تفسير سورة العلق

فتح الرحمن في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة العلق من كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن .
لمؤلفه تعيلب . المتوفي سنة 2004 هـ
( ٩٦ ) سورة العلق مكية
وآياتها تسع عشرة
كلماتها : ٧٢ ؛ حروفها : ٢٨٠.

﴿ ربك ﴾ مولاك، ومصلحك، ومعبودك، وخالقك.
بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ اقرأ باسم ربك الذي خلق ( ١ ) خلق الإنسان من علق ( ٢ ) اقرأ وربك الأكرم ( ٣ ) الذي علم بالقلم ( ٤ ) علم الإنسان ما لم يعلم ( ٥ ) ﴾.
أمر الله تعالى نبيه محمدا رسوله إلى الكافة وخاتم النبيين أن يقرأ ما يوحى إليه من ربه مفتتحا باسم مولاه الذي برأ وذرأ، وفطر وأنشأ ؛ ومن أحسن خلقه، وأبدع صنعه هذا المخلوق المكرم، الإنسان الذي أوجده الله تعالى، واستخلفه في الأرض، وأسجد له الملائكة، وسخر له ما في السماوات وما في الأرض جميعا ؛ مع أن أصل أبيه التراب، ونسله من نطفة من ماء مهين، ثم من علقة قطعة من الدم متجمدة- بخلاف الدم المسفوح الذي ينصب سائلا- ثم تكرر الأمر توكيدا عليه :﴿ اقرأ وربك الأكرم ﴾ ومولاك، ومصلحك ومعبودك، ومربيك، وخالقك هو ﴿ الأكرم ﴾ الذي يقبل العمل القليل، ويعطي عليه الأجر الجزيل، والثواب الجميل، والذي يحلم عن جهل العباد، فلا يعجل عقوبتهم، وهو الكريم الذي لا نهاية لكرمه، فهو معينك على تلاوة ما يوحى إليك، وأنت الأمي، ﴿ وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك.. ﴾١، ومولاك بقدرته وحكمته سيجمع عليك ما يملي عليك ويقرئك ملك الوحي، وروح القدس، فلا تنسى، ﴿ ثم إن علينا بيانه ﴾٢.
﴿ الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم ﴾ علم من شاء من خلقه أن يخط بالقلم، فعلم ملائكته كيف يكتبون أعمال العباد، وما شاء الله أن يسطر، وعلم بني الإنسان ما لم يكونوا يعلمون ؛ أو علم آدم عليه السلام، فهو أبو الأناسي، أول إنسان ؛ وقيل :﴿ الإنسان ﴾ هنا : الرسول محمد صلى الله عليه وسلم-٣.
وهذه الآيات الخمس المباركات أول ما نزل من القرآن ؛ دليله ما رواه البخاري في صحيحة عن عائشة رضي الله تعالى عنها : أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصالحة، فجاءه الملك فقال :﴿ اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم ﴾.
وفي الصحيحين عنها قالت : أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم ؛ فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء، يتحنث٤ فيه الليالي ذوات العدد، - قبل أن يرجع إلى أهله ويتزود لذلك- ؛ ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها ؛ حتى فجئه الحق وهو في غار حراء، فجاء الملك، فقال :﴿ اقرأ ﴾، فقال :( ما أنا بقارئ ) قال- فأخذني فغطني٥ حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال ﴿ اقرأ ﴾ فقلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني ) فقال :﴿ اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم ﴾ ).
﴿ علق ﴾ جمع علقه، وهي الدم المتجمد، طور من أطوار الأجنة ؛ والجمع لأن الإنسان أريد به الجمع.
بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ اقرأ باسم ربك الذي خلق ( ١ ) خلق الإنسان من علق ( ٢ ) اقرأ وربك الأكرم ( ٣ ) الذي علم بالقلم ( ٤ ) علم الإنسان ما لم يعلم ( ٥ ) ﴾.
أمر الله تعالى نبيه محمدا رسوله إلى الكافة وخاتم النبيين أن يقرأ ما يوحى إليه من ربه مفتتحا باسم مولاه الذي برأ وذرأ، وفطر وأنشأ ؛ ومن أحسن خلقه، وأبدع صنعه هذا المخلوق المكرم، الإنسان الذي أوجده الله تعالى، واستخلفه في الأرض، وأسجد له الملائكة، وسخر له ما في السماوات وما في الأرض جميعا ؛ مع أن أصل أبيه التراب، ونسله من نطفة من ماء مهين، ثم من علقة قطعة من الدم متجمدة- بخلاف الدم المسفوح الذي ينصب سائلا- ثم تكرر الأمر توكيدا عليه :﴿ اقرأ وربك الأكرم ﴾ ومولاك، ومصلحك ومعبودك، ومربيك، وخالقك هو ﴿ الأكرم ﴾ الذي يقبل العمل القليل، ويعطي عليه الأجر الجزيل، والثواب الجميل، والذي يحلم عن جهل العباد، فلا يعجل عقوبتهم، وهو الكريم الذي لا نهاية لكرمه، فهو معينك على تلاوة ما يوحى إليك، وأنت الأمي، ﴿ وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك.. ﴾١، ومولاك بقدرته وحكمته سيجمع عليك ما يملي عليك ويقرئك ملك الوحي، وروح القدس، فلا تنسى، ﴿ ثم إن علينا بيانه ﴾٢.
﴿ الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم ﴾ علم من شاء من خلقه أن يخط بالقلم، فعلم ملائكته كيف يكتبون أعمال العباد، وما شاء الله أن يسطر، وعلم بني الإنسان ما لم يكونوا يعلمون ؛ أو علم آدم عليه السلام، فهو أبو الأناسي، أول إنسان ؛ وقيل :﴿ الإنسان ﴾ هنا : الرسول محمد صلى الله عليه وسلم-٣.
وهذه الآيات الخمس المباركات أول ما نزل من القرآن ؛ دليله ما رواه البخاري في صحيحة عن عائشة رضي الله تعالى عنها : أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصالحة، فجاءه الملك فقال :﴿ اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم ﴾.
وفي الصحيحين عنها قالت : أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم ؛ فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء، يتحنث٤ فيه الليالي ذوات العدد، - قبل أن يرجع إلى أهله ويتزود لذلك- ؛ ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها ؛ حتى فجئه الحق وهو في غار حراء، فجاء الملك، فقال :﴿ اقرأ ﴾، فقال :( ما أنا بقارئ ) قال- فأخذني فغطني٥ حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال ﴿ اقرأ ﴾ فقلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني ) فقال :﴿ اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم ﴾ ).
﴿ يطغى ﴾ يتجاوز الحد.
﴿ كلا إن الإنسان ليطغى ( ٦ ) أن رآه استغنى ( ٧ ) إن إلى ربك الرجعى ( ٨ ) أرأيت الذي ينهى ( ٩ ) عبدا إذا صلى ( ١٠ ) أرأيت إن كان على الهدى ( ١١ ) أو آمر بالتقوى ( ١٢ ) أرأيت إن كذب وتولى ( ١٣ ) ألم يعلم بأن الله يرى ( ١٤ ) كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية ( ١٥ ) ناصية كاذبة خاطئة ( ١٦ ) فليدع نادية ( ١٧ ) سندع الزبانية ( ١٨ ) كلا لا تطعه واسجد واقترب ( ١٩ ) ﴾

-
أخرج أحمد ومسلم والنسائي وغيرهم عن أبي هريرة : أن أبا جهل حلف باللات والعزى لئن رأى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يصلي ليطأن على رقبته، وليعفرن وجهه، فأتى رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو يصلي ليفعل، فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه، ويتقي بيديه، فقيل له : مالك ؟ فقال : إن بيني وبينه لخندقا من نار، وهولا، وأجنحة ؛ فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم :( لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا ) وأنزل الله تعالى :﴿ كلا إن الإنسان.. ﴾ إلى آخر السورة... ﴿ كلا ﴾ ردع لمن كفر من جنس الإنسان بنعمة الله تعالى عليه، بطغيانه ؛ وإن لم يذكر، لدلالة الكلام عليه، وذلك لأن مفتتح السورة إلى هذا المقطع يدل على عظيم منته تعالى على الإنسان، فإذا قيل ﴿ كلا ﴾ كان ردعا للإنسان الذي قابل تلك النعم الجلائل بالكفران والطغيان.. ومع نزوله في ذلك اللعين، المراد بالإنسان : الجنس-١ ؛ ويجوز أن تكون ﴿ كلا ﴾ بمعنى : حقا.
﴿ إن الإنسان ليطغى. أن رآه استغنى ﴾ تحققوا أن جنس الإنسان يتجاوز حده، فيتطاول ويتعدى حق الخالق جل وعلا، ويتعدى حق الخلق ؛ لأنه رأى نفسه صار غنيا ذا مال وثروة- فالسين والتاء هنا : للصيرورة- ورأى إما بصرية أو بصيرية، أي رأى بعينيه أنه أصبح يملك الأموال، أو دار بفكره أنه جمع مالا وعدده ؛ [ وقيل :﴿ أن رآه استغنى ﴾ بالعشيرة والأنصار والأعوان ؛ وحذف اللام من قوله :﴿ ن رآه ﴾ كما يقال : إنكم لتطغون أن رأيتم غناكم ]٢.
﴿ أن رآه ﴾ لأن رأى نفسه.
﴿ استغنى ﴾ صار غنيا ذا ثروة.
﴿ كلا إن الإنسان ليطغى ( ٦ ) أن رآه استغنى ( ٧ ) إن إلى ربك الرجعى ( ٨ ) أرأيت الذي ينهى ( ٩ ) عبدا إذا صلى ( ١٠ ) أرأيت إن كان على الهدى ( ١١ ) أو آمر بالتقوى ( ١٢ ) أرأيت إن كذب وتولى ( ١٣ ) ألم يعلم بأن الله يرى ( ١٤ ) كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية ( ١٥ ) ناصية كاذبة خاطئة ( ١٦ ) فليدع نادية ( ١٧ ) سندع الزبانية ( ١٨ ) كلا لا تطعه واسجد واقترب ( ١٩ ) ﴾

-
أخرج أحمد ومسلم والنسائي وغيرهم عن أبي هريرة : أن أبا جهل حلف باللات والعزى لئن رأى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يصلي ليطأن على رقبته، وليعفرن وجهه، فأتى رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو يصلي ليفعل، فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه، ويتقي بيديه، فقيل له : مالك ؟ فقال : إن بيني وبينه لخندقا من نار، وهولا، وأجنحة ؛ فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم :( لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا ) وأنزل الله تعالى :﴿ كلا إن الإنسان.. ﴾ إلى آخر السورة... ﴿ كلا ﴾ ردع لمن كفر من جنس الإنسان بنعمة الله تعالى عليه، بطغيانه ؛ وإن لم يذكر، لدلالة الكلام عليه، وذلك لأن مفتتح السورة إلى هذا المقطع يدل على عظيم منته تعالى على الإنسان، فإذا قيل ﴿ كلا ﴾ كان ردعا للإنسان الذي قابل تلك النعم الجلائل بالكفران والطغيان.. ومع نزوله في ذلك اللعين، المراد بالإنسان : الجنس-١ ؛ ويجوز أن تكون ﴿ كلا ﴾ بمعنى : حقا.
﴿ إن الإنسان ليطغى. أن رآه استغنى ﴾ تحققوا أن جنس الإنسان يتجاوز حده، فيتطاول ويتعدى حق الخالق جل وعلا، ويتعدى حق الخلق ؛ لأنه رأى نفسه صار غنيا ذا مال وثروة- فالسين والتاء هنا : للصيرورة- ورأى إما بصرية أو بصيرية، أي رأى بعينيه أنه أصبح يملك الأموال، أو دار بفكره أنه جمع مالا وعدده ؛ [ وقيل :﴿ أن رآه استغنى ﴾ بالعشيرة والأنصار والأعوان ؛ وحذف اللام من قوله :﴿ ن رآه ﴾ كما يقال : إنكم لتطغون أن رأيتم غناكم ]٢.
﴿ الرجعى ﴾ الرجوع.
﴿ إن إلى ربك الرجعى ﴾ إن إلى ربك المنتهى والمرجع والمآب للسؤال والحساب والثواب- نعيما كان أو عذابا- فهو وعيد للذي طغى، واستكبر وبغى، حين أوتي مالا ونفرا ؛ والخطاب إما التفات إلى هذا الجاهل المتطاول، وجائز أن يكون الخطاب لسيد المخاطبين صلى الله تعالى عليه وسلم ؛ لأن الخطاب في أوائل السورة كان موجها إليه صلوات الله تعالى وسلامه عليه.
﴿ أرأيت الذي ينهى( ٩ ). عبدا إذا صلى( ١٠ ). أرأيت إن كان على الهدى. ( ١١ ) أو أمر بالتقوى. ( ١٢ ) أرأيت إن كذب وتولى. ( ١٣ ) ألم يعلم بأن الله يرى( ١٤ ) ﴾ تعجيب من هذا المتجبر الشقي المسرف في العتو والبغي، الذي يمنع أن يٌذكر اسم الله، ويريد أن يحول بين العبد ومولاه ! ! – والخطاب في الكل على ما اختاره جمع لكل من يصلح أن يكون مخاطبا ممن له مسكة... وتقييد النهي بالظرف يشعر بأن النهي عن الصلاة حال التلبس بها، وفصل بين الجمل للاعتناء بالتشنيع والوعيد، حيث أشعر أن كل جملة مقصودة على حيالها، فشنع سبحانه على الناهي : أولا- بنهيه عن الصلاة، وأوعد عليه مطلقا بقوله تعالى :﴿ أرأيت الذي ﴾ الخ ؛ أي أخبرني يا من له أدنى تمييز أو أيها الإنسان عمن ينهى عن الصلاة بعض عباد الله تعالى ؛ ألم يعلم بأن الله تعالى يرى ويطلع فيجازيه على ذلك النهي ! !
وشنع سبحانه عليه ثانيا بنهيه عن ذلك. وأوعده عليه أيضا. على تقدير أنه على زعمه على هدى ورشد في نفس النهي، أو أنه أمر بواسطته بالتقوى، لأن النهي عن الشيء أمر بضده، أو مستلزم له.. أي أخبرني عن ذلك الناهي ! ألم يعلم أن الله يطلع فيجازيه إن كان على هدى ورشد في نفس النهي، أو كان آمرا بواسطته بالتقوى كما يزعم.
وشنع جل شأنه عليه ثالثا بذلك... أي أخبرني عن ذلك الناهي ؟ ألم يعلم بأن الله تعالى يطلع على أحواله إن كذب بحقيقة ما نهى عنه وأعرض عن فعله.. إدخال حرف الشرط في الأول لإرخاء العنان صورة، والتهكم حقيقة، إذ لا يكون في النهي عن عبادته تعالى، والأمر بعبادة الأصنام هدى ألبتة ؛ وفي الثاني لذلك. والتهكم على عكس الأول، إذ لا شك أنه مكذب متول-١.
١ - ما بين العارضتين من روح المعاني..
﴿ لنسفعا ﴾ لنأخذن.
﴿ بالناصية ﴾ بشعر مقدم الرأس.
﴿ كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية. ( ١٥ ) ناصية كاذبة خاطئة( ١٦ ) ﴾ يزجر المولى الكبير المتعال هذا المسرف الضال، ومن على شاكلته، فوالله لئن لم يرجع عن إسرافه في الغواية لنأخذن بناصيته، ولنسحبنه على وجهه، ليذوق وبال أمره، وستكون عاقبة بغيه خسرا، فالله العلي العظيم يطبع على كل قلب متكبر جبار، ويحل عليه من العذاب العاجل ما يخزيه ويهينه، ﴿.. ومن يهن الله فما له من مكرم.. ﴾١، والكذب يهدي إلى الفجور، وإن كذبا على الله ليس ككذب على أحد ؛ والخاطئ : الممعن في ارتكاب الخطايا، كما جاء في القرآن الكريم :﴿ وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء... ﴾٢ فالخاطئ يعمد إلى الخطإ والوزر، والفحش والنكر، يخوض فيه قاصدا الخوض ؛ لكن المخطئ يعمد إلى الصواب فيفوته ويخطئه.
قال مؤرج : السفع : الأخذ.. والناصية : شعر الجبهة، وتطلق على مكان الشعر... وقيل : المراد : لنسحبنه على وجهه في الدنيا يوم بدر، وفيه بشارة بأنه تعالى يمكن المسلمين من ناصيته حتى يجروه إن لم ينته ؛ وقد فعل عز وجل، فقد روي أنه لما نزلت سورة الرحمن قال صلى الله تعالى عليه وسلم :( من يقرؤها على رؤساء قريش ) ؟ فقام ابن مسعود وقال : أنا يا رسول الله ؛ فلم يأذن له عليه الصلاة والسلام لضعفه وصغر جثته، حتى قالها ثلاثا، وفي كل مرة كان ابن مسعود يقول : أنا يا رسول الله ؛ فأذن له صلى الله تعالى عليه وسلم، فأتاهم وهم مجتمعون حول الكعبة فشرع في القراءة، فقام أبو جهل فلطمه، وشق أذنه وأدماه، فرجع وعيناه تدمعان، فنزل جبريل عليه السلام ضاحكا، فقال له صلى الله تعالى عليه وسلم في ذلك، فقال عليه السلام : ستعلم ؛ فلما كان يوم بدر قال عليه الصلاة والسلام :( التمسوا أبا جهل في القتلى ) فرآه ابن مسعود مصروعا يخور، فارتقى على صدره، ففتح عينيه فعرفه، فقال : لقد ارتقيت مرتقى صعبا يا رويعي الغنم ؛ فقال ابن مسعود : الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، فعالج قطع رأسه، فقال اللعين : دونك فاقطعه بسيفي، فقطعه ولم يقدر على حمله، فشق أذنه، وجعل فيه خيطا، وجعل يجره، حتى جاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء جبريل عليه السلام يضحك ويقول : يا رسول الله ! أذن بأذن والرأس زيادة.. ﴿ ناصية ﴾ بدل من الناصية، وجاز إبدالها عن المعرفة وهي نكرة ؛ لأنها وصفت بقوله سبحانه :﴿ كاذبة خاطئة ﴾ فاستقلت بالإفادة، وقد ذكر البصريون أنه يشترط لإبدال النكرة من المعرفة : الإفادة لا غير. فالإسناد مجازي من إسناد ما للكل إلى الجزء-٣.
﴿ كاذبة خاطئة ﴾ أصحابها كاذبون خاطئون.
﴿ كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية. ( ١٥ ) ناصية كاذبة خاطئة( ١٦ ) ﴾ يزجر المولى الكبير المتعال هذا المسرف الضال، ومن على شاكلته، فوالله لئن لم يرجع عن إسرافه في الغواية لنأخذن بناصيته، ولنسحبنه على وجهه، ليذوق وبال أمره، وستكون عاقبة بغيه خسرا، فالله العلي العظيم يطبع على كل قلب متكبر جبار، ويحل عليه من العذاب العاجل ما يخزيه ويهينه، ﴿.. ومن يهن الله فما له من مكرم.. ﴾١، والكذب يهدي إلى الفجور، وإن كذبا على الله ليس ككذب على أحد ؛ والخاطئ : الممعن في ارتكاب الخطايا، كما جاء في القرآن الكريم :﴿ وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء... ﴾٢ فالخاطئ يعمد إلى الخطإ والوزر، والفحش والنكر، يخوض فيه قاصدا الخوض ؛ لكن المخطئ يعمد إلى الصواب فيفوته ويخطئه.
قال مؤرج : السفع : الأخذ.. والناصية : شعر الجبهة، وتطلق على مكان الشعر... وقيل : المراد : لنسحبنه على وجهه في الدنيا يوم بدر، وفيه بشارة بأنه تعالى يمكن المسلمين من ناصيته حتى يجروه إن لم ينته ؛ وقد فعل عز وجل، فقد روي أنه لما نزلت سورة الرحمن قال صلى الله تعالى عليه وسلم :( من يقرؤها على رؤساء قريش ) ؟ فقام ابن مسعود وقال : أنا يا رسول الله ؛ فلم يأذن له عليه الصلاة والسلام لضعفه وصغر جثته، حتى قالها ثلاثا، وفي كل مرة كان ابن مسعود يقول : أنا يا رسول الله ؛ فأذن له صلى الله تعالى عليه وسلم، فأتاهم وهم مجتمعون حول الكعبة فشرع في القراءة، فقام أبو جهل فلطمه، وشق أذنه وأدماه، فرجع وعيناه تدمعان، فنزل جبريل عليه السلام ضاحكا، فقال له صلى الله تعالى عليه وسلم في ذلك، فقال عليه السلام : ستعلم ؛ فلما كان يوم بدر قال عليه الصلاة والسلام :( التمسوا أبا جهل في القتلى ) فرآه ابن مسعود مصروعا يخور، فارتقى على صدره، ففتح عينيه فعرفه، فقال : لقد ارتقيت مرتقى صعبا يا رويعي الغنم ؛ فقال ابن مسعود : الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، فعالج قطع رأسه، فقال اللعين : دونك فاقطعه بسيفي، فقطعه ولم يقدر على حمله، فشق أذنه، وجعل فيه خيطا، وجعل يجره، حتى جاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء جبريل عليه السلام يضحك ويقول : يا رسول الله ! أذن بأذن والرأس زيادة.. ﴿ ناصية ﴾ بدل من الناصية، وجاز إبدالها عن المعرفة وهي نكرة ؛ لأنها وصفت بقوله سبحانه :﴿ كاذبة خاطئة ﴾ فاستقلت بالإفادة، وقد ذكر البصريون أنه يشترط لإبدال النكرة من المعرفة : الإفادة لا غير. فالإسناد مجازي من إسناد ما للكل إلى الجزء-٣.
﴿ نادية ﴾ مجلسه وعشيرته.
﴿ فليدع ناديه( ١٧ ) ﴾ فليجمع أبو جهل ومن على شاكلته جلساءهم من الضلال، وأهل ناديهم ونفيرهم الجهال، وليستفزز من يستطيع من أهل الخبال، فإنهم لن يعجزوا الله الكبير المتعال، ولن يقدروا على شيء ؛ صح أن أبا جهل مر برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وهو يصلي، فقال : ألم أنهك ؟ ! فأغلظ عليه الصلاة والسلام له ؛ فقال : أتهددني وأنا أكثر أهل الوادي ناديا ؟ !
﴿ الزبانية ﴾ الملائكة خزنة النار.
﴿ سندع الزبانية ﴾ إن الملائكة الغلاظ الشداد خزنة جهنم ينتظرون أمرنا ليكبلوا أعداءنا، ويسحبوهم في النار على وجوههم، يوم ﴿ يعرف المجرمون بسيامهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام ﴾١.
نقل عن أبي الليث السمرقندي قال : روي في الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ هذه السورة، وبلغ إلى قوله تعالى :﴿ لنسفعا بالناصية ﴾ قال أبو جهل : أنا أدعو قومي حتى يمنعوا عني ربك ! فقال الله تعالى :﴿ فليدع ناديه. سندع الزبانية ﴾ اه.
وعن ابن عباس وغيره : لما نزل ﴿ عليها تسعة عشر ﴾ قال أبو جهل لقريش : ثكلتكم أمهاتكم ! أسمع ابن أبي كبشة٢ يخبركم أن خزنة جهنم تسعة عشر وأنتم الدهم- أي العدد- والشجعان، فيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا بواحد منهم ؟ ! وقيل : إن أبا جهل قال : أفيعجز كل مائة منكم أن يبطشوا بواحد منهم، ثم تخرجون من النار ؟ ! فنزل قوله تعالى :﴿ وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة.. ﴾٣ أي لم نجعلهم رجالا فتتعاطون مغالبتهم.
١ - سورة الرحمن. الآية ٤١.
٢ - يكنى اللعين بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مستهزئا..
٣ -سورة المدثر. من الآية ٣١..
﴿ واسجد ﴾ صل لله تعالى، واخضع لجلاله.
﴿ واقترب ﴾ وتقرب من رضوانه.
﴿ كلا لا تطعه واسجد واقترب( ١٩ ) ﴾ كأن المعنى- والله أعلم بالمراد - : الأمر ليس كما يزعم أبو جهل، فلا تبال به، ولا يحزنك إسرافه في ضلاله ؛ واثبت على عبادة ربك، والصلاة التي تغيظه، ويشمئز منها من هم على منواله :﴿ وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة.. ﴾١، واستكثر من السجود لمولاك الذي يسمعك ويراك، واقترب من مزيد فضله، وعظيم فيضه ؛ فإن وليك يعصمك، ﴿ .. وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا ﴾٢.
روى الإمام مسلم في صحيحه- بسنده- عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء )، وفي الحديث الصحيح : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فإنه قمن٣ أن يستجاب لكم ) : قوله تعالى :﴿ واسجد ﴾ هذا من السجود ؛ يحتمل أن يكون بمعنى السجود في الصلاة، ويحتمل أن يكون سجود التلاوة في هذه السورة ؛ قال ابن العربي : والظاهر أنه سجود الصلاة لقوله تعالى :﴿ أرأيت الذي ينهى. عبدا إذا صلى ﴾ إلى قوله :﴿ كلا لا تطعه واسجد واقترب ﴾ لولا ما ثبت في الصحيح من رواية مسلم وغيره من الأئمة عن أبي هريرة أنه قال : سجدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في :﴿ إذا السماء انشقت ﴾٤ وفي :﴿ اقرأ باسم ربك الذي خلق ﴾٥ سجدتين، فكان هذا نصا على أن المراد سجود التلاوة ؛.. وكان مالك يسجد في خاصة نفسه بخاتمة هذه السورة من ﴿ اقرأ باسم ربك ﴾، وابن وهب يراها من العزائم-٦.
١ - سورة الزمر. من الآية ٤٥..
٢ - سورة النساء. من الآية ٤٥..
٣ - جدير وحري، وأرجى ما يكون..
٤ -سورة الانشقاق. الآية ١..
٥ - سورة العلق. الآية١..
٦ - ما بين العارضتين من الجامع لأحكام القرآن.
Icon