ﰡ
﴿ وَإِذَا ٱلْبِحَارُ فُجِّرَتْ ﴾؛ أي فُتِحَ بعضُها في بعضٍ، ورُفِعَ الحاجزُ بين العَذْبِ والملحِ.
﴿ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ ﴾؛ من عملٍ.
﴿ وَأَخَّرَتْ ﴾؛ أي عندَ ذلك تعلمُ النَّفس ما قدَّمت وأخَّرت، هذا جوابُ الشَّرطِ، ويقالُ: ما قدَّمت من الطاعةِ والمعصية، وما أخَّرت من الحسَنة والسِّيئة. ويقالُ: ما قدَّمت وأسلَفت من الخطايَا، وسوَّفَت من التوبةِ. وَقِيْلَ: ما قدَّمت " مِن " الصدقات وأخَّرت مِن التَّرِكات.
﴿ ٱلَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ ﴾؛ خلقَكَ في بطنِ أُمِّك باليدينِ والرِّجلَين وسائرِ الأعضاء لم يخلُقها متفاوتةً، ولو كان خلقُ إحدى رجلَيك أطولَ من الأُخرى لم تكمُلْ منفعتُكَ. وعن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم:" أنَّهُ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ فَقَالَ: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلْكَرِيمِ ﴾؟ فَقَالَ: " جَهْلُهُ يَا رَبّ "وقال قتادةُ: ((غَرَّ الإنْسَانَ عَدُّوُّهُ الْمُسَلَّطُ عَلَيْهِ)). قيل للفُضَيلِ بن عِيَاضٍ: لَوْ أقَامَكَ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ: ﴿ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلْكَرِيمِ ﴾ مَا كُنْتَ تَقُولُ؟ فَقَالَ: ((أقُولُ: غُرَّنِي سُتُورُكَ الْمُرْخَاةُ)). وقال مقاتلُ: ((غَرَّهُ عَفْوُ اللهِ حِينَ لَمْ يُعَجِّلْ عَلَيْهِ بالْعُقُوبَةِ)). وقال السديُّ: ((غَرَّهُ رفْقُ اللهِ بهِ))، وقال يحيَى بنُ معاذٍ: ((لَوْ أقَامَنِي بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ: مَا غَرَّكَ بي؟ لَقُلْتُ: غَرَّنِي بكَ رفْقُكَ بي سَالِفًا وَآنفاً)). قال أهلُ الإشارة: إنَّما قالَ ﴿ بِرَبِّكَ ٱلْكَرِيمِ ﴾ دون سائرِ صِفاته، كأنَّهُ لَقَّنَهُ الإجابةَ حتَّى يقولَ: غَرَّنِي كَرَمُ الْكَرِيمِ. وعن ابنِ مسعودٍ قال: ((مَا مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ إلاَّ سَيُقَالُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: ﴿ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلْكَرِيمِ ﴾؟ يَا ابْنَ آدَمَ مَاذا عَمِلْتَ؟ فِيمَا عَلِمْتَ؟ مَاذا أجَبْتَ الْمُرْسَلِينَ؟)). وقال أبو بكرٍ الورَّاق: ((لَوْ قَالَ لِي: ﴿ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلْكَرِيمِ ﴾؟ لَقُلْتُ: غَرَّنِي كَرَمُ الْكَرِيمِ)). قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَعَدَلَكَ ﴾؛ قرأ أهلُ الكوفة بتخفيفِ الدال؛ أي صرَفَك إلى أيِّ صُورَةٍ شاءَ من الْحُسنِ والقُبحِ والطولِ والقِصَرِ، وقرأ الباقون بالتشديدِ؛ أي قوَّمَ خَلْقَكَ، معتدلُ الخلق معتدلُ القامةِ في أحسنِ صُورةٍ، كما في قولهِ تعالى﴿ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾[التين: ٤].
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فِيۤ أَىِّ صُورَةٍ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ ﴾ أي في شَبَهِ أبٍ أو أُمٍّ أو خالٍ أو عمٍّ.
﴿ وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَآئِبِينَ ﴾؛ إلى أن يقضيَ اللهُ بإخراجِ مَن كان فيها من أهلِ التوحيد، وأمَّا الكفارُ فلا يغِيبُون عنها أبَداً.
﴿ ثُمَّ مَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلدِّينِ ﴾؛ ثم أعلَمَك ما فيهِ من النَّعيم للأبرار.
﴿ وَٱلأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ﴾؛ دون غيرهِ.