تفسير سورة التين

لطائف الإشارات
تفسير سورة سورة التين من كتاب لطائف الإشارات .
لمؤلفه القشيري . المتوفي سنة 465 هـ
قوله جل ذكره :﴿ بسم الله الرحمان الرحيم ﴾.
اسم " الله " يدل على جلال من لم يزل، ويخبر عن جمال من لم يزل، ينبه على إقبال من لم يزل، يشير إلى إفضال من لم يزل ؛ فالعارف شهد جلاله فطاش، والصفي شهد جماله فعاش، والولي شهد إقباله فارتاش، والمريد يشهد إفضاله فلا يطلب مع كفايته.

قوله جلّ ذكره :﴿ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ﴾.
أقسم بالتين لما به من عظيم المِنَّةِ على الخَلْقِ حيث لم يجعل فيه النَّوى، وخَلَّصَه من شائب التنغيص، وجعله على مقدار اللُّقْمة لتكمل به اللذََّة. وجعل في " الزيتون " من المنافع مثل الاستصباح والتأدُّم والاصطباغ به.
الجبل الذي كَلَّمَ الله موسى عليه. ولموضعِ قَدَمِ الأحباب حُرْمةٌ.
يعني : مكة، ولهذا البلد شرف كبير، فهي بلدُ الحبيب، وفيها البيت ؛ ولبيتِ الحبيبِ وبَلَدِ الحبيبِ قَدْرٌ ومنزلة.
قوله جلّ ذكره :﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمِ ﴾.
في اعتدال قامتِه، وحُسْنِ تركيب أعضائه. هذا يدل على أنَّ الحقَّ - سبحانه - ليس له صورة ولا هيئة ؛ لأن كلَّ صفةٍ اشترك فيها الخَلْقُ والحقُّ فالمبالغةُ للحقِّ. . كالعلم، فالأعلمُ اللَّهُ، والقدرة : فالأقدَرُ اللَّهُ فلو اشترك الخَلْقُ والخالقُ في التركيب والصورة لكانَ الأحسن في الصورة اللَّهُ. . . فلمَّا قال :﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾. عُلِمَ أَنَّ الحقَّ - سبحانه - مُنَزَّةٌ عن التقويم وعن الصورة.
قوله جلّ ذكره :﴿ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ﴾.
أي : إلى أرذل العمر وهو حال الخَرَفِ والهَرَم.
ويقال :﴿ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ﴾ : إلى النار والهاوية في أقبح صورة ؛ فيكون أوَّلُ الآيةِ عامّاً وآخرها خاصًّا بالكفَّار. . كما أنَّ التأويلَ الأولَ - الذي هو حال الهَرَم - خاصُّ في البعض ؛ إذ ليس كلُّ الناسِ يبلغون حالَ الهَرَم.
أي : غير منقوص.
ويقال :﴿ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ﴾ أي : إلى حال الشقاوة والكفر إلاَّ المؤمنين.
قوله جلّ ذكره :﴿ فَمَا يُكَذِّبُِكَ بَعْدُ بِالدِّينِ ﴾.
أيها الإنسانُ. . مع كل هذا البرهان والبيان ؟
Icon