تفسير سورة سبأ

جامع البيان في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة سبأ من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن .
لمؤلفه الإيجي محيي الدين . المتوفي سنة 905 هـ
سورة سبأ مكية
قيل إلا قوله :﴿ ويرى الذين أتوا العلم ﴾ الآية وهي أربع وخمسون آية وست ركوعات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾ كلها١* منه نعمة وفضلا، فهو الحقيق بالحمد وحده في الدنيا، ﴿ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ ﴾ لأن ما في الآخرة أيضا خلقه، وهم٢* المنعم عليه فيها بلا وساطة أحد، ﴿ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ﴾
١ في النسخة ن: كله..
٢ في النسخة ن: وهو..
﴿ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ ﴾ يدخل، ﴿ في الأرض ﴾ كالدفائن والأموات والبذور، ﴿ وما يخرج منها ﴾ كالحيوان والنبات، ﴿ وما ينزل من السماء ﴾ كالمطر والملك والأرزاق، ﴿ وما يعرج فيها ﴾ كالملك والأعمال الصالحة، ﴿ وهو الرحيم الغفور ﴾ : للمقصرين في شكر تلك النعم،
﴿ وقال ١ الذين كفروا لا تأتينا الساعة ﴾ : القيامة إنكارا للبعث، ﴿ قل بلى وربي ﴾ إثبات لما نفوه بآكد وجه، ﴿ لتأتينكم ﴾ : الساعة، ﴿ عالم الغيب ﴾، بالجر صفة ربي، وبالرفع على تقدير هو عالم وصفه بهذه من بين الصفات لأن الساعة من أدخل المغيبات في الخفية، ﴿ لا يعزب ﴾ : لا يبعد، ﴿ عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ﴾ : مقدار أصغر نملة، ﴿ ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ﴾ هو كلام منقطع عما قبله بالرفع، أو الفتح كلا حول ولا قوة إلا بالله،
١ لما ذكر تلك الأمور البدائع من خلقه وأثبت العلم الواسع له، فليس لأحد أن ينكر شيئا من بدائعه التي أخبر بها، فقال على سبيل التعجب: ''وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة'' / ١٢ وجيز..
﴿ ليجزي ﴾ : الله، ﴿ الذين آمنوا وعملوا الصالحات ﴾ متعلق بقوله :﴿ لتأتينكم١ ﴿ أولئك لهم مغفرة ورزق كريم ﴾ : في الجنة بلا تعب ومنة،
١ أي: الساعة ليجزي، وقيل لا يعزب ليجزى، والأول أولى وإن كان الثاني أقرب، وما ذلك إلا حجة ساطعة في صدق ما أقسم عليه لأنه مركوز في العقول ثبوت الجزاء والعقاب للمحسن والمسيء فكأنه تعليل لتأتينكم / ١٢ وجيز..
﴿ والذين سعوا في آياتنا ﴾ : بالإبطال، ﴿ معاجزين ﴾ : مفوتين على زعمهم يحسبون أنهم يفوتوننا، ﴿ أولئك لهم عذاب من رجز ﴾ : سيء العذاب، ﴿ أليم١ : مؤلم،
١ صاحب ألم، كان الرجز أو العذاب من شدته صاحب ألم فما حال المعذب به؟! /١٢ وجيز..
﴿ ويرى ﴾ : يعلم، ﴿ الذين أتوا العلم ﴾، كمؤمني أهل الكتاب، أو كالصحابة ومن تبعهم، ﴿ الذي أنزل إليك من ربك ﴾ أي : القرآن، ﴿ هو الحق ﴾، ثاني مفعولي يرى والضمير فصل، وقراءة الرفع على أنهما مبتدأ وخبر والجملة ثاني مفعوليه، قيل ويرى عطف على ليجزي أي : ليرى أولو العلم عند مجيء الساعة أنه الحق عيانا كما علموه الآن برهانا، ﴿ ويهدي ﴾ : القرآن، أو الذين أتوا العلم، ﴿ إلى صراط العزيز الحميد ﴾ هو دين الإسلام،
﴿ وقال الذين١ كفروا ﴾ أي : بعضهم لبعض، ﴿ هل ندلكم على رجل ﴾ يعنون أصدق الصادقين -عليه الصلاة والسلام ﴿ ينبئكم ﴾ : يحدثكم بمجال عجيب، ﴿ إذا مزقتم كل ممزق ﴾ : فرقتم وقطعتم كل تفريق وتقطيع ولما كان ما بعد إن لا يعمل فيما قبله فعامل إذا محذوف يدل عليه قوله :﴿ إنكم لفي خلق جديد ﴾ أي : تنشأ ون خلقا جديدا بعد أن تكونوا ترابا،
١ بعد ما أنكروا مجيء الساعة وقالوا لا تأتينا الساعة قال بعضهم لبعض على سبيل التعجب والتعجيب ''هل ندلكم على رجل'' يعنون أصدق الصادقين عليه الصلاة والسلام ونكروا اسمه، وهو أعرف اسم في الأرض والسماء كأنهم لا يعرفونه / ١٢ وجيز..
﴿ أفترى ﴾ أي : أفترى، ﴿ على الله كذبا ﴾ : اختلق عليه قاصدا للكذب، ﴿ أم به جنة ﴾ : فيتفوه بما لا يعقله وجاز أن تكون منقطعة كأنهم قالوا : دعوا حديث الافتراء فإن هاهنا ما هو أهم منه فإن العاقل لا يفتري المحال، بل جنونه يوهمه ذلك، ﴿ بل الذين لا يؤمنون ١ بالآخرة في العذاب والضلال البعيد ﴾ : عن الصواب ولذلك يترددون في أنه مفتر أو مجنون، ولولا ذلك لعلموا أنه أصدق وأعلم الصادقين والعالمين وصف الضلال بما هو صفة للضال حقيقة للإسناد المجازي،
١ أضرب تعالى عن مقالتهم والمعنى: ليس للرسول مثل ما نسبتم إليه: بل أنتم في العذاب والضلال البعيد / ١٢ وجيز..
﴿ أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء ﴾ أي : أعموا فلم ينظروا إلى أن السماء والأرض محيطتان بهم لا يستطيعون الخروج من أقطارهما ولم يخافوا أن نخسف بهم أو نسقط عليهم قطعة من السماء لكفرهم ؟﴿ إن في ذلك ﴾ : فيما يرون من السماء والأرض، ﴿ لآية ﴾ : دلالة، ﴿ لكل عبد منيب١ : راجع إلى ربه مطيع لكثرة تأمله.
١ ولما ذكر إنكارهم البعث لأنه مستحيل عندهم ذكرهم بأشياء كل منها مستحيل عادة بعضها اتفقت به أخبارهم ونطقت به أشعارهم، ومن اعترف بثبوته ولم يعترف بالبعث مع أنه اتفق عليه ألسنة الصادقين بالأدلة الواضحة مع البينات الظاهرات من المعجزات فما هو إلا معاند قليل الحياء، فقال: ﴿ولقد آتينا داود منا فضلا﴾ الآية / ١٢ ـ ١٢ وجيز..
﴿ ولقد آتنا داود منا فضلا ﴾ جمع له بين النبوة والملك والجنود والمعجزات الظاهرة، ﴿ يا جبال أوّبي معه ﴾ أي : قلنا يا جبال رجعي معه التسبيح، أو النوحة، أي : سبحي معه إذا سبح بدل من ''آتينا'' ﴿ والطير ﴾ عطف على محل جبال أو مفعول معه لأوبي كان إذا سبح تسبح معه الجبال والطير وتجاوبه بأنواع اللغات، ﴿ وألنّا له الحديد ﴾ : كالطين والشمع يصرفه بيده من غير نار ولا ضرب مطرقة،
﴿ أن اعمل سابغات ﴾ أي : أمرناه أن اعمل دروعا واسعات، ﴿ وقدر في السرد ﴾١ : لا تجعل المسامير دقاقا ولا غلاظا قيل أي : قدر في نسجها تناسب حلقها فإن دروعه لم تكن مسمرة، ﴿ واعملوا ﴾ أي : داود وآله، ﴿ صالحا إني بما تعلمون بصير ﴾ : فلا يضيع عملكم،
١ والسرد: نسج الدروع / ١٢..
﴿ ولسليمان ﴾ أي : وسخرنا له، ﴿ الريح ﴾، وقراءة رفع الريح على تقدير ولسليمان الريح مسخرة، ﴿ غدوها شهر ورواحها شهر ﴾ : مسيرها بالغداة إلى انتصاف النهار مسيرة شهر وبالعشي كذلك ففي اليوم الواحد تجري مسيرة شهرين، ﴿ وأرسلنا له عين القطر ﴾ : أسأل معدن النحاس فينبع كما ينبع الماء من العين، ﴿ ومن الجن ﴾، حال متقدمة أو خبر لقوله :﴿ من يعمل بين يديه ﴾، والجملة عطف على الريح، ﴿ بإذن ربه ﴾ : بأمره، ﴿ ومن يزغ ﴾ : يعدل، ﴿ منهم عن أمرنا ﴾ : الذي هو طاعته، ﴿ نذقه من عذاب السعير ﴾ يدركه الصاعقة فتحرقه أو المراد عذاب الآخرة،
﴿ يعملون له ما يشاء من محاريب ﴾، البناء الرفيع والمساجد والقصور، ﴿ وتماثيل ﴾ : صور الملائكة والأنبياء واتخاذها مباح في شريعتهم، ﴿ وجفان ﴾، جمع جفنة أي : قصعة، ﴿ كالجواب ﴾، جمع جابية وهي الحوض الكبير، ﴿ وقدور راسيات ﴾ : ثابتات كالجبال أثافيها منها قيل كان يأكل في جفنه ألف رجل ﴿ اعلموا١ حكاية ما قيل لهم، ﴿ آل٢ داود شكرا ﴾ أي : الجن يعملون لكم فاعلموا أنتم شكرا، والشكر على ثلاثة أضرب بالقلب وباللسان وبالجوارح فقال :﴿ اعلموا ﴾ لينبه على التزام الأنواع الثلاثة أو مصدر لاعملوا لأن فيه اشكروا، أو معناه اعملوا طاعة الله للشكر أو شاكرين، ﴿ وقليل من عبادي الشكور ﴾ : المبالغ الباذل وسعه فيه،
١ وإنما قال اعملوا لينبه على التزام جميع أنواع الشكر فإن في قوله عليك بإعمال الفكر مبالغة ليس في قولك تفكر في تلك المسألة، وكان عليه السلام لا يشبع قط من خبز الشعير ولا يطعم ألذ الأطعمة / ١٢ وجيز..
٢ أي: قلنا لهم اعملوا يا آل داود شكرا له على ما آتاكم وسئل الجنيد عن الشكر فقال: بذل المجهود بين يدي المعبود، ثم بين بعد أمرهم بالشكر أن الشاكرين له من عباده ليسوا بكثير، فقال: "وقليل من عبادي الشكور" وقال ابن عباس يقول: قليل من عبادي الموحدين توحيدهم، والشكور على أداء الشكر الباذل وسعه فيه قد شغل به قلبه ولسانه وجوارحه اعتقادا واعترافا، وقد جاء عن داود عليه السلام أنه جزأ ساعات الليل والنهار على أهله فلم تكن تأتي ساعة من الساعات إلا وإنسان من آل داود قائم يصلي / ١٢ فتح..
﴿ فلما قضينا عليه ﴾ أي : على سليمان، ﴿ الموت١ ما دلهم ﴾ أي : الجن، ﴿ على موته إلا دابة الأرض ﴾ : الأرضة، ﴿ تأكل منسأته ﴾ : عصاه، ﴿ فلما خرّ ﴾ سليمان، ﴿ تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ﴾، كان من عادته أنه يعتكف في مسجد بيت المقدس وسنتين وأقل وأكثر، لما علم قرب أجله قال : اللهم غم موتى على الجن حتى يعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب، ثم دخل المحراب واتكأ على عصاه وقبضه ملك الموت والجن يرونه قائما يحسبونه حيا وهم في أعمالهم الشاقة، فلما أكلت الأرضة عصاه خر سليمان فعلمت الجن أنه قد مات قبل ذلك بمدة طويلة نحوا من سنة فشكرت الجن الأرضة فهم يأتونها بالماء والطين في أي موضع٢ هي فيه، وتبين إما بمعنى ظهر لازم فيكون أن مع صلتها بدل اشتمال من الجن كما تقول تبين زيد جهله أي : ظهر جهل الجن للإنس، وإما متعد أي : علموا أنهم كانوا كاذبين في ادعاء علم الغيب، ولو علموا لعلموا موته حين وقع فلم يلبثوا في الأعمال الشاقة التي هي العذاب المهين بعد مدة،
١ أي: أنفذنا عليه ما قضينا في الأزل من الموت وأوقعناه عليه / ١٢ وجيز..
٢ كذا روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس وغيره هذا ما في الوجيز وبمعنى هذه القصة نقل صاحب الفتح وعزاها إلى البزار، وابن جرير، وابن المنذر والطبراني وابن السني وغيرهم ذكر أهل التاريخ أن سليمان ملك، وهو ابن ثلاث عشرة سنة وبقي في الملك مدة أربعين سنة، وشرع في بناء بيت المقدس لأربع سنين مضين في ملكه، وتوفي وهو ابن ثلاث وخمسين سنة وقيل إن داود أسس بناء بيت المقدس في موضع فسطاط موسى، فمات قبل أن يتمه فوصى به إلى سليمان فأمر الشياطين بإتمامه، فلما بقي من عمره سنة سأل ربه أن يعمي عليهم موته حتى يفرغوا عنه ولتبطل دعواهم علم الغيب / ١٢ فتح..
﴿ لقد١ كان لسبأ ﴾ : اسم قبيلة، ﴿ في مسكنهم ﴾ : موضع سكناهم، وهو باليمن أو مسكن كل واحد منهم، ﴿ آية٢ : دالة على وجود قادر مختار على ما يشاء، ﴿ جنتان ﴾ بدل من آية أو خبر محذوف هو هي، ﴿ عن يمين وشمال ﴾ أي : جماعتان من البساتين جماعة عن يمين بلدهم وأخرى عن شمالها، وكل واحدة منهما في تقاربها وتضامها كأنها جنة واحدة والآية قصتهما، ﴿ كلوا من رزق ربكم واشكروا له ﴾، حكاية ما قال لهم الأنبياء أو لسان الحال، ﴿ بلدة طيبة ﴾، كانت أرخص البلدان أو أطيبها في الهواء، ولم يكن فيها ذباب ولا شيء من الهوام، ﴿ ورب غفور ﴾ : لمن شكره استئناف لبيان موجب الشكر أي : هذه بلدة طيبة، وربكم الذي رزقكم وطلب شكركم رب غفور،
١ ولما ذكر سبحانه حال بعض الشاكرين لنعمه عقبه بحال بعض الجاحدين الكافرين لها تذكرة لقريش وعبرة وموعظة لكل من سمعه فقال: ﴿لقد كان لسبأ﴾ الآية / كذا في الوجيز والفتح / ١٢..
٢ وأما الآية فما هي إلا قصتهم من إعراضهم عن الشكر وخراب ديارهم/ ١٢ وجيز..
﴿ فأعرضوا ﴾ : عن الشكر إلى عبادة الشمس، وكذبوا الأنبياء١ ﴿ فأرسلنا عليهم سيل العرم ﴾ العرم : الوادي أو الماء الغزير أو الصعب أو الجرذ، وهو نوع من الفأر الذي نقب عليهم السد ﴿ وبدّلناهم بجنتيهم جنّتين ذواتي أكل خمط ﴾ : أراك٢ قيل : كل شجر ذي شوك أو كل نبت مر فهو خمط، والأكل الثمر وأصله أُكُل أُكَل خمط فأقيم المضاف إليه مقام المضاف، ﴿ وأثل ﴾ هو الطرفاء أو شجر يشبهه عطف على أكل، فإنه الأثل لا أكل له، ﴿ وشيء من سدر قليل ﴾ هو أجود أشجارهما وتسمية البدل جنة للمشاكلة، وفيه من التهكم، كان قدام قريتهم سد عظيم يجتمع خلفه الماء فيستعملونه على قدر حاجاتهم، فلما كذبوا الرسل سلط الله عليه الجرذ فنقبه وغرقهم،
١ عن وهب أرسل الله إليهم ثلاثة عشر نبيا وقال السدي: اثني عشر ألف نبي فالله أعلم / ١٢ منه..
٢ فسره بالأراك جماعة من مشاهير السلف كابن عباس - رضي الله عنه- والحسن وقتادة والسدي الكبير / ١٢ منه..
﴿ ذلك جزيناهم بما كفروا ﴾ : بكفرهم أو بكفرانهم ﴿ وهل نجازي١ إلا الكفور ﴾ : هل يعاقب إلا البليغ في الكفر، أو الكفران أو هل نجازي بمثل هذا الجزاء إلا الكفور،
١ والحاصل أن الله سبحانه عدد عليهم النعم، ثم ذكر ما نزل بهم من النقم، ثم عاد لتعديد بقية ما أنعم به عليهم مما هو خارج عن بلدهم من اتصال القرى بينهم وبين ما يريدون السفر إليه، ثم ذكر بعد ذلك تبديله بالمفاوز والبراري كما سيأتي / ١٢ فتح..
﴿ وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها ﴾، هي قرى الشام، ﴿ قرى ظاهرة ﴾ : متواصلة يرى بعضها من بعض بحيث أن مسافرهم لا يحتاج إلى حمل ماء وزاد، ﴿ وقدرنا فيها السير ﴾ : بحيث يقيلون من اليمن إلى الشام في قرى ويبيتون في أخرى، ﴿ سيروا ﴾ أي : قلنا لهم : سيروا، ﴿ فيها ليالي وأياما آمنين ﴾ : لما مكنوا من السير في رغد وأمن كأنهم أمروا بذلك وأذن لهم إن شاءوا في الليل، وإن شاءوا في النهار فإن الأمن في كلا الوقتين حاصل،
﴿ فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا ﴾ لما بطروا النعمة وملوا العافية طلبوا مفاوز يحتاجون في قطعها إلى زاد ورواحل وسير في حرور ومخاوف ويمكن أن يكون ذلك لئلا يتمكن الفقراء من تلك السفرة، فيتطاولون عليهم وهذا كما طلب بنو إسرائيل الفول والعدس بدل المن والسلوى، ﴿ وظلموا أنفسهم ﴾ : بالبطر، ﴿ فجعلناهم أحاديث ﴾ : لمن بعدهم فصاروا ضرب مثل يقال : تفرقوا أيدي سبأ، ﴿ ومزقناهم ﴾ فرقناهم في الأرض، ﴿ كل ممزق ﴾ : كل تفريق بعض إلى الشام، وبعض إلى عمان، وبعض إلى العراق، وهكذا ﴿ إن في ذلك لآيات لكل صبار ﴾ : عن المعاصي، ﴿ شكور ﴾ : على النعم وهو المؤمن فإنه إذا أعطى شكر وإذا ابتلى صبر،
﴿ ولقد صدق عليهم إبليس ظنه ﴾ أي : حقق ظنه فيهم، وأما على قراءة تخفيف الدال فبتقدير في ظنه نحو فعلته جهدك أو لأن صدق نوع من القول عدي إليه بنفسه كصدق وعده، وكلام السلف دال على أن ضمير عليهم لبني آدم لا لأهل سبأ خاصة عن بعض١ منهم أن إبليس لما قال : لأضلنهم ولأغوينهم، لم يكن مستقينا أن ما قاله يتم فيهم، وإنما قاله ظنا فلما أطاعوه صدق عليهم ما ظنه، ﴿ فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين ﴾ من بيانية أي : أي فريقا هم المؤمنون، وقيل للتبعيض والمراد غير العاصين منهم،
١ قاله الحسن البصري وابن قتيبة / ١٢ منه..
﴿ وما كان له عليهم من سلطان ﴾ أي : ما كان تسليطنا إياه عليهم بالوسوسة والإغواء، ﴿ إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك ﴾ : ليتميز المؤمن من الشاك، أو لنعلم علما وقوعيا فإنه كان معلوما بالغيب أو ليتعلق علمنا تعلقا يترتب عليه الجزاء، فالمراد من حصول العلم حصول متعلقه مبالغة، ﴿ وربك على كل شيء حفيظ ﴾ : محافظ.
﴿ قل١ : يا محمد لمشركي قومك، ﴿ ادعوا الذين زعمتم ﴾ أي : زعمتموهم آلهة، ﴿ من دون الله ﴾ : من الملائكة، والأصنام ليكشفوا عنكم ضركم ويعينوكم ويرزقوكم، ﴿ لا يملكون مثقال ذرة ﴾ : من خير وشر، ﴿ في السموات ولا في الأرض ﴾، جملة لا يملكون إما استئناف جواب عن المشركين لأنه أمر متعين لا يقبل المكابرة وإما حال عن الذين زعمتم، ﴿ وما لهم فيهما من شرك ﴾ : من شركة، ﴿ وما له ﴾ : لله، ﴿ منهم من ظهير ﴾ : من عوين٢* فإنه هو المستقل في جميع الأمور لا شريك ولا معين له،
١ ولما ذكر إنعامه على أهل سبأ ثم تدميرهم لإطاعتهم لإبليس أمر نبيه بأن يبين لقريش ضلالهم فقال: ﴿قل ادعوا الذين﴾ الآية/١٢ وجيز..
٢ في النسخة ن: معين..
﴿ ولا تنفع١ الشفاعة عنده ﴾ أي : شفاعة شافع لمشفوع، ﴿ إلا لمن أذن٢ له ﴾ : أن يشفع، أو أن يشفع له، ﴿ حتى إذا فزع عن قلوبهم ﴾ : أزيل الفزع وكشف عنها، ﴿ قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق ﴾، توجيهه على رأي المتأخرين أن حتى غاية لما فهم من السابق من أن ثمة انتظارا وتربصا للإذن، كأنه قيل : يتربصون فزعين حتى إذا كشف الفزع عن قلوبهم بكلمة تكلم بها رب المغفرة والعزة قال بعضهم لبعض- على وجه السؤال : ماذا قال ربكم ؟ قالوا : قال القول الحق وهو الإذن بالشفاعة لمن ارتضى، وأما كلام السلف هو أنه تعالى إذا تكلم بالوحي أرعد أهل السماوات من الهيبة، فيلحقهم كالغشي فإذا جلى عن قلوبهم سأل بعضهم بعضا : ماذا قال ربكم ؟ قالوا : القول الحق، أي المطابق للواقع يعني : أخبر بعضهم بعضا بما قال الله من غير زيادة ونقصان، وفي البخاري والترمذي وابن ماجة أحاديث صريحة في هذا المعنى، وعلى هذا طباق الآية مشكل ويمكن أن يقال : إن المشركين يعبدون الملائكة زاعمين أنهم شفعاء٣ لهم فبين سبحانه مقام عظمته وجبروته أن لا يجترئ أحد منهم أن يشفع لأحد إلا بإذنه فهم خلف سرادق الهيبة متحيرون متربصون حتى إذا أزيل عنهم الفزع قالوا :﴿ ماذا قال ربكم ﴾ الآية، كأنه قال : لا تنفع الشفاعة إلا لمن لا يثبت عند سماع كلام الحق ولا يقدر التكلم حتى إذا أزيل الفزع وعن بعض السلف٤ معناه : حتى إذا نزع الغفلة عن قلوب المشركين عند الاحتضار ويوم القيامة قالت الملائكة لهم : ماذا قال ربكم في الدنيا بالوحي ؟ قالوا ''الحق'' فأقروا حين لا ينفعهم الإقرار، وعلى هذا أيضا توجيهها مشكل اللهم إلا أن يقال معناها : قل يا محمد للمشركين ادعوا آلهتكم أي : اعبدوهم، فيكون الأمر للتهديد، حتى إذا نزع الغفلة عن قلوبهم، ويكون حتى غاية لعبادتهم، ويكون قوله عن قلوبهم التفات من الخطاب، والله أعلم، ﴿ وهو العلي الكبير ﴾ : له العلو والكبرياء،
١ ذكر الرازي تحت هذه الآية مذاهب المشركين وقال: واعلم أن المذاهب المفضية إلى الشرك أربعة، ثم ذكرها إلى أن قال، ورابعها: قول من قال: إنا نعبد الأصنام التي هي صور الملائكة ليشفعوا لنا، فقال تعالى في إبطال قولهم: ''ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له'' فلا فائدة لعبادتكم غير الله فإن الله لا يأذن في الشفاعة لمن يعبد غيره، فبطلبكم الشفاعة تفوتون على أنفسكم الشفاعة / ١٢..
٢ في هذه الآية قطع لأصول الشرك ومواده، وقلع لعروقه وهدم لأساسه لأن المشرك إنما يتخذ معبوده لما يحصل له به من النفع، والنفع لا يكون إلا في من فيه خصلة من هذه الخصال الأربعة إماما لك لما يريد عابده منه، فإن لم يكن مالكا كان شريكا للمالك، فإن لم يكن شريكا له كان معينا وظهيرا، فإن لم يكن معينا ولا ظهيرا كان شفيعا عنده، فنفى سبحانه وتعالى المراتب الأربعة نفيا مرتبا منتقلا من الأعلى إلى ما دونه، فنفى الملك والشركة والمظاهرة والشفاعة التي يطلبها المشرك وأثبت شفاعة لا نصيب فيها للمشرك، وهي بإذن الله تعالى فكفى هذه الآية نورا وبرهانا ونجاة وتجريدا للتوحيد وقطعا لأصول الشرك ومواده لمن عقلها، والقرآن مملوء من أمثالها، ونظائرها ولكن أكثر الناس لا يشعرون بدخول الواقع تحته وتضمنه له ويظنه في نوع وقوم قد خلوا من قبل ولم يعقبوا وارثا وهذا هو الذي يحول بين القلب وبين فهم القرآن، ولعمر الله إن كان أولئك قد خلوا فقد ورثهم من هو مثلهم وشر منهم ودونهم، وتناول القرآن لهم كتناوله لأولئك، ولكن الأمر كما قال عمر ابن الخطاب - رضي الله عنه: إنما ينقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية، وهذا لأنه إذا لم يعرف الجاهلية والشرك وما عابه القرآن وذمه وقع فيه وأقره ودعا إليه وصوبه وحسنه، وهو لا يعرف أنه هو الذي كان عليه الجاهلية أو نظيره أو شر منه أو دونه، فينتقض بذلك عرى الإسلام، ويعود المعروف منكرا والمنكر معروفا والبدعة سنة والسنة بدعة، ويكفر الرجل بمحض الإيمان وتجريد التوحيد ويبدع بتجريد متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم- ومفارقة الأهواء والبدع، ومن له بصيرة وقلب حي سليم يرى ذلك عيانا، والله سبحانه هو المستعان وعليه التكلان هذا ما قاله العلامة الحافظ ابن القيم شرح المنازل في باب التوبة / ١٢..
٣ قال تعالى ﴿وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى﴾ [النجم: ٢٦] وقال تعالى: ﴿ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشية ربهم مشفقون﴾ [الأنبياء: ٢٨] ١٢ منه، وفي الوجيز، بل أصل عبادة الأحجار أنهم نحتوا كل صنم على مثال ملك بزعمهم / ١٢..
٤ صرح بذلك مجاهد، وعبد الرحمان بتريد ابن أسلم والحسن / ١٢ منه..
﴿ قل من يرزقكم من السموات والأرض قل الله ﴾ : إذ لا يجحد ذلك إلا معاند، ﴿ وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين١ : أي أحد الفريقين ممن يتوحد الرازق بالعبادة، وممن يشرك به الجماد لعلى أحد الأمرين إما مستعل على ذروة٢ الهدى أو منغمس في حضيض الضلال، وليس هذا على سبيل الشك، بل على الإنصاف في الحجاج، وهو أبلغ من التصريح في هذا المقام،
١ ولما كانوا في جواب السؤال بين أمرين إما بالسكوت فيعلم كل سامع أن الحجة لزمتهم وإما الجواب بوقاحة: نحن على الهدى، وأنتم على الضلال، أمره أن يجيبهم على هذا بما هو أبلغ في الإنصاف من الأول، فقال: قل لا تسألون عما أجرمنا من الذنوب إن كنا على الضلال، ولا نسأل عما تعلمون / ١٢ وجيز..
٢ هذا المعنى مستفاد من على وفي / ١٢ منه..
﴿ قل لا تسألون عما أجرمنا ﴾ : من الصغائر والزلات، ﴿ ولا نُسأل عما تعملون ﴾ : من الكفر والمعاصي وهذا أيضا من الإنصاف في غايته، حيث أسند الإجرام إلى نفسه، والعمل إليهم،
﴿ قل يجمع بيننا ربنا ﴾ : في المحشر، ﴿ ثم يفتح بيننا بالحق ﴾ : يفصل ويحكم، ﴿ وهو الفتاح العليم ﴾
﴿ قل أروني١الذين ألحقتم ٢ به شركاء ﴾ أي : أروني بأي صفة ألحقتموهم بالله حال كونهم شركاء على زعمكم، وهذا استفسار شبهتهم بعد إلزام الحجة، ﴿ كلا ﴾ ردع عن المشاركة، ﴿ بل هو الله العزيز الحكيم ﴾ : فأين هؤلاء الأذلاء عن هذه الصفات، وضمير هو لله أو للشأن،
١ ولما كان شأن وقاحتهم أن يجيبوا بأن الضلال عليكم، أمره بأن يبين لهم وقاحتهم فقال: ﴿قل أروني الذين﴾ الآية / ١٢ وجيز..
٢ فيه إشارة إلى أن آلهتهم كشيء في أيديهم يقلبونه حيث ما أرادوا / ١٢ وجيز..
﴿ وما١ أرسلناك إلا كافة٢ للناس ﴾ : إلا إرسالة عامة، نحو : ما قمت إلا طويلا، والأظهر ما اختاره ابن مالك من أنه حال عن المجرور، ولا بأس بالتقديم لأن استعمال الفصحاء وارد عليه، ﴿ بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون ويقولون متى هذا الوعد ﴾ : القيامة أو المبشر به والمنذر عنه، ﴿ إن كنتم صادقين قل لكم ميعاد يوم ﴾، الإضافة بيانية، ﴿ لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون ﴾، إذا فاجأكم، وهذا جواب إنكارهم القيامة لوحظ في الجواب المقصود من سؤالهم لا ما يعطيه٣ ظاهر اللفظ.
١ ولما تم دليل بطلان دينهم وأثبت لهم أنهم على الضلال المبين شرع في تحقيق هدايته فقال: ﴿ما أرسلناك إلا كافة الناس﴾ / ١٢ وجيز..
٢ هو من الكف لأنها إذا شملتهم فقد كفتهم عن أن يخرج عنها أحد منهم قال الزجاج: كافة حال كن الكاف، فعلى هذا التاء للمبالغة كتاء علامة، ورواية يعني: أرسلناك جامعا للناس في الإنذار، والإبلاغ / ١٢ منه..
٣ فإن ظاهر اللفظ أنهم سألوا عن وقت الساعة، وأجيبوا عن أحوالهم، ولكن ليس مقصودهم إلا إنكار الساعة، وأنها لا تأتى البتة، فالجواب مطابق للمقصود، وليس هذا من باب أسلوب الحكيم فلا تغفل / ١٢ منه..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٨:﴿ وما١ أرسلناك إلا كافة٢ للناس ﴾ : إلا إرسالة عامة، نحو : ما قمت إلا طويلا، والأظهر ما اختاره ابن مالك من أنه حال عن المجرور، ولا بأس بالتقديم لأن استعمال الفصحاء وارد عليه، ﴿ بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون ويقولون متى هذا الوعد ﴾ : القيامة أو المبشر به والمنذر عنه، ﴿ إن كنتم صادقين قل لكم ميعاد يوم ﴾، الإضافة بيانية، ﴿ لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون ﴾، إذا فاجأكم، وهذا جواب إنكارهم القيامة لوحظ في الجواب المقصود من سؤالهم لا ما يعطيه٣ ظاهر اللفظ.
١ ولما تم دليل بطلان دينهم وأثبت لهم أنهم على الضلال المبين شرع في تحقيق هدايته فقال: ﴿ما أرسلناك إلا كافة الناس﴾ / ١٢ وجيز..
٢ هو من الكف لأنها إذا شملتهم فقد كفتهم عن أن يخرج عنها أحد منهم قال الزجاج: كافة حال كن الكاف، فعلى هذا التاء للمبالغة كتاء علامة، ورواية يعني: أرسلناك جامعا للناس في الإنذار، والإبلاغ / ١٢ منه..
٣ فإن ظاهر اللفظ أنهم سألوا عن وقت الساعة، وأجيبوا عن أحوالهم، ولكن ليس مقصودهم إلا إنكار الساعة، وأنها لا تأتى البتة، فالجواب مطابق للمقصود، وليس هذا من باب أسلوب الحكيم فلا تغفل / ١٢ منه..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٨:﴿ وما١ أرسلناك إلا كافة٢ للناس ﴾ : إلا إرسالة عامة، نحو : ما قمت إلا طويلا، والأظهر ما اختاره ابن مالك من أنه حال عن المجرور، ولا بأس بالتقديم لأن استعمال الفصحاء وارد عليه، ﴿ بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون ويقولون متى هذا الوعد ﴾ : القيامة أو المبشر به والمنذر عنه، ﴿ إن كنتم صادقين قل لكم ميعاد يوم ﴾، الإضافة بيانية، ﴿ لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون ﴾، إذا فاجأكم، وهذا جواب إنكارهم القيامة لوحظ في الجواب المقصود من سؤالهم لا ما يعطيه٣ ظاهر اللفظ.
١ ولما تم دليل بطلان دينهم وأثبت لهم أنهم على الضلال المبين شرع في تحقيق هدايته فقال: ﴿ما أرسلناك إلا كافة الناس﴾ / ١٢ وجيز..
٢ هو من الكف لأنها إذا شملتهم فقد كفتهم عن أن يخرج عنها أحد منهم قال الزجاج: كافة حال كن الكاف، فعلى هذا التاء للمبالغة كتاء علامة، ورواية يعني: أرسلناك جامعا للناس في الإنذار، والإبلاغ / ١٢ منه..
٣ فإن ظاهر اللفظ أنهم سألوا عن وقت الساعة، وأجيبوا عن أحوالهم، ولكن ليس مقصودهم إلا إنكار الساعة، وأنها لا تأتى البتة، فالجواب مطابق للمقصود، وليس هذا من باب أسلوب الحكيم فلا تغفل / ١٢ منه..

﴿ وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه ﴾ : كالتوراة والإنجيل، أو المراد منه يوم القيامة، ﴿ لو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم ﴾ : للحساب، ﴿ يرجع بعضهم إلى بعض القول ﴾ : في التلاوم، والجدال لرأيت العجب، فجواب لو مقدر، ﴿ يقول الذين استضعفوا ﴾ : الأتباع، ﴿ للذين استكبروا ﴾ : المتبوعين، ﴿ لولا أنتم لكنا مؤمنين ﴾ : فإنكم أضللتمونا،
﴿ قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذا جاءكم بل كنتم مجرمين ﴾ أنكروا أنهم أضلوهم، وأثبتوا أنهم آثروا الضلال باختيارهم،
﴿ وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار ﴾، إضراب عن إضرابهم أي : بل مكركم١ بنا بالليل، والنهار هو السبب في ضلالنا والإضافة على الاتساع، ﴿ إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا ﴾ أي : أضمر الفريقان التابع والمتبوع، أو أظهروا فإن الهمزة تصلح للإثبات والسلب، ﴿ الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا ﴾ : في أعناقهم٢ لكفرهم، ﴿ هل يجزون إلا ما كانوا يعملون٣ أي : إلا على أعمالهم، فهو بنزع الخافض،
١ فيه إشارة إلى أن مكر الليل مبتدأ، والخبر مقدر / ١٢ منه..
٢ فيه إشارة إلى أنه من باب وضع الظاهر موضع المضمر / ١٢ منه..
٣ ومعنى الاستفهام النفي فإلا داخل بعد النفي، والمقصود بيان استحقاقهم، ولما ذكر استحقاقهم للعذاب يذكر ما يدل على ذلك، وفيه إشعار بصدق كلام المستضعفين فقال: ﴿وما أرسنا في قرية من نذير ﴾الآية: / ١٢ وجيز..
﴿ وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها ﴾ : أغنياؤها ورؤساؤها، وهذا تسلية لنبيه عليه السلام- وإثبات لمبادرة الأغنياء بالإنكار، فهم المضلون، ﴿ إنا بما أرسلتم به كافرون ﴾
﴿ وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين ﴾، زعموا أن ذلك من محبة الله لهم، فلا يعذب المحب حبيبه،
﴿ قل ﴾ : ردّا لحسابهم، ﴿ إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ﴾ : يضيق لمن يشاء، فلا البسط للرضى ولا التضييق للسخط، ﴿ لكن أكثر الناس لا يعلمون ﴾ : فيحسبون كثرة الأموال والأولاد شرفا على البت.
﴿ وما أموالكم ولا أولادكم بالتي ﴾ أي : بالخصلة التي، ﴿ تقربكم عندنا زلفى ﴾ : فإنها خصلة واحدة هي التقوى أو ما جماعة١ أموالكم ولا جماعة أولادكم بالتي تقربكم قربة، ﴿ إلا من آمن وعمل صالحا ﴾، كلام السلف يدل على أن الاستثناء منقطع أي : لكن من آمن وعمل صالحا، ﴿ فأولئك لهم جزاء الضعف ﴾ : وأن يضاعف حسناتهم إلى عشر إلى سبعمائة ضعف، فهو من إضافة المصدر إلى المفعول، والجزاء يتعدى إلى مفعولين، ﴿ بما عملوا وهم في الغرفات ﴾ : غرفات الجنة، ﴿ آمنون ﴾ : من المكاره قيل : الاستثناء متصل من مفعول تقربكم أي : ما جماعة الأموال والأولاد بالتي تقرب أحدا إلا من آمن فإن أموال المؤمن الصالح تصرف بوجوه الخير، وأولاده بتربية أبيه يعلمون الدين، أو من أموالكم وأولادكم على حذف المضاف، أي : إلا مال وولد من آمن،
١ فجمع التكسير عقلاؤه وغير عقلائه سواء في حكم التأنيث / ١٢ منه..
﴿ والذين يسعون في آياتنا ﴾ : بردها، ﴿ معاجزين ﴾ : يحسبون أنهم يعجزوننا، ﴿ أولئك في العذاب محضرون١
١ هذا في مقابلة ﴿وهم في الغرفات آمنون﴾ / ١٢ وجيز..
﴿ قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ﴾ : يوسع عليه تارة، ﴿ ويقدر له ﴾ : تارة١ أخرى، ﴿ وما أنفقتم من شيء ﴾ : في رضى الله، ﴿ فهو يخلفه٢ يعوضه في الدارين أو في أحدهما، ﴿ وهو خير الرازقين٣ فإنه هو رازق بلا غرض وعوض، بل هو الرازق وحده والغير وسط في الإيصال،
١ بحسب المصلحة، فهذا في شخص واحد باعتبار وقتين وما سبق في شخصين كذا قيل / ١٢ وجيز..
٢ والظاهر أن مساق قل إن ربي في المؤمنين سيما مع قوله وما أنفقتم، فهذا مقام الوعظ والتزهيد بخلاف الأول وعلى هذا زاد هاهنا من عباده المناسب الإخلاف في الآخرة كما قال مجاهد ولا بعد أن يعوضه في الدنيا إما بالمال أو بالقناعة، فهي كنز لا ينفذ / ١٢ وجيز..
٣ ولما مر مرارا أن ليبس للملائكة شفاعتهم، ولكن الأنبياء لا ينكرون قرب بعض الملائكة فربما طرأ لبعض أذهان الجهلة أنهم متفقون معنا، في قربهم، ونحن نعبدهم، فكيف لا يشفعوننا، فأقنط المشركون ووبخهم فقال: ﴿ويوم يحشرهم جميعا﴾ الآية: ١٢..
﴿ ويوم يحشرهم ﴾ : الكفار، ﴿ جميعا ثم يقول للملائكة ﴾ : توبيخا للكفرة، ﴿ أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون١، فإن كثيرا من الكفار يدعون عبادة الملك،
١ فالخطاب للملائكة والتقريع للكفرة فهذا وارد على المثل السائر (إياك أعني واسمعي يا جارة'' كما قال الله تعالى ﴿أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ﴾ [المائدة: ١١٦]، ونظيره ﴿وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت﴾ [التكوير: ٨ـ٩] هؤلاء مبتدأ وجملة كانوا خبره، وتقدم مفعول يعبدون، فصار منفصلا أبلغ في الخطاب مع رعاية الفواصل / ١٢ وجيز..
﴿ قالوا سبحانك ﴾ من أن نثبت لك شريكا، ﴿ أنت ولينا ﴾ : أنت الذي نواليه، ﴿ من دونهم ﴾ لا موالاة بيننا وبينهم فلا نرضى بمحبتهم وعبادتهم، ﴿ بل كانوا يعبدون الجن ﴾ : فإنهم مطيعون للشياطين في الشرك، فيعبدونهم، ﴿ أكثرهم ﴾ : أكثر الإنس، ﴿ بهم ﴾ بالشياطين، ﴿ مؤمنون١
١ فإن قليلا من الإنس لا يصدقون الجن فأكثرهم أتباع الشياطين / ١٢ منه.
﴿ فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا ﴾ إذ الأمر كله في ذلك اليوم ظاهرا وباطنا بيد الله، ﴿ ونقول ﴾، عطف على ﴿ لا يملك ﴾ ﴿ للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون ﴾
﴿ وإذا١ تتلى عليهم آياتنا ﴾ : القرآنية، ﴿ بينات قالوا ما هذا ﴾ أي : محمد، ﴿ إلا رجل يريد أن يصدكم ﴾ : يمنعكم، ﴿ عما كان يعبد آباؤكم وقالوا ما هذا ﴾ أي : القرآن ﴿ إلا إفك ﴾ غير مطابق للواقع، ﴿ مفترى ﴾ : على الله، ﴿ وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم ﴾ أي : القرآن، ﴿ إن هذا إلا سحر٢ مبين ﴾، ينسبونه إلى الاختراع والكذب، ثم إلى السحر لما فيه من الإعجاز الدال على الصدق،
١ لما أخبر أنهم في أشد عذاب شرع يبين استحقاقهم وأنهم وجدوا ما عملوا، فقال: ﴿وإذا تتلى﴾ الآية/ ١٢ وجيز..
٢ طعنوا أولا في الثاني، ثم في ما جاء به بأنه كذب مخترع، ثم بأنه سحر واضح وقوله ﴿لما جاءهم﴾ يشير إلى أنهم بادروه من غير تأمل الإنكار/ ١٢ وجيز..
﴿ وما آتيناهم ﴾ أي : قريشا، ﴿ من كتب ١يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير ﴾، وكانوا يقولون : لو جاءنا نذير، وأنزل علينا كتاب لكنا أهدى من غيرنا، قيل معناه ليس لهم كتاب ولا رسول قبلك حتى يقولوا نحن نتبع كتابنا ونبينا ولا نتبعك، فليس لهم عذر باطل في عدم اتباعك،
١ يعني لا وجه لتكذيبهم، ولا شبهة في أيديهم، وإن كانت باطلة كشبهة أهل الكتاب: نحن أهل كتب وشرائع مستندون إلى رسل، فليس لقريش عهد بإنزال، ولا بعثة رسول، فليس هذا القرآن إلا أدل كتاب، وما أنت يا محمد إلا أول نذير، وثم توعدهم بقوله﴿وكذب الذين﴾ الآية: / ١٢ وجيز..
﴿ وكذب الذين من قبلهم ﴾ : من الأمم الماضية، ﴿ وما بلغوا ﴾ : هؤلاء، ﴿ معشار ما آتيناهم ﴾ : من طول الأعمار وكثرة الأموال وقوة الإجرام، ﴿ فكذبوا رسلي ﴾، عطف على كذب عطف مقيد على مطلق أي : فعلوا التكذيب، فكذبوا رسلي كما يقول : أقدمت على الضرب فضربته، قيل : عطف على ما بلغوا والضمير لأهل مكة أي : ما بلغوا معاشرهم فكذبوا رسلي ونفى رسول واحد نفى جميع الرسل كما تقول : ما بلغت معشار علم زيد فتفضل عليه، ﴿ فكيف كان نكير ﴾ النكير : تغيير المنكر، أي : فحين كذب الذين من قبلهم رسلي جاءهم إنكاري بالتدمير فكيف كان نكيري لهم فيحذر هؤلاء عن مثل ما وقع عليهم.
﴿ قل١ إنما أعظكم ﴾ : أرشدكم، ﴿ بواحدة ﴾ : بخصلة واحدة، ﴿ أن تقوموا لله ﴾، المراد بالقيام لله الانتصاب في الأمر والنهوض فيه بالهمة، والفكر خالصا له من غير هوى ولا عصبية عطف بيان أو بدل من واحدة أو خبر لمحذوف أي : هي أن تقوموا، ﴿ مثنى٢ وفرادى ﴾ : اثنين أو واحدا واحدا فإن الازدحام يشوش الفكر، ﴿ ثم تتفكروا ﴾ : في أمر محمد، ﴿ ما بصاحبكم من جنة٣، كلام مستأنف للتنبيه من الله على جهة النظر قيل : معناه تتفكروا فتعلموا ما بصاحبكم جنون، وقيل : ما استفهامية، أي : تتفكروا أي شيء به من آثار الجنون، ﴿ إن هو إلا نذير لكم بين يدي ﴾ : قدام، ﴿ عذاب شديد ﴾، عن مقاتل معناه : ثم تتفكروا في خلق السماوات والأرض حتى تعلموا وحدانيته، ثم ابتدأ وقال ''ما بصاحبكم من جنة''
١ ثم لما حذرهم التفت إليهم، ونصحهم فقال: ﴿قل إنما أعظكم﴾ الآية / ١٢ وجيز..
٢ فالاثنان يعرض كل محصول فكره على صاحبه وينظران فيه متصادفين على إنصاف، والمتفكر يفكر في نفسه من غير أن يكابر نفسه ويعرض على عقله / ١٢..
٣ كأنهم لما سمعوا كلام منصف انجرّّ لهم أن يسألوا أي شيء هذا؟ النظر والتأمل العميق، فقيل لهم: لأن هذا الأمر الذي هو بصدده لا يتأتى إلا من شخصين رجل مجنون لا يبالي.
من الافتضاح، ولا يتأمل عواقب الأمور، ورجل صادق كامل العقل مبرهن مدعاه بأقوى الحجج، وقد علمتم أن صاحبكم ما به من جنة، بل علمتموه بالعقل الراجح، والرأي الثاقب، فكان مظنة لأن ترجحوا فيه جانب الصدق، وأن تظنوا به الخير / ١٢ منه..

﴿ قل١ ما سألتكم من أجر ﴾، أي : أي شيء سألتكم من أجر التبليغ وأدعي استحقاقه ؟ ! ﴿ فهو لكم ﴾ أي : فذلك الشيء ملككم، وأنا معترف بذلك كما تقول : إن أعطيتني شيئا فخذه، فالمراد نفى الطمع بالكلية أو ما موصولة، أي : الذي سألتكم فهو لنفعكم قال تعالى ﴿ قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ﴾ ( الشورى : ٢٣ ) ﴿ قل وما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا ﴾ ( الفرقان : ٥٧ ) ﴿ إن أجري إلا على الله وهو على كل شيء شهيد ﴾ : فيعلم صدقي،
١ ولما انتفى منه ما خيلوه به بقي مكان أن يكون دعواه لغرض دنيوي، فنفاه وقال: ﴿قل ما سألتكم من أجر﴾ الآية/ ١٢ وجيز..
﴿ قل إن ربي يقذف بالحق ﴾ : يرمي به ويلقيه على من يشاء من عباده قال تعالى ﴿ يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده ﴾ ﴿ علام الغيوب ﴾، صفة لربي تابع لمحله، أو خبر بعد خبر، أو خبر لمحذوف أو بدل من ضمير يقذف،
﴿ قل جاء الحق ﴾ : القرآن والإسلام، ﴿ وما يبدئ الباطل ﴾ أي : الكفر، ﴿ وما يعيد ﴾ أي : هلك الكفر بالكلية، فإن من خاصة صفات الحي إما أن يبدئ فعلا أو يعيده، فإذا لم تكن له تلك الصفة لم تكن له الحياة١، وعن بعض السلف : إن الباطل إبليس أي : هو لا يبدئ أحدا ولا يعيده، بل المبتدئ والباعث هو الله، وقيل : لا يبدئ الباطل لأهله خيرا ولا يعيده يعني : لا ينفعهم في الدارين،
١ كما تقول: لا يأكل ولا يشرب، فهذا مثل في الهلاك/ ١٢ وجيز..
﴿ قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي ﴾ : وبال ضلالي عليها، لأنها هي السبب للضلال، ﴿ وإن اهتديت فبما يوحي إلى ربي ﴾ : فإن الخير كله من الله، ولولا توفيق الله لما حصل الاهتداء، فإن النفس والشيطان لا يأمران إلا بالشر، ﴿ إنه سميع قريب ﴾ : فيسمع قول ضال ومهتد،
﴿ ولو ترى إذ فزعوا ﴾ : في القيامة، أو عند البعث أو عند١ عذابهم في الدنيا لرأيت أمرا هائلا، فجواب لو مقدر، ( فلا فوت } : لهم منا ولا نجاة، ﴿ وأُخذوا ﴾، عطف على لا فوت على معنى إذ فزعوا فلم يفوتوا وأخذوا، ﴿ من مكان قريب ﴾ : من الموقف إلى النار، أو من القبور، أو من ظهر الأرض إلى بطنها قيل : هو كناية عن سهولة الأمر، أي : أخذناهم أخذا يسيرا علينا،
١ وقد ثبت في الصحيح أنه يخسف بجيش في البيداء من حديث حفصة وعائشة، وخارج الصحيح من حديث أم سلمة وصفية وأبي هريرة وابن مسعود، وليس في شيء منها أن ذلك سبب نزول هذه الآية، ولكنه أخرج ابن جرير من حديث حذيفة ابن اليمان قصة الخسف هذه مرفوعة وقال في آخرها: فذلك قوله ـ عز وجل ـ في سورة سبأ: ﴿ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت﴾ الآية/ ١٢..
﴿ وقالوا آمنا به ﴾ : بالله أو بمحمد أو بيوم القيامة عند البعث، أو عند العذاب، ﴿ وأنّى لهم التناوش ﴾ : من أين لهم تناول الإيمان ؟ ﴿ من مكان بعيد ﴾، فإن التوبة والإيمان لا تكونان إلا في الدنيا، وهم في الآخرة، وهو تمثيل لطلبهم ما لا يكون فإن التناوش تناول سهل لشيء قريب، فإذا كان الشيء بعيدا يستحيل الوصول١ إليه، وابن عباس - رضي الله عنهما- طلبوا الرجعة إلى الدنيا،
١ يعني من أين لهم تناول الإيمان، والتوبة في الآخرة ؟! وما هما إلا في الدنيا/ ١٢ وجيز..
﴿ وقد كفروا به من قبل ويقذفون بالغيب ﴾ : يرمون بالظن بما لم يظهر لهم، ﴿ من مكان بعيد ﴾ : وهو بعدهم عن علم ما يقولون كأنهم رموا إلى شيء بعيد في ظلمة ثم يزعمون أنهم ضربوه يعني : وقد كفروا وظنوا١ ظنونا واعتقدوها،
١ كقولهم: لا بعث ولا جنة ولا نار / ١٢ وجيز..
﴿ وحيل بينهم وبين ما يشتهون ﴾ : الإيمان أو من شهواتهم الدنيوية، ﴿ كما فعل بأشياعهم ﴾ : بأشباههم، ﴿ من قبل ﴾ : من كفرة الأمم السالفة، ﴿ إنهم كانوا في شك١ مريب٢ : مشكل فيه مبالغة كما لا يخفى، والله أعلم.
١ من أرابه إذا أوقعه في الريب، أو من أراب الرجل: صار ذا ريب / ١٢ وجيز.
أخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: ''إنهم كانوا في شك مريب'' قال: إياكم والشك والريبة فإنه من مات على شك بعث عليه ومن مات على يقين بعث عليه ١٢/ در منثور..

٢ هذا رد على من زعم أن الله لا يعذب على الشك / ١٢ فتح..
Icon