تفسير سورة الكوثر

كشف التنزيل في تحقيق المباحث والتأويل
تفسير سورة سورة الكوثر من كتاب كشف التنزيل في تحقيق المباحث والتأويل .
لمؤلفه أبو بكر الحداد اليمني . المتوفي سنة 800 هـ

الخطابُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، والكوثَرُ في اللغة: الخيرُ الكثير، وهو فَوْعَلُ من الكَثرَةِ كنَوْفَلٍ من النَّفلِ. واختلفوا في الكوثرِ في هذه السُّورة، قال ابنُ مسعودٍ: ((أُريدَ بهِ الْقُرْآنَ))، وقال الحسنُ: ((النُّبُوَّةُ وَرفَعَةُ الذِّكْرِ وَالنَّصْرُ عَلَى الأَعْدَاءِ)). وعن أنسٍ وأبي سعيدٍ الخدري أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قالَ:" رَأيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بي نَهْراً فِي الْجَنَّةِ، حَافَّتَاهُ اللُّؤْلُؤُ - وَقِيْلَ: مِنَ الزُّبُرْجَدِ، وَقِيْلَ: مِنَ الذهَب - وَمَجْرَاهُ عَلَى الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ، وَطِينُهُ أطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ الأَذْفَرِ، وَمَاؤُهُ أشَدُّ بَيَاضاً مِنَ اللَّبَنِ، وَأحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لاَ يَظْمَأُ بَعْدَهَا أبَداً ". وعن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّها قالت: ((الْكَوْثَرُ نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ، مَنْ أدْخَلَ إصْبعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ سَمِعَ خَرِيرَ ذلِكَ النَّهْرِ)). والكوثرُ يصبُّ في حوضِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وصفةُ الحوضِ: حصاؤُه الياقوتُ الأحمر، والزبرجدُ الأخضرُ، والدرُّ والمرجان، وَحَمْأَتُهُ المسكُ الأذفر، وترابه الكافورُ، ماؤهُ أشدُّ بَياضاً من اللبنِ وأحلى من العسلِ، وأبردُ من الثلجِ، يخرجُ من أصلِ سِدرَةِ المنتهى، عرضهُ وطوله ما بين المشرقِ والمغرب، وحولهُ من الآنيةِ والأباريق عددَ نجومِ السَّماء، لا يشربُ منه أحدٌ فيظمأُ بعدَهُ أبداً.
أي فاشكُرِ اللهَ على هذه النعمةِ العظيمة بالصَّلاة والنحرِ، قال ابنُ عبَّاس: ((إنَّهُ أرَادَ بذلِكَ صَلاَةَ الْعِيْدِ، ثُمَّ نَحْرَ الْبُدْنِ يَوْمَ الأَضْحَى)). وَقِيْلَ: أرادَ بذلك صلاةَ الفجرِ في يوم النحرِ. وَقِيْلَ: أرادَ بذلك جميعَ الصَّلوات المكتوبةِ.
أي مُبغِضُكَ هو الأبترُ الذي لا عَقِبَ له ولا خيرَ له في الدُّنيا والآخرة، ونزلَ ذلك في العاصِ بن وائل السَّهمي، كان يكلِّمُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم على باب المسجد الحرام بعد موتِ عبدِالله بن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. فلما انطلقَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم قيل للعاصِ: مَن هذا الذي كُنتَ معه قَائماً تُكلِّمهُ؟ قال: هذا الأبترُ محمد. يريدُ أنه ليس له ابنٌ يخلفُه ويقوم مقامَهُ، فأنزلَ اللهُ هذه السُّورة إكراماً للنبيِّ صلى الله عليه وسلم وجواباً للخبيثِ، يقول: سَنُمِيتُهُ عن أهلهِ وماله فلا يُذكَرُ بخيرٍ أبداً، وأما أنتَ يا مُحَمَّدُ فقد جَعَلْتُ ذِكرَك مع ذكرِي فلا ينقطعُ ذِكرُكَ أبداً، والشَّانِئُ من الشَّنَئَانِ وهو البُغْضُ.
Icon