ﰡ
فَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يرْجِفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ فَقَالَ: " زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي "، فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَأَخْبَرَ خَدِيجَةَ بالْخَبَرِ وَقَالَ: " خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي ". فَانْطَلَقَتْ بهِ خَدِيجَةُ إلى وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلَ وَهُوَ ابْنُ عَمِّهَا، وَكَانَ امْرِءاً تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ مِنَ الإنْجِيلِ بالْعَبْرَانِيَّةِ، وَكَانَ شَيْخاً كَبيراً قَدْ ضَعُفَ بَصَرُهُ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَا ابْنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنْ ابْنِ أخِيكَ، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلَ: يَا ابْنَ أخِي مَاذا رَأيْتَ؟ فَأَخْبَرَهُ بَمَا رَأى، فَقَالَ وَرَقَةُ: هَذا هُوَ النَّامُوسُ الَّذِي نَزَلَ عَلَى مُوسَى، فَيَا لَيْتَنِي أكُونُ حَيّاً حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فقال صلى الله عليه وسلم: " أوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟! " قَالَ: لَمْ يَأْتِ أحَدٌ بمِثْلِ مَا جِئْتَ بهِ إلاَّ عُودِيَ وَأُوذِيَ، وَإنْ يُدْركْنِي يَوْمُكَ أنْصُرْكَ نَصْراً مُؤزَّراً. ثُمَّ إنَّ وَرَقَةَ لَمْ يُدْركْ وَقْتَ الدَّعْوَةِ أنْ تُوُفِّي ". واختلَفُوا في الباءِ في قوله ﴿ بِٱسْمِ رَبِّكَ ﴾ قال بعضُهم: هي زائدةٌ؛ وتقديرهُ: اقرَأ اسمَ ربكَ، كما يقالُ: قرأتُ بسُورةِ كذا. وقال بعضُهم: افتحِ القراءةَ بسمِ الله. وَقِيْلَ: معناهُ: اقرأ القرآنَ بعَونِ اللهِ وتوفيقه. وقولهُ تعالى ﴿ ٱلَّذِي خَلَقَ ﴾ أي خلقَكَ. وَقِيْلَ: خلَقَ الأشياء كلَّها.
﴿ أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ ﴾، أنْ رأى نفسَهُ مُستغنياً بكثرةِ ماله. رُوي:" أنَّ هذه الآيةَ نزَلت في أبي جهلٍ، وكان صلى الله عليه وسلم يقولُ: " أعُوذ بكَ مِنْ فَقْرٍ يُنْسِي، وَمِنْ غِنًى يُطْغِي " ".
﴿ أَوْ أَمَرَ ﴾، الخلقَ.
﴿ بِٱلتَّقْوَىٰ ﴾، أكُنتَ تنهاهُ وتعاديه على ذلك. وَقِيْلَ: معناهُ: أرأيتَ - يا مُحَمَّدُ - إنْ كان الناهِي على الهدى، أو أمرَ بالتقوى، أليسَ كان خَيراً له.
﴿ أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ ﴾؛ ألَمْ يعلم أبو جهلٍ أنَّ الله يرَى صُنعَهُ.