ﰡ
ووصف مآل الذين استجابوا لله ورسوله فقال في حقهم : ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات، أولئك لهم مغفرة ورزق كريم( ٤ ) }،
ووصف مآل الذين استجابوا لله ورسوله فقال في حقهم : ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات، أولئك لهم مغفرة ورزق كريم( ٤ ) }،
ثم قال تعالى :﴿ وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد( ٧ ) افترى على الله كذبا، أم به جنة ﴾.
ثم عقب على ذلك بقوله :﴿ بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد( ٨ ) ﴾.
في بداية هذا الربع بين كتاب الله لمن لا يزالون في شك من أمر النبوة أن الرسول الأعظم ليس بدعا من الرسل، وأن الرسالات الإلهية التي جاءوا بها كما تعنى بالشؤون الروحية للنوع الإنساني تعنى بشؤونه المادية المباشرة، بل تأخذ بيده فتسدد خطواته الأولى في نفس المجال التقني والصناعي، و( الآخرة ) التي دعا الرسل والأنبياء إلى الإيمان بها إنما هي المرحلة الأخيرة في مسيرة جهاد الإنسان المتواصل، من أجل صلاح الإنسان، وازدهار العمران، حيث يجني الإنسان ثمرة عمله، ويصل إلى تحقيق رجائه وأمله، إن وفى بما عاهد عليه الله في خلافته، ولم يتنكر لدينه وشريعته، ﴿ إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا ﴾. ( ٧ : ١٨ ).
يقول الله تعالى هنا :﴿ ولقد -آتينا داوود منا فضلا ﴾، وهذا الفضل الذي آتاه الله إياه يظهر بشكل بارز في عدة مظاهر روحية ومادية :
المظهر الأول : تسبيح الجبال معه عندما يتلو( الزبور ) الذي أنزله الله عليه، وإصغاء الطير أثناء تلاوته إليه، فالجبال تردد صدى صوته القوي العظيم، فيشترك في تمجيد الله في آن واحد الجماد والحيوان والإنسان، وتبرز من خلال تمجيد الله وتوحيده وحدة الأكوان، ﴿ وإن من شيء إلا يسبح بحمده، ولكن لا تفقهون تسبيحهم ﴾ ( ٤٤ : ١٧ )، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى وهو ينادي الجبال لتسبح الله مع نبيه داوود :﴿ يا جبال أوبي معه والطير ﴾، وسيأتي في سورة ( ص ) قوله تعالى في شأن داوود عليه السلام ( ١٨ ) :﴿ إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق ﴾، وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع صوت أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وهو يقرأ في الليل، فوقف فاستمع لقراءته ثم قال :( لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داوود )، فأجابه أبو موسى قائلا :( لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيرا ) والثوب ( المحبر )هو المخطط بالألوان، أي : لجعلته لك أنواعا حسانا. قال القاضي أبو بكر ( ابن العربي ) تعليقا على نفس الحديث في سياق كلامه على هذه الآية :( فيه دليل على الإعجاب بحسن الصوت، والقلوب تخشع بالصوت الحسن كما تخضع للوجه الحسن، وما تتأثر به القلوب في التقوى أعظم في الأجر، والأصوات الحسنة نعمة من الله تعالى، وزيادة في الخلق ومنة، وأحق ما لبس هذه الحلة النفسية والموهبة الكريمة كتاب الله، فنعم الله إذا صرفت في الطاعة قضي بها حق النعمة ).
المظهر الثاني من مظاهر الفضل الذي آتاه الله داوود : تمكينه من استعمال معدن الحديد فيما تتوقف عليه سلامة الدولة، وإطلاعه على سر صناعته، وتطويعه في يده، حتى عاد كالطين المبلول والعجين والشمع. وللحديد أهمية خاصة في حياة الشعوب والدول نبه إليها كتاب الله فيما سيأتي من سورة الحديد، إذ قال تعالى ( ٢٥ ) :﴿ وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس ﴾، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى هنا :﴿ وألنا له الحديد( ١٠ ) ﴾.
المظهر الأول : تسخير الريح له في زمان محدود ومكان محدود، وجعلها أداة سريعة في يده ويد أعوانه، للقيام بأسرع ما يمكن من التنقلات والمواصلات، بحيث يكون من المستطاع قطع مسافة شهر في الغدو ومسافة شهر في الرواح، أي قطع مسافة شهرين في يوم واحد، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر ﴾، على غرار قوله تعالى فيما سبق في سورة الأنبياء ( ٨١ ) :﴿ ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها، وكنا بكل شيء عالمين ﴾، وقوله تعالى فيما سيأتي من سورة ( ص : ٣٦ ) :﴿ فسخرنا له الرياح تجري بأمره رخاء حيث أصاب ﴾.
والمظهر الثاني : تمكينه من استعمال معدن النحاس، وتعريفه بالطريقة التقنية المثلى لتذويبه وإسالته، وإرشاده إلى استعماله في صنع ما يلزم من آلات وأدوات، للنفع الخاص والنفع العام، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وأسلنا له عين القطر ﴾ أي : معدن النحاس، وقوله تعالى في نفس السياق :﴿ يعملون له ما يشاء من محاريب، وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات ﴾، و( المحاريب ) جمع ( محراب )، وهذا اللفظ يطلق على كل بناء مرتفع ممتنع، وعلى أشرف بيوت الدار، كما يطلق على المكان الذي يصلي فيه الإمام، لأنه يجب أن يرفع ويعظم، وهو أرفع مكان في المسجد، و( التماثيل ) جمع ( تمثال )، وهو اسم للشيء المصنوع باليد، الممثل بغيره أي المشبه به من إنسان أو حيوان أو غيرهما، ( والجفان ) جمع ( جفنة ) وهي القصعة الكبيرة، وشبهت في هذه الآية ( بالجوابي ) جمع ( جابية )، لاتساعها وكبرها، ومعنى ( الجابية ) الحوض العظيم الذي يجمع فيه الماء، ( والقدور الراسيات ) هي القدور الثوابت التي لا تحمل ولا تحرك لعظمها، ومنها يغرف الطعام في الجفان. قال ابن العربي :( ورأيت برباط أبي سعيد قدور الصوفية على نحو ذلك، فإنهم يطبخون جميعا، ويأكلون جميعا، من غير استئثار أحد منهم على أحد ).
وتعليقا على كلمة ( تماثيل ) الواردة في هذه الآية وما تفيده من إباحة التصوير على عهد سليمان قال ( ابن العربي ) ما نصه :( ورد على ألسنة أهل الكتاب أنه كان أمرا مأذونا فيه، والذي أوجب النهي عنه في شرعنا - والله أعلم- ما كانت العرب عليه من عبادة الأوثان والأصنام، فكانوا يصورون ويعبدون، فقطع الله الذريعة وحمى الباب ).
ومن لطائف التفسير ما نبه إليه الرازي أثناء تفسيره لهذه الآيات من أن ( كتاب الله ذكر ثلاثة أشياء في حق داوود، وثلاثة أشياء في حق سليمان عليهما السلام، فتسخير الجبال لداوود هو من جنس تسخير الريح لسليمان، وتسخير الطير للأول هو من جنس تسخير الجن للثاني، إذ الشأن في الطير النفور من الإنس، والشأن في الإنس النفور من الجن، ومع ذلك صار الطير لا ينفر من داوود، بل يستأنس به ويطلبه، وأصبح سليمان لا ينفر من الجن، بل يسخره ويستخدمه، وأما القطر، أي : النحاس والحديد فتجانسهما غير خفي ) وذكر كتاب الله في حق داوود اشتغاله بآلة الحرب، بينما ذكر في حق سليمان اشتغاله بمهام السلم ؛ لأن ملكه كان موطدا من عهد أبيه.
ثم أننا نجد كتاب الله يدرج في سياق التنويه بفضل الله على نبيه سليمان عليه السلام آيات يدور الحديث فيها حول نوع ( الجن ) الذي يقابل نوع ( الأنس )، والمراد بهم نوع خفي من الكائنات يعمر الكون علاوة على الإنسان، وهو خاضع مثله للتكليف في الدنيا والجزاء في الآخرة، حسبما تدل عليه عدة آيات في سورة الأنعام وسورة الأعراف وسورة فصلت وسورة الذاريات وسورة الرحمان وسورة الجن، غير أن كتاب الله لم يفصل القول في هذا النوع الخفي من الأحياء، واقتصرت على بيان، أن الله خلقه من نار، وترك تفاصيل أمره مستورة ومحجوبة عن الأنظار، ﴿ والجان خلقناه من قبل من نار السموم ﴾( ٢٧ : ١٥ )، ﴿ وخلق الجان من مارج من نار ﴾( ١٥ : ٥٥ ).
ونظرا إلى أن بعض الأغرار من البشر تكونت عندهم فكرة غامضة وسخيفة عن الجن من نسج الخيال، وأخذوا يعبدونهم، ظنا منهم أنهم يتصرفون في الكون ويعلمون الغيب، واستمر اعتقادهم الباطل، يتناقله جيل عن جيل، إلى حين ظهور الإسلام، فقد تصدى كتاب الله في سياق الحديث عن سليمان لإبطال هذا الاعتقاد الفاسد، مبينا أن الجن ليسوا إلا عبارة عن كائنات خفية، خاضعة لأمر الله، ومسؤولة عما كلفت به أمام الله، فليس للجن في الكون أمر ولا نهي، ولا سطوة ولا تأثير، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى واصفا تسخير سليمان لهم أثناء حياته :﴿ ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه، ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير( ١٢ ) ﴾، على غرار قوله تعالى فيما سبق من سورة الأنبياء ( ٨٢ ) :﴿ ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك ﴾، وقوله فيما سيأتي من سورة ( ص : ٣٨-٣٧ )، ﴿ والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في الأصفاد ﴾.
المظهر الأول : تسخير الريح له في زمان محدود ومكان محدود، وجعلها أداة سريعة في يده ويد أعوانه، للقيام بأسرع ما يمكن من التنقلات والمواصلات، بحيث يكون من المستطاع قطع مسافة شهر في الغدو ومسافة شهر في الرواح، أي قطع مسافة شهرين في يوم واحد، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر ﴾، على غرار قوله تعالى فيما سبق في سورة الأنبياء ( ٨١ ) :﴿ ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها، وكنا بكل شيء عالمين ﴾، وقوله تعالى فيما سيأتي من سورة ( ص : ٣٦ ) :﴿ فسخرنا له الرياح تجري بأمره رخاء حيث أصاب ﴾.
والمظهر الثاني : تمكينه من استعمال معدن النحاس، وتعريفه بالطريقة التقنية المثلى لتذويبه وإسالته، وإرشاده إلى استعماله في صنع ما يلزم من آلات وأدوات، للنفع الخاص والنفع العام، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وأسلنا له عين القطر ﴾ أي : معدن النحاس، وقوله تعالى في نفس السياق :﴿ يعملون له ما يشاء من محاريب، وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات ﴾، و( المحاريب ) جمع ( محراب )، وهذا اللفظ يطلق على كل بناء مرتفع ممتنع، وعلى أشرف بيوت الدار، كما يطلق على المكان الذي يصلي فيه الإمام، لأنه يجب أن يرفع ويعظم، وهو أرفع مكان في المسجد، و( التماثيل ) جمع ( تمثال )، وهو اسم للشيء المصنوع باليد، الممثل بغيره أي المشبه به من إنسان أو حيوان أو غيرهما، ( والجفان ) جمع ( جفنة ) وهي القصعة الكبيرة، وشبهت في هذه الآية ( بالجوابي ) جمع ( جابية )، لاتساعها وكبرها، ومعنى ( الجابية ) الحوض العظيم الذي يجمع فيه الماء، ( والقدور الراسيات ) هي القدور الثوابت التي لا تحمل ولا تحرك لعظمها، ومنها يغرف الطعام في الجفان. قال ابن العربي :( ورأيت برباط أبي سعيد قدور الصوفية على نحو ذلك، فإنهم يطبخون جميعا، ويأكلون جميعا، من غير استئثار أحد منهم على أحد ).
وتعليقا على كلمة ( تماثيل ) الواردة في هذه الآية وما تفيده من إباحة التصوير على عهد سليمان قال ( ابن العربي ) ما نصه :( ورد على ألسنة أهل الكتاب أنه كان أمرا مأذونا فيه، والذي أوجب النهي عنه في شرعنا - والله أعلم- ما كانت العرب عليه من عبادة الأوثان والأصنام، فكانوا يصورون ويعبدون، فقطع الله الذريعة وحمى الباب ).
ومن لطائف التفسير ما نبه إليه الرازي أثناء تفسيره لهذه الآيات من أن ( كتاب الله ذكر ثلاثة أشياء في حق داوود، وثلاثة أشياء في حق سليمان عليهما السلام، فتسخير الجبال لداوود هو من جنس تسخير الريح لسليمان، وتسخير الطير للأول هو من جنس تسخير الجن للثاني، إذ الشأن في الطير النفور من الإنس، والشأن في الإنس النفور من الجن، ومع ذلك صار الطير لا ينفر من داوود، بل يستأنس به ويطلبه، وأصبح سليمان لا ينفر من الجن، بل يسخره ويستخدمه، وأما القطر، أي : النحاس والحديد فتجانسهما غير خفي ) وذكر كتاب الله في حق داوود اشتغاله بآلة الحرب، بينما ذكر في حق سليمان اشتغاله بمهام السلم ؛ لأن ملكه كان موطدا من عهد أبيه.
ثم أننا نجد كتاب الله يدرج في سياق التنويه بفضل الله على نبيه سليمان عليه السلام آيات يدور الحديث فيها حول نوع ( الجن ) الذي يقابل نوع ( الأنس )، والمراد بهم نوع خفي من الكائنات يعمر الكون علاوة على الإنسان، وهو خاضع مثله للتكليف في الدنيا والجزاء في الآخرة، حسبما تدل عليه عدة آيات في سورة الأنعام وسورة الأعراف وسورة فصلت وسورة الذاريات وسورة الرحمان وسورة الجن، غير أن كتاب الله لم يفصل القول في هذا النوع الخفي من الأحياء، واقتصرت على بيان، أن الله خلقه من نار، وترك تفاصيل أمره مستورة ومحجوبة عن الأنظار، ﴿ والجان خلقناه من قبل من نار السموم ﴾( ٢٧ : ١٥ )، ﴿ وخلق الجان من مارج من نار ﴾( ١٥ : ٥٥ ).
ونظرا إلى أن بعض الأغرار من البشر تكونت عندهم فكرة غامضة وسخيفة عن الجن من نسج الخيال، وأخذوا يعبدونهم، ظنا منهم أنهم يتصرفون في الكون ويعلمون الغيب، واستمر اعتقادهم الباطل، يتناقله جيل عن جيل، إلى حين ظهور الإسلام، فقد تصدى كتاب الله في سياق الحديث عن سليمان لإبطال هذا الاعتقاد الفاسد، مبينا أن الجن ليسوا إلا عبارة عن كائنات خفية، خاضعة لأمر الله، ومسؤولة عما كلفت به أمام الله، فليس للجن في الكون أمر ولا نهي، ولا سطوة ولا تأثير، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى واصفا تسخير سليمان لهم أثناء حياته :﴿ ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه، ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير( ١٢ ) ﴾، على غرار قوله تعالى فيما سبق من سورة الأنبياء ( ٨٢ ) :﴿ ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك ﴾، وقوله فيما سيأتي من سورة ( ص : ٣٨-٣٧ )، ﴿ والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في الأصفاد ﴾.
وتنويها بداود وآله قال تعالى في نفس المقام :﴿ واعملوا صالحا، إني بما تعملون بصير ﴾، إشارة إلى أن الله تعالى يرعى عمل الصالحين من عباده بعين رعايته، ما داموا لا يفترون في عملهم عن خشية الله ومراقبته. وقال تعالى :﴿ ا عملوا آل داوود، شكرا ﴾، إشارة إلى أن شكر الله على نعمه متى كان محور الحركات والسكنات، والدافع الأول إلى ما يقوم به العبد من صالح الأعمال وجميل الحسنات، أثمر لصاحبه في الدنيا والآخرة أطيب الثمرات. قال الزمخشري :( فيه دليل على أن العبادة يجب أن تؤدى على طريق الشكر )، وقال أبو بكر ( ابن العربي ) ( حقيقة الشكر ) استعمال النعمة في الطاعة، والكفر استعمالها في المعصية ).
وقد نوه كتاب الله بشكر سليمان في غير ما آية، كقوله تعالى في سورة النمل ( ١٩ ) :﴿ فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن اعمل صالحا ترضاه ﴾، وقوله تعالى في نفس السورة حكاية عن سليمان وقد رأى عرش ملكة سبأ بين يديه ( ٤٠ ) :﴿ فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر، ومن شكر فإنما يشكر لنفسه، ومن كفر فإن ربي غني كريم ﴾.
وقوله تعالى : وقليل من عبادي الشكور( ١٣ ) }، إشارة إلى أن أكثر من يتقلبون في نعم الله الظاهرة والباطنة لا يؤدون حق شكرها، بل هم في غفلة ساهون، حتى إذا ذهبت النعمة، وحلت النقمة، أفاقوا من غفلتهم، وندموا على سكرتهم، ولات حين مندم، ﴿ لئن شكرتم لأزيدنكم، ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ﴾( ٧ : ١٤ ) و( الشكور )، هو المتوفر على أداء الشكر، الباذل وسعه فيه، الذي يشغل به قلبه ولسانه وجوارحه، اعتقادا واعترافا وكدحا، حسبما عرفه جار الله الزمخشري، ومن شاء أن يكون من عباد الله الصالحين فليكن من هذا الفوج القليل.
أما فضل الله على سبأ فينطق به قوله تعالى :﴿ لقد كان لسبإ في مساكنهم آية، جنتان عن يمين وشمال، كلوا من رزق ربكم واشكروا له، بلدة طيبة ورب غفور( ١٥ ) ﴾، وقوله تعالى :﴿ وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة، وقدرنا فيها السير، سيروا فيها ليالي وأياما –آمنين( ١٨ ) ﴾.
وأما جحود سبأ وكفرهم بنعمة الله، وما نشأ عنه من تبدل الأحوال، والتعرض للدمار والزوال، فينطق به قوله تعالى :﴿ فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم، وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل( ١٦ ) ذلك جازيناهم بما كفروا، وهل يجازى إلا الكفور( ١٧ ) ﴾، وقوله تعالى :﴿ فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا، وظلموا أنفسهم، فجعلناهم أحاديث، ومزقناهم كل ممزق، إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور( ١٩ ) ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه، إلا فريقا من المؤمنين( ٢٠ ) ﴾
يقول الله تعالى :﴿ لقد كان لسبإٍ في مساكنهم آية ﴾، أي : أن ما أكرم الله به قوم سبأ من خصوبة الأرض وجودة التربة، ونقاوة الهواء، واختلاف الزروع والأشجار، وتنوع الثمار، وامتداد الظلال وجريان الأنهار، يعد آية من آيات الله، الناطقة بقدرته وحكمته ورحمته، الباعثة على عبادته وشكره وطاعته :﴿ جنتان عن يمين وشمال ﴾، أي : أن مساكنهم تحف بها من جهة اليمين- كما تحف بها من جهة الشمال- بساتين خضراء، ومزارع فيحاء، على مد البصر، حتى كأن ما على اليمين من البساتين والمزارع يكون جنة واحدة، وما على الشمال منها يكون جنة واحدة أيضا، لاتصال تلك البساتين والمزارع بعضها بعض، وتداخل بعضها مع بعض، ﴿ كلوا من رزق ربكم واشكروا له ﴾، أي أن كل ما حولهم كان لسان حاله يوحي إليهم بالإقبال على مائدة الله، والتمتع بالطيبات من الرزق، والشكر لله على نعمه المتواصلة، فقد أتم الله عليهم نعمته من جميع الوجوه، ولا يسعهم إلا أن ينهضوا بشكرها فرحين مبتهجين.
يقول الله تعالى :﴿ بلدة طيبة ورب غفور ﴾، هذا تعقيب مستأنف، أوجز فيه كتاب الله وصف أرض سبأ ووصف أهلها، فالأرض أرض طيبة، وطيبها يصدق بكونها أرضا خصبة لا سبخة، وكون مناخها مناخا صحيا طيب الهواء، لا وخامة فيه ولا وباء، ولا هوام كالعقرب والحية والحرباء، والناس في هذه الأرض يعبدون الله ويشكرونه، ويذكرون فضله ويستغفرونه، فيغفر لهم ما فرط منهم من السيآت، ويتقبل منهم ما قدموا من الحسنات :﴿ إن الحسنات يذهبن السيئات ﴾( ١١٤ : ١١ ).
أما فضل الله على سبأ فينطق به قوله تعالى :﴿ لقد كان لسبإ في مساكنهم آية، جنتان عن يمين وشمال، كلوا من رزق ربكم واشكروا له، بلدة طيبة ورب غفور( ١٥ ) ﴾، وقوله تعالى :﴿ وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة، وقدرنا فيها السير، سيروا فيها ليالي وأياما –آمنين( ١٨ ) ﴾.
وأما جحود سبأ وكفرهم بنعمة الله، وما نشأ عنه من تبدل الأحوال، والتعرض للدمار والزوال، فينطق به قوله تعالى :﴿ فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم، وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل( ١٦ ) ذلك جازيناهم بما كفروا، وهل يجازى إلا الكفور( ١٧ ) ﴾، وقوله تعالى :﴿ فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا، وظلموا أنفسهم، فجعلناهم أحاديث، ومزقناهم كل ممزق، إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور( ١٩ ) ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه، إلا فريقا من المؤمنين( ٢٠ ) ﴾
لكن لما أعرض قوم سبأ عن عبادة الله وطاعته، وانصرفوا عن شكره على نعمته، بطرا وطغيانا، وجحودا وكفرانا، بدلهم الله من حال إلى حال، وسلط عليهم الكوارث والأهوال، فتهدم ( سد مأرب ) الذي كان يعد من أعاجيب العالم القديم، إذ كان أوسع السدود وأشهرها، ( وهو يبعد عن مدينة صنعاء بنحو ستين ميلا، ولا تزال بقاياه ماثلة للعيان إلى الآن ) وطغى ماء السد وماء السيل على ما كان عندهم من بساتين ومزارع وأبنية، فذهب العمران والازدهار، وحل محله الخراب والدمار، وذلك معنى قوله تعالى :﴿ فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم ﴾، و( العرم ) السيل الذي لا يطاق.
يقول تعالى :﴿ وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل، وشيء من سدر قليل ﴾، ها هنا يبين كتاب الله ما حل بمزارعهم ومعايشهم من ضياع وإهمال، حيث تحولت البساتين والمزارع إلى غابات وأدغال، والمراد " بالخمط " كل شجر ذي شوك فيه مرارة، ( والأثل ) نوع من الخشب شبيه بالطرفاء لا ثمرة له في الغالب، و( السدر ) شجر النبق، وبعدما أصبح السدر أحسن أشجارهم لم يبق منه إلا القليل. وإنما قال تعالى :﴿ وبدلناهم بجنتيهم جنتين دواتي أكل خمط وأثل ﴾، لأجل ( المشاكلة ) بين النوعين، على غرار قوله تعالى :﴿ وجزاء سيئة سيئة مثلها ﴾، إذ مثل هذا النبات الوحشي لا يسمى في الحقيقة ( جنة ) ولا بستانا. ثم عقب كتاب الله على ذلك بقوله :﴿ ذلك جازيناهم بما كفروا، وهل يجزى إلا الكفور( ١٧ ) ﴾.
أما فضل الله على سبأ فينطق به قوله تعالى :﴿ لقد كان لسبإ في مساكنهم آية، جنتان عن يمين وشمال، كلوا من رزق ربكم واشكروا له، بلدة طيبة ورب غفور( ١٥ ) ﴾، وقوله تعالى :﴿ وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة، وقدرنا فيها السير، سيروا فيها ليالي وأياما –آمنين( ١٨ ) ﴾.
وأما جحود سبأ وكفرهم بنعمة الله، وما نشأ عنه من تبدل الأحوال، والتعرض للدمار والزوال، فينطق به قوله تعالى :﴿ فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم، وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل( ١٦ ) ذلك جازيناهم بما كفروا، وهل يجازى إلا الكفور( ١٧ ) ﴾، وقوله تعالى :﴿ فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا، وظلموا أنفسهم، فجعلناهم أحاديث، ومزقناهم كل ممزق، إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور( ١٩ ) ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه، إلا فريقا من المؤمنين( ٢٠ ) ﴾
لكن لما أعرض قوم سبأ عن عبادة الله وطاعته، وانصرفوا عن شكره على نعمته، بطرا وطغيانا، وجحودا وكفرانا، بدلهم الله من حال إلى حال، وسلط عليهم الكوارث والأهوال، فتهدم ( سد مأرب ) الذي كان يعد من أعاجيب العالم القديم، إذ كان أوسع السدود وأشهرها، ( وهو يبعد عن مدينة صنعاء بنحو ستين ميلا، ولا تزال بقاياه ماثلة للعيان إلى الآن ) وطغى ماء السد وماء السيل على ما كان عندهم من بساتين ومزارع وأبنية، فذهب العمران والازدهار، وحل محله الخراب والدمار، وذلك معنى قوله تعالى :﴿ فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم ﴾، و( العرم ) السيل الذي لا يطاق.
يقول تعالى :﴿ وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل، وشيء من سدر قليل ﴾، ها هنا يبين كتاب الله ما حل بمزارعهم ومعايشهم من ضياع وإهمال، حيث تحولت البساتين والمزارع إلى غابات وأدغال، والمراد " بالخمط " كل شجر ذي شوك فيه مرارة، ( والأثل ) نوع من الخشب شبيه بالطرفاء لا ثمرة له في الغالب، و( السدر ) شجر النبق، وبعدما أصبح السدر أحسن أشجارهم لم يبق منه إلا القليل. وإنما قال تعالى :﴿ وبدلناهم بجنتيهم جنتين دواتي أكل خمط وأثل ﴾، لأجل ( المشاكلة ) بين النوعين، على غرار قوله تعالى :﴿ وجزاء سيئة سيئة مثلها ﴾، إذ مثل هذا النبات الوحشي لا يسمى في الحقيقة ( جنة ) ولا بستانا. ثم عقب كتاب الله على ذلك بقوله :﴿ ذلك جازيناهم بما كفروا، وهل يجزى إلا الكفور( ١٧ ) ﴾.
أما فضل الله على سبأ فينطق به قوله تعالى :﴿ لقد كان لسبإ في مساكنهم آية، جنتان عن يمين وشمال، كلوا من رزق ربكم واشكروا له، بلدة طيبة ورب غفور( ١٥ ) ﴾، وقوله تعالى :﴿ وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة، وقدرنا فيها السير، سيروا فيها ليالي وأياما –آمنين( ١٨ ) ﴾.
وأما جحود سبأ وكفرهم بنعمة الله، وما نشأ عنه من تبدل الأحوال، والتعرض للدمار والزوال، فينطق به قوله تعالى :﴿ فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم، وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل( ١٦ ) ذلك جازيناهم بما كفروا، وهل يجازى إلا الكفور( ١٧ ) ﴾، وقوله تعالى :﴿ فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا، وظلموا أنفسهم، فجعلناهم أحاديث، ومزقناهم كل ممزق، إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور( ١٩ ) ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه، إلا فريقا من المؤمنين( ٢٠ ) ﴾
يقول الله تعالى :﴿ وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير، سيروا فيها ليالي وأياما آمنين ﴾، أي : أن الله تعالى أكرم قوم سبأ بعمران مزدهر متصل الحلقات، ترتبط فيه المدن الكبرى بسلسلة من القرى الصغيرة العامرة، المبثوثة في أطراف البادية، وهذه القرى قريب بعضها من بعض، ويتراءى بعضها لبعض، والسير فيما بينها يمكن ليلا ونهارا، بما تتوفر عليه من استقرار وأمان، ناشئين عن ازدهار واتصال العمران، وقد دلت الكشوف الأثرية الحديثة على أن الحضارة العربية في عهد دولة سبأ بلغت غاية النمو والازدهار، لا فرق في ذلك بين الناحية الإدارية، والناحية العمرانية، والناحية الثقافية، والناحية الصناعية، والناحية التجارية، والناحية الزراعية.
ومما يتصل بموضوع الآيات الواردة هنا عن سبأ اتصالا وثيقا، ويلقي الأضواء عليها : أن دولة سبأ بلغ أهلها في العلم بالهندسة وتنظيم الري وحسن الاستفادة من مياه الأمطار درجة عالية، فأنشأوا من السدود والقنوات ما كان مثارا للدهشة والإعجاب في أطراف العالم إذ ذاك، إذ إن تلك السدود العربية تعتبر أقدم السدود التي عرفها التاريخ، مما كان له أثر كبير فيما وصفه كتاب الله بأنه ( آية ) من آيات الله، إذ قال تعالى هنا :﴿ لقد كان لسبإ في مساكنهم آية ﴾، وقال :﴿ بلدة طيبة ورب غفور ﴾.
الربع الأول من الحزب الرابع والأربعين في المصحف الكريم
وفي بداية هذا الربع وجه كتاب الله الخطاب إلى نبيه، آمرا له أن يواصل تحديه للمشركين، ويوجه إليهم سؤالا ملحا عمن يرزقهم، وهل أولئك الشركاء الذين يعبدونهم هم الذين يرزقونهم، مع أنهم لا يملكون مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، وحيث أنه كان من المنتظر أن يتلعثموا ولا يجيبوا، فقد أذن الله لنبيه أن يتولى هو بنفسه الجواب نيابة عنهم، بمقتضى لسان الحال، الذي هو أفصح من لسان المقال، وذلك قوله تعالى في السِؤال :﴿ قل من يرزقكم من السماوات والأرض ﴾، فكان الجواب، ﴿ قل الله ﴾.
قال جار الله الزمخشري محللا السر في توجيه السؤال وتلقي الجواب من مصدر واحد، وهو نفس النبي عليه السلام : " أمره بأن يتولى الإجابة والإقرار عنهم بقوله :﴿ قل الله ﴾، وذلك للإشعار بأنهم مُقرُّون به بقلوبهم، إلا أنهم ربما أبوا أن يتكلموا به، لأن الذي تمكن في صدورهم من العناد وحب الشرك قد ألجم أفواههم عن النطق بالحق، مع علمهم بصحته، ولأنهم إن تفوهوا بأن الله رازقهم لزمهم أن يقال لهم : فما لكم لا تعبدون من يرزقكم، وتؤثرون عليه من لا يقدر على الرزق، ألا ترى إلى قوله :﴿ قل من يرزقكم من السماء والأرض، أمن يملك السمع والأبصار ﴾، ( ٣١ : ١٠ ) إلى أن قال :﴿ فسيقولون الله ﴾، ثم قال ﴿ فماذا بعد الحق إلا الضلال ﴾( ٣٢ : ١٠ )، فكأنهم كانوا يقرون بألسنتهم مرة، ومرة كانوا يتلعثمون عنادا وإصرار، وحذرا من التزام الحجة ".
ورغما عن وضوح الحجة وسلامة البرهان، على أن الله الذي يرزق عباده هو الذي يستحق عبادتهم وطاعتهم، ومن عبده هو الذي يكون على هدى، وأن من لا تأثير له في خلق ولا رزق، ولا شرك له في السماوات والأرض، ينبغي أن يهمل ويسقط من الحساب، ومن عبده هو الضال المضل، قال تعالى مستدرجا للكافرين المشركين، وإن كان الحق كله مع المؤمنين الموحدين، ﴿ وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين( ٢٤ ) قل لا تسئلون عما أجرمنا، ولا نسأل عما تعلمون( ٢٥ ) ﴾.
وفي بداية هذا الربع وجه كتاب الله الخطاب إلى نبيه، آمرا له أن يواصل تحديه للمشركين، ويوجه إليهم سؤالا ملحا عمن يرزقهم، وهل أولئك الشركاء الذين يعبدونهم هم الذين يرزقونهم، مع أنهم لا يملكون مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، وحيث أنه كان من المنتظر أن يتلعثموا ولا يجيبوا، فقد أذن الله لنبيه أن يتولى هو بنفسه الجواب نيابة عنهم، بمقتضى لسان الحال، الذي هو أفصح من لسان المقال، وذلك قوله تعالى في السِؤال :﴿ قل من يرزقكم من السماوات والأرض ﴾، فكان الجواب، ﴿ قل الله ﴾.
قال جار الله الزمخشري محللا السر في توجيه السؤال وتلقي الجواب من مصدر واحد، وهو نفس النبي عليه السلام :" أمره بأن يتولى الإجابة والإقرار عنهم بقوله :﴿ قل الله ﴾، وذلك للإشعار بأنهم مُقرُّون به بقلوبهم، إلا أنهم ربما أبوا أن يتكلموا به، لأن الذي تمكن في صدورهم من العناد وحب الشرك قد ألجم أفواههم عن النطق بالحق، مع علمهم بصحته، ولأنهم إن تفوهوا بأن الله رازقهم لزمهم أن يقال لهم : فما لكم لا تعبدون من يرزقكم، وتؤثرون عليه من لا يقدر على الرزق، ألا ترى إلى قوله :﴿ قل من يرزقكم من السماء والأرض، أمن يملك السمع والأبصار ﴾، ( ٣١ : ١٠ ) إلى أن قال :﴿ فسيقولون الله ﴾، ثم قال ﴿ فماذا بعد الحق إلا الضلال ﴾( ٣٢ : ١٠ )، فكأنهم كانوا يقرون بألسنتهم مرة، ومرة كانوا يتلعثمون عنادا وإصرار، وحذرا من التزام الحجة ".
ورغما عن وضوح الحجة وسلامة البرهان، على أن الله الذي يرزق عباده هو الذي يستحق عبادتهم وطاعتهم، ومن عبده هو الذي يكون على هدى، وأن من لا تأثير له في خلق ولا رزق، ولا شرك له في السماوات والأرض، ينبغي أن يهمل ويسقط من الحساب، ومن عبده هو الضال المضل، قال تعالى مستدرجا للكافرين المشركين، وإن كان الحق كله مع المؤمنين الموحدين، ﴿ وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين( ٢٤ ) قل لا تسئلون عما أجرمنا، ولا نسأل عما تعلمون( ٢٥ ) ﴾.
ثم بين كتاب الله لرسوله الأعظم ما سيكون عليه يوم القيامة حال الأتباع والمتبوعين، والرؤساء والمرءوسين، الضالين منهم والمضلين، وهم يتبادلون الاتهام والملام، ويتراشقون بلاذع القول وقارص الكلام، وذلك قوله تعالى :﴿ ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم ﴾، أي : محبوسون في موقف الحساب بين يدي الله، ﴿ يرجع بعضهم إلى بعض القول ﴾، أي : لو رأيت تحاورهم وتناكرهم وتراجعهم في القول لرأيت مشهدا مريعا، وموقفا فظيعا :﴿ يقول الذين استضعفوا ﴾، وهم الأتباع، ﴿ للذين استكبروا ﴾، وهم القادة، ﴿ لولا أنتم لكنا مؤمنين( ٣١ ) وقال الذين استكبروا ﴾، وهم القادة، ﴿ للذين استضعفوا ﴾، وهم الأتباع :﴿ أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم، بل كنتم مجرمين( ٣٢ ) وقال الذين استضعفوا ﴾أي : الأتباع، ﴿ للذين استكبروا ﴾، أي : القادة، ردا عليهم، ﴿ بل مكر الليل والنهار، إذ تأمروننا أن نكفر بالله، ونجعل له أندادا ﴾، أي : أن الإجرام لم يكن من جهتنا، بل من جهة مكركم وخداعكم لنا، واحتيالكم علينا، وبث معتقداتكم الباطلة بيننا باستمرار، في الليل والنهار
ثم بين كتاب الله لرسوله الأعظم ما سيكون عليه يوم القيامة حال الأتباع والمتبوعين، والرؤساء والمرءوسين، الضالين منهم والمضلين، وهم يتبادلون الاتهام والملام، ويتراشقون بلاذع القول وقارص الكلام، وذلك قوله تعالى :﴿ ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم ﴾، أي : محبوسون في موقف الحساب بين يدي الله، ﴿ يرجع بعضهم إلى بعض القول ﴾، أي : لو رأيت تحاورهم وتناكرهم وتراجعهم في القول لرأيت مشهدا مريعا، وموقفا فظيعا :﴿ يقول الذين استضعفوا ﴾، وهم الأتباع، ﴿ للذين استكبروا ﴾، وهم القادة، ﴿ لولا أنتم لكنا مؤمنين( ٣١ ) وقال الذين استكبروا ﴾، وهم القادة، ﴿ للذين استضعفوا ﴾، وهم الأتباع :﴿ أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم، بل كنتم مجرمين( ٣٢ ) وقال الذين استضعفوا ﴾أي : الأتباع، ﴿ للذين استكبروا ﴾، أي : القادة، ردا عليهم، ﴿ بل مكر الليل والنهار، إذ تأمروننا أن نكفر بالله، ونجعل له أندادا ﴾، أي : أن الإجرام لم يكن من جهتنا، بل من جهة مكركم وخداعكم لنا، واحتيالكم علينا، وبث معتقداتكم الباطلة بيننا باستمرار، في الليل والنهار
ثم بين كتاب الله لرسوله الأعظم ما سيكون عليه يوم القيامة حال الأتباع والمتبوعين، والرؤساء والمرءوسين، الضالين منهم والمضلين، وهم يتبادلون الاتهام والملام، ويتراشقون بلاذع القول وقارص الكلام، وذلك قوله تعالى :﴿ ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم ﴾، أي : محبوسون في موقف الحساب بين يدي الله، ﴿ يرجع بعضهم إلى بعض القول ﴾، أي : لو رأيت تحاورهم وتناكرهم وتراجعهم في القول لرأيت مشهدا مريعا، وموقفا فظيعا :﴿ يقول الذين استضعفوا ﴾، وهم الأتباع، ﴿ للذين استكبروا ﴾، وهم القادة، ﴿ لولا أنتم لكنا مؤمنين( ٣١ ) وقال الذين استكبروا ﴾، وهم القادة، ﴿ للذين استضعفوا ﴾، وهم الأتباع :﴿ أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم، بل كنتم مجرمين( ٣٢ ) وقال الذين استضعفوا ﴾أي : الأتباع، ﴿ للذين استكبروا ﴾، أي : القادة، ردا عليهم، ﴿ بل مكر الليل والنهار، إذ تأمروننا أن نكفر بالله، ونجعل له أندادا ﴾، أي : أن الإجرام لم يكن من جهتنا، بل من جهة مكركم وخداعكم لنا، واحتيالكم علينا، وبث معتقداتكم الباطلة بيننا باستمرار، في الليل والنهار
ولما رأوا العذاب رؤساء ومرؤوسين، استولى عليهم الذعر الندم، من الرأس إلى أخمص القدم، فبرزت آثاره على أسارير وجوههم، وأحاطت الأغلال بأعناقهم. أما القادة والرؤساء فمن أجل ضلالهم في أنفسهم وإضلالهم لغيرهم، وأما الأتباع والمرؤوسون فمن أجل تسليم مقادتهم لهم والانقياد لأوامرهم، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وأسروا الندامة لما رأوا العذاب، وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا، هل يجزون إلا ما كانوا يعملون( ٣٣ ) ﴾ : للقادة عذاب بحسبهم، وللأتباع عذاب بحسبهم، وبدلا من سلاسل الخداع والتضليل، التي كانوا يوثقون بها أعناق الجيل بعد الجيل، هاهي أعناقهم موثقة بسلاسل من أغلال الحديد الثقيل.
وسبق في كتاب الله سؤال من هذا النوع، موجه إلى عيسى عليه السلام مع جواب مماثل ( ١١٦ : ٥ )، أنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله. قال، سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق }،
ثم واصل الملائكة جوابهم قائلين :﴿ بل كانوا يعبدون الجن، أكثرهم بهم مؤمنون( ٤١ ) ﴾، أي أن شياطين الجن هم الذين زينوا لهم عبادة الأوثان، وخيلوا إليهم أن تلك الأوثان هي على صور الملائكة، فصدقوهم وآمنوا بهم، ﴿ وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم ﴾( ١٠٠ : ٦ )، ﴿ وجعلوا بينه وبين الجن نسبا ﴾ ( ١٥٨ : ٣٧ )، قال جار الله الزمخشري ( قد علم سبحانه كون الملائكة وعيسى منزهين برءاء مما وجه إليهم من السؤال الوارد على طريق التقرير، والغرض أن يقول ويقولوا، ويسأل ويجيبوا، فيكون تقريع من عبدوهم أشد، وتعييرهم أبلغ، وخجلهم أعظم ).
الربع الثاني من الحزب الرابع والأربعين في المصحف الكريم
ومتى أنعموا النظر على هذا الوجه المعتبر، رفضوا مزاعم المعاندين والمكذبين، وأدركوا عن علم ويقين، أن محمدا عليه الصلاة والسلام رسول الله حقا وصدقا، وأنه خاتم الرسل المبعوث إلى الخلق أجمعين، وبذلك يبطل تلقائيا قول من زعم أنه ( ساحر ) إذ لا أثر في أفعاله وأقواله لأي نوع من أنواع السحر، ويبطل قول من زعم أنه ( شاعر ) إذ لا تشابه بين آيات الذكر الحكيم وبين أي نوع من أنواع الشعر، ويبطل قول من زعم أنه ( مجنون ) إذ لا يبدو في تصرفاته وأحواله أي أثر من آثار الجنون. وكيف ينسب الجنون إلى من آتاه الله الكتاب والحكمة، وأكرمه بمزية التحصين والعصمة :﴿ ما بصاحبكم من جنة، إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد( ٤٦ ) ﴾.
ثم إن ( الحق ) لا بد أن ينتصر، و( الباطل )، لابد أن يندحر، وما على الرسول الأعظم إلا أن يضع كل من عنده شك أمام هذه الحقيقة الناصعة :﴿ قل إن ربي يقذف بالحق ﴾، أي : يرمي به الباطل، فيدمغه فإذا هو زاهق، ﴿ علام الغيوب( ٤٨ ) قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد( ٤٩ ) ﴾، أي : لا يبدئ الباطل لأهله خيرا ولا يعيده، لا في الدنيا ولا في الآخرة، وسبق قوله تعالى في سورة الإسراء ( ٨١ ) :﴿ وقل جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا ﴾.
ومن المواقف الحاسمة التي طبقت فيها هذه الآيات الكريمة، في الوقت المناسب، والموقف المناسب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما فتح مكة ودخل الكعبة، ووجد حولها ثلاثمائة وستين صنما جعل يطعنها بسية قوسه ويقول :﴿ جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا ﴾، ﴿ جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد ﴾، و( سية القوس ) ما عطف من طرفيها.
ثم إن ( الحق ) لا بد أن ينتصر، و( الباطل )، لابد أن يندحر، وما على الرسول الأعظم إلا أن يضع كل من عنده شك أمام هذه الحقيقة الناصعة :﴿ قل إن ربي يقذف بالحق ﴾، أي : يرمي به الباطل، فيدمغه فإذا هو زاهق، ﴿ علام الغيوب( ٤٨ ) قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد( ٤٩ ) ﴾، أي : لا يبدئ الباطل لأهله خيرا ولا يعيده، لا في الدنيا ولا في الآخرة، وسبق قوله تعالى في سورة الإسراء ( ٨١ ) :﴿ وقل جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا ﴾.
ومن المواقف الحاسمة التي طبقت فيها هذه الآيات الكريمة، في الوقت المناسب، والموقف المناسب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما فتح مكة ودخل الكعبة، ووجد حولها ثلاثمائة وستين صنما جعل يطعنها بسية قوسه ويقول :﴿ جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا ﴾، ﴿ جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد ﴾، و( سية القوس ) ما عطف من طرفيها.
ثم إن ( الحق ) لا بد أن ينتصر، و( الباطل )، لابد أن يندحر، وما على الرسول الأعظم إلا أن يضع كل من عنده شك أمام هذه الحقيقة الناصعة :﴿ قل إن ربي يقذف بالحق ﴾، أي : يرمي به الباطل، فيدمغه فإذا هو زاهق، ﴿ علام الغيوب( ٤٨ ) قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد( ٤٩ ) ﴾، أي : لا يبدئ الباطل لأهله خيرا ولا يعيده، لا في الدنيا ولا في الآخرة، وسبق قوله تعالى في سورة الإسراء ( ٨١ ) :﴿ وقل جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا ﴾.
ومن المواقف الحاسمة التي طبقت فيها هذه الآيات الكريمة، في الوقت المناسب، والموقف المناسب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما فتح مكة ودخل الكعبة، ووجد حولها ثلاثمائة وستين صنما جعل يطعنها بسية قوسه ويقول :﴿ جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا ﴾، ﴿ جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد ﴾، و( سية القوس ) ما عطف من طرفيها.
ثم عقب كتاب الله على ذلك كله بقوله :﴿ إنه سميع ﴾إشارة إلى أن الله تعالى مطلع على كل ما يدور بين الرسول وخصوم الرسالات من جدل وحوار، وأنه يبارك ذلك الحوار الموصول الحلقات، عسى أن يقتنع الشاكون والجاحدون بما يقدمه لهم كتاب الله من الحجج والبراهين، ويهتدوا إلى الحق المبين، وبقوله :﴿ قريب( ٥٠ ) ﴾، إشارة إلى أن من طرق باب الحق سبحانه وتعالى ملتمسا للهداية، نال منه ما يرجوه وأشرف على الغاية، ﴿ ولقد خلقنا الإنسان، ونعلم ما توسوس به نفسه، ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ﴾، ( ١٦ : ٥٠ ).
ثم كشف كتاب الله عن السر فيما تعرضوا له من الأهوال، مبينا أن ( الشك ) الذي كان مسيطرا على عقولهم هو علة العلل فيما أصاب حياتهم من الانتكاس والاختلال، ﴿ إنهم كانوا في شك مريب( ٥٤ ) ﴾.