ﰡ
وعليهما مسرودتان قضاهما | داود أو صنع السوابغ تبغ |
تروح على آل الملحق جفنة | كجابية الشيخ العراقي تفهق |
قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : قال سليمان عليه السلام لملك الموت : إذا أمرت بي فأعلمني، فأتاه فقال : يا سليمان قد أمرت بك قد بقيت لك سويعة، فدعا الشياطين فبنوا عليه صرحاً من قوارير، وليس له باب، فقام يصلي فاتكأ على عصاه، قال : فدخل عليه ملك الموت فقبض روحه وهو متكىء على عصاه، ولم يصنع ذلك فراراً من ملك الموت، قال : والجن تعمل بين يديه وينظرون إليه يحسبون أنه حي. قال : فبعث الله عزَّ وجلَّ دابة الأرض، قال : والدابة تأكل العيدان يقال لها : القادح، فدخلت فيها فأكلتها، حتى إذا أكلت جوف العصا ضعفت وثقل عليها فخر ميتاً فلما رأت الجن ذلك انفضوا وذهبوا، قال : فذلك قوله تعالى :﴿ مَا دَلَّهُمْ على مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ ﴾ قال أصبغ : بلغني أنها قامت سنة تأكل منها قبل أن يخر، وذكر غير واحد من السلف نحواً من هذا، والله أعلم.
إما سألت فإنا معشر نجب | الأزد نسبتنا والماء غسان |
وقوله تعالى :﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ العرم ﴾ المراد بالعرم المياه، وقيل : الوادي، وقيل : الماء الغزير، وذكر غير واحد منهم ابن عباس وقتادة والضحاك : أن الله عزَّ وجلَّ لما أراد عقوبتهم بإرسال العرم عليهم بعث على السد دابة من الأرض، يقال لها الجرذ، نقبته، وانساب الماء في أسفل الوادي، وخرب ما بين يديه من الأبنية والأشجار وغير ذلك، ونضب الماء عن الأشجار التي في الجبلين عن يمين وشمال، فيبست وتحطمت، وتبدلت تلك الأشجار المثمرة الأنيقة النضرة، كما قال الله تبارك وتعالى :﴿ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ ﴾ قال ابن عباس ومجاهد : هو الأراك وأكلة البربر ﴿ وَأَثْلٍ ﴾ هو الطرفاء، وقال غيره : هو شجر يشبه الطرفاء، وقيل : هو السمر والله أعلم، وقوله :﴿ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ﴾ لما كان أجود هذه الأشجار المبدل بها هو السدر، قال :﴿ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ﴾ فهذا الذي صار أمر تينك الجنتين إليه، بعد الثمار النضيجة والمناظر الحسنة والظلال العميقة والأنهار الجارية، تبدلت إلى شجر الأراك والطرفاء والسدر ذي الشوك الكثير والثمر القليل، وذلك بسبب كفرهم وشركهم بالله وتكذيبهم الحق وعدولهم عنه إلى الباطل، ولهذا قال تعالى :﴿ ذلك جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُواْ وَهَلْ نجازي إِلاَّ الكفور ﴾ أي عاقبناهم بكفرهم، قال مجاهد : ولا يعاقب إلا الكفور. وقال الحسن البصري : صدق الله العظيم لا يعاقب بمثل فعله إلا الكفور، وقال ابن أبي جاتم عن ابن خيرة وكان من أصحاب علي رضي الله عنه قال : جزاء المعصية الوهن في العبادة، والضيق في المعيشة، والتعسر في اللذة، قيل : وما التعسر في اللذة؟ قال : لا يصادف لذة حلال إلا جاءه من ينغصه إياها.
وقوله تعالى :﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ أي إن في هذا الذي حل بهؤلاء من النقمة والعذاب، وتبديل النعمة وتحويل العافية عقوبة على ما ارتكبوه من الكفر والآثام، لعبرة لكل عبد صبار على المصائب، شكور على النعم، روى الإمام أحمد عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال، قال رسول الله ﷺ :« عجبت من قضاء الله تعالى للمؤمن إن أصابه خير حمد ربه وشكر، وإن أصابته مصيبة حمد ربه وصبر، يؤجر المؤمن في كل شيء حتى في اللقمة يرفعها إلى امرأته »، وهذا الحديث له شاهد في « الصحيحين » من حديث أبي هريرة رضي الله عنه :« عجباً للمؤمن لا يقضي الله تعالى له قضاء إلا كان خيراً له، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له؛ وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن »، قال قتادة :﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ كان مطرف يقول : نعم العبد الصبار الشكور الذي إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر.
وقال آخرون : بل معنى قوله تعالى :﴿ حتى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ ﴾ يعني المشركين عند الاحتضار ويوم القيامة، إذا استيقظوا مما كانوا فيه من الغفلة في الدنيا، قالوا : ماذا قال ربكم؟ فقيل لهم : الحق، وأخبروا به مما كانوا عنه لاهين في الدنيا، قال مجاهد ﴿ حتى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ ﴾ كشف عنها الغطاء يوم القيامة، وقال الحسن :﴿ حتى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ ﴾ يعني ما فيها من الشك والتكذيب، وقال ابن أسلم ﴿ حتى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ ﴾ يعني ما فيها من الشك قال فزع الشيطان عن قلوبهم وفارقهم وأمانيهم وما كان يضلهم ﴿ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ الحق وَهُوَ العلي الكبير ﴾ قال : وهذا في بني آدم هذا عند الموت أقروا حين لا ينفعهم الإقرار، وقد اختار ابن جرير القول الأول أن الضمير عائد على ( الملائكة ) وهذا هو الحق الذي لا مرية فيه لصحة الأحاديث فيه الآثار، قال البخاري عند تفسير هذه الآية الكريمة في « صحيحه » عن سفيان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن نبي الله ﷺ قال :
وقوله تعالى :﴿ وَقَدْ كَفَرُواْ بِهِ مِن قَبْلُ ﴾ أي كيف يحصل لهم الإيمان في الآخرة، وقد كفروا بالحق في الدنيا وكذبوا الرسل، ﴿ وَيَقْذِفُونَ بالغيب مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ ﴾ يعني بالظن، كما قال تعالى :﴿ رَجْماً بالغيب ﴾ [ الكهف : ٢٢ ] فتارة يقولون شاعر، وتارة يقولون كاهن، وتارة يقولون ساحر، وتارة يقولون مجنون، إلى غير ذلك من الأقوال الباطلة، ويكذبون بالبعث والنشور والمعاد، ويقولون ﴿ إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ ﴾ [ الجاثية : ٣٢ ] قال قتادة ومجاهد : يرجمون بالظن، لا بعث ولا جنة ولا نار، وقوله تعالى :﴿ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ ﴾ قال الحسن البصري والضحاك وغيرهما : يعني الإيمان، وقال السدي :﴿ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ ﴾ وهي التوبة، وهذا اختيار ابن جرير رحمه الله، وقال مجاهد :﴿ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ ﴾ من هذه الدنيا من مال وزهرة وأهل، والصحيح أنه لا منافاة بين القولين فإنه قد حيل بينهم وبين شهواتهم في الدنيا وبين ما طلبوه في الآخرة فمنعوا منه. وقوله تعالى :﴿ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ ﴾ أي كما جرى للأمم الماضية المكذبة بالرسل لما جاءهم بأس الله، تمنوا أن لو آمنوا فلم يقبل منهم ﴿ فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا سُنَّتَ الله التي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الكافرون ﴾ [ غافر : ٨٥ ]، وقوله تبارك وتعالى :﴿ إِنَّهُمْ كَانُواْ فِي شَكٍّ مَّرِيبٍ ﴾ أي كانوا في الدنيا في شك وريبة فلهذا لم يتقبل منهم الإيمان عند معاينة العذاب، قال قتادة : إياكم والشك والريبة، فإن من مات على شك بعث عليه، ومن مات على يقين بعث عليه.