ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
١ - ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ أكثر المفسرين، وأهل التأويل على أن هذه السورة أول مَا نزل من القرآن، (وهي أول شيء نزل (٢)؛(٢) وهذا القول مروي عن: عائشة، وعبد الله بن عمر، وأبو رجاء العطاردي، قال الهيثمي عن هذه الرواية: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح: "مجمع الزوائد" ٧/ ١٣٩، ومجاهد، وأبي موسى الأشعري. انظر: "جامع البيان" ٣٠/ ٢٥٢ - ٢٥٣، و"فضائل القرآن" لأبي عبيد ٢/ ١٩٨ - ١٩٩، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٦٠.
وعزاه الثعلبي إلى أكثر المفسرين: "الكشف والبيان" ج ١٣/ ١٢٠ أ، وكذلك صاحب "معالم التنزيل" ٤/ ٥٠٦، و"لباب التأويل" ٤/ ٣٩٢، وابن حجر في "فتح الباري" ٨/ ٧١٤.
وقال الزمخشري، والنسفي: وأكثر المفسرين على أن الفاتحة أول ما نزل ثم سورة القلم. وانظر: "الكشاف" ٤/ ٢٢٣، و"مدارك التنزيل وحقائق التأويل" للنسفي ٣/ ٧٠٨، وقد قال بهذا القول ابن عباس، وعزاه القرطبي إلى أبي موسى، وعائشة. رضي الله عنهما وغيرهم. انظر: "الجامع لأحكام القرآن" =
وهناك قول ثالث: مروي عن جابر أن أول ما نزل من القرآن: يا أيها المدثر. وهناك أقوال أخرى: أشهرها ما ذكره الواحدي عن أكثر المفسرين.
قال القاضي أبو بكر في الانتصار: وأثبت الأقاويل: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾، ويليه في القوة: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴾ وطرق الجمع بين الأقاويل أن أول ما نزل من الآيات: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾، وأول ما نزل من أوامر التبليغ: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴾، وأول ما نزل من السور سورة الفاتحة. انظر "البرهان في علوم القرآن" للزركشي: ٢/ ٢٠٧ - ٢٠٨.
وقال ابن تيمية: فسورة ﴿اقْرَأْ﴾ هي أول ما نزل من القرآن، ولهذا افتتحت بالأمر بالقراءة، وختمت بالأمر بالسجود، ووسطت بالصلاة التي أفضلها أقوالها، وأدلها بعد التحريم هو القراءة. ثم عزا القول "إنها من أول ما نزل" إلى جماهير العلماء. انظر: "مجموع الفتاوى" ١٦/ ٢٥٤ - ٢٥٥.
(١) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٢) حراء: جبل، وهو صخري كثير الشعاب، صعب المرتقى، يقع في الشمال الشرقي لمكة، ويجاوره جبل ثبير، واشتهر جبل حراء بالغار الذي يعرف باسمه، كما يطلق عليه اسم جبل النور، لأن مهبط الوحي الأول على الرسول -صلى الله عليه وسلم-. "القاموس الإسلامي" ٢/ ٥٩، وانظر: "معجم ما استعجم" ٢/ ٤٣٢، و"معجم البلدان" ٢/ ٢٣٣.
(٣) لقد وردت أحاديث عدة من طرق مختلفة بهذا المعنى؛ منها ما هو موقوف، ومنها ما هو مرفوع، وأصحها ما جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان أوَّلَ ما بدئ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يُرى رُؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، فكان يلحق بغار حراء، فيتحنث فيه. قال: والتحنث: التعبد الليالي ذوات العدد، قبل أن يرجع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجى إلى خديجة، فيتزود بمثلها، حتى فجَأهْ الحق وهو في غار حراء، فجاءه =
هُنَّ (٤) الحرائِرُ لا رّبَّاتُ أحْمِرةٍ | سُوُد المحاجِرِ لا يَقْرَأْنَ بالسُّوَرِ (٥). |
أخرجه: البخاري في "الجامع الصحيح" ٣/ ٣٢٧: ح ٤٩٥٣: كتاب التفسير: باب ٩٦، ومسلم في صحيحه ٢/ ٥٥٦: ح ٢٥٢. كتاب الإيمان: باب بدء الوحي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-وأحمد في "المسند" ٦/ ٢٣٢ - ٢٣٣.
(١) ما بين القوسين من قول أبي عبيدة في "مجاز القرآن" ٢/ ٣٠٤.
(٢) من أوجه مواضع زيادة "الباء" قال الزمخشري: أن تكون للحال، أي: اقرأ مفتتحًا باسم ربك؛ قل: بسم الله ثم اقرأ. "الكشاف" ٤/ ٣٢٣. أن تكون "الباء" للاستعانة، والمفعول محذوف، تقديره: اقرأ ما يوحي إليك مستعيناً باسم ربك. أنها بمعنى "على" أي اقرأ على اسم ربك. "الدر المصون" ٦/ ٥٤٥.
(٣) ساقط من (أ).
(٤) في (أ): (من).
(٥) ورد البيت منسوبًا إلى الراعي النميري وهو في "ديوان الراعي" النميري ص ١٠١، و"الدر المصون" ٦/ ٥٤٥، و"المقتضب" ٣/ ٤٤ الحاشية وذكر محقق المقتضب أن للقتال الكلابي مثله.
معناه: الحرائر جمع حرة، وهي الكريمة الأصيلة، والربات جمع ربة بمعناه الصاحبة، والأحمرة جمع حمار، وخص الحمير لأنها رذال المال وشره، أراد بسود المحاجر: الإماء السود. لا يقرأن بالسور: جاهلات لا يقرأن القرآن. "ديوان الراعي" ص ١٠١.
ومعنى ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ اذكر اسمه كأنه أمران يبدأ (١) القراءة باسم (ربك، فالجالب) (٢) للباء معنى الابتداء، وفي هذا دلالة على أن تجب قراءة التسمية في ابتداء كل سورة، كما (٣) أنزل الله تعالى، وأمر به في هذه الآية ردًا على من لا يرى ذلك ولا يبتدئ بها (٤).
(٢) ما بين القوسين ساقط من (ع).
(٣) في (ع): (عما).
(٤) هذه المسألة فيها خلاف: هل البسملة آية من سورة الفاتحة وحدها، أو من كل سورة، أو ليست آية لا من أم الكتاب ولا من كل سورة؟.
فمنهم من رأى أنها آية من أم الكتاب، فأوجب قراءتها بوجوب قراءة أم الكتاب عنده في الصلاة.
ومن رأى أنها آية من كل سورة وجب عنده أن يقرأها مع السورة.
فالحنفية ترى أن البسملة ليست آية من الفاتحة، ولا من غيرها من السور إلا جزءاً من آية سورة النمل، وهو مروي عن أحمد، وهي المنصورة عند أصحابه، ومالك، والأوزاعي، وعبد الله بن معبد الرماني.
ورواية عن أحمد أنها آية من الفاتحة، ومن كل سورة ذكرت في فاتحتها، وهو أيضًا قول عطاء، والزهري، وعبد الله بن المبارك، وكذلك قال الشافعي هي آية من الفاتحة، ومن كل سورة غير براءة.
انظر تفصيل المسألة بأدلتها في: "حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء" للشاشي القفال ٢/ ١٠٢، و"بداية المجتهد ونهاية المقتصد" لابن رشد القرطبي ١/ ١٢٥، و"المغنى" لابن قدامة ١/ ٤٨٠، و"المجموع شرح المهذب" للنووي ٣/ ٣٣٣، و"نيل الأوطار" للشوكاني ٢/ ٢١٨، و"حاشية الروض الربع شرح زاد المستقنع" لعبد الرحمن بن محمد النجدي: ٢/ ٢٤ - ٢٥، و"الفقه الإسلامي وأدلته" د. وهبة الزحيلي ١/ ٦٤٦، ٦٥٠، ٦٥٤.
٢ - ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ﴾ يعني ابن آدم.
﴿مِنْ عَلَقٍ﴾ جمع علقه، وإنما ذكر العلق بلفظ الجمع، لأنه أراد بالإنسان الجمع، فذهب بالعلق إلى الجمع لمشاكلة رؤوس الآيات، قاله (٣) الفراء (٤).
٣ - قوله: ﴿اقْرَأْ﴾ تقرير للتاكد. ثم استأنف فقال: (قوله تعالى) (٥) ﴿وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ﴾ قال الكلبي: يعني (الحكيم) (٦) الحليم عن جهل العباد، لا يعجل عليهم بالعقوبة (٧).
(٢) "معالم التنزيل" ٤/ ٥٠٧، و"فتح القدير" ٥/ ٤٦٨.
(٣) في (أ): (قال).
(٤) "معاني القرآن" ٣/ ٢٧٨ بتصرف.
(٥) ما بين القوسين ساقط من (ع).
(٦) ساقط من (ع).
(٧) ورد قوله في: "الكشف والبيان" ١٣/ ١٢١ أ، ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٥٠٧، و"زاد المسير" ٨/ ٢٧٩.
والقول: إن معنى الآية: أي الكريم هو الأشبه بالمعنى، لأنه لما ذكر ما تقدم من نعمه دل به على كرمه. "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١١٩ - ١٢٠، و"فتح القدير" ٥/ ٤٦٨. وقال ابن تيمية: "سمى ووصف نفسه بالكرم، وبأنه الإكرام بعد إخباره أنه خلق ليتبين أنه ينعم على المخلوقين، ويوصلهم إلى الغايات المحمودة ولفظ الكرم لفظ جامع للمحاسن والمحامد لا يراد به مجرد الإعطاء؛ بل الإعطاء من تمام معناه، فإن الإحسان إلى الغير تمام المحاسن، والكرم كثرة الخير ويسرته".
"مجموع الفتاوى" ١٦/ ٢٩٣، وانظر: "شرح أسماء الله الحسنى" القحطاني ص ١٥٢.
(قال أبو إسحاق: أي علم الإنسان الكتابة بالقلم (٣).) (٤)
وقال أهل المعاني: قد نوه الله تعالى بالقلم (٥) إذ ذكره في كتابه معتدًا به في نعمه على خلقه، لأنه لعظيم الشأن بما فيه من الانتفاع (٦).
٥ - وقال صَاحب النظم: مفعول قوله: ﴿عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ محذوف، فلما ذكر قوله: ﴿عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ انتظم بقوله: ﴿عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ على تقدير الذي علم الإنسان بالقلم مَا لم يعلم؛ إلا أنه كرر ذكر ﴿عَلَّمَ﴾ توكيدًا (٧). وهذا معنى قول الكلبي؛ (لأنه قال) (٨): ﴿عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ من الكتاب بالقلم.
ومن المفسرين من يجعل هذه الآية منقطعة عن الأولى فيقول: معنى ﴿عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ علم آدم الأسماء كلها (٩).
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٤٥ بتصرف.
(٤) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٥) في (ع): (القلم).
(٦) لم أعثر على مصدر لقولهم، وبمعناه قال قتادة: القلم نعمة من الله عظيمة، لولا القلم لم يقم دين، ولم يصلح عيش. "الكشف والبيان" ١٣/ ١٢١ ب، و"زاد المسير" ٨/ ٢٧٩.
(٧) لم أعثر على مصدر لقوله..
(٨) ساقط من (أ).
(٩) قال بذلك كعب الأحبار كما في: "النكت والعيون" ٦/ ٣٠٥، وبه قال السمرقندي =
٦ - قوله (تعالى) (٣): ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى﴾.
قالوا: نزلت هذه الآية وما بعدها إلى آخر السورة في أبي جهل (٤).
ومعنى: (كلا)
قال عطاء: لا يصدق أبو جهل أن الله تعالى علم محمدًا هذا الذي جاء به من النبوة (٥).
وقال مقاتل: كلا لا يعلم الإنسان إن الله علمه ما لم (يكن) (٦) يعلم (٧).
(١) في (أ): (من الأحكام الشرعية)، وهو مكرر ليس في موضعه، ولذلك أسقطته.
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله، وانظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٥٠٧.
(٣) ساقط من (أ).
(٤) عزاه الفخر إلى أكثر المفسرين: "التفسير الكبير" ٣٢/ ١٧، ورواه القرطبي عن ابن عباس في "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١٢٣، وانظر: "المحرر الوجيز" ٥/ ٥٠٢، و"زاد المسير" ٨/ ٢٧٩.
(٥) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٦) ساقط من (أ).
(٧) "تفسير مقاتل" ٢٤٥ أ، و"زاد المسير" ٨/ ٢٧٩، و"التفسير الكبير" ٣٢/ ١٨.
﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ﴾ يعني أبا جهل. [[ليطغى]] قال مقاتل: كلا إذا أصاب مالاً زاد في ثيابه، ومركبه، وطعامه، وشرابه، فذلك طغيانه (٢)، ونحو هذا قال الكلبي: يرتفع عن منزلة إلى منزلة في اللباس والطعام (٣).
٧ - قوله: ﴿أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾ قال الأخفش: معناه لأن رآه، فحذف اللام، كما يقال: إنكم لتطغون إن رأيتكم استغنيتم (٤). ومثله كثير (٥).
قال الفراء: ولم يقل رأى الإنسان، فقال قتل نفسه لأن رأى من الأفعال التي تريد اسمًا وخبرًا؛ نحو الظن، والحسبان، وبابهما، ولا يقتصر في هذا الباب على مفعول واحد، والعرب تطرح النفس من هذا الجنس فتقول: رأيتني وظننتني، وحسبتني، ومتى تراك خارجًا، ومتى
(٢) "تفسير مقاتل" ٢٤٥ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٥٠٧، كما ورد من غير عزو في: "زاد المسير" ٨/ ٢٧٩.
(٣) "الكشف والبيان" ١٣/ ١٢١ ب، وبمعناه في: "النكت العيون" ٦/ ٣٠٦، وبمثل قوله قال السدي في "النكت".
(٤) "التفسير الكبير" ٣٢/ ١٩، وانظر: "التحرير والتنوير" ٣/ ٤٤٤.
(٥) نحو ما جاء في قوله تعالى: ﴿أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ﴾ [الإسراء: ٦٢] وقوله: ﴿قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ﴾ [الأنعام: ٤٠].
قال مقاتل: إن رأى نفسه غنيا، وكان موسرًا فطغى فخوفه الله بالرجعة (٣).
٨ - فقال: ﴿إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى﴾. قال أبو عبيدة: المرجع (٤).
وقال الأخفش: الرجوع (٥).
وكلاهما (٦) مصادر، يقال: رجع إليه يرجع رجوعًا ومرجعًا، ورجعى: مصدر على فُعْلَى (٧).
٩، ١٠ - (قوله تعالى) (٨): ﴿رَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (٩) عَبْدًا إِذَا صَلَّى﴾.
يعني: أبا جهل (٩)، قال أبو هريرة: قال أبو جهل: لأن رأيت محمدًا
(٢) وقوله مكررة في (أ)، وليس هذا موضعها.
(٣) "الوسيط" ٤/ ٥٢٩.
(٤) "مجاز القرآن" ٢/ ٢٠٤، وإليه ذهب ابن قتيبة في: "تفسير غريب القرآن" ٥٣٣.
(٥) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٦) في (ع): (ثلاثيها).
(٧) انظر: "تهذيب اللغة" ٨/ ٣٦٥: (رجع)، و"لسان العرب" ٨/ ١١٤ (رجع).
(٨) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٩) قال ابن عطية: ولم يختلف أحد من المفسرين في أن الناهي أبو جهل، وأن العبد المصلي: محمد -صلى الله عليه وسلم-. "المحرر الوجيز" ٥/ ٥٠٢.
قال ابن حجر: وإنما شدد الأمر في حق أبي جهك دون غيره مما بلغ أذاه ما بلغه أبو جهل، وذلك لأن أبا جهل زاد في التهديد وبدعوى أهل طاعته، وبإرادة وطء العنق الشريف، وفي ذلك من المبالغة ما اقتضى تعجيل العقوبة لو فعل ذلك. "فتح الباري" ٨/ ٧٢٤.
كما أخرجه الإمام أحمد في "المسند" ٢/ ٣٧٠، والنسائي في تفسيره: ٢/ ٥٣٤ - ٥٣٥، ح: ٧٠٣: سورة اقرأ باسم ربك. وعزاه المزي في "تحفة الأشراف" للنسائي الكبرى ١٠/ ٩٢ ح ١٣٤٣٦ كتاب الملائكة كلاهما بهذا الإسناد. "جامع البيان" ٣٠/ ٢٥٣، و"النكت والعيون" ٦/ ٣٠٦، و"معالم التنزيل" ٤/ ٥٠٨، و"زاد المسير" ٨/ ٢٧٩، و"التفسير الكبير" ٣٢/ ٢٠، و"لباب التأويل" ٤/ ٢٩٤، و"الصحيح المسند" ٢٣٥، و"لباب النقول في أسباب النزول" للسيوطي ص ٢٣٢، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١٢٢ أ، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٦٥ وعزاه إلى ابن المنذر، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي، و"دلائل النبوة" ١/ ١٨٩. وممن قال أنها نزلت في أبي جهل: مجاهد، وقتادة، وابن عباس. "جامع البيان" ٣٠/ ٢٥٤، وعزاه الوادعي صاحب "الصحيح المسند" إلى ابن عباس بسند صحيح ٢٣٦ بنحوه.
وفيه فأنزل الله: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى﴾ إلى قوله: ﴿كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ﴾. قال ابن عاشور -بعد ما ذكر رواية أبي هريرة في نزول ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى﴾ -: ورواه ابن عباس في نزول ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى﴾ لأن كلاهما في أبي جهل.
ووجه الجمع بين الروايتين أن النازل في أبي جهل بعضه مقصود، وهو ما أوله: =
١١ - وهو قوله تعالى: ﴿إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى﴾ يعني: العبد المسمى، وهو محمد -صلى الله عليه وسلم- (١)
١٢ - ﴿أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى﴾. قال عطاء: مخافة الله، والتناهي عن معاصي الله (٢).
وقال مقاتل: يعني بالإخلاص والتوحيد (٣). ويكون المعنى على هذا باتقاء الشرك.
١٣ - ﴿أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ﴾. أبو جهل (٤) ﴿وَتَوَلَّى﴾ عن الإسلام.
ونظم هذه الآية على تقدير: أريت الذي ينهى عبدًا إذا صلى، وهو على الهدى، أمر بالتقوى، والناهي مكذب متولٍ عن الإيمان، أي فما أعجب من ذا، ولكن لما كرر أرأيت بني على ما بعده على الاتصال به، وهذا معنى قول الفراء (٥)، والأخفش (٦).
(١) قال بذلك الطبري في: "جامع البيان" ٣٠/ ٢٥٤، والماوردي في: "النكت والعيون" ٦/ ٣٠٧.
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) "تفسير مقاتل" ٢٤٥ ب، وورد بمثله من غير أعزو في: "معالم التنزيل" ٤/ ٥٠٨، و"لباب التأويل" ٤/ ٣٩٤.
(٤) قاله قتادة في "جامع البيان" ٣٠/ ٢٥٥.
(٥) "معاني القرآن" ٣/ ٢٧٨.
(٦) لم أعثر على مصدر لقوله.
١٥ - ثم قال: ﴿كَلَّا﴾ قال مقاتل: كي لا يعلم ذلك (٢). ثم خوفه بقوله: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ﴾ (أي) (٣) عن تكذيب محمد وشتمه وإيذائه.
﴿لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ﴾ قال أبو عبيدة: لنأخذن بالناصية، يقال: سفعت بيده أي: أخذت (٤) بيده، والرجل يُسْفَع برجل طَروقَتِه (٥).
وقال المبرد: السفع الجذب بالإعنات، يقال: سفعه إذا اقتلعه من موضعه بجذب بعضه (٦).
وقال الفراء: [لَنَهِصرنَّها (٧)] (٨)، ولنأخذن بها (٩).
(٢) "تفسير مقاتل" ٢٤٥ ب، و"التفسير الكبير" ٣٢/ ٢٣.
(٣) ساقط من (أ).
(٤) في (أ): (وأخذت بدلاً، أي أخذت).
(٥) "مجاز القرآن" ٢/ ٣٠٤.
(٦) "معالم التنزيل" ٤/ ٥٠٨
(٧) في (أ): (لمعصريها)، في (ع): (لنعصرها)، وأثبت ما جاء في مصدر القول.
(٨) لنهصرنَّها، معنى الهَصْر: الكسر، وقد هَصَرَهُ واهْتصره بمعنى، وهَصَرْتُ الغصن وبالغصن إذا أخذت برأسه فأملْتَه إليك. "الصحاح" ٢/ ٨٥٥ (هصر).
وقال الفيروزابادي: الهَصْرُ: الجذب بالإمالة، والكسر، والدفع، والإدناء، وعطف شيء صلب كالغصن ونحوه، وكسره من غير بينونة. "القاموس المحيط" ٢/ ١٦١ (هصر).
(٩) "معاني القرآن" ٣/ ٢٧٩ مختصرًا.
والمعنى: لنجرن بناصيته (١) إلى النار (٢).
وأنشد الأزهري (٣):
قَومٌ إذَا افزع الصَّرِيخَ رأيتهم | مِن بَيْنِ مُلْجِمِ مُهْرِهِ أَوْ سَافِعِ (٤) |
قال ابن عباس: لنقبضن بناصيته (٦).
قال الماوردي: وقد يعبر بها من جملة الإنسان كما يقال: هذه ناصية مباركة إشارة إلى جميع الإنسان. "النكت والعيون" ٦/ ٣٠٨.
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٤٥.
(٣) للشاعر حميد بن ثور الهلالي.
(٤) ورد البيت في "ديوانه" ١١١، ط. الدار القومية: برواية: (إذا سمعوا)، و"تهذيب اللغة" ٢/ ١٠٨ (سفع) برواية: (فزعوا)، وعزاه محققه إلى حميد بن ثور، كما ورد في "تاج العروس" ٥/ ٣٨١ برواية: (إذا سمعوا) بدلاً من (فزع) ولم ينسبه، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٥٠٣ برواية: (إذا سمعوا الصياح)، وعزاه إلى عمرو بن معدي كرب، و"روح المعاني" ٣٠/ ١٨٦: برواية: (إذا أكثر الصياح)، و"تفسير ابن عباس" للحميدي: ٢/ ٩٨٣.
ومعنى الصريخ: المستغيث، وهو الناصر أيضًا. ملجم: اسم فاعل من ألجمت الفرس. سافع: آخذ بناصية مهره ليلجمها. يقول: رأيتهم عند الصريخ هذه حالهم. "ديوانه" الحاشية ص ١١١.
(٥) "تهذيب اللغة" ٢/ ١٠٨ (سفع).
(٦) ورد معنى قوله في "الدر المنثور" ٨/ ٥٦٦ وعزاه إلى ابن المنذر، وروايته: (لنأخذن).
وقال الحسن: السفع الأخذ (٣). وهذا كقوله ﴿فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ﴾ [الرحمن: ٤١]. قال مقاتل: (ثم أخبر عنه أنه فاجر خاطئ فقال:
١٦ - ﴿نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ﴾) (٤)
قال الكلبي: كاذبة على الله مشركة (٥).
وقال أبو إسحاق: ناصية بدل من الناصية، المعنى: لنسفعًا بناصية (٦) كاذبة، وتأويله: صَاحبها كاذب خاطئ كما يقال: فلان نهاره صَائم، وليله قائم، المعنى: هو صَائم في نهاره، قائم في ليله (٧).
قال ابن عباس: لما نهى أبو جهل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (عن) (٨) الصلاة انتهره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (٩) فقال أبو جهل: أتنتهرني يا محمد، فوالله لقد علمت مَا بها رجل أكثر ناديًا (١٠) مني، فأنزل الله قوله:
١٧ - ﴿فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ﴾ (١١).
(٢) "تفسير مقاتل" ٢٤٥ ب.
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٤) ما بين القوسين من قول مقاتل: "فتح القدير" ٥/ ٤٧٠.
(٥) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٦) في (أ): (بناصيته).
(٧) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٤٥.
(٨) في (ع): (من).
(٩) ساقط من (ع).
(١٠) في (أ): (أدباً).
(١١) الرواية عن ابن عباس وردت في "سنن الترمذي" ٥/ ٤٤٤، ح: ٢٣٤٩، وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح، والرواية كما هي عند الترمذي: عن ابن عباس =
(٣) وذكرنا تفسير النادي عند قوله: ﴿وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ﴾ (٤)، ونحو
كما أخرجه النسائي في "تفسيره" ٢/ ٥٣٥، ح: ٧٠٤، وقال محققه: إسناده حسن، والطبراني في: "المعجم الكبير" ١٢/ ١٣٧، ح: ١٢٦٩٣، وقال محققه: وهو صحيح؛ ولكن من غير الطريق الذي ذكره عن ابن عباس، كما ورد في: "أسباب النزول" للواحدي: تح: أيمن صالح: ٣٩٦، قال محققه: حسن صحيح، وعزاه إلى الترمذي. وقال محقق أسباب النزول د. عصام الحميدان: وصححه الهيثمي، وهو كما قال ٤٦٠، و"لباب النقول" ص ٢٣٢، و"الصحيح المسند" ص ٢٣٦.
كما ورد معناه في: "جامع البيان" ٣٠/ ٢٥٩، و"معالم التنزيل" ٤/ ٥٠٨، و"لباب التأويل" ٤/ ٣٩٤، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٦٤، وعزاه إلى ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن مردويه، والبيهقي، وأبي نعيم.
وعزاه الحافظ في "الثاني" ٤/ ١٨٦ للحاكم، والبزار، وقال: أصله في "صحيح البخاري".
وانظر دراسة إسناد هذه الرواية في: "تفسير ابن عباس" للحميدي ٢/ ٩٧٩.
(١) في (أ): (قال).
(٢) "مجاز القرآن" ٢/ ٣٠٤ بنصه.
(٣) في (ع): (ونجوماً)، وهي زيادة في الكلام، ووضعت في غير موضعها.
(٤) سورة العنكبوت: ٢٩، وذكر في تفسيرها: المجلس، ثم جاء إلى سورة مريم: ٧٣ عند قوله: ﴿أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا﴾، وقد جاء في تفسيرها وأحسن نديا: النَدىَّ فَعيل معنى الفاعل، وهو المجلس، وكذلك النادي، يقال: ندوت =
١٨ - قوله تعالى: ﴿سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ﴾ قال أبو عبيدة (٧)، (والمبرد (٨)) (٩): واحد الزبانية: زبنية، وهو الشديد الأخذ، وأصله من زبِنْتُه إذا دفعته (١٠)، وهو كل متمرد من إنس أو جن، ومثله في المعنى والتقدير: عِفرِية، يقال (فلان) (١١) زِبْنية، وعِفرية، وجمعه عفارية.
وقال الأخفش: قال بعضهم: واحدها الزَبانَي، وقال بعضهم: الزَابن، وقال بعضهم: الزَابْنِية، والعرب لا تكاد تعرف هذا، وتجعله من
(١) في (أ): (هذا).
(٢) "مجاز القرآن" ٢/ ١٠ وقوله ورد عند تفسير سورة مريم: ٧٣ قال: ﴿وَأَحْسَنُ نَدِيًّا﴾ أي مجلساً، والنَّدي والنادي، والجميع منها أندية، واستشهد بأبيات من الشعر على ذلك.
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٤٦.
(٥) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٦) في (أ): (فليستنصرهم).
(٧) "مجاز القرآن" ٢/ ٣٠٤.
(٨) ورد قوله في: "التفسير الكبير" ٣٢/ ٢٥.
(٩) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(١٠) في (ع): (رفعته).
(١١) ساقط من (أ).
قال ابن عباس: يريد الأعوان زبانية جهنم (٣). ووالله لو دَعا ناديه لأخذته زبانية الله (٤).
وقال مقاتل: خزنة جهنم أرجلهم في الأرض، ورؤوسهم في السماء (٥).
(٢) "معاني القرآن" ٢/ ٢٤١ باختصار يسير.
(٣) ورد قوله في: "معالم التنزيل" ٤/ ٥٠٨، و"لباب التأويل" ٤/ ٣٩٤.
(٤) قال الوادعي: واخرج ابن جرير: "جامع البيان" ٣٠/ ٢٥٦ بسند صحيح عن ابن عباس نحوه، وفيه: فأنزل الله ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (٩) عَبْدًا إِذَا صَلَّى﴾ إلى قوله: ﴿كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ﴾ فقال: لقد علم أني أكثر هذا الوادي ناديًا، فغضب النبي -صلى الله عليه وسلم- فتكلم بشيء، قال داود -يعني أحد رجال السند-: ولم أحفظه.
فأنزل الله: ﴿فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (١٧) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ﴾ فقال ابن عباس: فوالله لو فعل لأخذته الملائكة من مكانه.
كما ورد قوله في "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٨٤، و"بحر العلوم" ٣/ ٤٩٥، و"معالم التزيل" ٤/ ٥٠٨، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١٢٧، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٦٥، و"جامع الأصول" ٢/ ٤٣١، قال الأرناؤوط، وإسناده حسن.
كما أخرجه الترمذي: ٥/ ٤٤٣، ح: ٣٣٤٨: كتاب تفسير القرآن: باب ٨٥، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب. كما أنه وردت هذه العبارة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من رواية ابن عباس في "الجامع الصحيح" للبخاري ٣/ ٣٢٨: ح: ٤٩٥٨: كتاب التفسير: باب: ٤ عن ابن عباس قال أبو جهل: لئن رأيت محمداً يُصلي عند الكعبة لأطأن عنقه، فبلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (لو فعل لأخذته الملائكة). وانظر مرجع رواية ابن عباس في ص ٨٨٩، حاشية: ٢.
(٥) "التفسير الكبير" ٣٢/ ٢٥، و"زاد المسير" ٨/ ٢٨١ مختصرًا.
وقال الزجاج: هم الملائكة الغلاظ الشداد (٤).
١٩ - ثم قال: ﴿كَلَّا﴾ (٥) أي ليس الأمر على ما عليه أبو جهل. ﴿لَا تُطِعْهُ﴾ في ترك الصلاة.
﴿وَاسْجُدْ﴾ قال مقاتل: وصل لله واقترب إليه بالطاعة (٦).
وقال عطاء: اقترب إلي، فإن العبد أقرب مَا يكون من الله إذا هو سجد (٧).
ونحو هذا قال مجاهد (٨).
(٢) الشُّرَط: سموا بذلك لأن شُرْطة كل شئ خياره، وهم نخبة السلطان من جُنده. "تهذيب اللغة" ١١/ ٣٠٩: (شرط).
(٣) "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٨٤، و"زاد المسير" ٨/ ٢٨١، و"التفسير الكبير" ٣٢/ ٢٥، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١٢٦، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٦٥ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن جرير، ولم أجده عند ابن جرير.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٤٦.
(٥) في (أ): (تطيعه).
(٦) لم أعثر على مصدر لقوله، وقد ورد معزوًا إلى الجمهور في: "زاد المسير" ٨/ ٢٨١.
(٧) لم أعثر على مصدر لقوله، وقد ورد بمعناه من طريقه إلى أبي هريرة في: "صحيح مسلم" ١/ ٣٥٠، ح: ٢١٥ كتاب الصلاة: باب ٤٢، والحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء".
(٨) "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٨٥، و"بحر العلوم" ٣/ ٤٩٥، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٥٠٣، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٦٦. وعزاه إلى سعيد بن منصور، وابن المنذر، و"تفسير سفيان بن عيينة" المحايري ص ٣٤٧.