ﰡ
(مكية وقيل مدنية حروفها مائة وخمسة عشر كلمها وعشرون آياتها سبع)
[سورة الماعون (١٠٧) : الآيات ١ الى ٧]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (١) فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (٢) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (٣) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤)الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (٥) الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ (٦) وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ (٧)
الوقوف:
بِالدِّينِ هـ ط لأن قوله فَذلِكَ كالجزاء لشرط محذوف أي إن لم تعرفه فهو فلان الْيَتِيمَ هـ لا الْمِسْكِينِ هـ ج لِلْمُصَلِّينَ هـ لا ساهُونَ هـ لا يُراؤُنَ هـ لا الْماعُونَ هـ
التفسير:
هذا مثال آخر لكون الإنسان في خسر. قال ابن جريج: نزلت في أبي سفيان كان ينحر جزورين في كل أسبوع فأتاه يتيم فسأله لحما فقرعه بعصاه. وقال مقاتل: نزلت في العاص بن وائل السهمي وكان من صفته الجمع بين التكذيب بيوم القيامة والإتيان بالأفعال القبيحة. وعن السدي: نزلت في الوليد بن المغيرة وقيل: في أبي جهل.
حكى الماوردي أنه كان وصيا ليتيم فجاءه وهو عريان أن يسأله شيئا من مال نفسه فدفعه ولم يعبأ به فأيس الصبي فقال له أكابر قريش استهزاء: قل لمحمد يشفع لك فجاء إلى النبي ﷺ والتمس منه الشفاعة، وكان النبي ﷺ لا يرد محتاجا فذهب معه إلى أبي جهل فقام أبو جهل ورحب به وبذل المال لليتيم فعيره قريش فقالوا: صبأت فقال: لا والله ما صبأت لكن رأيت عن يمينه وعن يساره حربة خفت إن لم أجبه يطعنها فيّ.
وقال كثير من المفسرين: إنه عام لكل من كان مكذبا بيوم الدين والمعنى: هل عرفت الذي يكذب بالجزاء من هو فإن لم تعرفه فهو الذي يدع اليتيم، وذلك لأن إقدام الإنسان على الطاعات وإحجامه عن المحظورات إنما يكون للرغبة في الثواب أو الرهبة من العقاب. فإذا كان منكرا للقيامة لم يترك شيئا من المشتهيات واللذات، فإنكار المعاد كالأصل لجميع أنواع الكفر والمعاصي، والغرض منه لتعجيب كقولك «أرأيت فلانا ماذا ارتكب» والخطاب لكل عاقل، أو للرسول صلى الله عليه وسلم. وقيل:
[النساء:
١٤٢] وهو قول سعد بن أبي وقاص ومسروق والحسن ومقاتل: وفائدة عن المفيدة للبعد والمجاوزة هذه. وأما السهو في الصلاة فذلك أمر غير اختياري فلا يدخل تحت التكليف، وقد ثبت أنه ﷺ سها في الصلاة، وقد أثبت الفقهاء لسجود السهو بابا في كتبهم. وعن أنس: الحمد لله الذي لم يقر «في صلاتهم» ولعل في إضافة الصلاة إليهم إشارة إلى أن تلك الصلاة لا تليق إلا بهم لأنها كلا صلاة من حيث إنهم تركوا شرائطها وأركانها فلم يكن هناك إلا صورة صلاة صح باعتبارها إطلاق المصلين عليهم في الظاهر. ويجوز أن يطلق لفظ المصلين على تاركي الصلاة بناء على أنهم من جملة المكلفين بالصلاة ومعنى المفاعلة في المرآة أن المرائي يرى الناس عمله وهم يرونه الثناء عليه والإعجاب به وقد مر في قوله رِئاءَ النَّاسِ [النساء: ١٤٢] ويُراؤُنَ النَّاسَ
[البقرة: ٢٦٤] ولا بأس بالإراءة إذا كان الغرض الاقتداء أو نفي التهمة واجتناب الرياء صعب إلا على من راض نفسه وحملها على الإخلاص ومن هنا
قال رسول الله ﷺ «الرياء أخفى من دبيب النملة السوداء في الليلة
وفي الْماعُونَ أقوال: فأكثر المفسرين على أنه اسم جامع لما لا يمنع في العادة ويسأله الفقير والغني في أغلب الأحوال ولا ينسب سائله إلى لؤم بل ينسب مانعه إلى اللؤم والبخل كالفأس والقدر والدلو والمقدحة والغربال والقدوم، ويدخل فيه الماء والملح والنار لما
روي «ثلاثة لا يحل منعها الماء والنار والملح» «٢»
ومن ذلك أن يلتمس جارك الخبز في تنورك أو أن يضع متاعه عندك يوما أو نصف يوم. قالوا:
هو «فاعول» من المعن وهو الشيء القليل ولا منه ماله سعنة ومعنة أي كثير وقليل. وقد تسمى الزكاة ماعونا لأنه يؤخذ من المال ربع العشر وهو قليل من كثير. قال العلماء: ومن الفضائل أن يستكثر الرجل في منزله مما يحتاج إليه الجيران فيعيرهم ذلك ولا يقتصر على قدر الضرورة، وقد يكون منع هذه الأشياء محظورا في الشريعة إذا استعيرت عن اضطرار.
وعن أبي بكر وعلي رضي الله عنهم وابن عباس وابن الحنيفة وابن عمرو الحسن وسعيد بن جبير وعكرمة وقتادة والضحاك: هو الزكاة لأنه تعالى ذكرها عقيب الصلاة.
وقال الفراء: سمعت بعض العرب يقول: الماعون هو الماء ولعله خص بالذكر لأنه أعز مفقود وأرخص موجود وأول آلام أهل النار أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ [الأعراف: ٥٠] وأول لذات أهل الجنة وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً [الدهر: ٢١] وقيل: هو حسن الانقياد والطاعة. وفي الآيتين إشارة إلى أن الصلاة لي والماعون للخلق، فالذي يحب أن يفعل لأجلي يرونه الناس والذي هو حق الخلق يمنعونه منهم فلا يراعون جانب التعظيم لأمر الله ولا جانب الشفقة على خلق الله وهذه كمال الشقاوة نعوذ بالله منها والله تعالى أعلم.
(٢) رواه ابن ماجه في كتاب الرهون باب ١٦. بلفظ «الكلا» بدل «الملح».