ﰡ
- ١ - حم
- ٢ - تَنزِيلُ الْكِتَابِ من الله العزيز الحكيم
- ٣ - مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُواْ عَمَّآ أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ
- ٤ - قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّآ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السماوات ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
- ٥ - وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَافِلُونَ
- ٦ - وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ
يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ أُنزِلَ الْكِتَابَ عَلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ دَائِمًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَوَصَفَ نَفْسَهُ بِالْعِزَّةِ الَّتِي لَا تُرَامُ وَالْحِكْمَةِ فِي الأقوال والأفعال، ثم قال تَعَالَى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ﴾ أَيْ لَا عَلَى وَجْهِ الْعَبَثِ وَالْبَاطِلِ، ﴿وَأَجَلٌ مُّسَمًّى﴾ أَيْ وإلى مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مَضْرُوبَةٍ لَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ. وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُواْ عَمَّآ أُنذِرُواْ مُعْرِضُونَ﴾ أَيْ لَاهُونَ عما يراد بهم، وقد أنزل الله تعالى إليهم كتاباً، وأرسل إليهم رسولاً، وَهُمْ مُعْرِضُونَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، أَيْ وَسَيَعْلَمُونَ غب ذلك، ثم قال تعالى ﴿قُلْ﴾ أَيْ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْعَابِدِينَ مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ ﴿أَرَأَيْتُمْ مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الْأَرْضِ﴾ أَيْ أَرْشِدُونِي إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي اسْتَقَلُّوا بِخَلْقِهِ مِنَ الْأَرْضِ ﴿أم لَهُمْ شِرْكٌ فِي السماوات﴾؟ ولا شرك لهم في السماوات وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ، إِنِ الْمُلْكُ وَالتَّصَرُّفُ كُلُّهُ إِلَّا لِلَّهِ عزَّ وجلَّ، فَكَيْفَ تَعْبُدُونَ مَعَهُ غَيْرَهُ وَتُشْرِكُونَ بِهِ؟ مَنْ أَرْشَدَكُمْ إِلَى هَذَا؟ مَنْ دَعَاكُمْ إِلَيْهِ؟ أَهْوَ أَمَرَكُمْ بِهِ؟ أَمْ هُوَ شَيْءٌ اقْتَرَحْتُمُوهُ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ؟ وَلِهَذَا قَالَ ﴿ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا﴾ أَيْ هَاتُوا كِتَابًا مِنْ كُتُبِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، يَأْمُرُكُمْ بِعِبَادَةِ هَذِهِ الْأَصْنَامِ ﴿أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ﴾ أَيْ دَلِيلٍ بَيِّنٍ عَلَى هَذَا الْمَسْلَكِ الَّذِي سَلَكْتُمُوهُ ﴿إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ أَيْ لا دليل لكم لا نقلياً ولا عقلياً على ذلك، قال مجاهد ﴿أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ﴾ أَوْ أَحَدٍ يَأْثُرُ علماً، وقال ابْنِ عَبَّاسٍ: أَوْ بَيِّنَةٍ مِنَ الْأَمْرِ،
- ٨ - أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
- ٩ - قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ الرُّسُلِ وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ
يقول عزَّ وجلَّ مُخْبِرًا عَنِ الْمُشْرِكِينَ فِي كُفْرِهِمْ وَعِنَادِهِمْ، أَنَّهُمْ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ اللَّهِ ﴿بَيِّنَاتٍ﴾ أَيْ فِي حَالِ بَيَانِهَا وَوُضُوحِهَا وَجَلَائِهَا، يَقُولُونَ: ﴿هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ أَيْ سِحْرٌ وَاضِحٌ وَقَدْ كَذَبُوا وَافْتَرَوْا وَضَلُّوا وَكَفَرُوا، ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ﴾ يَعْنُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: ﴿قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً﴾ أَيْ لَوْ كَذَبْتُ عَلَيْهِ وَزَعَمْتُ أَنَّهُ أَرْسَلَنِي، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لَعَاقَبَنِي أَشَدَّ الْعُقُوبَةِ، وَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ لَا أَنْتُمْ وَلَا غَيْرُكُمْ أَن يُجِيرَنِي مِنْهُ، كَقَوْلِهِ تبارك وتعالى: ﴿قُلِ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً﴾، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ تقوَّل عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ باليمين﴾ ولهذا قال سُبْحَانَهُ وتعالى ههنا: ﴿قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾ هَذَا تَهْدِيدٌ لهم ووعيد أكيد، وترهيب شديد، وقوله جل وعلا: ﴿وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ تَرْغِيبٌ لَهُمْ إِلَى التَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ، أَيْ وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ إِنْ رَجَعْتُمْ وتبتم تاب الله عَلَيْكُمْ، وَعَفَا عَنْكُمْ وغفر ورحم، وهذه الآية كقوله عزَّ وجلَّ: ﴿قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ والأرض إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً﴾، وقوله تبارك وتعالى: ﴿قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ الرُّسُلِ﴾ أَيْ لَسْتُ بِأَوَّلِ رَسُولٍ طَرَقَ الْعَالَمَ، بَلْ قَدْ جَاءَتِ الرُّسُلُ مِنْ قَبْلِي، فَمَا أَنَا بِالْأَمْرِ الذي لا نظير له حتى تستنكروني وتستبعدون بعثتي إليكم، فإنه قد أرسل الله جلَّ وعلا قَبْلِي جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَى الْأُمَمِ، قَالَ ابْنُ عباس ومجاهد ﴿قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ الرُّسُلِ﴾ مَا أنا بأول رسول بُعث إلى الناس.
وقوله تعالى: ﴿وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ﴾ قال ابن عباس: نَزَلَ بَعْدَهَا ﴿لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وما تأخر﴾ (هكذا قَالَ عِكْرِمَةُ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تعالى {لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ
رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِي، قَالَتْ، فَقُلْتُ: "وَاللَّهِ لَا أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ أَبَدًا، وأحزنني ذلك، فنمت فرأيت لعثمان رضي الله عنه عَيْنًا تَجْرِي، فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذَاكَ عَمَلُهُ» (انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ الْبُخَارِيُّ دُونَ مُسْلِمٍ) وَفِي لَفْظٍ: «مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِهِ» - وَهَذَا أَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَحْفُوظُ، بدليل قولها؛ فأحزنني ذلك - ففي هَذَا وَأَمْثَالِهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ لِمُعَيَّنٍ بِالْجَنَّةِ، إِلَّا الَّذِي نَصَّ الشَّارِعُ عَلَى تعينهم كالعشرة المبشرين بالجنة، والقراء السبعين الذين قتلوا ببئر معونة وما أشبههم وَقَوْلُهُ: ﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾ أَيْ إِنَّمَآ أَتَّبِعُ مَا يُنَزِّلُهُ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الْوَحْيِ، ﴿وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ أي بيّن النذارة أمري ظاهر، لكل ذي لب وعقل، والله أعلم.
- ١١ - وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ
- ١٢ - وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ
- ١٣ - إِنَّ الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
- ١٤ - أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
يَقُولُ تَعَالَى: ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْكَافِرِينَ بِالْقُرْآنِ ﴿أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ﴾ هَذَا الْقُرْآنُ {مِنْ عِندِ
- ١٦ - أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ
﴿قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي﴾ أَيْ أَلْهِمْنِي ﴿أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عليَّ وَعَلَى والديَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ﴾
- ١٨ - أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ
- ١٩ - وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
- ٢٠ - وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ
لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى حَالَ الدَّاعِينَ لِلْوَالِدَيْنِ الْبَارِّينَ بِهِمَا، وَمَا لَهُمْ عِنْدَهُ مِنَ الْفَوْزِ وَالنَّجَاةِ، عَطَفَ بِحَالِ الْأَشْقِيَاءِ الْعَاقِّينَ لِلْوَالِدَيْنِ فَقَالَ: ﴿وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ﴾ وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ مَنْ قَالَ هَذَا، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي (عَبْدِ الرحمن بن أبي بكر) رضي الله عنهما فقوله ضعيف، لأن عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ وَكَانَ مِنْ خيار أهل زمانه، وَإِنَّمَا هَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ مَنْ عَقَّ وَالِدَيْهِ وَكَذَّبَ بِالْحَقِّ فَقَالَ لِوَالِدَيْهِ:
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ﴾ أَيْ دَخَلُوا فِي زُمْرَةِ أَشْبَاهِهِمْ وَأَضْرَابِهِمْ مِنَ الْكَافِرِينَ الْخَاسِرِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَقَوْلُهُ: ﴿أُولَئِكَ﴾ بَعْدَ قَوْلِهِ ﴿وَالَّذِي قَالَ﴾ دَلِيلٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ جِنْسٌ يَعُمُّ كُلَّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: هُوَ الْكَافِرُ الْفَاجِرُ الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ الْمُكَذِّبُ بِالْبَعْثِ، وقوله تبارك وتعالى: ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ﴾ أَيْ لِكُلٍّ عَذَابٌ بِحَسَبِ عَمَلِهِ، ﴿وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ أَيْ لَا يَظْلِمُهُمْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فَمَا دُونَهَا، قال عبد الرحمن بن زيد: دَرَجَاتُ النَّارِ تَذْهَبُ سَفَالاً، وَدَرَجَاتُ الْجَنَّةِ تَذْهَبُ علواً، وقوله عزَّ وجلَّ: ﴿وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا﴾، أَيْ يقال لهم ذلك تقريحاً وَتَوْبِيخًا، وَقَدْ تَوَرَّعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ طيبات المآكل والمشارب وتنزه عنها وقال: إني أَخَافُ إِنْ أكون من الذين قال الله لهم: ﴿أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا﴾، وقوله عزَّ وجلَّ: ﴿فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ﴾ جُوزوا من جنس عملهم، فكما متعوا أَنْفُسَهُمْ وَاسْتَكْبَرُوا عَنِ اتِّبَاعِ الْحَقِّ، وَتَعَاطَوُا الْفِسْقَ والمعاصي، جازاهم الله تبارك وتعالى بِعَذَابِ الْهُونِ، وَهُوَ الْإِهَانَةُ وَالْخِزْيُ وَالْآلَامُ الْمُوجِعَةُ، وَالْحَسَرَاتُ الْمُتَتَابِعَةُ، وَالْمُنَازِلُ فِي الدَّرَكَاتِ المفظِعة، أَجَارَنَا الله سبحانه وتعالى مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ.
- ٢٢ - قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ
- ٢٣ - قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ
- ٢٤ - فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُواْ هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ
- ٢٥ - تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ
يَقُولُ تَعَالَى مُسَلِّيًا لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي تَكْذِيبِ مَنْ كَذَّبَهُ مِنْ قَوْمِهُ ﴿وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ﴾ وهو ﴿هود﴾ عليه الصلاة والسلام، بعثه الله عزَّ وجلَّ إِلَى عَادٍ الْأُولَى، وَكَانُوا يَسْكُنُونَ الْأَحْقَافَ، جَمْعُ حِقْف، وهو الجبل من الرمل، وقال عكرمة: الأحقاف: الجبل والغار، وَقَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ عَادًا كَانُوا حَيًّا بِالْيَمَنِ أَهْلَ رَمْلٍ مُشْرِفِينَ عَلَى الْبَحْرِ بأرض يقال لها الشِّحْر، وقوله تعالى: ﴿وَقَدْ خَلَتْ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ﴾، يعني وقد أرسل الله تعالى من حول بلادهم في القرى مرسلين ومنذرين، كقوله عزَّ وجلَّ: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ إِذْ جَآءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ أَيْ قال لهم هود ذلك فأجاب قومه قائلين ﴿أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا﴾؟ أَيْ لِتَصُدَّنَا عَنْ آلِهَتِنَا، ﴿فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ اسْتَعْجَلُوا عَذَابَ اللَّهِ وعقوبته، استبعاداً منهم وقوعه، كقوله جلَّت عظمته: ﴿يَسْتَعْجِلُ بِهَا الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا﴾، ﴿قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ﴾ أَيِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُسْتَحِقِّينَ لِتَعْجِيلِ الْعَذَابِ فسيفعل ذلك بكم، وأما أنا فمن شأني أن أُبْلِغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ ﴿وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ﴾ أَيْ لَا تَعْقِلُونَ وَلَا تَفْهَمُونَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ﴾ أَيْ لَمَّا رَأَوُاْ الْعَذَابَ مُسْتَقْبِلَهُمْ، اعْتَقَدُوا أَنَّهُ عَارِضٌ مُمْطِرٌ فَفَرِحُوا وَاسْتَبْشَرُوا بِهِ، وَقَدْ كَانُوا مُمْحِلِينَ مُحْتَاجِينَ إِلَى الْمَطَرِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أَيْ هُوَ الْعَذَابُ الَّذِي قُلْتُمْ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ، ﴿تُدَمِّرُ﴾ أَيْ تُخَرِّبُ ﴿كُلَّ شَيْءٍ﴾ مِنْ بِلَادِهِمْ مِمَّا مِنْ شَأْنِهِ الْخَرَابُ، ﴿بِأَمْرِ رَبِّهَا﴾ أَيْ بإذن الله لها في ذلك، كقوله سبحانه وتعالى: ﴿مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كالرميم﴾ أي كالشيء البالي، ولهذا قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ﴾ أَيْ قَدْ بَادُوا كُلُّهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ وَلَمْ تَبْقَ لَهُمْ بَاقِيَةٌ، ﴿كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ﴾ أَيْ هَذَا حكمنا فيمن كذَّب رسلنا وخالف أمرنا.
يروى أن عاداً قحطوا فبعثوا وفداً يُقَالُ لَهُ (قَيْلُ) فَمَرَّ بِمُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ، فَأَقَامَ عِنْدَهُ شَهْرًا يَسْقِيهِ الْخَمْرَ، وَتُغَنِّيهِ جَارِيَتَانِ، يُقَالُ لَهُمَا الْجَرَادَتَانِ، فَلَمَّا مَضَى الشَّهْرُ خَرَجَ إِلَى جِبَالِ مَهْرَةَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَجِئْ إِلَى مَرِيضٍ فَأُدَاوِيهِ، وَلَا أَسِيرٍ فَأُفَادِيهِ، اللَّهُمَّ اسْقِ عَادًا مَا كُنْتَ تَسْقِيهِ، فَمَرَّتْ بِهِ سَحَّابَاتٌ سُودُ، فَنُودِيَ مِنْهَا اختر، فأومأ إلى سحابة سوداء، فنودي منها خذها رماداً رِمْدَداً (يقال: رِمْدِدُ ورِمْدَد ورِمْديد: أي كثير دقيق جداً)، لا تبقي من عاد أحداً، فما أرسل عَلَيْهِمْ مِنَ الرِّيحِ إِلَّا قَدْرُ
- ٢٧ - وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِّنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
- ٢٨ - فَلَوْلاَ نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ قُرْبَاناً آلِهَةَ بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ
يقول تعالى: وَلَقَدْ مكننا الْأُمَمَ السَّالِفَةَ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ، وَأَعْطَيْنَاهُمْ مِنْهَا مَا لَمْ نُعْطِكُمْ مِثْلَهُ وَلَا قَرِيبًا مِنْهُ، ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَآ أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُواْ يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾، أي وحاط بِهِمُ الْعَذَابُ وَالنَّكَالُ الَّذِي كَانُوا يُكَذِّبُونَ بِهِ ويستعبدون وُقُوعَهُ، أَيْ فَاحْذَرُوا أَيُّهَا الْمُخَاطَبُونَ أَنْ تَكُونُوا مثلهم فيصيبكم مثل مَآ أَصَابَكُمْ من العذاب في الدنيا والآخرة، وقوله تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِّنَ الْقُرَى﴾ يَعْنِي أهل مكة، وقد أَهْلَكَ اللَّهُ الْأُمَمَ الْمُكَذِّبَةَ بِالرُّسُلِ مِمَّا حَوْلَهَا كَعَادٍ وَكَانُوا بِالْأَحْقَافِ بِحَضْرَمَوْتَ عِنْدَ الْيَمَنِ، وَثَمُودَ وَكَانَتْ مَنَازِلُهُمْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الشَّامِ، وَكَذَلِكَ سَبَأٌ وَهُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ، وَمَدْيَنُ وَكَانَتْ فِي طَرِيقِهِمْ وَمَمَرِّهِمْ إِلَى غَزَّةَ، وَكَذَلِكَ بُحَيْرَةُ قَوْمِ لُوطٍ كانوا يمرون بها أيضاً، وقوله عزَّ وجلَّ: ﴿وَصَرَّفْنَا الآيات﴾ أي بيناها وأوضحناها ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * فَلَوْلاَ نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ قُرْبَاناً آلِهَةَ﴾ أي فهل نَصَرُوهُمْ عِنْدَ احْتِيَاجِهِمْ إِلَيْهِمْ، ﴿بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ﴾ أَيْ بَلْ ذَهَبُوا عَنْهُمْ أَحْوَجَ مَا كَانُوا إليهم،
- ٣٠ - قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ
- ٣١ - يَا قَوْمَنَا أَجِيبُواْ دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ
- ٣٢ - وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ أُولَئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
رُوي عَنِ الزُّبَيْرِ ﴿وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ﴾ قَالَ: بِنَخْلَةَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ، ﴿كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لبداً﴾ ﷺ وكانوا سبعة من جن نصيبين «(تفرد به الإمام أحمد). وروى الحافظ البيهقي في كتابه» دلائل النبوة" عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: مَا قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْجِنِّ وَلَا رَآهُمْ، انْطَلَقَ رسول الله ﷺ في طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظَ. وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الشُّهُبُ، فَرَجَعَتِ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ، فَقَالُوا: مَا لَكُمْ؟ فَقَالُوا: حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ، قَالُوا: مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلَّا شَيْءٌ حَدَثَ، فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا وَانْظُرُوا مَا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، فَانْطَلَقُوا يَضْرِبُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا يَبْتَغُونَ مَا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، فَانْصَرَفَ أُولَئِكَ النَّفَرُ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ بِنَخْلَةَ عَامِدًا إِلَى سُوقِ عُكَاظَ وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْفَجْرِ، فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ فَقَالُوا: هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ فَهُنَالِكَ حِينَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ ﴿قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَدًا﴾، وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجن﴾ وإنما أوحي إليه قول الجن (أخرجه البيهقي ورواه البخاري ومسلم بنحوه). وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه قَالَ: هَبَطُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ بِبَطْنِ نَخْلَةَ فَلَمَّا سَمِعُوهُ، قَالُوا: أَنْصِتُوا، قَالَ: صَهٍ، وَكَانُوا تِسْعَةً، أَحَدُهُمْ زَوْبَعَةُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُواْ فَلَمَّا قُضيَ وَلَّوْاْ إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ - إِلَى - ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾ فَهَذَا مع رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَقْتَضِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَشْعُرْ بِحُضُورِهِمْ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ، وَإِنَّمَا اسْتَمَعُوا قِرَاءَتَهُ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ وَفَدُوا إِلَيْهِ أَرْسَالًا، قَوْمًا بَعْدَ قَوْمٍ، وَفَوْجًا بَعْدَ فوج، قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ عباس رضي الله عنهما إنما هو أَوَّلِ مَا سمعتِ الْجِنُّ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلِمَتْ حَالَهُ، وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ يَقْرَأْ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَرَهُمْ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَتَاهُ دَاعِي الْجِنِّ فَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ وَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ عزَّ وجلَّ.
روى الإمام مسلم، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَلْقَمَةَ: هَلْ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فهذه الطريق تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذهَبَ إِلَى الْجِنِّ قَصْدًا، فَتَلَا عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ ودعاهم إلى الله عزَّ وجلَّ، أَمَّا الْجِنُّ الَّذِينَ لَقُوهُ بِنَخْلَةَ فَجِنُّ نِينَوَى، وَأَمَّا الْجِنُّ الَّذِينَ لَقُوهُ بِمَكَّةَ فَجِنُّ نَصِيبِينَ، وقد قال الحافظ أبو بكر البيهقي: كان أبو هريرة رضي الله عنه يَتْبَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإداوة لوضوحه وحاجته، فأدركه يوماً فقال: «ما هذا؟»، قال: أنا أبو هريرة، قال صلى الله عليه وسلم: «ائْتِنِي بِأَحْجَارٍ أَسْتَنْجِ بِهَا وَلَا تَأْتِنِي بِعَظْمٍ وَلَا رَوْثَةٍ»، فَأَتَيْتُهُ بِأَحْجَارٍ فِي ثَوْبِي، فَوَضَعْتُهَا إلى جنبه، حتى فَرَغَ وَقَامَ اتَّبَعْتُهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ما بال العظم والروثة؟ قال صلى الله عليه وسلم: «أَتَانِي وَفْدُ جِنِّ
أَلَمْ تَرَ الْجِنَّ وَإِبْلَاسَهَا * وَيَأْسَهَا مِنْ بَعْدِ إِنْكَاسِهَا * وَلُحُوقَهَا بِالْقِلَاصِ وأحلاسها
قال عمر رضي الله عنه: صَدَقَ، بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ عِنْدَ آلِهَتِهِمْ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ بِعِجْلٍ، فَذَبَحَهُ، فَصَرَخَ بِهِ صَارِخٌ لَمْ أَسْمَعْ صَارِخًا قَطُّ أَشَدَّ صَوْتًا مِنْهُ، يَقُولُ: يَا جَلِيحُ، أَمْرٌ نَجِيحٌ رَجُلٌ فَصِيحٌ يقول: لا إله إلا الله، قال: فَوَثَبَ الْقَوْمُ، فَقُلْتُ: لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَعْلَمَ مَا وَرَاءَ هَذَا، ثُمَّ نَادَى: يَا جَلِيحُ أَمْرٌ نَجِيحٌ رَجُلٌ فَصِيحٌ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقُمْتُ فَمَا نَشِبْنَا أَنْ قِيلَ: هذا نبي" (هذا لفظ البخاري وقد رواه البيهقي بنحوه).
وقوله تبارك وتعالى: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ﴾ أَيْ طَائِفَةً مِّنَ الْجِنِّ، ﴿يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُواْ﴾ أَيْ اسْتَمِعُوا وَهَذَا أَدَبٌ مِنْهُمْ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُورَةَ الرَّحْمَنِ حَتَّى خَتَمَهَا، ثُمَّ قَالَ: "مالي أَرَاكُمْ سُكُوتًا؟ لَلْجِنُّ كَانُوا أَحْسَنَ مِنْكُمْ رَدًّا، مَا قَرَأْتُ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ مِنْ مَرَّةٍ ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ إِلَّا قَالُوا: وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ آلَائِكَ أَوْ نِعَمِكَ رَبَّنَا نُكَذِّبُ فلك الحمد" (أخرجه الحافظ البيهقي، ورواه الترمذي وَقَالَ: غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ الْوَلِيدِ عن زهير). وقوله عزَّ وجلَّ: ﴿فَلَمَّا قُضِيَ﴾ أي فرغ كقوله تعالى: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصلاة﴾، ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَّنَاسِكَكُمْ﴾، ﴿وَلَّوْاْ إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ﴾ أَيْ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ فَأَنْذَرُوهُمْ مَا سَمِعُوهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كقوله جلَّ وعلا: ﴿لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يحذرون﴾، وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّهُ فِي الجن نُذُرٌ وليس فيهم رسل، فأما قوله تبارك وتعالى في الْأَنْعَامِ: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ منكم﴾؟ فَالْمُرَادُ مِنْ مَجْمُوعِ الْجِنْسَيْنِ فَيَصْدُقُ عَلَى أَحَدِهِمَا وَهُوَ الْإِنْسُ، كَقَوْلِهِ: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ﴾ أَيْ أَحَدُهُمَا، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى فَسَّرَ إِنْذَارَ الْجِنِّ لِقَوْمِهِمْ، فَقَالَ مُخْبِرًا عَنْهُمْ: ﴿قَالُواْ يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ موسى﴾ وَلَمْ يَذْكُرُوا عِيسَى، لِأَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أنزل عليه الإنجيل، فيه مواعظ وَقَلِيلٌ مِنَ التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ كَالْمُتَمِّمِ لِشَرِيعَةِ التَّوْرَاةِ، فَالْعُمْدَةُ هُوَ التَّوْرَاةُ، فَلِهَذَا قالوا ﴿أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى﴾ ﴿مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ أي من الكتب
وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ﴾ قِيلَ إِنَّ ﴿مِّن﴾ ههنا زائدة، وفيه نظر، وقيل إنها لِلتَّبْعِيضِ، ﴿وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ أَيْ وَيَقِيكُمْ من عذابه الأليم، ومؤمنوا الجن يدخلون الجنة كمؤمني الإنس، ويدل عليه قوله تعالى: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ ربه جنتان﴾ فَقَدِ امْتَنَّ تَعَالَى عَلَى الثَّقَلَيْنِ بِأَنْ جَعَلَ جزاء محسنهم الجنة، ولم يرد نَصٌّ صَرِيحٌ وَلَا ظَاهِرٌ عَنِ الشَّارِعِ، أَنَّ مُؤْمِنِي الْجِنِّ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَإِنْ أُجِيرُوا من النار، ولو صح لقلنا به. وقد حكي فيهم أقوال غريبة، فَمِنَ النَّاسِ مَن زَعَمَ أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ يَرَاهُمْ بنو آدم ولا يرو بني آدم، بعكس مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الدَّارِ الدُّنْيَا، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: لَا يَأْكُلُونَ فِي الْجَنَّةِ وَلَا يَشْرَبُونَ، وَإِنَّمَا يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ وَالتَّقْدِيسَ عِوَضًا عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، كَالْمَلَائِكَةِ لِأَنَّهُمْ مِنْ جِنْسِهِمْ، وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِيهَا نَظَرٌ، وَلَا دليل عليها، ثم قال مخبراً عنهم: ﴿وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ﴾ أَيْ بَلْ قُدْرَةُ اللَّهِ شَامِلَةٌ لَهُ وَمُحِيطَةٌ بِهِ ﴿وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ﴾ أَيْ لَا يُجِيرُهُمْ مِنْهُ أَحَدٌ ﴿أُولَئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾ وَهَذَا مَقَامُ تَهْدِيدٍ وَتَرْهِيبٍ، فَدَعَوْا قَوْمَهُمْ بِالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ، وَلِهَذَا نَجَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْهُمْ، وَجَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُفُودًا وُفُودًا كَمَا تَقَدَّمَ بيانه، والله أعلم.
- ٣٤ - وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُواْ بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ
- ٣٥ - فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ القوم الفاسقون
يقول تعالى: أَوَلَمْ ير هؤلاء المنكرون للبعث، المستبعدون لقيام الأجساد يوم الماد ﴿أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ﴾ أَيْ وَلَمْ يَكْرُثْهُ خَلْقُهُنَّ بَلْ قَالَ لَهَا: كُونِي فَكَانَتْ، بِلَا مُمَانَعَةٍ وَلَا مُخَالَفَةٍ، بَلْ طَائِعَةٌ مُجِيبَةٌ خَائِفَةٌ وَجِلَةٌ، أَفَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى؟ كَمَا قال عزَّ وجلَّ فِي الْآيَةِ الأُخْرى: ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ولكنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾، ولهذا قال تعالى: ﴿بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ثُمَّ قال جل جلاله مُتَهَدِّدًا وَمُتَوَعِّدًا لِمَنْ كَفَرَ بِهِ: ﴿وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ﴾؟ أَيْ يُقَالُ لَهُمْ: أَمَا هَذَا حَقٌّ؟ أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ؟ ﴿قَالُواْ بَلَى وَرَبِّنَا﴾ أَيْ لَا يَسَعُهُمْ إِلَّا الِاعْتِرَافُ، ﴿قَالَ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ﴾، ثُمَّ قَالَ تبارك وتعالى آمِرًا رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّبْرِ عَلَى تَكْذِيبِ مَنْ كَذَّبَهُ مِنْ قَوْمِهِ ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ أَيْ على تكذيب قومهم لهم،