ﰡ
فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَهُ : اقْرَأ، فَقَالَ :" مَا أنَا بَقَارئٍ " قَالَ :" فَأَخَذنِي فَغَطَّنِي حَتَّى أخَذ مِنِّي الْجُهْدَ ثُمَّ أرْسَلَنِي، فَقَالَ لِي : اقْرَأ، فَقُلْتُ : مَا أنَا بقَارئٍ، فَأَخَذنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ كَذلِكَ ثُمَّ أرْسَلَنِي، فَقَالَ لِي : اقْرَأ، فَقُلْتُ : مَا أنَا بقَارئٍ، فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أرْسَلَنِي فَقَالَ لِي :﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾. فَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يرْجِفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ فَقَالَ :" زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي "، فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَأَخْبَرَ خَدِيجَةَ بالْخَبَرِ وَقَالَ :" خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي ".
فَانْطَلَقَتْ بهِ خَدِيجَةُ إلى وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلَ وَهُوَ ابْنُ عَمِّهَا، وَكَانَ امْرِءاً تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ مِنَ الإنْجِيلِ بالْعَبْرَانِيَّةِ، وَكَانَ شَيْخاً كَبيراً قَدْ ضَعُفَ بَصَرُهُ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ : يَا ابْنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنْ ابْنِ أخِيكَ، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلَ : يَا ابْنَ أخِي مَاذا رَأيْتَ ؟ فَأَخْبَرَهُ بَمَا رَأى، فَقَالَ وَرَقَةُ : هَذا هُوَ النَّامُوسُ الَّذِي نَزَلَ عَلَى مُوسَى، فَيَا لَيْتَنِي أكُونُ حَيّاً حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فقال ﷺ :" أوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟! " قَالَ : لَمْ يَأْتِ أحَدٌ بمِثْلِ مَا جِئْتَ بهِ إلاَّ عُودِيَ وَأُوذِيَ، وَإنْ يُدْركْنِي يَوْمُكَ أنْصُرْكَ نَصْراً مُؤزَّراً. ثُمَّ إنَّ وَرَقَةَ لَمْ يُدْركْ وَقْتَ الدَّعْوَةِ أنْ تُوُفِّي ".
واختلَفُوا في الباءِ في قوله ﴿ بِاسْمِ رَبِّكَ ﴾ قال بعضُهم : هي زائدةٌ ؛ وتقديرهُ : اقرَأ اسمَ ربكَ، كما يقالُ : قرأتُ بسُورةِ كذا. وقال بعضُهم : افتحِ القراءةَ بسمِ الله. وَقِيْلَ : معناهُ : اقرأ القرآنَ بعَونِ اللهِ وتوفيقه. وقولهُ تعالى ﴿ الَّذِي خَلَقَ ﴾ أي خلقَكَ. وَقِيْلَ : خلَقَ الأشياء كلَّها.
والنَّادي في اللغة : المجلسُ، والمراد بالمجلسِ هاهنا أهلُ المجلسِ. والزبانيةُ : هم الملائكةُ الموكَّلون بتعذيب أهل النار، واحدُهم زَبْنٌ، والزَّبْنُ الدفعُ، يقالُ : زَبَنْتِ الناقةَ الحالبَة إذا ركضَتْهُ برجلِها، قال ﷺ :" لَوْ نَادَى نَادِيَهُ لأَخَذتْهُ الزَّّبَانِيَةُ عَيَاناً ".
رُوي :" أنَّ النبيَّ ﷺ كانَ يُصلي بعدَ هذه السُّورة، فأتاهُ أبو جهلٍ ليُؤذيَهُ على عادتهِ، فوجدَهُ يقرأُ هذه السُّورة، فخافَ وانصرفَ. فقيل له : أخِفْتَهُ؟! وما الذي منعَكَ أن تفعلَ به ما هَمَمتَ به ؟ قال : وجدتُ عنده حارساً يحرسهُ، وسَمعتهُ يهدِّدُنِي بالزَّبانية، أما الحارسُ فهو فحلٌ أهوَى إلَيَّ أرادَ أن يَأكُلَني، واللهِ ما أدري ما زَبانِيَتهُ فهربتُ ".