تفسير سورة الكافرون

مختصر تفسير ابن كثير
تفسير سورة سورة الكافرون من كتاب مختصر تفسير ابن كثير المعروف بـمختصر تفسير ابن كثير .
لمؤلفه محمد علي الصابوني .

- ١ - قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ
- ٢ - لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ
- ٣ - وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ
- ٤ - وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ
- ٥ - وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ
- ٦ - لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ
هَذِهِ سُورَةُ الْبَرَاءَةِ مِنَ الْعَمَلِ الَّذِي يَعْمَلُهُ الْمُشْرِكُونَ، فقوله تعالى: ﴿قُلْ يا أيها الكافرون﴾ يشمل كل كافر على وجه الأرض، ولكن الموجهون بهذا الخطاب هم (كفار قريش) دعوا رسول الله إِلَى عِبَادَةِ أَوْثَانِهِمْ سَنَةً، وَيَعْبُدُونَ مَعْبُودَهُ سَنَةً، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ السُّورَةَ وَأَمَرَ رَسُولَهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنْ دِينِهِمْ بِالْكُلِّيَّةِ، فَقَالَ: ﴿لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ يَعْنِي مِنَ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْدَادِ، ﴿وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ﴾ وَهُوَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له، ثُمَّ قَالَ: ﴿وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ﴾ أَيْ وَلَا أَعْبُدُ عِبَادَتَكُمْ أَيْ لَا أَسْلُكُهَا وَلَا أَقْتَدِي بِهَا، وَإِنَّمَا أَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ﴾ أَيْ لَا تَقْتَدُونَ بِأَوَامِرَ اللَّهِ وَشَرْعِهِ، فِي عِبَادَتِهِ، بَلْ قَدِ اخْتَرَعْتُمْ شَيْئًا مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِكُمْ، كَمَا قَالَ: ﴿إِنَّ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ﴾ فَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ فِي جَمِيعِ مَا هُمْ فِيهِ، وَلِهَذَا كَانَ كَلِمَةُ الْإِسْلَامِ «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» أَيْ لَا مَعْبُودَ إِلاَّ اللَّهُ، وَلاَ
685
طَرِيقَ إِلَيْهِ إِلَّا بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمُشْرِكُونَ يَعْبُدُونَ غَيْرَ الله عبادة لم يأذن الله بها، ولهذا قال: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ﴾، وقال: ﴿لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ﴾، وقال البخاري ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ﴾ الْكَفْرُ، ﴿وَلِيَ دِينِ﴾ الْإِسْلَامُ، وَلَمْ يَقُلْ: دِينِي، لِأَنَّ الْآيَاتِ بِالنُّونِ فَحُذِفَ الْيَاءُ، كما قال: ﴿فهو يهدين﴾ ﴿ويشفين﴾، وَقَالَ غَيْرُهُ: ﴿لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ الْآنَ ولا أجيبكم بما بَقِيَ مِنْ عُمُرِي ﴿وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ﴾، وَنَقَلَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّأْكِيدِ كَقَوْلِهِ: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً﴾ فهذه ثلاثة أقوال: أولهما: ما ذكرناه أولاً. والثاني: مَا حَكَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ الْمُرَادَ: ﴿لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ﴾ فِي الْمَاضِي ﴿وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ﴾ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. الثَّالِثُ: أَنَّ ذَلِكَ تَأْكِيدٌ محض. وثمّ قول رابع: نصره ابن تَيْمِيَةَ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: ﴿لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ نَفْيُ الْفِعْلِ لِأَنَّهَا جُمْلَةٌ فِعْلِيَّةٌ، ﴿وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ﴾ نَفْيُ قَبُولِهِ لِذَلِكَ بِالْكُلِّيَّةِ، لِأَنَّ النَّفْيَ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ آكَدُ، فَكَأَنَّهُ نَفَى الْفِعْلَ، وَكَوْنُهُ قَابِلًا لِذَلِكَ، وَمَعْنَاهُ نَفْيُ الْوُقُوعِ، وَنَفْيُ الْإِمْكَانِ الشَّرْعِيِّ أَيْضًا، وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ أَيْضًا، وَاللَّهُ أعلم.
686
- ١١٠ - سورة النصر.
687

[مقدمة]

روى الحافظ أبو بكر البزار، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أُنْزِلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ ﴿إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْسَطَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَعَرَفَ أَنَّهُ الْوَدَاعُ، فَأَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ الْقَصْوَاءِ فَرَحَلَتْ، ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَذَكَرَ خُطْبَتَهُ المشهورة (أخرجه البزار والبيهقي)، وروى الحافظ البيهقي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ ﴿إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ، وَقَالَ: «إِنَّهُ قَدْ نُعِيَتْ إليَّ نَفْسِي» فَبَكَتْ ثُمَّ ضَحِكَتْ، وَقَالَتْ: أَخْبَرَنِي أَنَّهُ نُعِيَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ، فَبَكَيْتُ، ثُمَّ قَالَ: «اصْبِرِي فَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِي لِحَاقًا بي» فضحكت (أخرجه البيهقي ورواه النسائي بنحوه بِدُونِ ذِكْرِ فَاطِمَةَ).
687
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
687
Icon