تفسير سورة العلق

تفسير النسفي
تفسير سورة سورة العلق من كتاب مدارك التنزيل وحقائق التأويل المعروف بـتفسير النسفي .
لمؤلفه أبو البركات النسفي . المتوفي سنة 710 هـ
سورة العلق مكية، وهى تسع عشرة آية.

بسم الله الرحمن الرحيم

عن ابن عباس ومجاهد : هى أول سورة نزلت، والجمهور على أن الفاتحة أول ما نزل ثم سورة القلم.

اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١)
عن ابن عباس ومجاهد هي أول سورة نزلت والجمهور على أن الفاتحة أول ما نزل ثم سورة القلم ﴿اقرأ باسم رَبّكَ الذى خَلَقَ﴾ محل باسم رَبّكَ النصب على الحال أى اقرأ مفتحا باسم ربك كانه قبل قل بسم الله ثم اقرأ الذي خلق ولم يذكر لخلق مفعولاً لأن المعنى الذي حصل منه الخلق واستأثر به لا خالق سواه أو تقديره خلق كل شئ فيتناول كل مخلوق لأنه مطلق فليس بعض المخلوقات يتقديره أولى من بعض
خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢)
وقوله ﴿خلق الإنسان﴾ تخصيص للانسان بالذكرمن بين ما يتناوله الخلق لشرفه ولأن التنزيل إليه ويجوز أن يراد الذي خلق الإنسان إلا أنه ذكر مبهماً ثم مفسراً تفخيماً لخلقه ودلالة على عجيب فطرته ﴿مِنْ عَلَقٍ﴾ وإنما جمع ولم يقل من علقة لأن الإنسان في معنى الجمع
اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣)
﴿اقرأ وَرَبُّكَ الأكرم﴾ الذي له الكمال في زيادة كرمه على كل كريم
662
ينعم على عباده النعم ويحلم عنهم فلا يعاجلهم بالعقوبة مع كفرهم وجحودهم لنعمه وكأنه ليس وراء التكرم بإفادة الفوائد العلمية تكرم حيث قال
663
الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤)
﴿الذى عَلَّمَ﴾ الكتابة ﴿بالقلم﴾
عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (٥)
﴿عَلَّمَ الإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ فدل على كمال كرمه بأنه علم عباده ما لم يعلموا ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم ونبه على فضل علم الكتابة لما فيه من المنافع العظيمة وما دونت العلوم ولا قيدت الحكم ولا ضبطت أخبار الأولين
ولا كتب الله المنزلة إلا بالكتابة ولولا هي لما استقامت أمور الدين والدنيا ولو لم يكن على دقيق حكمة الله دليل إلا أمر القلم والخط لكفى به
كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (٦)
﴿كَلاَّ﴾ ردع لمن كفر بنعمة الله عليه بطغيانه وإن لم يذكر لدلالة الكلام عليه ﴿إِنَّ الإنسان ليطغى﴾ نزلت في أبي جهل إلى آخر السورة
أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (٧)
﴿أن رآه﴾ أن رأى نفسه يقال في أفعال القلوب رأيتني وعلمتني ومعنى الرؤية العلم ولو كانت بمعنى الإبصار لامتنع في فعلها الجمع بين الضميرين ﴿استغنى﴾ هو المفعول الثاني
إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (٨)
﴿إِنَّ إلى رَبّكَ الرجعى﴾ تهديد للإنسان من عاقبة الطغيان على طريق الالتفات والرجعى مصدر بمعنى الرجوع أي إن رجوعك إلى ربك فيجازيك على طغيانك
أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (٩) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (١٠)
﴿أرأيت الذى ينهى عَبْداً إِذَا صلى﴾ أي أرأيت أبا جهل ينهى محمدا عن الصلاة
أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (١١)
﴿أرأيت إِن كَانَ على الهدى﴾ أي إن كان ذلك الناهي على طريقة سديدة فيما ينهى عنه من عبادة الله
أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (١٢)
﴿أَوْ أَمَرَ بالتقوى﴾ أو كان آمراً بالمعروف والتقوى فيما يأمر به من عبادة الأوثان كما يعتقد
أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٣)
﴿أرأيت إِن كَذَّبَ وتولى﴾ أرأيت إن كان ذلك الناهى مكذبا بالحق متوليا عنه كما تقول نحن
أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (١٤)
﴿أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ الله يرى﴾ ويطلع على أحواله من هداه وضلاله فيجازيه على حسب حاله وهذا وعيد وقوله الذى ينهى مع الجملة الشرطية مفعولا أَرَأَيْتَ وجواب الشرط
663
محذوف تقديره إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى ألم يعلم بأن الله يرى وإنما حذف لدلالة ذكره في جواب الشرط الثاني وهذا كقولك ان أكرمتك أتكرمنى وأرأيت الثانية مكررة زائدة للتوكيد
664
كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (١٥)
﴿كَلاَّ﴾ ردع لأبي جهل عن نهيه عن عبادة الله وأمره بعبادة الأصنام ثم قال ﴿لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ﴾ عما هو فيه ﴿لَنَسْفَعاً بالناصية﴾ لنأخذن بناصيته ولنسجنه بها إلى النار والسفع القبض على الشئ وجذبه بشدة وكتبها في المصحف بالألف على حكم الوقف واكتفى بلام العهد عن الإضافة بأنها ناصية المذكور
نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (١٦)
﴿نَاصِيَةٍ﴾ بدل من الناصية لأنها وصفت بالكذب والخطأ بقوله ﴿كاذبة خاطئة﴾ على الإسناد المجازي وهما لصاحبها حقيقة وفيه من الحسن والجزالة ما ليس في قولك ناصية كاذب خاطئ
فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (١٧) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (١٨)
﴿فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزبانية﴾ النادي المجلس الذي يجتمع فيه القوم والمراد أهل النادي روي أن أبا جهل مر بالنبي عليه السلام وهو يصلي فقال ألم أنهك فأغلظ له رسول الله عليه السلام فقال أنهددنى وأنا أكثر أهل الوادي نادياً فنزل والزبانية لغة الشرط الواحد زبنية من الزبن وهو الدفع والمراد ملائكة العذاب وعنه عليه السلام ولو دعا ناديه لأخذته الزبانية عياناً
كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (١٩)
﴿كَلاَّ﴾ ردع لأبي جهل ﴿لاَ تُطِعْهُ﴾ أي اثبت على ما أنت عليه من عصيانه كقوله فلا تطع المكذبين ﴿واسجد﴾ ودم على
سجودك يريد الصلاة ﴿واقترب﴾ وتقرب إلى ربك بالسجود فإن أقرب ما يكون العبد إلى ربه إذا سجد كذا الحديث والله أعلم
664
سورة القدر مكية وقيل مدنية وهي خمس آيات

بسم الله الرحمن الرحيم

665
Icon