ﰡ
أمارات القيامة ومصير الناس فيها
سورة الانفطار المكية بالاتفاق كسورتي التكوير والانشقاق تتضمن الكلام على أمارات البعث والتذكير بيوم القيامة، وما فيه من أهوال وتبدلات، وبيان مصير الإنسان: إما إلى الجنة وإما إلى النار، لكن كل سورة تتميز بوصف مظاهر معينة للقيامة، وقد تلتقي السور الثلاث في بيان بعض مصير الظواهر الكونية. وكل سورة من هذه السور تلوم مخالفة الإنسان لربه، مع إنعامه عليه، وتحمله على الاستقامة، لأن كل شيء مدوّن عليه من الملكين الملازمين له، وذلك قبل أن يتقرر مصيره النهائي في القيامة بتسلم كتابه بيمينه أو شماله. وهذه آي الانفطار، أي انشقاق السماء على غير نظام مقصود:
[سورة الانفطار (٨٢) : الآيات ١ الى ١٩]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ (١) وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ (٢) وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ (٣) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (٤)عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (٥) يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (٦) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (٧) فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ (٨) كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (٩)
وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (١٠) كِراماً كاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ (١٢) إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (١٤)
يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ (١٥) وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ (١٦) وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٧) ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٨) يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (١٩)
«١» «٢» «٣» «٤» «٥» «٦» «٧» «٨» «٩»
(٢) تساقطت.
(٣) شققت جوانبها فصارت بحرا واحدا. [.....]
(٤) قلب ترابها الموضوع على موتاها.
(٥) ما خدعك وحملك على معصية الله؟
(٦) خلقك كامل الأعضاء جميلا.
(٧) صيرك معتدلا متناسب الخلق.
(٨) الجزاء والحساب.
(٩) الذين يعلمون البر ويلتزمونه.
هذه أوصاف يوم القيامة يذكرنا الله بها، وبما يقدمه الإنسان فيها من خير أو شر، ويجازى عليه. إذا انشقت السماء وتصدعت، وتساقطت الكواكب وتناثرت بعدها، وشققت جوانب البحار فصارت بحرا واحدا، ثم أضرمت النار فيها، وهذه أشراط (أمارات) الساعة، وجواب الشرط:
إذا حدثت هذه الأمور المتقدمة، علمت كل نفس عند انتشار صحائف الأعمال ما قدمت من خير أو شر، وما أخّرت من الأعمال بسبب التكاسل والإهمال.
يا أيها الإنسان المدرك نهاية العالم، ما الذي خدعك وجرّأك على عصيان ربك، الذي خلقك كامل الأعضاء، حسن الهيئة، وصيرك معتدلا متناسب الخلق، لا تفاوت في أعضائك، مزودا بالحواس من السمع والبصر، وفيك العقل والعلم والفهم.
أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في هذه الآية: ما غَرَّكَ قال نزلت في أبي بن خلف. وقيل: في أبي الأشد بن كلدة الجمحي أو في الوليد بن المغيرة.
لقد ركّبك الله في أي صورة شاءها، من أبهى الصور وأجملها، وأنت لم تختر صورة نفسك.
ثم رد الله تعالى على سائر أقوالهم، وردع عنها بقوله سبحانه: كَلَّا ثم أثبت لهم تكذيبهم بيوم الجزاء، وهذا الخطاب عام، ومعناه الخصوص في الكفار.
(٢) يدخلونها ويقاسون حرها.
(٣) يوم الحساب والجزاء.
ثم زاد في التحذير من العناد والتفريط: أن جميع الأعمال مرصودة على الناس بالملائكة، إن عليكم لملائكة حفظة كراما، فلا تقابلوهم بالقبائح، فإنهم يكتبون عليكم جميع أعمالكم، ويعلمون جميع أفعالكم. ولَحافِظِينَ هم الملائكة الذين يكتبون أعمال بني آدم، ووصفهم الله تعالى بالكرم الذي هو نفي المذامّ، ويَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ (١٢) لمشاهدتهم حال بني آدم.
والناس يوم القيامة فريقان نتيجة كتابة الحفظة أعمال العباد:
إن الأبرار وهم الذين أطاعوا الله عز وجل، ولم يقابلوه بالمعاصي يصيرون إلى دار النعيم وهي الجنة. وإن الفجار: وهم الذين كفروا بالله وبرسله، وقابلوا ربهم بالمعاصي، يصيرون إلى دار الجحيم، وهي النار المحرقة، يدخلونها ويقاسون حرّها، يوم الجزاء والحساب الذي كانوا يكذبون به.
وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ (١٦) أي لا يفارقون الجحيم ولا يغيبون عن العذاب ساعة واحدة، ولا يخفف من عذابها، بل هم فيها إلى الأبد، ملازمون لها، كما في آية أخرى: وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة: ٢/ ١٦٧]. وهذا تأكيد في الإخبار عن أنهم يصلونها، وأنهم لا يمكنهم المغيب عنها يومئذ.
ثم وصف الله تعالى يوم القيامة بما فيه غاية التهويل، مؤكدا ذلك مرتين، في قوله: وَما أَدْراكَ.. أي وما أعلمك وما أعرفك ما يوم الجزاء والحساب وكرر الجملة تعظيما لشأن يوم القيامة، وتفخيما لأمره، مما يستدعي التدبر والتأمل.
ثم أعلن الله تعالى قراره الحاسم في شأن الإنسان يوم القيامة، فقال: يَوْمَ لا
أي إنه اليوم الذي لا يقدر فيه أحد كائنا من كان، على نفع أحد، ولا خلاصه مما هو فيه، إلا بأن يأذن الله لمن يشاء ويرضى، ولا يملك أحد صنع شيء إلا الله رب العالمين، فهو المتفرد بالسلطان والحكم، وبيده الأمر كله، وترجع الأمور كلها إليه. قال قتادة: والأمر، والله اليوم، لله، ولكنه لا ينازعه فيه يومئذ أحد، ولا يمكّن أحدا من شيء كما مكّنه في الدنيا.
وهذا خبر من الله تعالى بضعف الناس يومئذ، وأنه لا يغني بعضهم عن بعض، وأن الأمر له تبارك وتعالى.
وهو رد قاطع على من يزعم: أن أحد الرسل يتولى الحساب وفصل القضاء، فيدخل من يشاء الجنة، ومن يشاء النار، وهو زعم أقرب إلى السخف والسذاجة والبلاهة منه إلى الجد والحق والعقل.