تفسير سورة الأحقاف

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة الأحقاف من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه محمد ثناء الله المظهري . المتوفي سنة 1225 هـ

سورة الأحقاف
مكّيّة وخمس وثلاثون اية ربّ يسّر وتمّم بالخير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (٢) مرّ تفسيره فى سورة الجاثية.
ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا خلقا متلبّسا بِالْحَقِّ دليلا على وجود الصانع القديم الحكيم وعلى البعث للمجازاة على ما يقتضيه الحكمة والعدالة وَأَجَلٍ مُسَمًّى اى بتقدير أجل مسمى ينتهى اليه السماوات والأرض اى يوم القيامة وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا اى عن الانذار او عما انذروا به فى القران من عذاب يوم القيامة مُعْرِضُونَ (٣) لا يتفكرون فى جوازه عقلا ووجوبه سمعا بشهادة المعجزات ولا يستعدون لحلوله ويدعون من دون الله الهة بلا دليل.
قُلْ لهم يا محمد أَرَأَيْتُمْ الاستفهام للتقرير اى حمل المخاطب على الإقرار ما تَدْعُونَ اى ما تعبدونه مِنْ دُونِ اللَّهِ أصناما أَرُونِي ماذا خَلَقُوا ما استفهامية فى محل النصب على انه مفعول لخلقوا او فى محل الرفع بمعنى اىّ شىء الذي خلقوه مِنَ الْأَرْضِ بيان لما أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ أم منقطعة اى بل الهم مشاركة مع الله فِي خلق السَّماواتِ الموصول مع صلته مفعول أول لارايتم وجملة أروني الى آخرها مفعول ثان والمعنى أخبروني عن حال الهتكم بعد تأمل هل يتعقل انهم خلقوا شيئا من اجزاء العالم او يتصور منهم ان يكونوا شركاء لله فى الخلق يعنى لا يتصور
ذلك فكيف تحكمون باستحقاقها للعبادة وتخصيص الشرك بالسماوات احتراز عمّا يتوهم ان للوسائط شركة فى إيجاد الحوادث السفلية ائْتُونِي بِكِتابٍ من عند الله ناطق بالشرك مِنْ قَبْلِ هذا القران الناطق بالتوحيد أَوْ أَثارَةٍ اخرج احمد عن ابن عباس عن النبي ﷺ او اثارة من علم قال الخط قال مجاهد وعكرمة اى رواية وقال قتادة خاصة وقال الكلبي بقية فى القاموس الأثر البقية من الشيء مِنْ عِلْمٍ الأنبياء الأولين مستندا الى الوحى القطعي يدل على الشرك إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤) فى ان الله امر بعبادة الأوثان شرط مستغن عن الجزاء بما مضى يعنى لا دليل على استحقاقها العبادة عقلا ولا نقلا..
وَمَنْ أَضَلُّ عطف على مقولة القول يعنى لا أحد أضل مِمَّنْ يَدْعُوا اى يعبد ويطلب حاجاته مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إذا دعاه لو سمع دعاءهم فرضا ان يعلم سرائرهم ويراعى مصالحهم إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ اى ما دامت الدنيا وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ (٥) لانها اما جمادات لا يسمع ولا يعقل واما عباد مسخرون مشتغلون بأحوالهم كعيسى وعزير والملائكة.
وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ يوم القيامة عطف على لا يستجيب كانُوا اى كانت المعبودون لَهُمْ أَعْداءً يضرونهم ولا ينفعونهم وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ (٦) مكذبين قائلين تبرّانا إليك ما كانوا ايّانا يعبدون يعنى ليسوا فى الدارين على منفعة إذ لا ينفعهم فى الدنيا ويضرهم فى الاخرة فلا أضل ممن عبدها وترك عبادة الله السميع البصير الخبير القادر المجيب. وقيل الضمير فى قوله كانوا بعبادتهم كافرين للعابدين القائلين والله ربّنا ما كنّا مشركين.
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ عطف على قوله والّذين كفروا عمّا انذروا معرضون او على يدعوا فى ممّن يدعوا يعنى ومن اضلّ ممن قال للحق هذا سحر مبين إذا تتلى عليه آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ اى لاجله وفى شأنه والمراد به الآيات ووضعه موضع ضميرها ووضع الّذين كفروا موضع ضمير المتلو عليهم للتسجيل عليها بالحق وظهور الصدق وعليهم بالكفر والانهماك فى الضلالة لَمَّا جاءَهُمْ اى فورا حين مجيئها إليهم
من غير نظر وتأمل هذا القران سِحْرٌ مُبِينٌ (٧) ظاهر فى كونه سحرا.
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ محمد من قبل نفسه أم منقطعة استفهام للانكار والتعجيب وإضراب عن قولهم انه سحر الى قولهم انه مفترى قُلْ يا محمد إِنِ افْتَرَيْتُهُ فرضا لكى تتبعونى فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً اى لا تقدرون ان تردوا عنى شيئا من عذاب الله فكيف اجترأ على الله واعرض نفسى للعقاب من غير توقع نفع ولا دفع ضرر من قبلكم هُوَ أَعْلَمُ اى الله اعلم بِما تُفِيضُونَ اى تخوضون فِيهِ من تكذيب آياته والقول بانه سحر او مفترى كَفى بِهِ الباء زائدة والضمير فى محل الرفع على الفاعلية شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ يعنى ان الله يشهد لى بالصدق والبلاغ بخلق المعجزات وعليكم بالكذب والإنكار وهو وعيد بجزاء إفاضتهم وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٨) وعد بالمغفرة والرحمة لمن تاب وأمن واشعار بحلمه عنهم وعدم استعجالهم بالتعذيب مع عظم جرمهم..
قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ اى بديعا مثل نصف ونصيف يعنى لست باول الرسل ادعى ما لم يدعه أحد قبلى بل قد بعث قبلى كثير من الرسل فلم تنكرون نبوتى بعد شهادة المعجزة- او لست اقدر على ما لم يقدر الرسل من قبلى وهو الإتيان بالمقترحات كلها وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ ما اما موصولة منصوبة او استفهامية مرفوعة ولا لتأكيد النفي المشتمل على ما يفعل بي والتقدير ما أدرى ما يفعل بي ولا ما يفعل بكم قيل معناه ما أدرى ما يفعل بي ولا بكم يوم القيامة فلما نزلت هذه الاية فرح المشركون وقالوا واللات والعزى ما أمرنا وامر محمد عند الله الا واحد وما له علينا مزية وفضل ولولا انه ابتدع ما يقول من ذات نفسه لا خبره الذي بعثه بما يفعل به فانزل الله ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تاخّر فقالت الصحابة هنيئا لك يا نبى الله قد علمنا ما يفعل بك وإذا ما يفعل بنا فانزل الله ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنّات الاية وانزل وبشّر المؤمنين بانّ لهم من الله فضلا كبيرا فبين الله ما يفعل به ربهم قال البغوي وهذا
395
قول انس وقتادة والحسن وعكرمد قالوا انما قال هذا قبل ان يخبره بغفران ذنبه عام الحديبية فنسخ ذلك وهذا القول عندى غير مرضى إذ لا يخلو سورة من القران غالبا (مكية كانت او مدينة) من الوعد للمؤمنين والوعيد للكافرين وكان من أول ما يوحى الى رسول الله ﷺ ان انذر عشيرتك الأقربين يعنى بعذاب الله ان لم يؤمنوا وفى هذه السورة وهذا كتاب مصدّق لسانا عربيّا لّينذر الّذين ظلموا وبشرى للمحسنين انّ الّذين قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون أولئك اصحاب الجنّة الاية وكيف يكون عاقبة المسلمين والمشركين غير معلوم له ﷺ وغير مذكور فى الكتاب فانه يقتضى اعتراض الكافرين ما أمرنا وامر محمد عند الله الا واحد وما نرى لك علينا من فضل فاىّ فائدة فى ترك دين الآباء واتباع الرسل ونزول قوله تعالى لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وقوله لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ بعد بضع عشر سنة تأخير للبيان عن وقت الحاجة وذلك محال- فان قيل روى البغوي بسنده عن خارجة بن يزيد قال كانت أم العلاء الانصارية تقول لما قدم المهاجرون اقترعت الأنصار على سكناهم فطار لنا عثمان بن مظعون رضى الله عنه فى السكنى فمرض فمرّضناه ثم انه توفّى فجاء رسول الله ﷺ فدخلت فقلت رحمة الله عليك أبا السائب شهادتى ان قد أكرمك الله فقال النبي ﷺ ما يدريك ان الله قد أكرمه قلت لا والله لا أدرى فقال النبي ﷺ اما هو فقد أتاه اليقين من ربّه وانى لارجو له الخير والله ما أدرى وانا رسول الله ما يفعل بي ولا بكم قالت فو الله لا ازكى بعد أحدا ابدا قالت ثم رايت لعثمان بعد فى النوم عينا تجرى فقصّصتها على رسول الله ﷺ فقال ذاك عمله- وهذا الحديث يؤيد قول من قال معناه ما أدرى ما يفعل بي ولا بكم يوم القيامة والا فما معنى لهذا الحديث قلنا مقتضى هذا الحديث انه لا يجوز الحكم قطعا على شخص معين بالنجاة او بالهلاك لانه ادعاء علم الغيب ولا علم على البواطن والسرائر الا لله سبحانه غير ان الرجل إذا كان ظاهر حاله خيرا يرجو له الخير ومعنى قوله ﷺ والله ما أدرى وانا رسول الله ما يفعل بي
396
ولا بكم انه قد علمنى الله علوم الأولين والآخرين ومع ذلك ما أدرى تفصيلا ما يفعل بي ولا بكم فى جزاء كل عمل مخصوص فكيف دريت أنت فى حق رجل معين ان الله قد أكرمه- وقيل مثل هذا التأويل فى الاية ايضا قالوا معنى الاية ما أدرى ما يفعل بي ولا بكم فى الدارين إذ لا علم لى بالغيب وهذا لا يقتضيه سياق الاية بل سياق الاية ان الكفار كانوا يريدون من النبي ﷺ ان يتبعهم فى الدين ويطمعونه- بجمع الأموال
له وإنكاح الأزواج بلا سوق مهر ويؤذونه ويخوّفونه على ترك الاتباع فمقتضى سياق الاية ان النبي ﷺ أخبرهم بانه لا يطمع منهم ولا يخافهم ويعلم انهم غير قادرين على ما أرادوا بل الخير والشر كلاهما من الله تعالى يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد فمعنى الاية ما أدرى ما يفعل بي ولا بكم من النصر والخذلان وانا لا اتبعكم على شىء من التقادير- إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ من القران لا اتركه ابدا قال البيضاوي جواب عن اقتراح الكفار الاخبار عمّا لم يوح اليه من الغيوب او عن استعجال المسلمين ان يتخلصوا من أذى المشركين وبه قال البغوي قال جماعة قوله ما أدرى ما يفعل بي ولا بكم فى الدنيا واما فى الاخرة فقد علم انه فى الجنة ومن كذّبه فهو فى النار ثم اختلفوا فقال ابن عباس لمّا اشتد البلاء باصحاب رسول الله ﷺ راى رسول الله ﷺ فيما يرى النائم وهو بمكة ارض سباخ ونخل رفعت له يهاجر إليها فقال له أصحابه متى تهاجر إليها فسكت فانزل الله هذه الاية ما أدرى ما يفعل بي ولا بكم ءانزل فى مكانى او اخرج وإياكم الى الأرض التي رفعت لى- وقال بعضهم معنى ما أدرى ما يفعل بي ولا بكم اى الى ماذا يصير امرى فى الدنيا اما ان اخرج كما أخرجت الأنبياء من قبلى منهم ابراهيم عليه السلام او اقتل كما قتل بعض الأنبياء من قبلى منهم يحيى عليه السلام وأنتم ايها المصدقون تخرجون معى او تتركون أم ماذا يفعل بكم وما أدرى ما يفعل بكم ايها المكذبون اترمون بالحجارة كما رمى قوم لوط أم يخسف بكم كما خسف بقارون أم
397
اىّ شىء يفعل بكم مما فعل بالأمم المكذّبة ثم أخبره الله عزّ وجلّ ان يظهر دينه على الأديان كلها فقال هو الّذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدّين كلّه وقال فى أمته ما كان الله ليعذّبهم وأنت فيهم وما كان الله معذّبهم وهم يستغفرون فاخبره ما يصنع به وبامته هذا قول السدىّ وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ للكافرين من عذاب الله مُبِينٌ (٩) بين الانذار بالشواهد المبينة والمعجزات المصدقة يعنى لست مدعيّا لعلم الغيب ولا مسلطا عليكم أكرهكم على الايمان..
قُلْ أَرَأَيْتُمْ أخبروني ماذا حالكم إِنْ كانَ القران مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ حال بتقدير قد اى وقد كفرتم به ايها المشركون ويجوز ان يكون الواو للعطف على فعل الشرط وكذا الواو فى قوله وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ قال قتادة والضحاك هو عبد الله بن سلام بن الحارث ابو يوسف من ولد يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن ابراهيم عليهم السلام روى البخاري والبيهقي عن انس ومحمد بن إسحاق عن رجل من ال عبد الله بن سلام عنه والامام احمد ويعقوب بن سفيان عن عبد الله بن سلام والبيهقي عن موسى بن عقبة وعن ابن شهاب قال عبد الله بن سلام لمّا سمعت رسول الله ﷺ وعرفت صفته واسمه وهيئته والذي كنا نتوقع له فكنت مسرّا لذلك صامتا عليه حتى قدم رسول الله ﷺ المدينة فلمّا قدم نزل معنا فى بنى عمرو بن عوف فاخبر رجل بقدومه وانا فى رأس نخلة اعمل فيها وعمتى خالدة بنت الحارث تحتى جالسة فلمّا سمعت بقدوم رسول الله ﷺ كبّرت فقالت لو كنت سمعت بموسى بن عمران ما زدتّ قال قلت لها اى عمة هو والله اخر موسى بن عمران وعلى دينه بعث بما بعث به قالت فذاك اذن قال ثم خرجت الى رسول الله ﷺ فلمّا ان رايت وجهه عرفت ان وجهه ليس بوجه كذّاب فكان أول ما سمع من النبي ﷺ قوله يا ايها الناس أطعموا الطعام وأفشوا السلام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام. فقال يا محمد انى سائلك عن ثلاث خلال لا يعلمهن
398
الا نبى ما أول اشراط الساعة وما أول طعام اهل الجنة وما ينزع الولد الى أبيه او الى امه «نزع الى أبيه فى الشبه اى ذهب عنه ره» وما هذا السواد الذي فى القمر فقال أخبرني بهن جبرئيل آنفا قال جبرئيل قال نعم قال ذاك عدو اليهود من الملائكة اما أول اشراط الساعة فنار تخرج على الناس من المشرق الى المغرب واما أول طعام يأكله اهل الجنة فزيادة كبد الحوت وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد وإذا سبق ماء المرأة نزعت واما السواد الذي فى القمر فانهما كانا شمسين قال الله تبارك وتعالى وجعلنا اللّيل والنّهار ايتين فمحونا اية اللّيل فالسواد الذي رايت هو المحو فقال اشهد ان لا اله الا الله وانك محمد رسول الله ثم رجع الى اهل بيته فامرهم فاسلموا وكتم إسلامه- ثم خرج الى رسول الله ﷺ فقال ارى اليهود قد علمت انى سيدهم وابن سيدهم وأعلمهم وابن أعلمهم وانهم قوم بهت «١» وانهم ان يعلموا بإسلامي من قبل ان تسئلهم عنى بهتوني ويقولون فىّ ما ليس فىّ فاحب ان تدخلنى بعض بيوتك فادخله رسول الله ﷺ بعض بيوته وأرسل نبى الله ﷺ الى اليهود فدخلوا عليه فقال يا معشر اليهود ويلكم اتقوا الله فو الله الذي لا اله الا هو انكم لتعلمون انى رسول الله وقد جئتكم بالحق فاسلموا فقالوا ما نعلمه فقال اىّ رجل فيكم عبد الله قالوا خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا وأعلمنا وابن أعلمنا قال ارايتم ان اسلم قالوا أعاذه الله من ذلك قال لابن سلام اخرج عليهم فخرج فقال اشهد ان لا اله الله واشهد ان محمدا رسول الله يا معشر اليهود اتقوا الله واقبلوا ما جاءكم به فو الله انّكم لتعلمون انه لرسول الله حقّا تجدونه مكتوبا عندكم فى التوراة اسمه وصفته فانى اشهد انه رسول الله وأومن به وأصدقه وأعرفه قالوا كذبت أنت أشرنا وابن أشرنا وانتقصوا قال هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله الم أخبرك انهم قوم بهت اهل غدر وكذب وفجور فاظهر إسلامه واسلام اهل بيته وأسلمت عمته ابنة الحارث فحسن إسلامها-
(١) بهت جمع بهوت كصبر وصبور مبالغة فى البهت وهو الكذب ثم سكن الهاء تخفيفا- منه رحمه الله
399
واخرج الطبراني بسند صحيح عن عوف بن الأشجعي قال انطلق النبي ﷺ وانى معه حتى دخلنا كنيسة اليهود يوم عيدهم فكرهوا دخولنا عليهم فقال لهم رسول الله ﷺ يا معشر اليهود أروني اثنى عشر رجلا منكم يشهدون ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله يحط الله عن كل يهودى تحت أديم السماء الغضب الذي عليه فسكتوا فما اجابه منهم أحد ثم انصرف فاذا رجل من خلفه فقال كما أنت يا محمد واقبل فقال اىّ رجل تعلمونى منكم يا معشر اليهود قالوا والله ما نعلم فينا رجلا كان اعلم بكتاب الله ولا افقه منك ولا من أبيك قبلك ولا من جدك قبل أبيك قال فانى اشهد بالله انه لنبى الله الذي تجدونه فى التوراة قالوا كذبت ثم ردوا عليه وقالوا شرّا فانزل الله تعالى هذه الاية واخرج الشيخان عن سعيد بن ابى وقاص قال ما سمعت النبي ﷺ يقول لاحد يمشى على وجه الأرض انه من اهل الجنة الا لعبد الله بن سلام وفيه نزلت هذه الاية وشهد شاهد من بنى اسراءيل- قال الراوي عن مالك (وهو عبد الله بن يوسف شيخ البخاري) لا أدرى قال مالك الاية اوفى الحديث- واخرج ابن جرير عن عبد الله بن سلام قال فيّ نزلت وشهد شاهد من بنى اسراءيل وعلى هذا التقدير الاية مدنية لان اسلام عبد الله بن سلام كان بالمدينة ولفظة مثل فى قوله تعالى عَلى مِثْلِهِ زائدة والضمير للقران والمعنى شهد شاهد عليه اى على كونه يعنى القران من عند الله او المعنى وشهد شاهد على مثل ما قلت اى على كون القران من عند الله فَآمَنَ عبد الله بن سلام وَاسْتَكْبَرْتُمْ عن الايمان يا معشر اليهود- وأنكر مسروق نزول الاية فى عبد الله بن سلام وقال والله ما نزلت فيه لان ال حم نزلت بمكة وانما اسلم عبد الله بن سلام بالمدينة ونزلت الاية فى محاجة كانت من رسول الله ﷺ لقومه ومعنى قوله شهد شاهد من بنى إسرائيل انه شهد موسى وشهادته ما فى التوراة خبر بعثة محمد ﷺ على مثله اى مثل القران وهو ما فى التوراة من المعاني المصدقة للقران فامن موسى عليه السلام
400
واستكبرتم عن الايمان يا معشر قريش وجواب الشرط وهو قوله ان كان من عند الله محذوف تقديره فمن أضل منكم او ألستم ظالمين يدل عليه إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) وهى جملة مستأنفة فان قيل افعال الشرط اعنى كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بنى إسرائيل فامن واستكبرتم كلها مجزوم ووقوعها فما وجه استعمال حرف ان فيها وهى تستعمل فى موضع الشك قلت ان الواو فى الجمل كلها للجمع واستعمل كلمة ان للتوبيخ وإيراد المجزوم موقع الشك للدلالة على انه لا يجوز عند العقل السليم الكفر مع كونه من عند الله والاستكبار مع شهادة اهل العلم وإيمانه فهو نظير قوله ان كنتم قوما مسرفين والله اعلم-.
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا عطف على قال الّذين كفروا للحقّ الاية لِلَّذِينَ آمَنُوا منهم اى فى حقهم لَوْ كانَ دين محمد ﷺ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ اخرج ابن جرير عن قتادة قال قال أناس من المشركين نحن أعزّ ونحن خير فلو كان خيرا ما سبقنا اليه فلان وفلان فنزلت هذه الاية واخرج ابن المنذر عن عون بن ابى شداد قال كانت لعمر بن الخطاب امة أسلمت قبله يقال لها زنين فكان عمر يضربها على إسلامها حتى تفتن وكان كفار قريش يقولون لو كان خيرا ما سبقتنا اليه رنين فانزل الله فى شأنها هذه الاية واخرج ابن سعد نحوه عن الضحاك والحسن وقال البغوي بناء على نزول الاية السابقة فى عبد الله بن سلام انه قال الذين كفروا من اليهود للذين أمنوا من اليهود لو كان دين محمد خيرا ما سبقونا اليه يعنى عبد الله بن سلام وأصحابه وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ اى بالقران كما اهتدى به اهل الايمان ظرف لمحذوف مثل ظهر عنادهم او ضلوا وهو معطوف على قوله قال الّذين كفروا وعطف على محذوف تعلق به الظرف قوله فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (١١) الفاء للسببية فان هذا القول مسبب لظهور عنادهم وضلالهم وهو كقولهم أساطير الاوّلين يعنى أكاذيب الأولين يعنى اختلق هذا اهل الزمان السابق ثم تلقاه منهم محمد-.
وَمِنْ قَبْلِهِ اى قبل القران وهو خبر لقوله كِتابُ مُوسى التوراة إِماماً يقتدى به حال من الضمير المستكن فى قبله وَرَحْمَةً من الله على الناس ليفوزوا الى فلاح الدارين والجملة معترضة وَهذا كِتابٌ من الله تعالى مُصَدِّقٌ لكتاب موسى او لمحمد ﷺ باعجازه صفة لكتاب لِساناً عَرَبِيًّا حال من ضمير كتاب فى مصدق او منه لتخصيصه بالصفة وعاملها معنى الاشارة وفائدتهما الاشعار بالدلالة على ان كونه مصدقا للتورته كما دل على انه حق دل على انه وحي وتوقيف من الله او مفعول به لمصدق بحذف مضاف اى مصدق ذا لسان عربى وهو محمد ﷺ لِيُنْذِرَ قرأ نافع والبزي «وابو جعفر- ابو محمد» بخلاف عنه وابن عامر ويعقوب بالتاء للخطاب اى لتنذر يا محمد والباقون بالياء للغيبة اى لينذر الكتاب او الله او الرسول متعلق بمفهوم هذا كتاب اى انزل لتنذر الَّذِينَ ظَلَمُوا أنفسهم بالكفر وَبُشْرى مصدر لفعل محذوف اى وليبشر بشرى او مفعول له معطوف على محل لينذر وهذا لا يجوز الا على قراءة لينذر بصيغة الغائب ويكون الضمير لله تعالى حتى يكون فاعله وفاعل الفعل المعلل به واحدا وهو انزل وجاز ان يكون خبر المبتدأ محذوفا اى هو والجملة عطف على جملة قبلها لِلْمُحْسِنِينَ (١٢) إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا قد ذكرنا تفسير الاستقامة فى تفسير حم السجدة فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ بعد الموت عن لحوق مكروه وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٣) على فوات محبوب والفاء لتضمن الاسم معنى الشرط.
أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها حال من المستكن فى اصحاب والعامل فيه معنى الاشارة والجملة فى مقام التعليل لنفى الخوف جَزاءً مصدر لفعل دلّ عليه الكلام اى جوزوا جزاء بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤) من اكتساب الفضائل العلمية والعملية-.
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ اللام للعهد والمراد به ابو بكر الصديق رضى الله عنه روى عن ابن عباس ان الاية نزلت فى ابى بكر وهو المروي عن على رضى الله قال نزلت فى ابى بكر اسلم أبواه جميعا ولم يجتمع من المهاجرين أبواه فى الإسلام غيره وقال السدىّ
402
والضحاك نزلت فى سعد بن ابى وقاص وقد ذكرنا قصته فى تفسير سورة العنكبوت وقيل اللام للجنس وان كان نازلا فى ابى بكر او سعد وذلك لا يقتضيه سياق الاية كما سنشير اليه بِوالِدَيْهِ متعلق بمحذوف اى ان يحسن بوالديه وهما ابو قحافة عثمان بن عمر وأم الخير بنت الخير بن الصخر بن عمر إِحْساناً كذا قرأ الكوفيون من الافعال فهو منصوب على المصدرية وقرأ الباقون حسنا من المجرد فهو بدل اشتمال لقوله بوالديه منصوب على محله حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً اى ذات كره فهو حال من فاعل حملته او حملا ذاكره فهو مصدر وهو المشقة قرأ اهل الحجاز وهشام وابو عمرو بفتح الكاف فى الموضعين والباقون بضمها وهما لغتان وقيل المضموم اسم والمفتوح مصدر وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً جملتان معترضتان فى مقام التعليل للامر بالإحسان وفيه اشعار بمزية استحقاق الام فى الإحسان قال رسول الله ﷺ صل امّك ثم أمك ثم أمك ثم أباك ثم أدناك فادناك- وقد مر الحديث فى سورة العنكبوت- وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ وهو الفطام والمراد به الرضاع تسمية الملزوم باسم اللازم وقرأ يعقوب وفصله وهما بتقدير المضاف مبتدا بعده خبره اى مدة حمله ورضاعه ثَلاثُونَ شَهْراً معترضة اخرى لبيان شدة المشقة فى مدة طويلة يستدل بهذه الاية على ان اقل مدة الحمل ستة «١» أشهر لقوله تعالى وفصاله فى عامين فانه إذا ذهب منها
(١) عن قتادة عن ابى الحرب بن ابى الأسود الدؤلي قال رفعت الى عمر امراة ولدت بستة أشهر فسال عنها اصحاب النبي ﷺ فقال على لا رجم عليها الا ترى انه تعالى يقول وحمله وفصاله ثلاثون شهرا وقال وفصاله فى عامين فكان الحمل منها ستة أشهر فتركها عمر ثم بلغنا انها ولدت اخر بستة أشهر وعن نافع بن جبير ان ابن عباس أخبره انى لصاحب المرأة التي اتى بها عمر وضعت لستة أشهر فانكر الناس ذلك قلت لعمر كيف تظلم قال كيف قلت اقرأ وحمله وفصاله ثلاثون شهرا والوالدات يرضعن اولادهنّ حولين كاملين قلت كم الحول قال سنة قلت كم السنة قال اثنا عشر شهرا قلت واربعة وعشرون شهرا حولان كاملان ويؤخر الله من الحمل ما شاء ويقدم فاستراح عمر الى قوله- وعن ابى عبيدة مولى عبد الرحمان بن عوف قال رفعت امراة الى عثمان ولدت لستة أشهر فقال عثمان قد رفعت الىّ امراة ما أراها الا جاءت بشر فقال ابن عباس إذا كملت الرضاعة كان الحمل ستة ١٤ شهر اقرأ وحمله وفصاله ثلاثون شهرا فدرأ عثمان عنها- منه نور الله مرقده-
403
عامين بقي للحمل ستة أشهر وعليه اتفق الائمة فى أفل مدة الحمل واختلفوا فى أكثرها فقال ابو حنيفة سنتان وعن مالك روايات اربع سنين وخمس سنين وسبع سنين وقال الشافعي اربع سنين وعن احمد روايتان المشهور كمذهب الشافعي والاخرى كمذهب ابى حنيفة. وجه قول ابى حنيفة قول عائشة الولد لا يبقى فى بطن امه اكثر من سنتين ولو بقدر فلكة مغزل وفى رواية ولو بقدر ظل مغزل- قال ومثله لا يقال الا سمعا إذا المقدرات لا تدرك بالرأى قلت يحتمل ان يكون قولها على تقدير الصحة مبنيّا على التجربة فى جريان العادة كقول مالك والشافعي قلت والاستدلال بهذه الاية على اقل مدة الحمل مبنى على كون اللام فى الإنسان للجنس وان كان للعهد فلا لانها حينئذ بيان لواقعة حال- والاستدلال بهذه الاية على مذهب ابى حنيفة ان مدة الرضاع ثلاثون شهرا لا يجوز وقد مرّ الكلام فيه وفى غيرها من مسائل الرضاع فى سورة النساء فى تفسير قوله تعالى وامّهاتكم اللّاتى أرضعنكم روى عن عكرمة عن ابن عباس فى تفسير هذه الاية انه قال إذا حملت المرأة تسعة أشهر ارضعته أحد وعشرين شهرا وإذا حملت ستة أشهر ارضعته اربعة وعشرين شهرا والله اعلم حَتَّى إِذا بَلَغَ متعلق بفعل محذوف معطوف على وضعته تقديره وربّياه حتّى إذا بلغ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً عطف على بلغ يعنى وبلغ كمال عقله كان ابو بكر صحب النبي ﷺ وهو ابن ثمانى عشرة سنة وذلك بلوغ الأشد وكان النبي ﷺ حينئذ ابن عشرين سنة فى تجارته الى الشام فلمّا بلغ أربعين سنة أمن بالنبي ﷺ ودعا ربه وقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي قرأ ورش والبزي بفتح الياء والباقون بإسكانها والمعنى الهمنى وقيل معناه الكف اى اجعلنى بحيث أزع نفسى يعنى اكفه من الكفران أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ الهداية للاسلام او ما يعمه وغيره وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ نكر صالحا للتعظيم او لانه أراد نوعا من الجنس يستجلب رضاء الله قال ابن عباس فاجابه الله تعالى فاعتق تسعة من المؤمنين يعذبون فى الله ولم يرد شيئا من الخير الا أعانه الله عليه ودعا ايضا وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي فاجابه الله فلم يكن له ولد الا
404
أمنوا جميعا فاجتمع له اسلام أبويه وأولاده جميعا كذا قال ابن عباس وأدرك ابو قحافة صحبة النبي ﷺ وابنه ابو بكر وابنه عبد الرحمان بن ابى بكر وابن عبد الرحمان ابو عتيق ولم يكن ذلك لاحد من الصحابة إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ عن الكفر وعن كل ما لا يرضاه الله او يشغل عنه وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (١٥) المخلصين قوله حتّى إذا بلغ الى آخره دليل على ان اللام فى الإنسان للعهد فانه لو كان للجنس لا يستقيم ذلك لان تأخير النعمة القديمة الى بلوغ أربعين سنة لا يجوز فالاية حكاية عن الواقع فانه رضى الله عنه أمن وهو ابن أربعين سنة والمعتبر من الشكر ما كان بعد الايمان- فان قيل المروي ان أباه أبا قحافة اسلم يوم الفتح وكان ابو بكر حينئذ ابن ستين سنة وكان نزول الاية قبل الهجرة لان السورة مكية وحين بلغ ابو بكر أربعين سنة كان ابو قحافة كافرا فكيف يوصى الله بالإحسان به وكيف يقول ابو بكر أنعمت علىّ وعلى والدىّ قلنا قد روى ان أبا بكر اسلم وهو ابن ثمان وثلاثين سنة واسلم أبواه بعد ذلك بسنتين وكان ابو بكر حينئذ ابن أربعين سنة فلعل هذه الرواية هى الصحيحة وعلى تقدير نزول الاية بمكة واسلام ابى قحافة بعد الفتح قلنا الوصية بالإحسان للوالدين الكافرين ايضا جائزة قال الله تعالى فى سورة العنكبوت ووصّينا الإنسان بوالديه حسنا وان جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما والمراد حينئذ بنعمتك أنعمت علىّ ما يعم نعمة الدين والدنيا والله اعلم قلت وعلى تقدير كون اللام للجنس يقال معنى الاية انه إذا بلغ الإنسان أشده يعنى بلغ مبلغ الرجال شكر الله تعالى على كمال جسده ثم إذا بلغ أربعين سنة شكر الله سبحانه على كمال عقله والله اعلم..
أُولئِكَ ان كان المراد بالإنسان الجنس فالاشارة الى عامة الموصوفين بالصفات المتقدمة ظاهر وان كان المراد به ابو بكر او سعد فالمشار اليه هو ومن كان مثله فى الصفات المذكورة فذكر حكم ابى بكر وسعد فى ضمن العموم على سبيل الكناية وهو ابلغ من الصريح فانه كدعوى الشيء مع بينة وبرهان الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا فان المباح حسن ولا يثاب عليها او هى من قبيل اضافة الصفة الى موصوفها يعنى
نتقبل عنهم ما عملوا احسن مما عمله غيره وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فلا نعاقبهم على شىء منها قرأ حمزة والكسائي وحفص «خلف- ابو محمد» نتقبّل ونتجاوز بالنون على التكلم والتعظيم واحسن منصوبا على المفعولية والباقون بالياء على الغيبة والبناء للمفعول واحسن مرفوعا على انه مسند اليه فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ خبر بعد خبر لاولئك او حال من الضمير المجرور فى عنهم وعن سيّئاتهم اى كاننين فى اعدادهم او مثابين او معدودين فيهم وَعْدَ الصِّدْقِ مصدر مؤكد لنفسه فان يتقبل ويتجاوز وعد اى وعدت وعد الصدق واضافة الوعد الى الصدق من قبيل حاتم الجود الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (١٦) فى الدنيا والجملة مستانفة لبيان جزاء الإنسان المذكور..
وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ إذا دعواه الى الايمان بالله والإقرار الموصول مبتدا خبره أولئك والجملة مستأنفة اخرى لبيان حكم من خالف المذكورين أُفٍّ لَكُما وهى كلمة كراهية قرأ نافع وحفص «وابو جعفر- ابو محمد» بالتنوين وكسر الفاء وقرأ ابن كثير وابن عامر «ويعقوب- ابو محمد» بفتح الفاء بغير تنوين والباقون بكسر الفاء بغير تنوين أَتَعِدانِنِي قرأ هشام بنون واحدة مشددة والباقون بنونين مكسورتين وقرأ نافع وابن كثير «ابو جعفر- ابو محمد» بفتح الياء والباقون بإسكانها والاستفهام للانكار والتوبيخ فى مقام التعليل للتأنيف أَنْ أُخْرَجَ من قبرى حيّا بعد الموت وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي الجملة حال من فاعل اخرج وهاهنا جملة محذوفة معطوفة على هذه الجملة تقديره ولم يخرج أحد منهم وَهُما اى أبواه يَسْتَغِيثانِ اللَّهَ اى يقولان الغياث بالله منك او يسئلانه تعالى ان يغيثه بالتوفيق للايمان الجملة حال من والديه وَيْلَكَ مصدر لفعل محذوف اى هلكت هلاكات والجملة مقدرة بالقول اى ويقولان له ويلك آمِنْ بالله وبالبعث بعد الموت إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ بالبعث حَقٌّ هذه الجملة فى مقام التعليل للامر بالايمان فَيَقُولُ ذلك الولد الكافر لوالديه ما هذا الوعد إِلَّا أَساطِيرُ اى أكاذيب الْأَوَّلِينَ (١٧)
اخرج البخاري من طريق يوسف بن ماهك قال كان مروان على الحجاز استعمله معاوية فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكى يبايع له بعد أبيه فقال له عبد الرحمان بن ابى بكر شيئا فقال خذوه فدخل بيت عائشة فلم يقدروا فقال مروان هذا الذي انزل الله فيه والّذى قال لوالديه أفّ لّكما اتعداننى فقالت عائشة من وراء الحجاب ما انزل الله فينا شيئا من القران الا ان انزل عذرى- وروى انه غضب عبد الرحمان بن ابى بكر بقول مروان وقال هذا سنة الهراقلة ان يرث الأبناء ملك الآباء- واخرج ابن ابى حاتم عن السدىّ وعن ابن عباس مثل قول مروان وقال نزلت فى عبد الرحمان بن ابى بكر قبل إسلامه ثم اسلم عبد الرحمان وحسن إسلامه- وقال البغوي قال ابن عباس والسدىّ ومجاهد نزلت فى عبد الله وقيل فى عبد الرحمان بن ابى بكر كان أبواه يدعو انه الى الإسلام وهو يأبى ويقول أحيوا لى عبد الله بن جدعان وعامر بن كعب ومشائخ قريش حتى اسئلهم عما تقولون- قلت وقول من قال انها نزلت فى عبد الرحمن بن ابى بكر انما نشا من قول مروان وقد سمعت ان قول مروان انما كان مبنيّا على العناد.
قال البغوي وأنكرت عائشة ان يكون هذا فى عبد الرحمان بن ابى بكر وقالت انما نزلت فى فلان سمت رجلا- وقال الحافظ ابن حجر ونفى عائشة أصح اسنادا واولى بالقبول وقال البغوي والصحيح انها نزلت فى كافر عاق لوالديه المسلمين كذا قال الحسن وقتادة وقال الزجاج قول من قال نزلت فى عبد الرحمان بن ابى بكر قبل إسلامه يبطله قوله تعالى.
أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ اى وجب وثبت عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ بانهم اهل النار فان عبد الرحمان كان من أفاضل المسلمين فِي أُمَمٍ اى مع امم كافرة قَدْ خَلَتْ اى مضت مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ بيان لامم وجملة قد خلت صفة لامم وفى امم متعلق بحقّ وهو صلة للموصول والموصول خبر لاسم الاشارة والجملة خبر لقوله والّذى قال لوالديه إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (١٨) تذييل..
وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا اى من جزاء ما عملوا من الخير او من أجل
ما عملوا قال البغوي قال ابن عباس يريد من سبق الى الإسلام فهو أفضل ممن يخلف عنه ولو بساعة وقال مقاتل ولكل فضائل بأعمالهم فيوفيهم حزاء أعمالهم وقيل ولكل واحد من الفريقين المؤمنين والكافرين درجات منازل ومراتب عند الله يوم القيامة بأعمالهم فيجازيهم عليها قال ابن زيد فى هذه الاية درجات اهل النار يذهب سفالا ودرجات اهل الجنة يذهب علوّا وَلِيُوَفِّيَهُمْ قرأ ابن كثير وابو عمرو وهشام وعاصم «ويعقوب- ابو محمد» بالياء على الغيبة والباقون بالنون على التكلم والتعظيم وهو معطوف على علة محذوفة لفعل محذوف تقديره فعلنا ذلك او فعل الله ذلك لحكم ومصالح وليوفّيهم أَعْمالَهُمْ اى جزاء ما عملوا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٩) بنقص ثواب او زيادة عقاب حال من الضمير المنصوب-.
وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ اى يعذبون بها أصله يعرض النار عليهم فقلب مبالغة كقولهم عرضت الناقة على الحوض أَذْهَبْتُمْ مقدر بالقول اى يقال لهم أذهبتم وهو ناصب اليوم قرأ ابن كثير وابن عامر وابو جعفر ويعقوبء أذهبتم بالاستفهام فقرأ ابن ذكوان وروح- ابو محمد بهمزتين محققتين بغير مد وابن كثير وابو جعفر ويعقوب «اى رويس» وهشام «ابو محمد بخلاف عنه ابو محمد» بهمزة ومد «اى همزة سهلة ابو محمد» وهشام أطول مدا على «وابو جعفر- ابو محمد» أصله وابن كثير «ورويس- ابو محمد» يسهل الثانية على أصله «اى بغير إدخال- ابو محمد» والباقون بهمزة واحدة على الخبر قال البغوي كلاهما فصيحتان لان العرب تستفهم للتوبيخ وتترك الاستفهام طَيِّباتِكُمْ ولذائذكم فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا باستيفاء ما كتب لكم حظّا منها فى الدنيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها فما بقي لكم منها شىء فَالْيَوْمَ الفاء للسببية عطف على استمتعتم تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ اى العذاب الذي فيه ذل وهوان بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (٢٠) اى بسبب الاستكبار الباطل والفسوق عن طاعة الله.
قال البغوي وبّخ الله الكافرين بالتمتع فى الدنيا فاثر النبي ﷺ وأصحابه الصالحون اجتناب اللذات ل الدنيا رجاء لثواب الاخرة روى الشيخان
408
فى الصحيحين عن عمر رضى الله عنه قال دخلت على رسول الله ﷺ فاذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه فراش قد اثر الرمال بجنبه متكيا على وسادة من آدم حشوها ليف قلت يا رسول الله ادع الله فليوسع على أمتك فان فارس والروم قد وسع عليهم وهم لا يعبدون الله فقال اوفى هذا أنت يا ابن الخطّاب أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم فى الحيوة الدنيا- وفى رواية أما ترضى ان تكون لهم الدنيا ولنا الاخرة- وفى الصحيحين عن عائشة ما شبع ال محمد من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم- وروى البخاري عن ابى سعيد المقبري عن ابى هريرة انه مر بقوم بين أيديهم شاة مصلية فدعوه فابى ان يأكل وقال خرج النبي ﷺ من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير وروى عن عائشة قالت لقد كان يأتى علينا شهر ما توقد فيه نار وما هو الا الماء والتمر غير ان جزى الله النساء من الأنصار خيرا ربما اهدين لنا شيئا من اللبن- وروى احمد والترمذي وابن ماجة عن ابن عباس قال كان رسول الله ﷺ يبيت الليالى المتتابعة طاويا واهله لا يجدون عشاء وكان اكثر خبزهم خبز الشعير- وروى الترمذي عن انس قال قال رسول الله ﷺ لقد اخفت فى الله وما يخاف أحد ولقد أوذيت وما يؤذى أحد ولقد أتت علىّ ثلاثين من بين ليلة ويوم ومالى ولبلال طعام يأكله ذو كبد الا شىء يواريه إبط بلال- قال الترمذي ومعنى الحديث حين خرج النبي ﷺ هاربا من مكة ومعه بلال انما كان مع بلال من الطعام ما تحمل تحت إبطه وروى البخاري عن ابى هريرة قال رايت سبعين من اصحاب الصفة ما منهم رجل عليه رداء اما إزار واما كساء قد ربطوا فى أعناقهم فمنها ما يبلغ نصف الساقين ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهية ان ترى عورته وروى البخاري عن انس انه مشى الى النبي ﷺ بخبز شعير واهالة سبخة ولقد رهن النبي ﷺ درعا بالمدينة عند يهودى وأخذ منه الشعير لاهله ولقد سمعته يقول ما امسى عند ال محمد صاع بر ولا صاع حب
409
وان عنده تسع نسوة وروى الترمذي عن ابى طلحة قال شكونا الى رسول الله ﷺ الجوع فرفعنا عن بطوننا عن حجر حجر فرفع رسول الله ﷺ عن بطنه عن حجرين وقال الترمذي هذا حديث غريب وروى مسلم عن عبد الرحمان قال جاء ثلاثة نفر الى عبد الله بن عمرو وانا عنده فقالوا يا أبا محمد والله ما نقدر على شىء لا نفقة ولا دابة ولا متاع فقال لهم ما شئتم ان شئتم رجعتم إلينا فاعطيناكم ما يسر الله لكم وان شئتم ذكرنا أمركم للسلطان وان شئتم صبرتم فانى سمعت رسول الله ﷺ يقول ان فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة الى الجنة بأربعين خريقا قالوا فانا نصبر لا نسئل شيئا- وروى احمد عن معاذ بن جبل ان رسول الله ﷺ لما بعث به الى اليمن قال إياك والتنعم فان عباد الله ليسوا بالمتنعمين- وروى البيهقي فى شعب الايمان عن على رضى الله عنه قال قال رسول الله ﷺ من رضى من الله باليسر من الرزق رضى الله عنه بالقليل من العمل- وروى البغوي عن عبد الرحمان بن عوف انه اتى بطعام وكان صائما فقال قتل مصعب بن عمير وهو خير منى فكفن فى بردة ان غطى رأسه بدت رجلاه وان غطى رجلاه بدا رأسه قال واراه قال وقتل حمزة وهو خير منى ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط او قال أعطينا الدنيا وقد خشينا ان تكون حسناتنا عجلت لنا ثم جعل يبكى حتى ترك الطعام- وروى عن جابر بن عبد الله انه راى عمر بن الخطاب لحما
معلقا فى يدىّ فقال ما هذا يا جابر قلت اشتهيت لحما فاشتريته فقال عمر فكلما اشتهيت يا جابر اشتريت اما تخاف هذه الاية أذهبتم طيّباتكم فى حياتكم الدّنيا- وقد روى القصة من حديث ابن عمر- وفى رواية من حديث جابر اما يجد أحدكم ان يطوى بطنه لجاره وابن عمه- وروى رزين عن زيد بن اسلم قال استسقى يوما عمر فجئ بماء قد شيب بعسل فقال انه طيب لكنى اسمع الله عزّ وجلّ نفى على قومه شهواتهم فقال أذهبتم طيّباتكم فى حياتكم الدّنيا واستمتعتم بها
410
فاخاف ان تكون حسناتنا عجلت «١» لنا فلم يشربه-.
وَاذْكُرْ أَخا عادٍ يعنى هود عليه السلام إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ عادا إذ مع ما أضيف اليه بدل اشتمال من أخا عاد اى اذكر وقت إنذاره بِالْأَحْقافِ اى فى الأحقاف قال ابن عباس الأحقاف بين عمان ومهرة وقال مقاتل منازل عاد كان باليمن فى حضرموت بموضع يقال لها مهرة تنسب إليها الإبل المهرية وكانوا اهل عهد سيارة فى الربيع فاذا هاج العود رجعوا الى منازلهم وكانوا من قبيلة ارم قال قتادة ذكر لنا ان عادا كانوا حيّا باليمن كانوا اهل رمل مشرفين على البحر بأرض يقال له يشجر
(١) عن سالم بن عبد الله بن عمران عمر كان يقول ما نعنى بالذات العيش ان نأمر بصفار المغرى فتسمط ونأمر بلباب الحنطة فيخبز لنا ونأمر بالذبيب فينبذ لنا فى الاسفان حتى إذا صار مثل عين اليعقوب أكلنا هذا وشربنا هذا ولكنا نريد ان تستبقى طيباتنا لانا سمعنا الله يقول أذهبتم طيّباتكم فى حياتكم الدّنيا- وعن قتادة قال ذكر لنا ان عمر بن الخطاب كان يقول لو شئت كنت أطيبكم طعاما والينكم لباسا ولكنى استبقى طيباتى وذكر لنا ان عمر بن الخطاب لما قدم الشام صنع له طعام لم ير قبله مثله قال هذا فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا وهم لا يشبعون من خبز الشعير قال خالد بن الوليد الجنة فاغرورقت عينا عمر فقال لان كان حظنا من هذا الخطام وذهبوا بالجنة لقد بانوا بونا بعيدا- وعن حميد بن هلال قال كان حفص يكثر عشيان امير المؤمنين عمر رضى الله عنه وكان إذا قرب طعاما نفاه فقال له عمر مالك ولطعامنا فقال يا امير المؤمنين ان أهلي يصنعون لى طعاما هو ألين من طعامك فاختر طعامهم على طعامك فقال ثكلتك أمك اما ترانى لو شئت أمرت بشاة فتية سمينة فالقى عنها شعرها ثم أمرت بدقيق فتخل فى خرقة فجعل خبزا مرققا وأمرت بصاع من ذبيب فجعل فى سعن حتى يكون كدم الغزال فقال حفص انى أراك تعرف ليّن الطعام فقال عمر ثكلتك أمك والذي نفسى بيده لولا كراهية ان ينقص من حسناتى يوم القيامة لاشركتم فى لين الطعام- وعن الحسن قال قدم وفد اهل البصرة على عمر مع ابى موسى فكان له كل يوم خبز ملث فربما وافقناها مادوقه بلبن وربما وافقناها القدائد اليابسة قد دقت ثم أعلى تهاور بما وافقناها باللحم الغريض وهو قليل قال وقال لنا عمر انى والله لقد ارى تقديركم وكراهيتكم طعامى انا والله لو شئت لكنت أطيبكم طعاما وادقكم عيشا اما والله ما أجهل عن كراكر واسمنة وعن هلى وهياب سلابى ولكن وجدت الله عيّر قوما بامر حفاة فقال أذهبتم طيّباتكم فى حياتكم الدّنيا واستمعتم بها- ١٢ منه برد الله مضجعه-
والأحقاف جمع حقف وهو المستطيل المعوج من الرمال قال ابن زيد هى ما استطال من الرمل كهيئة الجبل ولم يبلغ ان يكون جبلا وقال الكسائي هى ما استدار من الرمال وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ اى مضت الرسل جملة معترضة او حال من فاعل انذر يعنى والحال انه انذر مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ اى قبل هود نوح وغيره وَمِنْ خَلْفِهِ اى بعده صالح وابراهيم ولوط وغيرهم مثل إنذار هود أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ان مفسرة لانذر او مصدرية بتقدير الباء فان النهى عن الشيء إنذار عن مضرته إِنِّي قرأ نافع وابن كثير وابو عمرو «وابو جعفر- ابو محمد» بفتح الياء والباقون بإسكانها أَخافُ عَلَيْكُمْ ان عبدتم غير الله عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٢١) اى عظيم بلاؤه.
قالُوا أَجِئْتَنا استفهام تقرير لِتَأْفِكَنا اى لتصرفنا عَنْ آلِهَتِنا اى عن عبادتها فَأْتِنا بِما تَعِدُنا من العذاب على الشرك إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٢) فى وعيدك شرط مستغن عن الجزاء بما مضى.
قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ لوقت عذابكم عِنْدَ اللَّهِ اى يأتيكم فى وقت مقدر له من المستقبل ولا يستلزم عدم وقوع العذاب الان كونى كاذبا ولا مدخل لى فيه فاستعجلوا وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إليكم من التوحيد والاحكام والأحبار بنزول العذاب ان لم تؤمنوا وَلكِنِّي قرأ نافع وابو عمرو «وابو جعفر- ابو محمد» والبزي بفتح الياء والباقون بإسكانها أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (٢٣) لا تعلمون ان الله هو العليم القدير والرسل انما بعثوا منذرين مبلغين لا معذبين ولا مقترحين..
فَلَمَّا رَأَوْهُ الضمير عائد الى ما تعدنا وهو العذاب او مبهم تفسيره عارِضاً اى على هيئة سحاب يعرض اى يبدو فى عرض السماء مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ وقد كانوا قد حبس عنهم المطر قبل ذلك سنتين (وقد مرّ قصتهم فى سورة الأعراف وغيرها) استبشروا بها وقالُوا هذا الذي نراه عارِضٌ سحاب عرض مُمْطِرُنا اى يأتينا بالمطر قال الله تعالى او قال هود ليس هذا سحابا ممطرا كما زعمتم بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ من العذاب رِيحٌ
خبر مبتدا محذوف اى هى او بدل من الموصول فِيها عَذابٌ صفة لريح أَلِيمٌ (٢٤) صفة عذاب.
تُدَمِّرُ اى تهلك كُلَّ شَيْءٍ مرت به من أنفسهم وأموالهم بِأَمْرِ رَبِّها اى رب الريح فجاءت الريح الشديد تحمل الفسطاط وتحمل الظعينة حتى ترى كانها جرادة وأول ما عرفوا انها عذاب إذا راوا ما كان خارجا من ديارهم من رجال عاد وأموالهم تطير بهم الريح بين السماء والأرض فدخلوا بيوتهم وأغلقوا أبوابهم فجاءت الريح فغلقت أبوابهم وصرعتهم وامر الله الريح فامالت عليهم الرمال وكانوا تحت الرمل سبع ليال وثمانية ايام ثم امر الله الريح فكشفت عنهم الرمال فاحتملتهم فرمت بهم فى البحر فَأَصْبَحُوا لا يُرى عطف على قال الله او قال هود المحذوف قرأ عاصم وحمزة ويعقوب «وخلف- ابو محمد» بضم الياء للغيبة على البناء للمفعول إِلَّا مَساكِنُهُمْ بالضم عندهم على انه مفعول ما لم يسم فاعله والباقون بالتاء للخطاب يعنى لا ترى يا محمد او يا مخاطب مطلقا ومساكنهم عندهم بالنصب على المفعولية كَذلِكَ اى جزاء مثل جزائهم نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (٢٥) روى ان هودا عليه السلام لما أحس بالريح اعتزل بالمؤمنين فى الخطير- عن عائشة قالت ما رايت رسول الله ﷺ مستجمعا ضاحكا حتى ارى منه لهواته انما كان يتبسم وكان إذا راى غيما او ريحا عرف ذلك فى وجهه متفق عليه وفى رواية عند البغوي فقلت يا رسول الله ان الناس إذا راوا الغيم فرحوا رجاء ان يكون فيها المطر وإذا رايته عرف فى وجهك الكراهية فقال يا عائشة ما يؤمننى ان يكون فيه عذاب قد عذب قوم بالريح وقد راى قوم العذاب فقالوا هذا عارض مّمطرنا- وعنها قالت كان النبي ﷺ إذا عصت الريح قال اللهم انى أسئلك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به وإذا تخيلت السماء تغير لونه وخرج ودخل واقبل وأدبر فاذا أمطرت سرى عنه فعرفت ذلك عائشة فسالته فقال لعله يا عائشة كما قال عاد فلمّا راوه عارضا مّستقبل أوديتهم
قالوا هذا عارض مّمطرنا- وفى رواية ويقول إذا را المطر رحمة- متفق عليه وفى رواية عند ابى داود والنسائي وابن ماجة والشافعي كان النبي ﷺ إذا أبصرنا شيئا من السّماء ترك عمله واستقبله وقال انى أعوذ بك من شر ما فيه الحديث- وعن ابن عباس ما هبت الريح قط الا جثا النبي ﷺ على ركبتيه وقال اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا الحديث- رواه الشافعي والبيهقي..
وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ يعنى عادا فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ من القوة والمال ما موصولة او موصوفة وان نافية وهى احسن هاهنا من ما لئلا يلزم التكرار لفظا اى فى الذي او فى شىء مكّنّاكم فيه- او شرطية والجواب محذوف والتقدير ولقد مكّنّاهم فى الّذى او فى شىء ان مكّنّاكم فيه كان بغيكم اكثر او زائدة يعنى مكّنّاهم فيما مكّنّاكم فيه والاول اظهر لقوله تعالى احسن أثاثا وكانوا اكثر منهم وأشدّ قوّة واثارا وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً بمعنى اسماعا وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً قلوبا ليعرفوا تلك النعم ويستدلوا بها على ما نحها ويواظبوا على شكرها فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ من زائدة يعنى لم ينفعهم شىء منها شيئا من النفع إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ ظرف جرى مجرى التعليل من حيث ان الحكم مرتب على ما أضيف اليه فهو علة لما اغنى وَحاقَ اى نزل بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٢٦) من العذاب.
وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ يا اهل مكة مِنَ الْقُرى كحجر ثمود وارض سدوم قرى قوم لوط والمراد أهلها وَصَرَّفْنَا الْآياتِ اى كررنا الحجج والبينات لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٧) اى لكى يرجعوا يعنى اهل مكة عن كفرهم تعليل للصرف وفيه التفات من الخطاب الى الغيبة.
فَلَوْلا نَصَرَهُمُ فهلا منعهم من عذاب الله الَّذِينَ اتَّخَذُوا اى الذين اتخذوهم مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْباناً آلِهَةً اى الهة يتقربون بها الى الله حيث قالوا هؤلاء شفعاؤنا عند الله
أول مفعولى اتّخذوا الراجع الى الموصول محذوف وثانيهما قربانا والهة بدل او عطف بيان او الهة مفعول ثان وقربانا حال او مفعول له على انه بمعنى التقرب او مفعول مطلق اى اتخاذ تقرب الى الله بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ اى غابوا عن نصرهم عند نزول العذاب وامتنع ان يستمدوا بهم امتناع الاستمداد بالضال وَذلِكَ اى اتخاذ الذين هذا شانهم إِفْكُهُمْ كذبهم وصرفهم عن الحق وقيل ذلك اشارة الى انتفاء نصرهم وهو مبتدا وإفكهم بحذف المضاف خبره والمعنى وذلك اى انتفاء نصرهم اثر إفكهم اى افترائهم والجملة معترضة لبيان سبب المشار اليه وَما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٨) اى افتراؤهم انها الهة اخرج ابن ابى شيبة عن ابن مسعود قال ان الجن هبطوا على النبي ﷺ وهو يقرأ القرآن ببطن نخلة فلما سمعوه قالوا انصتوا قالوا صه وكانوا تسعة أحدهم رذبعة فانزل الله.
وَإِذْ صَرَفْنا اى أهلنا إِلَيْكَ هذه الجملة الى آخرها معترضة لتسلّية النبي ﷺ نَفَراً وهى جماعة دون العشرة وجمعه انفار مِنَ الْجِنِّ قال ابن عباس كانوا سبعة من جن نصيبين فيجعلهم رسول الله ﷺ رسلا الى قومهم وقال الآخرون كانوا تسعة قال البغوي روى عاصم عن زر بن حبيش ان رذبعة من التسعة الذين استمعوا القران يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ حال من نفر فَلَمَّا حَضَرُوهُ اى القران او الرسول قالُوا أَنْصِتُوا قال بعضهم لبعض اسكتوا نسمعه فَلَمَّا قُضِيَ اى أتم وفرغ من قراءته وَلَّوْا انصرفوا إِلى قَوْمِهِمْ من الجن مُنْذِرِينَ (٢٩) مخوّفين داعين بامر رسول الله ﷺ وقد ذكرنا القصة بوجوهها فى سورة الجن لما سبق منى تفسيرها.
قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى قال عطاء كان دينهم اليهودية قلت لعل معنى قولهم انزل من بعد موسى ناسخا للتورية بخلاف الإنجيل والزبور فانهما لم يكونا ناسخين لكثير من احكام التورية حيث قال الله تعالى فى عيسى عليه السلام ويعلّمه الكتاب والحكمة والتّورية والإنجيل وقال حكاية عنه ولاحلّ لكم بعض الّذى حرّم عليكم مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ من التورية والإنجيل وغيرهما
من الكتب السماوية حال من فاعل انزل او صفة ثانية لكتابا وكذا قوله يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ من العقائد وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٠) من الشرائع.
يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ محمدا ﷺ الى الإسلام وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ما كان حقا لله بخلاف المظالم فانها لا يغفر بالايمان وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٣١) فاستجاب لهم من قومهم نحو سبعين رجلا من الجن فرجعوا الى رسول الله ﷺ فوافقوه فى البطحاء فقرأ عليهم القران فامرهم ونهاهم وفيه دليل على انه ﷺ كان مبعوثا الى الجن والانس جميعا وقد ذكرنا اختلاف العلماء فى حكم مؤمن الجن فى سورة الجن.
وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ اى لا يعجز الله فيفوته إذا أراد الله تعذيبه وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ يمنعونه من عذاب الله هذه الجملة حال من فاعل ليس بمعجز والجملة الشرطية اعنى من لا يجب داعى الله إلخ معترضة أُولئِكَ اى الذين لم يجيبوا داعى الله فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٢) فان الهداية منحصرة فى اتباع الرسول.
أَوَلَمْ يَرَوْا الاستفهام للانكار والواو للعطف على محذوف تقديره أينكرون هؤلاء الكفار عن البعث بعد الموت ولم يروا اى لم يعتقدوا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ اى لم يتعب ولم يعجز بِخَلْقِهِنَّ فان قدرته ذاتية لا ينقص ولا ينقطع بالإيجاد ابد الآبدين بِقادِرٍ الباء زائدة واسم الفاعل فى محل النصب على انه مفعول ثان ووجه دخول الباء على خبر انّ المفتوحة انّ انّ مع جملتها قائم مقام مفعولى يروا والنفي فى افعال القلوب يتوجه الى المفعول الثاني. هذا قراءة الجمهور وفى قراءة ابن مسعود قادرا بغير الباء وقرأ يعقوب يقدر بصيغة الفعل المضارع عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٣) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ منصوب بقول مضمر تقديره يقال لهم أَلَيْسَ هذا اشارة
الى العذاب بالنار الذي ينكرونها فى الدنيا بِالْحَقِّ قالُوا اى الكفار فى الجواب بَلى وَرَبِّنا يقسمون بالله ويعترفون به حين لا ينفعهم الإقرار قالَ اى يقول الله تعالى حينئذ فَذُوقُوا الْعَذابَ الفاء للسببية فان كونها حقّا مع انكارهم إياها فى الدنيا سبب للذوق بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٤) - اى بسبب كفركم فى الدنيا ومعنى الأمر هو الاهانة والتوبيخ وجملة ويوم يعرض إلخ متصلة بقوله ويوم يعرض الّذين كفروا على النّار أذهبتم طيّباتكم وما بينهما معترضات..
فَاصْبِرْ يا محمد على أذى الكفار الفاء للسببية يعنى إذا علمت انهم يذوقون عذاب النار فاصبر ولا تهتم للانتقام كَما صَبَرَ اى صبرا مثل صبر أُولُوا الْعَزْمِ اى اولى الصبر والثبات والجد مِنَ الرُّسُلِ قبلك فانك من جملتهم واختلفوا فيهم قال ابن زيد كل رسول كان صاحب عزم فان الله لم يبعث نبيّا الا كان ذا عزم وحزم ورأى وكمال عقل ومن للتبيين- وقال بعضهم الأنبياء كلهم أولوا عزم الا يونس بن متى لعجلة كانت منه الا ترى انه قيل للنبى ﷺ ولا تكن كصاحب الحوت وقيل الا يونس والا آدم لقوله تعالى ولم نجد له عزما وقال قوم هم نجباء الرسل المذكورون فى سورة الانعام وهم ثمانية عشر ابراهيم وإسحاق ويعقوب ونوح وداود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى والياس وإسماعيل واليسع.
ويونس ولوطا قال الله تعالى بعد ذكرهم أولئك الّذين هدى الله فبهديهم اقتده وقال الكلبي هم الذين أمروا بالجهاد وأظهروا المكاشفة مع اعداء الله وقيل هم ستة نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى وهم المذكورون على النسق فى سورة الأعراف والشعراء وقال مقاتل هم ستة نوح صبر على أذى قومه وابراهيم صبر على النار وإسحاق صبر على الذبح ويعقوب صبر على فقد ولده وذهاب بصره ويوسف صبر فى البئر والسجن وأيوب صبر على الضرّ وقال ابن عباس
417
وقتادة هم نوح وابراهيم وموسى وعيسى اصحاب الشرائع مع محمد ﷺ وعليهم أجمعين خمسة قال الشيخ محى السنة البغوي ذكرهم الله على التخصيص فى قوله وإذ أخذنا من النّبيّين ميثاقهم ومنك ومن نوح وابراهيم وموسى وعيسى بن مريم وفى قوله تعالى شرع لكم من الدّين ما وصّى به نوحا والّذى أوحينا إليك وما وصّينا به ابراهيم وموسى وعيسى وقال الشيخ احمد المجدد للالف الثاني رضى الله عنه هم ستة آدم ونوح وابراهيم وموسى وعيسى وسيد الرسل محمد صلى الله عليه وعليهم أجمعين وسلم اما الخمسة فلما ذكر من تخصيصهم للميثاق وكونهم اصحاب الشرائع ومن جاء خلفهم ايّد شرائعهم واما آدم فلا جرم يكون هو صاحب شريعة جديدة لكونه مقدما على غيره.
روى البغوي عن مسروق قال قالت لى عائشة قال لى رسول الله ﷺ يا عائشة ان الدنيا لا ينبغى لمحمد ولا لال محمد يا عائشة ان الله لم يرض من اولى العزم الا الصبر على مكروهها والصبر على محبوبها ولم يرض الا ان كلفنى ما كلفهم وقال فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرّسل وانى والله ما بدلى من طاعته وانى والله لاصبرنّ كما صبروا واجهدنّ كما جهدوا ولا قوة الا بالله ( «١» ) عن ابن مسعود قال كانى انظر الى رسول الله ﷺ يحكى نبيّا من الأنبياء ضربه قومه فادموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول اللهم اغفر لقومى فانهم لا يعلمون- متفق عليه وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ اى لا تدع على كفار قريش بنزول العذاب عليهم فانه نازل بهم فى وقته لا محالة- كانه ضجر وضاق قلبه بكثرة مخالفات قومه فاحب ان ينزل العذاب بمن ابى منهم فامر بالصبر وترك الاستعجال ثم اخبر عن قرب العذاب فقال كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ من العذاب فى الاخرة لَمْ يَلْبَثُوا فى الدنيا زمانا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ استقصروا من هوله مدة لبثهم فى الدنيا حتى يحسبونها ساعة ولان ما مضى وان كان طويلا فهو إذا انقضى صار كان لم يكن وجملة كانّهم واقع موقع التعليل لعدم الاستعجال
(١) هنا بياض فى الأصل ١٢
418
فى تعذيب الكفار ثم قال بَلاغٌ اى هذا الذي وعظتم به او هذه السورة او هذا القران وما فيه من البيان بلاغ من الله إليكم اى كفاية او تبليغ الرسول وتنكير البلاغ للتعظيم والتفخيم وقيل بلاغ مبتدا خبره لهم وما بينهما اعتراض اى لهم وقت يبلغون اليه كانهم إذا بلغوه رأسا وراوا ما فيه استقصروا مدة عمرهم فَهَلْ يُهْلَكُ الاستفهام للانكار اى لا يهلك بالعذاب أحد إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ (٣٥) الخارجون عن الاتعاظ او الطاعة قال الزجاج تأويله لا يهلك مع رحمة الله وفضله الّا القوم الفاسقون- ولهذا قال قوم ما فى الرجاء لرحمة الله اية أقوى من هذه الاية- الحمد لله رب العلمين وصلى الله تعالى على خير خلقه محمد واله وأصحابه أجمعين تمت تفسير سورة الأحقاف من التفسير المظهرى الثالث عشر من الجمادى الاول من السنة الثامنة بعد الف سنة ١٢٠٨ هـ- ومائتين ويتلوه تفسير سورة محمد ﷺ ان شاء الله تعالى-.
419
Icon