهَار بَلَاغ﴾ [
(ل ٣٢٦)
] ﴿فَهَل يهْلك﴾ بعد الْبَلَاغ ﴿إِلا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ﴾ الْمُشْركُونَ.
233
تَفْسِير سُورَة مُحَمَّد صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسلم
وَهِي مَدَنِيَّة كلهَا
تَفْسِير سُورَة مُحَمَّد من الْآيَة ١ إِلَى آيَة ٣.
234
Icon