أخبرنا أبو عمرو الفراتي قال : أخبرنا موسى قال : أخبرنا مكي قال : حدّثنا سليمان قال : حدّثنا أبو معاذ عن أبي عصمة عن زيد العمي عن أبي نصرة عن ابن عباس عن أُبي بن كعب عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال :( من قرأ سورة الجمعة كتب له عشر حسنات بعدد من ذهب إلى الجمعة من مصر من أمصار المسلمين ومن لم يذهب ).
ﰡ
مدنية، وهي سبعمائة وعشرون حرفا، ومائة وثمانون كلمة، وأحدى عشر آية
أخبرنا أبو عمرو الفراتي قال: أخبرنا موسى قال: أخبرنا مكي قال: حدّثنا سليمان قال:
حدّثنا أبو معاذ عن أبي عصمة عن زيد العمي عن أبي نصرة عن ابن عباس عن أبي بن كعب عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من قرأ سورة الجمعة كتب له عشر حسنات بعدد من ذهب الى الجمعة من مصر من أمصار المسلمين ومن لم يذهب» [٢٨٦] «١».
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الجمعة (٦٢) : الآيات ١ الى ٧]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣) ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٤)مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥) قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٦) وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٧)
يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ قال أهل اللغة: كل أسم على فعّول بتشديد للعين فالفاء منه منصوبة، نحو سفّود وكلّوب وسمّور وشبّوط- وهو ضرب من السمك إلّا أحرف: سبّوح وقدّوس، ومردوح لواحد المراديح «٢»، وحكى الفراء عن الكسائي قال: سمعت أبا الدنيا وكان أعرابيا فصيحا يقرأ القدوس بفتح القاف ولعلها لغة.
الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ وقرأ أبو وائل الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ بالرفع على معنى هو الملك القدوس.
أخبرني عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله قال: حدّثنا محمد بن عبد الله
(٢) المراديح: كل ما بسط ومد على الأرض.
هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ يعني العرب رَسُولًا مِنْهُمْ محمدا صلّى الله عليه وسلّم يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ في آخَرِينَ وجهان من الأعراب: أحدهما الخفض على الرد الى الأميين، مجازه: وفي آخرين، والثاني: النصب على الردّ الى الهاء والميم من قوله يُعَلِّمُهُمُ أي ويعلم آخرين منهم أي من المؤمنين الذين يدينون بدينه.
لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ أي لم يدركوهم ولكنهم يكونون بعدهم.
وأختلف العلماء فيهم فقال ابن عمرو سعيد بن جبير: هم العجم، وهي رواية ليث عن مجاهد يدلّ عليه كما
روى ثور بن يزيد عن أبي العتب عن أبي هريرة قال: لما نزلت هذه الآية وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ كلّمه فيها الناس فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على سلمان فقال: «لو كان (الدين) «١» عند الثريا لناله رجال من هؤلاء» [٢٨٧] «٢».
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا محمد بن خلف قال: حدّثنا إسحاق بن محمد قال:
حدّثنا أبي قال: حدّثنا إبراهيم بن عيسى قال: حدّثنا علي بن علي قال: حدّثني أبو حمزة الثمالي قال: حدّثني حصين بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن رجل من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «رأيتني تبعني غنم سود ثم أتبعتها غنم سود ثم أتبعتها غنم عفر» أوّلها أبا بكر قال: أمّا السود فالعرب، وأما العفر فالعجم تبايعك بعد العرب، قال: «كذلك عبّرها الملك سحر» [٢٨٨] «٣» يعني وقت السحر.
وبه عن أبي حمزة قال: حدّثني السدي قال: كان عبد الرحمن بن أبي ليلى إذا قال: رجل من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم فأنه يعني به عليا، وإذا قال: رجل من أهل بدر فإنما يعني به عليا، فكان أصحابه لا يسألونه عن أسمه، وقال: عكرمة ومقاتل: هم التابعون، وقال ابن زيد وابن حيان:
هم جميع من دخل في الإسلام بعد النبي صلّى الله عليه وسلّم الى يوم القيامة وهي رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد.
وروى سهل بن سعد الساعدي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «وأن في أصلاب أصلاب أصلاب
(٢) صحيح مسلم: ٧/ ١٩٢.
(٣) المصنّف: ٧/ ٢٣٤، وبتفاوت في كنز العمال: ١١/ ٤٤٩، ح ٣٢١١٣. [.....]
ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ أي كلّفوا العمل بها ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها ولم يعملوا بما فيها ولم يؤدّوا حقّها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً كتبا من العلم والحكمة.
قال الفراء: هي الكتب العظام واحدها سفر، ونظيرها في الكلام شبر وأشبار وجلد وأجلاد فكما أن الحمار يحملها ولا يدري ما فيها ولا ينتفع بها كذلك اليهود يقرءون التوراة ولا ينتفعون به، لأنهم خالفوا ما فيه.
أنشدنا أبو القاسم بن أبي بكر المكتب قال: أنشدنا أبو بكر محمد بن المنذر قال: أنشدنا أبو محمد العشائي المؤدب قال: أنشدنا أبو سعيد الضرير:
زوامل للأسفار لا علم عندهم... بجيّدها إلا كعلم الأباعر
لعمرك ما يدري المطي إذا غدا... بأسفاره إذ راح ما في الغرائز «٣»
بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ محمد وأصحابه فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ فادعوا على أنفسكم بالموت إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أنكم أبناء الله وأحباؤه فإن الموت هو الذي يوصلكم إليه.
وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ.
أخبرنا الحسن قال:
حدّثنا السني قال: حدّثنا النسائي قال: أخبرني عمرو بن عثمان قال: حدّثنا بقية بن الوليد قال: حدّثنا الزبيدي قال: حدّثني الزهري عن أبي عبيد أنه سمع أبا هريرة يقول قال: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يتمن أحدكم الموت أما محسن فإن يعش يزدد خيرا فهو خير له وأما مسيئا فلعلّه أن يستعتب» [٢٩٠] «٤».
[سورة الجمعة (٦٢) : الآيات ٨ الى ٩]
قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩)
قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
(٢) كنز العمّال: ١٢/ ٣٤٥٧٢.
(٣) تفسير مجمع البيان: ١٠/ ٨، لسان العرب: ١١/ ٣١٠، وفيه: للأشعار، بدل: للأسفار- والبعير، بدل:
المطي، وبأوساقه بدل: بأسفاره.
(٤) مسند أحمد: ٢/ ٣٠٩، وفي كنز العمّال: ٤/ ٢٥٤، ح ١٠٤٠٨، بتفاوت يسير.
أخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدون قال: أخبرنا أحمد بن الحسن قال: حدّثنا محمد بن يحيى قال: حدّثنا أحمد بن خالد الوهبي قال: حدّثنا محمد بن إسحاق عن الزهري عن السائب بن يزيد قال: كان لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم مؤذن واحد- بلال- لم يكن له مؤذن آخر غيره، فكان إذا جلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر أذّن على باب المسجد فإذا نزل أقام الصلاة، ثم كان أبو بكر كذلك وعمر كذلك حتى إذا كان عثمان فكثر الناس وتباعدت المنازل زاد أذانا فأمر بالتأذين الأوّل على دار له بالسوق يقال لها الزوراء، فكان يؤذن له عليها، فإذا جلس عثمان على المنبر أذن مؤذنه الأوّل، فإذا نزل أقام للصلاة فلم يعب ذلك عليه.
وقراءة العامة الْجُمُعَةِ بالضم الميم، وقرأ الأعمش مخففة بجزم الميم وهما لغتان وجمعها: جمع وجمعات.
أخبرنا محمد بن نعيم قال: أخبرنا أبا الحسن بن أيوب قال: أخبرنا علي بن عبد العزيز قال: أخبرنا القاسم بن سلام قال: سمعت الكسائي يخبر عن سليمان عن الزهري قال: قال ابن عباس: نزل القرآن بالتثقيل والتفخيم قال الفرّاء وأبو عبيد: التخفيف حسن وهو [........] «٢» في مذهب العربية مثل غرفة وغرف وطرفة وطرف وحجرة وحجر. وقال الفراء: وفيها لغة أخرى ثالثة: جمعة بالفتح كقولك رجل ضحكة وهمزة ولمزة وهي لغة بني عقيل، وقيل: هي لغة النبي صلّى الله عليه وسلّم وإنما سمي هذا اليوم جمعة لما
أخبرنا الحسن قال: حدّثنا الكندي قال: حدّثنا محمد بن مخلد العطّار قال: حدّثنا محمد بن عيسى بن أبي موسى قال:
حدّثنا عبد الله بن عمرو بن أبي أمية قال: حدّثنا قيس الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن قرثع الضبي عن سليمان قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّما سميت الجمعة لأن آدم جمع فيها خلقه»
[٢٩١] «٣». وقيل: لأنّ الله سبحانه فرغ فيه من خلق الأشياء فاجتمعت فيه المخلوقات.
وقيل: يجمع الجماعات فيها، وقيل: لاجتماع الناس فيه للصلاة، وقيل: أوّل من سماها جمعة كعب بن لؤي.
أخبرنا ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حفصويه قال: حدّثنا الحسن بن أحمد بن حفص الحلواني قال: حدّثنا إبراهيم بن إسحاق قال: حدّثنا إبراهيم بن المنذر قال: حدّثنا عبد العزيز عن محمد بن عبد العزيز عن أبيه عن أبي سلمة قال: أول من قال: أما بعد كعب بن لؤي، وكان
(٢) كلمة غير مقروءة.
(٣) صدر الحديث في كنز العمّال: ٧/ ٧٠٩، ح ٢١٠٣٩، والذيل غير موجود.
أخبرني الحسين قال: حدّثنا ابن حمدان قال: حدّثنا إبراهيم بن سهلويه قال: حدّثنا سلمة ابن شيب قال: حدّثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال: جمع أهل المدينة قبل أن يقدم النبي صلّى الله عليه وسلّم المدينة وقبل أن ينزل الجمعة وهم الذين سمّوها الجمعة، قالت الأنصار: لليهود يوم يجمعون فيه كل سبعة أيام وللنصارى يوم أيضا مثل ذلك، فهلموا فلنجعل يوما يجمع فيه فيذكر الله عزّ وجلّ ونصلّي ونشكره- أو كما قالوا-.
فقالوا: يوم السبت لليهود ويوم الأحد للنصارى فاجعلوه يوم العروبة، وكانوا يسمّون يوم الجمعة يوم العروبة واجتمعوا الى أسعد بن زرارة فصلّى بهم يومئذ ركعتين وذكرهم فسمّوه يوم الجمعة حين اجتمعوا إليه فذبح لهم أسعد بن زرارة شاة فتغدوا وتعشوا من شاة واحده وذلك لقلتهم، فأنزل الله سبحانه في ذلك بعد إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ الآية، فهذه أول جمعة جمعت في الإسلام.
فأما أول جمعة جمعها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأصحابه
فقال أهل السير والتواريخ: قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مهاجرا حتى نزل قباء على بني عمرو بن عوف وذلك يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول حين أشتد الضحى فأقام صلّى الله عليه وسلّم بقباء يوم الإثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ويوم الخميس وأسس مسجدهم ثم خرج بين أظهرهم يوم الجمعة عامدا المدينة فأدركته صلاة الجمعة في بني سالم بن عوف في بطن واد لهم قد اتخذ اليوم في ذلك الموضع مسجد وكانت هذه الجمعة أول جمعة.
وقال: الحسن هي مستحبة وليست بفرض،
وقال سعيد: جمعها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الإسلام فخطب في هذه الجمعة وهي أوّل خطبة خطبها بالمدينة فيما قيل، وقال صلّى الله عليه وسلّم: «الحمد لله أحمده وأستعينه واستغفره وأستهديه وأؤمن به ولا أكفره وأعادي من يكفره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى والنور والموعظة عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ وقلّة من العلم وضلالة من الناس وانقطاع من الزمان ودنو من الساعة، وقرب من الأجل، مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فقد رشد ومن يعصيهما فقد غوى وفرط وضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً، وأوصيكم بتقوى الله فأنه خير ما أوصى به المسلم المسلم أن يحضه على الآخرة وان يأمره بتقوى الله فاحذروا ما حذركم الله من نفسه وأن تقوى الله لمن عمل به على وجل ومخافة من ربّه عون وصدق على ما تبغون من أمر الآخرة، ومن يصلح الذي بينه وبين الله من أمره في السرّ والعلانية لا ينوي بذلك إلّا وجه الله يكن له ذكرا في عاجل أمره، وذخرا فيما بعد الموت حين يفتقر المرء الى ما قدم، وما كان مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً، وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُفٌ
، والذي صدق قوله ونجز وعده لا خلق لذلك فأنه يقول ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ، واتقوا الله في عاجل أمركم وآجله في السرّ والعلانية فإنه مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ كفر عَنْهُ سَيِّئاتِهِ، وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً، ومن يتق الله فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً، وان تقوى الله توقي مقته وتوقي عقوبته وتوقي سخطه، وأن تقوى الله تبيض الوجوه وترضي الرب وترفع الدرجة خذوا بحظّكم ولا تفرطوا في جنب الله فقد علّمكم الله كتابه ونهج لكم سبيله ليعلم الذين صدقوا ويعلم الكاذبين، فأحسنوا كما أحسن الله إليكم، وعادوا أعداءه، وَجاهِدُوا فِي سبيل اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ، هُوَ اجْتَباكُمْ وسَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ، لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ولا حول ولا قوة إلّا بالله، وأكثروا ذكر الله واعملوا لما بعد اليوم، فأنه من يصلح ما بينه وبين الله يكفيه الله ما بينه وبين الناس، وذلك بأن الله يقضي على الناس ولا يقضون عليه، ويملك الناس ولا يملكون منه، الله أكبر ولا قوّة إلّا بالله العظيم» [٢٩٢] «١».
فلهذا صارت الخطبة شرطا في انعقاد الجمعة وهو قول جمهور العلماء، وقال الحسن:
هي مستحبة وليست بفرض، وقال سعيد بن جبير: هي بمنزلة الركعتين من الظهر فإذا تركها وصلّى الجمعة فقد صلى الركعتين من الظهر، وأقلّ ما يجزي من الخطبة أن يحمد الله ويصلّي على نبيّه ويوصي بتقوى الله سبحانه ويقرأ آية من القرآن في الخطبة الأولى ويجب في الثانية أربع كالأولى إلّا إن الواجب بدل قراءة الآية الدعاء، هذا قول أكثر العلماء والفقهاء، وقال أبو حنيفة: لو أقتصر على التحميد أو التسبيح أو التكبير أجزاه، وقال أبو يوسف ومحمد: الواجب ما يتناوله أسم الخطبة.
ثم القيام شرط في صحة الخطبة مع القدرة عليه في قول عامّة الفقهاء إلّا أبا حنيفة فأنه لم يشرطه فيها، والدليل على أن القيام شرط في الخطبة قوله سبحانه: وَتَرَكُوكَ قائِماً.
وحديث ابن عمر: ما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخطب خطبتين إلّا وهو قائم.
وللشافعي قولان في الطهارة في حال الخطبة فقال في الجديد: هي شرط في الخطبة، وقال في القديم: ليست بشرط، وهو مذهب أبي حنيفة رحمة الله.
فهذا بيان القول في أول جمعه جمعت في الإسلام، وأول جمعه جمعها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأول خطبة خطبها فيها في المدينة، فأمّا أول جمعة جمعت بعدها بالمدينة فقال ابن عباس: أول جمعة جمعت في الإسلام بعد الجمعة بالمدينة بقرية يقال لها جواثا من قرى البحرين.
قوله: فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ أي أمضوا إليه واعملوا له.
أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا مكّي قال: حدّثنا عبد الله بن هاشم قال: حدّثنا
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ في آخرين قالوا: حدّثنا محمد بن يعقوب قال: أخبرنا الربيع ابن سليمان قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: ما سمعت عمر قط يقرأها إلّا وأمضوا الى ذكر الله.
وأخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن جعفر الكلمواني قال: حدثنا أبو بكر محمد بن محمد بن حفص قال: حدثنا السري بن خزيمة قال: حدّثنا أبو نعيم قال: حدّثنا سفيان عن حنظلة عن سالم عن عمر أنه كان يقرأها فامضوا الى ذكر الله، وروى الأعمش عن إبراهيم قال:
كان عبد الله يقرأها فامضوا الى ذكر الله ويقول: لو قرأها فَاسْعَوْا لسعيت حتى يسقط ردائي، وهي قراءة أبي العالية أيضا، وقال الحسن: أما والله ما هو بالسعي على الأقدام، ولقد نهوا أن يأتوا الصلاة إلّا وعليهم السكينة والوقار ولكن بالقلوب والنيّة والخشوع.
وأنبأني عبد الله بن حامد قال: أخبرنا محمد بن يعقوب قال: حدّثنا يحيى بن أبي طالب قال: أخبرنا عبد الوهاب قال: سئل سعيد عن فضل الجمعة فأخبرنا عن قتادة أنه كان يقول في هذه الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ فالسعي أن تسعى بقلبك وعملك وهو المشي إليها قال: وكان يتأوّل هذه الآية فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ «١» يقول فلما مشى معه، وقال: الكلبي فلما عمل مثله عمله.
وأخبرنا محمد بن حمدويه قال: حدّثنا محمد بن يعقوب قال: أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي: السعي في هذا الموضع هو العمل، قال الله سبحانه وتعالى إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى «٢» وقال سبحانه: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى «٣» وقال تعالى: وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها «٤» وقال زهر: سعى بعدهم قوم لكي يدركوهم فلم يدركوهم ولم يلاقوا ولم يألوا الى ذكر الله يعني الصلاة.
وأخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا محمد بن جعفر قال: حدّثنا علي بن حرب وليع قال: حدّثنا منصور بن دينار عن موسى بن أبي كثير عن سعيد بن المسيب فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ قال: موعظة الإمام وَذَرُوا الْبَيْعَ يعني البيع والشراء لأنّ البيع يتناول المعنيان جميعا ومنه
قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا»
[٢٩٣] «٥» أراد البائع والمشتري، وقال الأخطل:
(٢) سورة الليل: ٤.
(٣) سورة النجم: ٣٩.
(٤) سورة البقرة: ٢٠٥.
(٥) كتاب المسند للشافعي: ١٣٨، مسند أحمد: ٢/ ٩.
وباع بنيه بعضهم بخشارة | وبعت لذبيان العلاء بمالكا «١» |
عند خروج الإمام، وقال الضحاك: إذا زالت الشمس حرم البيع والشرى، وروى السدي عن أبي مالك قال: كان قوم يجلسون في بقيع الزبير ويشترون ويبيعون إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ولا يقومون فنزلت هذه الآية.
ذلِكُمْ الذي ذكرت من حضور الجمعة والاستماع الى الجمعة وأداء الفريضة خَيْرٌ لَكُمْ من المبايعة إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ مصالح أنفسكم ومضارها.
ذكر تلكم الآية
أعلم أن صلاة الجمعة واجب على كل مسلم إلّا خمسة نفر: النساء والصبيان والعبيد والمسافر والمرضى. يدل عليه ما
أخبرنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسن بن محمد بن إسحاق الأزهري [باسفرائين] قال: أخبرنا أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الحافظ قال: أخبرنا المزني قال: قال الشافعي: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدّثني سلمة بن عبد الله الحطمي عن محمد ابن كعب القرطي أنه سمع رجلا من بني وائل يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تجب الجمعة على كلّ مسلم إلا امرأة أو صبي أو مملوك» [٢٩٤] «٢».
وأخبرنا أن فنجويه قال: حدّثنا ابن يوسف قال: حدّثنا ابن وهب قال: حدّثنا الربيع بن سليمان الحبري قال: حدّثنا عبد الملك بن سلمة القرشي قال: حدّثنا أبو المثنى سلمان بن يزيد الكعبي عن محمد بن عجلان عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تحرم التجارة عند الأذان يوم الجمعة ويحرم الكلام عند الخطبة وتحل التجارة بعد صلاة الجمعة ولا تجب الجمعة على أربعة: المريض والعبد والصبي والمرأة، فمن سعى بلهو أو تجارة اسْتَغْنَى اللَّهُ عنه وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ» [٢٩٥].
وتجب الجمعة على أهل القرى إذا سمعوا النداء من المصر، ووقت اعتبار سماع الأذان يكون المؤذّن صيّتا والأصوات هادئة والريح ساكنة، وموقف المؤذن عند سور البلد، ويعتبر كل قرية بالسور الذي يليها، هذا مذهب الشافعي، وقال ابن عمر وأبو هريرة وأنس: تجب الجمعة على من كان على عشرة أميال من المصر، وقال سعيد بن المسيب: يجب على من آواه المبيت، وقال الزهري: تجب على من كان على ستة أميال، ربيعة أربع أميال، مالك والليث: ثلاثة أميال.
(٢) كتاب المسند للشافعي: ٦١.
واختلف الفقهاء في عدد من ينعقد بهم الجمعة، فقال الحسن: ينعقد باثنين، وقال الليث ابن سعد وأبو يوسف: بثلاثة، وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة: بأربعة، وقال ربيعة: الرأي باثني عشر، وقال الشافعي: لا تنعقد الجمعة بأقل من أربعين نفسا، قال: فكل قرية جمعت فيها أربعين بالغين عاقلين أحرار مقيمين لا يظعنون عنها شتاء وصيفا الا ظعن حاجة وجبت عليهم الجمعة، وقال مالك: إذا كانت قرية فيها سوق ومسجد فعليهم الجمعة من غير اعتبار عدد، وقال أبو حنيفة: لا تجب الجمعة على أهل السواد والقرى ولا يجوز لهم أقامتها فيها، وأشترط في وجوب الجمعة وانعقادها: المصر الجامع للسلطان القاهر والسوق القائمة والنهر الجاري، واحتج
بحديث علي كرم الله وجهه: لا جمعة ولا تسويق إلا في مصر جامع، وفي بعض الأخبار إلا على أهل مصر جامع
وضعّفه بعضهم.
والدليل على أبي حنيفة حديث ابن عباس قال: أول جمعة جمعت بعد جمعة النبي صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة في قرية من قرى البحرين يقال لها جواثا، وروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب الى أهل البحرين صلّوا الجمعة حيث ما كنتم، وتصح إقامة الجمعة بغير إذن السلطان وحضوره، وقال أبو حنيفة: من شرطها الإمام أو خليفة.
والدليل على أن السلطان ليس بشرط في انعقاد الجمعة، ما روي أن الوليد بن عقبة والي الكوفة أبطأ يوما في حضور الجمعة فتقدّم عبد الله بن مسعود وصلى الجمعة بالناس من غير إذنه،
وروي أن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه صلى الجمعة بالناس، يوم حصر عثمان ولم ينقل أنه استأذنه
، وروى أن سعيد بن العاص والي المدينة لما أخرج من المدينة صلى أبو موسى الأشعري الجمعة بالناس من غير استئذان.
ولا يجوز أن يصلي في بلد واحد إلّا جمعة واحدة فأن صليت ثانية بطلت، وقال أبو يوسف: فإن كان للبلد جانبان جاز أن يصلي كل جانب منه جمعة، وقال محمد بن الحسن يجوز أن يصلي في بلد واحد جمعتان استحسانا.
فأما الوعيد الوارد لمن ترك صلاة الجمعة من غير عذر،
فأخبرنا أبو عمرو الفراتي قال:
حدّثنا أبو العباس الأحمر قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن الحكم قال: أخبرنا ابن أبي فديك قال: أخبرنا ابن أبي ذئب عن أسيد بن أسيد البرّاد عن عبد الله بن قتادة عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من ترك الجمعة ثلاثا من غير ضرورة طبع الله على قلبه» [٢٩٦] «١».
وروى أنه صلّى الله عليه وسلّم خطب فقال: «إن الله قد افترض عليكم الجمعة في مقامي هذا، في يومي هذا، [في شهري هذا من عامي هذا إلى يوم القيامة] فمن تركها في حياتي أو بعد مماتي وله إمام عادل أو جائر من غير عذر فلا بارك الله له ولا جمع الله شمله ألا فلا حج له ألا ولا صوم له، ومن تاب تاب الله عليه» [٢٩٨] «٢».
أخبرنا أبو عبد الله الفتحوي قال: حدّثنا أبو بكر القطيعي قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا حسن بن علي عن الحسن بن الحر عن ميمون بن أبي المسيّب قال: أردت الجمعة زمن الحجاج، قال: فتهيأت للذهاب ثم قلت: أين أذهب أصلي خلف هذا فقلت مرة: أذهب، وقلت مرة: لا أذهب قال: فاجمع رأي على الذهاب، فناداني مناد من جانب البيت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ قال: وجلست اكتب كتابا فعرض لي شيء إن أنا كتبته في كتابي زين كتابي وكنت قد كذبت، فأن أنزلته كان في كتابي بعض القبح وكنت قد صدقت، فقلت مرة: اكتب، وقلت مرة:
لا أكتب، فأجمع رأي على تركه فتركته، فناداني مناد من جانب البيت يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ «٣».
فأما ثواب من شهد الجمعة
وأخبرنا أحمد بن أبي قال: حدّثنا الهيثم بن كليب قال: حدّثنا عيسى بن أحمد قال:
حدّثنا بقية قال: حدّثني الضحاك بن حمزة عن أبي نصرة عن أبي رجاء العطار عن أبي بكر الصديق وعمر بن حصين قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من اغتسل يوم الجمعة كفّرت عنه ذنوبه وخطاياه فإذا أخذ في المشي [إلى الجمعة] كتب له بكل خطوة عمل عشرين سنة فإذا (فرغ) «٤» من (الجمعة) «٥» أجيز بعمل مائتي سنة» [٢٩٩].
وأخبرنا أحمد بن أبي في آخرين قالوا: حدّثنا أبو العباس الأصم قال: أخبرنا الربيع قال:
(٢) سنن ابن ماجة: ١/ ٣٤٣، كنز العمّال: ٧/ ٧٢١، ح ٢١٠٩٢.
(٣) سورة إبراهيم: ٢٧.
(٤) في المصدر: انصرف.
(٥) في المصدر: الصلاة.
وأخبرنا أبو عمرو الفراتي قال: أخبرنا أبو القاسم عمر بن أحمد بن الحسن البصري قال:
حدّثنا عبد الله بن محمد بن شودب قال: حدّثنا محمد بن عبد الملك الدقيقي قال: حدّثنا الحسن بن عرفة قال: حدّثنا بن يزيد بن هارون عن ثابت عن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«ليلة أسري بي الى السماء رأيت تحت العرش سبعين مدينة كل مدينة مثل دنياكم هذه سبعين مرة مملوءة من الملائكة يسبحون الله ويقدّسونه ويقولون في تسبيحهم: اللهم أغفر لمن شهد الجمعة، اللهم أغفر لمن اغتسل في الجمعة» [٣٠١] «٢».
فأما فضل يوم الجمعة
فأخبرنا أبو عمرو الفراتي وأبو عبد الله الحافظ وأبو محمد الكناني وأبو علي الثوري قالوا: حدّثنا أبو العباس محمد بن يعقوب بن يوسف قال: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن يزيد بن عبد الله بن السهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحرث عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أهبط وفيه [تيب] عليه وفيه مات وفيه تقوم الساعة وما من دابة إلّا وهي مسبحة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة إلّا الجن والإنس وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم يسأل الله شيئا إلّا أعطاه إياه» [٣٠٢] ».
قال أبو هريرة: قال عبد الله بن سلام: هي آخر ساعة في يوم الجمعة، فقلت له: كيف يكون آخر ساعة وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي وتلك الساعة لا يصلي فيه فقال ابن سلام ألم يقل النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من جلس مجلسا ينتظر فيه الصلاة فهو في الصلاة حتى يصلّي» فقلت بلى قال: «فهو ذلك» [٣٠٣] «٤».
وأخبرنا عبد الخالق قال: أخبرنا ابن هند قال: حدّثنا يحيى بن أبي طالب قال حدّثنا أبو
(٢) تفسير القرطبي: ١٨/ ١١٩.
(٣) كتاب المسند: ٧٢.
(٤) مسند أحمد: ٥/ ٤٥١.
هذه السّاعة الّتي في يوم الجمعة لا يوافقها مسلم يسأل الله فيها خيرا إلّا أعطاه إيّاه أو ذخر له مثله يوم القيامة أو صرف عنه من السوء مثله وإنّه خير الأيّام عند الله، وإنّ أهل الجنّة يسمّونه يوم المرند، قلت: يا رسول الله وما يوم المرند؟
قال: إنّ في الجنّة واديا، رائحة نبته مسك أبيض، يتنزل الله سبحانه وتعالى كل يوم جمعة ويضع كرسيّه فيه، ثم يجاء بمنابر من نور وتوضع خلفه فتحفّ منه الملائكة ثم يجاء بكرسي من ذهب فيوضع، ثمّ يجيئ النبيّون والصدّيقون والشهداء والمؤمنون أهل الغرف فيجلسون ثمّ يقسم الله سبحانه وتعالى فيقول: أي عبادي سلوا، فيقولون: نسألك رضوانك؟ فيقول: قد رضيت عنكم، فسلوا، فيسألون مناهم فيعطيهم الله ما شاءوا وأضعافها فيعطيهم ما لا عين رأت ولا خطر على قلب بشر، ثم يقول: ألم أنجزكم وعدي وأتممت عليكم نعمتي، وهذا محل كرامتي، ثم ينصرفون إلى غرفهم ويعودون كلّ يوم جمعة قلت: يا جبرائيل ما غرفهم؟ قال: من لؤلؤة بيضاء أو ياقوتة حمراء أو زبر جدة خضراء مفرزة منها أبوابها فيها أزواجها، مطردة فيها أنهارها.
وأخبرنا عبد الخالق قال: أخبرنا أبو العبّاس عبد الوهّاب بن عبد الجليل ذكر قال حدّثنا أبو محمّد أحمد بن محمّد بن إسحاق السني قال حدّثنا أحمد بن غالب البصري الزاهد بعد إذ قال حدّثنا دينار مولى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ ليلة الجمعه ويوم الجمعة أربعة وعشرون ساعة، لله سبحانه في كل ساعة ستّمائة ألف عتيق من النّار» [٣٠٤] «١».
[سورة الجمعة (٦٢) : الآيات ١٠ الى ١١]
فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠) وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١)
فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ أي فرغ منها.
فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ للتجارة والتصرف في حوائجكم.
وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ أي الرزق وهما أمر إباحة وتخيير كقوله سبحانه وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا «٢».
(٢) سورة المائدة: ٢.
قال الحسن وسعيد بن جبير ومكحول وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ هو طلب العلم.
وقال جعفر بن محمّد الصّادق فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ هو يوم السبت.
وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً الآية
أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا محمّد بن جعفر قال حدّثنا علي بن حرب قال حدّثنا ابن فضيل قال حدّثنا حصين عن سالم بن الجعد عن جابر ابن عبد الله قال: أقبلت عير ونحن نصلّي مع النبيّ (عليه السلام) الجمعة فانفضّ الناس إليها فما بقي غير اثني عشر رجلا أنا فيهم فنزلت وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً الآية.
وقال الحسن وأبو مالك: أصاب أهل المدينة جوع وغلاء سعر، فقدم دحية بن خليفة بتجارة زيت من الشام والنبي صلّى الله عليه وسلّم يخطب يوم الجمعة، فلمّا رأوه قاموا إليه بالبقيع، خشوا أن يسبقوا إليه فلم يبق مع النبي صلّى الله عليه وسلّم إلّا رهط منهم أبو بكر وعمر، فنزلت هذه الآية فقال رسول الله (عليه السلام) :«والّذي نفس محمّد بيده لو تتابعتم حتّى لا يبقى أحد منكم لسال بكم الوادي نارا» [٣٠٥] «٢».
قال المقاتلان: بينا رسول الله (عليه السلام) يخطب يوم الجمعة إذ قدم دحية بن خليفة بن فروة الكلبي ثم أحد بني الخزرج ثم أحد بني زيد بن مناة بن عامر من الشام بتجارة، وكان إذا قدم لم يبق بالمدينة عاتق إلّا أتاه وكان يقدّم إذا قدم كل ما يحتاج إليه من دقيق أو برّ أو غيره، فينزل عند أحجار الزيت، وهو مكان في سوق المدينة، ثم يضرب بالطبل ليؤذن الناس بقدومه فيخرج إليه الناس، فقدم ذات جمعة وكان ذلك قبل أن يسلم، ورسول الله (عليه السلام) قائما على المنبر يخطب، فخرج النّاس فلم يبق في المسجد إلّا إثنا عشر رجلا وامرأة فقال النبي (عليه السلام) :«لولا هؤلاء لسوّمت عليهم الحجارة من السماء» [٣٠٦] «٣» وأنزل الله سبحانه هذه الآية
، وقال ابن عباس في رواية الكلبي لم يبق في المسجد إلّا ثمانية رهط، وقال ابن كيسان:
خرجوا إلّا أحد عشر رجلا وامرأة.
(٢) مسند أبي يعلى: ٣/ ٤٦٨.
(٣) تفسير مجمع البيان: ١٠/ ١١.
وقال مجاهد: كانوا يقومون إلى نواضحهم وإلى السفر، يقدّمون يتبعون التجارة واللهو، فأنزل الله سبحانه وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً قال المفسّرون: يعني الطبل وذلك أنّ العير كانت إذا قدمت المدينة استقبلوها بالطبل والتصفير.
وقال جابر بن عبد الله: كان الجواري إذا نكحوا يمرّون بالمزامير والطبل فانفضّوا إليها، فنزلت هذه الآية، وقوله انْفَضُّوا إِلَيْها ردّ الكناية إلى التجارة لأنّها أهم وأفضل، وقد مضت هذه المسألة.
وقرأ طلحه بن مصرف وإذا رأوا لهوا أو تجارة انفضّوا إليها.
وَتَرَكُوكَ قائِماً على المنبر.
أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أبو عمرو بن الحسن قال حدّثنا أحمد بن الحسن بن سعيد قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا حصين عن مسعر وأبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن حسان عن عبيدة عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله أنّه سئل: أكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يخطب قائما أو قاعدا؟
قال أما تقرأ وَتَرَكُوكَ قائِماً.
قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ قرأ أبو رجاء العطاردي خير من اللهو والتجارة للّذين آمنوا.
وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ لأنّه موجد الأرزاق فإيّاه فاسألوا ومنه فاطلبوا.