ﰡ
" ما بين يدي الإنسان " : كل ما يقع نظره عليه، من غير أن يُحوّل وجهه إليه " وما خلفه " : هو كلّ ما يقع نظره عليه، حتى يحوّله إليه، فيعمّ الجهات كلّها.
فإن قلتَ : هلاّ ذكر الأيمان والشمائل، كما ذكرها في قوله :﴿ ثم لأتينّهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ﴾ ؟ [ الأعراف : ١٧ ].
قلتُ : لأنه وُجد هنا ما يغني عن ذكرهما، من لفظ العموم، والسماء والأرض، بخلافه ثَمَّ.
قوله تعالى :﴿ إن في ذلك لآية لكل عبد منيب ﴾ [ سبأ : ٩ ].
قاله هنا بتوحيد " الآية " وقال بعده ﴿ إن في ذلك لآيات لكل صبّار شكور ﴾ [ إبراهيم : ٥ ] بجمعهما، لأن ما هنا إشارة إلى إحياء الموتى، فناسب التوحيد، وما بعدُ إشارة إلى " سبأ " قبيلة تفرّقت في البلاد، فصارت فِرقا، فناسب الجمع.
إن قلتَ : كيف أجاز سليمان عليه السلام عمل الصّور ؟ !
قلتُ : يجوز أن يكون عملها جائزا في شريعته، وأن تكون غير صور الحيوان، وهو جائز في شريعتنا( ١ ) أيضا.
إن قلتَ : ما معنى التشكيك في ذلك ؟
قلتُ : هذا من إجراء المعلوم مجرى المجهول، بطريق اللّفّ والنشر المرتّب، و " أو " في الموضوعين بمعنى الواو، والتقدير : وإنا لعلى هدى، وأنتم في ضلال مبين، وإنما جاء بذلك لإرادة الإنصاف في الجدال، وهو أوصل إلى الغرض، أو باقيتين على معناهما والمعنى : وإنا لمهتدون أو ضالون( ١ )، وأنتم كذلك، وإنما قاله للتعريض بضلالهم، كقول الرجل لخصمه إذا أراد تكذيبه : إنّ أحدنا لكاذب.
لم يقل فيه " من قبلِكَ " أو " قبلَكَ " كما في غيرها، لأن ما هنا إخبار مجرّد، وفي غيره إخبار للنبي صلى الله عليه وسلم وتسلية له.
إن قلتَ : كيف قالت الملائكة في حقّ المشركين ذلك، مع أنه لم يُنقل عن أحد منهم، أنه عبد الجنّ ؟
قلتُ : معناه أنهم كانوا يطيعون الشياطين، فيما يأمرونهم به من عبادة غير الله تعالى، فالمراد بالجن الشياطين( ١ )، على أن الكرماني جزم بأنهم عبدوا الجن أيضا.