تفسير سورة سبأ

اللغة العربية - المختصر في تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة سورة سبأ من كتاب المختصر في تفسير القرآن الكريم المعروف بـاللغة العربية - المختصر في تفسير القرآن الكريم .
لمؤلفه مركز تفسير للدراسات القرآنية .

الحمد لله الذي له كل ما في السماوات وكل ما في الأرض، خلقًا وملكًا وتدبيرًا، وله سبحانه الثناء في الآخرة، وهو الحكيم في خلقه وتدبيره، الخبير بأحوال عباده، لا يخفى عليه منها شيء.
يعلم ما يدخل في الأرض من ماء ونبات، ويعلم ما يخرج منها من نبات وغيره، ويعلم ما ينزل من السماء من المطر والملائكة والرزق، ويعلم ما يصعد في السماء من الملائكة وأعمال عباده وأرواحهم، وهو الرحيم بعباده المؤمنين، الغفور لذنوب من تاب إليه.
وقال الذين كفروا بالله: لا تأتينا الساعة أبدًا، قل لهم - أيها الرسول -: بلى والله، لتأتينكم الساعة التي تكذبون بها، لكن لا يعلم وَقْتَ ذلك إلا الله، فهو سبحانه عالم ما غاب من الساعة وغيرها، لا يغيب عن علمه سبحانه وزن أصغر نملة في السماوات ولا في الأرض، ولا يغيب عنه أصغر من ذلك المذكور ولا أكبر، إلا هو مكتوب في كتاب واضح، وهو اللوح المحفوظ الذي كتب فيه كل شيء كائن إلى يوم القيامة.
أثبت الله ما أثبت في اللوح المحفوظ ليجزي الذين آمنوا بالله وعملوا الأعمال الصالحات، أولئك المتصفون بتلك الصفات لهم من الله مغفرة لذنوبهم، فلا يؤاخذهم بها، ولهم رزق كريم؛ وهو جنته يوم القيامة.
والذين عملوا جاهدين لإبطال ما أنزل الله من آيات، فقالوا عنها: سحر، وقالوا عن رسولنا: كاهن، ساحر، شاعر، أولئك المتصفون بتلك الصفات لهم يوم القيامة أسوأ عذاب وأشده.
ويشهد علماء الصحابة ومن آمن من علماء أهل الكتاب أن الذي أنزله الله إليك من الوحي هو الحق الذي لا مِرْية فيه، ويرشد إلى طريق العزيز الذي لا يغلبه أحد، المحمود في الدنيا والآخرة.
وقال الذين كفروا بالله لبعضهم؛ تعجّبًا وسخرية مما جاء به الرسول صلّى الله عليه وسلّم: هل ندلكم على رجل يخبركم أنكم إذا متم وقطِّعتم تقطيعًا أنكم ستبعثون بعد موتكم أحياء؟!
وقالوا: هل اختلق هذا الرجل على الله كذبًا فزعم ما زعم من بعثنا بعد موتنا، أم هو مجنون يهذي بما لا حقيقة له؟ ليس الأمر كما زعم هؤلاء، بل الحاصل أن الذين لا يؤمنون بالآخرة هم في العذاب الشديد يوم القيامة، وفي الضلال البعيد عن الحق في الدنيا.
أفلم ير هؤلاء المكذبون بالبعث ما بين أيديهم من الأرض، ويروا ما خلفهم من السماء؟ إن نشأ خَسْف الأرض من تحت أقدامهم خسفناها من تحتهم، وإن نشأ أن نسقط عليهم قِطَعًا من السماء لأسقطناها عليهم، إن في ذلك لعلامة قاطعة لكل عبد كثير الرجوع إلى طاعة ربه يستدل بها على قدرة الله، فالقادر على ذلك قادر على بعثكم بعد موتكم وتمزيق أجسامكم.
ولقد أعطينا داود عليه السلام منا نبوة وملكًا، وقلنا للجبال: يا جبال، رجِّعي مع داود التسبيح، وهكذا قلنا للطير، وصيّرنا له الحديد ليّنًا ليصنع منه ما يشاء من أدوات.
أن اعمل - يا داود - دروعًا واسعة تقي مقاتليك بأس عدوّهم، وصيّر المسامير مناسبة للحِلَق فلا تجعلها دقيقة بحيث لا تستقرّ فيها، ولا غليظة بحيث لا تدخل فيها، واعملوا عملًا صالحًا، إني بما تعملون بصير، لا يخفى عليَّ من أعمالكم شيء، وسأجازيكم عليها.
وسخرنا لسليمان بن داود عليهما السلام الريح، تسير في الصباح مسافة شهر، وتسير في المساء مسافة شهر، وسيّلنا له عين النحاس ليصنع من النحاس ما يشاء، وسخرنا له من الجن من يعمل بين يديه بأمر ربه، والذي يميل من الجن عمَّا أمرناه به من العمل نُذِيقُه من عذاب النار الملتهبة.
يعمل هؤلاء الجن لسليمان ما أراد من مساجد للصلاة ومن قصور، وما يشاء من صور، وما يشاء من قصاع مثل حياض الماء الكبيرة، وقدور الطبخ الثابتات فلا يُحرَّكْنَ لعِظَمِهِن، وقلنا لهم: اعملوا - يا آل داود - شكرًا لله على ما أنعم به عليكم، وقليل من عبادي الشكور لي على ما أنعمت عليه.
فلما حكمنا على سليمان بالموت ما أرشد الجن إلى أنه قد مات إلا حشرة الأَرَضة تأكل عصاه التي كان متكئًا عليها، فلما سقط تبيَّنت الجن أنهم لا يعلمون الغيب؛ إذ لو كانوا يعلمونه لما مكثوا في العذاب المذلّ لهم، وهو ما كانوا عليه من الأعمال الشاقة التي يعملونها لسليمان عليه السلام ظنًّا منهم أنه حيٌّ يراقبهم.
لقد كان لقبيلة سبأ في مسكنهم الذي كانوا يسكنون فيه علامة ظاهرة على قدرة الله وإنعامه عليهم؛ وهي جنتان: إحداهما عن اليمين، والثانية عن الشمال، وقلنا لهم: كلوا من رزق ربكم، واشكروه على نعمه؛ هذه بلدة طيبة، وهذا الله رب غفور يغفر ذنوب من تاب إليه.
فأعرضوا عن شكر الله والإيمان برسله، فعاقبناهم بتبديل نعمهم نقمًا، فأرسلنا عليهم سيلًا جارفًا خرّب سدهم وأغرق مزارعهم، وبدّلناهم ببُسْتَانَيْهم بُسْتَانَين مُثْمرين بالثمر المر، وفيهما شجر الأثل غير المثمر، وشيء قليل من السِّدْر.
ذلك التبديل - الحاصل لما كانوا عليه من النعم - بسبب كفرهم وإعراضهم عن شكر النعم، ولا نعاقب هذا العقاب الشديد إلا الجَحود لنعم الله الكفور به سبحانه.
وجعلنا بين أهل سبأ في اليمن وبين قرى الشام التي باركنا فيها قرى متقاربة، وقدرنا فيها السير بحيث يسيرون من قرية إلى قرية دون مشقة حتى يصلوا الشام، وقلنا لهم: سيروا فيها ما شئتم من ليل أو نهار في أمن من العدو والجوع والعطش.
فبطروا نعمة الله عليهم بتقريب المسافات، وقالوا: ربنا باعد بين أسفارنا بإزالة تلك القرى حتى نذوق تعب الأسفار، وتظهر مزية ركائبنا، وظلموا أنفسهم ببطرهم نعمة الله وإعراضهم عن شكره وحسدهم للفقراء منهم، فصيّرناهم أحاديث يتحدث بها مَن بَعدَهم، وفرقناهم في البلاد كل تفريق، بحيث لا يتواصلون فيما بينهم، إن في ذلك المذكور - من الإنعام على أهل سبأ ثم الانتقام منهم لكفرهم وبطرهم - لعبرة لكل صَبَّار على طاعة الله وعن معصيته وعلى البلاء، شكور لنعم الله عليه.
ولقد حَقَّقَ عليهم إبليس ما ظنه من أنه يستطيع إغواءهم وإضلالهم عن الحق، فاتبعوه في الكفر والضلال إلا طائفة من المؤمنين فإنهم خيبوا رجاءه بعدم اتباعهم له.
وما كان لإبليس عليهم من سلطان يقهرهم به على أن يضلوا، وإنما كان يزين لهم ويغويهم، إلا أنا أذِنّا له في إغوائهم لنعلم من يؤمن بالآخرة وما فيها من جزاء، ممن هو من الآخرة في شك، وربك - أيها الرسول - على كل شيء حفيظ، يحفظ أعمال عباده، ويجازيهم عليها.
قل - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين: نادوا الذين زعمتم أنهم آلهة لكم من دون الله ليجلبوا لكم النفع أو يكشفوا عنكم الضر، فهم لا يملكون وزن ذرة في السماوات ولا في الأرض، وليس لهم شرك فيها مع الله، وليس لله من معين يعينه، فهو غني عن الشركاء وعن المعينين.
ولا تنفع الشفاعة عنده سبحانه إلا لمن أذن له، والله لا يأذن في الشفاعة إلا لمن ارتضى؛ لعظمته، ومن عظمته أنه إذا تكلم في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا لقوله حتى إذا كشف الفزع عن قلوبهم قالت الملائكة لجبريل: ماذا قال ربكم؟ قال جبريل: قال الحق، وهو العلي بذاته وقهره، الكبير الذي كل شيء دونه.
قل - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين: من يرزقكم من السماوات بإنزال المطر، ومن الأرض بإنبات الثمرات والزروع والفواكه؟ قل: الله هو الذي يرزقكم منها، وإنا أو إياكم - أيها المشركون - لعلى هداية أو في ضلال واضح عن الطريق، فأحدنا لا محالة كذلك، ولا شك أن أهل الهدى هم المؤمنون، وأن أهل الضلال هم المشركون.
قل لهم - أيها الرسول -: لا تسألون يوم القيامة، عن ذنوبنا التي ارتكبناها، ولا نُسْأل نحن عما كنتم تعملون.
قل لهم: يجمع الله بيننا وبينكم يوم القيامة، ثم يقضي بيننا وبينكم بالعدل، فيبين المُحِقَّ مِن المُبْطِل وهو الحاكم الذي يحكم بالعدل، العليم بما يحكم به.
قل لهم - أيها الرسول -: أروني الذين جعلتموهم لله شركاء تشركونهم معه في العبادة، كلا، ليس الأمر كما تصورتم من أن له شركاء، بل هو الله العزيز الذي لا يغالبه أحد، الحكيم في خلقه وقَدَرِه وتدبيره.
وما بعثناك - أيها الرسول - إلا للناس عامة مبشرًا أهل التقوى بأن لهم الجنة، ومُخَوِّفًا أهل الكفر والفجور من النار، ولكن معظم الناس لا يعلمون ذلك، فلو علموه لما كذبوك.
ويقول المشركون مستعجلين بالعذاب الذي يخوفون منه: متى هذا الوعد بالعذاب إن كنتم صادقين فيما تدعونه من أنه حق؟
قل - أيها الرسول - لهؤلاء المستعجلين بالعذاب: لكم ميعاد يوم محدد؛ لا تتأخرون عنه ساعة، ولا تتقدمون عنه ساعة، وهذا اليوم هو يوم القيامة.
وقال الذين كفروا بالله: لن نؤمن بهذا القرآن الذي يزعم محمد أنه منزل عليه، ولن نؤمن بالكتب السماوية السابقة، ولو ترى - أيها الرسول - إذ الظالمون محبوسون عند ربهم يوم القيامة للحساب، يتراجعون الكلام بينهم، يُلْقِي كل منهم المسؤولية واللوم على الآخر، يقول الأتباع الذين استُضْعِفوا لسادتهم الذين استَضْعَفوهم في الدنيا: لولا أنكم أضللتمونا، لكنا مؤمنين بالله وبرسله.
قال المتبوعون الذين استكبروا عن الحق للتابعين الذين استضعفوهم: أنحن منعناكم عن الهدى الذي جاءكم به محمد؟! لا، بل كنتم ظلمة وأصحاب فساد وإفساد.
وقال المتبوعون الذين استضعفهم سادتهم لمتبوعيهم المستكبرين عن الحق: بل صدّنا عن الهدى مكركم بنا بالليل والنهار حين كنتم تأمروننا بالكفر بالله، وبعبادة مخلوقين من دونه. وأخفوا الندامة على ما كانوا عليه من الكفر في الدنيا حين شاهدوا العذاب، وعلموا أنهم معذبون، وجعلنا الأصفاد في أعناق الكافرين، لا يجزون هذا الجزاء إلا بما كانوا يعملونه في الدنيا من عبادة غير الله وارتكاب المعاصي.
وما بعثنا في قرية من القرى من رسول يخوّفهم عذاب الله إلا قال المُنَعَّمُون فيها من أصحاب السلطان والجاه والمال: إنا بما بُعِثْتم به - أيها الرسل - كافرون.
وقال أصحاب الجاه هؤلاء مُتَبَجِّحين مفتخرين: نحن أكثر أموالًا وأكثر أولادًا، وما زعمتم من أننا مُعَذَّبون كذب، فلسنا بمُعَذَّبين في الدنيا ولا في الآخرة.
قل - أيها الرسول - لهؤلاء المغرورين بما أوتوا من النعم: ربي سبحانه وتعالى يوسع الرزق لمن يشاء اختبارًا له أيشكر أم يكفر، ويضيقه على من يشاء ابتلاء له أيصبر أم يتسخط؟ ولكن معظم الناس لا يعلمون أن الله حكيم؛ لا يقدِّر أمرًا إلا لحكمة بالغة؛ عَلِمَها مَن عَلِمها وجَهِلَها مَن جهلها.
وليست أموالكم ولا أولادكم التي تفتخرون بها هي التي تقودكم إلى رضوان الله، لكن من آمن بالله وعمل عملًا صالحًا حاز الأجر المُضَاعَف؛ فالأموال تقربه بإنفاقها في سبيل الله، والأولاد بدعائهم له، فأولئك المؤمنون العاملون للصالحات لهم ثواب مضاعف لما عملوه من حسنات؛ وهم في المنازل العليا من الجنة آمنون من كل ما يخافونه من العذاب والموت وانقطاع النعيم.
والكفار الذين يبذلون غاية جهدهم في صرف الناس عن آياتنا ويسعون في تحقيق أهدافهم هؤلاء خاسرون في الدنيا مُعَذَّبون في الآخرة.
قل - أيها الرسول -: إن ربي سبحانه وتعالى يوسع الرزق لمن يشاء من عباده، ويضيقه على من يشاء منهم، وما أنفقتم من شيء في سبيل الله، فالله سبحانه وتعالى يخلفه عليكم في الدنيا بإعطائكم ما هو خير منه، وفي الآخرة بالثواب الجزيل، والله سبحانه هو خير الرازقين، فمن طلب الرزق فليلجأ إليه سبحانه.
واذكر - أيها الرسول - يوم يحشرهم الله جميعًا، ثم يقول سبحانه للملائكة تقريعًا للمشركين وتوبيخًا لهم: أهؤلاء كانوا يعبدونكم في الحياة الدنيا من دون الله؟
قال الملائكة: تنزهت وتقدست! أنت ولينا من دونهم، فلا موالاة بيننا وبينهم، بل كان هؤلاء المشركون يعبدون الشياطين؛ يتمثلون لهم أنهم ملائكة فيعبدونهم من دون الله، معظمهم بهم مؤمنون.
يوم الحشر والحساب لا يملك المعبودون لمن عبدوهم في الدنيا من دون الله نفعًا، ولا يملكون لهم ضرًّا، ونقول للذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي: ذوقوا عذاب النار التي كنتم تكذبون بها في الدنيا.
وإذا تقرأ على هؤلاء المشركين المكذبين آياتنا المنزلة على رسولنا واضحة لا لبس فيها قالوا: ما هذا الرجل الذي جاء بها إلا رجل يريد أن يصرفكم عما كان عليه آباؤكم، وقالوا: ما هذا القرآن إلا كذب اختلقه على الله، وقال الذين كفروا بالله للقرآن لما جاءهم من عند الله: ليس هذا إلا سحرًا واضحًا؛ لتفريقه بين المرء وزوجه، والابن وأبيه.
وما أعطيناهم من كتب يقرؤونها حتى ترشدهم أن هذا القرآن كذب اختلقه محمد، وما أرسلنا إليهم قبل إرسالك - أيها الرسول - من رسول يخوّفهم من عذاب الله.
وكذبت الأمم السابقة مثل عاد وثمود وقوم لوط، وما وصل المشركون من قومك إلى مِعْشار ما وصلت إليه الأمم السابقة من القوة والمَنَعَة والمال والعدد، فكذب كل منهم رسوله، فما نفعهم ما أوتوا من المال والقوة والعدد، فوقع بهم عذابي، فانظر - أيها الرسول - كيف كان إنكاري عليهم، وكيف كان عقابي لهم.
قل - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين: إنما أشير إليكم وأنصحكم بخصلة واحدة؛ هي أن تقوموا متجردين من الهوى لله سبحانه، اثنين اثنين أو منفردين، ثم تتفكروا في سيرة صاحبكم، وما علمتم من عقله وصدقه وأمانته؛ لتتبينوا أنه صلّى الله عليه وسلّم ليس به جنون، ما هو إلا محذر لكم بين يدي عذاب شديد إن لم تتوبوا إلى الله من الشرك به.
قل - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين المكذبين: ما سألتكم من ثواب أو أجر على ما جئتكم به من الهدى والخير - على تقدير وجوده -، فهو لكم، ليس ثوابي إلا على الله وحده، وهو سبحانه على كل شيء شهيد، فهو يشهد على أني بلغتكم، ويشهد على أعمالكم، فيوفيكم جزاءها.
قل - أيها الرسول -: إن ربي يسلط الحق على الباطل فيبطله، وهو علَّام الغيوب، لا يخفى عليه شيء في السماوات ولا في الأرض، ولا تخفى عليه أعمال عباده.
قل - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين المكذبين: جاء الحق الذي هو الإسلام، وزال الباطل الذي لا يبدو له أي أثر أو قوة ولا يعود إلى نفوذه.
قل - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين المكذبين: إن ضللتُ عن الحق فيما أبلغكم فضرر ضلالي قاصر علي، لا ينالكم منه شيء، وإن اهتديتُ إليه فبسبب ما يوحيه إليَّ ربي سبحانه، إنه سميع لأقوال عباده، قريب لا يتعذر عليه سماع ما أقول.
ولو ترى - أيها الرسول - إذ فزع هؤلاء المكذبون لمَّا عاينوا العذاب يوم القيامة، فلا مفر لهم منه، ولا ملجأ يلتجئون إليه، وأُخذوا من مكان قريب سهل التناول من أول وهلة، لو ترى ذلك لرأيت أمرًا عجبًا.
وقالوا حين رأوا مصيرهم: آمنا بيوم القيامة، وكيف لهم تعاطي الإيمان وتناوله وقد بعد عنهم مكان قبول الإيمان بخروجهم من دار الدنيا التي هي دار عمل لا جزاء، إلى الدار الآخرة التي هي دار جزاء لا عمل؟!
وكيف يحصل منهم الإيمان ويُقْبَل، وقد كفروا به في الحياة الدنيا، ويرمون بالظن من جهة بعيدة عن إصابة الحق، فيقولون في الرسول صلّى الله عليه وسلّم: ساحر، كاهن، شاعر؟!
ومُنع هؤلاء المكذبون من الحصول على ما يشتهونه من ملذات الحياة، ومن التوبة من الكفر والنجاة من النار، والعودة إلى الحياة الدنيا، كما فُعِل بأمثالهم من الأمم المكذبة من قبلهم، إنهم كانوا في شك مما جاءت به الرسل من توحيد الله والإيمان بالبعث، شك باعث على الكفر.
Icon