وهي أول ما نزل من القرآن. وقيل : إنها نزلت عليه في أول الوحي خمس آيات منها، ثم نزل باقيها في أبي جهل.
ﰡ
وتسمّى: سورة القلم، وسورة اقرأ، وهي مكّيّة بإجماعهم. وهي أول ما نزل من القرآن. وقيل:
إنما أنزل عليه في أول الوحي خمس آيات منها، ثم نزل باقيها في أبي جهل.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة العلق (٩٦) : الآيات ١ الى ٥]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤)عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (٥)
قوله تعالى: اقْرَأْ قرأ أبو جعفر بتخفيف الهمزة في الحرفين. قال أبو عبيدة: المعنى: «اقرأ اسم ربك» والباء زائدة.
وقال المفسرون: المعنى: اذكر اسمه مستفتحا به قراءتك. وإنما قال عزّ وجلّ: الَّذِي خَلَقَ لأن الكفار كانوا يعلمون أنه الخالق دون أصنامهم. والإنسان هاهنا: ابن آدم. والعلق: جمع علقة، وقد بَيَّنَّاها في سورة الحج «١» قال الفراء: لما كان الإنسان في معنى الجمع جمع العلق مع مشاكلة رؤوس الآيات..
قوله تعالى: اقْرَأْ تكرير للتأكيد. ثم استأنف فقال عزّ وجلّ: وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ قال الخطّابي:
الأكرم: الذي لا يوازيه كريم، ولا يعادله في الكرم نظير. وقد يكون الأكرم بمعنى الكريم، كما جاء الأعَزُّ والأطول، بمعنى العزيز والطويل. وقد سبق تفسير الكريم.
قوله عزّ وجلّ: الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ أي: علم الإنسان الكتابة بالقلم عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ من الخط، والصنائع، وغير ذلك. وقيل: المراد بالإنسان هاهنا: محمّد صلّى الله عليه وسلم.
[سورة العلق (٩٦) : الآيات ٦ الى ١٩]
كَلاَّ إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (٧) إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى (٨) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (٩) عَبْداً إِذا صَلَّى (١٠)
أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى (١١) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى (١٢) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٣) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى (١٤) كَلاَّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ (١٥)
ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ (١٦) فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (١٧) سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ (١٨) كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (١٩)
قوله عزّ وجلّ: كَلَّا أي: حقاً. وقال مقاتل: كَلَّا لا يعلم أن الله علمه. ثم استأنف فقال
قوله عزّ وجلّ: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى معنى: أرأيت: تعجيب المخاطب، وإنما كررها للتأكيد والتعجيب. والمراد بالناهي هاهنا: أبو جهل.
(١٥٤٥) قال أبو هريرة: قال أبو جهل: هل يعفِّر محمَّدٌ وجهه بين أظهركم؟ قالوا: نعم. قال:
فبالذي يحلف به لئن رأيته يفعل ذلك لأطأنّ على رقبته. فقال له: ها هو ذاك يصلي. فانطلق لِيَطَأَ على رقبته، فما فجأهم إلا وهو ينكص على عقبيه، ويتَّقي بيديه، فأتوه، فقالوا: ما لك يا أبا الحكم؟ فقال:
إن بيني وبينه خندقاً من نار، وهولاً وأَجْنِحَةً. وقال نبي الله صلّى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضواً»، فأنزل الله تعالى: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى إلى آخر السورة.
(١٥٤٦) وقال ابن عباس: كان النبيّ صلّى الله عليه وسلم يصلي، فجاء أبو جهل فقال: ألم أنهك عن هذا؟! فانصرف إليه النبيّ صلّى الله عليه وسلم فَزَبَرَه «١»، فقال أبو جهل: والله إنك لتعلم ما بها نادٍ أكثر مني، فأنزل الله تعالى:
فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (١٧) سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ قال ابن عباس: والله لو دعا ناديه لأخذته زبانية الله.
قال المفسرون: والمراد بالعبد هاهنا: محمد صلّى الله عليه وسلم. وقيل: كانت الصلاة صلاة الظّهر.
قوله عزّ وجلّ: أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى يعني المنهي وهو النبيّ صلّى الله عليه وسلم.
قوله عزّ وجلّ: أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى يعني: الناهي، وهو أبو جهل، قال الفراء: والمعنى:
أرأيتَ الذي ينهى عبداً إذا صلى، وهو كاذب مُتَوَلٍّ عن الذّكر، وأيّ شيء أعجب من هذا؟! وقال ابن الأنباري: تقديره: أرأيته مصيبا.
قوله عزّ وجلّ: أَلَمْ يَعْلَمْ يعني أبا جهل بِأَنَّ اللَّهَ يَرى ذلك فيجازيه كَلَّا أي: لا يعلم ذلك لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ عن تكذيب محمد وشتمه وإيذائه لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ السفع: الأخذ، والناصية: مقدّم شعر الرأس. قال أبو عبيدة: يقال: سفعتُ بيده، أي: أخذتُ بها. وقال الزجاج: يقال: سفعتُ بالشيء: إذا قبضتَ عليه وجذبته جذباً شديداً. والمعنى: لنجرّنّ ناصيته إلى النّار.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» ١١٦٨٣ وأحمد ٢/ ٣٧٠ وابن حبان ٦٥٧١ والبيهقي ٢/ ١٩ وأبو نعيم في «الدلائل» ١٥٨ والواحدي في «الوسيط» ٤/ ٥٢٩ من طرق عن معتمر بن سليمان به. وأخرجه الطبري ٣٧٦٨٧ من طريق ابن ثور عن أبيه عن نعيم بن أبي هند به.
صحيح. أخرجه البخاري ٤٩٥٨ وعبد الرزاق في «التفسير» ٣٦٦٠ والطبري ٣٧٦٨٩ من حديث ابن عباس.
__________
(١) فزبره: نهره وأغلظ عليه. قلت: وما زالت هذه الآية التي نزلت في شأن أبي جهل مستمرة شاملة لكل من يمنع الصلاة بأي شكل من الأشكال، سواء كانت بالقوة، أو بمجرد تخويف، أو تهديد وسواء كان في الأماكن العامة أو بالأماكن الخاصة، وسواء كان مباشر، أو بصورة غير مباشرة، فهؤلاء كلهم آباء جهل وهم أشد الناس عذابا يوم القيامة إذ لا يعبدون الله، وإذا عبدوا كانوا يراءون الناس، ومع ذلك يصدون عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون. نسأل الله السلامة، وحسن الختام.
فلان زِبْنِيَة عِفْرِيَة. قال ابن قتيبة: وهو مَأْخوذٌ من الزَّبْن، وهو الدَّفْع، كأنهم يدفعون أهل النّار إليها.
وقال ابن دريد: الزَّبْن: الدفع. يقال: ناقة زبون: إذا زَبَنَتْ حالبها. ودفعته برجلها. وتَزَابَنَ القوم:
تدارؤوا. واشتقاق الزبانية من الزَّبْن. والله أعلم.
قوله عزّ وجلّ: كَلَّا أي: ليس الأمر على ما عليه أبو جهل لا تُطِعْهُ في ترك الصلاة وَاسْجُدْ أي: صَلِّ لله وَاقْتَرِبْ إليه بالطاعة، وهذا قول الجمهور أنّ قوله عزّ وجلّ: وَاقْتَرِبْ خطاب للنبيّ صلّى الله عليه وسلم. وقد قيل: إنه خطاب لأبي جهل: ثم فيه قولان: أحدهما: أن المعنى: اسجد أنت يا محمد، واقترب أنت يا أبا جهل إلى النَّار، قاله زيد بن أسلم. والثاني: واقترب يا أبا جهل تَهَدَّدَاً له، رواه أبو سليمان الدمشقي عن بعض القُدَماء وهذا يشرحه حديث أبي هريرة الذي قدَّمناه.
(١٥٤٧) وروى أبو هريرة عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «أقرب ما يكون العبد من ربّه وهو ساجد فأكثروا الدّعاء».