ﰡ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قَالَ تَعَالَى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (١)).قَوْلُهُ تَعَالَى: (فِي الْآخِرَةِ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا الْعَامِلُ فِيهِ «الْحَمْدُ» أَوِ الظَّرْفُ؛ وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ (الْحَمْدُ) وَالْعَامِلُ فِيهِ الظَّرْفُ.
قَالَ تَعَالَى: (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَعْلَمُ) : هُوَ مُسْتَأْنَفٌ. وَقِيلَ: هُوَ حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ.
قَالَ تَعَالَى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (عَالِمِ الْغَيْبِ) : يُقْرَأُ بِالرَّفْعِ؛ أَيْ هُوَ عَالَمُ؛ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً، وَالْخَبَرُ (لَا يَعْزُبُ). وَبِالْجَرِّ صِفَةً لِرَبِّي، أَوْ بَدَلًا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَا أَصْغَرَ) : بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى ذَرَّةٍ، وَبِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى مِثْقَالُ.
قَالَ تَعَالَى: (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لِيَجْزِيَ) : تَتَعَلَّقُ بِمَعْنَى «لَا يَعْزُبُ» فَكَأَنَّهُ قَالَ: يُحْصِي ذَلِكَ لِيَجْزِيَ
قَالَ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٍ (٥))
قَالَ تَعَالَى: (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيَرَى) : هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى لِيَجْزِيَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا.
وَ (الَّذِي أُنْزِلَ) : مَفْعُولٌ أَوَّلُ، وَ «الْحَقَّ» مَفْعُولٌ ثَانٍ. وَ «هُوَ» فَصْلٌ.
وَقُرِئَ: الْحَقُّ - بِالرَّفْعِ - عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرِ.
وَفَاعِلُ «يَهْدِي» ضَمِيرُ الَّذِي أُنْزِلَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرَ اسْمِ اللَّهِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطَفَ عَلَى مَوْضِعِ الْحَقِّ، وَتَكُونُ «أَنْ» مَحْذُوفَةً. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ فَاعِلٍ، أَيْ وَيَرَوْهُ حَقًّا وَهَادِيًا.
قَالَ تَعَالَى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ (٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِذَا مُزِّقْتُمْ) : الْعَامِلُ فِي «إِذَا» مَا دَلَّ عَلَيْهِ خَبَرُ إِنَّ؛ أَيْ إِذَا مُزِّقْتُمْ بُعِثْتُمْ، وَلَا يَعْمَلُ فِيهِ يُنَبِّئُكُمْ؛ لِأَنَّ إِخْبَارَهُمْ لَا يَقَعُ وَقْتَ تَمْزِيقِهِمْ؛ وَلَا مُزِّقْتُمْ؛ لِأَنَّ إِذَا مُضَافَةٌ إِلَيْهَا؛ وَلَا «جَدِيدَ» لِأَنَّ مَا بَعْدَ إِنَّ لَا يَعْمَلُ فِيمَا قَبْلَهَا، وَأَجَازَهُ قَوْمٌ فِي الظُّرُوفِ.
(أَفْتَرَى) : الْهَمْزَةُ لِلِاسْتِفْهَامِ، وَهَمْزَةُ الْوَصْلِ حُذِفَتِ اسْتِغْنَاءً عَنْهَا.
قَالَ تَعَالَى: (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (نَخْسِفْ بِهِمُ) : الْإِظْهَارُ هُوَ الْأَصْلُ؛ وَالْإِدْغَامُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْفَاءَ وَالْبَاءَ مُتَقَارِبَانِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَاجِبَالُ) : أَيْ وَقُلْنَا: يَا جِبَالُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَفْسِيرًا لِلْفَضْلِ، وَكَذَا «وَأَلَنَّا لَهُ».
(وَالطَّيْرَ) بِالنَّصْبِ، وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ؛ أَحَدُهَا: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَوْضِعِ جِبَالٍ. وَالثَّانِي: الْوَاوُ بِمَعْنَى مَعَ، وَالَّذِي أَوْ صِلَتُهُ الْوَاوُ «أَوِّبِي» لِأَنَّهَا لَا تُنْصَبُ إِلَّا مَعَ الْفِعْلِ. وَالثَّالِثُ: أَنْ تُعْطَفَ عَلَى «فَضْلًا» وَالتَّقْدِيرُ: وَتَسْبِيحَ الطَّيْرِ؛ قَالَهُ الْكِسَائِيُّ. وَالرَّابِعُ: بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ وَسَخَّرَنَا لَهُ الطَّيْرَ.
وَيُقْرَأُ بِالرَّفْعِ، وَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى لَفْظِ جِبَالٍ. وَالثَّانِي: عَلَى الضَّمِيرِ فِي أَوِّبِي، وَأَغْنَتْ «مَعَ» عَنْ تَوْكِيدِهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنِ اعْمَلْ) : أَنْ بِمَعْنَى أَيْ؛ أَيْ أَمَرْنَاهُ أَنِ اعْمَلْ.
وَقِيلَ: هِيَ مَصْدَرِيَّةٌ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (١٢) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (١٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ) : يُقْرَأُ بِالنَّصْبِ؛ أَيْ وَسَخَّرْنَا. وَبِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ.
وَ (غُدُوُّهَا شَهْرٌ) : جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ «الرِّيحِ» وَالتَّقْدِيرُ: مُدَّةَ غُدُوِّهَا، لِأَنَّ الْغُدُوَّ مَصْدَرٌ وَلَيْسَ بِزَمَانٍ.
وَ (آلَ دَاوُدَ) : أَيْ يَا آلَ، أَوْ أَعْنِي آلَ دَاوُدَ.
وَ (شُكْرًا) : مَفْعُولٌ لَهُ. وَقِيلَ: هُوَ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ عَمَلًا شُكْرًا.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: اشْكُرُوا شُكْرًا.
قَالَ تَعَالَى: (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (١٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنْسَأَتَهُ) : الْأَصْلُ الْهَمْزُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ نَسَأْتُ النَّاقَةَ وَغَيْرَهَا، إِذَا سُقْتُهَا؛ وَالْمِنْسَأَةُ: الْعَصَا الَّتِي يُسَاقُ بِهَا، إِلَّا أَنَّ هَمْزَتَهَا أُبْدِلَتْ أَلِفًا تَخْفِيفًا.
وَقُرِئَ فِي الشَّاذِّ «مِنْ سَأَتِهِ» بِكَسْرِ التَّاءِ عَلَى أَنَّ «مِنْ» حَرْفُ جَرٍّ. وَقَدْ قِيلَ: غَلِطَ قَارِئُهَا. وَقَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: سُمِّيَتِ الْعَصَا: سَأَةً؛ لِأَنَّهَا تَسُوءُ؛ فَهِيَ فَلَةٌ، وَالْعَيْنُ مَحْذُوفَةٌ، وَفِيهِ بُعْدٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (تَبَيَّنَتْ) : عَلَى تَسْمِيَةِ الْفَاعِلِ، وَالتَّقْدِيرُ: تَبَيَّنَ أَمْرُ الْجِنِّ.
وَ (أَنْ لَوْ كَانُوا) : فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بَدَلًا مِنْ «أَمْرِ» الْمُقَدَّرِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى تَبَيَّنَتِ الْإِنْسُ جَهْلَ الْجِنِّ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ؛ أَيْ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ جَهْلَهَا.
وَيُقْرَأُ (تَبَيَّنَتْ) عَلَى تَرْكِ تَسْمِيَةِ الْفَاعِلِ، وَهُوَ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ بَيِّنٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لِسَبَأٍ) : قَدْ ذُكِرَ فِي النَّمْلِ.
وَ (مَسَاكِنَ) : جَمْعُ مَسْكَنٍ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ؛ وَهَمَا الْمَنْزِلُ مَوْضِعُ السُّكُونِ؛ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا؛ فَيَكُونَ الْوَاحِدُ مَفْتُوحًا مِثْلَ الْمَقْعَدِ وَالْمَطْلَعِ، وَالْمَكَانِ بِالْكَسْرِ.
وَ (آيَةٌ) : اسْمُ كَانَ.
وَ (جَنَّتَانِ) : بَدَلٌ مِنْهَا، أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بَلْدَةٌ) : أَيْ هَذِهِ بَلْدَةٌ.
(وَرَبٌّ) أَيْ وَرَبُّكُمْ رَبٌّ، أَوْ وَلَكُمْ رَبٌّ.
وَيُقْرَأُ شَاذًّا «بَلْدَةً وَرَبًّا» بِالنَّصْبِ، عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ الشُّكْرِ.
قَالَ تَعَالَى: (فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (١٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أُكُلٍ خَمْطٍ) : يُقْرَأُ بِالتَّنْوِينَ، وَالتَّقْدِيرُ: أُكُلٍ أُكُلَ خَمْطٍ، فَحُذِفَ الْمُضَافُ؛ لِأَنَّ الْخَمْطَ شَجَرٌ وَالْأُكُلَ ثَمَرَةٌ. وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: أُكُلٍ ذِي خَمْطٍ. وَقِيلَ: هُوَ بَدَلٌ مِنْهُ، وَجَعَلَ «خَمْطٍ» أُكُلًا لِمُجَاوَرَتِهِ إِيَّاهُ، وَكَوْنِهِ سَبَبًا لَهُ.
وَيُقْرَأُ بِالْإِضَافَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ.
وَ (قَلِيلٍ) : نَعْتٌ لِأُكُلٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِخَمْطٍ وَأَثْلٍ وَسِدْرٍ.
قَالَ تَعَالَى: (فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (١٩)).
وَ «بَاعِدْ» بَعَّدَ، عَلَى لَفْظِ الْمَاضِي.
وَيُقْرَأُ: رَبُّنَا، وَ «بَاعَدَ» وَ «بَعُدَ» عَلَى الْخَبَرِ.
وَ (مُمَزَّقٌ) : مَصْدَرٌ، أَوْ مَكَانٌ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (صَدَّقَ عَلَيْهِمْ) : بِالتَّخْفِيفِ، وَ «إِبْلِيسُ» فَاعِلُهُ، وَ «ظَنَّهُ» بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ؛ كَأَنَّهُ ظَنَّ فِيهِمْ أَمْرًا وَوَاعَدَهُ نَفْسَهُ فَصَدَّقَهُ.
وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: صَدَقَ فِي ظَنِّهِ، فَلَمَّا حُذِفَ الْحَرْفُ وُصِلَ الْفِعْلُ.
وَيُقْرَأُ بِالتَّشْدِيدِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى.
وَيُقْرَأُ «إِبْلِيسَ» بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ، وَظَنُّهُ فَاعِلٌ؛ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
فَإِنْ يَكُ ظَنِّي صَادِقًا وَهُوَ صَادِقِي
وَيُقْرَأُ بِرَفْعِهِمَا بِجَعْلِ الثَّانِي بَدَلَ الِاشْتِمَالِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٢١))
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَنْ يُؤْمِنُ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الَّذِي فَيَنْتَصِبَ بِنَعْلَمَ، وَأَنْ يَكُونَ اسْتِفْهَامًا فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ.
وَ (مِنْهَا) : إِمَّا عَلَى التَّبْيِينِ؛ أَيْ لِشَكٍّ مِنْهَا؛ أَيْ بِسَبَبِهَا؛ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ «شَكٍّ» وَقِيلَ: «مِنْ» بِمَعْنَى فِي.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ) : يَجُوزُ أَنْ تَتَعَلَّقَ اللَّامُ بِالشَّفَاعَةِ؛ لِأَنَّكَ تَقُولُ: شَفَعْتُ لَهُ؛ وَأَنْ تَتَعَلَّقَ بِتَنْفَعُ.
(فُزِّعَ) بِالتَّشْدِيدِ، عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَالْقَائِمُ مَقَامَ الْفَاعِلِ: «عَنْ قُلُوبِهِمْ» وَالْمَعْنَى: أُزِيلَ عَنْ قُلُوبِهِمْ. وَقِيلَ: الْمُسْنَدُ إِلَيْهِ فِعْلٌ مُضْمَرٌ دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ؛ أَيْ نُحِّيَ الْخَوْفُ.
وَيُقْرَأُ بِالْفَتْحِ عَلَى التَّسْمِيَةِ؛ أَيْ فَزَّعَ اللَّهُ، أَيْ كَشَفَ عَنْهَا.
وَيُقْرَأُ: فَرَّغَ؛ أَيْ أَخْلَى.
وَقُرِئَ شَاذًّا «افْرَنْقَعَ» أَيْ تَفَرَّقَ، وَلَا تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِهَا.
قَالَ تَعَالَى: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٢٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَوْ إِيَّاكُمْ) : مَعْطُوفٌ عَلَى اسْمِ إِنَّ، وَأَمَّا الْخَبَرُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُكَرَّرًا؛ كَقَوْلِكَ: إِنَّ زَيْدًا وَعَمْرًا قَائِمٌ؛ التَّقْدِيرُ: إِنَّ زَيْدًا قَائِمٌ وَإِنَّ عَمْرًا قَائِمٌ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ لِلْأَوَّلِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ لِلثَّانِي؛ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ «لَعَلَى هُدًى» خَبَرَ الْأَوَّلِ، وَ «أَوْ فِي ضَلَالٍ» مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ، وَخَبَرُ الْمَعْطُوفِ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ الْمَذْكُورِ عَلَيْهِ.
وَعَكْسُهُ آخَرُونَ، وَالْكَلَامُ عَلَى الْمَعْنَى غَيْرُ الْإِعْرَابِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى إِنَّا عَلَى هُدًى
قَالَ تَعَالَى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٢٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِلَّا كَافَّةً) : هُوَ حَالٌ مِنَ الْمَفْعُولِ فِي «أَرْسَلْنَاكَ» وَالْهَاءُ زَائِدَةٌ لِلْمُبَالَغَةِ.
وَ (لِلنَّاسِ) مُتَعَلِّقٌ بِهِ؛ أَيْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ عَنِ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي.
وَقِيلَ: هُوَ حَالٌ مِنَ النَّاسِ، إِلَّا أَنَّهُ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَالِ مَجْرُورٌ. وَيَضْعُفُ هُنَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ؛ وَذَاكَ أَنَّ اللَّامَ عَلَى هَذَا تَكُونُ بِمَعْنَى إِلَى؛ إِذِ الْمَعْنَى أَرْسَلْنَاكَ إِلَى النَّاسِ؛ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: مِنْ أَجْلِ النَّاسِ.
قَالَ تَعَالَى: (قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ (٣٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِيعَادُ يَوْمٍ) : هُوَ مَصْدَرٌ مُضَافٌ إِلَى الظَّرْفِ.
وَالْهَاءُ فِي «عَنْهُ» يَجُوزُ أَنْ تَعُودَ عَلَى الْمِيعَادِ وَعَلَى الْيَوْمِ، وَإِلَى أَيِّهِمَا أَعَدْتَهَا كَانَتِ الْجُمْلَةُ نَعْتًا لَهُ.
قَالَ تَعَالَى: (وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٣٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ) : مِثْلُ مِيعَادِ يَوْمٍ.
وَيُقْرَأُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ، وَالتَّقْدِيرُ: بَلْ صَدَّنَا كُرُورُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ عَلَيْنَا.
وَيُقْرَأُ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ بِالنَّصْبِ عَلَى تَقْدِيرِ: مُدَّةَ كُرُورِهِمَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (زُلْفَى) : مَصْدَرٌ عَلَى الْمَعْنَى؛ أَيْ يُقَرِّبُكُمْ قُرْبَى.
(إِلَّا مَنْ آمَنَ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا، وَأَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا مُسْتَثْنًى مِنَ الْمَفْعُولِ فِي «تُقَرِّبِكُمْ» وَأَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا بِالِابْتِدَاءِ، وَمَا بَعْدَهُ الْخَبَرُ.
قَالَ تَعَالَى: (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٣٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ) : فِي «مَا» وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: شَرْطِيَّةٌ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، وَالْفَاءُ جَوَابُ الشَّرْطِ، وَ «مِنْ شَيْءٍ» تَبْيِينٌ.
وَالثَّانِي: هُوَ بِمَعْنَى الَّذِي فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ، وَمَا بَعْدَ الْفَاءِ الْخَبَرُ.
قَالَ تَعَالَى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (٤٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَهَؤُلَاءِ) : مُبْتَدَأٌ وَ «إِيَّاكُمْ» فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِـ «يَعْبُدُونَ» وَ «يَعْبُدُونَ» خَبَرُ كَانَ؛ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ تَقْدِيمِ خَبَرِ كَانَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ مَعْمُولَ الْخَبَرِ بِمَنْزِلَتِهِ.
قَالَ تَعَالَى: (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (٤٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنْ تَقُومُوا) : هُوَ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ بَدَلًا مِنْ «وَاحِدَةٍ» أَوْ رَفْعٍ عَلَى تَقْدِيرِ: هِيَ أَنْ تَقُومُوا، أَوْ نَصْبٍ عَلَى تَقْدِيرِ: أَعْنِي.
وَ (تَتَفَكَّرُوا) : مَعْطُوفٌ عَلَى «تَقُومُوا».
وَ (مَا بِصَاحِبِكُمْ) : نَفْيٌ.
قَالَ تَعَالَى: (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (٤٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (عَلَّامُ الْغُيُوبِ) : بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَوْ خَبَرٌ ثَانٍ، أَوْ بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي «يَقْذِفُ» أَوْ صِفَةٌ عَلَى الْمَوْضِعِ.
وَبِالنَّصْبِ صِفَةٌ لِاسْمِ «إِنَّ» أَوْ عَلَى إِضْمَارِ أَعْنِي.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (٥١) وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (٥٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَلَا فَوْتَ) : أَيْ فَلَا فَوْتَ لَهُمْ.
وَ (التَّنَاوُشُ) - بِغَيْرِ هَمْزٍ: مِنْ نَاشَ يَنُوشُ؛ إِذَا تَنَاوَلَ. وَالْمَعْنَى: مِنْ أَيْنَ لَهُمْ تَنَاوُلُ السَّلَامَةِ؟ ! وَيُقْرَأُ بِالْهَمْزِ مِنْ أَجْلِ ضَمِّ الْوَاوِ.
وَقِيلَ: هِيَ أَصْلٌ، مِنْ نَاشَهُ يَنْأَشُهُ، إِذَا خَلَّصَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.