تفسير سورة سبأ

تفسير ابن أبي زمنين
تفسير سورة سورة سبأ من كتاب تفسير القرآن العزيز المعروف بـتفسير ابن أبي زمنين .
لمؤلفه ابن أبي زَمَنِين . المتوفي سنة 399 هـ
وهي مكية كلها.

قَوْله: ﴿الْحَمد لله﴾، حَمَدَ نَفْسَهُ وَهُوَ أَهْلُ الْحَمْدِ ﴿الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَة وَهُوَ الْحَكِيم﴾ فِي أَمْرِهِ أَحْكَمَ كُلَّ شيءٍ ﴿الْخَبِير﴾ بخلقه
﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ﴾ مِنَ الْمَطَرِ ﴿وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا﴾ مِنَ النَّبَاتِ ﴿وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاء﴾ مِنَ الْمَطَرِ وَغَيْرِ ذَلكَ ﴿وَمَا يعرج فِيهَا﴾ أَيْ: يَصْعَدُ يَعْنِي: مَا تَصْعَدُ بِهِ الْمَلائِكَةُ ﴿وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ﴾ لمن آمن.
قَالَ محمدٌ: يُقَال: عَرَج يعرُجُ إِذا صَعِدَ، وعرِجَ - بالكسْر - يعرَجُ إِذا صَار أعْرجَ.
﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَة﴾ الْقِيَامَة ﴿قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالم الْغَيْب﴾ من قَرَأَهَا بِالرَّفْع رَجَعَ إِلَى قَوْله: ﴿وَهُوَ الرَّحِيم الغفور﴾ عالِمُ الْغَيْب، وَمن قَرَأَهَا بِالْجَرِّ: (عالمِ الغيبِ) يَقُولُ: بلَى وربي عالمِ الغيْب، وفيهَا تقديمٌ، والغيبُ فِي تَفْسِير الْحَسَن فِي هَذَا الْموضع: مَا لم يكن ﴿لَا يعزب عَنهُ﴾ أَي: لَا يغيب ﴿مِثْقَالُ ذَرَّةٍ﴾ أَي: وزن ذرة يَقُولُ: ليعلم ابْن آدم أَن عمله الَّذِي عَلَيْهِ الثَّوَاب وَالْعِقَاب لَا يغيبُ عَن اللَّه مِنْهُ مِثْقَال ذرةٍ
﴿أُولَئِكَ لَهُم مغْفرَة﴾ لذنوبهم ﴿ورزق كريم﴾ يَعْنِي: الْجنَّة
﴿وَالَّذين سعوا﴾ عمِلُوا ﴿فِي آيَاتنَا معاجزين﴾ تَفْسِير الْحَسَن: مسابقين؛ أيْ: يظنون أَنهم يسْبقوننا حَتَّى لَا نقدر عَلَيْهِم فنبعثهم ونعذبهم.
قَالَ محمدٌ: يُقَال: مَا أَنْت بمعاجزي؛ أَي: بمُسابقي، وَمَا أَنْت بمعجزي؛ أَي: بسابقي.
﴿أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رجز﴾ وَالرجز: الْعَذَاب؛ أَي: لَهُم عذابٌ من عَذَاب ﴿أَلِيم﴾ موجع.
سُورَة سبأ الْآيَات من الْآيَة ٦ حَتَّى الْآيَة ٩.
﴿وَيرى الَّذين أُوتُوا الْعلم﴾ يَعْنِي: الْمُؤمنِينَ ﴿الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ من رَبك هُوَ الْحق﴾ أَي: يعلمُونَ أَنَّهُ هُوَ الْحق ﴿وَيهْدِي﴾ أَي: ويعلمون أَن الْقُرْآن يهدي ﴿إِلَى صِرَاط﴾ إِلَى طَرِيق ﴿الْعَزِيز الحميد﴾ المستحمد إِلَى خلقه.
﴿وَقَالَ الَّذين كفرُوا﴾ قَالَه بَعضهم لبعضٍ ﴿هَلْ نَدُلُّكُمْ﴾ أَلا ندلكم ﴿على رجل﴾ يعنون: مُحَمَّدًا ﴿ينبئكم﴾ يُخْبِركُمْ ﴿إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُم لفي خلق جَدِيد﴾ أَي: إِذا متم وتفرّقت عظامُكم وَكَانَت رُفاتًا أَنكُمْ لمبعوثون خلقا جَدِيدا - إِنْكَار للبعث؟
قَالَ اللَّه: ﴿بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة فِي الْعَذَاب﴾ فِي الْآخِرَة ﴿والضلال﴾ فِي (الدّين) ﴿الْبعيد﴾ من الْهدى
﴿أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْديهم﴾ يَعْنِي: أمامهم ﴿وَمَا خَلفهم﴾ يَعْنِي: وَرَاءَهُمْ ﴿مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاء﴾ الكسف: الْقطعَة.
سُورَة سبأ الْآيَات من الْآيَة ١٠ حَتَّى الْآيَة ١١.
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلا﴾ يَعْنِي: النُّبُوَّة ﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي﴾ قُلْنَا: يَا جبال أوبي مَعَه؛ أَي: سبحي.
7
قَالَ محمدٌ: ذكر ابْن قُتَيْبَة أَن أصل الْكَلِمَة من التأويب فِي السَّفر. قَالَ: وَهُوَ أَن [يسير] النَّهَار كُله وَينزل لَيْلًا كَأَن الْمَعْنى: أَوِّبي النَّهَار كُله بالتسبيح.
وَذكر الزّجاج: أَن أصل الْكَلِمَة من آبَ يئوب؛ إِذا رَجَعَ، كَأَنَّهُ أَرَادَ: سبحي مَعَه ورَجِّعي التَّسْبِيح؛ فاللَّه أعلم مَا أَرَادَ.
﴿وَالطير﴾ هُوَ كَقَوْلِه: ﴿وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجبَال يسبحْنَ وَالطير﴾ أَي: وسخرنا لَهُ الطير ﴿وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيد﴾ ألانه اللَّه لَهُ؛ فَكَانَ يعمله بِلَا نارٍ وَلَا مطرقة بأصابعه الثَّلَاثَة
8
﴿أَن اعْمَلْ سابغات﴾ وَهِي الدروع ﴿وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾ تَفْسِير مُجَاهِد: لَا تصغر المسمار وتعظم الْحلقَة؛ فيسلس، وَلَا تعظم المسمار وتصغر الْحلقَة فتنفصم الْحلقَة.
قَالَ محمدٌ: السابغ: الَّذِي يُغطي كل مَا تَحْتَهُ حَتَّى [يفضل وَذكر] (ل ٢٧٦) لِأَنَّهَا تدل عَلَى الْمَوْصُوف وَمعنى السّرد: النّسْجُ، وَيُقَال للحرز أَيْضا: سرْدٌ، وَيُقَال لصانع الدِّرع: سرّاد وزرَّادٌ؛ تبدل من السِّين: الزَّاي.
8
سُورَة سبأ الْآيَات من الْآيَة ١٢ حَتَّى الْآيَة ١٤.
9
﴿ولسليمان الرّيح﴾ أَي: وسخرنا لِسُلَيْمَان الرّيح ﴿غُدُوُّهَا شهر ورواحها شهر﴾ قَالَ الْحَسَن: وَكَانَ سُلَيْمَان إِذا أَرَادَ أَن يركب جَاءَت الرّيح فَوضع سَرِير مَمْلَكَته عَلَيْهَا وَوضع الكراسي والمجالس عَلَى الرّيح، وَجلسَ وُجُوه أَصْحَابه عَلَى مَنَازِلهمْ فِي الدِّين من الْجِنّ وَالْإِنْس يومئذٍ، وَالْجِنّ يَوْمئِذٍ ظَاهِرَة للإنس يَحُجُّون جَمِيعًا وَيصلونَ جَمِيعًا، وَالطير ترفرف عَلَى رَأسه ورءوسهم، وَالشَّيَاطِين حَرسُه لَا يتركون أحدا يتقدَّم بَين يَدَيْهِ ﴿وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ﴾ يَعْنِي: الصُّفر؛ فِي تَفْسِير مُجَاهِد سَالَتْ لَهُ مثل المَاء ﴿وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذن ربه﴾ يَعْنِي: السُّخرة الَّتِي سخّرها اللَّه لَهُ ﴿وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أمرنَا﴾ يَعْنِي: عَن طَاعَة اللَّه وعبادته ﴿نذقه من عَذَاب السعير﴾ فِي الْآخِرَة
﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ محاريب﴾ يَعْنِي: الْمَسَاجِد والقصور؛ فِي تَفْسِير الكَلْبي.
قَالَ محمدٌ: يُقَال لأشرف مَوضِع فِي الدَّار أَو فِي الْبَيْت: محراب.
9
قَوْله: ﴿وتماثيل﴾ يَعْنِي: صورًا من نُحَاس.
قَالَ الْحَسَن: ولمْ تكن الصُّور يومئذٍ محرَّمة ﴿وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِي﴾ يَعْنِي: صحافًا كالحياض.
قَالَ محمدٌ: الجوابي جمع: جابية.
﴿وقدور راسيات﴾ أَي: ثابتاتٌ فِي الأَرْض عِظَام لَا تحوَّل عَن أماكنها ﴿اعْمَلُوا آل دَاوُد شكرا﴾ أَي: توحيدًا. قَالَ بَعضهم: لما نزلت لم يزل إنسانٌ مِنْهُم قَائِما يُصَلِّي.
قَالَ: ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عبَادي الشكُور﴾ أَي: أقل النَّاس الْمُؤمن
10
﴿فَلَمَّا قضينا﴾ أنزلنَا ﴿عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلا دَابَّةُ الأَرْضِ﴾ وَهِي الأرضةُ؛ فِي تَفْسِير مُجَاهِد ﴿تَأْكُل منسأته﴾ أَي: عَصَاهُ.
قَالَ محمدٌ: وأصل الْكَلِمَة من قَوْلك: نسأت الدَّابَّة؛ إِذا سُقْتَهَا، فَقيل للعصاة: مِنْسَأةٌ.
وَأنْشد بَعضهم:
(إِذا دببت عَلَى المنساة من كبر فقد تبَاعد مِنْك اللَّهْو والغول)
وَفِيه لغةٌ أُخْرَى ﴿تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ﴾ مَهْمُوزَة.
10
قَالَ يحيى: مكث سُلَيْمَان حولا وَهُوَ متوكئ عَلَى عَصَاهُ لَا يعلمُونَ أَنَّهُ مَاتَ. وَذَلِكَ أَن الشَّيَاطِين كَانَت تزْعم للإنس أَنهم يعلمُونَ الْغَيْب، فَكَانُوا يعْملُونَ لَهُ حولا لَا يعلمُونَ أَنَّهُ مَاتَ.
قَالَ ﴿فَلَمَّا خر﴾ سُلَيْمَان؛ أَي: سقط ﴿تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ﴾ للإنس ﴿أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ المهين﴾ يَعْنِي: الْأَعْمَال [الَّتِي] سخرهم فِيهَا.
سُورَة سبأ الْآيَات من الْآيَة ١٥ حَتَّى الْآيَة ١٧.
11
﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْاكَنِهِمْ آيَةٌ﴾ أَي: لقد تبيّن لأهل سبإٍ؛ كَقَوْلِه: ﴿واسأل الْقرْيَة﴾ أَي: أهل الْقرْيَة.
قَالَ محمدٌ: قد مضى القَوْل فِي (سبإٍ) فِي تَفْسِير سُورَة النَّمْل، وَاخْتِلَاف الْقِرَاءَة فِيهِ، والتأويل.
قَالَ يحيى: ثمَّ أخبر بِتِلْكَ الْآيَة؛ فَقَالَ: ﴿جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ﴾ جنَّة
11
عَن يَمِين، وجنةٌ عَن شمال ﴿بَلْدَة طيبَة وَرب غَفُور﴾ لمن آمن.
قَالَ محمدٌ ﴿جَنَّتَانِ﴾ بدل من ﴿أيه﴾ و ﴿رب غَفُور﴾ مَرْفُوع على معنى وَالله رب غَفُور.
12
﴿فأعرضوا﴾ عَمَّا جَاءَت بِهِ الرسُلُ ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِم سيل العرم﴾ والعَرِمُ: الجسْرُ يُحبَسُ بِهِ المَاء، وَكَانَ سدًّا قد جعل فِي موضعٍ من الْوَادي [تَجْتَمِع] فِيهِ الْمِيَاه.
قَالَ مُجَاهِد: إِن ذَلكَ السَّيْل الَّذِي أرسَلَ اللَّه عَلَيْهِم من العرم مَاء أحْمَر، أَتَى اللَّه بِهِ من حَيْثُ شَاءَ، وَهُوَ شقّ السّدّ وهدَمَه. وحفر بطن الْوَادي عَن الجنّتيْن؛ فارتفعتا وغارَ عَنْهُمَا المَاء فيبستا قَالَ: ﴿وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَي أُكُلٍ﴾ أَي: ثَمَرَة ﴿خمط﴾ وَهُوَ الْأَرَاك ﴿وأثل﴾.
وَقَالَ محمدٌ: والأثل شَبيه بالطّرفاء، وَاخْتلف أهل اللُّغَة فِي مد الطّرفاء وقصره، وَأَكْثَرهم على الْمَدّ.
﴿ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نجازي﴾ أَي نعاقب ﴿إِلَّا الكفور﴾.
قَالَ محمدٌ: قِيلَ معنى المجازاة هَا هُنَا: أَنَّهُ لَا يغْفر لَهُ، وَإِنَّمَا الْمَغْفِرَة لأهل الْإِيمَان.
سُورَة سبأ الْآيَات من الْآيَة ١٨ حَتَّى الْآيَة ١٩.
﴿وَجَعَلنَا بَينهم﴾ أَي: وَكُنَّا جعلنَا بَينهم ﴿وَبَيْنَ الْقرى الَّتِي باركنا فِيهَا﴾ يَعْنِي: أَرض الشَّام ﴿قُرًى ظَاهِرَةً﴾ أَي: مُتَّصِلَة؛ ينظر بَعْضهَا إِلَى بعض ﴿وقدرنا فِيهَا السّير﴾ (ل ٢٧٧) تَفْسِير الْكَلْبِيّ: يَعْنِي المقيل وَالْمَبِيت ﴿سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنْينَ﴾ كَانُوا يَسِيرُونَ مسيرَة أَرْبَعَة أشهر فِي أَمَان لَا يُحَرك بَعضهم بَعْضًا، وَلَو لَقِي الرجلُ قاتِلَ أَبِيه لم يحركه
﴿فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا﴾ قَالَ الْحَسَن: ملوا النِّعْمَة؛ كَمَا ملّت بَنو إِسْرَائِيل المنَّ والسَّلوى. قَالَ الله ﴿وظلموا أنفسهم﴾. بشركهم ﴿فجعلناهم أَحَادِيث﴾. لمَن بعدهمْ ﴿وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾ أَي: بدَّدْنا عظامهم وأوصالهم [فأكلهم] التُّرابُ.
قَالَ: محمدٌ وَقد قِيلَ فِي قَوْله: ﴿وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾ أَي: مزّقناهمْ فِي الْبِلَاد؛ لأَنهم لما أذهب الله جنتيهم وغرق مكانهم تبدّدُوا فِي الْبِلَاد؛ فَصَارَت الْعَرَب تتمثل بهم فِي الْفرْقَة فَتَقول: تفرّقوا أَيدي سبأ، وأيادي سبأ؛ إِذا أخذُوا فِي وجوهٍ مُخْتَلفَة.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَات لكل صبار﴾ على أَمر الله ﴿شكور﴾ لنعمة الله وَهُوَ الْمُؤمن.
سُورَة سبأ الْآيَات من الْآيَة ٢٠ حَتَّى الْآيَة ٢٢.
13
﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ﴾ يَعْنِي: جَمِيع الْمُشْركين ﴿فَاتَّبَعُوهُ إِلا فريقا من الْمُؤمنِينَ﴾ قَالَ بَعضهم: قَالَ إِبْلِيس: خُلِقتُ من نارٍ وخُلِقَ آدم من طينٍ، وَالنَّار تَأْكُل الطين! فَلذَلِك ظن أَنَّهُ سيضل عامتهم.
قَالَ محمدٌ: وَمن قَرَأَ: ﴿صَدَقَ﴾ بِالتَّخْفِيفِ نصبَ الظنَّ مصْدَرًا عَلَى معنى: صدق عَلَيْهِم إِبْلِيس ظنا ظَنّه، وَصدق فِي ظَنّه.
14
﴿ ولقد صدق عليهم إبليس ظنه ﴾ يعني : جميع المشركين ﴿ فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين ﴾ قال بعضهم : قال إبليس : خلقت من نار وخلق آدم من طين، والنار تأكل الطين ! فلذلك ظن أنه سيضل عامتهم.
قال محمد : ومن قرأ :﴿ صدق ﴾ بالتخفيف نصب الظن مصدرا على معنى : صدق عليهم إبليس ظنا ظنه وصدق في ظنه١.
١ قرأ الكوفيون (صدّق) مشددا، وقرأ الباقون (صدق) مخففا. (ظنه) نصب باتفاق من القراء. وانظر: السبعة لابن مجاهد (٥٢٩)، والحجة لابن خالويه (ص١٨٨)، بتحقيقنا، وكذا معاني القراءات (ص٣٩٣)..
﴿وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَان﴾ هُوَ كَقَوْلِه: ﴿فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مَا أَنْتُم عَلَيْهِ بفاتنين﴾ يَقُولُ: لَسْتُم بمضلي أحدٍ ﴿إِلا من هُوَ صال الْجَحِيم﴾.
قَوْله: ﴿إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالآخِرَة﴾ وَهَذَا علم الفعال ﴿مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شكّ﴾ وَإِنَّمَا جحد الْمُشْركُونَ الْآخِرَة ظنًّا مِنْهُم وشكًّا ﴿وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْء حفيظ﴾ حَتَّى يجازيهم فِي الْآخِرَة.
﴿وَمَا لَهُم فيهمَا﴾ يَعْنِي: السَّمَاوَات وَالْأَرْض ﴿وَمن شرك﴾ أَي: مَا خلقُوا شَيْئا مِمَّا فيهمَا ﴿وَمَا لَهُ مِنْهُم﴾ أَي: وَمَا لله من أوثانهم ﴿من ظهير﴾ أَي: عُوين.
14
سُورَة سبأ الْآيَات من الْآيَة ٢٣ حَتَّى الْآيَة ٢٤.
15
﴿وَلَا تَنْفَع الشَّفَاعَة عِنْده﴾ عِنْد اللَّه ﴿إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ أَي: لَا يشفع الشافعون إِلَّا للْمُؤْمِنين.
﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبهم﴾ الْآيَة. قَالَ يحيى: إِن أهل السَّمَاوَات لم يسمعوا الوحْيَ فِيمَا بَين عِيسَى وَمُحَمّد؛ فَلَمَّا بعث اللَّه جِبْرِيل بِالْوَحْي إِلَى محمدٍ سَمِعَ أهل السَّمَاوَات صوتَ الْوَحْي مثل جر السلاسِل عَلَى الصخور - أَو الصَّفا - فَصعِقَ أهل السَّمَاوَات مَخَافَة أَن تَقُوم السَّاعَة، فَلَمَّا فرغ من الْوَحْي، وانحذر جِبْرِيل جعل كلما يمُرُّ بِأَهْل سَمَاء فزع عَن قُلُوبهم - يَعْنِي: خُلي عَنْهَا - فَسَأَلَ بَعضهم بَعْضًا - يسْأَل أهل كل سَمَاء الَّذين فَوْقهم إِذا خُلي عَن قُلُوبهم مَاذَا قَالَ ربكُم؟ فَيَقُولُونَ الْحق؛ أَي: هُوَ الْحق - يعنون: الْوَحْي.
قَالَ محمدٌ: وَقيل: إِن تَأْوِيل ﴿فزع عَن قُلُوبهم﴾ أَي: كشف اللَّه الْفَزع عَن قُلُوبهم.
﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَو فِي ضلال مُبين﴾ بيِّن، وَهِي كلمة عَرَبِيَّة؛ يَقُولُ الرجل لصَاحبه: إنَّ أَحَدنَا لصَادِق - يَعْنِي: نَفسه - وَكَقَوْلِه: إنّ أَحَدنَا لكاذبِ؛ يَعْنِي صَاحبه - أَي: نَحْنُ عَلَى الْهدى وَأَنْتُم فِي ضلالٍ مُبين، وَكَانَ هَذَا بِمَكَّة وَأمر الْمُسلمين يَوْمئِذٍ ضَعِيف.
سُورَة سبأ الْآيَات من الْآيَة ٢٥ حَتَّى الْآيَة ٢٧.
﴿قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نسْأَل عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ كَقَوْلِه ﴿قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ﴾
﴿ثمَّ يفتح بَيْننَا بِالْحَقِّ﴾ أَي: يقْضِي ﴿وَهُوَ الفتاح﴾ القَاضِي ﴿الْعَلِيم﴾ بخلقه.
﴿قُلْ أَرُونِي الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاء﴾ أَي: جعلتموهم شُرَكَاء؛ فعبدتموهم، يَقُولُ: أروني مَا نفعوكم وأجابوكم بِهِ! كلَّا لَسْتُم بالذين تأتون بِمَا نفعوكم وأجابوكم بِهِ إِذْ كُنْتُم تدعونهم؛ أَي: أَنهم لم ينفعوكم وَلم يجيبوكم، ثمَّ اسْتَأْنف الْكَلَام؛ فَقَالَ ﴿كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيز الْحَكِيم﴾ أَي: هُوَ الَّذِي لَا شريك لَهُ وَلَا ينفع إِلَّا هُوَ.
سُورَة سبأ الْآيَات من الْآيَة ٢٨ حَتَّى الْآيَة ٣١.
﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ﴾ يَعْنِي: جمَاعَة الْإِنْس وَإِلَى جمَاعَة الْجِنّ ﴿بشيرا﴾ بِالْجنَّةِ ﴿وَنَذِيرا﴾ من النَّار ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ أَنهم مبعوثون ومجاوزون.
﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ﴾ لن نصدق ﴿بِهَذَا الْقُرْآن وَلَا بِالَّذِي بَين يَدَيْهِ﴾ يعنون: التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل.
﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ﴾ أَي: الْمُشْركُونَ ﴿مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا﴾ وهم السفلة (ل ٢٧٨) ﴿للَّذين استكبروا﴾ وهم الرؤساء.
سُورَة سبأ الْآيَات من الْآيَة ٣٢ حَتَّى الْآيَة ٣٦.
﴿بل مكر اللَّيْل وَالنَّهَار﴾ أَي: بل قَوْلكُم لنا بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ﴿إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّه ونجعل لَهُ أندادا﴾ يَعْنِي: أوثانهم عدلوها بِاللَّه فعبدوها دونه
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِير إِلَّا قَالَ مترفوها﴾ يَعْنِي: أهل السعَة وَالنعْمَة
﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لمن يَشَاء وَيقدر﴾ أَي: يقتر ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ﴾ يَعْنِي: جمَاعَة الْمُشْركين ﴿لَا يعلمُونَ﴾.
سُورَة سبأ الْآيَات من الْآيَة ٣٧ حَتَّى الْآيَة ٣٩.
﴿وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تقربكم عندنَا زلفى﴾ الزلفى: الْقرْبَة ﴿إِلا مَنْ آمَنَ﴾ أَي: لَيْسَ الْقرْبَة عندنَا إِلَّا لمن آمن وَعمل صَالحا ﴿فَأُولَئِكَ لَهُم جَزَاء الضعْف﴾ يَعْنِي: تَضْعِيف الْحَسَنَات؛ كَقَوْلِه ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ ثمَّ نزل بعد ذَلكَ بِالْمَدِينَةِ: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سبع سنابل﴾ الْآيَة.
18
﴿وَالَّذين يسعون﴾ يعْملُونَ ﴿فِي آيَاتنَا معاجزين﴾ أيْ: يظنون أَنهم يسْبقوننا حَتَّى لَا نقدر عَلَيْهِم فنعذبهم ﴿أُولَئِكَ فِي الْعَذَاب محضرون﴾ مدخلون
18
﴿ والذين يسعون ﴾ يعملون ﴿ في آياتنا معاجزين ﴾ أي : يظنون أنهم يسبقوننا حتى لا نقدر عليهم فنعذبهم ﴿ أولئك في العذاب محضرون( ٣٨ ) ﴾ مدخلون.
﴿وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ﴾ أَي: فِي طَاعَة اللَّه ﴿فَهُوَ يخلفه﴾ تَفْسِير السّديّ: ﴿فَهُوَ يخلفه﴾؛ يَعْنِي: فِي الْآخِرَة؛ أَي: يعوضهم بِهِ الْجنَّة.
سُورَة سبأ الْآيَات من الْآيَة ٤٠ حَتَّى الْآيَة ٤٢.
﴿وَيَوْم يحشرهم جَمِيعًا﴾ يَعْنِي: الْمُشْركين وَمَا عبدُوا (ثُمَّ نَقُولُ
18
لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَؤُلاَء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ} يجمع اللَّه يَوْم الْقِيَامَة بَين الْمَلَائِكَة ومَنْ عَبدهَا، فَيَقُول للْمَلَائكَة: أَهَؤُلَاءِ إيَّاكُمْ كَانُوا يعْبدُونَ؟ عَلَى الِاسْتِفْهَام وَهُوَ أعلم بذلك مِنْهُم
19
﴿قَالُوا﴾ ﴿قَالَت الْمَلَائِكَة﴾ (سُبْحَانَكَ} ينزِّهون اللَّه عَمَّا قَالَ الْمُشْركُونَ.
﴿أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم﴾ أَي: أَنَا لمْ نَكُنْ نواليهم عَلَى عِبَادَتهم إيانًا ﴿بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ﴾ الشَّيَاطِينَ هِيَ الَّتِي دَعَتْهُمْ إِلَى عبادتنا؛ فهم بطاعتهم الشَّيَاطِين عَابِدُونَ لَهُم ﴿بل أَكْثَرُهُم﴾ يَعْنِي: جمَاعَة الْمُشْركين ﴿بِهِم﴾ أَي: بالشياطين ﴿مُّؤْمِنُونَ﴾ مصدقون بِمَا وسوسوا إِلَيْهِم بِعبَادة من عبدُوا؛ فعبدوهم
﴿وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ ﴿أشركوا﴾ (ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ} وهم جَمِيعًا قرناء فِي النَّار: الشَّيَاطِين، وَمن أَضَلُّوا؛ يلعن بعضُهم بَعْضًا، وَيَتَبَرَّأُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ.
سُورَة سبأ الْآيَات من الْآيَة ٤٣ حَتَّى الْآيَة ٤٥.
﴿وَمَا آتَيْنَاهُم مِّن كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا﴾ أَي: يقرءونها بِمَا هُمْ عَلَيْهِ من الشّرك
﴿وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ من قبل قَوْمك يَا مُحَمَّد؛ يَعْنِي: مِنْ أُهْلِكَ مِنَ الْأُمَمِ السالفة.
﴿وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ﴾ مَا بلغ هَؤُلّاءِ معشار؛ أَي: عشر ﴿مَا آتَيْنَاهُمْ﴾ من الدُّنْيَا؛ يَعْنِي: الْأُمَم السالفة.
19
﴿فَكَيْفَ كَانَ نَكِيريِ﴾ عقابي؛ أيْ: كَانَ شَدِيدا؛ يُحَذرهُمْ أَن ينزل بهم مَا نزل بهم.
قَالَ مُحَمَّد: (نَكِير) الْمَعْنى: نكيري، وحُذِفت الْيَاء؛ لِأَنَّهُ آخر آيَة.
سُورَة سبأ الْآيَات من الْآيَة ٤٦ حَتَّى الْآيَة ٥٠.
20
﴿قل إِنَّمَا أعظكم بِوَاحِدَة﴾ ب (لَا إِلَه إِلَّا اللَّه) يَقُوله للْمُشْرِكين ﴿أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مثنى وفرادى﴾ أَي: وَاحِدًا وَاحِدًا، أَو اثنيْن اثنيْن ﴿ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ من جنَّة﴾ أَي: مَا بمحمدٍ من جُنُون ﴿إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ لَكُمْ بَين يَدي عَذَاب شَدِيد﴾.
قَالَ محمدٌ: الْمَعْنى: ينذركم أَنكُمْ إِن عصيتم لَقِيتُم عذَابا شَدِيدا.
﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ﴾ أَي: الَّذِي سألتكم من أجرٍ ﴿فَهُوَ لكم إِن أجري﴾ ثوابي ﴿إِلا عَلَى اللَّهِ﴾
﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ﴾ أَي: ينزل الْوَحْي ﴿عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ غيب السَّمَاء: مَا ينزل مِنْهَا من الْمَطَر وَغَيره، وغيب الأَرْض مَا يخرج مِنْهَا من النَّبَات وَغَيره.
20
قَالَ محمدٌ: من قَرَأَ ﴿عَلَّامُ الغيوب﴾ بِالرَّفْع، فعلى معنى: هُوَ علام الغيوب.
21
﴿قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِل﴾ [يَعْنِي: إِبْلِيس] ﴿وَمَا يُعِيد﴾ أَي: مَا يخلق أحدا وَلَا يَبْعَثهُ
﴿قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ على نَفسِي وَإِن اهتديت﴾ الْآيَة؛ أَي: أَنكُمْ أَنْتُم الضالون وَأَنا على الْهدى.
سُورَة سبأ الْآيَات من الْآيَة ٥١ حَتَّى الْآيَة ٥٤.
﴿وَلَو ترى إِذْ فزعوا﴾ تَفْسِير الْحَسَن: يَعْنِي النفخة الأولى الَّتِي يُهَلْكُ بِهَا كُفَّارُ آخِرِ هَذِه الْأمة ﴿فَلَا فَوت﴾ أَي: لَا يفوت أحدٌ مِنْهُم دون أَن يهْلك بِالْعَذَابِ ﴿وَأُخِذُوا من مَكَان قريب﴾ يَعْنِي: النفخة الْآخِرَة. قَالَ الْحَسَن: وَأي شيءٍ أقرب من أَن [كَانُوا] فِي بطن الأَرْض فَإِذا هُمْ عَلَى ظُهُورهَا.
قَالَ محمدٌ: قِيلَ: من مَكَان قريب: قريب على الله يَعْنِي: الْقُبُور.
(ل ٢٧٩) وَهُوَ مَعْنَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحسن
﴿وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التناوش من مَكَان بعيد﴾ يَعْنِي: الْآخِرَة، والتناوش: التَّنَاوُل، قَالَ الْحَسَن يَعْنِي: وأنى
21
لَهُم الْإِيمَان.
قَالَ مُحَمَّد: الْمَعْنى: وأنى لَهُم تنَاول مَا أَرَادوا من التَّوْبَة؛ أَي: إِدْرَاكه من مَكَان بعيد من الْموضع الَّذِي تقبل فِيهِ التوْبة، وَهُوَ معنى قَول الْحَسَن، والتناوش يُهْمزُ وَلَا يهمز يُقَال: نشت ونأشت.
22
﴿وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ كذبُوا [بِالْبَعْثِ] وَهُوَ الْيَوْم عِنْدهم بعيد؛ لأَنهم لَا يقرونَ بِهِ.
﴿وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ﴾ تَفْسِير بَعضهم: مَا يشتهون من الْإِيمَان، وَلَا يقبل مِنْهُم عِنْد ذَلكَ.
﴿كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قبل﴾ يَعْنِي: من كَانَ عَلَى دينهم - الشّرك - لما كذبُوا رسلهم جَاءَهُم الْعَذَاب، فآمنوا عِنْد ذَلكَ؛ فَلم يقبل مِنْهُم ﴿أَنهم كَانُوا﴾ قبل أَن يجيئهم الْعَذَاب ﴿فِي شكّ مريب﴾ من الرِّيبَة؛ وَذَلِكَ أَن جحودهم بالقيامة، وَبِأَن الْعَذَاب لَا يَأْتِيهم؛ إِنَّمَا ذَلكَ ظن مِنْهُم [وَشك لَيْسَ] عِنْدهم فِيهِ علمٌ.
22
تَفْسِير سُورَة الْمَلَائِكَة
وَهِي مَكِّيَّة كلهَا
سُورَة فاطر الْآيَات من الْآيَة ١ حَتَّى الْآيَة ٢.
23
Icon