ﰡ
١٨٥ - قال اللَّه تعالى: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (١) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٢) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (٣) وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٤) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٥) سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (٦) هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (٧) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (٨)
* سَبَبُ النُّزُولِ:
أخرج البخاري وأحمد ومسلم والترمذي والنَّسَائِي عن زيد بن أرقم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كنت مع عمي، فسمعت عبد الله بن أُبي ابن سلول يقول: لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا. وقال أيضاً: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، فذكرت ذلك لعمي، فذكر عمي لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأرسل رسولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى عبد الله بن أُبي وأصحابه، فحلفوا ما قالوا، فصدقهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكذبني، فأصابني همٌّ لم يصبني مثلُه، فجلست في بيتي، فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ) - إلى قوله - (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ) - إلى قوله - (لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ)
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآيات الكريمة. وقد ذكر جمهور المفسرين هذا الحديث وجعلوه سبب نزولها منهم الطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
قال الطبري: (وإنما عُني بهذه الآيات كلها فيما ذُكر عبد الله بن أبي ابن سلول وذلك أنه قال لأصحابه: (لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا)، وقال: (لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ) فسمع بذلك زيد بن أرقم فأخبر به رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فدعاه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسأله عما أُخبر به عنه فحلف أنه ما قاله) اهـ.
قال ابن كثير: (وقد ذكر غير واحد من السلف أن هذا السياق كله نزل في عبد الله بن أبي ابن سلول) اهـ.
وقال السعدي: (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ) وذلك في غزوة المريسيع، حين صار بين بعض المهاجرين والأنصار بعض كلام كدَّر الخواطر ظهر حينئذٍ نفاق المنافقين، وتبين ما في قلوبهم، وقال كبيرهم عبد الله بن أبي ابن سلول: ما مثلنا ومثل هؤلاء يعني المهاجرين - إلا كما قال القائل: (سمِّن كلبك يأكلك). وقال: (لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ طلَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ) بزعمه أنه هو وإخوانه المنافقين الأعزون، وأن
وقد اتفق المفسرون على أن قضية زيد بن أرقم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مع رأس المنافقين عبد الله بن أبي ابن سلول هي سبب نزول الآيات الكريمة والله أعلم.
* النتيجة:
أن هذا الحديث الذي معنا هو سبب نزول هذه الآيات الكريمة لصحة سنده، وتصريحه بالنزول، وموافقته لسياق القرآن، واتفاق المفسرين عليه واحتجاجهم به واللَّه أعلم.
* * * * *