تفسير سورة سبأ

جهود القرافي في التفسير
تفسير سورة سورة سبأ من كتاب جهود القرافي في التفسير .
لمؤلفه القرافي . المتوفي سنة 684 هـ

١٠٢٠- لا نسلم أن الكفار قسموا قوله عليه السلام إلى مطلق الكذب والجنون، بل إلى الافتراء وهو أخص من الكذب، فإن الكذب قد يكون مخترعا من جهة أن الكاذب لم يسمعه من غيره، فهذا هو الافتراء، وما تبع فيه غيره لا يقال له افتراء، فهم قسموا الكذب إلى نوعيه : المفترى وغيره، لا أنهم قسموا الكلام إلى الكذب وغيره. ( الفروق : ١/٢٦ )
١٠٢١- إن الرواح لا يكون لغة إلا بعد الزوال، ومن قوله تعالى :﴿ غذوها شهر ورواحها شهر ﴾. ( الذخيرة : ٢/٣٥٠ )
١٠٢٢- اتخذهم سليمان عليه السلام لأعمال تعجز عنها البشر بسبب فرط قوتهم. ( الفروق : ٢/٢٢٧ )
١٠٢٣- ما معنى الجزاء هاهنا ؟ وما وجه حصره في الكفور دون المؤمن والكافر ؟
والجواب : اختلف المفسرون في الجزاء هاهنا، فقيل : هو على بابه، وهو ما يقابل به العمل ومعناه : " لا تجازى سواء بسواء من غير زيادة ولا نقصان إلا الكفور "، وأما المؤمن فتضاعف حسناته ويسامح في سيئاته.
وقيل : " ما يجازى بكل ذنوبه إلا الكفور ".
وقيل : المراد بالجزاء الحساب، ومعناه : " ما يناقش الحساب إلا الكفور، وأما المؤمن فيحاسب حسابا يسيرا من غير مناقشة "، وقد قال عليه السلام : " من نوقش الحساب عذب " ١ فهذا معنى الجزاء وحصره في الكفور. وأما الكافر فقيل : لا يقع إلا بمعنى كفور، فإن أيسر الكفر كثير، وكذلك لما قسم الله تعالى الخلق القسمة الحاصرة لم يجعل منهم الكافر، فقال :﴿ إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ﴾٢ ولم يقل كافرا، فلذلك وقع الحصر في الكفور.
وأما قوله تعالى :( يجازى ) على صيغة المفاعلة، ولم يقل : " يجزى "، كما قال تعالى في غير هذا الوضع، فإن الكفور عظيم الجرم جدا، والجناية لابد أن تكون مناسبة للعقوبة، وكذلك قال الشاعر :
دناهم كما دانوا ***...
أي : جزيناهم كما فعلوا، وقال الآخر :
ألا لا يجهلن أحد علينا*** فنجهل فوق جهل الجاهلينا.
فسمى الجناية والمؤاخذة باسم واحد، وكذلك هاهنا، جعل فعل الكفور مجازاة لما جزاؤه مجازاة فحصلت المفاعلة على نوع من التوسع كما تقدم في البيتين. وأما غير الكفور فأمره قريب، فلم يتحصل من جنايته كثير أمر بحسن أن يجعل قبالة العقوبة فاهتضم، فبطلت المفاعلة في حقه. ( الاستغناء : ٢٣٥ على ٢٣٧ )
١ - أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، الباب: ٣٥. ومسلم في صحيحه، كتاب الجنة. ح : ٧٩-٨٠. وأبو داود في سننه، كتاب الجنائز: الباب ٨. والترمذي في سننه: كتاب القيامة، الباب ٥. وأحمد في مسنده : ٦/٤٧..
٢ - سورة الإنسان : ٣..
١٠٢٤- هو من محاسن القرآن الكريم، لأنه من تلطف الخطاب وحسن الإرشاد، فإنك إذا قلت لغيرك : " أنت كافر فآمن " ربما أدركته الأنفة، فاشتد إعراضه عن الحق، فإذا قلت له : " احدنا كافر فينبغي أن يسعى في خلاص نفسه من عذاب الله تعالى، فهلم بنا نبحث عن الكافر منا فنخلصه "، فإن ذلك أوفر لداعيته في الرجوع إلى الحق، والفحص عن الصواب، فإذا نظر فوجد نفسه هو الكافر، فر من الكفر من غير منافرة منك عنده، ويفرح بإسلامه، ويسر منك بالنصيحة. هكذا هذه الآية سهلت الخطاب على الكافر ليكون ذلك اقرب لهدايتهم، ومنه قول صاحب فرعون المؤمن لموسى عليه السلام :﴿ وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يكن كاذبا فعليه كذبه وإن يكن صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم، إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب، يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصركم من بأس الله إن جاءنا. قال فرعون ما أوريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ﴾١. فخصصهم أولا بالملك والظهور لتنبسط نفوسهم مع علمه بأنه وبال عليهم. وبسبب طغيانهم، ولم يجزم في ظاهر اللفظ بصدق موسى عليه السلام، مع قطعه بصدقه، بل جعله معلقا على شرط لئلا ينفرهم فيحتجبوا عن الصواب.
فكل من صح قصده في هداية الخلق سلك معهم ما هم اقرب لهدايتهم، وكذلك قوله تعالى لموسى وهارون في حق فرعون :﴿ فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ﴾٢.
وقوله لمحمد صلوات الله عليهم أجمعين :﴿ ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ﴾٣.
وقوله تعالى :﴿ ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ﴾٤ فهذا كله من محاسن الخطاب، لا من موجبات الشك والارتياب. ( الأجوبة الفاخرة : ١٣٣-١٣٤ )
١ - سورة غافر: ٢٨-٢٩..
٢ - سورة طه : ٤٤..
٣ - - سورة آل عمران: ١٥٩..
٤ سورة العنكبوت: ٤٦..
١٠٢٥- إنه عام في الناس إلى يوم القيامة. ( العقد المنظوم : ٢/٩١ )
١٠٢٦- كذلك القول في ﴿ كافة ﴾ فإنها تؤكد العموم كما تؤكده " قاطبة " فتقول : " جاءني القوم كافة ". فهي تؤكد العموم وتقويه. ومؤكد العموم أولى أن يكون للعموم، قال الله تعالى :﴿ وما أرسلناك إلا كافة للناس ﴾ أي : لجميعهم. ( نفسه : ٢/١٤٤ )
١٠٢٧- ﴿ بشيرا ونذيرا ﴾ حالان، مما دل عليه ﴿ كافة ﴾ أي : " أرسلناك إرسالا جامعا للناس بشيرا ونذيرا ". ( الاستغناء : ١٤٣ )
١٠٢٨- هو عليه السلام قد قاتل اليهود، وبعث إلى الروم ينذرهم، وكتابه عليه السلام محفوظ عندهم على اليوم في بلاد الروم عند ملكهم، يفتخرون به. وكتب إلى المقوقس بمصر لإنذار القبط، ولكسرى بفارس١. وهو الصادق البر، كما سلم أنه رسول لقومه، فيكون رسولا للجميع، ولأن من جملة ما نزل عليه :﴿ وما أرسلناك إلا كافة للناس ﴾ فصرح بالتعميم. واندفعت شبهة من يدعي التخصيص، فإن كان النصارى لا يعتقدون أصل الرسالة لا لقومه ولا لغيرهم، فيقولون : " أوضحوا لنا صدق دعواكم " ولا يقولون : كتابكم يقتضي تخصيص الرسالة. وإن كانوا يعتقدون أصل الرسالة، لكنها مخصوصة، لزمهم التعميم لما تقدم. ( الأجوبة الفاخرة : ٧٣ )
١ - قال ابن هاشم: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رسلا من أصحابه، وكتب معهم كتبا إلى الملوك يدعوهم فيها إلى الإسلام. فبعث دحية بن خليفة الكلبي إلى قيصر ملك الروم. وبعث عبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى ملك فارس. وبعث عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي ملك الحبشة. وبعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس ملك الإسكندرية" ن: السيرة: ٤/٢٧٩..
١٠٢٩- فيه من الأسئلة : ما وجه حصره عليه السلام في النذارة، وهو يقتضي سلب جميع الصفات عنه، ومنه من البشارة وغير ذلك من صفاته الكثيرة كما تقدم بيانه ؟ وما معنى قوله :﴿ بين يدي ﴾، وما قال " حلف " ولا غير ذلك من العبارات ؟ وما المستثنى والمستثنى منه ؟
والجواب : أما حصره عليه السلام في النذارة فقد تقدم الجواب عنه مرارا١. وأما قوله :﴿ بين يدي عذاب ﴾، فهذا التخصيص بهذا الموضع، وهو مبني على قاعدة، وهي أن الداخل إلى الوجود كالداخل إلى سكة من سكك الأرض فالداخل قبله يكون بين يديه، والداخل بعده يكون وراءه. فلما كانت المستقبلات كلها تدخل بعد دخولها جعلت وراء، والماضيات كلها دخلت قبلنا، فهي بين أيدينا فصارت هذه قاعدة مجازية، وهي من مجاز الاستعارة والتشبيه، فصار كل ما وجد قبل الشيء أمامه وما يوجد بعده خلفه، وعليه نصوص القرآن، قال الله تعالى في القرآن الكريم :﴿ ... ومصدقا لما بين يدي من التوراة ﴾٢ وهما قبله. وقوله تعالى :﴿ ويذرون وراءهم يوما ثقيلا ﴾٣ ويوم القيامة في المستقبل. وقوله تعالى :﴿ وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا ﴾٤ فمعناه أنهم ذاهبون إلى حومته، فلقاؤه مستقبل فهو على القاعدة.
كذلك هاهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نذير لعذاب مستقبل فهو بين يدي العذاب ؛ لأن السابق أبدا بين يدي اللاحق كما تقدم.
وأما المستثنى والمستثنى منه في المعنى أحوال وصفات، ومعناه : " لا صفة له صلى الله عليه السلام إلا النذارة باعتبار من لا يؤمن، كما تقدم تقريره والواجب عنه.
وأما باعتبار اللفظ فالمستثنى منه أخبار، لأن حرف " إن " هاهنا حرف نفي، وتقدير الكلام : " ما هو إلا نذير " فنفي عن هذا المبتدإ كل خبر إلا هذا الخبر باعتبار من لا يؤمن كما تقدم تقريره والجواب عنه. ( الاستغناء : ٢٣٧-٢٣٨ )
١ - ن : الاستغناء، مثلا : ١٧٦ وما بعدها و ١٩٩ وما بعدها..
٢ - سورة آل عمران : ٥٠..
٣ - سورة الإنسان : ٢٨..
٤ - سورة الكهف : ٧٩..
Icon