ﰡ
وقوله :﴿ أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ ﴾.
قرأها العوامّ :«أثارة »، وقرأها بعضهم قال : قرأ أبو عبد الرحمن فيما أعلم و«أثْرةً » خفيفة. وقد ذكر عن بعض القراء «أثَرة ». والمعنى فيهن كلهن : بقية من علم، أو شيء مأثور من كتب الأولين.
فمن قرأ «أثارة » فهو كالمصدر مثل قولك : السماحة، والشجاعة.
ومن قرأ «أَثَرة » فإنه بناه على الأثر، كما قيل : قَتَرة.
ومن قرأ «أَثْرة » كأن أراد مثل قوله :﴿ إلا من خطِف الخطفة ﴾، والرَّجفة.
عنى ب ( من ) الأصنام، وهي في قراءة عبد الله :«مالا يستجيب له »، فهذا مما ذكرت لك في : من، وما.
يقول : لم أكن أول من بُعث، قد بُعث قبلي أنبياء كثير.
وقوله :﴿ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ ﴾.
نزلت في أصحاب النبي صلى الله عليه، وذلك أنهم شكوا إليه ما يلقون من أهل مكة قبل أن يؤمر بقتالهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إني قد رأيت في منامي أني أهاجر إلى أرض ذات نخل وشجر وماء، فاستبشَروا بذلك، ثم إنهم مكثوا برهة لا يرون ذلك ؛ فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : ما نرى تأويل ما قلت : وقد اشتد علينا الأذى ؟ فأنزل الله عز وجل :﴿ قُلْ ما كُنتُ بِدْعاً مِّنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ ﴾ أَخرُج إلى الموضع الذي أُريته في منامي أم لا ؟ ثم قال لهم : إنما هو شيء أُريته في منامي، وما أتبع إل ما يوحى إلىّ. يقول : لم يوح إليّ ما أخبرتكم به، ولو كان وحيا لم يقل صلى الله عليه :﴿ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ ﴾.
شهد رجل من اليهود على مثل ما شهد عليه عبد الله بن سلام [ ١٧٥/ب ] من التصديق بالنبي صلى الله عليه وسلم وأنه موصوف في التوراة، فآمن ذلك الرجل واستكبرتم.
لما أسلمت : مزينة، وجهينة، وأسلم، وغِفَار، قالت بنو عامر بن صعصعة وغطفانُ، وأشجع وأسد : لو كان هذا خيرا ما سبقنا إِليه رعاة الْبَهْمِ، فهذا تأويل قوله :﴿ لَوْ كَانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ ﴾.
وفي قراءة عبد الله : مصدق لما بين يديه لسانا عربيا، فنَصْبُه في قراءتنا على تأويل قراءة عبد الله، أي هذا القرآن يصدق التوراة عربيا مبينا، وهي في قراءة عبد الله يكون [ نصبا ] من مصدق. على ما فسرت لك، ويكون قطعا من الهاء في بين يديه.
وقوله عز وجل :﴿ لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ ﴾.
البشرى : تكون رفعا ونصبا، الرفع على : وهذا كتاب مصدق وبشرى، والنصب على لتنذر الذين ظلموا وتبشر، فإذا أسقطت تبشر، ووضعت في موضعه بشرى أو بشارة نصبتَ، ومثله في الكلام : أعوذ بالله منك، وسقيا لفلان، كأنه قال : وسقى الله فلانا، وجئت لأكرمك وزيارة لك وقضاء لحقك، معناه : لأزورك وأقضى حقك، فنصبت الزيارة والقضاء بفعل مضمر.
قرأها أهل الكوفة بالألف، وكذلك هي في مصاحفهم، وأهل المدينة وأهل البصرة يقرءون :( حُسْناً ) وكذلك هي في مصاحفهم، ومعناهما واحد والله أعلم.
وقوله :﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ﴾.
وفي قراءة عبد الله : حتّى إذا استوى وبلغ أشده وبلغ أربعين سنة، والمعنى فيه، كالمعنى في قراءتنا ؛ لأنه جائز في العربية أن تقول : لمَّا ولد لك وأدركت مدرك الرجال عققت وفعلت، والإدراك قبل الولادة، ويقال : إِن الأشد هاهنا هو الأربعون.
وسمعت بعض المشيخة يذكر بإسناد له في الأشد : ثلاث وثلاثون، وفي الاستواء : أربعون.
وسمعت أن الأشد في غير هذا الموضع : ثماني عشرة. والأول أشبه بالصواب ؛ لأن الأربعين أقرب في النسق إل ثلاث وثلاثين ومنها إِلى ثماني عشرة ؛ ألا ترى أنك تقول : أخذت عامة المال أو كلَّه، فيكون أحسن من أن تقول : أخذت أقلّ المال أو كلّه. ومثله قوله :﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلمُ أَنّكَ تقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ الّليْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ ﴾، فبعضُ ذا قريب من بعض، فهذا سبيل كلام العرب [ ١٧٦/ا ]، والثاني يعني ثماني عشرة، [ و ] لو ضم إِلى الأربعين كان وجها.
وقوله :﴿ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ ﴾.
نزلت هذه الآية : في أبى بكر الصديق رحمه الله.
[ حدثنا محمد قال ] حدثنا الفراء قال : حدثني به حبان بن على العنزيّ عن الكلبي عن أبى صالح عن ابن عباس قال : نزلت في أبى بكر رحمه الله إِلى قوله :﴿ أُولَئِكَ الَّذِين نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ﴾ إلى آخر الآية.
وقرأ يحيى بن وثاب، وذُكرت عن بعض أصحاب عبد الله :﴿ نتقبَّلُ عنهم أحْسَنَ ما عَمِلوا ونتجاوز عن سيئاتهم ﴾ بالنون. وقراءة العوام :«يُتقبل عنهم أحسن ما عملوا ويُتجاوز عن سيئاتهم » بالياء وضمها، ولو قرئت «تُتَقبَّل عنهم [ أحسن ما عملوا ] وتُتجاوز » كان صواباً.
كقولك : وعدا صدقا، أضيف إلى نفسه، وما كان من مصدر في معنى حقا فهو نصب معرفة كان أو نكرة، مثل قوله في يونس :﴿ وَعد الله حقّاً ﴾.
ذُكِرَ أنه عبد الرحمن بن أبي بكر قال هذا القول قبل أن يسلم :( أُفٍّ لكما ) قذراً لكما أتعدانني أن أُخرج من القبر ؟
واجتمعت القراء على ( أخرج ) بضم الألف لم يسم فاعله، وَلو قرئت : أن أَخْرُجَ بفتح الألف كان صوابا.
وقوله :﴿ وَهُما يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ ﴾.
ويقولان :«ويلك آمن ». القول مضمر يعني : أبا بكر رحمه الله وامرأته.
لَمْ تنزل في عبد الرحمن بن أبي بكر، ولكن عبد الرحمن، قال : ابعثوا [ لي ] جُدْعان بن عمرو، وعثمان بن عمرو وهما من أجداده حتى أسألهما عما يقول محمد صلى الله عليه وسلم أحق أم باطل ؟ فأنزل الله :﴿ أولئك الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ ﴾. يعني : جدعان، وعثمان.
قرأها الأعمش وعاصم ونافع المدني بغير استفهام، وقرأها الحسن وأبو جعفر المدني بالاستفهام :«أأذهبتم »، والعرب تستفهم بالتوبيخ ولا تستفهم فيقولون : ذَهَبْتَ ففعلت وفعلت، ويقولون : أَذَهَبْتَ ففعلت وفعلت، وكلٌّ صواب.
أحقاف الرمل، واحدها : حِقفٌ، والحِقفُ : الرملة المستطيلة المرتفعة إلى فوق.
وقوله :﴿ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ ﴾.
قبله ومن خلفه من بعده، وهي [ ١٧٦/ب ] في قراءة عبد الله «من بين يديه ومن بعده ».
طمعوا أن يكون سحابَ مطرٍ، فقالوا : هذا الذي وعدْتَنا، هذا والله الغيث والخير، قال الله قل لهم : بل هو ما استعجلتم به من العذاب. وفي قراءة عبد الله : قل [ بل ] ما استعجلتم به هي ريح فيها عذاب أليم. وهو، وَهي في هذا الموضع بمنزلة قوله :«مِنْ مَنِيٍّ تُمْنَى » وَ«يمنى ». من قال :«هو ». ذهب إلى العذاب، وَمن قال :«هي » ذهب إلى الريح.
قرأها الأعمش وَعاصم وَحمزة «لا يُرَى إلا مساكنهم ».
قال الفراء : وقرأها على بن أبى طالب، رحمه الله.
[ حدثنا محمد قال ] حدثنا الفراء قال : حدثني محمد بن الفضل الخرساني عن عطاء بن السائب، عن أبى عبد الرحمن عن على بن أبي طالب أنه قال :«لا تَرَى إلا مساكِنَهم ».
[ حدثنا محمد قال ] حدثنا الفراء قال وَحدثني الكسائي عن قطر بن خليفة عن مجاهد أنه قرأ :«فأصبحوا لا تَرى إلا مساكنهم ». قال : وَقرأ الحسنُ :«فأصبحوا لا تُرى إلا مساكنُهم » وفيه قبح في العربية ؛ لأن العرب إذا جعل فِعْل المؤنث قبل إِلا ذَكَّروه، فقالوا : لم يقم إِلا جاريُتَك، وما قام إِلا جاريتك، ولا يكادون يقولون : ما قامت إِلا جاريتك، وَذلك أن المتروك أحد، فأحد إذا كانت لمؤنث أو مذكر ففعلهما مذكر. ألا ترى أنك تقول : إن قام أحد منهن فاضربه، وَلا تقل : إن قامت إلا مستكرها، وَهو على ذلك جائز. قال أنشدني المفضل :
وَنارُنا لم تُر ناراً مِثْلُها | قد عِلِمت ذكَ ا معدّ أكْرما |
يقول : في الذي لم نمكنكم فيه، و( إن ). بمنزلة ما في الجحد.
وقوله :﴿ وَحاقَ بِهِمْ ﴾.
وهو في كلام العرب : عَادَ عليهم، وَجاء في التفسير : أحاط بهم، ونزل بهم.
ويقرأ أَفَكُهُم، وأَفَكَهُم. فأما الإِفك والأَفك فبمنزلة قولك : الحِذْرُ وَالحَذَر، والنِّجْس وَالنَّجَس. وأَما من قال : أَفكَهُم فإنه يجعل الهاء وَالميم في موضع نصب يقول : ذلك صرفهم عن الإيمان وكذبهم، كما قال عز وجل :﴿ يُؤفَكُ عنه مَن أُفِكَ ﴾ أي : يصرف عنه مَن صُرِف.
دخلت الباء لِلَم، والعرب تدخلها مع الجحود إذا كانت رافعة لما قبلها، وَيدخلونها إذا وقع عليها فعل يحتاج إلى اسمين مثل قولك : ما أظنك بقائم، وما أظن أنك بقائم [ ١٧٧/ا ] وَما كنت بقائم، فإذا خلَّفْتَ الباء نصبت الذي كانت فيه بما يعمل فيه من الفعل، ولو ألقيت الباء من قادر في هذا الموضع رفعه لأنه خبر لأن. قال. وَأنشدني بعضهم :
فما رَجعت بخائبةٍ رِكابٌ | حكيمُ بنُ المسيِّب مُنتهاها |
وَقد ذكر عن بعض القراء أنه قرأ :( يَقدِر ) مكان ( بقادر ) : كما قرأ حمزة :«وَما أنتَ تهدي العمى ». وَقراءة العوام :«بهادي العمى ».
فيه قول مضمر يقال : أليس هذا بالحق بلاغٌ، أي : هذا بلاغ رفع بالاستئناف.