تفسير سورة العلق

التفسير الواضح
تفسير سورة سورة العلق من كتاب التفسير الواضح .
لمؤلفه محمد محمود حجازي .

سورة العلق
وتسمى سورة «اقرأ» أو «القلم». وهي مكية، وآياتها تسع عشرة آية، وفيها أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بالقراءة مع بيان مظاهر قدرة الله مع الإنسان، وبيان بعض صفاته ثم ذكر مثل يدل على عناد بعض أفراده وبيان جزاء أمثاله.
[سورة العلق (٩٦) : الآيات ١ الى ١٩]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤)
عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (٥) كَلاَّ إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (٧) إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى (٨) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (٩)
عَبْداً إِذا صَلَّى (١٠) أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى (١١) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى (١٢) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٣) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى (١٤)
كَلاَّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ (١٥) ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ (١٦) فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (١٧) سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ (١٨) كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (١٩)
المفردات:
عَلَقٍ: جمع علقة، وهي قطعة دم جامدة الْأَكْرَمُ أى: هو أكرم من كل كريم. لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ السفع: الجذب بشدة، والناصية: شعر مقدم الرأس، والمراد إذلاله وإهانته. نادِيَهُ المراد: أهل النادي. الزَّبانِيَةَ: الملائكة الموكلين بالإشراف على الكفار في النار فهم يدفعونهم إليها دفعا. وَاقْتَرِبْ: تقرب إلى ربك بالعبادة.
882
المعنى:
روى البخاري في صحيحه عن عائشة- رضى الله عنها- ما معناه قالت: أول ما بدئ به رسول الله من الوحى الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، فكان يأتى حراء فيتحنث فيه- فيتعبد فيه- الليالى ذوات العدد، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى فاجأه الوحى، وهو في غار حراء فجأه الملك فيه. فقال: اقرأ. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما أنا بقارئ، قال: فأخذنى فغطني- ضمني إليه- حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلنى، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فغطني الثانية حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلنى، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ فغطني الثالثة حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلنى، فقال: اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم... إلخ الحديث.
وعلى ذلك فصدر هذه السورة أول ما نزل من القرآن، رحمة وهدى للناس، وأول خطاب وجه إلى رسول الله من قبل الحق- تبارك وتعالى- كان أمرا بالقراءة وحديثا عن القلم والعلم، أفلا يتدبر المسلمون هذا ويعملون على نشر العلم ويحملون لواءه؟! فهذا نبيهم الأمى أمر بالقراءة وعمل على نشرها.
أما بقية السورة فالظاهر أنها نزلت بعد ذلك، وأول سورة نزلت كاملة أم الكتاب- الفاتحة- وخلاصة معنى الآيات: كن قارئا- يا محمد- بعد أن لم تكن كذلك، واتل ما أوحى إليك ولا تظن أن ذلك بعيد لأنك أمى لا تقرأ ولا تكتب، ولا تتوهمن أن ذلك محال، فالله الذي أبدع هذا الكون وخلق فسوى وقدر فهدى: وخلق الإنسان الذي هو أشرف المخلوقات، والمسيطر عليها، والمتميز عنها بالعقل والتكليف وبعد النظر، خلقه من قطعة دم جامدة لا حس فيها ولا حركة ولا شعور، ثم بعد ذلك صار إنسانا كاملا في أحسن تقويم.
هو الله الذي يجعلك قادرا على القراءة ويهبك العلم بما لم تكن تعلم أنت ولا قومك منه شيئا، وهو القادر على أن ينزل عليك القرآن لتقرأه على الناس على مكث وما كنت تدرى قبله ما الكتاب ولا الإيمان!!
883
اقرأ باسم ربك، أى: بقدرته- فالاسم كما مر علم على الذات وبه تعرف، والله يعرف بصفاته- الذي خلق كل مخلوق فسواه وعدله في أى صورة شاءها له- وقد خلق الإنسان من علق، اقرأ يا محمد، والحال أن ربك الأكرم من كل كريم. لأنه واهب الكرم والجود، وهو القادر على كل موجود، ولقد كرر الأمر بالقراءة لأنها تحصل للإنسان العادي بالتكرار. وتكون للمصطفى صلّى الله عليه وسلّم بتكرير الأمر، وإذا كان الله أكرم من كل كريم، أفيصعب عليه أن يهبك نعمة القراءة وحفظ القرآن وأنت لم تأخذ بأسبابها العادية، اقرأ إن شئت قوله تعالى: إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ
[سورة القيامة آية ٦٧] سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى [سورة الأعلى آية ٦].
اقرأ وربك الأكرم الذي علم الناس كيف يتفاهمون بالقلم مع بعد المسافة، وطول الزمن، وهذا بيان لمظهر من مظاهر القدرة والعلم عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ نعم لقد أودع الله في الإنسان من الغرائز والتفكير ما جعله يبحث ويستقصى، ويجرب حتى وصل إلى معرفة أسرار الكون، وطبائع الأشياء فاستخدم كل هذا له وسخره لإرادته خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً [البقرة ٢٩] وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها [البقرة ٣١].
ترى أن الله أمر نبيه بالقراءة عامة وخاصة القرآن ثم بين له أن هذا أمر ممكن بالنسبة لله الذي خلق الخلق، وخلق الإنسان من علق، وهو الكريم الذي لا يبخل وخاصة على رسوله، وهو الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم.
كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى حقا إن الإنسان ليطغى ويتكبر ويتمادى في الإثم لأنه رأى نفسه قد استغنت عن الغير بكثرة المال والأولاد، وما كان له ذلك! إن إلى ربك وحده الرجوع يوم القيامة فسوف يحاسبه على ذلك حسابا شديدا.
لعلك تسأل عن تناسق الآيات؟ فأقول لك: لما ذكر الله فيما ذكر بعض مظاهر القدرة والعلم وكمال النعم التي أنعم بها على الإنسان، ومقتضى ذلك ألا يكفر به أحد، ولكن الإنسان كفر وبغى فأراد الله أن يبين السبب فقال ما معناه: إنه حب الدنيا والغرور بها والحرص عليها حتى تشغله عن النظر في الآيات الكبرى! بعد أن أمر الله نبيه بأن يتلو ما أوحى إليه من الكتاب وأبان له سبب كفر الإنسان ضرب له مثلا برأس من رءوس الكفر قيل: هو أبو جهل، وإن كانت الآية عامة.
884
أخبرنى يا محمد عن الذي ينهى عبدا خاضعا لله يصلى له، ما شأنه؟ إن شأنه لعجيب «١» شخص يكفر ويعصى ربه، ينهى عن الخير وخاصة الصلاة أخبرنى عن حاله لو كان من أصحاب اليمين، وكان من السابقين المهتدين ثم يأمر بالتقوى والخير ما شأن هذا؟ إن حاله يكون عجيبا لأنه يستحق المثوبة الكبرى في جنة المأوى.
أخبرنى إن كذب إنسان وأعرض عن الحق وتولى وأعطى نفسه كل ما تتمنى!! ألم يعلم هؤلاء بأن الله يرى، قروا واعترفوا بأن الله يعلم الغيب والشهادة وسيجازى كلا على عمله إن خيرا فخير وإن شرا فشر، ففروا أيها الناس إلى الله وتوبوا إليه واعملوا على مرضاته.
كلا: كلمة ردع وزجر لمن يعصى الله مطلقا، فأقسم لئن لم ينته هؤلاء الكفار أو العصاة عن أفعالهم لنعذبنهم عذابا شديدا، ولنذلنهم إذلالا يتناسب مع تكبرهم في الدنيا وما ذلك على الله بعزيز. لنجذبن تلك الناصية بشدة، تلك الناصية التي طالما كذبت لغرورها بقوتها واعتقادها أنها تمتنع عن الله الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وهذا كذب بلا شك، وقد أخطأت لأنها تجاوزت حدها وأساءت إلى غيرها وخاصة الأبرار الصادقين، سنفعل مع صاحبها كل إهانة فليدع أهل ناديه ليدفعوا عنه شيئا!! بل سندعو الزبانية، أى: سيدعو الله زبانية جهنم يدفعونه دفعا لها يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا [سورة الطور آية ١٣] وليس له شفيع ولا نصير.
كلا- ردع للكافر عن عمله- لا تطعه أيها الرسول واسجد لله دائما وتقرب إليه بالعبادة فإنها الحصن والوقاية، وطريق النجاح.
(١) هذا إشارة إلى أن: أرأيت؟ استفهام للإنكار والتعجب وهي تفيد معنى أخبرنى.
885
Icon