" بسم الله " كلمة للقلوب سالبة، للعقول غالبة، للمطيعين واهبة، للعارفين ناهبة. . فالذين يهبهم فلهم لطفه، والذين ينهبهم فمن محقه فهو عنه خلفه.
ﰡ
حَمَيْتُ قلوبَ أهلِ عنايتي فَصَرَفْتُ عنها خواطرَ التجويز، وَثَبَّتُها في مشاهدِ اليقينِ بنور التحقيق ؛ فلاحت فيها شواهدُ البرهان، فأضَفْنا إليها لطائفَ الإحسان ؛ فكَمُلَ منالُها من عين الوصلة، وغذيناهم بنسيم الأَنْس في ساحات القربة.
﴿ الْعَزِيزِ ﴾ : المُعزِّ للمؤمنين بإنزال الكتاب عليهم. ﴿ الْحَكِيم ﴾، المُحْكِم لكتابِه عن التبديل والتحويل.
الكافرون مُعْرِضُون عن موضع الإنذار، مقيمون على حَدِّ الإصرار.
أروني. . أي أثر فيهم في الملك، أو القدرة على النفع والضر ؟ إن كانت لكم حُجَّةٌ فأَظْهِرُوها، أو دلالة فَبَيِّنوها. . وإذا قد عَجَزْتُم عن ذلك فهلاَّ رجعتم عن غيْكم وأقلعتم ؟
مَنْ أشدُّ ضلالاً مِمَّنْ عَبَدَ الجمادَ الذي ليس له حياة ولا له في النفع أو الضر إثبات ؟.
إذا حُشِرَ الناسُ للحساب وقعت العداوةُ بين الأصنام وعابديها.
رموا رُسُلَنا بالسِّحر ثم بالافتراء والمكر. . قُلْ - يا محمد - كفى بالله بيني وبينكم شهيداً ؛ أنتم أشركتم به، وأنا أخلصت له توحيداً. وما كنت بدعاً من الرسل ؛ فلستُ بأول رسولٍ أُرْسِل، ولا بغير ما جاءوا به من أصول التوحيد جئتُ، إنما أمرتكم بالإخلاص في التوحيد، والصدقِ في العبودية، والدعاءِ إلى محاسن الأخلاق.
وهذا قبل أن نزل قوله تعالى :﴿ لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تأَخَّرَ ﴾ [ الفتح : ٢ ].
وفي الآية دليلٌ على فساد قول أهل القَدَرِ والبدِعِ حيث قالوا :" إيلامُ البريء قبيحٌ في العقل ". لأنه لو لم يَجُزْ ذلك لكان يقول : أَعْلَمُ – قطعاً - أني رسول الله، وأني معصومٌ. . . فلا محالةَ يغفر لي، ولكنه قال : وما أدري ما يُفْعَلُ بي ولا بكم ؛ لِيُعْلَمَ أن الأمرَ أمرُه، والحكمَ حكمُه، وله أن يفعلَ بعباده ما يريد.
تبيَّنَ له أنه لا عُذْرَ لهم بحال، ولا أمانَ لهم من عقوبةِ الله. وما يستروحون إليه من حُجَجِهم عند أنفسهم كلُّها - في التحقيق - باطلٌ. وأخبر أن الكفار قالوا : لو كان هذا الذي يقوله من الحشر والنشر حقًّ لم تتقاصر رتبتُنا عند الله عن رتبة أحدٍ، ولتَقَدَّمنا - في الاستحقاق - على الكُلِّ. ولمَّا لم يجدوا لهذا القول دليلاً صرَّحوا :
﴿ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ ﴾.
ولقد بَعَثَ اللَّهُ أنبياءَه - عليهم السلام - وأنزل عليهم الكتب، وبيَّنَ في كلِّ كتابٍ، وعل لسانِ كلَِّ رسولٍ بأنه يبعث محمداً رسولاً، ولكن القومَ الذين في عصر نبيِّنا- صلى الله عليه وسلم - كتموه، وحسدوه.
تبيَّنَ له أنه لا عُذْرَ لهم بحال، ولا أمانَ لهم من عقوبةِ الله. وما يستروحون إليه من حُجَجِهم عند أنفسهم كلُّها - في التحقيق - باطلٌ. وأخبر أن الكفار قالوا : لو كان هذا الذي يقوله من الحشر والنشر حقًّ لم تتقاصر رتبتُنا عند الله عن رتبة أحدٍ، ولتَقَدَّمنا - في الاستحقاق - على الكُلِّ. ولمَّا لم يجدوا لهذا القول دليلاً صرَّحوا :
﴿ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ ﴾.
ولقد بَعَثَ اللَّهُ أنبياءَه - عليهم السلام - وأنزل عليهم الكتب، وبيَّنَ في كلِّ كتابٍ، وعل لسانِ كلَِّ رسولٍ بأنه يبعث محمداً رسولاً، ولكن القومَ الذين في عصر نبيِّنا- صلى الله عليه وسلم - كتموه، وحسدوه.
مضى تفسيرُ الاستقامة. وإنَّ مِنْ خرج على الإيمان والاستقامة حَظِيَ بكلِّ كرامة، ووصل إلى جزيل السلامة.
وقيل : السين في " الاستقامة " سين الطَّلَب ؛ وإن المستقيم هو الذي يبتهل إلى الله تعالى في أن يُقيمَه على الحق، ويُثَبِّتُه على الصدق.
أَمَرَ الإنسانَ برعاية حقِّ والديه على الاحترام، لما لهما عليه من حق التربية والإنعام، وإذا لم يُحْسِنْ الإنسانُ حُرْمةَ مَنْ هو مِنْ جنسه فهو عن حُسْنِ مراعاة سِّده أبعد. ولو لم يكن في هذا الباب إلا قوله - صلى الله عليه سلم :" رضا الرب من رضا الوالدين وسخطه في سخطهما " لكان ذلك كافياً. ورعايةُ حق الوالد من حيث الاحترام، ورعاية حق الأم من حيث الشفقة والإكرام.
فقبولُ الطاعةِ وغفران الزَّلَّة مشروطان ببرِّ الوالدين، وقد ذمَّ اللَّهُ - سبحانه- الذي يتصف في حقهما بالتأفُّفِ، وفي ذلك تنبيهٌ على ما وراء ذلك من أي تعنُّف، وعلى أنَّ الذي يَسْلكُ ذلك يكونُ من أهل الخسران، وبالتالي يكون ناقصَ الإيمان.
وسبيلُ العبدِ في رعاية حق الوالدين أن يُصْلِح ما بينه وبين الله، فحينئذٍ يَصْلُحُ ما بينه وبين غيره - على العموم، وأهله - على الخصوص.
وشَرُّ خصَال الولد في رعاية حق والديه أَنْ يتبَرَّم بطول حياتهما، ويتأذَّى بما يحفظ من حقهما. وعن قريب يموت الأصلُ ويبقى النسلُ، ولا بدَّ من أن يتبع النسلُ الأصلَ، وقد قالوا في هذا المعنى :
رويدك إن الدهرَ فيه كفايةٌ | لتفريق ذات البيْنِ. . فانتظر الدهرا |
سبيلُ العبد ألا ينسى في كل حالٍ معبودَه، وأَنْ يتذكرَ أنه معه في همِّه وسروره، وفي مناجاته عند رخائه وبلائه. فإن اتفق أَنْ حَصَلَ له أَنْسٌ، وغَلَبَ عليه رجاءٌ وبسطٌ ثم هجم على قلبه قَبْضٌ أو مَسّهُ خوف. . فليخاطبْ ربَّه حتى لا يكونَ من جملة مَنْ قيل له :﴿ أَذْهَبْتُمْ طَيِّببَاتُكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا ﴾.
أخبر بالشرحِ عن قصة هود وقومه عاد وما جرى بينهم من الخطاب، وتوجّه عليهم من العتاب، وأَخْذِهم بأليم العذاب.
فلم يُغْنِ عنهم ما آتيناهم. . وانظروا كيف أهلكناهم.
كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مبعوثاً إلى الجنِّ كما كان مبعوثاً إلى الإنس. وإن قوماً أتوه ليلة الجن وآمنوا به، ورجعوا إلى قومهم فأخبروهم، وآمن قومٌ منهم، فاليومَ في الجن مؤمنون، وفيهم كافرون.
﴿ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُواْ أَنصِتُوا ﴾ الصيحةُ على الباب وفوق البساط غيبةٌ ؛ ولهذا لما حضر الجنُّ بساطَ خدمته - صلى الله عليه وسلم - تواصوا فيما بينهم بحفظ الأدب، وقالوا لما حضروا بساطَه :﴿ أَنصِتُواْ ﴾، فأهلُ الحضور صفتُهم الذبولُ والسكونُ، والهيبة والوقار. والثورانُ أو الإنزعاجُ يدل على غيبة أو قِلّةِ تيقُّظِ أو نقصان اطلاع. ﴿ فَلَمَّا قَضَى ﴾ يعني الوحي ﴿ وَلَّوْاْ إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ ﴾ وأخبروهم بما رأوه وسمعوه.
يقال الإجابة على ضربين : إجابةٌ لله، وإجابة للداعي ؛ فإجابة الداعي بشهود الوساطة - وهو الرسول صلى الله عليه وسلم -. وإجابةُ الله بالجهْرِ إذا بَلَغَتْهُ الرسالةُ على لسان السفير، وبالسِّرِّ إذا حصلت التعريفاتُ من الواردات على القلب ؛ فمستجيبٌ بنفسه ومستجيبٌ بقلبه ومستجيبٌ بروحه ومستجيبٌ بسرِّه. ومن توقف عن دعاء الداعي إيِّاه، ولم يبادرْ بالاستجابة هُجِرَ فيما كان يُخَاطب به.
الرؤيةُ هنا بمعنى العلم.
﴿ وَلَمْ يَعْيَ ﴾ أي ولم يعجز ولم يَضْعفُ.
ثم يقال لهم على سبيل تأكيد إلزام الحجة :
قوله جلّ ذكره :﴿ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُواْ بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ ﴾.
جزاءً لكم على كُفْركم.
أولو الجد والصبر والحزم. وجاء في التفسير أنهم : نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد صلى الله عليه سلم. وقيل : هود وصالح وشعيب ومحمد عليهم السلام. وقيل : منهم يعقوب وأيوب ويونس.
والصبرُ هو الوقوفُ لحُكْمِ الله، والثباتُ من غير بثٍ ولا استكراهٍ.
قوله جلّ ذكره :﴿ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُواْ إلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارِ ﴾.
ويقال مُدّةُ الخلْقِ : من مبتدأ وقتهم إلى مُنتَهى آجالهم بالإضافة إلى الأزليّة كلحظةٍ بل هي أقلُّ ؛ إذ الأزلُ لا ابتداء له ولا انتهاء. . وأي خَطَرٍ لما حصل في لحظةٍ. . . خيراً كان أو شَرَّاً ؟ !