تفسير سورة سورة سبأ من كتاب الوجيز في تفسير الكتاب العزيز
المعروف بـالوجيز للواحدي
.
لمؤلفه
الواحدي
.
المتوفي سنة 468 هـ
مكية وهي خمسون وخمس آيات
ﰡ
﴿الحمد لله﴾ على جهة التَّعظيم ﴿الذي له ما في السماوات وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ﴾ لأنَّ أهل الجنَّة يحمدونه
﴿يعلم ما يلج في الأرض﴾ يدخل فيها من الماء والأموات ﴿وما يخرج منها﴾ من النَّبات ﴿وما ينزل من السماء﴾ من الأمطار ﴿وما يعرج﴾ يصعد ﴿فيها﴾ من الملائكة
﴿وقال الذين كفروا﴾ يعني: منكري البعث: ﴿لا تأتينا الساعة﴾ أَيْ: لا نبعث ﴿قل﴾ لهم يا محمد: ﴿بلى وربي لتأتينكم عالمِ الغيب﴾ بالخفض من نعت قوله: ﴿وربي﴾ وبالرَّفع على معنى: هو عالم الغيب وقوله: ﴿لا يعزب﴾ مفسَّرٌ في سورة يونس وقوله:
﴿ليجزي﴾ يعود إلى قوله: ﴿لتأتينكم﴾ معناه: لتأتينَّكم السَّاعة ﴿ليجزي الذين آمنوا﴾ الآية
﴿والذين سعوا في آياتنا﴾ مفسَّر في سورة الحج
﴿ويرى الذين أوتوا العلم﴾ يعني: مؤمني أهل الكتاب ﴿الذي أنزل إليك من ربك﴾ وهو القرآن ﴿هو الحقَّ ويهدي إلى صراط العزيز﴾ القرآن
﴿وقال الذين كفروا﴾ إنكاراً للبعث وتعجُّباً منه: ﴿هل ندلكم على رجل﴾ وهو محمد ﷺ ﴿ينبئكم إذا مزقتم كلَّ ممزق﴾ أَيْ: فُرِّقتم وصرتم رُفاتاً ﴿إنكم لفي خلق جديد﴾ أَيْ: تُبعثون
﴿افترى على الله كذبا﴾ فيما يُخبر به من البعث ﴿أم به جنة﴾ حالةُ جنونٍ قال الله تعالى: ﴿بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ والضلال البعيد﴾
﴿أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خلفهم من السماء والأرض﴾ يقول: أما يعلمون أنَّهم حيث ما كانوا فهم يرون ما بين أيديهم من الأرض والسَّماء مثل الذي خلقهم وأنَّهم لا يخرجون منها فكيف يأمنون؟ ! ﴿إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عليهم كسفاً من السماء﴾ عذاباً ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ﴾ لعلامةً تدلُّ على قدرة الله سبحانه على إحياء الموتى لكلِّ مَنْ أناب إلى الله تعالى وتأمَّل ما خلق الله سبحانه
﴿ولقد آتينا داود منَّا فضلاً﴾ ثمَّ بيَّن ذلك فقال: ﴿يا جبال﴾ أَيْ: قلنا يا جبال ﴿أوّبي معه﴾ سبِّحي معه ﴿والطير﴾ كان إذا سبَّح جاوبته الجبال بالتَّسبيح وعكفت عليه الطَّير من فوقه تسعده على ذلك ﴿وألنا له الحديد﴾ جعلناه ليِّناً في يده كالطِّين المبلول والعجين وقلنا له:
﴿أن اعمل سابغات﴾ دروعاً كوامل ﴿وقدِّر في السرد﴾ لا تعجل مسمار الدِّرع دقيقاً فيفلق ولا غيظا فيفصم الحلق اجعله على قدر الحاجة والسَّرْد: نسج الدُّروع ﴿واعملوا﴾ يعني: داود وآله ﴿صالحاً﴾ عملاً صالحاً من طاعة الله تعالى
﴿ولسليمان الريح﴾ وسخرنا له الرِّيح ﴿غدوها شهر﴾ مسيرها إلى انتصاف النَّهار مسيرة شهر ومن انتصاف النَّهار إلى اللَّيل مسيرة شهر وهو قوله: ﴿ورواحها شهر وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ﴾ أذبنا له عين النُّحاس فسالت له كما يسيل الماء ﴿ومن الجنِّ﴾ أَيْ: سخَّرنا له من الْجِنِّ ﴿مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ﴾ بأمر ربه ﴿ومَنْ يزغ﴾ يمل ويعدل ﴿منهم عن أمرنا﴾ الذي أمرناه به من طاعة سليمان ﴿نذقه من عذاب السعير﴾ وذلك أنَّ الله تعالى وكَّل بهم ملكاً بيده سوطٌ من نار فمن زاغ عن أمر سليمان ضربةً أحرقته
﴿يعملون له ما يشاء من محاريب﴾ مجالس ومساكن ومساجد ﴿وتماثيل﴾ صورة الأنبياء إذ كانت تصوَّر في المساجد ليراها النَّاس ويزدادوا عبادة ﴿وجفانٍ﴾ قصاعٍ كبارٍ ﴿كالجوابِ﴾ كالحياض التي تجمع الماء ﴿وقدور راسيات﴾ ثوابت لا تحرَّكن عن مكانها لعظمها وقلنا: ﴿اعملوا﴾ بطاعة الله يا ﴿آل داود شكراً﴾ له على نعمه
﴿فلما قضينا عليه الموت ما دلَّهم﴾ الآية كان سليمان عليه السَّلام يقول: اللَّهم عمِّ على الجنِّ موتي ليعلم الإِنس أنَّ الجنَّ لا يعلمون الغيب فمات سليمان عليه السَّلام مُتوكِّئاً على عصاه سنةً ولم تعلم الجنُّ ذلك حتى أكلت الأرضةُ عصاه فسقط ميِّتاً وهو قوله: ﴿مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلا دَابَّةُ الأَرْضِ تأكل منسأته﴾ عصاه ﴿فلما خرَّ﴾ سقط ﴿تبينت الجن﴾ علمت ﴿أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا﴾ بعد موت سليمان ﴿في العذاب المهين﴾ فيما سخَّرهم فيه سليمان عليه السَّلام واستعملهم
﴿لقد كان لسبأ﴾ وهو اسم قبيلةٍ ﴿في مساكنهم﴾ باليمن ﴿آية﴾ دلالةٌ على قدرتنا ﴿جنتان﴾ أَيْ: هي جنَّتان ﴿عن يمين وشمال﴾ بستانٌ يمنةً وبستانٌ يسرةً وقيل لهم: ﴿كلوا من رزق ربكم واشكروا له﴾ على ما أنعم عليكم ﴿بلدة طيبة﴾ أَيْ: بلدتكم بلدةٌ طيِّبةٌ ليست بسبخةٍ ﴿و﴾ الله ﴿ربٌّ غفور﴾ والمعنى: تمتَّعوا ببلدتكم الطَّيِّبة واعبدوا ربَّاً يغفر ذنوبكم
﴿فأعرضوا﴾ عن أمر الله تعالى بتكذيب الرُّسل ﴿فأرسلنا عليهم سيل العرم﴾ وهو السِّكْر الذي يحبس الماء وكان لهم سِكْرٌ يحبس الماء عن جنَّتيهم فأرسل الله تعالى فيه جرذاناً ثقبته فانبثق الماء عليهم فغرق جنَّاتهم ﴿وبدلناهم بجنَّتيهم جنتين ذواتي أكل خمط﴾ أَيْ: ثمرٍ مُرٍّ ﴿وأثل﴾ وهو الطَّرفاء ﴿وشيء من سدر قليل﴾ وذلك أنَّ الله تعالى أهلك أشجارهم المثمرة وأنبت بدلها الأراك والطرفاء والسدر
﴿ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا﴾ أَيْ: جزيناهم ذلك الجزاء بكفرهم ﴿وهل نجازي إلاَّ الكفور﴾ بسوء عمله وذلك أنَّ المؤمن تُكفَّر عنه سيئاته والكافر يُجازى بكلِّ سوءٍ يعمله
﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾ يعني: قرى الشَّام ﴿قرى ظاهرة﴾ متواصلةً يُرى من هذه القرية القرية الأخرى فكانوا يخرجون من سبأ إلى الشَّام فيمرُّون على القرى العامرة ﴿وقدرنا فيها السير﴾ جعلنا سيرَهم بمقدارٍ إذا غدا أحدهم من قريةٍ قال في أخرى وإذا راح من قريةٍ أوى إلى أخرى وقلنا لهم: ﴿سيروا فيها﴾ في تلك القرى ﴿ليالي وأياماً﴾ أَيَّ وقت شئتم من ليلٍ أو نهارٍ ﴿آمنين﴾ لا تخافون عدوَّاً ولا جوعاً ولا عطشاً
﴿فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا﴾ وذلك أنَّهم سئموا الرَّاحة وبطروا النِّعمة فتمنَّوا أن تتباعد قراهم ليبعد سفرهم بينها ﴿وظلموا أنفسهم﴾ بالكفر والبطر ﴿فجعلناهم أحاديث﴾ لمَنْ بعدهم يتحدَّثون بقصَّتهم ﴿ومزَّقناهم كلَّ ممزق﴾ وفرَّقناهم في البلاد فصاروا يُتمثَّل بهم في الفُرقة وذلك أنَّهم ارتحلوا عن أماكنهم وتفرَّقوا في البلاد ﴿إنَّ في ذلك﴾ الذي فعلنا ﴿لآيات لكل صبار شكور﴾ أَيْ: لكلِّ مؤمنٍ لأنَّ المؤمن هو الذي إذا ابتُليَ صبر وإذا أُعطيَ شكر
﴿ولقد صدَّق عليهم إبليس ظنه﴾ الذي ظن من إغوائهم ﴿فاتبعوه إلاَّ فريقاً من المؤمنين﴾ أَيْ: وجدهم كما ظنَّ بهم إلاَّ المؤمنين
﴿وما كان له عليهم من سلطان﴾ من حجَّةٍ يستتبعهم بها ﴿إلاَّ لنعلم﴾ المعنى: لكن امتحانهم بإبليس لِنَعْلَمَ ﴿مَنْ يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا في شك﴾ عُلِمَ وقوعه منه
﴿قل﴾ يا محمد لمشركي قومك: ﴿ادعوا الذين زعمتم﴾ أنَّهم آلهةٌ ﴿من دون الله﴾ وهذا أمرُ تهديدٍ ثمَّ وصفهم فقال: ﴿لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما﴾ في السماوات ولا في الأرض ﴿من شرك﴾ شركةٍ ﴿وما له﴾ لله ﴿منهم من ظهير﴾ عونٍ يريد: لم يُعنِ الله على خلق السماوات والأرض آلهتُهم فكيف يكونون شركاء له؟ ثمَّ أبطل قولهم أنَّهم شفعاؤنا عند الله فقال:
﴿وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ له﴾ أَيْ: أذن الله له أن يشفع ﴿حتى إذا فزّع﴾ أذهب الفزع ﴿عن قلوبهم﴾ يعني: كشف الفزع عن قلوب المشركين بعد الموت إقامةً للحجَّة عليهم وتقول لهم الملائكة: ﴿ماذا قال ربكم﴾ ؟ فيما أوحى إلى أنبيائه ﴿قالوا الحق﴾ فأقرُّوا حين لا ينفعهم الإِقرار
﴿قل من يرزقكم من السماوات﴾ المطر ﴿و﴾ من ﴿الأرض﴾ النَّبات ثمَّ أمره أن يخبرهم فقال: ﴿قل الله﴾ أَيْ: الذي يفعل ذلك الله وهذا احتجاجٌ عليهم ثمَّ أمره بعد إقامة الحجَّة عليهم أن يُعرَّض بكونهم على الضَّلال فقال: ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضلال مبين﴾ أَيْ: نحن أو أنتم إمَّا على هدىً أو ضلالٍ والمعنى: أنتم الضَّالون حيث أشركتم بالذي يرزقكم من السماء والأرض وهذا كما تقول لصاحبك إذا كذب: أحدنا كاذبٌ وتعنيه ثمَّ بيَّن براءته منهم ومن أعمالهم فقال:
﴿قل لا تسألون عما أجرمنا﴾ الآية وهذا كقوله تعالى: ﴿لكم دينكم ولي دين﴾ ثمَّ أخبر أنَّه يجمعهم في القيامة ثمَّ يحكم بينهم وهو قوله تعالى:
﴿قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ﴾
﴿قل أروني الذين ألحقتم به شركاء﴾ ألحقتموهم بالله تعالى في العبادة يعني: الأصنام أَيْ: أرونيهم هل خلقوا شيئاً وهذه الآية مختصرةٌ تفسيرها قوله تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لهم شرك في السماوات﴾ ثمَّ قال: ﴿كلا﴾ أيْ: لبس الأمر على ما يزعمون ﴿بل هو الله العزيز الحكيم﴾
﴿وما أرسلناك إلاَّ كافَّة للناس﴾ جامعا صلهم كلَّهم بالإِنذار والتَّبشير ﴿ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون﴾ ذلك وقوله تعالى:
﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾
﴿قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعة ولا تستقدمون﴾
﴿ولا بالذي بين يديه﴾ أَيْ: من الكتب المُتقدِّمة وقوله: ﴿يرجع بعضهم إلى بعض القول﴾ أَيْ: في التَّلاوم ثمَّ ذكر إيش يرجعون فقال: ﴿يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لكنا مؤمنين﴾
﴿قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا: أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مجرمين﴾
﴿وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا: بَلْ مَكْرُ الليل والنهار﴾ أَيْ: مكركم بنا فيهما ﴿إذ تأمروننا أن نكفر بالله﴾ ﴿وأسروا﴾ : وأظهروا
﴿وما أرسلنا في قرية من نذير﴾ نبيٍّ يُنذرهم ﴿إلاَّ قال مترفوها﴾ رؤساؤها وأغنياؤها ﴿إنَّا بما أُرسلتم به كافرون﴾
﴿وقالوا﴾ للرُّسل: ﴿نحن أكثر أموالاً وأولاداً﴾ منكم يعنون أنَّ الله سبحانه رضي منَّا حيث أعطانا المال ﴿وما نحن بمعذبين﴾ كما تقولون
﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ ويقدر﴾ وليس ذلك ممَّا يدلُّ على العواقب ﴿ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾ ذلك
﴿وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زلفى﴾ أَيْ: قُربى يعني: تقريباً ﴿إلاَّ من آمن﴾ لكنْ مَنْ آمَنَ ﴿وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضعف﴾ من الثَّواب بالواحد عشرة ﴿وهم في الغرفات آمنون﴾ قصور الجنة
﴿وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي العذاب محضرون﴾
﴿وما أنفقتم من شيء﴾ ما تصدَّقتم من صدقةٍ ﴿فهو يخلفه﴾ يعطي خلقه إمَّا عاجلاً في الدُّنيا وإمَّا آجلاً في الآخرة
﴿ويوم نحشرهم جميعاً﴾ العابدين والمعبودين ﴿ثم يقول للملائكة﴾ توبيخاً للكفَّار: ﴿أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون﴾
﴿قالوا سبحانك﴾ تنزيهاً لك ﴿أنت ولينا﴾ الذي نتولاَّه ويتولاَّنا ﴿من دونهم بل كانوا يعبدون الجن﴾ يُطيعون إبليس وأعوانه ﴿أكثرهم بهم مؤمنون﴾ مُصدِّقون ما يمنُّونهم ويعدونهم وقوله تعالى:
﴿فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ التي كنتم بها تكذبون﴾
﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾
﴿وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إليهم قبلك من نذير﴾ يعني: مشركي مكَّة لم يكونوا أهل كتابٍ ولا بُعث إليهم نبيٌّ قبل محمد صلى الله عليه وسلم
﴿وكذب الذين من قبلهم﴾ من الأمم ﴿وما بلغوا﴾ يعني: مشركي مكَّة ﴿معشار﴾ عشر ﴿ما آتيناهم﴾ من القُوَّة والنِّعمة ﴿فكذبوا رسلي فكيف كان نكير﴾ إنكاري عليهم ما فعلوا بالإِهلاك والعقوبة؟
﴿قل إنما أعظكم بواحدة﴾ بخصلةٍ واحدةٍ وهي الطَّاعة لله تعالى ﴿أن تقوموا﴾ لأن تقوموا ﴿لله مثنى وفرادى﴾ مُجتمعين ومُنفردين ﴿ثم تتفكروا﴾ فتعلموا ﴿ما بصاحبكم﴾ محمد ﴿من جنة﴾ من جنونٍ ﴿إنْ هو إلاَّ نذير لكم﴾ ما هُوَ إِلا نَذِيرٌ لَكُمْ ﴿بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شديد﴾ إنْ عصيتموه
﴿قل ما سألتكم من أجر﴾ على تبليغ الرِّسالة ﴿فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللَّهِ﴾ يعني: إنَّما أطلب الثَّواب من الله لا عَرضاً من الدُّنيا
﴿قل إنَّ ربي يقذف بالحق﴾ يُلقيه إلى أنبيائه
﴿قل جاء الحق﴾ جاء أمر الله الذي هو الحق ﴿وما يبدئ الباطل وما يعيد﴾ أَيْ: ما يخلق إبليس أحداً ولا يبعثه إنَّما يفعل ذلك الله تعالى
﴿قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي﴾ أَيْ: على نفسي يكون وبال ضلالي وهذا إخبارٌ أنَّ مَنْ ضلَّ فإنما يضرُّ نفسه ﴿وإن اهتديت فبما يوحي إليَّ ربي﴾ يعني: لولا الوحيُ ما كنت أهتدي
﴿ولو ترى﴾ يا محمد ﴿إذ فزعوا﴾ عن البعث ﴿فلا فوت﴾ لهم منَّا ﴿وأخذوا من مكان قريب﴾ على الله وهو القبور
﴿وقالوا﴾ حين عاينوا العذاب ﴿آمنا به﴾ بالله ﴿وأنى لهم التناوش﴾ أَيْ: كيف يتناولون التَّوبة وقيل: الرَّجعة وقد بعدت عنهم يريد إنَّ التَّوبة كانت تُقبل عنهم في الدُّنيا وقد ذهبت الدُّنيا وبعدت عن الآخرة
﴿وقد كفروا به﴾ بمحمد ﷺ والقرآن ﴿من قبل﴾ أَيْ: في الدُّنيا ﴿ويقذفون بالغيب﴾ يرمون محمدا ﷺ بالكذب والبهتان ظنَّاً لا يقيناً ﴿من مكان بعيد﴾ وهو أنَّ الله تعالى أبعدهم قبل أن يعلموا صدق محمد صلى الله عليه وسلم
﴿وحيل بينهم﴾ مُنعوا ممَّا يشتهون من التَّوبة والإِيمان والرُّجوع إلى الدنيا ﴿كما فُعل بأشياعهم﴾ ممَّن كانوا على مثل دأبهم من تكذيب الرُّسل قبلهم حين لم يقبل منهم الإِيمان والتَّوبة ﴿إنهم كانوا في شك﴾ من أمر الرُّسل والبعث ﴿مريب﴾ موقعٍ للرِّيبة والتُّهمة