ﰡ
﴿حم تَنزِيلُ الكتاب مِنَ الله العزيز الحكيم﴾
﴿مَا خَلَقْنَا السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بالحق﴾ ملتبساً بالحق ﴿وَأَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ وبتقدير أجل مسمى ينتهي إليه وهو يوم القيامة ﴿والذين كفروا عما أنذروا﴾ عما أنذوره من هول ذلك اليوم الذي لا بد لكل مخلوق من انتهائه إليه ﴿مُّعْرِضُونَ﴾ لا يؤمنون به ولا يهتمون بالاستعداد له ويجوز أن تكون ما مصدرية أي عن إذنذارهم ذلك اليوم
﴿قل أرأيتم﴾ أخبروني ﴿مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله﴾ تعبدونه من الأصنام ﴿أَرُونِى مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأرض﴾ أي شيء خلقوا مما في الأرض إن كانوا آلهة ﴿أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِى السماوات﴾ شركة مع الله في خلق السموات والأرض ﴿ائتونى بكتاب مِّن قَبْلِ هذا﴾ أي من قبل هذا الكتاب وهو القرآن يعني أن هذا الكتاب ناطق بالتوحيد وإبطال الشرك وما من كتاب أنزل من قبله من كتب الله إلا وهو ناطق بمثل ذلك فائتوا بكتاب واحد منزل من قبله شاهد بصحة ما أنتم عليه من عبادة غير الله ﴿أو أثارة من علم﴾ أو بقية عليكم علم بقيت عليكم من علوم الأولين ﴿إِن كُنتُمْ صادقين﴾ أن الله أمركم بعبادة الأوثان
﴿ومن أضل ممن يدعو مِن دُونِ الله مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إلى يَوْمِ القيامة وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غافلون﴾
أي أبدا
﴿وَإِذَا حُشِرَ الناس كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً﴾ أي الأصنام لعبدتها ﴿وَكَانُواْ﴾ أي الأصنام ﴿بِعِبَادَتِهِمْ﴾ بعبادة عبدتهم ﴿كافرين﴾ يقولون ما دعوناهم إلى عبادتنا ومعنى الاستفهام في مَنْ أَضَلَّ إنكار أن يكون في الضلال كلهم أبلغ ضلالة من عبدة لأوثان حيث يتركون دعاء السميع المجيب القادر على كل شيء ويدعون من دونه جماد إلا يستجيب لهم ولا قدرة له على استجابة أحد منهم ما دامت الدنيا وإلى أن تقوم القيامة وإذا قامت القيامة وحشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا عليهم ضداً فليسوا في الدارين إلا على نكد ومضرة لا تتولاهم في الدنيا بالاستجابة وفي الآخرة تعاديهم وتجحد عبادتهم ولما أسند إليهم ما يسند إلى أولي العلم من الاستجابة والغفلة قيل من وهم ووصفهم بترك الاستجابة والغفلة طريقه طريق التهكم بها وبعبدتها او نحوه قوله تعالى ان تدعوهم لا يسمعوا د عاءكم وَلَوْ سَمِعُواْ مَا استجابوا لَكُمْ وَيَوْمَ القيامة يكفرون بشرككم
﴿وإذا تتلى عليهم آياتنا بَيِّنَاتٍ﴾ جمع بينة وهي الحجة والشاهد أو واضحات مبينتات ﴿قَالَ الذين كَفَرُواْ لِلْحَقِّ﴾ المراد بالحق الآيات وبالذين كفروا المتلو عليهم فوضع الظاهر ان موضع الضميرين للتسجيل عليهم بالكفر وللمتلو بالحق ﴿لما جاءهم﴾ اى بادءوه بالجحود ساعة أتاهم وأول ما سمعوه من غير إجالة فكر ولا إعادة نظر ﴿هذا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ ظاهر أمره في البطلان لا شبهة فيه
﴿أَمْ يَقُولُونَ افتراه﴾ إضراب عن ذكر تسميتهم الآيات سحرا الى ذكر قولهم ان محمد عليه السلام افتراه أي اختلقه وأضافه إلى الله كذباً والضمير
﴿قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ الرسل﴾ أي بديعاً كالخف بمعنى الخفيف والمعنى إني لست بأول مرسل فتنكروا نبوّتي ﴿وَمَآ أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِى وَلاَ بِكُمْ﴾ أي ما يفعل الله بى وبكم فبما يستقبل من الزمان وعن الكلبي قال له أصحابه وقد ضجروا من أذى المشركين حتى متى نكون على هذا فقال ما أدري ما يفعل بى ولا بكم أأترك بمكة أم أومر بالخروج إلى أرض قد رفعت لي
﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَىَّ وَمَا أنا إلا نذير مبين﴾
ورأيتها يعنى في منامه ذات نخيل وشجر وما في يفعل يجوز ان تكون موصولة منصوبة وأن تكون استفهامية مرفوعة وإنما دخل لا في قوله وَلاَ بِكُمْ مع ان يفعل مثبت غيره منفى لتناول النفى فيما أَدْرِى ما وما في حيزه ﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَىَّ وَمَا أَنَاْ إِلاَّ نذير مبين﴾
﴿قل أرأيتم إن كان﴾ القرآن ﴿من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل﴾ هو عبد الله بن سلام عند الجمهور ولهذا قيل اإن هذه الآية مدنية لان اسلام ابن سلام بالمدينة رُوي أنه لما قدم رسول الله ﷺ المدينة نظر إلى
﴿وقال الذين كفروا للذين آمنوا﴾ أي لأجلهم وهو كلام كفار مكة قالوا إن عامة من يتبع محمداً السقاط يعنون الفقراء مثل عمار وصهيب وابن مسعود ﴿لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ﴾ لو كان ما جاء به محمد خيرا اما سبقنا إليه هؤلاء ﴿وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ﴾ العامل في إذ محذوف لدلالة الكلام عليه
﴿وَمِن قَبْلِهِ﴾ أي القرآن ﴿كِتَابُ موسى﴾ أي التوراة وهو مبتدأ ومن قبله ظرف واقع خبر مقدماً عليه وهو ناصب ﴿إِمَاماً﴾ على الحال نحو في الدار زيد قائماً ومعنى إِمَاماً قدوة
﴿ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين﴾
يؤتم به في دين الله وشرائعه كما يؤتم بالإمام ﴿وَرَحْمَةً﴾ لمن آمن به وعمل بما فيه ﴿وهذا﴾ القرآن ﴿كتاب مُّصَدِّقٌ﴾ لكتاب موسى أو لما بين يديه وتقدمه من جميع الكتب ﴿لِّسَاناً عَرَبِيّاً﴾ حال من ضمير الكتاب في مُّصَدّق والعامل فيه مُّصَدّق أو من كتاب لتخصصه بالصفة ويعمل فيه معنى الاشارة وجواز ان يكون مفعولا لمصدق أي يصدق ذا لسان عربي وهو الرسول ﴿لِّيُنذِرَ﴾ أي الكتاب لّتُنذِرَ حجازي وشامي ﴿الذين ظَلَمُواْ﴾ كفروا ﴿وبشرى﴾ في محل النصب معطوف على محل لّيُنذِرَ لأنه مفعول له ﴿لِّلْمُحْسِنِينَ﴾ للمؤمنين المطيعين
﴿إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا﴾ على توحيد الله وشريعة نبيه محمد ﷺ ﴿فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ في القيامة ﴿وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ عند الموت
﴿أُوْلَئِكَ أصحاب الجنة خالدين فِيهَا﴾ حال من أصحاب الجنة والعامل فيه معنى الإشارة الذي دل عليه أولئك ﴿جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ جزاء مصدر لفعل دل عليه الكلام أي جوزوا جزاء
﴿وَوَصَّيْنَا الإنسان بوالديه إحسانا﴾ كوفي أي وصيناه بأن يحسن بوالديه إحساناً حُسْنًا غيرهم أي وصيناه بوالديه أمراً ذا حسن أو بأمر ذي حسن فهو في موضع البدل من قوله بوالديه وهو من بدل الاشتمال
﴿وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين﴾
قيل هي الصلوات الخمس ﴿وَأَصْلِحْ لِى فِى ذُرّيَّتِى﴾ أي اجعل ذريتي موقعاً للصلاح ومظنة له ﴿إِنِّى تُبْتُ إِلَيْكَ﴾ من كل ذنب ﴿وَإِنِّى مِنَ المسلمين﴾ من المخلصين
﴿أُوْلَئِكَ الذين نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سيئاتهم﴾ حمزة وعلي وحفص يُتَقَبَّل ويُتَجاوز أَحْسَنُ غيرهم ﴿فِى أصحاب الجنة﴾ هو كقولك أكرمني الأمير في ناس من أصحابه تريد أكرمني في جملة من أكرم منهم ونظمني في عدادهم ومحله النصب على الحال على معنى كائنين في أصحاب الجنة ومعدودين فيهم ﴿وَعْدَ الصدق﴾ مصدر مؤكد لأن قوله يُتَقَبَّل ويتجاوز وعد من الله لهم بالتقبل والتجاوز
﴿والذى قَالَ لوالديه﴾ مبتدأ خبره أُوْلَئِكَ الذين حَقَّ عَلَيْهِمُ القول والمراد بالذي قال الجنس القائل ذلك القول ولذلك وقع الخبر مجموعاً وعن الحسن هو في الكافر العاق لوالديه المكذب بالبعث وقيل نزلت في عبد الرحمن بن ابى بكر رضى الله عنه قبل إسلامه ويشهد لبطلانه كتاب معاوية إلى مروان ليأمر الناس بالبيعة ليزيد فقال عبد الرحمن بن أبي بكر لقد جئتم بها هرقلية أنبايعون لأبنائكم فقال مروان يا أيها الناس هذا الذي قال الله تعالى فيه والذى قَالَ لوالديه أف لكما فسمعت عائشة رضى الله عنها فغضبت وقالت والله ما هو به ولو شئت أن أسميه لسميته ولكن الله تعالى لعن أباك وأنت في صلبه فأنت فضض من لعنة الله أي قطعة ﴿أُفّ لَّكُمَآ﴾ مدني وحفص أُفَّ مكي وشامي أُفِّ غيرهم وهو صوت إذا صوت به الإنسان علم أنه متضجر كما إذا قال حس علم أنه متوجع واللام للبيان أي هذا التأفيف لكما خاصة ولأجلكما دون غيركما ﴿أَتَعِدَانِنِى أَنْ أُخْرَجَ﴾ أن أبعث وأخرج من الأرض ﴿وَقَدْ خَلَتِ القرون مِن قَبْلِى﴾ ولم يبعث منهم أحد ﴿وَهُمَا﴾ أبواه ﴿يَسْتَغِيثَانِ الله﴾ يقولان الغياث بالله منك ومن قولك وهو استعظام لقوله ويقولان له ﴿وَيْلَكَ﴾ دعاء عليه بالثبور والمراد به الحث والتحريض على الإيمان لا حقيقة الهلاك ﴿آمن﴾ بالله وبالبعث ﴿إِنَّ وَعْدَ الله﴾ بالبعث ﴿حَقٌّ﴾ صدق ﴿فَيَقُولُ﴾
﴿أولئك الذين حق عليهم القول﴾
﴿في أمم قد خلت مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ الجن والإنس إِنَّهُمْ كَانُواْ خاسرين﴾
اى لأملان جهنم ﴿في أمم قَدْ خَلَتْ﴾ قد مضت ﴿مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ الجن والإنس إِنَّهُمْ كَانُواْ خاسرين﴾
﴿وَلِكُلّ﴾ من الجنسين المذكورين الأبرار والفجار ﴿درجات مِّمَّا عَمِلُواْ﴾ أي منازل ومراتب من جزاء ما عملوا من الخير والشر أو من اجل ما عملوا منها وإنما قال درجات وقد جاء الجنة درجات والنار دركات على وجه التغليب ﴿وَلِيُوَفِّيَهُمْ أعمالهم﴾ بالياء مكي وبصري وعاصم ﴿وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ أي وليوفيهم أعمالهم ولا يظلمهم حقوقهم قدّر جزاءهم على مقادير أعمالهم فجعل الثواب درجات والعقاب دركات واللام متعلقة بمحذوف
﴿وَيَوْمَ يُعْرَضُ الذين كَفَرُواْ عَلَى النار﴾ عرضهم على النار تعذيبهم بها من قولهم عرض بنو فلان على السيف إذا قتلوا به وقيل المراد عرض النار عليهم من قولهم عرضت الناقة على الحوض يريدون عرض الحوض عليها فغلبوا ﴿أَذْهَبْتُمْ﴾ أي يقال لهم أذهبتم وهو ناصب الظرف ﴿طيباتكم فِى حياتكم الدنيا﴾ أي ما كتب لكم حظمن الطيبات إلا ما قد أصبتموه في دنياكم وقد دهبتم به وأخذتموه فلم يبق لكم بعد استيفاء حظكم شىء منها وعن عمر رضى الله عنه لو شئت لكنت أطيبكم طعاماً وأحسنكم لباساً ولكى أستبقي طيباتي ﴿واستمتعتم بِهَا﴾ بالطيبات ﴿فاليوم تُجْزَوْنَ عَذَابَ الهون﴾ أي الهوان وقرىء به ﴿بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ﴾ تتكبرون ﴿فِى الأرض بِغَيْرِ الحق وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ﴾ أي باستكباركم وفسقكم
﴿واذكر أَخَا عَادٍ﴾ أي هوداً ﴿إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بالأحقاف﴾ جمع حقف وهو رمل مستطيل مرتفع فيه انحناء من احقوقف الشيء إذا عوج عن ابن عباس رضى الله عنهما هو وادٍ بين عمان ومهرة ﴿وَقَدْ خَلَتِ النذر﴾ جمع نذير بمعنى المنذر أو الإنذار ﴿مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ﴾ من قبل هود ومن خلف هود وقوله وَقَدْ خَلَتِ النذر من بين يديه ومن خلف وقع اعتراضاً بين أَنذَرَ قَوْمَهُ وبين ﴿أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ الله إِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ والمعنى واذكر إنذار هود قومه عاقبة الشرك والعذاب العظيم وقد أنذر من تقدمه من الرسل ومن تأخر عنه مثل ذلك
﴿قَالُواْ﴾ أي قوم هود أَجِئْتَنَا ﴿لِتَأْفِكَنَا﴾ لتصرفنا فالأفك الصرف يقال افكه عن رأيه ﴿عن آلهتنا﴾ عن عبادتها
﴿فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين﴾
﴿فأتنا بما تعدنا﴾ من معالجة العذاب على الشرك ﴿إِن كُنتَ مِنَ الصادقين﴾ في وعيدك
﴿قَالَ إِنَّمَا العلم﴾ بوقت مجيء العذاب ﴿عَندَ الله﴾ ولا علم لي بالوقت الذي يكون فيه تعذيبكم ﴿وأبلغكم ما أرسلت به﴾ اليكم وبالتخفيف أبو عمر وأي الذي هو شأني أن أبلغكم ما أرسلت به الإنذار والتخويف ﴿ولكنى أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ﴾ أي ولكنكم جاهلون لا تعلمون أن الرسل بعثوا منذرين لا مقترحين ولا سائلين غير ما أذن لهم فيه
﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ﴾ الضمير يرجع إلى مَا تَعِدُنَا أو هو مبهم وضح أمره بقوله ﴿عَارِضاً﴾ إما تمييزاً أو حالاً والعارض السحاب الذي يعرض في أفق السماء ﴿مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُواْ هذا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا﴾ رُوي أن المطر قد احتبس عنه فرأوا سحابة استقبلت أوديتهم فقالوا هذا سحاب يأتينا بالمطر
﴿تُدَمِّرُ كُلَّ شَىْءٍ﴾ تهلك من نفوس عاد وأموالهم الجم الكثير فعبر عن الكثرة بالكلية ﴿بِأَمْرِ رَبِّهَا﴾ رب الريح ﴿فَأْصْبَحُواْ لاَ يرى إِلاَّ مساكنهم﴾ عاصم وحمزة وخلف أي لا يرى شيء إلا مساكنهم غيرهم لاَّ ترى إِلاَّ مساكنهم والخطاب للرائي من كان ﴿كَذَلِكَ نَجْزِى القوم المجرمين﴾ أي مثل ذلك نجزي من أجرم مثل جرمهم وهو تحذير لمشركي العرب عن ابن عباس رضى الله عنهما اعتزل هود عليه السلام ومن معه في حظيرة ما يصيبهم من الريح إلا ما تلذه الانفس وانها لمر من عاد بالظعن بين السماء والأرض وتدمغهم بالحجارة
﴿وَلَقَدْ مكناهم فِيمَآ إِن مكناكم فِيهِ﴾ إن نافية اى فيما ما مكناكم فيه الا إن أحسن في اللفظ لما في مجامعة ما مثلها من التكرير المستبشع ألا ترى ان الاصل في مهما ماما فلبشاعة التكرير قبلوا الألف هاء وقد جعلت إن صلة وتؤول بامكناهم في مثل ما مكناكم فيه والوجه هوالأول فقوله تعالى هم احسن اثاثا ورئيا كانوا اكثر منهم واشد قوة وآثارا وما بمعنى الذي أو نكرة موصوفة ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وأبصارا وَأَفْئِدَةً﴾ أي آلات الدرك والفهم ﴿فَمَا أغنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أبصارهم وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مِّن شَىْءٍ﴾ أي من شيء من الإغناء وهو القليل منه ﴿إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ﴾
﴿بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون﴾
﴿بآيات الله﴾ إذ نصب بقوله فَمَا أغنى وجرى مجرى التعليل لاستواء مؤدي التعليل والظرف في قولك ضربته لإساءته وضربته إذ أساء لأنك إذا ضربته في وقت إساءته فإنما ضربته فيه لوجود اساءته فيه الا
﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ﴾ يا أهل مكة ﴿مِّنَ القرى﴾ ٦ نحو حجر ثمود وقرى قوم لوط والمراد أهل القرى ولذلك قال ﴿وَصَرَّفْنَا الآيات لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ أي كررنا عليهم الحجج وأنواع العبر لعلهم يرجعون عن الطغيان إلى الإيمان فلم يرجعوا
﴿فَلَوْلا﴾ فهلا ﴿نَصَرَهُمُ الذين اتخذوا مِن دُونِ الله قربانا آلهة﴾ القربان ما تقرب به إلى الله تعالى اى اتخذوهم شفعا ومتقاربا بهم الى الله تعالى حيث قالوا هؤلا شفعاؤنا عند الله وأحد مفعولي اتخذ الراجع إلى الذين محذوف اى اتخذوهم والثانى الهة وقربانا حال ﴿بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ﴾ غابوا عن نصرتهم ﴿وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ﴾ وَذَلِكَ إشارة إلى امتناع نصرة آلهتهم وضلالهم عنهم أي وذلك أثر إفكهم الذي هو اتخاذهم إياها آلهة وثمرة شركهم وافترائهم على الله الكذب
﴿وإذ صرفنا إليك نفرا﴾ أملنا هم اليك واقبلنا بهم نحوك والنفر دون العشرة ﴿من الجن﴾ جن نصيبين ﴿يستمعون القرآن﴾ منه عليه الصلاة والسلام ﴿فلما حضروه﴾ اى الرسول ﷺ أو القرآن أي كانوا منه بحيث يسمعون ﴿قَالُواْ﴾ أي قال بعضهم لبعض ﴿أَنصِتُواْ﴾ اسكتوا مستمعين رُوي أن الجن كانت تسترق السمع فلما حرست السماء ورجموا بالشهب قالوا ما هذا إلا لنبأ حدث فنهض سبعة نفر أو تسعة من أشراف جن
﴿فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين﴾
﴿فلما قضى﴾ اى فرغ النبى ﷺ من القراءة ﴿ولوا إلى قومهم منذرين﴾ اياهم
﴿قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى﴾ وانما قالوا من بعد موسى لانهم كانوا على اليهودية وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان الجن لم تكن سمعت بأمر عيسى عليه السلام ﴿مصدقا لما بين يديه﴾ من الكتب ﴿يهدي إلى الحق﴾ الى الله تعالى ﴿وإلى طريق مستقيم﴾
﴿يا قومنا أجيبوا داعي الله﴾ اي محمد ﷺ ﴿وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم﴾ قال ابو حنيفة رضى الله عنه لا تواب لهم الا النجاة من النار لهذه الآية وقال مالك وابن
﴿ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض﴾ اى لا ينجى منه مهرب ﴿وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين﴾
﴿أو لم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن﴾ هو كقوله ومامسنا من لغوب ويقال عييت بالامر اذا لم تعرف وجهه ﴿بقادر﴾ محله الرفع لانه خبر ان يدل عليه قراءة عبد الله قادر وانما دخلت الباء لا شتمال النفى في اول الاية على ان وما في حيزها وقال الزجاج لو قلت ما ظننت ان زيدا بقائم جاز كانه قيل اليس الله بقادر الا ترى الى وقو بلى مقررة للقدرة على كل شىء من البعث وغير لالرؤيتهم ﴿على أن يحيي الموتى بلى﴾ هو جواب النفى ﴿إنه على كل شيء قدير﴾
﴿ويوم يعرض الذين كفروا على النار﴾ يقال لهم ﴿أليس هذا بالحق﴾ وناصب الظرف القول المضمر وهذا اشارة الى العذاب ﴿قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون﴾ بكفركم في الدنيا
﴿فاصبر كما صبر أولوا العزم﴾ اولوا الجد والثبات والصبر ﴿من الرسل﴾ من التبعيض والمراد باولى العزم ما ذكر في الاحزاب واذ اخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن
نوح وابراهيم وموسى وعيسى بن مريم ويونس ليس منهم لقوله ولا تكن كصاحب الحوت وكذا آدم لقوله ولم نجد له عزما او لبيان فيكون اولوا العزم صفة
بسم الله الرحمن الرحيم