ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله: ﴿عَمَّآ أُنذِرُواْ﴾ : يجوزُ أَنْ تكونَ «ما» مصدريةً أي: عن إنذارهم، أو بمعنى الذي أي: عن الذي أُنْذِرُوْه. و «عن» متعلقةٌ بالإِعراض و «مُعْرِضون» خبرُ الموصول.قوله: «أَمْ لهم» هذه «أم» المنقطعةُ. والشِّرْكُ: المُشاركة.
قوله: ﴿مِّن قَبْلِ هاذآ﴾ صفةٌ ل «كتاب» أي: بكتابٍ مُنَزَّلٍ من قبل هذا. كذا قَدَّره أبو البقاء. والأحسنُ أَنْ يُقَدَّرَ/ كونٌ مطلقٌ أي: كائِن مِنْ قبلِ هذا.
قوله: «أَو أَثَارَةٍ» العامة على «أَثارة» وهي مصدرٌ على فَعالة كالسَّماحَة والغَواية والضَّلالة، ومعناها البقيةُ مِنْ قولِهم: سَمِنَتِ الناقةُ على أثارةٍ مِنْ لحم، إذا كانت سَمينةً ثم هَزَلَتْ، وبقِيَتْ بقيةٌ مِنْ شَحْمِها ثم سَمِنَتْ. والأثارَةُ غَلَبَ استعمالُها في بقيةِ الشَّرَف. يقال: لفلانٍ أثارةٌ أي: بقيةٌ أشرافٌ، ويُستعمل في غيرِ ذلك. قال الراعي:
وذاتِ أثارَةٍ أكلَتْ عليها | نباتاً في أكِمَّتِهِ قِفارا |
٤٠٣٩ - أإنَّ الذي فيه تَمارَيْتُما | بُيِّنَ للسامعِ والآثِرِ |
قوله: ﴿مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ﴾ «مَنْ» نكرةٌ موصوفةٌ أو موصولةٌ، وهي مفعولٌ بقولِه: «يَدْعُو».
قوله: ﴿وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ﴾ يجوزُ أَنْ يكونَ الضميران عائدَيْنِ على «مَنْ» مِنْ قولِه: ﴿مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ﴾ وهم الأصنامُ وتُوْقَعُ عليهم «مَنْ» لمعاملتهم إياها معاملةَ العقلاءِ، أو لأنَّه أراد جميعَ مَنْ عُبِدَ مِنْ دونِ الله. وغَلَّب العقلاءَ، ويكون
٤٠٣٩ - ب فما أنا بِدْعٌ مِنْ حوادِثَ تَعْتَري | رجالاً عَرَتْ مِنْ بعدِ بُؤْسَى بأَسْعُدِ |
وقرأ أبو حيوةَ أيضاً ومجاهد «بِدَع» بفتح الباء وكسر الدال وهو وصفٌ كحَذِر.
وقوله: «يُفْعَلُ» العامَّةُ على بنائه للمفعول. وابنُ أبي عبلة وزيد ابن علي مبنياً للفاعلِ أي: الله تعالى. والظاهرُ أنَّ «ما» في قولِه: ﴿مَا يُفْعَلُ بِي﴾ استفهاميةٌ مرفوعةٌ بالابتداءِ، وما بعدها الخبرُ، وهي معلِّقَةٌ لأَدْري عن العملِ، فتكونُ سادَّةً مَسَدَّ مفعولَيْها. وجَوَّزَ الزمخشري أَنْ تكونَ موصولةً منصوبةً يعني أنها متعديةٌ لواحدٍ أي: لا أعْرِفُ الذي يفعلُه اللَّهُ تعالى.
قوله: ﴿إِلاَّ مَا يوحى﴾ العامَّةُ على بناء «يُوْحَى» للمفعول. وقرأ ابن عُمير بكسرِ الحاءِ على البناءِ للفاعلِ، وهو اللَّهُ تعالى.
وقال ابن عطية: «وأَرَأَيْتُمْ تَحْتمل أن تكون مُنَبِّهةً، فهي لفظٌ موضوعٌ للسؤالِ لا يَقْتضي مفعولاً، وتحتمل أن تكونَ الجملةُ كان وما عملتْ فيه سادَّةً مَسَدَّ مفعولَيْها». قال الشيخ: «وهذا خلافُ ما قَرَّره النحاة». قلت: قد تقدَّم تحقيقُ ما قَرَّره. وقيل: جوابُ الشرطِ هو قولُه: «فآمَن واستكْبَرْتُمْ» وقيل: هو محذوفٌ تقديرُه: فَمَنْ المُحِقُّ منَّا والمُبْطِلُ. وقيل: فَمَنْ أَضَلُّ.
قوله: «وكَفَرْتُمْ به» الجملةُ حاليةٌ أي: وقد كَفَرْتُمْ. ومنهم من لا يُضْمِرُ «قد» في مثلِه.
قوله: ﴿وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ﴾ العامل في «إذْ» مقدرٌ أي: ظهر عِنادُهم وتَسَبَّب عنه قولُه: «فسَيقولون». ولا يَعْمل في «إذ» «فسَيقولون» لتضادِّ الزمانَيْنِ ولأجل الفاءِ أيضاً.
وقرأ الكلبيُّ بنصبِ «الكتابَ» تقديرُه: وأَنْزَلَ مِنْ قبلِه كتابَ موسى. وقُرِئ «ومَنْ» بفتح الميم «كتابَ موسى» بالنصبِ على أن «مَنْ» موصولةٌ، وهي مفعولٌ أولُ لآتَيْنا مقدَّراً. وكتابَ موسى مفعولُه الثاني. أي: وآتَيْنا الذي قبلَه كتابَ موسى.
قوله: «إماماً ورَحْمَةً» حالان مِنْ «كتاب موسى». وقيل: منصوبان بمقدرٍ أي: أنْزَلْناه إماماً. ولا حاجةَ إليه. وعلى كَوْنِهما حالَيْن هما منصوبان بما نُصِبَ به «مِنْ قبل» من الاستقرار.
قوله: «لِساناً» حالٌ مِن الضمير في «مُصَدِّقٌ». ويجوزُ أَنْ يكونَ حالاً مِنْ «كتاب» والعاملُ التنبيهُ، أو معنى الإِشارةِ و «عربيَّاً» [صفةٌ] ل «لساناً»، وهو المُسَوِّغُ لوقوع هذا الجامد حالاً. [وجَوَّز أبو البقاء] أَنْ يكونَ مفعولاً به ناصبُهُ «
قوله: «ليُنْذِرَ» متعلِّقٌ بمصدِّق. و «بُشْرَى» عطفٌ على محلِّه. تقديره: للإِنذار وللبشرى، ولمَّا اختلف العلةُ والمعلولُ وَصَلَ العاملُ إليه باللامِ، [وهذا فيمَنْ قرأ بتاء الخطابِ. فأمَّا مَنْ قرأ بياءِ الغَيْبة. وقد تقدَّم ذلك في يس فإنهما مُتَّحدان. وقيل: بُشْرى] عطفٌ على لفظ «لتنذِرَ» أي: فيكونُ مجروراً فقط. وقيل: هي مرفوعةٌ على خبرِ ابتداءٍ مضمرٍ. تقديرُه: هي بُشْرَى. وقيل: بل هي عطفٌ على «مُصَدِّقٌ» وقيل: هي منصوبةٌ بفعل مقدرٍ أي: وبَشِّر بُشْرى. ونقل الشيخُ وجهَ النصبِ عطفاً على محلِّ «لتنذِرَ» عن الزمخشري وأبي البقاء. ثم قال: «وهذا لا يَصِحُّ على الصحيح من مذاهبِ النحويين لأنهم يَشْتَرِطون في الحَمْلِ على المَحَلِّ أَنْ يكونَ بحقِّ الأصالة، وأَنْ يكونَ للموضعِ مُحْرِزٌ، وهنا المحلُّ ليسَ بحقِّ الأصالة، إذ الأصلُ في المفعولِ [له] الجرُّ، والنصبُ ناشِئ عنه، لكن لَمَّا كَثُرَ بالشروط المذكورةِ وَصَلَ إليه الفعلُ فنصبَه» انتهى.
و «للمُحْسِنين» متعلقٌ ب «بُشْرَى» أو بمحذوفٍ على أنَّه صفةٌ لها.
وقرأ عيسى والسُّلَمي «حَسَناً» بفتحِهما. وقد تقدَّمَ معنى القراءتَيْنِ في البقرة وفي لقمان.
قوله: «كُرْهاً» قد تَقَدَّم الخلافُ فيه في النساء. وله هما بمعنىً واحد أم لا؟ وقال أبو حاتم: «الكَرْهُ بالفتح لا يَحْسُنُ لأنَّه بالفتح الغَصْبُ والغَلَبَةُ». ولا يُلْتَفَتُ لِما قاله لتواتُرِ هذه القراءةِ. وانتصابُها: إمَّا على الحالِ من الفاعلِ أي: ذاتَ كُرْه. وإمَّا على النعت لمصدرٍ مقدرٍ أي: حَمْلاً كُرْهاً.
قوله: «وحَمْلُه» أي: مدةُ حَمْلِه. وقرأ العامَّةُ «فِصالُه» مصدر فاصَلَ، كأنَّ الأمَّ فاصَلَتْهُ وهو فاصَلَها. والجحدري والحسن وقتادة «فَصْلُه». قيل:
قوله: ﴿حتى إِذَا بَلَغَ﴾ لا بُدَّ مِنْ جملةٍ محذوفةٍ تكونُ «حتى» غايةً لها أي: عاش واستمرَّتْ حياتُه حتى إذا.
قوله: «أربعين» أي: تمامَها ف «أربعين» مفعولٌ به.
قوله: ﴿وَأَصْلِحْ لِي فِي ذريتي﴾ أَصْلَحَ يتعدَّى بنفسِه لقولِه: ﴿وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ﴾ [الأنبياء: ٩٠] وإنما تعدَّى ب في لتضمُّنِه معنى الطُفْ بي في ذرِّيَّتي، أو لأنه جَعَلَ الذرِّيَّة ظرفاً للصَّلاح كقولِه:
قوله: «وَعْدَ الصدقِ» مصدرٌ مؤكِّد لمضمونِ الجملةِ السابقة؛ لأنَّ قولَه ﴿أولئك الذين نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ﴾ في معنى الوعد.
قوله: «أَتَعِدانِني» العامَّةُ على نونَيْن مكسورتَيْن: الأولى للرفع والثانية للوقاية، وهشام بالإِدغام، ونافع في روايةٍ بنونٍ واحدة. وهذه مُشَبَّهةٌ بقوله: ﴿تأمروني أَعْبُدُ﴾ [الزمر: ٦٤]. وقرأ الحسن وشيبة وأبو جعفر وعبد الوارث عن أبي عمروٍ بفتح النونِ الأولى، كأنَّهم فَرُّوا مِنْ توالي مِثْلَيْنِ مكسورَيْن بعدهما ياءٌ. وقال أبو البقاء: «وهي لغةٌ شاذَّةٌ في فتح نون الاثنين» قلت: إنْ عَنَى نونَ الاثنين في الأسماءِ نحو قولِه:
٤٠٤٠ -........................... | ............... يَجْرَحُ في عَراقيبها نَصْلي |
قوله: «أَنْ أُخْرَجَ» هو الموعودُ به، فيجوزُ أَنْ تُقَدِّرَ الباءَ قبل «أَنْ» وأَنْ لا تُقَدِّرَها.
قوله: «وقد خَلَتْ» جملةٌ حاليةٌ. وكذلك ﴿وَهُمَا يَسْتَغثِيَانِ الله﴾ أي: يَسْألان اللَّهَ. واستغاث يتعدَّى بنفسِه تارةً وبالباء أخرى، وإن كان ابنُ مالكٍ زعمَ أنَّه متعدٍّ بنفسِه فقط، وعابَ قولَ النحاةِ «مستغاث به» قلت: لكنه لم يَرِدْ في القرآن إلاَّ متعدَّياً بنفسِه: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ﴾ [الأنفال: ٩] ﴿فاستغاثه الذي﴾ [القصص: ١٥] ﴿وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ﴾ [الكهف: ٢٩] قوله: «وَيْلَكَ» منصوبٌ على المصدرِ بفعلٍ مُلاقٍ له في المعنى دونَ الاشتقاقِ. ومثله: وَيْحَه ووَيْسَه ووَيْبَه، وإمَّا على المفعولِ به بتقدير: ألزمَك الله وَيْلَكَ. وعلى كلا التقديرَيْن الجملةُ معمولةٌ لقولٍ مقدرٍ أي: يقولان وَيْلَكَ آمِنْ. والقولُ في محلِّ نصب على الحال أي: يَسْتغيثان اللَّهَ قائلين ذلك.
قوله: ﴿إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ﴾ العامةُ على كسرِ «إنَّ» / استئنافاً أو تعليلاً. وقرأ عمرو بن فائد والأعرج بفتحِها على أنها معمولةٌ ل آمِنْ على حَذْفِ الباءِ أي: آمِنْ بأنَّ وَعْدَ اللَّهِ حقٌّ.
قوله: ﴿وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ : إمَّا استئنافٌ، وإمَّا حالٌ مؤكِّدة.
قوله: «أَذْهَبْتُم» قرأ ابن كثير «أَأَذْهَبْتُمْ» بهمزتَيْن: الأولى مخففةٌ، والثانيةُ مُسَهَّلَةٌ بينَ بينَ، ولم يُدْخِلْ بينهما ألفاً، وهذا على قاعدتِه في ﴿أَأَنذَرْتَهُمْ﴾ [البقرة: ٦] ونحوِه. وابنُ عامرٍ قرأ أيضاً بهمزتَيْن، لكن اختلفَ راوياه عنه: فهشام سَهَّل الثانيةَ وخَفَّفَها، وأدخل ألفاً في الوجهيْن، وليس على أصلِه فإنه من
قوله: «في حياتِكم» يجوزُ تَعَلُّقُه ب «أَذْهَبْتُمْ» ويجوزُ تعلُّقُه بمحذوفٍ على أنَّه حالٌ مِنْ «طيباتكم».
٤٠٤١ - على أَحْوَذِيَّيْنَ اسْتَقَلَّتْ..... | ............................ |
٤٠٤٢ - فلمَّا أَجَزْنا ساحةَ الحيِّ وانتحى | بنا بَطْنُ حِقْفٍ ذي قِفافٍ عَقَنْقَلِ |
٤٠٤٣ - يا رُبَّ غابِطِنا لو كان يَطْلُبُكُمْ | لاقى مباعَدَةً منكم وحِرْمانا |
٤٠٤٤ - يا مَنْ رَأَى عارِضاً أَرِقْتُ له | بين ذراعَيْ وجَبْهَةِ الأَسَدِ |
قوله: «ريحٌ» يجوزُ أَنْ يكونَ خبرَ مبتدأ مضمرٍ أي: هو ريحٌ. ويجوزُ أَنْ يكونَ بدلاً مِنْ «هو». وقُرِئ «ما استُعْجِلْتُمْ» مبنياً للمفعول «وفيها عذابٌ» صفةٌ ل «ريحٌ» وكذلك «تُدَمِّرُ». وقُرِئ ﴿يَدْمُرُ كُلَّ شَيْءٍ﴾ بالياءِ من تحتُ وسكونِ الدال وضمِّ الميم «كلُّ» بالرفع على الفاعلية أي: يهلك كلُّ شيء. وزيد بن علي كذلك إلاَّ أنه بالتاءِ مِنْ فوقُ ونصبِ «كلَّ»، والفاعلُ ضميرُ الريح، وعلى هذا فيكون دَمَّر الثلاثي لازِماً ومتعدياً.
٤٠٤٥ -........................ | وما بَقِيَتْ إلاَّ الضلوعُ الجراشِعُ |
٤٠٤٦ - كأنه جَمَلٌ هَمٌّ وما بَقِيَتْ | إلاَّ النَّحِيزةُ والألواحُ والعَصَبُ |
٤٠٤٧ - يُرَجِّي المرءُ ما إنْ لا يَراهُ | وتَعرِضُ دونَ أَدْناه الخُطوبُ |
٤٠٤٨ - لَعَمْرُك ما ما بان منك لِضاربٍ | ....................... |
قوله:» فما أَغْنَى «يجوزُ أَنْ تكونَ» ما «نفياً، وهو الظاهرُ أو استفهاماً للتقرير. واستبعده الشيخُ لأجْلِ قولِه:» مِنْ شيء «قال:» إذ يصيرُ التقديرُ:
قوله:» إذ كانوا «معمولٌ ل» أَغْنى «وهي مُشْرَبَةٌ معنى التعليلِ أي: لأنهم كانوا يَجْحَدُون.
قوله: «إفْكُهم» العامَّةُ على كسرِ الهمزةِ وسكونِ الفاءِ، مصدرُ أَفَكَ يَأْفِك إفْكاً أي: كَذِبُهم. وابن عباس بالفتح وهو مصدرٌ له أيضاً. وابنُ عباس أيضاً وعكرمة والصباح بن العلاء «أَفَكَهُمْ» بثلاثِ فتحات فعلاً ماضياً. أي: صَرَفَهم. وأبو عياض وعكرمةُ أيضاً، كذلك إلاَّ أنَّه بتشديد الفاءِ للتكثير. وابن الزبير وابن عباس أيضاً «آفَكَهم» بالمدِّ فعلاً ماضياً أيضاً، وهو يحتملُ أَنْ يكونَ بزنةِ فاعَلَ، فالهمزةُ أصليةٌ، وأَنْ يكونَ بزنةِ أَفْعَل، فالهمزةُ زائدةٌ والثانيةُ بدلٌ مِنْ همزةٍ. وإذا قلنا: إنه أَفْعَلَ فهمزتُه تحتملُ أَنْ تكونَ للتعديةِ، وأَنْ يكونَ أَفْعَلَ بمعنى المجرد. وابنُ عباس أيضاً: «آفِكُهم» بالمدِّ وكسرِ الفاءِ ورَفْعِ الكافِ، جعله اسمَ فاعلٍ بمعنى صارِفهم. وقُرِئ «أَفَكُهم» بفتحتين ورفعِ الكافِ على أنَّه مصدرٌ لأَفَكَ أيضاً فتكونُ له ثلاثةُ مصادرَ: الأَفْكُ والإِفْكُ بفتح الهمزة وكسرها مع سكون الفاء وفتح الهمزة والفاء. وزاد أبو البقاء أنه
قوله: ﴿وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ﴾ / يجوزُ أَنْ تكونَ «ما» مصدريةً وهو الأحسنُ ليُعْطَفَ على مثلِه، وأَنْ تكونَ بمعنى الذي، والعائدُ محذوفٌ أي: يَفْتَرُونه. والمصدرُ مِنْ قولِه: «إفْكُهم» يجوزُ أَنْ يكونَ مضافاً إلى الفاعلِ بمعنى كَذبِهم، وإلى المفعول بمعنى صَرْفِهم.
قوله: «يَسْتَمِعُون» صفةٌ أيضاً ل «نَفَراً» أو حالٌ لتخصُّصهِ بالصفةِ، إنْ قلنا: إنَّ «مِنَ الجنِّ» صفةٌ له، وراعى معنى النَّفر، فأعاد عليه الضميرَ جمعاً، ولو راعَى لفظَه وقال: «يَسْتمع» لَجاز.
قوله: «فلَمَّا حَضَرُوْه» يجوزُ أَنْ تكونَ الهاءُ للقرآنِ، وهو الظاهرُ، وأَنْ تكونَ للرسولِ عليه السلام، وحينئذٍ يكونُ في الكلام التفاتٌ مِنْ قولِه: «إليك» إلى الغَيْبَةِ في قولِه: «حَضَرُوه».
قوله: «قُضِي» العامَّةُ على بنائِه للمفعولِ أي: فَرَغَ [مِنْ] قراءةِ القرآنِ، وهو يُؤَيِّدُ عَوْدَ هاء «حَضَروه» على القرآن. وأبو مجلز. وحبيب بن عبد الله «
٤٠٤٩ - عَيُّوا بأَمْرِهِمُ كما | عَيَّتْ ببَيْضَتِها الحمَامَهْ |
قوله: «من الرسُل» يجوزُ أَنْ تكونَ تبعيضيَّةً، وعلى هذا فالرسلُ أولو عَزْمٍ وغيرُ أُولي عَزْمٍ. ويجوز أَنْ تكونَ للبيانِ، فكلُّهم على هذا أُوْلو عَزْم.
قوله: «بلاغٌ» العامَّةُ على رَفْعِه. وفيه وجهان، أحدهما: أنَّه خبرُ مبتدأ محذوفٍ، فقدَّره بعضُهم: تلك الساعةُ بلاغٌ، لدلالةِ قولِه: ﴿إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ﴾ وقيل: تقديرُه هذا أي: القرآن والشرعُ بلاغٌ. والثاني: أنَّه مبتدأٌ، والخبرُ قولُه: «لهم» الواقعُ بعد قولِه: «ولا تَسْتَعْجِلْ» أي: لهم بلاغٌ، فيُوْقَفُ على «فلا تَسْتعجل». وهو ضعيفٌ جداً للفصلِ بالجملةِ التشبيهية، لأنَّ الظاهرَ تَعَلُّقُ «لهم» بالاستعجال، فهو يُشْبِه التهيئةَ والقطعَ. وقرأ زيد بن علي والحسن وعيسى «بلاغاً» نصباً على المصدرِ أي: بَلَغَ بلاغاً، ويؤيِّده قراءةُ أبي مجلز «بَلِّغْ» أمراً. وقرأ أيضاً «بَلَغَ» فعلاً ماضياً.
وقرأ «الحسن» أيضاً «بلاغ» بالجرِّ. وخُرِّجَ على الوصف ل «نهار» على حَذْفِ مضافٍ أي: مِنْ نَهارٍ ذي بلاغ، أو وُصِف الزمانُ بالبلاغ مبالغةً.
قوله: «يُهْلَكُ» العامَّةُ على بنائِه للمفعولِ. وابن محيصن «يَهْلِك» بفتح الياء وكسرِ اللام مبنياً للفاعل. وعنه أيضاً فتحُ اللامِ وهي لغةٌ. والماضي هلِكَ بالكسر. قال ابن جني: «كلٌ مرغوبٌ عنها». وزيد بن ثابت بضمِّ الياءِ وكسرِ اللام/ والفاعلُ اللَّهُ تعالى. «القومَ الفاسقين» نصباً على المفعولِ به. و «نُهْلك» بالنون ونصب «القوم».