ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
١ - ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ أي: له كل ذلك خلقًا وملكًا. ﴿وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ﴾، قال ابن عباس: يريد حيث لا يحمد أحد (١) غيره. وقال مقاتل: يعني يحمده أولياؤه في الآخرة، إذا دخلوا الجنة، فقالوا: الحمد لله الذي صدقنا وعده، والحمد لله الذي هدانا لهذا (٢). ﴿وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾ قال ابن عباس: حكيم في خلقه أن يميتهم ثم يحييهم، الخبير لمن أطاعه ومن عصاه (٣).وقال قتادة: حكيم في أمره خبير بخلقه (٤).
٢ - ﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ﴾ يدخل. ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ من (٥) مطر أو كنزاً (٦). قاله
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ٩٦ ب.
(٣) لم أقف عليه. وهكذا جاء في النسخ! ولعل الصواب: الخبير لمن أطاعه؛ لأنه يتعدى بالباء.
(٤) ذكره الماوردي ٤/ ٤٣٢ غيرمنسوب لأحد، والمؤلف في "الوسيط" ٣/ ٤٨٦.
(٥) (من) ساقطة من (ب).
(٦) هكذا في النسخ! ولعل الصواب: أو كنز.
٣ - قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ﴾ قال مقاتل: (قال أبو سفيان لكفار مكة: واللات والعزى لا تأتينا الساعة أبدًا، أي: لا نبعث، فلما حلف على ذلك بالأصنام قال الله لنبيه: قل يا محمد: بلى وربي لتأتينكم الساعة) (٣) ثم عاد إلى تمجيد نفسه فقال: ﴿عَالِمِ الْغَيْبِ﴾ قال أبو إسحاق: (الرفع على وجهين: أحدهما: الابتداء، ويكون ﴿لَا يَعْزُبُ عَنْهُ﴾ الخبر، والثاني: على جهة المدح لله -عز وجل-، المعنى هو عالم الغيب. ومن قرأ بالكسر فهو صفة لله -عز وجل-، على تقدير: الحمد لله عالم) (٤). وقرأ حمزة والكسائي: "علام الغيب" على المبالغة لقوله: علام الغيوب (٥). وباقي الآية مفسر في سورة يونس (٦).
(٢) لم أقف عليه عن ابن عباس، وذكره غير منسوب: الماوردي ٤/ ٤٣٢، الطبرسي في "مجمع البيان" ٨/ ٥٩٠، "زاد المسير" ٦/ ٤٣٢.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ٩٧ أ.
(٤) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٤٠.
(٥) انظر: "الحجة" ٦/ ٥، "علل القراءات" ٢/ ٥٤٧، "الحجة في القراءات السبع" ص ٢٩١.
(٦) عند قوله تعالى: ﴿وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾ آية: ٦١.
٥ - ثم بين جزاء الفريقين فقال: ﴿أُولَئِكَ﴾ يعني الذين آمنوا إلى قوله: ﴿رِجْزٍ أَلِيمٌ﴾. وقرئ: أليم، رفعا وخفضًا. قال أبو إسحاق: (الخفض نعت للرجز، والرفع نعت للعذاب) (٣).
قال أبو علي: (الرجز: العذاب؛ بدلالة قوله: ﴿لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ﴾ [الأعراف: ١٣٤]، وقوله: ﴿فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ [البقرة: ٥٩]. وإذا كان العذاب، جاز أن يوصف بأليم كما أن نفس العذاب قد جاز أن يوصف به، ومن رفع فهو على نعت قوله: ﴿عَذَابٌ﴾، ومثل هذا في أن الصفة تجري في المضاف، وعلى المضاف إليه أُجري قوله: ﴿ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ﴾ و (خُضر) فالرفع على أن يتبع الثياب، والجر على أن يتبع السندس، وإذا كان الثياب سندسًا، والسندس خضر، فالثياب كذلك، وتقدير قوله: ﴿عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ﴾ عذاب رجز، كما أن قوله: ﴿ثِيَابُ سُنْدُسٍ﴾ معناه: ثياب من سندس. والجر في الأليم أبين؛ لأنه إذا كان عذاب من عذاب أليم كان العذاب الأول أليمًا، وإذا أجريت الأليم على العذاب كان المعنى عذاب، فالأول أكثر فائدة) (٤).
(٢) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٤٠
(٣) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٤١
(٤) "الحجة" ٦/ ٦.
قال الفراء: وإن شئت استأنفت ويرى (٥) فرفعتها (٦). وهذا هو الوجه لا ما قاله أولاً. ومعنى الرؤية هاهنا العلم، قال مقاتل: (يعني: ويعلم الذين أوتوا العلم بالله، يعني: مؤمني أهل الكتاب) (٧). وقال ابن عباس: يريد أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (٨).
وقوله: ﴿هُوَ الْحَقَّ﴾ هو فعل عند البصريين، وشمميه الكوفيون عمادًا، وقد بينا الكلام فيه عند قوله: ﴿هُوَ خَيْرًا لَهُمْ﴾ [آل عمران: ١٨٠]. قال الفراء:
(٢) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٤٠.
(٣) في (ب): كرر قوله: (فإنهم)، وفي (أ): كرر الجملة: (فإنهم وإن لم تأتهم الساعة يرون القرآن حق).
(٤) انظر: "إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ٦٥٦، "البحر المحيط" ٨/ ٥٢١، "الدر المصون" ٥/ ٤٣٠.
(٥) في (أ): (ترى)، وهو خطأ.
(٦) "معاني القرآن" ٢/ ٣٥٢.
(٧) انظر: "تفسير مقاتل" ٩٧ أ.
(٨) لم أقف عليه منسوبًا لابن عباس، وقد ذكره أكثر المفسرين عن قتادة.
انظر: "الوسيط" ٣/ ٤٨٧، "تفسير الماوردي" ٤/ ٤٣٣، "تفسير الطبرسي" ٨/ ٥٩٣، "زاد المسير" ٦/ ٤٣٣.
ليت الشباب هو الرجيع (١) على الفتى | والشيب كان هو البديء الأول (٢) |
قوله: ﴿وَيَهْدِي﴾ معناه: الهادي، ولفظ المستقبل كثيرًا ما يراد به لفظ الحال، يقول: تعلمون الحق القرآن الحق الهادي. ﴿إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ قال مقاتل: ويدعو إلى دين العزيز في ملكه، الحميد عند خلقه في سلطانه (٤).
وقال الكلبي: يعني المنيع بالنعمة ممن لم يجب الرسل، المحمود في أفعاله (٥).
٧ - قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ يعني: منكري البعث. قال أبو إسحاق: (هذا قول المشركين الذين لا يؤمنون بالبعث، قال بعضهم لبعض: هل ندلكم على محمد الذي يزعم أنكم تبعثون بعد أن تكونوا عظامًا ورفاتًا وترابًا) (٦). وهذا الذي ذكره موافق لما قاله المفسرون (٧).
(٢) البيت من الكامل، لم أهتد إلى قائله، وهو في: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٣٥٢، "الزاهر" ٢/ ٢٢٤، "الدر المصون" ٦/ ٤٣، "الجنى الداني" ص ٤٩٣ بلا نسبة.
(٣) "معاني القرآن" ٢/ ٣٥٢، وقوله: فرفع ونصب، يعني رفع في كان، ونصب في ليت، فالمرفوع هو البديء، والمنصوب الشباب.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ٩٧ أ.
(٥) لم أقف عليه.
(٦) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٤١.
(٧) انظر: "تفسير الطبري" ٢٢/ ٦٠، "تفسير الماوردي" ٤/ ٤٣٤، "مجمع البيان" ٨/ ٥٩٣، "بحر العلوم" ٣/ ٦٦
قال ابن عباس: يريد إذا متم وبليتم (٤).
وقال مقاتل: إذا تفرقتم في الأرض وذهبت الجلود والعظام وكنتم ترابًا، وهذا من قول أبي سفيان يقوله لكفار مكة (٥).
قال أبو إسحاق: وفي هذه الآية نظير في العربية لطيف، ونحن نشرحه إن شاء الله. ﴿إِذَا﴾ في موضع نصب بمزقتم، ولا يجوز أن يعمل فيها جديد؛ لأن ما بعد أن لا يعمل فيما قبلها، والتأويل: هل ندلكم على رجل يقول لكم إذا مزقتم تبعثون، ويكون إذا بمنزلة إن الجزاء يعمل فيها الذي يليها. قال قيس بن الخطيم:
إذا قصرت أسيافنا كان وصلها | خطانا إلى أعدائنا فنضارب |
(٢) هكذا في النسخ! ولعل الصواب: إذا صرتم.
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" (مزق)، "اللسان" ١٠/ ٣٤٢ (مزق).
(٤) لم أقف عليه عن ابن عباس. انظر: "تفسير الماوردي" ٤/ ٤٣٤، "مجمع البيان" ٨/ ٥٩٣، "زاد المسير" ٦/ ٤٣٤.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ٩٧ أ.
قال أبو علي الفارسي: (يسأل في هذه الآية عن موضع إذا، وبأي الأفعال يحكم على موضعه، وفي الآية مما يمكن أن ينتصب به الظروف ثلاثة أشياء: قوله: ﴿يُنَبِّئُكُمْ﴾، وقوله: ﴿مُزِّقْتُمْ﴾، وقوله: ﴿خَلْقٍ جَدِيد﴾، فلا يجوز أن يكون موضع إذا نصبًا بقوله: ﴿يُنَبِّئُكُمْ﴾؛ لأن إذا لا يجوز أن تكون ظرفًا لهذا الفعل؛ لأن التنبؤ إنما تقع مثل (٣) الموت وأن يمزقوا بعد الموت، فامتنع أن ينتصب إذا به، وحمل ينبئكم على أنه بمعنى القول؛ لأنه ضرب منه.
فأما قوله: ﴿إِذَا مُزِّقْتُمْ﴾ فإن جعل موضع إذا نصبا به لزم أن يحكم على موضعه بالجزم (٤)؛ لأن إذا هذه لا يجوز أن تنتصب به حتى يقدر جزم الفعل الذي هو الشرط [بها] (٥) بما لا يسوغ أن يحمل عليه الكتاب؛ لأنه إنما يجزم بها في ضرورة الشعر، وإذا لم يجر (٦) بها أضيف إلى الفعل،
(٢) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٤١ - ٢٤٢.
(٣) هكذا في النسخ! وهو خطأ، والصواب: "قبل".
(٤) في (ب): (لزم أن يحكم عليه بالجزم).
(٥) "بها" ساقطة من (ب)، "وبما" ساقطة من (أ).
(٦) هنا سقط في النقل عن أبي علي، فكلام أبي على كما في "المسائل المشكلة المعروفة بالبغداديات" ص ٢١٤، جاء هكذا: "إنما يجزم بها في ضرورة الشعر، =
ولو قلت: زيدًا غلام ضارب عندك لم يجز، وكذلك سائر ما يتعلق بالمضاف إليه لا يجوز أن يتقدمه. ومما يدل على أن موضع الفعل بعد إذا خفض الإضافة ارتفاع الفعل المضارع بعدها، نحو: إذا يجيء زيد أكرمه، والفعل المضارع ليس يرتفع حتى يقع موقع اسم مرفوع أو مجرور أو منصوب، وهذا علة ارتفاعه، وإنما ارتفع بعد إذا لوقوعه موقع اسم مجرور، ولا يجوز أن يكون موضع إذا نصب بقوله جديد على تقدير: إنكم لفي خلق جديد إذا مزقتم؛ لأن إذا قبل إن، وما قبل أن لا يجوز أن يعمل فيه ما بعدها، لا يجوز: طعامك إن زيدًا أكل؛ لأن إن للابتداء فهو منقطع عما قبله، وإذا امتنع هذه الوجوه فالناصب لـ (إذا) مضمر يدل عليه قوله: ﴿إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ كأنه في التقدير: ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق بعثتم أو نشرتم أو ما أشبه هذا من الأفعال التي يكون قوله: إنكم لفي خلق جديد دالًا عليه ومفسرًا له. وإن قدر هذا الفعل قبل إذا كان سابقًا، فيكون ينبئكم يقول لكم تبعثون إذا مزقتم كل ممزق. قال: وقد أجاز شيخ لنا -يعني: السراج- (٢) أن يكون
(١) في (أ): (يفعل).
(٢) هو: أبو محمد جعفر بن محمد بن الحسين بن أحمد البغدادي السراج القارئ، أديب عالم بالقراءات والنحو واللغة، ولد سنة ٤١٧ هـ. وقيل: ٤١٩ له مؤلفات منها: "مصارع العشاق،" و"مناقب الحبش"، ونظم كتاب الخرقي في فقه الحنابلة جعله نظما، توفي رحمه الله سنة ٥٠٠ هـ. =
٨ - قوله تعالى: ﴿أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ﴾ هذا أيضًا من قول الكفار بعضهم لبعض، قالوا: افترى محمد على الله كذبًا حين زعم أنا نبعث بعد الموت، والألف في ﴿أَفْتَرَى﴾ ألف الاستفهاء، وهو استفهام تعجب وإنكار ﴿أَمْ بِهِ جِنَّةٌ﴾ يقولون: أزعم كذبًا أم به جنون، فرد الله عليهم فقال: ﴿بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ أي: ليس الأمر على ما قالوا من الافتراء والجنون، هم لأجل ما قالوا ﴿فِي الْعَذَابِ﴾ في الآخرة، ﴿وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ﴾ من الحق في الدنيا. وهذا الذي ذكرنا قول ابن عباس ومقاتل والكلبي (٣).
٩ - وفي هذه الآية وعظهم وخوفهم ليعتبروا فقال: ﴿أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ قال مقاتل: وذلك أن الإنسان حيث ما نظر رأى السماء والأرض، إن نظر قدامه وإن نظر خلفه (٤).
(١) "المسائل البغداديات" ص ٢١٣/ ٢١٨.
(٢) سورة المؤمنون: ١٠١.
(٣) انظر: "تفسير ابن عباس" بهامش المصحف ص ٤٢٩، انظر: "تفسير مقاتل" ٩٧ أ. والقول غير منسوب لأحد عند: "تفسير الماوردي" ٤/ ٤٣٤، "بحر العلوم" ٣/ ٦٧، "مجمع البيان" ٨/ ٥٩٣.
(٤) لم أقف عليه عن مقاتل. وقد ذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" ٦/ ٤٣٥، ولم ينسبه.
ثم هددهم فقال: ﴿إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ﴾ فتبتلعهم. ﴿أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا﴾ يعني: جانبًا. ﴿مِنَ السَّمَاءِ﴾ فيهلكهم. والمعنى أنهم حيث كانوا فإن أرضي وسمائي محيطة بهم، أنا القادر عليهم لا يعجزونني، إن شئت خسفت بهم أرضي، وإن شئت أسقطت عليهم قطعة من السماء، أفلا يعتبرون ولا يخافون.
وأدغم الكسائي (٣) وحده الفاء من قوله: ﴿نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ﴾. قال أبو علي: (إدغام الفاء في الباء لا يجوز، فإن جاز إدغام الباء في الفاء نحو: أذهب في ذلك، وذلك أن الفاء من باطن الشفة السفلى وأطراف الشفايا العليا، فانحدرت الصوت إلى الفم حتى اتصلت بمخرج الباء صارت بمنزلة حرف من موضع التاء، فلم يجز إدغامها في الباء كما لا يجوز إدغام التاء فيه؛ لزيادة صوت الفاء على صوت التاء. وكذلك الباء (٤) أدغمت في الميم نحو: اصحب مطرًا، وإن لم تدغم هي في الباء نحو: اضمم بكرا، لما فيها من زيادة الغنة التي ليست في التاء. وكذلك الراء لم تدغم في اللام نحو: احتر ليلة، وإن كانت اللام أدغمت في الراء نحو: اغسل راحتك، فما كان من الحروف فيه زيادة وصوت لم يجز إدغامه في مقاربه العادي من تلك، كذلك الفاء مع الباء.
(٢) انظر: "تفسير الماوردي" ٤/ ٤٣٤، "الطبري" ٢٢/ ٦٤، "بحر العلوم" ٣/ ٦٧.
(٣) انظر: "الحجة في القراءات السبع" ص ٢٩٢.
(٤) في (ب): (التاء).
وقال قتادة: تائب (٣). وقال السدي: مقبل إلى طاعة الله (٤). وقال أبو إسحاق: (إن في ذلك علامة تدل على من أناب إلى الله وتأمل ما خلق على أنه قادر على أن يحي الموتى) (٥).
١٠ - وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا﴾ أي: أعطيناه من عندنا فضلاً. قال ابن عباس: يريد تفضلت عليه وأعطيته ما لم أعط أحدًا قبله ولا بعده (٦). وقال مقاتل: يعني بالفضل: النبوة والكتاب (٧).
قال الكلبي: يعني: النبوة وما أعطي من الدنيا (٨). قوله: ﴿يَا جِبَالُ﴾،
(٢) انظر: "تفسير ابن عباس" ص ٤٢٩، قال: مقبل إلى الله وإلى طاعته.
(٣) انظر: "تفسير الطبري" ٢٢/ ٦٤، "معاني القرآن" للنحاس ٥/ ٣٩٤.
(٤) لم أقف عليه عن السدي. وقد ذكر "تفسير الماوردي" ٤/ ٤٣٥ نحوه عن قتادة، وابن الجوزي في "زاد المسير" ٦/ ٤٣٥، ولم ينسبه.
(٥) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٤٢.
(٦) لم أقف عليه عن ابن عباس. وقد ذكر ابن الجوزي في "زاد المسير" ٦/ ٤٣٥ نحوه، ولم ينسبه.
(٧) انظر: "تفسير مقاتل" ٩٧ ب.
(٨) لم أقف عليه منسوبًا للكلبي، وقد ذكره أكثر المفسرين غير منسوب. انظر: "تفسير =
قال أبو إسحاق: أوبي معه معناه: رجعى، يقال: آب يؤوب إذا رجع ومعنى رجعي معه أي: سبحي معه ورجعي التسبيح (٢).
وقال غيره: التأويب في كلام العرب. سير النهار كله إلى الليل، يقال: أوب تأويبًا، والمعنى: يا جبال أوبي النهار كله إلى الليل بالتسبيح (٣). قال سلامة بن جندل:
يومان يوم مقامات وأندية | ويوم سير إلى الأعداء تأويب |
وهذا اختيار ابن قتيبة، (وأنشد للراعي فقال:
لحقنا بحي أوبوا السير بعد ما | دفعنا شعاع الشمس والطرف يجنح (٥) |
(١) انظر: "مجاز القرآن" ٢/ ١٤٢، "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٤٣.
(٢) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٤٣.
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" ١٥/ ٦٠٨ (آب)، "اللسان" ١/ ٢٢٠ (أوب)،"مجاز القرآن" ٢/ ١٤٢.
(٤) انظر: "تهذيب اللغة" ١٥/ ٦٠٨ (آب).
(٥) البيت من الطويل، وهو للراعي النميري في "ديوانه" ص ٣٩، ونسبه ابن قتيبة في "غريب القرآن" ص ٣٥٣، لابن مقبل. وكذا أبو حيان في "البحر" ٧/ ٦٣، والقرطبي في "تفسيره" ١٤/ ٢٦٥، والثعلبي في "الكشف والبيان" ٣٠/ ٢١١ ب.
قال المفسرون: وكانت إذا سبح داود سبحت الجبال معه (٢).
وقال وهب (٣): كان داود إذا نادى أجابته الجبال بصداها، فصدى الجبل الذي يستمعه الناس من ذاك (٤).
قوله -عز وجل-: ﴿وَالطَّيْرَ﴾ قال أبو إسحاق: (في نصب والطير ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون عطفًا على قوله فضلا (٥)، كأنه آتينا داود فضلا والطير، أي: وسخرنا له الطير) (٦).
وروى هذا يونس عن أبي عمرو (٧).
وقال الفراء في هذا الوجه هو كقولك: أطعمته طعامًا وسقيته ماء (٨).
الوجه الثاني: أن يكون نصبًا على النداء، كأنه قيل: ادعوا الجبال والطير، فالطير معطوف على موضع [الجبال] (٩) في الأصل، وكل منادى في موضع نصب (١٠).
(٢) انظر: "تفسير الطبري" ٢٢/ ٦٥، "بحر العلوم" ٣/ ٦٦، "الماوردي" ٤/ ٤٣٥.
(٣) هو: أبو عبد الله وهب بن منبه بن كامل الصنعاني الذماري، تقدمت ترجمته.
(٤) انظر: "تفسير القرطبي" ١٤/ ٢٦٥.
(٥) في (أ): (فضلنا).
(٦) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٤٣.
(٧) انظر: "علل القراءات" ٢/ ٥٤٩، "البحر المحيط" ٨/ ٥٢٥، "الكتاب" لسيبويه ٢/ ١٨٦ - ١٨٧.
(٨) "معاني القرآن" ٢/ ٣٥٥.
(٩) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(١٠) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٤٣.
قال الفراء: نصبت الصلة؛ لأنه إنما يدعى بياء أها (٢)، فإذا فقدها (٣) كان كالمعدول عن جهته فنصب (٤). هذا كلامه. وقول أبي إسحاق: [أوجه] (٥).
الوجه الثالث: أن يكون الطير منصوبًا على موضع مع، كما تقول: قمت وزيدًا، المعنى: مع زيد. والمعنى في الآية: أوبي معه ومع الطير (٦). قال ابن عباس: كانت الطير تسبح معه إذا سبح (٧).
وقوله: ﴿وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾ قال ابن عباس: حتى صار عنده مثل السمع (٨). وقال الحسن: كان يأخذ الحديد بيده، فيصير كأنه عجين (٩).
وقال قتادة: ألان (١٠) الله له الحديد، فكان يعمله بغير نار (١١).
(٢) في (ب): (بيائها).
(٣) في (ب): (بعدها).
(٤) "معاني القرآن" ٢/ ٣٥٥.
(٥) هكذا في النسخ! والذي يظهر لي أن ما بين المعفوفين زيادة.
(٦) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٤٣.
(٧) انظر: "الوسيط" ٣/ ٤٨٨، "تفسير الماوردي" ٤/ ٤٣٥، "زاد المسير" ٦/ ٤٣٦.
(٨) انظر: "تفسير القرطبي" ١٤/ ٢٦٧، "البحر المحيط" ٨/ ٥٢٥.
(٩) نفسه.
(١٠) في (أ): (ألانه)، وهو خطأ.
(١١) انظر: "تفسير الطبري" ٢٢/ ٦٦، "تفسير الماوردي" ٤/ ٤٣٦، "معاني القرآن" للنحاس ٥/ ٣٩٦.
وقال مقاتل: كان داود يسرد الدرع لا يفرغها بحديد ولا يدخلها النار، ويفرغ من الدرع في بعض اليوم أو بعض الليلة ثمنها ألف درهم (٢).
١١ - قوله تعالى: ﴿أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾ قال أبو إسحاق: (أن اعمل هاهنا في تأويل التفسير، كأنه قيل: وألنا له الحديد؛ لأن يعمل سابغات، ويكون بمعنى: وألنا له الحديد؛ لأن يعمل سابغات، وتصل إن بلفظ الأمر، ومثل هذا من الكلام قولك: أرسل إليه أن قم إلى فلان) (٣). فأما معنى سابغات، فقال الليث: سبغت الدرع، وكل شيء طال إلى الأرض فهو سابغ، يقال: مطر سابغ، ونعمة سابغة، وقد أسبغها الله، والدرع السابغة التي تجرها في الأرض أو على كعبيك طولًا وسعة، ويقال: دروع سابغات وسوابغ (٤)، ومنه قول الهذلي (٥):
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ٩٧ ب.
(٣) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٤٤.
(٤) انظر: قول الليث في: "تاج العروس" ٢٢/ ٤٩٨ (سبغ). انظر أيضًا: "تهذيب اللغة" ٨/ ٤٠ (سبع)، "اللسان " ٨/ ٤٣٢، (سبغ).
(٥) هو: أبو ذؤيب خالد بن محرث الهذلي، مشهور بكنيته، شاعر فحل من أشعر شعراء هذيل، عده ابن سلام في الطبقة الثالثة من طبقات فحول شعراء أهل الجاهلية، شاعر مخضرم قدم المدينة عند وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- فأسلم وحسن إسلامه، خرج مع عبد الله بن الزبير في مغزى نحو المغرب، فمات سنة ٢٧ هـ تقريبًا رحمه الله.
انظر: "طبقات فحول الشعراء" ١/ ١٢٣، "الشعر والشعراء" ص ٤٤٠، "الأعلام" ٢/ ٣٢٥.
وقال عبد الله بن الزبير:
وسابغة تغشى البنان كأنها | أضاة بضحضاح من الماء ظاهر. |
﴿وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾ قال أبو عبيدة: (في سردها، يقال: درع مسرودة. وقال أبو ذؤيب:
وعليهما مسرودتان قضاهما) (٥)
وقال الليث: (السرد: اسم جامع للدروع وما أشبهها من عمل الخلق، ويسمى سردًا؛ لأنه يسرد فيثقب طرفا كل حلقة بالمسمار) (٦).
(٢) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٤٤.
(٣) انظر: "تفسير ابن عباس" بهامش المصحف ص ٣٥٩.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ٩٧ ب.
(٥) "مجاز القرآن" ٢/ ١٤٣.
(٦) انظر: "تهذيب اللغة" ١٢/ ٣٥٦ (سرد)، "تاج العروس" ٨/ ١٨٧ (سرد).
وقال المبرد: السرد نقب المسامير، يقال: درع مسرودة (٣) إذا أحكمت مساميرها (٤). قال الأعشى:
ومن نسج داود [مصردة] (٥) مسرودة | تساق مع الحي عيرا فعيرا (٦) |
(٢) "تفسير غريب القرآن" ص ٣٥٤.
(٣) في (ب): (مسرود).
(٤) لم أقف عليه
(٥) ما بين المعقوفين زيادة في (ب)، وهو خطأ.
(٦) البيت من المتقارب، هو للأعشى في: "ديوانه" ص ١٤٩، "مجاز القرآن" ٢/ ٢٤٨، "اللسان" ١٣/ ٤٥٠ (وضن)، فقد جاءت الرواية في اللسان: موضونة بدل مسرودة، والموضونة: هي المنسوجة.
(٧) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٤٤
(٨) في (ب): (التابع)
(٩) في (ب): (الحروف)، وهو خطأ.
وقال ابن عباس في رواية مجاهد: لا تدق المسامير وتوسع الحلق فيسلس، ولا يغلظ المسامير ويضيق الحلق فينقصم (٢)، اجعله قدرًا (٣).
وقال ابن قتيبة: السرد: المسامير التي في حلق الدرع (٤). وهذا هو الأشبه بالمعنى؛ لأن الكل من أهل التأويل قالوا في معنى الآية: لا تجعل المسامير دقاقًا فتقلق، ولا غلاظًا فتكسر الحلق (٥).
وقال مقاتل: يقول قدر المسامير في الحلق، ولا تعظمه فينفصم، ولا تصغره فيسلس (٦).
وقال أبو إسحاق: (وهو أن لا يجعل المسمار غليظًا والثقب دقيقًا، ولا يجعل المسمار دقيقًا والثقب واسعًا فيتقلقل، قدر في ذلك أي: اجعله على القصد وقدر الحاجة) (٧).
وقال مقاتل (٨): ثم قال الله لآل داود: ﴿وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ قال ابن عباس: يريدوا اشكروا الله بما هو أهله مثل قوله:
(٢) في (ب): (فينقهم)، وهو خطأ.
(٣) انظر: "تفسير الطبري" ٢٢/ ٦٨، "تفسير الماوردي" ٤/ ٤٣٦، "معاني القرآن" للنحاس ٥/ ٣٩٨.
(٤) لم أقف عليه.
(٥) انظر: "معاني القرآن" للنحاس ٥/ ٣٩٨، "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٣٥٦، "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٤٤.
(٦) انظر: "تفسير مقاتل" ٩٧ ب.
(٧) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٤٤.
(٨) انظر: "تفسير مقاتل" ٩٧ ب.
١٢ - ثم ذكر ابنه سليمان وما أعطاه من الخير والكرامة، فقال: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ﴾ قال الفراء: (نصب الريح على: وسخرنا لسليمان الريح، وهي منصوبة في الأنبياء ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً﴾ [الأنبياء: ٨١] أضمر وسخرنا، ورفع عاصم: ولسليمان الريح، لما لم يظهر التسخير، وأنشد:
ورأيتما لمجاشع نعما.... وبني أبية جاملا (٢) رغب (٣)
يريد رأيتم لبني أبية، فلما لم يظهر (٤) الفعل رفع باللام) (٥). فقال أبو إسحاق: (النصب في الريح على الوجه، على معنى: وسخرنا لسليمان الريح، ويجوز الرفع على معنى: [ثبتت] (٦) له الريح، وهو يؤول إلى معنى: سخرنا كما أنك إذا قلت: لله الحمد، فتأويله: استقر لله الحمد (٧)، وهو يرجع إلى معنى: أحمد الله الحمد) (٨).
(٢) هكذا في النسخ! وهو خطأ، والصواب: جامل.
(٣) البيت من الكامل، ولم أهتد إلى قائله، وهو بلا نسبة في "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٣٥٦ - ٤٠١، "ديوان الأدب" ١/ ٣٥٨.
والجامل: جماعة الجمال والنوق، اللسان (جمل) ١١/ ١٢٤، والرغب: كل ما اتسع فقد رغب رغبًا، "اللسان" (رغب) ١/ ٤٢٤.
(٤) في النسخ: (يضمر)، والتصحيح من "معاني القرآن" للفراء.
(٥) "معاني القرآن" ٢/ ٣٥٦.
(٦) ما بين المعقوفين غير واضح في جميع النسخ، والتصحيح من "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج.
(٧) في (أ): (الوحد).
(٨) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٤٥.
قوله تعالى: ﴿غُدُوُّهَا﴾ أي: سير غدو تلك الريح المسخرة له شهر، أي: مسيرة شهر، وعلى هذا التقدير قوله: ﴿وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ﴾ أي: سير رواحها سير شهر. قال الحسن: (كان يغدو من دمشق فيقيل باصطخر (٣)، وبينهما مسيرة شهر للمسرع، ثم يروح من اصطخر فمِبيت بكابل (٤)، وما بينهما مسيرة شهر للمسرع) (٥).
وقال السدي: كانت تسير في اليوم مسيرة شهرين للراكب.
(٢) "الحجة" ٦/ ١٠.
(٣) اصطخر: بالكسر وسكون الخاء المعجمة، والنسبة إليها اصطخري، بلدة بفارس، وهي من أعيان حصون فارس، وبها كانت قبل الإسلام خزائن الملوك، ومن أشهر مدنها: البيضاء، ومائتين، ويزد وغير ذلك، ينسب إليها جماعة وافرة من أهل العلم. انظر: "معجم البلدان" ١/ ٢١١.
(٤) (كابل) بضم الباء الموحدة ولام، من ثغور طخارستان، ولها من المدن: واذان وخواش وخشك وجزه، غزاها المسلمون في أيام بني مروان وافتتحوها، قلت: هي عاصمة جمهورية أفغانستان اليوم.
انظر: "معجم البلدان" ٤/ ٤٢٦.
(٥) انظر: "تفسير الماوردي" ٤/ ٤٣٧، "المحرر الوجيز" ٤/ ٤٠٨، "مجمع البيان" ٨/ ٥٩٨، "البحر المحيط" ٨/ ٥٢٦، "تفسير القرطبي" ١٤/ ٢٦٩.
قوله تعالى: ﴿وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ﴾ أي: أذبنا له عين النحاس.
وقال ابن عباس والسدي وشهر بن حوشب ومجاهد ومقاتل: أجريت له عين الصفر ثلاثة أيام بلياليهن كمجرى الماء في صنعاء، يعمل بها ما أحب كما يعمل بالطين، وإنما يعمل الناس اليوم بما أعطي سليمان (٢).
وقوله: ﴿وَمِنَ الْجِنِّ﴾ أي: سخرنا له من الجن.
﴿مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ﴾ أي: بأمر ربه. قال مقاتل: يعني رب سليمان (٣).
قال ابن عباس: سخرهم وأمرهم بطاعته في جميع ما يأمرهم به (٤).
﴿وَمَنْ يَزِغْ﴾ أي: ومن يعدل. ﴿مِنْهُمْ﴾ من الجن. ﴿عَنْ أَمْرِنَا﴾ لهم بطاعة سليمان. ﴿نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ﴾ قال مقاتل: يعني الوقود في الآخرة. وهو قول أكثر المفسرين.
وقال عطاء عن ابن عباس: ﴿مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ﴾ الوقود. وهذا القول على هذا الإطلاق يحتمل ما قال بعضهم: إن هذا العذاب لمن زاغ عن أمر سليمان كان في الدنيا، وذلك أن الله تعالى وكَّلَ ملكًا بيده سوط من نار،
(٢) انظر: "تفسير الماوردي" ٤٣٧/ ٤، "مجمع البيان" ٨/ ٥٩٨، "تفسير القرطبي" ١٤/ ٢٧٠، "زاد المسير" ٦/ ٤٣٨.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ٩٧ ب.
(٤) انظر: "مجمع البيان" ٨/ ٥٩٨، "تفسير ابن عباس" بهامش المصحف ص ٤٢٩.
١٣ - قوله تعالى: ﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ﴾ قال مجاهد: بنياناً دون القصور (٢).
وقال قتادة: قصور ومساجد (٣).
وقال الضحاك ومقاتل: يعني المساجد (٤).
وقال ابن زيد: هي المساكن (٥)
وقال أبو عبيدة: المحراب سيد البيوت (٦).
وقال أبو إسحاق: أشرف موضع في الدار وفي البيت يقال له: محراب (٧).
وقال المبرد: أطبقوا على أنها لا تكون إلا أن يرتقى إليها بدرج (٨)، ومن ذلك قوله: ﴿إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ﴾ [ص: ٢١]. وذكرنا تفسير المحراب في سورة آل عمران (٩).
قوله تعالى: ﴿وَتَمَاثِيلَ﴾ قال المبرد: جمع تمثال، وهو كل شيء
(٢) "تفسيرمجاهد" ص ٥٢٤.
(٣) انظر: "الماوردي" ٤/ ٤٣٨، "مجمع البيان" ٨/ ٥٩٨، "زاد المسير" ٦/ ٤٣٩.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ٩٨ أ، "الطبري" ٢٢/ ٧٠.
(٥) انظر: "تفسير الماوردي" ٤/ ٤٣٨، "المحرر الوجيز" ٤/ ٤٠٩.
(٦) انظر: "تفسير الماوردي" ٤/ ٤٣٨، "تفسير القرطبي" ١٤/ ٢٧١.
(٧) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٤٦.
(٨) لم أقف على قول المبرد.
(٩) عند الآية ٣٧.
قال المفسرون: هي صورة من نحاس وزجاج ورخام كانت الجن تعلمها، قالوا: وهي سورة الأنبياء والملائكة، كانت تصور في المساجد ليراها الناس فيزدادوا عبادة، هذا يدل على أن التصوير كان مباحًا في ذلك الزمان (٣).
قوله تعالى: ﴿وَجِفَانٍ﴾ جمع جفنة، وهي (٤) القصعة الكبيرة، والعدد الجفنات (٥) كالجوابي جمع الجابية، وهي الحوض الكبير يجبي الماء أي: يجمعه. قال الأعشى:
نفى الذم عن رهط المحلق جفنة | كجابية الشيخ العراقي تفهق (٦) |
(٢) "تهذيب اللغة" ١٥/ ٩٨ (مثل).
(٣) انظر: "تفسير الماوردي" ٤/ ٤٣٨، "بحر العلوم" ٣/ ٦٨، "تفسير هود بن محكم" ٣/ ٣٩١، "القرطبي" ١٤/ ٢٧٢، "مجمع البيان" ٨/ ٦٠٠.
(٤) في (أ): (وهو).
(٥) انظر: "تهذيب اللغة" ١١/ ١١٢، "اللسان" ١٣/ ٨٩ (جفن).
(٦) البيت من الطويل، وهو للأعشى في "ديوانه" ص ٢٢٥، وانظر: منسوبًا إليه في: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٤٦، "الدر المصون" ٥/ ٤٣٥، "مجمع البيان" ٨/ ٥٩٦، "تفسير القرطبي" ١٤/ ٢٧٥٤ والمعنى هنا يقول: صان آل المحلق أعراضهم بالجود، ونفى عنهم الذم جفنة ضخمة تقدم للضيفان كأنها حوض الماء يمده نهر العراق. انظر: "الديوان" ص ٢٢٥.
قوله تعالى: ﴿وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ﴾ قال المفسرون: قدور عظام، لها قوائم لا يحركن عن أماكنها ولا يحركن لعظمها، ثوابت على أثافيها، تنحت من الجبال وكانت بأرض اليمن، وكان ملك سليمان ما بين كابل ومصر (٤).
ثم قال: قوله تعالى ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا﴾ لما أعطيتكم من الفضل والخير (٥) أي: وقلنا اعملوا بطاعة الله يا آل داود شكرًا له على ما آتاكم. قال أبو إسحاق: (شكرًا ينتصب على وجهين: أحدهما: اعملوا للشكر، أي: اشكروا الله على ما آتاكم. والثاني: ينتصب على المصدر، كأنه قيل: اشكروا شكرًا) (٦)؛ لأنه معنى اعملوا آل داود شكرًا.
قال مجاهد: لما نزلت ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا﴾ قال داود لسليمان:
(٢) في (ب): تقديم وتأخير (وقفًا ووصلا).
(٣) "الحجة" ٦/ ١٠ "الحجة في القراءات السبع" ص ٢٩٣، "البحر المحيط" ٨/ ٥٢٨.
(٤) انظر: "بحر العلوم" ٣/ ٦٨، "مجمع البيان" ٨/ ٦٠٠، "القرطبي" ١٤/ ٢٧٦، "زاد المسير" ٤٤٠/ ٦.
(٥) في (ب): (من الخير والفضل).
(٦) انظر: "معانى القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٤٦.
١٤ - قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ﴾ قال المفسرون: كانت الجن تخبر الإنس أنهم يعلمون الغيب الذي يكون في غد، فابتلوا بموت سليمان، فمات سليمان متكئًا على عصاه وبقي كذلك ميتًا سنة، والجن تعمل تلك الأعمال الشاقة التي كانت تعمل في حياة سليمان، لا يشعرون في موته حتى أكلت الأرضة عصا سليمان فخر ميتًا، فحينئذ علموا بموته، وعلموا الإنس أن الجن لا تعلم الغيب، فذلك قوله: ﴿مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ﴾ قال المفسرون: يعني الأرضة (٢).
وقوله: ﴿تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ﴾ قالوا: عصاه. قال السدي: هي بلسان الحبشة (٣). وقال ميسرة: هي بلغة اليمن (٤).
وقال أبو عبيدة: المنسأة التي ينساء بها الغنم (٥).
وقال الفراء: هي العصاة العظيمة التي تكون مع الراعي، أخذت من
(٢) انظر: "تفسير الطبري" ٢٢/ ٧٤، "تفسير الماوردي" ٤/ ٤٤١، "بحر العلوم" ٣/ ٦٨، "تفسير الثعلبي" ٣/ ٢٤٢، "غرائب القرآن" ٢٢/ ٤٥.
(٣) انظر: "تفسير الماوردي" ٤/ ٤٤١، "تفسير القرطبي" ١٤/ ٢٧٨، "تفسير الطبري" ٢٢/ ٧٣.
(٤) لم أقف عليه.
(٥) "مجاز القرآن" ٢/ ١٤٥.
وقال أبو إسحاق: المنسأة التي ينسأ بها، أي: يطرد ويزجر (٢).
وقال أبو عبيدة: هي التي يضرب بها (٣). وقال أبو علي الفارسي: هي من نسأت الغنم، إذ سقيتها (٤) وأنشدوا قول طرفة:
أمون كألواح الأران نسأتها | على لا حب كأنه ظهر يوجد (٥) (٦) |
وأكثر القراء على همزة المنسأة. وقرأ نافع وأبو عمرو بغير همز. قال أبو عبيدة: (تركوا همزها كما ترك بعضهم همز البرنة والذرية والنبئ. قال المبرد: بعض العرب يبدل من همزتها ألف فيقول: منساة وينشدون:
(٢) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٤٧.
(٣) لم أقف عليه.
(٤) هكذا في النسخ! وهو خطأ، والصواب: سقتها. انظر: "الحجة" ٦/ ١١.
(٥) في (ب): (حدد)، وهو خطأ.
(٦) البيت من الطويل، وهو لطرفة بن العبد في: "ديوانه" ص٢٢، "شعراء النصرانية في الجاهلية" ٣/ ٣٠٠ "لسان العرب" ١/ ١٧٣ (نسأ)، ١٣/ ١٥ (أرن)، كتاب "العين" ٨/ ٢٧٨.
ومعنى البيت: الأمون: هي الناقة الموثقة الخلق التي يؤمن عثارها وزللها، والإران: هو النشاط ونساتها: أي حملتها على السير في هذا الطريق اللاحب هو البين، والبرجد، كساء فيه خطوط وطرائق، فشبه الطرائق بطرائق البرجد. "شرح القصائد السبع الجاهليات" ص ١٥١.
(٧) في (أ): (تنسئ).
(٨) لم أقف على القول منسوبًا للمبرد.
وانظر: "تهذيب اللغة" ١٣/ ٨٤، مادة: (نسأ)، "اللسان" ١/ ١٦٩ (نسأ).
إذا دببت على المنساة من كبر | فقد تباعد عنك اللهو والغزل) (١) (٢) |
قوله: ﴿فَلَمَّا خَرَّ﴾ أي: سقط ميتًا. ﴿تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ﴾ الآية. قال المفسرون: تبينت الإنس أن الجن ﴿أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾، قالوا: وكذا (٤) كان ابن عباس يقرأها، بتبينت الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب (٥).
وأما معنى قراءة العامة، فقد ذكر [فيه] (٦) الفراء وأبو إسحاق وجوهًا بعيدة (٧). والصحيح ما ذكر أبو عبيدة فقال: (تبينت الجن للناس، أي: تبين للناس أن الجن لا يعلمون الغيب، ما غيب عنهم لما كانوا في نصبهم وهو ميت) (٨). ويدل على صحة هذا المعنى قراءة يعقوب: تُبِينت، بضم التاء
(٢) "مجاز القرآن" ٢/ ١٤٥.
(٣) "الحجة" ١٢/ ٦.
(٤) في (ب): (وكذلك).
(٥) انظر: "تفسير الطبري" ٢٢/ ٧٤، "تفسير الماوردي" ٤/ ٤٤٢، "علل القراءات" ٢/ ٥٤٩، "تفسير القرطبي" ١٤/ ٢٨١.
(٦) ما بين المعقوفين ساقط في (ب).
(٧) انظر: هذه الوجوه في: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٣٥٧، "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج ٤/ ٢٤٧.
(٨) "مجاز القرآن" ٢/ ١٤٦.
قال أبو إسحاق: (المعنى أنهم لو كانوا يعلمون ما غاب عنهم، ما عملوا مسخرين لسليمان وهو ميت، وهم يظنون أنه حي يقف على عملهم) (٤).
قال مقاتل: العذاب المهين: الشقاء والنصب في العمل (٥).
١٥ - قوله: ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ﴾ ذكر الكلام والقراءة في سبأ في سورة النمل (٦). وذكر المفسرون هاهنا ما روي عن فروة بن مسيك (٧) أن رجلاً
(٢) "مشكل إعراب القرآن" ٢/ ٢٠٦، "البحر المحيط" ٨/ ٥٣٢، "التبيان" ٢/ ٢٧٧.
(٣) "تفسير غريب القرآن" ص ٣٥٥.
(٤) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٤٧.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ٩٧ أ.
(٦) عند قوله تعالى: ﴿فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾ آية: ٢٢. قال: قرئ من سبأ بالإجراء والتنوين. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو غير مجرى. قال الفراء: من أجراه فلأنه فيما ذكروا رجل.
(٧) هو: فروة بن مسيك، وقيل: مسيكة بن الحرث بن سلمة المرادي القطيعي، أبو عمر، له صحبة، وقد على النبي -صلى الله عليه وسلم- سنة عشر من الهجرة، فأسلم، فبعثه على =
وقال مقاتل: هو رجل من يشجب بن يعرب بن قحطان، يقال: سبأ بن يشجب، والمراد بسبأ هاهنا: القبيلة (٢).
قوله: (في مساكنهم) وقرئ: مسكنهم، على الواحد، بفتح الكاف وبكسرة (٣).
قال أبو علي: (الوجه الجمع؛ ليكون اللفظ موافقًا للمعنى؛ لأن لكل (٤) ساكن مسكنًا (٥)، ومن قال: مسكنهم، أي: يكون جعل المسكن
انظر: "الاستيعاب" ٣/ ١٩٤، "الإصابة" ٣/ ٢٠٠.
(١) انظر: "تفسير الطبري" ٢٢/ ٧٦، "تفسير الماوردي" ٤/ ٢٠٣، "مجمع البيان" ٨/ ٦٠٤. وأخرجه أحمد في "مسنده" ١/ ٣١٦، من حديث ابن عباس إلا أنه قال: سأل رجل النبي -صلى الله عليه وسلم-، والترمذي في "سننه" كتاب التفسير: تفسير سورة سبأ ٥/ ٣٩، وقال: هذا حديث غريب حسن، رقم الحديث (٣٢٧٥)، والحاكم في "المستدرك" في تفسير سورة سبأ ٢/ ٤٢٤، وصححه ووافقه عليه الذهبي.
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ٩٨ أ.
(٣) انظر: "النشر" ٢/ ٣٥٠، "حجة القراءات" ص ٥٨٥.
(٤) في (ب): (كل)، وهو خطأ.
(٥) في (ب): (مسكن).
وقال أبو الحسن: المسكن بكسر الكاف لغة فاشية، وهي لغة الناس اليوم، والفتح لغة أهل الحجاز، وهي اليوم قليلة (٣).
وقال الفراء: هي لغة يمانية فصيحة (٤).
قال المفسرون: وكانت مساكنهم بمأرب من اليمن (٥). يدل عليه قول النابغة:
من سبأَ الحاضرينَ مأربَ إذْ | يبنونَ من دونِ سيلهِ العَرِما (٦) |
(٢) "الحجة" ٦/ ١٢ - ١٤.
(٣) انظر: "مجمع البيان" ٨/ ٦٠٣، "البحر المحيط" ٨/ ٥٣٣.
(٤) "معاني القرآن" ٢/ ٣٥٧.
(٥) انظر: "تفسير القرطبي" ١٤/ ٢٣٨.
(٦) البيت من المنسرح، وهو للنابغة الجعدي في "ديوانه" ص ١٣٤، "الكتاب" ٣/ ٢٥٣، "جمهرة اللغة" ص ٧٧٣، "سمط الآلئ" ص ١٨، "اللسان" ١/ ٣٩٦ مادة: (عرم).
قوله تعالى: ﴿عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ﴾ أي: يمنة وسرة. قال مقاتل: عن يمين الوادي وعن شماله (٣).
وقال الآخرون: عن يمين من أتاهما وشماله (٤).
وقال الفراء: أراد عن أيمانهم وشمائلهم (٥). والمعنى أن الجنتين أحاطت بهم وبمساكنهم يمنة ويسرة.
قوله: ﴿كُلُوا﴾ قال أبو إسحاق: المعنى: قيل لهم ذلك (٦).
وقوله: ﴿مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ﴾ يعني: ثمار الجنتين. قال السدي وأهل التفسير: كانت المرأة تخرج، فتحمل مكتلًا على رأسها وتمر في البستان فتملأ مكتلها من ألوان الفاكهة، من غير أن تمس شيئًا بيدها (٧).
(٢) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٤٨.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ٩٨ أ.
(٤) انظر: "بحر العلوم" ٣/ ٧٠، "مجمع العلوم" ٨/ ٦٠٤، "تفسير القرطبي" ١٤/ ٢٤٨.
(٥) "معاني القرآن" ٣/ ٣٥٨.
(٦) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٤٨
(٧) أورده المؤلف في "الوسيط" ٣/ ٤٩٠ عن السدي، وابن أبي حاتم ١٠/ ٣١٦٥ عنه كذلك، و"تفسير الطبري" ٢٢/ ٧٧ عن قتادة، والطبرسي في "مجمع البيان" ٨/ ٦٠٤، ولم ينسبه.
ثم ابتدأ فقال: ﴿بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ﴾. قال أبو إسحاق: المعنى: هذه بلدة طيبة (١).
قال مقاتل: أرض سبأ بلدة طيبة؛ لأنها أخرجت ثمارها (٢). فعلى هذا طيبها: كثرة ثمارها. وقال الفراء: ليست بسبخة (٣).
وقال ابن زيد: ليس فيها شيء مؤذ، من بعوضة أو ذباب.
قال: ولم يكن يرى في بلدهم بعوض ولا ذباب ولا برغوث ولا عقرب، ويمر الغريب في بلدهم وفي ثيابه القمل فتموت كلها. وعلى هذا طيبها: طيب هوائها (٤).
قوله: ﴿وَرَبٌّ غَفُورٌ﴾ أي: والله رب غفور. قال مقاتل: وربكم إن شكرتم فإما رزقكم رب غفور للذنوب (٥).
١٦ - قوله: ﴿فَأَعْرَضُوا﴾ قال مقاتل: عن الحق (٦).
وقال ابن عباس: يريد فكفروا وكذبوا أنبيائهم (٧).
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ٩٨ أ.
(٣) "معاني القرآن" ٢/ ٣٥٨.
(٤) أخرجه ابن أبى حاتم في "تفسيره" ١٠/ ٣١٦٥ عن ابن زيد، وذكره المؤلف في "الوسيط" ٣/ ٤٩٠ عنه كذلك.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ٩٨ ب.
(٦) المصدر السابق.
(٧) انظر: "تفسير ابن عباس" بهامش المصحف ص ٣٦٠.
واختلفوا في العرم ما هو؟ فأكثر المفسرين على أن العرم: السكر (٢) والمسناة، وهي التي تحبس الماء (٣).
قال السدي وأبو ميسرة: أهل اليمن يسمون المسناة العرم (٤). وهو اختيار الفراء (٥)، وابن قتيبة (٦)، والمبرد، قال: العرم جمع عرمة، وهي الحاجز بين الشيئين، يسمى السكر (٧)، واحتجوا بقول الجعدي (٨):
إذ يبنون دون سيله العرما
(٢) قال في "اللسان" ٤/ ٣٧٥: سكر النهر يسكره سكرًا، سد فاه، وكل شق سد فقد سكر، والسكر ما سد به، والسكر: أيضًا المسناة. اهـ والمسناة بلغة أهل اليمن.
(٣) انظر: "تفسير الطبري" ٢٢/ ٧٩، "تفسير القرطبي" ١٤/ ٢٨٥، "زاد المسير" ٦/ ٤٤٥، "معاني القرآن" النحاس ٥/ ٤٠٧.
(٤) انظر: "تفسير الطبري" ٢٢/ ٧٩، "المحرر الوجيز" ٤/ ٤١٤، "البحر المحيط" ٨/ ٥٣٣، ولم أقف على من نسبه للسدي.
(٥) "معاني القرآن" ٢/ ٣٥٨.
(٦) "تفسير غريب القرآن" ص ٣٥٥.
(٧) "الكامل" ٣/ ١٠٣٣.
(٨) هو النابغة الجعدي، وقد سبق التعريف به، وتخريج البيت كذلك.
وقال ابن الأعرابي: العرم السيل الذي لا يطاق (٢). وعلى هذا دل كلام ابن عباس، قال: [يريد] (٣) لا يمر بشيء إلا غرقه (٤). وقال مقاتل: العرم اسم الوادي (٥).
وحكى أبو إسحاق في العرم قولين آخرين: أحدهما: أن العرم اسم الجرذ الذي بنوا (٦) للسكر عليهم، وهو الذي يقال له: الخلد، وذكر ابن الأعرابي أن العرم من أسماء الفأر (٧) الثاني: أن العرم هو المطر الشديد (٨). وأصل هذا كله من العرامة، وهي الشدة، ومثله: العرام، ورجل عارم: شديد لا يطاق (٩).
قوله تعالى: ﴿وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ﴾ قال ابن عباس: يريد اللتين كان فيهما الفواكه والثمار. ﴿ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ﴾ قال ابن عباس: يريد الأراك. وهو قول مجاهد وقتادة ومقاتل والسدي، قالوا:
(٢) انظر: "تهذيب اللغة" ٢/ ٣٩٠ مادة: (عرم).
(٣) ما بين المعقوفين مكرر في (ب).
(٤) ذكر المفسرون تفسير ابن عباس للعرم بأنه الشديد. انظر: "تفسير الطبري" ٢٢/ ٨٠، "المحرر الوجيز" ٤/ ٤١٤، "زاد المسير" ٦/ ٤٤٥.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ٩٨ ب.
(٦) هكذا في النسخ! وهو خطأ، إذ الصواب: الجرذ الذي ثقب السكر عليهم. انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٤٨.
(٧) انظر: "تهذيب اللغة" ٢/ ٣٩١.
(٨) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٤٨.
(٩) انظر: "تهذيب اللغة" ٢/ ٣٩٠، "اللسان" ٢/ ٣٩٥.
وقال أبو عبيدة: الأكل الجني، والخمط: كل شجرة [ثمرة] (٣) ذات شوك (٤). ونحو هذا قال ابن قتيبة، فإن الأكثرين على أن الخمط اسم شجرة (٥). وإذا كان كذلك، فالأحسن قراءة من لم ينون الأكل وأضافه، وذلك أن الأكل إذا كان الجناء، فإن جنا (٦) كل شجرة منه، والتنوين في هذا ليس في حسن الإضافة، وذلك؛ لأن (٧) الخمط إنما هو اسم شجرة وليس بوصف للأكل، وإذا (٨) لم يكن وصفًا، لم يجر على ما قبله كما يجري على الموصوف، والتبدل ليس بالسهل أيضًا؛ لأنه ليس هو ولا بعضه؛ لأن الجنا من الشجرة وليس الشجرة من الجنا (٩).
قال أبو الحسن: (في كلام العرب أن يضيفوا ما كان من نحو هذا، مثل: دار آجر، وثوب خز.
(٢) انظر: "تفسير الطبري" ٢٢/ ٨١، "تفسير هود بن محكم" ٣/ ٣٩٤، "زاد المسير" ٦/ ٤٤٦ والبرير: هو ثمر الأراك. انظر: "اللسان".
(٣) ما بين المعقوفين لعلها زيادة من النساخ، إذ ليست من كلام أبي عبيدة.
(٤) "مجاز القرآن" ٢/ ١٤٧.
(٥) " تفسير غريب القرآن" ص ٣٥٦.
(٦) في (ب): (الجنا).
(٧) في (ب): (أن).
(٨) في (ب): (وإذا كان) زيادة كان، وهو خطأ.
(٩) انظر: "علل القراءات" ٢/ ٥٥١ "مجمع البيان" ٨/ ٦٠٣، "البحر المحيط" ٨/ ٥٣٦.
قال أبو إسحاق: (يقال لكل نبت قد أخذ طعمًا من المرارة حتى لا يمكن أكله: خمط) (٥). ونحو هذا قال المبرد.
ومنه قيل للبن إذا أحمض: خمط (٦). فهؤلاء جعلوا الخمط اسمًا للمأكول، فيصح على هذا التنوين في الأكل.
قوله: ﴿وَأَثْلٍ﴾ قال مقاتل: يعني شجرة تشبه الطرف، يتخذ منه الأقداح (٧).
وقال الفراء: الأثل شبه بالطرف، إلا أنه أعظم منه طولا (٨).
قال الأزهري: (هو يشبه الطرف إلا أنه أكرم منه، تسوى منه الأقداح الصفر الجياد، ومنه اتخذ منبر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وللأثل أصول غليظة يسوى منها
(٢) لم أقف عليه. وقد ذكره النحاس في "إعراب القرآن" ص ٦٦٤، وأنه اختيار المبرد.
(٣) انظر: "تفسير الطبري" ٢٢/ ٨١، "تفسير هود بن محكم" ٣/ ٣٩٤، "بحر العلوم" ٣/ ٧٠، "زاد المسير" ٦/ ٤٤٦.
(٤) انظر: "تهذيب اللغة" ٧/ ٢٦٠، "اللسان" ٧/ ٢٩٦، "روح المعاني" ٢٢/ ١٢٧.
(٥) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٤٩.
(٦) انظر: "تفسير القرطبي" ١٤/ ٢٨٦، "إعراب القرآن" للنحاس ص ٤٦٤.
(٧) انظر: "تفسير مقاتل" ٩٨ ب.
(٨) "معاني القرآن" ٢/ ٣٥٩.
قال ابن الأعرابي: والأثيل منبت الأراك (٢).
قوله: ﴿وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ﴾ قال الأزهري: (السدر من الشجر سدران: أحدهما: سدر بري لا ينتفع بثمره، ولا يصلح ورقه للغسول، وربما خمط للراعية، وله ثمر عفص لا يؤكل، والعرب تسميه الضال. والجنس الثاني من السدر ينبت على الماء، وثمره النبق، وورقه غسول، يشبه شجر العناب إلا أن ثمره أصفر مر يتفكه به) (٣).
وقال الفراء: ذكروا أنه الثمر (٤). وقال مقاتل: ثمرة السدر النبق (٥).
وقال السدي: هذا السدر قليل، يعني: أن الخمط والأثل كانا أكثر في جنتيهم من السدر (٦). قال قتادة في الآية: بينما شجر القوم من خير الشجر، إذ صيره الله من شر الشجرة (٧).
١٧ - قوله: ﴿ذَلِكَ﴾] (٨) إشارة إلى ما ذكر من التبديل. قال أبو إسحاق: (وموضع ذلك نصب، المعنى ﴿جَزَيْنَاهُمْ﴾ ذلك ﴿بِمَا كَفَرُوا﴾ (٩).
(٢) انظر: قول ابن الأعرابي في "تهذيب اللغة" ١٥/ ١٣١.
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" ١٢/ ٣٥٣.
(٤) هكذا في النسخ! ولعل الصواب: السمر، واحدته سمرة. "معاني القرآن" ٢/ ٣٥٩.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ٩٨ ب.
(٦) لم أقف عليه منسوبًا للسدي. وذكره المؤلف في "الوسيط" ٣/ ٤٩١، و"الطبرسي في مجمع البيان" ٨/ ٦٠٥، وابن الجوزي في "زاد المسير" ٦/ ٤٤٦، بدون نسبة.
(٧) انظر: المصادر السابقة، و"تفسير القرطبي" ١٤/ ٢٨٧.
(٨) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٩) انظر: "معاني القران وإعرابه" ٤/ ٢٤٩.
وقال الفراء: (معنى جزيناه كافيناه (٣)، والسيئة للكافر بمثلها سيئة، وأما المؤمن فيجزى ولا يجازى؛ لأنه يزاد ويتفضل عليه، وقد يقال: جازيت بمعنى جزيت وأبين الكلام على ما وصفت) (٤). هذا كلام أهل المعاني (٥).
وأما المفسرون؛ فقال مقاتل: وهل نكافئ بعمله السيئ إلا الكفور لله في نعمه (٦). وهذا كقول الفراء.
وقال طاوس: يجازى الكفور ولا يغفر له، والمؤمن لا يناقش الحساب (٧).
(٢) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٤٩، "الحجة" ٦/ ١٧ - ١٨.
(٣) في (ب): (جزيناهم افيناهم).
(٤) "معاني القرآن" ٢/ ٣٥٩.
(٥) انظر: "معاني القرآن" للنحاس ٥/ ٤٠٩، "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٣٥٩، "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٤٩.
(٦) انظر: "تفسير مقاتل" ٩٨ ب.
(٧) انظر: "معاني القرآن" للنحاس ٥/ ٤٠٩، "تفسير القرطبي" ١٤/ ٢٨٨، تفسير ابن كثير" ٥/ ٥٤٣.
١٨ - قوله: ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ﴾ قال أبو إسحاق: هذا عطف على قوله: ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ﴾ (٤) الآية. يعني: وكان من قصتهم أنا ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ﴾ أي: بين سبأ ﴿وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾. قال المفسرون: قرى الشام والأرض المقدسة: الأردن وفلسطين (٥). قال مقاتل: باركنا فيها بالشجر والماء (٦). قوله: ﴿قُرًى ظَاهِرَةً﴾ قال أبو إسحاق: (كان بين سبأ والشام قرى متصلة بعضها ببعض، يبيتون بقرية ويقيلون بقرية، لا يحلون عقدة حتى يرجعوا إلى أهليهم (٧) [ساعون من حيث نزلوا ما يأكلون] (٨) لا
(٢) لم أقف عليه.
(٣) "الحجة" ٦/ ١٨.
(٤) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٥٠.
(٥) انظر: "تفسير الطبري" ٢٢/ ٨٣، "تفسير هود بن محكم" ٣/ ٣٩٥، "تفسير الماوردي" ٤/ ٤٤٤، "تفسير القرطبي" ١٤/ ٢٨٩.
(٦) انظر: "تفسير مقاتل" ٩٨ / ب.
(٧) في (ب): "أهلهم".
(٨) ما بين المعقوفين يظهر -والله أعلم- أنه كلام زائد من النساخ؛ إذ لا معنى له.
[أي] (٣).
وقال صاحب النظم: ليس من قرية إلا وهي ظاهرة، والمعنى أنها قرى متقاربة تتوالى، فإذا كان الرجل في قرية منها كانت التي تليها ظاهرة لعينه ينظر إليها.
قوله تعالى: ﴿وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ﴾ قال مقاتل: للمبيت والمقيل من قرية إلى قرية (٤). قال الفراء: (جعل ما بين القرية إلى القرية نصف (٥) يوم، فذلك تقدير السير) (٦). قال أبو إسحاق: (جعلنا سيرهم بمقدار، حيث أرادوا أن يقيموا حلوا بقرية) (٧).
وقال ابن قتيبة: (جعلنا السير بين القرية إلى القرية مقدارًا واحدًا) (٨).
وقوله: ﴿سِيرُوا﴾ أي: وقلنا لهم سيروا. ﴿فِيهَا﴾ في تلك القرى. ﴿لَيَالِيَ وَأَيَّامًا﴾ متى شئتم السير ليلاً أو نهارًا.
(٢) انظر: "تفسير الماوردي" ٤/ ٤٤٤، "القرطبي" ١٤/ ٢٨٩، "زاد المسير" ٦/ ٤٤٨.
(٣) هكذا في النسخ! ويظهر أنها زائدة من النساخ.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ٩٨ ب.
(٥) في (ب): (لضعف)، وهو خطأ.
(٦) "معاني القرآن" ٢/ ٣٥٩.
(٧) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٥٠.
(٨) "تفسير غريب القرآن" ص ٣٥٦.
١٩ - قال المفسرون: ثم إنهم سئموا الراحة وبطروا النعمة، وكرهوا ما كانوا فيه من الخصب (٢) والسعة في كفاية القدح في المعيشة كقوم موسى حين قالوا: ﴿فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ﴾ إلى قوله: ﴿أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ﴾ [البقرة: ٦١] وهؤلاء من جملة من دخل في قوله: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا﴾ [القصص: ٥٨] فلم يشكروا ربهم، وسألوا أن تكون القرى والمنازل بعضها أبعد من بعض ﴿فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا﴾ أي: اجعل بيننا وبين الشام فلوات ومفاوز؛ لنركب إليها الرواحل ونتزود الأزواد. وقرئ: ﴿بَعَّد﴾، وهو مما فيه وفعل بمعنى واحد كقولك: ضاعِف وضعِّف، وكذلك خلافه (٣) قارب وقرب. ومعنى قراءة من قرأ على الخبر: ﴿رَبَّنَا بَاعِدْ﴾، أنهم استبعدوا سفرهم على قرية بطرا وأشرا، وقراءة العامة معناها الدعاء وسؤال الله أن يبعد بين أسفارهم (٤).
وقوله ﴿وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ قال ابن عباس: بكفرهم وتكذيبهم أنبيائهم (٥).
﴿فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ﴾ يريد لعن بعدهم، يتحدثون بأمرهم وشأنهم.
﴿وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾ مزقناهم في كل وجه من البلاد كل التفريق،
(٢) في (ب): (الحطب)، وهو خطأ.
(٣) في (ب): (خلاف).
(٤) "الحجة" ٦/ ١٩.
(٥) انظر: "تفسير ابن عباس" بهامش المصحف ص ٣٦٠.
قال الشاعر:
من صادر أو وارد أيدي سبأ (٢)
وقال كثير:
أيادي سبأ يا عز ما كنت بعدكم | فلم يحل بالعينين بعدك منظر (٣) |
وقال مقاتل: يعني المؤمن من هذه الأمة صبور على البلاء، إذا ابتلي شاكر لله على نعمه (٥).
٢٠ - قوله: ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ﴾ وقرئ: صَدَقً، بالتشديد والتخفيف.
قال أبو إسحاق: صدقه في ظنه أنه ظن بهم أنه إذا أغواهم اتبعوه فوجدهم كذلك، فمن شدد نصب الظن؛ لأنه مفعول به، ومن خفف نصب
(٢) شطر بيت لم أقف على تمامه ولا قائله، وهو في "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٥١، "اللسان" ١/ ٩٤ بلا نسبة.
(٣) البيت من الطويل، هو لكثير عزة في "ديوانه" ص ٣٢٨، "شرح شواهد المغني" ٢/ ٦٨٧، "اللسان" ١/ ٩٤.
(٤) لم أقف عليه منسوبًا لابن عباس، وقد أورده المؤلف في "الوسيط" ٣/ ٤٩٣، "تفسير الماوردي" ٤/ ٤٤٦، "تفسير القرطبي" ١٤/ ٢٩١ بدون نسبة.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ٩٨ ب.
فإن تك ظني صادقي فهو صادقي (٣)
ويجوز أن ينتصب انتصاب الظرف، على تقدير: صدق عليهم الظن، على أنه مفعول به وعدي صدق إليه كما قال:
فإنْ لم أصدَّق ظنكَ بتيقنٍ | فلا سقتِ الأوصالَ منِّي الرواعدُ (٤). |
(٢) هكذا في النسخ! ولعل الصواب: فظنه، كما في "الحجة" ٦/ ٢١.
(٣) شطر بيت من الطويل، لم أقف على قائله، وقد ورد في "إملاء ما من به الرحمن" ٢/ ١٩٧، وكذا في "الدر المصون" ٥/ ٤٤٢. وجاء البيت بتمامه في "مجمع البيان" ٨/ ٦٠٧ برواية:
إن يك ظني صادقًا وهو صادقي | بشملة يحبسهم بها محبسا وعرا |
(٤) بيت من الطويل ولم أقف على قائله.
(٥) انظر: "تفسير الطبري" ٢٢/ ٨٧، "تفسير ابن عباس" بهامش المصحف ص ٤٣٠.
٢١ - وقوله: ﴿وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ﴾ قال أبو إسحاق: المعنى ما امتحنا بإبليس إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة إلا لنعلم ذلك علم وقوعه منهم، وهو الذي يجازون عليه (٣). وشرح ابن قتيبة الآيتين شرحًا شافيًا فقال: إن إبليس لما سأل الله النظرة فأنظره قال: ﴿وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ﴾ الآية. وقال: ﴿لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا﴾ (٤) وليس هو في وقت هذه المقالة مستيقنًا أن ما قرره فيهم يتم، وإنما قاله ظانا، فلما اتبعوه وأطاعوه صدق عليهم ما ظنه فيهم، ثم قال: وما كان تسليطنا إياه (٥) إلا لنعلم المؤمنين من الشاكين، يعني: نعلمهم موجودين ظاهرين فيحق القول ويقع الجزاء، فأراد جل وعز: ما سلطناه عليهم إلا لنعلم إيمان المؤمن ظاهرًا، وكفر الكافر ظاهرًا موجودًا كقوله:
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ٩٩ أ.
(٣) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٥٢.
(٤) قال تعالى في سورة النساء: ﴿إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (١١٧) لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (١١٨) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾.
وقال في سورة الحجر: ﴿لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ الآية: ٣٩.
(٥) في (ب): (إلا إياه) وهو خطأ.
٢٢ - قوله: ﴿قُلِ﴾ أي: لكفار مكة. ﴿ادْعُوا﴾ استنصروا، واستعينوا كقوله: ﴿وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٣]. وقوله: ﴿تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ﴾ [الأعراف: ١٩٧].
وقوله: ﴿الَّذِينَ زَعَمْتُمْ﴾ أي: الذين زعمتم أنهم آلهة وأنهم ينصرونكم، فأضمر مفعول الزعم، قال المفسرون (٥): يعني الشركاء والملائكة وجميع من عبدوهم من دون الله.
قال مقاتل: يقول: ادعوهم فليكشفوا عنكم التفسير الذي نزل بكم في سني الجوع (٦). ثم وصفهم وأخبر عنهم فقال: ﴿لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ﴾ أي: من خير وشر ونفع وضر. ﴿وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ﴾ يريد: ما شاركونا في شيء من خلقهما. ﴿وَمَا لَهُ﴾ وما لله. ﴿مِنْهُمْ﴾ من الشركاء والمعبودين. ﴿مِنْ ظَهِيرٍ﴾ من معين على شيء. قال مقاتل: ثم
(٢) عند تفسير الآية ١٤٢ من آل عمران.
(٣) انظر: "تفسير الطبري" ٢٢/ ٨٧، "تفسير الماوردي" ٤/ ٤٤٧، "مجمع البيان" ٨/ ٦٠٨، "زاد المسير" ٦/ ٤٤٩، "تفسير مقاتل" ٩٩ أ.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ٩٩ أ.
(٥) انظر: "تفسير الطبري" ٢٢/ ٨٨، "بحر العلوم" ٣/ ٧٢، "تفسير القرطبي" ١٤/ ٢٩٥، "زاد المسير" ٦/ ٤٥١.
(٦) انظر: "تفسير مقاتل" ٩٩ أ.
٢٣ - وقوله: ﴿وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ﴾ يعني: شفاعة الملائكة. ﴿عِنْدَهُ﴾ عند الله (١). ﴿إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ قرئ: بضم الهمزة وفتحها، فمن فتح بني الفعل للفاعل، وأسنده إلى ضمير اسم الله؛ لقوله تعالى: ﴿لَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ﴾، ومن ضم الهمزة بني الفعل للمفعول وهو يريد هذا المعنى (٢). والآذن في القراءتين هو الله تعالى، كقوله: ﴿وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ﴾ والمجازي في الوجهين هو الله تعالى. قال الفراء: أي لا تنفع شفاعة ملك مقرب ولا نبي حتى يؤذن له في الشفاعة، ويقال: حتى يؤذن له فيمن يشفع، فيكون (من) للمشفوع له (٣).
وذكر أبو إسحاق أيضًا الوحهين جميعًا فقال: ويجوز أن يكون [من] (٤) في قوله: ﴿إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ للشافعين؛ لأنه كنى عنهم بقوله: ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ والذين فزع عن قلوبهم هاهنا الملائكة، هذا كلامه. وتقدير الوجهين: إلا لمن أذن له في أن يشفع إذا كان (من) للشافع، وإن جعلت (من) للمشفوع فالتقدير: إلا لمن أذن له في أن يشفع له (٥).
وكلام المفسرين في هذه الآية يدل على أن (من) للمشفوع له؛ قال ابن عباس: يريد لا تشفع الملائكة إلا لمن وحد الله (٦) كقوله في الأنبياء
(٢) انظر: "علل القراءات" ٢/ ٥٥٣، "حجة القراءات" ص ٥٨٩.
(٣) "معاني القرآن" ٢/ ٣٦١.
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٥) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٥٢.
(٦) انظر: "الوسيط" ٣/ ٢٩٤، "تفسير ابن عباس" بهامش المصحف ص ٤٣١.
قال أبو عبيدة: ﴿فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾: نفس عنها (٢).
وقال الفراء وأبو إسحاق: فزع: كشف الفزع عن قلوبهم، وفزع: كشف الله الفزع عن قلوبهم (٣). ومعنى القراءتين سواء كما ذكرنا في أذن وأذن (٤).
والتفزيع يريد المعنيين: أحدهما: إزالة التفزيع بالتمريض (٥)، وقد جاء مثل هذا في أفعل، قالوا: أشكاه (٦) إذا أزال عنه ما يشكوه، ويقال: فزعه وأفزعه، إذا روعه. قال ابن عباس: يريد سوى عن قلوبهم (٧).
وقال قتادة والكلبي: جلي عن قلوبهم (٨). وقال مقاتل: انجلى الفزع
(٢) "مجاز القرآن" ٢/ ١٤٧.
(٣) "معاني القرآن" ٢/ ٣٦١، "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ٢٥٣.
(٤) سورة الحج: الآية ٢٧. قال: معنى التأذين: النداء والتصويت للإعلام، ثم أحال على قوله ﴿فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ﴾، وقوله: ﴿أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ﴾.
(٥) في "الوسيط": والتفزيع إزالة الفزع كالتمريض. فلعل ما أثبت هنا خطأ، والصواب ما بينته من الوسيط.
(٦) في (ب): (مشكاه).
(٧) ذكر بعض المفسرين قول ابن عباس: جلي عن قلوبهم. انظر: "الماوردي" ٤/ ٤٨٤، "القرطبي" ١٤/ ٢٩٥.
(٨) لم قف عليه منسوبًا لهما، ، وقد نسبه الطبري ٢٢/ ٩٠ لابن عباس.
وروي عن أنس بن سمعان (٣) أنه قال: إذا تكلم الله بالوحي أخذت السموات منه رعدة شديدة خوفًا من الله، فإذا سمع ذلك أهل السموات صعقوا (٤) وخروا لله سجدا، فيكون أول من يرفع رأسه جبريل، فيكلمه الله بما أراد من وحيه، فيمضي به جبريل على الملائكة سماء سماء، كلما مر
(٢) الحديث أخرجه البخاري في "صحيحه" كتاب: التفسير: تفسير سورة سبأ ٤/ ١٨٠٤ رقم الحديث (٤٥٢٢) وتمامه: "فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال: الحق وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترق السمع" الحديث، وأخرجه الترمذي في "سننه" كتاب التفسير: تفسير سورة سبأ ٥/ ٤٠، رقم الحديث (٣٢٧٦)، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(٣) هكذا ورد في (أ)، وفي (ب): (أنس سمعان)، وهو خطأ، والصواب هو: النواس بن سمعان، فهو راوي هذا الأثر، ولم أجد فيما عندي من مراجع راويا لهذا الحديث بهذا الاسم.
والنواس بن سمعان هو: النواس بن سمعان بن خالد بن عمرو بن قرط العامري الكلابي، ويقال: الأنصاري، له صحبة، روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وروى عنه جبير بن نفير الخضرمي وأبو إدريس الخولاني. يقال: إن أباه سمعان وفد على النبي -صلى الله عليه وسلم- وأهدى إليه نعليه فقبلهما وزوج أخته من النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويقال: إنه لما دخل بها تعوذت منه فتركها، وهي الكلابية، والله أعلم.
انظر: "الاستيعاب" ٣/ ٥٣٩، "الإصابة" ٣/ ٥٤٩، "أسد الغابة" ٥/ ٤٥
(٤) في (ب): (ضعفوا).
وروى الزهري عن أبي إدريس (٢) قال: إذا تكلم الله جل ثناؤه وجدت السموات ومن فيهن رجفة، حتى إذا ذهب ذلك عنها نادى بعضهم بعضًا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق، فذلك قوله: ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ (٣).
وقال ابن عباس: إذا تكلم الله بالوحي، يسمع أهل السموات صوتا كصوت الحديد على الصفا، فيخرون سجدًا لذلك، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا... (٤) الآية. ونحو هذا قال ابن مسعود (٥).
وقال قتادة والكلبي: لما كانت الفترة التي بين عيسى ومحمد عليهما السلام وبعث الله محمدًا، أنزل الله جبريل بالوحي، فلما نزل، ظنت الملائكة أنه نزل بشيء من الساعة فصعقوا لذلك، فجعل جبريل يمر بكل سماء ويكشف عنهم الفزع يرفعوا رؤوسهم (٦)، وقال بعضهم لبعض: ماذا
(٢) هو: أبو إدريس عائذ الله بن عبد الله، ويقال فيه: عيذ الله بن إدريس بن عائذ الخولاني، تقدمت ترجمته.
(٣) لم أقف عليه عن أبي إدريس من طريق الزهري. وقد أورد الثعلبي في "تفسيره" ٣/ ٢١٩ أ، هذا الأثر من طريق الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عبد الله.
(٤) أورده السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٦٩٧، وعزاه لابن أبي حاتم عن ابن عباس.
(٥) الأثر المروي عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أخرجه بو داود في "سننه" كتاب: السنة، باب: في القرآن ٤/ ٢٣٥، رقم الحديث (٤٧٣٨)، و"الطبري" ٢٢/ ٩٠. وأورده السيوطي في "الدر" (٦/ ٦٩٩) وزاد نسبته لسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ في العظمة وابن مردويه والبيهقي.
(٦) هكذا جاء الكلام في النسخ! وفيه اضطراب، والصواب: فيرفعون رؤوسهم ويقول بعضهم لبعض. انظر: "تفسير القرطبي" ١٤/ ١٩٧.
ويبقى إشكال في النظم، وهو أن قوله: ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ كيف يليق بما تقدم من الكلام، وأين الخبر عن فزعهم حتى يذكر زوال الفزع؟ قال صاحب النظم: لا يكاد يكون حتى إلا متصلة بخبر قبلها، ولم يتقدم هاهنا في الظاهر شيء تكون هي معطوفة عليه فهي في الظاهر منقطعة مما قبلها ومبتدأة، وهي في الباطن متصلة بمعنى متقدم مضمر، ومعنى فزع عن قلوبهم قد جاء في التفسير أخرج منها الفزع، فهذا دليل على أنه يصيبهم فزع شديد من شيء يحدث عليهم من أقدار الله -عز وجل-، ولم يقل الله حتى إذا فزع عن قلوبهم إلا وهم يفزعون. هذا كلامه. وشرح هذا أن حتى هاهنا منقطع في اللفظ عما قبله، وقد ذكرنا جواز هذا عند قوله: ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ﴾ (٤)، وهو في المعنى متصل بمضمر دل عليه الظاهر، وذلك أن فزع معناه: أخرج الفزع، وإخراج الفزع يدل على حصوله وحدوثه، فكأنه قد ذكر فزعهم من الوحي أو من هول قيام الساعة على ما ذكر المفسرون حتى إذا أزيل ذلك الفزع قالوا: ماذا قال ربكم. ومعنى الآية: أن
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ٩٩ أ.
(٣) "معاني القرآن" ٢/ ٣٦١، "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٥٣.
(٤) سورة يونس: الآية ١١٠.
ومذهب مجاهد والحسن وابن زيد في هذه الآية: أن الكناية في قوله: ﴿عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ للمشركين، يقول: حتى إذا كشف الفزع عن قلوبهم في الآخرة إقامة الحجة عليهم، قالت الملائكة لهم: ﴿مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ﴾ في الدنيا ﴿قَالُوا الْحَقَّ﴾ فأقروا حين لا ينفعهم (١). وعلى هذا القول أيضًا وجه النظم ما ذكر.
وقوله: ﴿الْحَقَّ﴾ قال الزجاج وأبو علي: التقدير: قالوا: قال الحق (٢). ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾، قال مقاتل: يعني الرفيع الذي فوق خلقه، الكبير العظيم فلا شيء أعظم منه (٣).
٢٤ - قوله: ﴿قُلْ﴾ أي: لكفار مكة. ﴿مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ تقدم تفسيره في سورة يونس (٤). وهذا احتجاج عليهم بأن الله الذي يرزق هو المستحق للعبادة لا غيره مما لا يرزق، وأخبر عنهم في سورة يونس أنهم يعتقدون بأن الرزاق هو الله، وهو قوله: ﴿فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ﴾. وهاهنا أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن يقول: الرزاق هو الله، هو قوله: ﴿قُلِ اللَّهُ﴾ والمعنى: استفهم عن الرزاق، ثم أخبر أني أنا الرزاق، وذلك أنه إذا استفهم لم يمكنهم أن يثبتوا رازقًا غير الله، فثبت الحجة عليهم بقوله -صلى الله عليه وسلم-،
(٢) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٥٣
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ٩٩ أ.
(٤) آية ٣١.
روى عطاء عن ابن عباس في هذه الآية: الألف صلة للكلام يريد ألف أو (١). وشرح صاحب النظم هذا فقال: أو هاهنا بمنزلة واو النسق، وتأويلهما مبتدآن مجموعان لها جوابان مجموعان، فيرد إلى كل واحد منهما ما يقتضي، وهو أن يكون الهدى لقوله: ﴿وَإِنَّا﴾، والضلال لقوله: ﴿إِيَّاكُمْ﴾، قلنا في أشباهه مثل قوله: ﴿وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ [القصص: ٧٣] فابتغاء الفضل بالنهار والسكون بالليل، ومنه قول امرئ القيس:
كأن قلوب الطير رطبا ويابسًا لدي | [ذكراها] (٢) العناب والحشف البالي (٣) |
(٢) هكذا في النسخ! وهو خطأ، والصواب: وكرها.
(٣) البيت من الطويل، وهو لامرئ القيس في "ديوانه" ص ٣٨، "الكامل" ٢/ ٧٤٠، "شرح شواهد المغني" ١/ ٣٤٢، ٢/ ٥٩٥، ٨١٩.
يقول: كأن قلوب الطير رطبا: العناب، ويابسًا: الحثشف البالي. انظر: "شرح ديوان امرئ القيس" ١٦٦.
والمعنى في ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ﴾: إنا لضالون أو مهتدون، وهو تعالى يعلم أن رسوله المهتدي وأن غيره الضال، وأنت تقول في الكلام للرجل: والله إن أحدنا لكاذب، نكذبته كذبًا غير مكشوف، وهو في القرآن وكلام العرب كثير أن يوجه الكلام إلى أحسن مذاهبه إذا عرف، كقولك لمن قال فلان وهو كاذب في ذلك قل: إن شاء الله، أو قل: فيما أظن، فتكذبه بأحسن من صريح التكذيب) (٤). ونحو هذا قال الكسائي والأخفش والمبرد، قالوا: ليس معنى أو هاهنا الشك، وقد يتكلم بمثل هذا من لا يشك، كقول القائل: أنا اختار كذا ويختار ابن (٥) كذا وأحدنا مخطئ،
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ٩٩ ب.
(٣) في (ب): (قيله).
(٤) "معاني القرآن" ٢/ ٣٦٢.
(٥) هكذا في النسخ! ولعل الصواب: فلان.
يقول الأرذلون بني (١) قشير | طوال الدهر ما ننسى عليا |
بنو عم النبي وأقربوه | أحب الناس كلهم إليا |
فإن يك حبهم رشدًا أصبه | ولست بمخطئ إن كان غيا (٢) |
وقال أبو إسحاق: في التفسير وأنا على هدى وإنكم إلى ضلال، وهذا في اللغة غير جائز لكنه يؤول إلى هذا المعنى، والمعنى: إنا لعلى هدى أو في ضلال، وهذا كما يقول القائل: إذا كانت الحال تدل على أن أحدنا صادق أو كاذب ويؤول معنى الآية إلى: إنا لما أقمنا من البرهان لعلى هدى، وإنكم لفي ضلال مبين هذا كلامه (٤). وهو موافق لقول الفراء (٥). وتلخيص الآية: أن أو ظاهرة للشك وليس المعنى على ذلك، والمفسرون راعوا حقيقة المعنى، ولذلك جعلوا أو بمنزلة الواو.
٢٥ - قوله تعالى: ﴿قُلْ﴾ أي: لقومك. ﴿لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا﴾ قال ابن عباس: لا تؤاخذون بجرمنا، ولا نسأل عن كفركم وتكذيبكم، وهذا
(٢) الأبيات من الوافر، لأبي الأسود الدؤلي، وهي من ديوانه ص ١٧٦ - ١٧٧، وانظرها منسوبة إليه في: "مجاز القرآن" ٢/ ١٤٨، "الكامل" ٣/ ٩٣٦، "مجمع البيان" ٨/ ٦١٠، "روح المعاني" ٢٢/ ١٤٠.
(٣) "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٤٤٥، وذكر القول ونسبه للمبرد: "تفسير القرطبي" ١٤/ ٢٩٩، ولم أقف على قول الكسائي.
(٤) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٥٣.
(٥) "معاني القرآن" ٢/ ٣٦٢.
٢٦ - ﴿قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا﴾ يعني بعد البعث في الآخرة يوم القيامة. ﴿ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ﴾ ثم يقضى ويحكم بيننا بالعدل. ﴿وَهُوَ الْفَتَّاحُ﴾ القاضي. ﴿الْعَلِيمُ﴾ بما يقضى.
٢٧ - قوله: ﴿قُلْ﴾ للكفار ﴿أَرُونِيَ﴾ أعلموني. ﴿الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ﴾ أي: ألحقتموهم بالله في العبادة معه شركاء، وهو نصب على الحال، وفي الآية محذوف به يتم المعاني (٣) بتقدير: هل يرزقون ويخلقون وينفعون ويضرون، ثم قال: ﴿كَلَّا﴾ [قال أبو إسحاق: معنى كلا] (٤) قالوا لما قال لهم: ﴿أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ﴾ هم (٥) هذه الأصنام أو ما أشبه ذلك من الكلام، فرد الله عليهم بقوله: ﴿كَلَّا﴾.
(٢) وبهذا القول -وهو أن هذه الآية منسوخة بآية السيف- قال بعض العلماء، ومنهم: ابن القاسم البذوري في "قبضة البيان في ناسخ ومنسوخ القرآن" ص ٢٠، هبة الله بن سلامة المقري في "الناسخ والمنسوخ من كتاب الله -عز وجل-" ص ١٤٥، وابن البارزي في "ناسخ القرآن العزيز ومنسوخه" ص ٤٥. ومن العلماء من لا يرى النسخ في هذا الموضع، وإنما فيه بيان أن كل أحد مؤاخذ بعمله، فلا تظلم نفس شيئًا. وممن قال بعدم النسخ: مكي بن أبي طالب في "الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه" ص ٣٨٨، وابن الجوزي في "زاد المسير" ٦/ ٤٥٥. ولعل هذا هو الراجح؛ لإمكانية الجمع بين الآيتين دون الحاجة إلى القول بالنسخ، إذ لا تعارض بينهما.
(٣) هكذا في (ب)، وفي (أ): (المعالي)، وهو تصحيف، إذ الصواب: المعنى.
(٤) ما بين المعقوفين يظهر أنه زائد؛ لأن كلام أبي إسحاق ذكر بعد سطر.
(٥) (هم) ساقط في (ب).
٢٨ - قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ قال ابن عباس: يريد لجميع الخلق (٣). وقال مقاتل: يعني عامة (٤). وهو قول أبي عبيدة وابن قتيبة (٥). وعلى هذا يجب أن يكون التقدير: إلا للناس كافة، كقوله: ﴿ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾، وقوله: ﴿وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً﴾، فيكون المعنى: وما أرسلناك إلا للناس كلها عامة أحمرهم وأسودهم (٦). وذكرنا معنى الكافة (٧) فيما تقدم.
(٢) هكذا جاءت العبارهَ، والذي يظهر أنه خطأ، فقد جاءت العبارة في الوسيط: أي ليس الأمر على ما أنتم عليه من إلحاق الشركاء الوسيط ٣/ ٤٩٥.
(٣) انظر: "الماوردي" ٤/ ٤٥٠، وذكره المؤلف في "الوسيط" ٣/ ٤٩٥.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ٩٩ ب.
(٥) "مجاز القرآن" ٢/ ١٤٩، "تفسير غريب القرآن" ص ٣٥٧.
(٦) ويزيد هذا القول ويدل عليه الحديث الذي يرويه جابر بن عبد الله، أخرج مسلم في "صحيحه" ١/ ٣٧٠ كتاب المساجد ومواضع الصلاة، رقم الحديث (٥٢١)، قال جابر -رضي الله عنه-: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:" أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي، كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى كل أحمر وأسود" الحديث.
(٧) لعله عند قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾ [البقرة: ٢٠٨] قال: وقوله (كافة) يجوز أن يكون معناه: ادخلوا جميعًا، ويجوز أن يكون معناه: في السلم كافة، أي في جميع شرائعه.
والكافة على هذا معناه: الجامع الذي يمنع أن يشذوا (٢)، النبي -صلى الله عليه وسلم- جامع للناس كلهم في الإنذار والتبشير [جامع] (٣) مانع من أن يشذ واحد عن حكم رسالته.
والهاء في الكافة تكون للمبالغة، ويجوز أن يكون الكافة مصدرًا على فاعلة، كالخاينة والكاذبة واللاعنة، ويكون (٤) التقدير على حذف المضاف بمعنى: إلا ذا كافة للناس، أي: ذا منع لهم من أن يشذوا عن تبليغك. وهذا الوجه يقوي قول من ذهب في معنى الآية إلى أنه بعث ليكف الناس عما هم عليه من الكفر. ولا يحتاج في هذا القول إلى تقدير التقديم والتأخير، وقوله: ﴿أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ قال مقاتل: يعني كفار مكة (٥).
٢٩ - وقوله: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ﴾ يعنون بالوعد (٦) للعذاب الذي ينزل بهم بعد الموت في قول ابن عباس (٧). وإنما قالوا هذا؛ لأنهم كانوا ينكرون البعث. وقيل: يعنون العذاب النازل بهم في الدنيا. وهو قول
(٢) هكذا جاءت العبارة، ولعل المراد يمنع الناس أن يشذوا، كما تفسره العبارة التالية.
(٣) هذه الكلمة زيادة من (ب)، وليست مثبتة في (أ).
(٤) (يكون) ساقطة من (ب).
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ٩٩ ب
(٦) في (ب): (بالولد)، وهو تصحيف.
(٧) انظر: "تفسير ابن عباس" بهامش المصحف ص٤٣١، وذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" ٦/ ٤٥٦، ولم ينسب لابن عباس.
٣٠ - فقال الله: ﴿قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ﴾ الآية. قال ابن عباس: يريد يوم القيامة (٢).
وقال الضحاك: يوم النزع والسياق. وعلى قول الربيع هو يوم بدر؛ لأن ذلك اليوم كان ميعاد عذابهم في الدنيا (٣).
٣١ - قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ يعني: مشركي مكة. ﴿لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ قال ابن عباس والمفسرون: يعني التوراة والإنجيل (٤).
قال الفراء: لما قال أهل الكتاب صفة محمد -صلى الله عليه وسلم- في كتابنا، كفر أهل مكة بكتابهم (٥).
ثم أخبر الله عن حالهم في الآخرة بقوله: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ﴾ قال مقاتل: يعني: مشركي مكة (٦).
﴿مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ قال ابن عباس: يريد يوم القيامة.
﴿يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ﴾ قال: يجادل بعضهم بعضًا (٧).
(٢) انظر: "تفسير ابن عباس" بهامش المصحف ص ٤٣١، ولم أقف عليه منسوبًا لابن عباس عند أحد من المفسرين.
(٣) انظر: "الوسيط" ٣/ ٤٩٥، "زاد المسير" ٦/ ٤٥٦.
(٤) انظر: "تفسير ابن عباس" بهامش المصحف ص ٣٤١، وذكره "تفسير الطبري" ٢٢/ ٩٧ وعزاه لقتادة، و"تفسير الماوردي" ٤/ ٤٥١ وعزاه للسدي.
(٥) "معاني القرآن" ٢/ ٣٦٢.
(٦) انظر: "تفسير مقاتل" ٩٩ ب.
(٧) انظر: "تفسير ابن عباس" بهامش المصحف ص ٤٣١.
ثم أخبر عن جدالهم وما يجري بينهم فقال: ﴿يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا﴾ وهم الأتباع. ﴿لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا﴾ يعني: الذين تكبروا عن الإيمان، وهم الأشراف القادة. ﴿لَوْلَا أَنْتُمْ﴾ معشر الكبراء. ﴿لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ﴾ مصدقين بتوحيد الله.
٣٣ - وقوله: ﴿بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾، قال قتادة: بل مكركم بالليل والنهار (٢).
وقال الكلبي ومقاتل: بل قولكم لنا بالليل والنهار (٣).
قال الأخفش: الليل والنهار لا يمكران لأحد، ولكن يمكر فيهما، كقوله (٤): ﴿مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ﴾ [محمد: ١٣] وهذا من سعة العربية (٥).
وقال المبرد: (أي بل مكركم بالليل والنهار، كما تقول العرب: نهاره صائم وليله قائم، أي: هو قائم في ليله صائم في نهاره.
وقال جرير:
لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى | ونمت وما ليل المطي بنائم) (٦) (٧) |
(٢) انظر: "معاني القرآن" للنحاس ٥/ ٤١٩ "تفسير القرطبي" ١٤/ ٣٠٢.
(٣) انظر: "تفسير هود بن محكم" ٣/ ٤٠١، فقد نسب القول للكلبي، ولم أقف عليه منسوبًا لمقاتل وليس في تفسيره.
(٤) في (أ): (كقولك)، وهو تصحيف.
(٥) "معاني القرآن" ٢/ ٣٦٣.
(٦) البيت من الطويل، وهو لجرير في "ديوانه" ص ٩٩٣، "الكتاب" ١/ ١٦٥، "لسان العرب" ٢/ ٤٤٢ (ربح)، "خزانة الأدب" ١/ ٤٦٥، ٨/ ٢٠٢.
والشاهد فيه: وصف الليل بالنوم اتساعًا ومجازًا.
(٧) "الكامل" ١/ ١٨٨، ٣/ ١١٧٠.
قيام لي ويحل هي.. (١)
أي: نمت فيه، ونحو هذا قال الفراء (٢) والزجاج (٣). وذكر في مكر الليل والنهار قولان آخران، كلاهما غير سائغ في اللغة والتأويل فتركتهما، وذكرنا معنى قوله: ﴿وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ﴾ [يونس: ٥٤] (٤).
قوله: ﴿وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ قال ابن عباس: غلو بها في النيران والشركاء، وهم من الشياطين (٥).
وقوله: ﴿هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ استفهام معناه التوبيخ، والتقدير: إلا جزاء ما كانوا يعملون. قال مقاتل: من الشرك في الدنيا (٦).
٣٤ - وقوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ﴾ أي: نبي ينذر أهل تلك القرية ﴿إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا﴾ قال ابن عباس: الملوك وأهل الغنى (٧). وقال
والشاهد فيه قوله: فنام ليلي، يريد نمت في ليلي، فنسب الفعل إلى الليل للملابسة التي بين الشاعر وبيته.
(٢) "معاني القرآن" ٢/ ٣٦٣.
(٣) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٥٤.
(٤) آية ٥٤.
(٥) لم أقف عليه عن ابن عباس. وانظر: "القرطبي" ١٤/ ٣٥٥.
(٦) انظر: "تفسير مقاتل" ١٠٠ أ.
(٧) لم أقف عليه عن ابن عباس، وذكره أكثر المفسرين. انظر: "الطبري" ٢٢/ ٩٩، "معاني القرآن" للنحاس ٥/ ٤١٩، "الماوردي" ٤/ ٤٥٢.
٣٥ - قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا﴾ قال ابن عباس: يعني مشركي [مكة] (٤)، افتخروا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلى المؤمنين بأموالهم وأولادهم، وظنوا أن الله تعالى إنما خولهم بالمال والولد الكرامة لهم عنده فقالوا: ﴿وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ أي: أن الله قد أحسن إلينا بالمال والولد فلا يعذبنا، فقال ابن عباس (٥): أنكروا البعث والقيامة، فقال الله تعالى لنبيه:
٣٦ - ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾ يعني: أن بسط الرزق وتضييقه من الله تعالى يفعله ابتلاء وامتحانًا، وليس شيء منه يدل على ما في العواقب، فلا البسط يدل على رضا الله، ولا التضييق يدل على سخطه.
﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ يعني: أهل مكة. ﴿لَا يَعْلَمُونَ﴾ ذلك حيث ظنوا أن أموالهم وأولادهم دليل على كرامة لهم عند الله.
٣٧ - ثم صرح بهذا المعنى فقال: ﴿وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ﴾ قال الفراء: (جعل التي جامعة للأموال والأولاد؛ لأن الأولاد يقع عليها التي وكذلك الأموال، فصلح أن يقع عليهما جميعًا التي، ولو قيل بالتي أو بالذين جاز، كما تقول: أما العسكر والإبل فقد أقبلا، ولو قيل: بالذين،
(٢) هكذا في النسخ! ولعل الصواب: أولوا، كما في "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج.
(٣) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٥٥
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٥) لم أقف عليه. وانظر: "تفسير القرطبي" ١٤/ ٣٠٥، "تفسير الماوردي" ٤/ ٤٥٢.
نحن بما عندك وأنت بما | عندك راض والرأي مختلف (٢) (٣) |
قوله تعالى: ﴿تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى﴾ قال ابن عباس: يريد قربي (٦).
انظر: "الشعر والشعراء" ص ٤٤٠، "معجم الشعراء" ص ٤٠٨.
والبيت من المنسرح، وهو من الأبيات المختلف في نسبتها، فقد نسبها المؤلف -رحمه الله- للأسدي، ينما نسبه سيبويه في "الكتاب" ١/ ٧٥ لقيس بن الخطيم، وأورده ابن هشام في "مغني اللبيب" ٢/ ٦٢٢ غير منسوب لأحد، وكذا في "المذكر والمؤنث" لابن الأنباري ص ٦٧٧، وفي "المقتضب" ٣/ ١١٢، ٤/ ٧٣. وقال الاْستاذ: محمد عبد الخالق عظيمة محقق كتاب "المعتصب" ٤/ ٧٣: والبيت نسبه إلى قيس بن الخطيم سيبويه، وكذلك فعل الأعلم وصاحب "معاهد التصيص" ١/ ١٨٩. و"صحح البغدادي في الخزانة" ٢/ ١٨٩ نسبة الشعر إلى عمرو بن امرئ القيس. والقصيدة التي فيها هذا الشاهد في ديوان قيس بن الخطيم، طبع بغداد، ص ٨١. أهـ.
(٢) في (ب): (يختلف).
(٣) انظر: "معاني القرآن" ٢/ ٣٦٣.
(٤) في (ب): (ابن)، وهو تصحيف.
(٥) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٥٥
(٦) لم أقف عليه عن ابن عباس. وقد نسبه إلى مجاهد: "الطبري" ٢٢/ ١٠٠، "الماودي"، ٤/ ٤٥٣، الطبرسي في "مجمع البيان" ٨/ ٦١٥.
قال الأخفش: زلفى هاهنا اسم المصدر، كأنه أراد بالتي تقربكم عند تقربنا (٢).
وذكرنا معنى الإزلاف عند قوله: ﴿وَأَزْلَفْنَا﴾ (٣) ﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الشعراء: ٩٠]، وقوله ﴿إِلَّا مَنْ آمَنَ﴾ (٤) قال الفراء: إن شئت أوقعت التقريب على من، أي: لا تقرب الأموال إلا من كان مطيعًا (٥). ونحو هذا قال الزجاج، قال: موضع من نصب بالاستثناء على البدل من الكاف والميم، على معنى: ما تقرب الأموال إلا من آمن وعمل بها في طاعة (٦).
وعلى هذا يجب أن يكون الخطاب في قوله: ﴿وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ﴾ للمؤمنين والكافرين. والوجه أن يكون قوله: إلا من، استثناء منقطعًا، على تقدير: لكن من آمن وعمل صالحًا. وعلى هذا يدل تفسير ابن عباس، [فإنه] (٧) قال في قوله: إلا من آمن وعمل صالحًا [يريد] أن عمله
(٢) انظر: "معاني القرآن" ٢/ ٤٤٥، وعبارة الأخفش: بالتي تقربكم عندنا إزلافًا.
(٣) سورة الشعراء: الآية ٦٤. وموضعها بياض في (ب). وقال في هذا الموضع من "البسيط": وقال أبو عبيدة: أزلفنا جمعنا، قال: ومن ذلك سميت مزدلفة جمعا. ثم قال: والزلف الفازل والمراقي؛ لأنها تدني المسافر والراقي إلى حيث يقصده، ومنه قوله: ﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾.
(٤) موضع (إلا) بياض في (ب).
(٥) "معاني القرآن" ٢/ ٣٦٣.
(٦) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٥٥.
(٧) ما بين المعقوفين بياض في (ب).
وقوله تعالى: ﴿فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا﴾ قال ابن عباس: يريد يضعف الله لهم حسناتهم (٢).
وقال مقاتل: يجزي بالحسنة الواحدة عشرًا فصاعدًا (٣) وقال أبو إسحاق: (جزاء الضعف هاهنا عشر حسنات، تأويله: فأولئك لهم جزاء الضعف الذي قد أعلمناكم مقداره، وهو من قوله: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ [الأنعام: ١٦٠]) (٤).
وقال ابن قتيبة: لم يرد أنهم يجازون على الواحدة بواحدة مثله ولا [اثنين] (٥)، كيف هذا والله يقول: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ [الأنعام: ١٦٠] ولكنه أراد لهم جزاء الضعف، أي: التضعيف، وجزاء التضعيف الزيادة، أي: لهم جزاء الزيادة. قال: ويجوز أن يجعل الضعف في معنى الجميع (٦)، أي: جزاء الأضعاف، ونحوه ﴿عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ﴾ [ص: ٦١]) (٧). وقد مر تفسير الضعف عند قوله: ﴿عَذَابًا ضِعْفًا﴾ (٨)، وتأويل
(٢) لم أقف عليه.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ١٠٠/ أ.
(٤) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٥٥.
(٥) ما بين المعقوفين غير واضح في جميع النسخ، والتصحيح من تفسير غريب القرآن لابن قتيبة.
(٦) في (ب): (الجمع).
(٧) "تفسير غريب القرآن" ص ٣٥٧ - ٣٥٨.
(٨) سورة الأعراف: الآية ٣٨.
﴿وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ﴾ يعني: غرف الجنة آمنون من الموت. قاله مقاتل (٢).
وقال ابن عباس: يريد غرفا من ياقوت ودر وزبرجد آمنون من الموت والعذاب (٣).
(وقرأ حمزة: في الغرفة، على واحدة؛ لقوله: ﴿أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا﴾ [الفرقان: ٧٥]. فكما أن الغرفة، يراد بها الكثرة والجمع، كذلك قوله ﴿وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ﴾ يراد بها الكثرة واسم الجنس، وحجة الجمع قوله: ﴿لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ﴾ [الزمر: ٢٠]، وقوله: ﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا﴾ [العنكبوت: ٥٨]. وكما أن غرفا جمع كذلك الغرفات ينبغي أن تجمع، والجمع بالألف والتاء قد تكون للكثرة كقوله: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ﴾ [الأحزاب: ٣٥]، وقول آخر:
لنا الجفنات الغر (٤)
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ١٠٠ أ.
(٣) انظر: "القرطبي" ١٤/ ٣٠٦.
(٤) جزء من بيت، وتمامه:
لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى | وأسيافنا يقطرن من نجدة دما |
٣٩ - قوله: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾، وروى أبو عبد عن اليزيدي: أخلف الله لك (٢). وروى سلمة عن الفراء قال: سمعت: أخلف الله عليك، ويقال: أخلف الله لك، أي: أبدل الله لك ما ذهب (٣). ويقال: قد أخلف الشجر إخلافًا، وذلك إذا أخرج ورقًا بعد ورق قد تناثر، والآية مختصرة، لأن المعنى فهو يخلفه لكم أو عليكم. قال سعيد بن جبير: وما أنفقتم من شيء في غير الإسراف ولا تقتير فهو يخلفه (٤).
وقال الكلبي: ما تصدقتم وانفقتم في الخير والبر من نفقة فهو يخلفه، إما أن يعجله في الدنيا وإما أن يدخره له في الآخرة. وروى جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كل معروف صدقه وما أنفق المؤمن من نفقة فعلى الله خلفه ضامنًا إلا ما كان من نفقة في [بنيان] (٥) أو معصية" (٦). وقد
والغر: الأبيض، جمع غراء، يريد بياض الشحم، يقول: جفاننا معدة للضيفان ومساكين الحي بالغداة، وسيوفنا تقطر بالدم لنجدتنا وكثرة حروبنا.
والشاهد فيه: جمع جفنة على جفنات مع أنها للقلة مرادًا بها جمع الكثرة. "الكتاب" ٣/ ٥٧٨.
(١) إلى هنا انتهى النقل من الحجة من قوله: وقرأ حمزة. "الحجة" ٦/ ٢٢.
(٢) انظر: "تهذيب اللغة" ٧/ ٤٠٣ (خلف).
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" ٧/ ٣٩٦ مادة: (خلف).
(٤) انظر: "الطبري" ٢٢/ ١٠١، وأورده السيوطي في "الدر" ٦/ ٧٠٦ وزاد نسبته لابن أبي شيبة وعبد ابن حميد، وابن الجوزي في "زاد المسير" ٦/ ٤٦١.
(٥) انظر: "زاد المسير" ٦/ ٤٦١.
(٦) ما بين المعقوفين غير واضح في جميع النسخ، والتصحيح من الدر ومجمع البيان.
٤٠ - وقوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا﴾ قال ابن عباس: يريد المشركين (٢). وقال مقاتل: يعني الملائكة ومن عبدها (٣).
﴿يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ﴾ معنى هذا الاستفهام كالذي في قوله لعيسى: ﴿أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي﴾ (٤) الآية، وهو استفهام توبيخ للعابدين، فنزهت الملائكة ربها عن الشرك وتبرأوا منهم، وهو قوله:
٤١ - ﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ﴾ تنزيها لك ما أضافوه إليك من الشركاء والمعبودين.
﴿أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ﴾ قال ابن عباس: ما اتخذناهم عابدين ولا توليناهم، ولسنا نريد غيرك وليا (٥). ﴿بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ﴾ قال قتادة:
(٢) أورده السيوطي في "الدر" ٦/ ٧٠٦، وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٣) لم أقف عليه.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ١٠٠ أ.
(٥) انظر: "الوسيط" ٣/ ٤٩٧، وأورده ابن الجوزي في "زاد المسير" ٦/ ٤٦٣، ولم ينسبه لأحد.
٤٢ - ثم يقول الله تعالى: ﴿فَالْيَوْمَ﴾ يعني: الآخرة. ﴿لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ﴾ يعني: العابدين والمعبودين. ﴿وَلَا ضَرًّا﴾ أي: نفعا بالشفاعة، ولا ضرًا بالتعذيب، يريد أنهم عاجزين (٤) لا نفع عندهم ولا ضر، وإنما يملكهم الله تعالى. وقال مقاتل: لا تملك الملائكة ولا تقدر أن تدفع عند سوءًا إذا عبدوهم (٥). وعلى هذا يكون التقدير: ولا دفع ضر، فحذف المضاف. ثم أخبر عنهم أنهم يكذبون بمحمد والقرآن، ويسمون القرآن إفكًا وسحرًا، وهو قوله: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ﴾ إلى قوله: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾.
٤٤ - ثم أخبر أنهم لم يقولوا ذلك عن بينة، ولم يكذبوا محمدًا عن ثبت عندهم، وهو قوله: ﴿وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ﴾ قال قتادة: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ﴾ قال قتادة:] (٦) ما أنزل على العرب كتابًا قبل القرآن، ولا بعث إليهم نبيًا قبل محمد -صلى الله عليه وسلم- (٧).
ونحو هذا قال ابن عباس والكلبي (٨).
(٢) في (ب): (الشياطين).
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ١٠٠ أ.
(٤) هكذا في النسخ! وهو خطأ، والصواب: عاجزون.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ١٠ ب.
(٦) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٧) انظر: "الطبري" ٢٢/ ١٠٣، "زاد المسير" ٦/ ٤٦٣، "الوسيط" ٣/ ٤٩٨.
(٨) انظر: "تفسير ابن عباس" بهامش المصحف ص ٤٣٣.
وقال مقاتل: يقول ما أعطيناهم كتابًا بأن مع الله شريكًا، ولا أرسلنا إليهم رسولًا بذلك (٢).
٤٥ - ثم خوفهم وأخبر عن عاقبة من كان قبلهم من المكذبين فقال: ﴿وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ يعني: الأمم الكافرة.
﴿وَمَا بَلَغُوا﴾ يعني: أهل مكة في قوله الجميع. ﴿مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ﴾] (٣) المعشار والعشير والعشر جزء من العشرة. [قال المفضل] (٤): لم يرد في العدد مفعال إلا هذا، والمرباع الربع (٥) (٦)، وأنشد:
لك المرباع منها والصفايا (٧)
والمعشار والعشر في قول الجميع. قال ابن عباس: يقول: وما بلغوا قومك معشار ما آتينا (٨) من قبلهم، من القوة وكثرة المال وطول العمر
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ١٠٠ ب.
(٣) ما بين المعقوفين بياض في (ب).
(٤) ما بين المعقوفين بياض في (ب).
(٥) في (ب): (الرفع).
(٦) لم أقف على هذا القول عن المفضل، وقد ذكره ابن منظور في "اللسان" ٨/ ١٠١ (ربع) عن قطرب، وكذا الزبيدي في "تاج العروس" ٢١/ ٣١ (ربع).
(٧) صدر بيت، وعجزه:
وحكمك والنشيطة والفضول
وهو من الوافر، لعبد الله بن عنمة الضبي في: "الأصمعيات" ص ٣٧، "تهذيب اللغة" ٢/ ٣٦٩، ١١/ ٣١٤، ١٢/ ٤١، ٢٤٩، "لسان العرب" ١١/ ٥٢٦ (فضل)، ١٤/ ٤٦٢ (صفا)، "تاج العروس" ٢١/ ٢٠ (نشط).
(٨) في (أ): (آتيناهم).
وقال قتادة: ما بلغوا هؤلاء معشار ما أتوا (٢) أولئك من القوة والجلد، فأهلكهم الله وهم أقوى وأجلد (٣). وهو قوله تعالى: ﴿فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾ قال ابن عباس: يقول كيف رأيت ما صنعت بالمكذبين (٤).
وقال مقاتل: فكيف كان نكير يعني: تغييري أليس وجدوه حقًّا، يعني: العذاب، يحذر أهل مكة مثل عذاب الذين كانوا أشد منهم قوة (٥). والنكير اسم بمعنى الإنكار. قال أبو عبيدة: نكيري: عقوبتي (٦) [وعناي] (٧).
قال الزجاج: وحذفت الياء لأنه آخر آية (٨).
٤٦ - وقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ﴾ أي: آمركم وأوصيكم، أمر الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- قال الزجاج: [أمره] (٩) أن يقول لقومه: ﴿إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ﴾ (١٠)
(٢) هكذا في (أ)، وهي بياض في (ب)، والصواب: ما أوتي.
(٣) انظر: "المصادر السابقة، "معاني القرآن" للنحاس ٥/ ٤٢٢.
(٤) لم أقف عليه.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ١٠٠ أ.
(٦) "مجاز القرآن" ٢/ ١٥٠.
(٧) ما بين المعقوفين يظهر أنها زيادة من النساخ. إذ لا معنى لها.
(٨) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٥٦.
(٩) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(١٠) المصدر السابق.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: بطاعة الله (٣).
وقال مقاتل: بكلمة واحدة الإخلاص (٤).
وقال أبو إسحاق: والطاعة تتضمن التوحيد والإخلاص، أي: فأنا أعظكم بهذه الخصلة الواحدة (٥).
وقوله تعالى: ﴿أَنْ تَقُومُوا﴾ يصلح أن يكون محل (أن) خفضًا على البدل من واحدة، ويصلح أن يكون نصبًا، على تقدير: لأن تقوموا، فحذفت اللام، وهو قول الزجاج (٦). ويصلح أن يكون رفعا بتقدير: هي أن تقوموا لله مثنى وفرادى، تقوموا منفردين ومجتمعين ثم تتفكروا، أي: الواحدة التي أعظكم بها قيامكم وتشمركم لطلب الحق بالفكرة مجتمعين ومنفردين (٧). وتم الكلام عند قوله: ﴿ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا﴾ لتعلموا صحة ما أمرتكم به. قال مقاتل: يقول: ألا يتفكر الرجل منكم وحده ومع صاحبه، فينظر أن في خلق السموات والأرض دليلًا على أن خالقها واحد لا شريك له (٨).
(٢) "تفسير ابن عباس" بهامش المصحف ص ٤٣٣.
(٣) انظر: "تفسير مجاهد" ص ٥٢٨، "الطبري" ٢٢/ ١٠٤، "الماوردي" ٤/ ٤٥٥، "زاد المسير" ٦/ ٤٦٥.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ١٠٠ ب.
(٥) "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٥٦.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٥٧.
(٧) "إملاء ما من به الرحمن" ٢/ ١٩٨، "البحر المحيط" ٨/ ٥٦٠.
(٨) "تفسير مقاتل" ١٠٠/ ب.
وقال أبو إسحاق: المعنى: ثم تتفكروا فتعلموا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما هو بمجنون كما يقولون (٢) (٣). وعلى هذا الآية نظمها منفصل، ومعنى قوله. بواحدة، أي: بخصلة واحدة، وهو معنى قول الفراء: يكفيني أن يقوم الرجل منكم وحده أو هو وغيره.
وشرح ابن قتيبة الآية على هذا المعنى شرحًا شافيًا فقال: (تأويله أن المشركين قالوا: إن محمدًا مجنون وساحر وأشباه هذا، فقال الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: قل لهم: اعتبروا أمري بواحدة، وهي أن تنصحوا لأنفسكم ولا يميل بكم هوى عن الحق، فتقوموا لله وفي ذاته مقامًا يخلو فيه الرجل بصاحبه فيقول له: هلم فلنتصادق هل بهذا الرجل جنة قط أو جربنا عليه كذبًا؟ وهذا موضع قيامهم مثنى، ثم ينفرد كل واحد عن صاحبه فيتفكر وينظر ويعتبر (فهذا موضع فرادى، [فإن] (٤) في ذلك ما دلهم على أنه نذير، وكل من يخبر في أمر قد) (٥) اشتبه عليه [واستبهم] (٦) أخرجه من الحيرة فيه: أن
(٢) في (أ): (يقولون)، وهو تصحيف.
(٣) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٥٧.
(٤) ما بين المعقوفين بياض في (ب).
(٥) ما بين القوسين مكرر في (أ).
(٦) ما بين المعقوفين بياض في (ب).
والقراء أيضًا مختلفون في الوقف على قوله: ﴿وَاحِدَةٍ﴾، وكان نافع يرى الوقف عندها، وغيره لا يرى ذلك. وكذلك قوله ثم تتفكروا، كان أبو حاتم يقول: هو تمام، وهو على المذهب (٥) الأول في تفسير الآية (٦).
قوله: ﴿بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾ قال ابن عباس: يريد بين يدي القيامة (٧). وقال مقاتل: بين يدي عذاب شديد في الآخرة (٨).
٤٧ - وقوله: ﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ﴾، قال أبو إسحاق: (معناه ما سألتكم من أجر على الرسالة التي أؤديها إليكم ﴿فَهُوَ لَكُمْ﴾ وتأويله أي: لست أجر إلى نفسي عرضًا من أعراض الدنيا ﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ﴾ أي: أني إنما أطلب ثواب الله بتأدية الرسالة) (٩).
(٢) ما بين المعقوفين بياض في (ب).
(٣) ما بين المعقوفين بياض في (ب).
(٤) آية ١٨٤.
(٥) في (أ): (مذهب)، وهو تصحيف.
(٦) انظر: "القطع والإئتناف" ص ٣٤٥، "منار الهدى في الوقف والابتداء" ص ٢٢٧.
(٧) انظر: "تفسير ابن عباس" بهامش المصحف ص ٤٣٣.
(٨) انظر: "تفسير مقاتل" ١٠٠ ب.
(٩) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٥٧.
وذكر الكلبي ومقاتل ما دل على أنه كان قد سألهم شيئاً ثم تركه لهم كما يقتضي ظاهر اللفظ، وهو أنهما قالا: إنه سألهم أن لا يؤذوا قرابته فانتهوا عن ذلك، ثم سمعوه يعيب آلهتهم فقالوا: نهانا أن لا نؤذي (٢) قرابته ففعلنا، وهو يذكر آلهتنا ويعيبها، فأكثروا في ذلك فنزل (٣) ﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ﴾ أي: إن شئتم فآذوهم وإن شئتم فلا توْذوهم. وعلى هذا الأجر الذي سألهم هو الكف عن أقاربه، ثم تركه لهم؛ لقوله: ﴿فَهُوَ لَكُمْ﴾. والقول الأول أصح؛ لأنه وإن سألهم الكف عن أقاربه، فليس ذلك بأجر على تبليغ الرسالة.
وقوله تعالى: ﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ قال ابن عباس: يريد لم يغب عنه شيء (٤). وقال مقاتل: شهيد باني نذير وما بي جنون (٥).
٤٨ - وقوله تعالى ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ قال الليث: القذف: الرمي بالسهم (٦) والحصى والكلام وكل شيء، حتى يقال: قذفت
(٢) في (أ): (يؤدي)، وهو تصحيف.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ١٠٠ ب، ولم أقف عليه عن الكلبي، وقد ذكره السمرقندي في "بحر العلوم" ٣/ ٧٧، والطبرسي في "مجمع البيان" ٨/ ٦٢٠ بدون نسبة.
(٤) انظر: "الوسيط" ٣/ ٤٩٩.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ١٠١ أ.
(٦) في (أ): (بألسنتهم).
مقذوفة بدخص النحض بازلها (٢)
ومن القذف الذي هو الرمي بالكلام قوله تعالى: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ﴾ (٣) وقد مر. قال ابن عباس: يقذف بالحق يريد: يدفع الباطل بالحق (٤). وعلى هذا التقدير: يقذف الباطل بالحق. وقال مقاتل: نتكلم بالوحي (٥).
وقال الكلبي: يرمي (٦) بالحق ننزل الوحي من السماء (٧). وهو اختيار
(٢) صدر بيت، هكذا أثبت في النسخ، وهو تصحيف، والبيت هو:
مقذوفة بدخيس النحض بأزلها | له حريف صريف القعو بالمسد |
ومعنى البيت: يصف ناقة بالقوة والنشاط، فيقول: كأنما قذفت باللحم لتراكمه عليها، والنحض هو اللحم، ودخيسة ما تداخل منه وتراكب، والبازل: السن تخرج عند بزول الناقة وذلك في التاسع من عمرها، والصريف: صوت أنيابها إذا حكت بعضها ببعض نشاطا، والقعو: ما تدور عليه البكرة إذا كان من خشب. "الكتاب" ١/ ٣٥٥.
(٣) سورة الأنبياء: الآية ١٨.
(٤) انظر: القرطبي ١٤/ ٣١٢.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ١٠١ أ.
(٦) في (ب): (نرمي)، وهو تصحيف.
(٧) انظر: "الوسيط" ٣/ ٤٩٩، وبعض المفسرين ذكروا هذا القول عن قتادة. انظر: "تفسير الماوردي" ٤/ ٤٥٧، "مجمع البيان" ٨/ ٦٢٠، "القرطبي" ١٤/ ٣١٢.
وقوله: ﴿عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾، قال الفراء: (الوجه الرفع؛ لأن النعت إذا جاء بعد الخبر رفعته العرب في أن يقول (٢): إن أخاك قائم الظريف، ومثله قوله: ﴿إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ﴾ [ص: ٦٤]) (٣). وقال أبو إسحاق: (ورفعه على وجهين: أحدهما: أن يكون صفة على موضع: إن ربي يقذف هو بالحق علام الغيوب) (٤). قال ابن عباس: علم ما غاب عن خلقه في السموات والأرض (٥).
٤٩ - وقوله: ﴿قُلْ جَاءَ الْحَقُّ﴾ قال ابن عباس: يريد الدين والإيمان (٦). وقال مقاتل: يعني الإسلام (٧). وقيل: القرآن (٨).
وقال أبو إسحاق: جاء أمر الله الذي هو الحق (٩). ﴿وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ﴾ أي: ذهب ذهابًا كليًا وزهق فلم يبق له بقية، ويقال: لكل ذاهب ما يبدي وما يعيد، ومنه قول عبيد:
(٢) هكذا في النسخ! ولعل الصواب: كما هو عند الفراء: يقولون.
(٣) "معاني القرآن" ٢/ ٣٦٤.
(٤) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٥٧.
(٥) انظر: "تفسير ابن عباس" بهامش المصحف ص ٤٣٣.
(٦) لم أقف عليه.
(٧) انظر: "تفسير مقاتل" ١٠١ أ.
(٨) ونسب هذا القول لقتادة. انظر: "تفسير الطبري" ٢٢/ ١٠٦، "تفسير الماوردي" ٤/ ٤٥٧.
(٩) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٥٨.
وهذا معنى قول ابن عباس: يريد إقبال الباطل وإدباره (٢).
وقال قتادة: الباطل: السلطان (٣)، ما يبدئ (٤) وما يعيد، أي (٥): ما خلق ابتداء ويبعث (٦). وهو قول مقاتل والكلبي (٧).
وقال الحسن: الباطل كل معبود من دون الله، بقول ما يبدي لأهله خيرًا في الدنيا وما يعيده في الآخرة (٨).
٥٠ - وقوله: ﴿قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ﴾ قال مقاتل: إن كفار قريش قالوا للنبي -صلى الله عليه وسلم-: لقد ضللت حين تركت دين آبائك، فقال الله: ﴿قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ﴾ كما تزعمون فإنما أضل على نفسي، أي: إثم ضلالتي على نفسي (٩). ﴿وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي﴾ من الحكمة والبيان. ﴿إِنَّهُ سَمِيعٌ﴾ الدعاء ﴿قَرِيبٌ﴾ مني. قاله ابن عباس (١٠).
أقفر من أهله عبيد
وهو من البسيط لعبيد بن الأبرص في "ديوانه" ص ٤٥ "الشعر والشعراء" ص ١٤٤، "شعراء النصرانية" ٤/ ٦٠١، "اللسان" ٥/ ١١٠، كتاب "العين" ٥/ ١٥١.
(٢) لم أقف عليه.
(٣) هكذا في النسخ! وهو تصحيف، والصواب: الشيطان.
(٤) (يبدي) مكررة في (ب).
(٥) (أي) ساقطة من (ب).
(٦) انظر: "الوسيط" (٣/ ٤٩٩)، "القرطبي" ١٤/ ٣١٣، "معاني القرآن" للنحاس ٥/ ٤٢٥.
(٧) انظر "تفسير مقاتل" ١٠١/ أ، "الوسيط" ٣/ ٤٩٩.
(٨) انظر: "تفسير الثعلبي" ٣/ ٢٢٢ ب
(٩) انظر: "تفسير مقاتل" ١٠١ أ.
(١٠) لم أقف عليه عن ابن عباس. انظر: "القرطبي" ١٤/ ٣١٤.
﴿فَلَا فَوْتَ﴾ يقول: لا يفوتني أحد ولا ينجو مني ظالم. ومذهب أكثر أهل التفسير أن هذا الفزع لهم عند البعث، وهو اختيار أبي إسحاق قال: هذا في وقت بعثهم (٢). وهو قوله: ﴿وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ﴾ يعني: القبور. وذهب آخرون إلى أن هذا الفزع لهم في القيامة. وهو مذهب الحسن وابن معقل (٣) وبلال بن سعد (٤)، قال بلال: إن الناس يوم القيامة حوله، وهو قوله: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ﴾ قال ابن معقل (٥): أفزعهم يوم القيامة فلم يفرقوا.
(٢) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٥٨.
(٣) انظر: قول ابن معقل والحسن في كل من: "الطبري" ٢٢/ ١٠٨، "الدر المنثور" ٦/ ٧١٢. وذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" ٦/ ٤٦٧، ونسبه للأكثرين.
(٤) هو: أبو عمرو، وقيل: أبو زرعة بلال بن سعد بن تميم الأشعري، وقيل: الكندي الدمشقي، شيخ أهل دمشق في زمانه، تابعي جليل، وكانت لأبيه سعد صحبة، روى عن أبيه سعد وعن جابر بن عبد الله وأبي الدرداء وغيرهم. وروى عنه خلق كثير، وكان واعظًا بليغًا عابدًا مجتهدًا، توفي رحمه الله سنة نيف وعشرة ومائة. انظر: "تهذيب تاريخ دمشق" ٣/ ٣١٨، "تهذيب الكمال" ٤/ ٢٩٠، "سير أعلام النبلاء" ٩٠/ ٥.
(٥) هو: أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن محمد بن محفوظ بن معقل النيسابوري، شيخ محتشم، وكان أحد المجتهدين في العبادة، سمع أبا بكر بن خزيمة وأبا العباس بن السراج، وروى عنه الحاكم، توفي رحمه الله في ربيع الأول سنة ٣٨١ هـ.
انظر: "تهذيب تاريخ دمشق" ٣/ ٣١٨، "تهذيب الكمال" ٤/ ٢٩٠، "سير أعلام النبلاء" ٥/ ٩٠.
وقال آخرون: من حيث كانوا؛ لأنهم حيث كانوا فهم من الله قريب، لا يبعدون عنه ولا يفوتونه (٢).
وقال أبو إسحاق: وجواب لو محذوف، المعنى: لو ترى ذلك لرأيت ما تعتبر به عبرة عظيمة (٣).
وقال صاحب النظم: قوله: ﴿فَلَا فَوْتَ﴾ منظوم بما بعده، وهو قوله: ﴿وَأُخِذُوا﴾ والتقدير: ولو ترى إذ فزعوا وأخذوا من مكان قريب فلا فوت، أي: فلا يفوتون.
وقال الزجاج: أي فلا فوت لهم، لا يمكنهم أن يفوتوا (٤).
٥٢ - وقوله: ﴿وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ﴾ قال مقاتل: بالقرآن (٥). وقال غيره: بمحمد -صلى الله عليه وسلم- (٦).
﴿وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ﴾ قال أبو إسحاق: (التناوش: التناول، أي: وكيف لهم أن يتناولوا ما كان مبذولًا لهم، وهو الإيمان والتوبة، وكان قريبًا
(٢) انظر: "تفسير الطبري" ٢٢/ ١٠٩، "تفسير الماوردي" ٤/ ٤٥٨، "معاني القرآن" للنحاس ٥/ ٤٢٦.
(٣) لم أقف على قول الزجاج، وليس هو في "معاني القرآن" له.
(٤) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٥٨
(٥) لم أقف عليه عن مقاتل، وليس في "تفسيره".
(٦) وبه قال قتادة. انظر: "تفسير القرطبي" ١٤/ ٣١٥، "زاد المسير" ٦/ ٤٦٩.
وقال الفراء: (هما متقاربان، مثل: ذمت الرجل وذأمته، إذا عبته) (٢). وقال أبو علي: المعنى كيف (٣) يتناولونه من بعد، وهم لم يتناولونه من قرب في حين الاختيار والانتفاع بالإيمان، والتناوش: التناول من: نشت تنوش، قال:
تنوش البرير حين نال اهتصارها (٤)
وقال: وهي تنوش الحوض نوشًا من علا فمن علا (٥).
(٢) "معاني القرآن" ٢/ ٣٦٥.
(٣) في (ب): (وكيف).
(٤) عجز بيت هكذا جاء في النسخ، وهو تصحيف، والبيت هو:
فما أم خسف بالعلاية شادن | تنوش البرير حيث طاب اهتصارها |
ومعنى البيت: العلاية: موضع، وفارد: تروى شادن ومشدن، والمعنى توي وتحرك، وتنوش: أي تتنا ول، والبرير: ثمر الأراك، واهتصارها: جذبها غصن الأراك وكسرها إياه. "شرح أشعار الهذليين" ١/ ٧١.
(٥) صدر بيت من الرجز لغيلان بن حريث، وعجزه:
نوشأ به تقطع أجواز الفلا
وصدره جاء في جميع النسخ كما أثبته، والصحيح: وهي تنوش الحوض نوشًا من علا.
انظره منسوبًا إليه في: "مجاز القرآن" ٢/ ١٥٠، "اللسان" ٦/ ٣٦٢، "تاج العروس" =
أقحمني جار أبي الخاموش | إليك نأش القدر النئوش |
قال ابن عباس: يريد تناول التوبة يومئذ لا يقبل (٣).
وقال قتادة: أني لهم أن يتناولوا التوبة (٤).
روي عن ابن عباس في تفسير هذه الآية أنه قال: يسألون الرد وليس بحين رد (٥). وهذا معنى وليس بتفسير.
ومعنى البيت: يصف إبلًا وردت حوضًا وتناولت ما فيه تناولًا من فوق، والأجواز: جمع جوز، وهو الوسيط.
(١) هكذا في النسخ! وهو خطأ، والصواب: الطلب، كما في "الحجة" ٦/ ٢٤.
(٢) "مجاز القرآن" ٢/ ١٥١.
(٣) لم أقف عليه
(٤) انظر: "معاني القرآن" للنحاس ٥/ ٤٢٨، وأورده السيوطي في "الدر" ٦/ ٧١٥، وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد.
(٥) انظر: "الطبري" ٢٢/ ١١٠، وأخرجه الحاكم في "المستدرك" ٢/ ٤٢٤، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وأورده السيوطي في "الدر" ٦/ ٧١٥، وزاد نسبته للفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
وقال مقاتل: ﴿وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ﴾ أي: ويتكلمون بالإيمان وقد غاب عنهم الإيمان عند نزول العذاب، فلم يقدروا عليه (٣)، وهو قوله: ﴿مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾. وعلى هذا، ويقذفون مستأنف؛ لأنه خبر عنهم أنهم آمنوا حين لا ينفعهم الإيمان بعد أن كفروا في الدنيا.
وشرح ابن قتيبة هذه الآيات فقال: (يقول: ولو ترى يا محمد فزعهم حين لا فوت ولا مهرب لهم ولا ملجأ يفوتون به ويلجأون إليه، وهذا نحو قوله: ﴿فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾ أي: نادوا حين لات مهرب. ﴿وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ﴾: يعني: القبور.
٥٢ - ﴿وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ﴾ أي: بمحمد. ﴿وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ﴾ أي: التناول، أي: كيف لهم بنيل ما طلبوا من الإيمان في هذا الوقت الذي يقال فيه كافر ولا يقبل فيه توبة.
وقوله: ﴿مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ زيد بعد ما بين مكانهم يوم القيامة، وبين
(٢) انظر: "تفسير مجاهد" ص ٥٢٩، "الماوردي" ٤/ ٤٥٩، "معاني القرآن" للنحاس ٥/ ٤٢٩
(٣) في تفسير مقاتل سقطت هذه الآية من الأصل، وعلقت بالهامش، ولكنها غير واضحة، ولم أقف عليه.
وقال مقاتل: من أين لهم التوبة حين لا توبة [وقال مقاتل: من أين لهم التوبة] (٣) عند نزول العذاب (٤). ﴿مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ من الدنيا، وهذا كله معنى. وتفسير التناوش ما ذكره أصحاب المعاني.
٥٣ - وقوله: ﴿وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ﴾ واو الحال، أي: كيف يبلغون إلى التوبة وقد كانوا كافرين بمحمد والقرآن في الدنيا قبل نزول العذاب وقبل ما عاينوا من الأهوال.
وقوله: ﴿وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ قال مجاهد: يرمون محمدً بالظن [لا باليقين] (٥)، وهو قولهم: إنه ساحر وكاهن وشاعر (٦). واختار الفراء هذا القول فقال: يقولون ليس بنبي، وقد باعدهم الله أن يعلموا ذلك؛ لأنه لا علم لهم إنما يقولون بالظن (٧). فعلى هذا الغيب الظن، وهو ما غاب علمه عنهم، والمكان البعيد: بعدهم عن علم ما يقولون.
(٢) لم أقف عليه
(٣) ما بين المعقوفين زيادة في (أ)، وليس هو في (ب).
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ١٠١ ب.
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (ب)
(٦) انظر: "تفسير مجاهد" ٥٢٩، وانظر: "الطبري" ٢٢/ ١١٢.
(٧) انظر: "معاني القرآن" ٢/ ٣٦٥.
٥٣ - ﴿وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ﴾ أي: بمحمد، يقول: كيف ينفعهم الإيمان (١) وقد كفروا به في الدنيا. ﴿وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ﴾ أي: بالظن أن التوبة تنفعهم ﴿مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ أي: بعيد من موضع يقبل فيه التوبة. ﴿وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ﴾ الأمم الخالية) (٢).
وهذا الذي ذكره ابن قتيبة في قوله: ﴿وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ﴾ غير ما قدمناه، قال: (وكان بعض المفسرين يحمل الفزع عند نزول بأس الله من الموت أو غيره، وتعبيره بقوله: ﴿فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ﴾ [غافر: ٨٤] إلى آخر السورة) (٣). وهذا مذهب مقاتل، قال: هذا عند نزول العذاب بهم في الدنيا (٤).
وقال الضحاك وزيد بن أسلم: هذا الفزع وما ذكر كله هو يوم بدر، إذ نزل بهم العذاب وشدة الموت قالوا: آمنا به، ولم ينفعهم ذلك (٥).
٥٤ - وقوله: ﴿وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ﴾ قال ابن عباس: يعني الرجعة إلى الدنيا (٦).
وقال الحسن: يعني الإيمان. وهو قول سفيان (٧).
(٢) "تأويل مشكل القرآن" ص ٣٣٠ - ٣٣١.
(٣) "تأويل مشكل القرآن" ص ٣٣١.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ١٠١/ ب
(٥) انظر: "تفسير الطبري" ٢٢/ ١٠٧، "القرطبي" ١٤/ ٣١٤، "زاد المسير" ٦/ ٤٦٧.
(٦) انظر: "تفسير ابن عباس" بهامش المصحف ص ٤٣٤، "الوسيط" ٣/ ٤٩٩، "زاد المسير" ٦/ ٤٧٠.
(٧) انظر: "تفسير الطبري" ٢٢/ ١١٢، "تفسير الماوردي" ٤/ ٤٦٠، "معاني القرآن" للنحاس ٥/ ٤٣١.
وقال مقاتل: يعني من أن تقبل التوبة منهم (٢).
وقوله: ﴿كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ﴾، قال ابن عباس: بنظرائهم (٣). قال مجاهد: الكفار من قبلهم (٤).
وقال الزجاج: أي بمن كان مذهبه مذهبهم (٥)
قال أبو عبيدة: شيعة وشيع وأشياع (٦). وهذا مما تقدم القول فيه (٧). وقوله: ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ قال مقاتل: من قبل هؤلاء (٨).
﴿إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ﴾ قال: من العذاب أنه نازل بهم.
قال الكلبي: في شك مما نزل بهم (٩). والكناية في ﴿إِنَّهُمْ﴾ تعود إلى الكفار الذين أخبر عنهم في قوله: ﴿وَحِيلَ بَيْنَهُمْ﴾ لا إلى الأشياع. ﴿مُرِيبٍ﴾ موقع لهم الريبة والتهمة.
(٢) ليس هو في تفسيره، ولم أقف على هذا القول منسوبًا إليه.
(٣) لم أقف عليه عن ابن عباس، وقد ذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" ٦/ ٤٧١ نحو هذا القول عن الزجاج.
(٤) انظر: "تفسير مجاهد" ص ٥٢٩.
(٥) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٥٩.
(٦) "مجاز القرآن" ٢/ ١٥١.
(٧) عند تفسير قوله: ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا﴾ [الأنعام: الآية ٦٥].
(٨) ليس في تفسيره، ولم أقف على هذا القول منسوبًا له، وأورده ابن الجوزي في "زاد المسير" ٦/ ٤٧١، ونسبه للمفسرين.
(٩) لم أقف عليه عد الكلبي. وانظر: "تفسير هود" ٣/ ٤٠٧ "زاد المسير" ٦/ ٤٧١.