وهي مكية.
قال البخاري في " كتاب الجمعة " : حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان، عن سعد بن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن هُرْمُز الأعرج، ٢ عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال : كان النبي٣ صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر يوم الجمعة :﴿ الم * تَنزيلُ ﴾ السجدة، و﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الإنْسَانِ ﴾.
ورواه مسلم أيضًا من حديث سفيان الثوري، به. ٤
وقال الإمام أحمد : حدثنا أسود بن عامر، أخبرنا الحسن بن صالح، عن لَيْث، عن أبي الزبير، عن جابر قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ ﴿ الم * تَنزيلُ ﴾ السجدة و﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ﴾ تفرد به أحمد. ٥
٢ - في ت: "وروى البخاري بإسناده"..
٣ - في ت: "رسول الله"..
٤ - صحيح البخاري برقم (٨٩١) وصحيح مسلم برقم (٨٨٠)..
٥ - المسند (٣/٣٤٠)..
ﰡ
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي "كِتَابِ الْجُمُعَةِ": حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُز الْأَعْرَجِ، (٢) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ (٣) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ: ﴿الم * تَنزيلُ﴾ السَّجْدَةَ، وَ ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الإنْسَانِ﴾.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، بِهِ. (٤)
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ لَيْث، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنَامُ حَتَّى يَقْرَأَ ﴿الم * تَنزيلُ﴾ السَّجْدَةَ وَ ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ﴾ تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ. (٥)
﴿الم (١) تَنزيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٣) ﴾.
قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ "الْبَقَرَةِ" بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ.
وَقَوْلُهُ: ﴿تَنزيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ أَيْ: لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا مِرْيَةَ أَنَّهُ نَزَلَ، (٦) ﴿مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
ثُمَّ قَالَ مُخْبِرًا عَنِ الْمُشْرِكِينَ: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ﴾، بَلْ يَقُولُونَ: ﴿افْتَرَاهُ﴾ أَيِ: اخْتَلَقَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، ﴿بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾ أَيْ يتبعون الحق.
(٢) في ت: "وروى البخاري بإسناده".
(٣) في ت: "رسول الله".
(٤) صحيح البخاري برقم (٨٩١) وصحيح مسلم برقم (٨٨٠).
(٥) المسند (٣/٣٤٠).
(٦) في ف، أ: "منزل".
يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ الْخَالِقُ لِلْأَشْيَاءِ، فخلق السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ.
﴿مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ﴾ أَيْ: بَلْ هُوَ الْمَالِكُ لِأَزِمَّةِ الْأُمُورِ، الْخَالِقُ لِكُلِّ شَيْءٍ، الْمُدَبِّرُ لِكُلِّ شَيْءٍ، الْقَادِرُ (١) عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَلَا وَلِيَّ لِخَلْقِهِ سِوَاهُ، وَلَا شَفِيعَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ.
﴿أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ﴾ يَعْنِي: أَيُّهَا الْعَابِدُونَ غَيْرَهُ، الْمُتَوَكِّلُونَ عَلَى مَنْ عَدَاهُ -تَعَالَى وَتَقَدَّسَ وَتَنَزَّهَ أَنْ يَكُونَ لَهُ نَظِيرٌ أَوْ شَرِيكٌ أَوْ نَدِيدٌ، أَوْ وَزِيرٌ أَوْ عَدِيلٌ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَلَا رَبَّ سِوَاهُ.
وَقَدْ أَوْرَدَ النَّسَائِيُّ هَاهُنَا حَدِيثًا فَقَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ الْحَدَّادُ، حَدَّثَنَا الْأَخْضَرُ بْنُ عَجْلان، عَنْ أَبِي جُريْج الْمَكِّيِّ، عَنْ عَطَاءٍ، (٢) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِي فَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ فِي الْيَوْمِ (٣) السَّابِعِ، فَخَلَقَ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ، وَالْجِبَالَ يَوْمَ الْأَحَدِ، وَالشَّجَرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَالْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ، وَالنُّورَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، وَالدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَآدَمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنَ النَّهَارِ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَخَلَقَهُ مِنْ أَدِيمِ الْأَرْضِ، بِأَحْمَرِهَا وَأَسْوَدِهَا، وَطِيبِّهَا وَخَبِيثِهَا، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ جَعَلَ اللَّهُ مَنْ بَنِي آدَمَ الطَّيِّبَ وَالْخَبِيثَ". (٤)
هَكَذَا أَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ إِسْنَادًا وَمَتْنًا، وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَالنِّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الْحَجَّاجِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَعْوَرُ، عَنِ ابْنِ جُرَيج، عَنْ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ. (٥)
وَقَدْ علَّله الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ "التَّارِيخِ الْكَبِيرِ" فَقَالَ: "وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ وَهُوَ أَصَحُّ"، (٦) وَكَذَا علَّله غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْحُفَّاظِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ: ﴿يُدَبِّرُ الأمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ﴾ أَيْ: يَتَنَزَّلُ (٧) أَمْرُهُ مِنْ أَعْلَى السموات إِلَى أَقْصَى تُخُومِ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنزلُ الأمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [الطَّلَاقِ: ١٢].
وَتُرْفَعُ الْأَعْمَالُ إِلَى دِيوَانِهَا فَوْقَ سَمَاءِ الدُّنْيَا، وَمَسَافَةُ مَا بَيَّنَهَا وَبَيْنَ الْأَرْضِ [مَسِيرَةُ] (٨) خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ، وَسُمْكُ السَّمَاءِ خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ: النُّزُولُ مِنَ الْمَلَكِ فِي مَسِيرَةِ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَصُعُودُهُ فِي مَسِيرَةِ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَلَكِنَّهُ يَقْطَعُهَا فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾.
(٢) في ت: "وروى مسلم والنسائي حديثا".
(٣) في ت: "على العرش يوم".
(٤) النسائي في السنن الكبرى برقم (١١٣٩٢).
(٥) صحيح مسلم برقم (٢٧٨٩) والنسائي في السنن الكبرى برقم (١١٠١٠).
(٦) التاريخ الكبير للبخاري (١/٤١٣، ٤١٤) وممن أعله من الحفاظ ابن المديني كما نقل ذلك البيهقي في الأسماء والصفات ص (٢٧٥) وقد رد ذلك الشيخ ناصر الألباني في صحيحته برقم (١٨٣٣) والحديث يحتاج إلى بحث، والله اعلم.
(٧) في ت، ف: "ينزل".
(٨) زيادة من ت، ف، أ.
وترفع الأعمال إلى ديوانها فوق سماء الدنيا، ومسافة ما بينها وبين الأرض [ مسيرة ] ٢ خمسمائة سنة، وسمك السماء خمسمائة سنة.
وقال مجاهد، وقتادة، والضحاك : النزول من الملك في مسيرة خمسمائة عام، وصعوده في مسيرة خمسمائة عام، ولكنه يقطعها في طرفة عين ؛ولهذا قال تعالى :﴿ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴾.
٢ - زيادة من ت، ف، أ..
﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنْسَانِ مِنْ طِينٍ (٧) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (٨) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ (٩) ﴾.
يَقُولُ تَعَالَى: إِنَّهُ الَّذِي أَحْسَنَ خَلْقَ الْأَشْيَاءِ وَأَتْقَنَهَا وَأَحْكَمَهَا.
وَقَالَ مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ قَالَ: أَحْسَنَ خَلْقَ كُلِّ شَيْءٍ. كَأَنَّهُ جَعَلَهُ مِنَ الْمُقَدَّمِ وَالْمُؤَخَّرِ.
ثُمَّ لما ذكر خلق السموات وَالْأَرْضِ، شَرَعَ فِي ذِكْرِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ فَقَالَ: ﴿وَبَدَأَ خَلْقَ الإنْسَانِ مِنْ طِينٍ﴾ يَعْنِي: خَلَقَ أَبَا الْبَشَرِ آدَمَ مِنْ طِينٍ.
﴿ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ﴾ أَيْ: يَتَنَاسَلُونَ كَذَلِكَ مِنْ نُطْفَةٍ تَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ صُلْبِ الرَّجُلِ وَتَرَائِبِ الْمَرْأَةِ.
﴿ثُمَّ سَوَّاهُ﴾ يَعْنِي: آدَمَ، لَمَّا خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ خَلَقَهُ سَوِيًّا مُسْتَقِيمًا، ﴿وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ﴾، يَعْنِي: الْعُقُولَ، ﴿قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ﴾ أَيْ: بِهَذِهِ الْقُوَى الَّتِي رَزَقَكُمُوهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. (٢) فَالسَّعِيدُ مَنْ اسْتَعْمَلَهَا فِي طَاعَةِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
﴿وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ (١٠) قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١١) ﴾
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الْمُشْرِكِينَ فِي اسْتِبْعَادِهِمُ الْمَعَادَ حَيْثُ قَالُوا: ﴿أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأرْضِ﴾ أَيْ: تَمَزَّقَتْ أَجْسَامُنَا وَتَفَرَّقَتْ فِي أَجْزَاءِ الْأَرْضِ (٣) وَذَهَبَتْ، ﴿أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ ؟ أَيْ: أَئِنَّا لَنَعُودُ بَعْدَ تِلْكَ الْحَالِ؟! يَسْتَبْعِدُونَ ذَلِكَ، (٤) وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ بَعِيدٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى قُدْرَتهم الْعَاجِزَةِ، لَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى قُدْرة الَّذِي بَدَأَهُمْ وَخَلَقَهُمْ مِنَ الْعَدَمِ، الَّذِي إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ﴾.
ثُمَّ قَالَ: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ﴾، الظَّاهِرُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ مَلَكَ الموت شخص
(٢) في ف، أ: "تعالى".
(٣) ف أ: "الأرضين".
(٤) في أ: "تلك الحال".
قَالَ مُجَاهِدٌ: حُويت لَهُ الْأَرْضُ فَجُعِلَتْ لَهُ مِثْلَ الطَّسْتِ، يَتَنَاوَلُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ. (٣) وَرَوَاهُ زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ مُرْسَلًا. وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي يَحْيَى الْمَقْرِيُّ، حَدَّثَنَا (٤) عَمْرُو بْنُ شَمِرٍ (٥) عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَلَكِ الْمَوْتِ عِنْدَ رَأْسِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا مَلَكَ الْمَوْتِ، ارْفُقْ بِصَاحِبِي فَإِنَّهُ مُؤْمِنٌ". فَقَالَ مَلَك الْمَوْتِ: يَا مُحَمَّدُ، طِبْ نَفْسًا وقَر عَيْنًا فَإِنِّي بِكُلِّ مُؤْمِنٍ رَفِيقٌ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَا فِي الْأَرْضِ بَيْتُ مَدَر وَلَا شَعَر، فِي بَرٍّ وَلَا (٦) بَحْرٍ، إِلَّا وَأَنَا أَتَصَفَّحُهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، حَتَّى إِنِّي أعرفُ (٧) بِصَغِيرِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ مِنْهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ، وَاللَّهِ يَا مُحَمَّدُ، لَوْ أَنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَقْبِضَ رُوحَ بَعُوضَةٍ مَا قَدَرتُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ هُوَ الْآمِرُ بِقَبْضِهَا. (٨)
قَالَ جَعْفَرُ: بَلَغَنِي أَنَّهُ إِنَّمَا يَتَصَفَّحَهُمْ عِنْدَ (٩) مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ، فَإِذَا حَضَرَهُمْ عِنْدَ الْمَوْتِ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُحَافِظُ عَلَى الصَّلَاةِ دَنَا مِنْهُ الْمَلَكُ، وَدَفَعَ عَنْهُ الشَّيْطَانَ، وَلَقَّنَهُ المَلَك: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ" فِي تِلْكَ الْحَالِ الْعَظِيمَةِ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرة قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ (١٠) مَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ مِنْ بَيْتِ شِعْرٍ أَوْ مَدَرٍ إِلَّا وَمَلَكُ الْمَوْتِ يُطيف بِهِ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ.
وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: وَاللَّهِ مَا مِنْ بَيْتٍ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا إِلَّا وَمَلَكُ الْمَوْتِ يَقُومُ عَلَى بَابِهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَ مَرَّاتٍ. يَنْظُرُ هَلْ فِيهِ أَحَدٌ أُمِرَ أَنْ (١١) يَتَوَفَّاهُ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾ أَيْ: يَوْمَ معادكم وقيامكم من قبوركم لجزائكم.
(٢) في ت: "كما".
(٣) في ت: شاء".
(٤) في ت: "وروى ابن أبي حاتم بإسناده عن".
(٥) في ت، ف، أ، هـ، "عمر بن سمرة" والتصويب من البداية والنهاية والمعجم.
(٦) في ت: "أو".
(٧) في ف، أ: "لأعرف".
(٨) ورواه الطبراني في المعجم الكبير (٤/٢٢٠) والبزار في مسنده برقم (٧٨٤) "كشف الأستار" من طريق إسماعيل بن أبان، عن عمرو بن شمر الجعفي، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ الحارث بن الخزرج عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فذكر نحوه، فأسنده ولم يرسله، ذكره الحافظ ابن حجر في الإصابة وقال: "عمرو بن شمر متروك الحديث".
(٩) في ف: "في".
(١٠) في ت: "وقال مجاهد".
(١١) في ت، ف، أ: "وبه".
٢ - في أ: "تلك الحال"..
معين من الملائكة، كما هو المتبادر من حديث البراء المتقدم ذكره في سورة " إبراهيم "، ١ وقد سمي في بعض الآثار بعزرائيل، وهو المشهور، قاله قتادة وغير واحد، وله أعوان. وهكذا ٢ ورد في الحديث أن أعوانه ينتزعون الأرواح من سائر الجسد، حتى إذا بلغت الحلقوم تناولها ملك الموت.
قال مجاهد : حُويت له الأرض فجعلت له مثل الطست، يتناول منها حيث يشاء. ٣ ورواه زهير بن محمد عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنحوه مرسلا. وقاله ابن عباس، رضي الله عنهما.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي، حدثنا يحيى بن أبي يحيى المقري، حدثنا٤ عمرو بن شمر ٥ عن جعفر بن محمد قال : سمعت أبي يقول : نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملك الموت عند رأس رجل من الأنصار، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :" يا ملك الموت، ارفق بصاحبي فإنه مؤمن ". فقال مَلَك الموت : يا محمد، طِبْ نفسًا وقَر عينًا فإني بكل مؤمن رفيق، واعلم أن ما في الأرض بيت مَدَر ولا شَعَر، في بر ولا ٦ بحر، إلا وأنا أتصفحه في كل يوم خمس مرات، حتى إني أعرفُ٧ بصغيرهم وكبيرهم منهم بأنفسهم، والله يا محمد، لو أني أردت أن أقبض روح بعوضة ما قَدَرتُ على ذلك حتى يكون الله هو الآمر بقبضها. ٨
قال جعفر : بلغني أنه إنما يتصفحهم عند٩ مواقيت الصلاة، فإذا حضرهم عند الموت فإن كان ممن يحافظ على الصلاة دنا منه الملك، ودفع عنه الشيطان، ولقنه المَلَك :" لا إله إلا الله، محمد رسول الله " في تلك الحال العظيمة.
وقال عبد الرزاق : حدثنا محمد بن مسلم، عن إبراهيم بن مَيْسَرة قال : سمعت مجاهدًا يقول ١٠ ما على ظهر الأرض من بيت شعر أو مدر إلا وملك الموت يُطيف به كل يوم مرتين.
وقال كعب الأحبار : والله ما من بيت فيه أحد من أهل الدنيا إلا وملك الموت يقوم على بابه كل يوم سبع مرات. ينظر هل فيه أحد أمر أن١١ يتوفاه. رواه ابن أبي حاتم.
وقوله :﴿ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴾ أي : يوم معادكم وقيامكم من قبوركم لجزائكم.
٢ - في ت: "كما"..
٣ - في ت: شاء"..
٤ - في ت: "وروى ابن أبي حاتم بإسناده عن"..
٥ - في ت، ف، أ، هـ، "عمر بن سمرة" والتصويب من البداية والنهاية والمعجم..
٦ - في ت: "أو"..
٧ - في ف، أ: "لأعرف"..
٨ - ورواه الطبراني في المعجم الكبير (٤/٢٢٠) والبزار في مسنده برقم (٧٨٤) "كشف الأستار" من طريق إسماعيل بن أبان، عن عمرو بن شمر الجعفي، عن جعفر بن محمد عن أبيه، عن الحارث بن الخزرج عن أبيه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه، فأسنده ولم يرسله، ذكره الحافظ ابن حجر في الإصابة وقال: "عمرو بن شمر متروك الحديث"..
٩ - في ف: "في"..
١٠ - في ت: "وقال مجاهد"..
١١ - في ت، ف، أ: "وبه"..
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ حَالِ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَحَالِهِمْ حِينَ عَايَنُوا الْبَعْثَ، وَقَامُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ حَقِيرِينَ ذَلِيلِينَ، نَاكِسِي رُؤُوسِهِمْ، أَيْ: مِنَ الْحَيَاءِ وَالْخَجَلِ، يَقُولُونَ: ﴿رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا﴾ (١) أَيْ: نَحْنُ الْآنَ نَسْمَعُ قَوْلَكَ وَنُطِيعُ أَمْرَكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا﴾ [مَرْيَمَ: ٣٨]. وَكَذَلِكَ يَعُودُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْمَلَامَةِ إِذَا (٢) دَخَلُوا النَّارَ بِقَوْلِهِمْ: ﴿لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [الْمُلْكِ: ١٠]. وَهَكَذَا هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: ﴿رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا﴾ أَيْ: إِلَى الدَّارِ الدُّنْيَا، ﴿نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ﴾ أَيْ: قَدْ أَيْقَنَّا وَتَحَقَّقْنَا أَنَّ وَعْدَكَ حَقٌّ وَلِقَاءَكَ حَقٌّ، وَقَدْ عَلِمَ الرَّبُّ تَعَالَى مِنْهُمْ أَنَّهُ لَوْ أَعَادَهُمْ إِلَى الدَّارِ الدُّنْيَا لَكَانُوا كَمَا كَانُوا فِيهَا كُفَّارًا يُكْذِّبُونَ آيَاتِ (٣) اللَّهِ وَيُخَالِفُونَ رُسُلَهُ، كَمَا قَالَ: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾ [الْأَنْعَامِ: ٢٧-٢٩].
وَقَالَ هَاهُنَا ﴿وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا﴾، كَمَا قَالَ تَعَالَى ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا﴾ [يُونُسَ: ٩٩].
﴿وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ أَيْ: مِنَ الصِّنْفَيْنِ، فَدَارُهُمُ النَّارُ (٤) لَا مَحِيدَ لَهُمْ عَنْهَا وَلَا مَحِيصَ لَهُمْ مِنْهَا، نَعُوذُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ التَّامَّةِ مِنْ ذَلِكَ.
﴿فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا﴾ أَيْ: يُقَالُ لِأَهْلِ النَّارِ عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ: ذُوقُوا [هَذَا] (٥) الْعَذَابَ بِسَبَبِ تَكْذِيبِكُمْ بِهِ، وَاسْتِبْعَادِكُمْ وُقُوعَهُ، وَتَنَاسِيكُمْ لَهُ؛ إِذْ عَامَلْتُمُوهُ مُعَامَلَةَ مَنْ هُوَ نَاسٍ لَهُ، ﴿إِنَّا نَسِينَاكُمْ﴾ أَيْ: [إِنَّا] (٦) سَنُعَامِلُكُمْ مُعَامَلَةَ النَّاسِي؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَنْسَى شَيْئًا وَلَا يَضِلُّ عَنْهُ شَيْءٌ، بَلْ مِنْ بَابِ الْمُقَابَلَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا﴾ [الْجَاثِيَةِ: ٣٤].
وَقَوْلُهُ: ﴿وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أَيْ: بِسَبَبِ كُفْرِكُمْ وَتَكْذِيبِكُمْ، (٧) كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: ﴿لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا. إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا جَزَاءً وِفَاقًا. إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا. وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا. وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا. فَذُوقُوا فَلَنْ نزيدَكُمْ إِلا عَذَابًا﴾ [النَّبَأِ: ٢٤-٣٠].
﴿إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (١٥) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (١٦) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٧) ﴾.
(٢) في ت: "إذ".
(٣) في ت، ف: "بآيات".
(٤) في ت، ف: "قد ذرأتهم للنار".
(٥) زيادة من أ.
(٦) زيادة من ت.
(٧) في ت: "كفرهم وتكذيبهم".
ثُمَّ قَالَ [تَعَالَى: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ يَعْنِي بِذَلِكَ: قِيَامَ اللَّيْلِ، وَتَرْكَ النَّوْمِ وَالِاضْطِجَاعِ عَلَى الْفُرَشِ الْوَطِيئَةِ. قَالَ مُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى] (٣) :﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ﴾ يَعْنِي بِذَلِكَ: قِيَامَ اللَّيْلِ.
وَعَنْ أَنَسٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِر، وَأَبِي حَازِمٍ، وَقَتَادَةَ: هُوَ الصَّلَاةُ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ. وَعَنْ أَنَسٍ أَيْضًا: هُوَ انْتِظَارُ صَلَاةِ الْعَتَمَةِ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ. (٤)
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ فِي جَمَاعَةٍ، وَصَلَاةُ الْغَدَاةِ فِي جَمَاعَةٍ.
﴿يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ أَيْ: خَوْفًا مِنْ وَبَالِ عِقَابِهِ، وَطَمَعًا فِي جَزِيلِ ثَوَابِهِ، ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾، فَيَجْمَعُونَ بَيْنَ فِعْلِ الْقُرُبَاتِ اللَّازِمَةِ وَالْمُتَعَدِّيَةِ، وَمُقَدَّمُ هَؤُلَاءِ وَسَيِّدُهُمْ وَفَخْرُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحة، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
وَفِينَا رَسُولُ اللَّهِ يَتْلُو كتَابَه... إذَا انْشَقَّ مَعْرُوفٌ مِنَ الصُّبْحِ سَاطعُ...
[أرَانَا الهُدَى بَعْدَ العَمَى فَقُلُوبُنَا... بِهِ مُوقِنَاتٌ أنَّ مَا قَال وَاقِعُ] (٥)...
يَبيتُ يُجَافِي جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِه... إِذَا اسْتَثْقَلَتْ بالْمُشْرِكِين المَضَاجِعُ...
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ وَعَفَّانُ قَالَا حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ (٦)، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "عَجِبَ رَبُّنَا مِنْ رَجُلَيْنِ: رَجُلٌ ثَارَ مِنْ وِطَائه وَلِحَافِهِ، وَمِنْ بَيْنِ أَهْلِهِ وَحَيِّه (٧) إِلَى صَلَاتِهِ، [فَيَقُولُ رَبُّنَا: أَيَا مَلَائِكَتِي، انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي، ثَارَ مِنْ فِرَاشِهِ وَوِطَائِهِ، وَمِنْ بَيْنِ حَيِّهِ وَأَهْلِهِ إِلَى صَلَاتِهِ] (٨) رَغْبَةً فِيمَا عِنْدِي، وَشَفَقَةً مِمَّا عِنْدِي. وَرَجُلٌ غَزَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، فَانْهَزَمُوا، فَعَلِمَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْفِرَارِ، وَمَا لَهُ فِي
(٢) زيادة من ت.
(٣) زيادة من ت، ف.
(٤) تفسير الطبري (٢١/٦٣).
(٥) زيادة من ت، ف، أ.
(٦) في ت: "وروى الإمام أحمد بإسناده عن ابن مسعود".
(٧) في ت، ف، أ: "من بين بنيه وأهله".
(٨) زيادة من ت، ف، أ، والمسند.
وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي "الْجِهَادِ"، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، بِهِ بِنَحْوِهِ. (١)
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَر، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُود، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، (٢) عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ، وَنَحْنُ نَسِيرُ، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، (٣) أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ. قَالَ: "لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، تَعْبُدُ الله ولا تشرك به شيئا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ". ثُمَّ قَالَ: "أَلَا أَدُلَّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ فِي (٤) جَوْفِ اللَّيْلِ". ثُمَّ قَرَأَ: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾، حَتَّى بَلَغَ ﴿يَعْمَلُون﴾. ثُمَّ قَالَ: "أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الْأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذُرْوَةِ سَنَامِهِ؟ " فَقُلْتُ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: "رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذُرْوَةُ سَنَامه الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ". ثُمَّ قَالَ: "أَلَّا أُخْبِرُكَ بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ " فَقُلْتُ: بَلَى، يَا نَبِيَّ اللَّهِ. فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ ثُمَّ قَالَ: "كُفّ عَلَيْكَ هَذَا". فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ. فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُب النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ -أَوْ قَالَ: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ -إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ".
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنِّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِمْ، مِنْ طُرُقٍ عَنْ مَعْمَرٍ، بِهِ. (٥) وَقَالَ (٦) التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَة بْنَ النَّزَّالِ (٧) يُحَدِّثُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قال لَهُ: "أَلَا أَدُلَّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ: الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُكَفِّرُ الْخَطِيئَةَ، وَقِيَامُ الْعَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ"، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ (٨).
وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ، عَنْ مُعَاذٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ، وَمِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، وَالْحَكَمِ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ، عَنْ مُعَاذٍ مَرْفُوعًا بِنَحْوِهِ. وَمِنْ حَدِيثِ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُود، عن شَهْرٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾
(٢) في ت: "وروى الإمام أحمد بإسناده".
(٣) في ت: "يا رسول الله".
(٤) في ت: "من".
(٥) المسند (٥/٢٣١) وسنن الترمذي برقم (٢٦١٦) والنسائي في السنن الكبرى برقم (١١٣٩٤) وسنن ابن ماجه برقم (٣٩٧٣).
(٦) في ت: "رواه".
(٧) في أ: "الزبير".
(٨) تفسير الطبري (٢١/٦٤).
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَنَان الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا فِطْر بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، وَالْحَكَمِ، وَحَكِيمِ بْنِ جُبَيْر، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ، عَنْ مُعَاذٍ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَقَالَ: "إِنْ شِئْتَ أَنْبَأَتُكَ بِأَبْوَابِ الْخَيْرِ: الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ، وَقِيَامُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ"، ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾.
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِر، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ شَهْر بْنِ حَوْشَب، (٢) عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا جَمَعَ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، جَاءَ مُنَادٍ فَنَادَى بِصَوْتٍ يُسمعُ الْخَلَائِقَ: سَيَعْلَمُ أَهْلُ الْجَمْعِ الْيَوْمَ مَن أَوْلَى بِالْكَرَمِ. ثُمَّ يَرْجِعُ فَيُنَادِي: لِيَقُمِ (٣) الَّذِينَ كَانَتْ ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ الْآيَةَ، فَيَقُومُونَ وَهُمْ قَلِيلٌ". (٤)
وَقَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيب، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ عَطَاءِ بْنِ الْأَغَرِّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِي مُصْعَبٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ بِلَالٌ (٥) لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ [الْآيَةَ] (٦)، كُنَّا نَجْلِسُ فِي الْمَجْلِسِ، وَنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلُّونَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ إِلَى الْعَشَاءِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾.
ثُمَّ قَالَ: لَا نَعْلَمُ رَوَى أَسْلَمُ عَنْ بِلَالٍ سِوَاهُ، وَلَيْسَ لَهُ طَرِيقٌ عَنْ بِلَالٍ غَيْرَ هَذِهِ الطَّرِيقِ (٧).
وَقَوْلُهُ: ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ أَيْ: فَلَا يَعْلَمُ أَحَدٌ عَظَمَةَ مَا أَخْفَى اللَّهُ لَهُمْ فِي الْجَنَّاتِ مِنَ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ، وَاللَّذَّاتِ الَّتِي لَمْ يَطَّلِعُ عَلَى مِثْلِهَا أَحَدٌ، لَمَّا أَخْفَوْا أَعْمَالَهُمْ (٨) أَخْفَى اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الثَّوَابِ، جَزَاءً وِفَاقًا؛ فَإِنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ.
قَالَ الْحَسَنُ [الْبَصْرِيُّ] :(٩) أَخْفَى قَوْمٌ عَمَلَهُمْ فَأَخْفَى اللَّهُ لَهُمْ مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ (١٠) عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: قَوْلُهُ: ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ الآية: حدثنا علي بن
(٢) في ت: "وروى ابن أبي حاتم بإسناده".
(٣) في ت: "لتقم".
(٤) ورواه إسحاق بن راهوية في مسنده، وأبو يعلى في المسند الكبير كما في المطالب العالية (٤/٣٧٣) من حديث أسماء بنت يزيد رضي الله عنها.
(٥) في ت: "وقال البزار بإسناده عن بلال قال".
(٦) زيادة من ت، ف.
(٧) مسند البزار برقم (٢٢٥٠) "كشف الأستار"، وقال الهيثمي في المجمع (٧/٩٠) :"فيه عبد الله بن شبيب وهو ضعيف".
(٨) في ت، ف، أ: "أعمالهم كذلك".
(٩) زيادة من أ.
(١٠) في ت: "ولا يخطر".
قَالَ: وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ اللَّهُ مِثْلَهُ (١). قِيلَ لِسُفْيَانَ: رِوَايَةً؟ قَالَ: فَأيُّ شَيْءٍ؟.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، بِهِ (٢). وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، حَدَّثَنَا (٣) أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خطر عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، ذُخْرًا منْ بَله مَا أطلعْتم عَلَيْهِ"، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَرَأَ أَبُو هُرَيْرَةَ: "قُرَّات أَعْيُنٍ". انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. (٤)
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَر، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّه قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الله تَعَالَى قَالَ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خطر عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ".
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ (٥). وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي التَّفْسِيرِ، وَابْنُ جَرِيرٍ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ. ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. (٦)
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (٧)، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ حَمَّادٌ: أَحْسَبُهُ عَنِ النَّبِيِّ (٨) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ يَنْعَمُ لَا يَبْأَسُ، لَا تَبْلَى ثِيَابُهُ، وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُ، فِي الْجَنَّةِ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خطر على قلب بشر".
(٢) صحيح البخاري برقم (٤٧٧٩) وصحيح مسلم برقم (٢٨٢٤) وسنن الترمذي برقم (٣١٩٧).
(٣) في ف، أ: "عن".
(٤) صحيح البخاري برقم (٤٧٨٠) وفي البخاري "رواية أبي معاوية" بعد الحديث المتقدم.
(٥) المسند (٢/٣١٣) وصحيح البخاري برقم (٨٤٩٨) من طريق عبد الله عن معمر به، ولم أجده في الصحيحين من رواية عبد الرزاق.
(٦) سنن الترمذي برقم (٣٢٩٢) وتفسير الطبري (٢١/٦٦).
(٧) في ت: "وروى مسلم عن أبي هريرة".
(٨) في ت: "رسول الله".
وَرَوَى (٢) الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هَارُونُ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي أَبُو صَخْرٍ، أَنَّ أَبَا حَازِمٍ حدَّثه قَالَ: سَمِعْتُ (٣) سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: شَهِدْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مجلسا وَصَفَ فِيهِ الْجَنَّةَ، حَتَّى انْتَهَى، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ حَدِيثِهِ: "فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ"، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ [يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا] ﴾ (٤)، إِلَى قَوْلِهِ: ﴿يَعْمَلُون﴾.
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ هَارُونَ بْنِ مَعْرُوفٍ، وَهَارُونَ بْنِ سَعِيدٍ، كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، بِهِ. (٥)
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا سَلَّامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَبْدِ الْغَافِرِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: "أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ". لَمْ يُخَرِّجُوهُ. (٦)
وَقَالَ (٧) مُسْلِمٌ أَيْضًا فِي صَحِيحِهِ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ وَغَيْرُهُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مُطَرّف بْنُ طَريف وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ سَعِيدٍ، سَمِعَا الشَّعْبِيَّ يُخْبِرُ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: سَمِعْتُهُ عَلَى الْمِنْبَرِ -يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -قَالَ: "سَأَلَ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ (٨) رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً؟ قَالَ: هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَمَا أُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ. فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، كَيْفَ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ، وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ؟ فَيُقَالُ لَهُ: أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلَ مُلك مَلِكٍ مَنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ. فَيَقُولُ: لَكَ ذَلِكَ، وَمِثْلُهُ، وَمِثْلُهُ، وَمِثْلُهُ، وَمِثْلُهُ، فَقَال فِي الْخَامِسَةِ: رَضِيتُ رَبِّ. فَيَقُولُ: هَذَا لَكَ وَعَشْرَةُ أَمْثَالِهِ (٩) وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ ولَذَّت عَيْنُكَ. فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ. قَالَ: رَبِّ، فَأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً؟ قَالَ: أُولَئِكَ الَّذِينَ أرَدتُ، غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي، وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ (١٠) أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ"، قَالَ: وَمِصْدَاقُهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ: ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، قَالَ: وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْمُغِيرَةِ وَلَمْ يَرْفَعْهُ، والمرفوع أصح. (١١)
(٢) في أ: "وقال".
(٣) في ت: "وروى مسلم أيضا عن".
(٤) زيادة من ت، ف، أ.
(٥) المسند (٥/٣٣٤) وصحيح مسلم برقم (٢٨٢٥).
(٦) تفسير الطبري (٢١/٦٧).
(٧) في ت: "وروى".
(٨) في ت: "صلى الله عليه وسلم".
(٩) في ف، أ: "وعشرة أمثاله معه".
(١٠) في ف "تستمع".
(١١) صحيح مسلم برقم (١٨٩) وسنن الترمذي برقم (٣١٩٨).
وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَة: حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر قَالَ: تَدْخُلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ فِي مِقْدَارِ كَلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، مَعَهُمُ التُّحَفُ مِنَ اللَّهِ مِنْ جَنَّاتِ عَدْنٍ مَا لَيْسَ فِي جَنَّاتِهِمْ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾، ويُخْبَرون أَنَّ اللَّهَ عَنْهُمْ (٣) رَاضٍ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ الْهَوْزَنِيِّ -أَوْ غَيْرِهِ -قَالَ: الْجَنَّةُ مِائَةُ دَرَجَةٍ، أوَّلها دَرَجَةُ فِضَّةٍ وَأَرْضُهَا فِضَّةٌ، وَمَسَاكِنُهَا فِضَّةٌ، [وَآنِيَتُهَا فِضَّةٌ] (٤) وَتُرَابُهَا الْمِسْكُ. وَالثَّانِيَةُ ذَهَبٌ، وَأَرْضُهَا ذَهَبٌ، وَمَسَاكِنُهَا ذَهَبٌ، وَآنِيَتُهَا ذَهَبٌ، وَتُرَابُهَا الْمِسْكُ. وَالثَّالِثَةُ لُؤْلُؤٌ، وَأَرْضُهَا لُؤْلُؤٌ، وَمَسَاكِنُهَا اللُّؤْلُؤُ، وَآنِيَتُهَا اللُّؤْلُؤُ، وَتُرَابُهَا الْمِسْكُ. وَسَبْعٌ وَتِسْعُونَ بَعْدَ ذَلِكَ، مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ. ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (٥)
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، عن الغِطْرِيف، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (٦) عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ الرُّوحِ الْأَمِينِ قَالَ: "يُؤْتَى بِحَسَنَاتِ الْعَبْدِ وَسَيِّئَاتِهِ، يُنْقَصُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، فَإِنْ بَقِيَتْ حَسَنَةٌ [وَاحِدَةٌ] (٧) وَسَّعَ اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ"، قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَى "يَزْدَادَ" فَحَدَّث بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: فَقُلْتُ: فَأَيْنَ ذَهَبَتِ الْحَسَنَةُ؟ قَالَ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ﴾ [الْأَحْقَافِ: ١٦]. قُلْتُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾، قَالَ: الْعَبْدُ يَعْمَلُ سِرًّا أسرَّه إِلَى اللَّهِ، لَمْ يُعلم بِهِ النَّاسُ، فأسَرَّ اللَّهُ لَهُ يوم القيامة قُرَّة أعين. (٨)
(٢) في أ: "أنا من الذين".
(٣) في ت: "عليهم".
(٤) زيادة من ت، ف، أ، والطبري.
(٥) تفسير الطبري (٢١/٦٦).
(٦) في ت: "وروى ابن جرير بإسناده عن ابن عباس".
(٧) زيادة من ت، ف، أ، والطبري.
(٨) تفسير الطبري (٢١/٦٧).
﴿ وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ أي : من الصنفين، فدارهم النار ١ لا محيد لهم عنها ولا محيص لهم منها، نعوذ بالله وكلماته التامة من ذلك.
وقوله :﴿ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ أي : بسبب كفركم وتكذيبكم، ٣ كما قال في الآية الأخرى :﴿ لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا. إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا جَزَاءً وِفَاقًا. إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَابًا. وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا. وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا. فَذُوقُوا فَلَنْ نزيدَكُمْ إِلا عَذَابًا ﴾ [ النبأ : ٢٤ - ٣٠ ].
٢ - زيادة من ت..
٣ - في ت: "كفرهم وتكذيبهم"..
٢ - زيادة من ت..
وعن أنس، وعكرمة، ومحمد بن المُنْكَدِر، وأبي حازم، وقتادة : هو الصلاة بين العشاءين. وعن أنس أيضًا : هو انتظار صلاة العتمة. رواه ابن جرير بإسناد جيد. ٢
وقال الضحاك : هو صلاة العشاء في جماعة، وصلاة الغداة في جماعة.
﴿ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا ﴾ أي : خوفًا من وبال عقابه، وطمعًا في جزيل ثوابه، ﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾، فيجمعون بين فعل القربات اللازمة والمتعدية، ومقدم هؤلاء وسيدهم وفخرهم في الدنيا والآخرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال عبد الله بن رَوَاحة، رضي الله عنه :
وَفِينَا رَسُولُ الله يَتْلُو كتَابَه | إذَا انْشَقَّ مَعْرُوفٌ مِنَ الصُّبْحِ سَاطعُ |
[ أرَانَا الهُدَى بَعْدَ العَمَى فَقُلُوبُنَا | به مُوقِنَاتٌ أنَّ مَا قَال وَاقِعُ ]٣ |
يَبيتُ يُجَافِي جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِه | إِذَا اسْتَثْقَلَتْ بالْمُشْرِكِين المَضَاجِعُ |
وهكذا رواه أبو داود في " الجهاد "، عن موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، به بنحوه. ٧
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا مَعْمَر، عن عاصم بن أبي النَّجُود، عن أبي وائل، ٨ عن معاذ بن جبل قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأصبحت يوما قريبا منه، ونحن نسير، فقلت : يا نبي الله، ٩ أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار. قال :«لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت ». ثم قال :«ألا أدلك على أبواب الخير ؟ الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة، وصلاة الرجل في١٠ جوف الليل ». ثم قرأ :﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ﴾، حتى بلغ ﴿ يَعْمَلُون ﴾. ثم قال :«ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه ؟ » فقلت : بلى، يا رسول الله. فقال :«رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سَنَامه الجهاد في سبيل الله ». ثم قال :«ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ » فقلت : بلى، يا نبي الله. فأخذ بلسانه ثم قال :" كُفّ عليك هذا ". فقلت : يا رسول الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به. فقال :«ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يَكُب الناس في النار على وجوههم - أو قال : على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم ».
رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه في سننهم، من طرق عن معمر، به. ١١ وقال ١٢ الترمذي : حسن صحيح. ورواه ابن جرير من حديث شعبة، عن الحكم قال : سمعت عُرْوَة بن النزال ١٣ يحدث عن معاذ بن جبل ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له :«ألا أدلك على أبواب الخير : الصوم جنة، والصدقة تكفر الخطيئة، وقيام العبد في جوف الليل "، وتلا هذه الآية :﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ ١٤.
ورواه أيضًا من حديث الثوري، عن منصور بن المعتمر، عن الحكم، عن ميمون بن أبي شبيب، عن معاذ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه، ومن حديث الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، والحكم عن ميمون بن أبي شبيب، عن معاذ مرفوعا بنحوه. ومن حديث حماد بن سلمة، عن عاصم بن أبي النَّجُود، عن شهر، عن معاذ بن جبل، عن النبي صلى الله عليه وسلم، في قوله تعالى :﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ﴾ قال :«قيام العبد من الليل ». ١٥
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سَنَان الواسطي، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا فِطْر بن خليفة، عن حبيب بن أبي ثابت، والحكم، وحكيم بن جُبَيْر، عن ميمون بن أبي شبيب، عن معاذ بن جبل قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فقال :«إن شئت أنبأتك بأبواب الخير : الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة، وقيام الرجل في جوف الليل »، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم :﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾.
ثم قال : حدثنا أبي، حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا علي بن مُسْهِر، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن شَهْر بن حَوْشَب، ١٦ عن أسماء بنت يزيد قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة، جاء مناد فنادى بصوت يُسمعُ الخلائق : سيعلم أهل الجمع اليوم مَن أولى بالكرم. ثم يرجع فينادي : ليقم١٧ الذين كانت ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ﴾ الآية، فيقومون وهم قليل ". ١٨
وقال البزار : حدثنا عبد الله بن شَبِيب، حدثنا الوليد بن عطاء بن الأغر، حدثنا عبد الحميد بن سليمان، حدثني مصعب، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال : قال بلال١٩ لما نزلت هذه الآية :﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ﴾ [ الآية ]٢٠، كنا نجلس في المجلس، وناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون بعد المغرب إلى العشاء، فنزلت هذه الآية :﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ﴾.
ثم قال : لا نعلم روى أسلم عن بلال سواه، وليس له طريق عن بلال غير هذه الطريق٢١.
٢ - تفسير الطبري (٢١/٦٣)..
٣ - زيادة من ت، ف، أ..
٤ - في ت: "وروى الإمام أحمد بإسناده عن ابن مسعود"..
٥ - في ت، ف، أ: "من بين بنيه وأهله"..
٦ - زيادة من ت، ف، أ، والمسند..
٧ - المسند (١/٤١٦) وسنن أبي داود برقم (٥٢٣٦)..
٨ - في ت: "وروى الإمام أحمد بإسناده"..
٩ - في ت: "يا رسول الله"..
١٠ - في ت: "من"..
١١ - المسند (٥/٢٣١) وسنن الترمذي برقم (٢٦١٦) والنسائي في السنن الكبرى برقم (١١٣٩٤) وسنن ابن ماجه برقم (٣٩٧٣)..
١٢ - في ت: "رواه"..
١٣ - في أ: "الزبير".
١٤ - تفسير الطبري (٢١/٦٤)..
١٥ - تفسير الطبري (٢١/٦٤، ٦٥)..
١٦ - في ت: "وروى ابن أبي حاتم بإسناده"..
١٧ - في ت: "لتقم"..
١٨ - ورواه إسحاق بن راهويه في مسنده، وأبو يعلى في المسند الكبير كما في المطالب العالية (٤/٣٧٣) من حديث أسماء بنت يزيد رضي الله عنها..
١٩ - في ت: "وقال البزار بإسناده عن بلال قال"..
٢٠ - زيادة من ت، ف..
٢١ - مسند البزار برقم (٢٢٥٠) "كشف الأستار"، وقال الهيثمي في المجمع (٧/٩٠): "فيه عبد الله بن شبيب وهو ضعيف"..
قال الحسن [ البصري ] :٢ أخفى قوم عملهم فأخفى الله لهم ما لم تر عين، ولم يخطر٣ على قلب بشر. رواه ابن أبي حاتم.
قال البخاري : قوله :﴿ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ﴾ الآية : حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، عن أبي الزِّنَاد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" قال الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر ". قال أبو هريرة : فاقرؤوا إن شئتم :﴿ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ﴾.
قال : وحدثنا سفيان، حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال : قال الله مثله٤. قيل لسفيان : روايةً ؟ قال : فَأيُّ شيء ؟.
ورواه مسلم والترمذي من حديث سفيان بن عيينة، به٥. وقال الترمذي : حسن صحيح.
ثم قال البخاري : حدثنا إسحاق بن نصر، حدثنا أبو أسامة، عن الأعمش، حدثنا٦ أبو صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم :" يقول الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ذُخْرًا منْ بَله ما أطلعْتم عليه "، ثم قرأ :﴿ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾.
قال أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، قرأ أبو هريرة :" قُرَّات أَعْيُنٍ ". انفرد به البخاري من هذا الوجه. ٧
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق، حدثنا مَعْمَر، عن همام بن مُنَبِّه قال : هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن الله تعالى قال : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر ".
أخرجاه في الصحيحين من رواية عبد الرزاق٨. ورواه الترمذي في التفسير، وابن جرير، من حديث عبد الرحيم بن سليمان، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثله. ثم قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح. ٩
وقال حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أبي رافع، عن أبي هريرة١٠، رضي الله عنه، قال حماد : أحسبه عن النبي١١ صلى الله عليه وسلم قال :«من يدخل الجنة ينعم لا يبأس، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه، في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر ».
رواه مسلم من حديث حماد بن سلمة، به. ١٢
وروى١٣ الإمام أحمد : حدثنا هارون، حدثنا ابن وهب، حدثني أبو صخر، أن أبا حازم حدَّثه قال : سمعت١٤ سهل بن سعد الساعدي، رضي الله عنه، يقول : شهدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا وصف فيه الجنة، حتى انتهى، ثم قال في آخر حديثه :«فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر »، ثم قرأ هذه الآية :﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ [ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا ] ﴾ ١٥، إلى قوله :﴿ يَعْمَلُون ﴾.
وأخرجه مسلم في صحيحه عن هارون بن معروف، وهارون بن سعيد، كلاهما عن ابن وهب، به. ١٦
وقال ابن جرير : حدثني العباس بن أبي طالب، حدثنا معلى بن أسد، حدثنا سلام بن أبي مطيع، عن قتادة، عن عقبة بن عبد الغافر، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يروي عن ربه، عز وجل، قال :«أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر ». لم يخرجوه. ١٧
وقال١٨ مسلم أيضا في صحيحه : حدثنا ابن أبي عمر وغيره، حدثنا سفيان، حدثنا مُطَرّف بن طَريف وعبد الملك بن سعيد، سمعا الشعبي يخبر عن المغيرة بن شعبة قال : سمعته على المنبر - يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم - قال :«سأل موسى، عليه السلام١٩ ربه عز وجل : ما أدنى أهل الجنة منزلة ؟ قال : هو رجل يجيء بعدما أدخل أهل الجنة الجنة، فيقال له : ادخل الجنة. فيقول : أي رب، كيف وقد نزل الناس منازلهم، وأخذوا أخذاتهم ؟ فيقال له : أترضى أن يكون لك مثل مُلك مَلِكٍ من ملوك الدنيا ؟ فيقول : رضيت رب. فيقول : لك ذلك، ومثله، ومثله، ومثله، ومثله، فَقَال في الخامسة : رضيت رب. فيقول : هذا لك وعشرة أمثاله٢٠ ولك ما اشتهت نفسك ولَذَّت عينك. فيقول : رضيت رب. قال : رب، فأعلاهم منزلة ؟ قال : أولئك الذين أرَدتُ، غَرَسْتُ كرامتهم بيدي، وختمت عليها، فلم تر عين، ولم تسمع٢١ أذن، ولم يخطر على قلب بشر »، قال : ومصداقه من كتاب الله :﴿ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾.
ورواه الترمذي عن ابن أبي عمر، وقال : حسن صحيح، قال : ورواه بعضهم عن الشعبي، عن المغيرة ولم يرفعه، والمرفوع أصح. ٢٢
قال ابن أبي حاتم : حدثنا جعفر بن منير المدائني، حدثنا أبو بدر شجاعُ بن الوليد، حدثنا زياد بن خَيْثَمة، عن محمد بن جُحَادة، عن عامر٢٣ بن عبد الواحد قال : بلغني أن الرجل من أهل الجنة يمكث في مكانه سبعين سنة، ثم يلتفت فإذا هو بامرأة أحسن مما كان فيه، فتقول له : قد أنَى لك أن يكون لنا منك نصيب ؟ فيقول : من أنت ؟ فتقول : أنا من المزيد. فيمكث معها سبعين سنة، ثم يلتفت فإذا هو بامرأة أحسن مما كان فيه، فتقول له : قد أنى لك أن يكون لنا منك نصيب، فيقول : من أنت ؟ فتقول : أنا التي٢٤ قال الله :﴿ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ﴾.
وقال ابن لَهِيعَة : حدثني عطاء بن دينار، عن سعيد بن جُبَيْر قال : تدخل عليهم الملائكة في مقدار كل يوم من أيام الدنيا ثلاث مرات، معهم التحف من الله من جنات عدن ما ليس في جناتهم، وذلك قوله :﴿ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ﴾، ويُخْبَرون أن الله عنهم٢٥ راض.
وقال ابن جرير : حدثنا سهل بن موسى الرازي، حدثنا الوليد بن مسلم، عن صفوان بن عمرو، عن أبي اليمان الهوزني - أو غيره - قال : الجنة مائة درجة، أوَّلها درجة فضة وأرضها فضة، ومساكنها فضة، [ وآنيتها فضة ]٢٦ وترابها المسك. والثانية ذهب، وأرضها ذهب، ومساكنها ذهب، وآنيتها ذهب، وترابها المسك. والثالثة لؤلؤ، وأرضها لؤلؤ، ومساكنها اللؤلؤ، وآنيتها اللؤلؤ، وترابها المسك. وسبع وتسعون بعد ذلك، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. ثم تلا هذه الآية :﴿ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ ٢٧
وقال ابن جرير : حدثني يعقوب بن إبراهيم، حدثنا معتمر بن سليمان، عن الحكم بن أبان، عن الغِطْرِيف، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس٢٨ عن النبي صلى الله عليه وسلم، عن الروح الأمين قال :" يؤتى بحسنات العبد وسيئاته، ينقص بعضها من بعض، فإن بقيت حسنة [ واحدة ] ٢٩ وسع الله له في الجنة "، قال : فدخلت على " يزداد " فَحَدَّث بمثل هذا الحديث، قال : فقلت : فأين ذهبت الحسنة ؟ قال :﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ﴾ [ الأحقاف : ١٦ ]. قلت : قوله تعالى :﴿ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ﴾، قال : العبد يعمل سرًّا أسرَّه إلى الله، لم² يُعلم به الناس، فأسَرَّ الله له يوم القيامة قُرَّة أعين٣٠.
٢ - زيادة من أ..
٣ - في ت: "ولا يخطر"..
٤ - في ف، أ: "تعالى"..
٥ - صحيح البخاري برقم (٤٧٧٩) وصحيح مسلم برقم (٢٨٢٤) وسنن الترمذي برقم (٣١٩٧)..
٦ - في ف، أ: "عن"..
٧ - صحيح البخاري برقم (٤٧٨٠) وفي البخاري "رواية أبي معاوية" بعد الحديث المتقدم..
٨ - المسند (٢/٣١٣) وصحيح البخاري برقم (٨٤٩٨) من طريق عبد الله عن معمر به، ولم أجده في الصحيحين من رواية عبد الرزاق..
٩ - سنن الترمذي برقم (٣٢٩٢) وتفسير الطبري (٢١/٦٦)..
١٠ - في ت: "وروى مسلم عن أبي هريرة"..
١١ - في ت: "رسول الله"..
١٢ - صحيح مسلم برقم (٢٨٣٦)..
١٣ - في أ: "وقال"..
١٤ - في ت: "وروى مسلم أيضا عن"..
١٥ - زيادة من ت، ف، أ..
١٦ - المسند (٥/٣٣٤) وصحيح مسلم برقم (٢٨٢٥)..
١٧ - تفسير الطبري (٢١/٦٧)..
١٨ - في ت: "وروى"..
١٩ - في ت: "صلى الله عليه وسلم"..
٢٠ - في ف، أ: "وعشرة أمثاله معه"..
٢١ - في ف "تستمع"..
٢٢ - صحيح مسلم برقم (١٨٩) وسنن الترمذي برقم (٣١٩٨).
٢٣ - في ت: "وروى ابن أبي حاتم عن عباس"..
٢٤ - في أ: "أنا من الذين"..
٢٥ - في ت: "عليهم"..
٢٦ - زيادة من ت، ف، أ، والطبري..
٢٧ - تفسير الطبري (٢١/٦٦)..
٢٨ - في ت: "وروى ابن جرير بإسناده عن ابن عباس".
٢٩ - زيادة من ت، ف، أ، والطبري..
٣٠ - تفسير الطبري (٢١/٦٧)..
قال الفُضَيل بن عياض : والله إن الأيدي لموثقة، وإن الأرجل لمقيدة، وإن اللهب ليرفعهم والملائكة تقمعهم.
﴿ وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾ أي : يقال لهم ذلك تقريعا وتوبيخا.
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ عَدْلِهِ [وَكَرَمِهِ] (١) أَنَّهُ لَا يُسَاوِي فِي حُكمه يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ كَانَ مُؤمنًا بِآيَاتِهِ مُتْبِعًا لِرُسُلِهِ، بِمَنْ كَانَ فَاسِقًا، أَيْ: خَارِجًا عَنْ طَاعَةِ رَبِّهِ مكذِّبًا لرُسُله إِلَيْهِ (٢)، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ [الْجَاثِيَةِ: ٢١]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾ [ص: ٢٨]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ [الْحَشْرِ: ٢٠] ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى هَاهُنَا: ﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ﴾ أَيْ: عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَقَدْ ذَكَرَ عَطَاءُ بْنُ يَسَار والسُّدِّيّ وَغَيْرُهُمَا: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيط؛ وَلِهَذَا فَصَّل حُكْمَهُمْ فَقَالَ: ﴿أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ أَيْ: صَدَّقَتْ قُلُوبُهُمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَعَمِلُوا بِمُقْتَضَاهَا (٣)، وَهِيَ الصَّالِحَاتُ ﴿فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى﴾ أَيِ: الَّتِي فِيهَا الْمَسَاكِنُ وَالدُّورُ وَالْغُرَفُ الْعَالِيَةُ ﴿نُزُلًا﴾ أَيْ: ضِيَافَةً وَكَرَامَةً ﴿بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا﴾ أَيْ: خَرَجُوا عَنِ الطَّاعَةِ، ﴿فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا﴾ كَقَوْلِهِ: ﴿كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا﴾ الْآيَةَ [الْحَجِّ: ٢٢].
قَالَ الفُضَيل بْنُ عِيَاضٍ: وَاللَّهِ إِنَّ الْأَيْدِيَ لَمُوثَقَةٌ، وَإِنَّ الْأَرْجُلَ لَمُقَيَّدَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَبَ لَيَرْفَعُهُمْ وَالْمَلَائِكَةَ تَقْمَعُهُمْ.
﴿وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ أَيْ: يُقَالُ لَهُمْ ذَلِكَ تَقْرِيعًا وَتَوْبِيخًا.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ] ﴾ (٤) قَالَ (٥) ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي بِالْعَذَابِ الْأَدْنَى مَصَائِبَ الدُّنْيَا وَأَسْقَامَهَا وَآفَاتِهَا، وَمَا يَحِلُّ بِأَهْلِهَا مِمَّا يَبْتَلِي اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ لِيَتُوبُوا إِلَيْهِ. وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وَالْحَسَنِ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِي، وَالضَّحَّاكِ، وَعَلْقَمَةَ، وَعَطِيَّةَ، وَمُجَاهِدٍ، وَقَتَادَةَ، وَعَبْدِ الْكَرِيمِ الجَزَري، وخَصِيف.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ -: يَعْنِي بِهِ إِقَامَةَ الْحُدُودِ عَلَيْهِمْ.
وَقَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ: يَعْنِي بِهِ عَذَابَ الْقَبْرِ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أبي
(٢) في ت، ف: "لرسل الله".
(٣) في ت: "قلوبهم بلقاء الله ومقتضاها".
(٤) زيادة من ت.
(٥) في ت: "وقال".
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَر القَوَاريري، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةُ، عَنْ عَزْرَة (٣)، عَنِ الْحَسَنِ العُرَني، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى (٤) عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأكْبَرِ﴾ قَالَ: الْمُصِيبَاتُ (٥) وَالدُّخَانُ قَدْ مَضَيَا، وَالْبَطْشَةُ وَاللِّزَامُ. (٦)
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، بِهِ مَوْقُوفًا نَحْوَهُ. (٧) وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، نَحْوَهُ. (٨)
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ (٩) أَيْضًا، فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: الْعَذَابُ الْأَدْنَى: مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ يَوْمَ بَدْرٍ. وَكَذَا قَالَ مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ.
قَالَ السُّدِّي وَغَيْرُهُ: لَمْ يَبْقَ بَيْتٌ بِمَكَّةَ إِلَّا دَخَلَهُ الْحُزْنُ عَلَى قَتِيلٍ لَهُمْ أَوْ أَسِيرٍ، فَأُصِيبُوا أَوْ غَرموا (١٠)، وَمِنْهُمْ مَنْ جُمِعَ له الأمران.
وقوله: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا﴾ أَيْ: لَا أَظْلِمُ مِمَّنْ ذَكَّرَه اللَّهُ بِآيَاتِهِ وَبَيَّنَهَا لَهُ وَوَضَّحَهَا، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَرَكَهَا وَجَحَدَهَا وَأَعْرَضَ عَنْهَا وَتَنَاسَاهَا، كَأَنَّهُ لَا يَعْرِفُهَا.
قَالَ قَتَادَةُ، رَحِمَهُ اللَّهُ: إِيَّاكُمْ وَالْإِعْرَاضَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، فَإِنَّ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِهِ فَقَدِ اغْتَرَّ أَكْبَرَ الغرَّة، وَأَعْوَزَ أَشَدَّ العَوَز (١١)، وَعَظَّمَ مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ.
وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى مُتَهَدِّدًا لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ: ﴿إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ﴾ أَيْ: سَأَنْتَقِمُ مِمَّنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَشَدَّ الِانْتِقَامِ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ بَكَّارٍ الكِلاعي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيّ، عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ (١٢) عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "ثَلَاثٌ مَنْ فَعَلَهُنَّ فَقَدْ أَجْرَمَ، مَنْ عَقَدَ (١٣) لِوَاءً فِي غَيْرِ حَقٍّ، أَوْ عقَّ وَالِدَيْهِ، أَوْ مَشَى مَعَ ظَالِمٍ يَنْصُرُهُ، فَقَدْ أَجْرَمَ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ﴾ (١٤)
(٢) النسائي في السنن الكبرى برقم (١١٣٩٥).
(٣) في ف، أ: "عررة".
(٤) في ت: "وروى عبد الله بن الإمام أحمد".
(٥) في ت، أ: "المضمار".
(٦) زوائد المسند (٥/١٢٨).
(٧) صحيح مسلم برقم (٢٧٩٩).
(٨) صحيح البخاري برقم (٤٨٢٠) ولفظه: "مضي خمس: الدخان والروم والقمر والبطشة واللزام".
(٩) في ت: "وعن ابن مسعود".
(١٠) في ت: "هزموا".
(١١) في ت، أ: "وأعور أشد العورة".
(١٢) في ت: "وروى ابن جرير بإسناده".
(١٣) في ت: "اعتقد" وفي أ "أعقد".
(١٤) تفسير الطبري (٢١/٦٩).
قال قتادة، رحمه الله : إياكم والإعراض عن ذكر الله، فإن مَنْ أعرض عن ذكره فقد اغتر أكبر الغرَّة، وأعوز أشد العَوَز١، وعظم من أعظم الذنوب.
ولهذا قال تعالى متهددا لمن فعل ذلك :﴿ إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ ﴾ أي : سأنتقم ممن فعل ذلك أشد الانتقام.
وقال ابن جرير : حدثني عمران بن بكار الكِلاعي، حدثنا محمد بن المبارك، حدثنا إسماعيل بن عياش، حدثنا عبد العزيز بن عبيد الله، عن عبادة بن نُسَيّ، عن جنادة بن أبي أمية٢ عن معاذ بن جبل قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" ثلاث من فعلهن فقد أجرم، من عقد٣ لواء في غير حق، أو عقَّ والديه، أو مشى مع ظالم ينصره، فقد أجرم، يقول الله تعالى :﴿ إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ ﴾ ٤
ورواه ابن أبي حاتم، من حديث إسماعيل بن عياش، به، وهذا حديث غريب جدًا.
٢ - في ت: "وروى ابن جرير بإسناده"..
٣ - في ت: "اعتقد" وفي أ "أعقد"..
٤ - تفسير الطبري (٢١/٦٩)..
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (٢٣) وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (٢٤) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٢٥) ﴾
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنَّهُ آتَاهُ الْكِتَابَ وَهُوَ التَّوْرَاةُ.
وَقَوْلُهُ: ﴿فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ﴾ : قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي بِهِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ. (١) ثُمَّ رُوِيَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عَمِّ نَبِيِّكُمْ -يَعْنِي ابْنِ عَبَّاسٍ -قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم: "أُريتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ، رَجُلًا آدَمَ طُوَالا جَعْدًا، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءة. وَرَأَيْتُ عِيسَى رَجُلًا مَرْبُوعَ الْخَلْقِ، إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ، مُبْسَطَ الرَّأْسِ، وَرَأَيْتُ مَالِكًا خَازِنَ النَّارِ وَالدَّجَّالَ، فِي آيَاتٍ أَرَاهُنَّ اللَّهُ إِيَّاهُ"، ﴿فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ﴾، أَنَّهُ قَدْ رَأَى مُوسَى، وَلَقِيَ مُوسَى لَيْلَةَ أُسَرِيَ بِهِ. (٢)
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الحُلْوَاني، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَة، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾، قَالَ: جُعل مُوسَى هُدى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَفِي قَوْلِهِ: ﴿فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ﴾ قَالَ: مِنْ لِقَاءِ مُوسَى رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. (٣)
وَقَوْلُهُ: ﴿وَجَعَلْنَاهُ﴾ أَيِ: الْكِتَابُ الَّذِي آتَيْنَاهُ ﴿هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾، [كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ: ﴿وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلا﴾ [الْإِسْرَاءِ: ٢].
وَقَوْلُهُ: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾، أَيْ: لَمَّا كَانُوا صَابِرِينَ عَلَى أَوَامِرِ اللَّهِ وَتَرْكِ نَوَاهِيهِ وَزَوَاجِرِهِ وَتَصْدِيقِ رُسُلِهِ وَاتِّبَاعِهِمْ فِيمَا جَاؤُوهُمْ بِهِ، كَانَ مِنْهُمْ أَئِمَّةٌ يَهْدُونَ إِلَى الْحَقِّ بِأَمْرِ اللَّهِ، وَيَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ، وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ. ثُمَّ لَمَّا بَدَّلُوا وحَرَّفوا وأوَّلوا، سُلِبُوا ذَلِكَ الْمَقَامَ، وَصَارَتْ قُلُوبُهُمْ قَاسِيَةً، يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، فَلَا عَمَلَ صَالِحًا، وَلَا اعْتِقَادَ صَحِيحًا؛ (٤) وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا﴾ (٥) قَالَ قَتَادَةُ وَسُفْيَانُ: لَمَّا صَبَرُوا عَنِ الدُّنْيَا: وَكَذَلِكَ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ.
قَالَ سُفْيَانُ: هَكَذَا كَانَ هَؤُلَاءِ، وَلَا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَكُونَ إِمَامًا يُقتَدى بِهِ حَتَّى يَتَحَامَى عَنِ الدُّنْيَا.
قَالَ وَكِيعٌ: قَالَ سُفْيَانُ: لَا بُدَّ لِلدِّينِ مِنَ الْعِلْمِ، كَمَا لَا بُدَّ لِلْجَسَدِ مِنَ الْخُبْزِ.
(٢) انظر الأثر عند تفسير الآية الأولى من سورة الإسراء وتخريجه هناك.
(٣) المعجم الكبير للطبراني (١٢/١٦٠) وقال الهيثمي في المجمع (٧/٩٠) :"رجاله رجال الصحيح".
(٤) في ت: "فلا عملا صالحا ولا اعتقادا صحيحا".
(٥) في ف، أ: "ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب".
قال سفيان : هكذا كان هؤلاء، ولا ينبغي للرجل أن يكون إماما يُقتَدى به حتى يتحامى عن الدنيا.
قال وكيع : قال سفيان : لا بد للدين من العلم، كما لا بد للجسد من الخبز.
وقال ابن بنت الشافعي : قرأ أبي على عمي - أو : عمي على أبي - سئل سفيان عن قول علي، رضي الله عنه : الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ألم تسمع قوله :﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ﴾، قال : لما أخذوا برأس الأمر صاروا رؤوسًا. قال بعض العلماء : بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين.
ولهذا قال تعالى ] :٣ ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّة [ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ. وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الأمْرِ ] فَمَا اخْتَلَفُوا إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ ﴾ [ الجاثية : ١٦، ١٧ ] ٤، كما قال هنا :﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾
٢ - في ف، أ: "ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب"..
٣ - زيادة من ت، ف، أ..
٤ - زيادة من ت، ف، أ..
أي : من الاعتقادات والأعمال.
وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى] :(١) ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّة [وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ. وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الأمْرِ] فَمَا اخْتَلَفُوا إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ﴾ [الْجَاثِيَةِ: ١٦، ١٧] (٢)، كَمَا قَالَ هُنَا: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ أَيْ: مِنَ الِاعْتِقَادَاتِ وَالْأَعْمَالِ.
﴿أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ (٢٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ (٢٧) ﴾.
يَقُولُ تَعَالَى: أَوْلَمَ يَهْدِ لِهَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِالرُّسُلِ مَا أَهْلَكَ اللَّهُ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ، بِتَكْذِيبِهِمُ الرُّسُلَ وَمُخَالَفَتِهِمْ إِيَّاهُمْ فِيمَا جاؤوهم بِهِ مِنْ قَوِيمِ السُّبُلِ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ بَاقِيَةٌ وَلَا عَيْنٌ وَلَا أَثَرٌ؟ ﴿هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا﴾ [مَرْيَمَ: ٩٨] ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ﴾ أَيْ: وَهَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِ أُولَئِكَ الْمُكَذِّبِينَ فَلَا يَرَوْنَ فِيهَا أَحَدًا مِمَّنْ كَانَ يَسْكُنُهَا وَيَعْمُرُهَا، ذَهَبُوا مِنْهَا، ﴿كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا﴾ [الْأَعْرَافِ: ٩٢]، كَمَا قَالَ: ﴿فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا﴾ [النَّمْلِ: ٥٢]، وَقَالَ: ﴿فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ. أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الْحَجِّ: ٤٥، ٤٦] ؛ وَلِهَذَا قَالَ هَاهُنَا: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ﴾ أَيْ: إِنَّ فِي ذَهَابِ أُولَئِكَ الْقَوْمِ ودَمَارهم وَمَا حَلَّ بِهِمْ بِسَبَبِ تَكْذِيبِهِمُ الرُّسُلَ، وَنَجَاةِ مَنْ آمن بهم، لآيات وعبرا وَمَوَاعِظُ وَدَلَائِلُ (٣) مُتَظَاهِرَةٌ.
﴿أَفَلا يَسْمَعُونَ﴾ أَيْ: أَخْبَارَ مَنْ تَقَدَّمَ، كَيْفَ كَانَ أَمْرُهُمْ؟.
وَقَوْلُهُ: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأرْضِ الْجُرُزِ﴾ : يُبَيِّنُ تَعَالَى لُطْفَهُ بِخَلْقِهِ، وَإِحْسَانَهُ إِلَيْهِمْ فِي إِرْسَالِهِ الْمَاءَ إِمَّا مِنَ السَّمَاءِ أَوْ مِنَ السَّيْحِ، وَهُوَ: مَا تَحْمِلُهُ الْأَنْهَارُ وَيَنْحَدِرُ مِنَ الْجِبَالِ إِلَى الْأَرَاضِي الْمُحْتَاجَةِ إِلَيْهِ فِي أَوْقَاتِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿إِلَى الأرْضِ الْجُرُزِ﴾، وَهِيَ [الْأَرْضُ] (٤) الَّتِي لَا نَبَاتَ فِيهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا﴾ [الْكَهْفِ: ٨]، أي: يَبَسًا لا تنبت شيئًا
(٢) زيادة من ت، ف، أ.
(٣) في ت، أ: "دلالات".
(٤) زيادة من ت، أ.
قَالَ ابْنُ لَهِيعَة، عَنْ قَيْسِ بْنِ حَجَّاجٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ قَالَ: لَمَّا فُتِحَت مِصْرُ، أَتَى أَهْلُهَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ -[وَكَانَ أميرًا بها] (٢) -حين دخل بؤونة مِنْ أَشْهُرِ الْعَجَمِ، فَقَالُوا: أَيُّهَا الْأَمِيرُ، إِنَّ لِنِيلِنَا سُنَّة لَا يَجْرِي إِلَّا بِهَا. قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالُوا: إِذَا كَانَتْ ثِنْتَا عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ عَمَدنا إِلَى جَارِيَةٍ بِكْر بَيْنَ (٣) أَبَوَيْهَا، فَأَرْضَيْنَا أَبَوَيْهَا، وَجَعَلْنَا عَلَيْهَا مِنَ الْحُلِيِّ وَالثِّيَابِ أَفْضَلَ مَا يَكُونُ، ثُمَّ أَلْقَيْنَاهَا فِي هَذَا النِّيلِ. فَقَالَ لَهُمْ عَمْرٌو: إِنَّ هَذَا لَا يَكُونُ فِي الْإِسْلَامِ، إِنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ. فَأَقَامُوا بؤونة وَالنِّيلُ لَا يَجْرِي، حَتَّى هَمُّوا بِالْجَلَاءِ، فَكَتَبَ عَمْرٌو إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِذَلِكَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّكَ قَدْ أَصَبْتَ بِالَّذِي فَعَلْتَ، وَقَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكَ بِبِطَاقَةٍ دَاخِلَ كِتَابِي هَذَا، فَأَلْقِهَا فِي النِّيلِ. فَلَمَّا قَدِمَ كِتَابُهُ أَخَذَ عَمْرٌو الْبِطَاقَةَ فَفَتَحَهَا فَإِذَا فِيهَا: مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عُمَرَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى نِيلِ أَهْلِ مِصْرَ، أَمَّا بَعْدُ... فَإِنَّكَ إِنْ كُنْتَ إِنَّمَا تَجْرِي مِنْ قِبَلِكَ فَلَا تَجْرِ، وَإِنْ كَانَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ هُوَ الَّذِي يُجْرِيكَ فَنَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُجْرِيَكَ. قَالَ: فَأَلْقَى الْبِطَاقَةَ فِي النِّيلِ، وَأَصْبَحُوا يَوْمَ السَّبْتِ وَقَدْ أَجْرَى اللَّهُ النِّيلَ سِتَّةَ عَشَرَ ذِرَاعًا فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَقِطَعَ اللَّهُ تِلْكَ السُّنَّة عَنْ أَهْلِ مِصْرَ إِلَى الْيَوْمِ. رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ اللَّالِكَائِيُّ الطَّبَرَيُّ فِي كِتَابِ "السُّنَةِ" لَهُ. (٤)
وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ﴾، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَلْيَنْظُرِ الإنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ. أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا. ثُمَّ شَقَقْنَا الأرْضَ شَقًّا. فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا. وَعِنَبًا وَقَضْبًا. وَزَيْتُونًا وَنَخْلا. وَحَدَائِقَ غُلْبًا. وَفَاكِهَةً وَأَبًّا. [مَتَاعًا لَكُمْ وَلأنْعَامِكُمْ] ﴾ [عَبَسَ: ٢٤-٣٢] ؛ (٥) وَلِهَذَا قَالَ هَاهُنَا: ﴿أَفَلا يُبْصِرُونَ﴾. وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيح، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِلَى الأرْضِ الْجُرُزِ﴾ قَالَ: هِيَ الَّتِي لَا تُمطر إِلَّا مَطَرًا لَا يُغْنِي عَنْهَا شَيْئًا، إِلَّا مَا يَأْتِيهَا مِنَ السُّيُولِ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٍ: هِيَ أَرْضٌ بِالْيَمَنِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ، رَحِمَهُ اللَّهُ: هِيَ قُرَى فِيمَا بَيْنَ الْيَمَنِ وَالشَّامِ.
وَقَالَ عِكْرِمة، وَالضَّحَّاكُ، وَقَتَادَةُ، والسُّدِّيّ، وَابْنُ زَيْدٍ: الْأَرْضُ الْجُرُزُ: الَّتِي لَا نَبَاتَ فِيهَا
(٢) زيادة من ت.
(٣) في أ: "من".
(٤) كتاب السنة للالكائي برقم (٦٦) "قسم كرامات الأولياء" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن مخلد، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صالح، عن ابن لهيعة به، وهو مرسل.
(٥) زيادة من ت، ف، أ.
قال ابن لَهِيعَة، عن قيس بن حجاج، عمن حدثه قال : لما فُتِحَت مصر، أتى أهلها عمرو بن العاص - [ وكان أميرًا بها ]٣ - حين دخل بؤونة من أشهر العجم، فقالوا : أيها الأمير، إن لنيلنا سُنَّة لا يجري إلا بها. قال : وما ذاك ؟ قالوا : إذا كانت ثنتا عشرة ليلة خلت من هذا الشهر عَمَدنا إلى جارية بِكْر بين٤ أبويها، فأرضينا أبويها، وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون، ثم ألقيناها في هذا النيل. فقال لهم عمرو : إن هذا لا يكون في الإسلام، إن الإسلام يهدم ما كان قبله. فأقاموا بؤونة والنيل لا يجري، حتى هموا بالجلاء، فكتب عمرو إلى عمر بن الخطاب بذلك، فكتب إليه : إنك قد أصبت بالذي فعلت، وقد بعثت إليك ببطاقة داخل كتابي هذا، فألقها في النيل. فلما قدم كتابه أخذ عمرو البطاقة ففتحها فإذا فيها : من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل أهل مصر، أما بعد. . . فإنك إن كنت إنما تجري من قبلك فلا تجر، وإن كان الله الواحد القهار هو الذي يجريك فنسأل الله أن يجريك. قال : فألقى البطاقة في النيل، وأصبحوا يوم السبت وقد أجرى الله النيل ستة عشر ذراعًا في ليلة واحدة، وقطع الله تلك السُّنَّة عن أهل مصر إلى اليوم. رواه الحافظ أبو القاسم اللالكائي الطبري في كتاب " السنة " له. ٥
ولهذا قال تعالى :﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ ﴾، كما قال تعالى :﴿ فَلْيَنْظُرِ الإنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ. أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا. ثُمَّ شَقَقْنَا الأرْضَ شَقًّا. فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا. وَعِنَبًا وَقَضْبًا. وَزَيْتُونًا وَنَخْلا. وَحَدَائِقَ غُلْبًا. وَفَاكِهَةً وَأَبًّا. [ مَتَاعًا لَكُمْ وَلأنْعَامِكُمْ ] ﴾ [ عبس : ٢٤ - ٣٢ ] ؛٦ ولهذا قال هاهنا :﴿ أَفَلا يُبْصِرُونَ ﴾. وقال ابن أبي نَجِيح، عن رجل، عن ابن عباس في قوله :﴿ إِلَى الأرْضِ الْجُرُزِ ﴾ قال : هي التي لا تُمطر إلا مطرًا لا يغني عنها شيئا، إلا ما يأتيها من السيول.
وعن ابن عباس، ومجاهد : هي أرض باليمن.
وقال الحسن، رحمه الله : هي قرى فيما بين اليمن والشام.
وقال عِكْرِمة، والضحاك، وقتادة، والسُّدِّيّ، وابن زيد : الأرض الجرز : التي لا نبات فيها وهي مغبرة.
قلت : وهذا كقوله :﴿ وَآيَةٌ لَهُمُ الأرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ. وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ. لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ ﴾ [ يس : ٣٣ - ٣٥ ].
٢ - زيادة من ت، أ..
٣ - زيادة من ت..
٤ - في أ: "من"..
٥ - كتاب السنة للالكائي برقم ( ٦٦ ) "قسم كرامات الأولياء" حدثنا محمد بن أبي بكر، حدثنا محمد بن مخلد، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا عبد الله بن صالح، عن ابن لهيعة به، وهو مرسل..
٦ - زيادة من ت، ف، أ.
قُلْتُ: وَهَذَا كَقَوْلِهِ: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ الأرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ. وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ. لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ﴾ [يس: ٣٣-٣٥].
﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٢٨) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٢٩) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (٣٠) ﴾.
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ اسْتِعْجَالِ الْكَفَّارِ وقوعَ بَأْسِ اللَّهِ بِهِمْ، وَحُلُولِ غَضَبِهِ وَنِقْمَتِهِ عَلَيْهِمْ، اسْتِبْعَادًا وَتَكْذِيبًا وَعِنَادًا: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ﴾ ؟ أَيْ: مَتَى تُنْصَرُ عَلَيْنَا يَا مُحَمَّدُ؟ كَمَا تَزْعُمُ أَنَّ لَكَ وَقْتًا تُدَال عَلَيْنَا، ويُنْتَقم لَكَ مِنَّا، فَمَتَى يَكُونُ هَذَا؟ مَا نَرَاكَ أَنْتَ وَأَصْحَابَكَ إِلَّا مُخْتَفِينَ خَائِفِينَ ذَلِيلِينَ!
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ﴾ أَيْ: إِذَا حَلَّ بِكُمْ بَأْسُ اللَّهِ وسَخَطه وَغَضَبُهُ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْأُخْرَى، ﴿لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ. فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ. فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ﴾ [غَافِرٍ: ٨٣-٨٥]، ومَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذَا الْفَتْحِ فتحُ مَكَّةَ فَقَدْ أَبْعَدَ النَّجْعة، وَأَخْطَأَ فَأَفْحَشَ، فَإِنَّ يَوْمَ الْفَتْحِ قَدْ قَبِل رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِسْلَامَ الطُّلَقَاءِ، وَقَدْ كَانُوا قَرِيبًا مِنْ أَلْفَيْنِ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ فَتْحَ مَكَّةَ لَمَا قَبِلَ إِسْلَامَهُمْ؛ لِقَوْلِهِ: ﴿قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الْفَتْحُ الَّذِي هُوَ الْقَضَاءُ وَالْفَصْلُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الشُّعَرَاءِ: ١١٨]، وَكَقَوْلِهِ: ﴿قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ﴾ [سَبَأٍ: ٢٦]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: ١٥]، وَقَالَ: ﴿وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [الْبَقَرَةِ: ٨٩]، وَقَالَ: ﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ﴾ [الْأَنْفَالِ: ١٩].
ثُمَّ قَالَ: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ﴾ أَيْ: أَعْرِضْ عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَبَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، كَقَوْلِهِ: ﴿اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الْأَنْعَامِ: ١٠٦]، وَانْتَظِرْ فَإِنَّ اللَّهَ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، وَسَيَنْصُرُكَ عَلَى مَنْ خَالَفَكَ، إِنَّهُ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ.
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ﴾ أَيْ: أَنْتَ مُنْتَظِرٌ، وَهُمْ مُنْتَظِرُونَ، وَيَتَرَبَّصُونَ بِكُمُ الدَّوَائِرَ، ﴿أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ﴾ [الطُّورِ: ٣٠]، وَسَتَرَى أَنْتَ عَاقِبَةَ صَبْرِكَ عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَدَاءِ رِسَالَةِ اللَّهِ، فِي نُصْرَتِكَ وَتَأْيِيدِكَ، وَسَيَجِدُونَ غِبَّ مَا يَنْتَظِرُونَهُ فِيكَ وَفِي أَصْحَابِكَ، مِنْ وَبِيلِ عِقَابِ اللَّهِ لَهُمْ، وَحُلُولِ عَذَابِهِ بِهِمْ، وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، [وَاللَّهُ أَعْلَمُ]. (١)
[آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ "الم السَّجْدَةِ"] (٢)
(٢) زيادة من ت.
قال الله تعالى :﴿ قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ ﴾ أي : إذا حَلَّ بكم بأس الله وسَخَطه وغضبه في الدنيا وفي الأخرى، ﴿ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ ﴾، كما قال تعالى :﴿ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ. فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ. فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ ﴾ [ غافر : ٨٣ - ٨٥ ]، ومَنْ زعم أن المراد من هذا الفتح فتحُ مكة فقد أبعد النَّجْعة، وأخطأ فأفحش، فإن يوم الفتح قد قَبِل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إسلام الطلقاء، وقد كانوا قريبًا من ألفين، ولو كان المراد فتح مكة لما قبل إسلامهم ؛ لقوله :﴿ قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ ﴾، وإنما المراد الفتح الذي هو القضاء والفصل، كقوله تعالى :﴿ فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [ الشعراء : ١١٨ ]، وكقوله :﴿ قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ ﴾ [ سبأ : ٢٦ ]، وقال تعالى :﴿ وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴾ [ إبراهيم : ١٥ ]، وقال :﴿ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [ البقرة : ٨٩ ]، وقال :﴿ إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ ﴾ [ الأنفال : ١٩ ].
وقوله :﴿ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ ﴾ أي : أنت منتظر، وهم منتظرون، ويتربصون بكم الدوائر، ﴿ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ ﴾ [ الطور : ٣٠ ]، وسترى أنت عاقبة صبرك عليهم وعلى أداء رسالة الله، في نصرتك وتأييدك، وسيجدون غب ما ينتظرونه فيك وفي أصحابك، من وبيل عقاب الله لهم، وحلول عذابه بهم، وحسبنا الله ونعم الوكيل، [ والله أعلم ]. ١
[ آخر تفسير سورة " الم السجدة " ]٢
٢ - زيادة من ت..