مكية وهي ثلاث وتسعون آية وألف وثلاثمائة وسبع عشرة كلمة وأربعة آلاف وسبعمائة وتسعة وتسعون حرفا.
ﰡ
سورة النمل
مكية وهي ثلاث وتسعون آية وألف وثلاثمائة وسبع عشرة كلمة وأربعة آلاف وسبعمائة وتسعة وتسعون حرفا بسم الله الرّحمن الرّحيم
[سورة النمل (٢٧): الآيات ١ الى ٣]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ (١) هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٣)
قوله عز وجل طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ أي هذه آيات القرآن وَكِتابٍ مُبِينٍ أي وآيات كتاب مبين هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ أي هو هدى من الضلالة، وبشرى لهم بالجنة الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ أي الخمس بشرائطها وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ أي إذا وجبت عليهم طيبة بها أنفسهم وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ يعني أن هؤلاء الذين يعملون الصالحات هم الموقنون بالآخرة.
[سورة النمل (٢٧): الآيات ٤ الى ١٠]
إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (٤) أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (٥) وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (٦) إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٧) فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٨)
يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩) وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (١٠)
إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ أي القبيحة حتى رأوها حسنة وقيل: إن التزين هو أن يخلق الله العلم في القلب بما فيه المنافع واللذات ولا يخلق العلم بما فيه المضار والآفات فَهُمْ يَعْمَهُونَ أي يترددون فيها متحيرين أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ أي أشده وهو القتل والأسر وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ أي أنهم خسروا أنفسهم وأهليهم وساروا إلى النار. قوله تعالى وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ أي تؤتاه وتلقنه وحيا مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ أي حكيم عليم بما أنزل إليك. فإن قلت: ما الفرق بين الحكمة والعلم.
قلت: الحكمة هي العلم بالأمور العلمية فقط والعلم أعم منه لأنه العلم قد يكون علما، وقد يكون نظرا والعلوم النظرية أشرف إِذْ قالَ أي واذكر يا محمد إذ قال مُوسى لِأَهْلِهِ أي في مسيره بأهله من مدين إلى مصر إِنِّي آنَسْتُ أي أبصرت ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أي امكثوا مكانكم سآتيكم بخبر عن الطريق، وقد كان ضل عن الطريق أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ الشهاب شعلة النار والقبس النار المقبوسة منها، وقيل: القبس هو العود الذي في أحد طرفيه نار لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ يعني تستدفئون من البرد وكان في شدة الشتاء فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ
﴿ هدى وبشرى للمؤمنين ﴾ أي هو هدى من الضلالة، وبشرى لهم بالجنة.
﴿ الذين يقيمون الصلاة ﴾ أي الخمس بشرائطها ﴿ ويؤتون الزكاة ﴾ أي إذا وجبت عليهم طيبة بها أنفسهم ﴿ وهم بالآخرة هم يوقنون ﴾ يعني أن هؤلاء الذين يعملون الصالحات هم الموقنون بالآخرة.
﴿ إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم ﴾ أي القبيحة حتى رأوها حسنة وقيل : إن التزيين هو أن يخلق الله العلم في القلب بما فيه المنافع واللذات ولا يخلق العلم بما فيه المضار والآفات ﴿ فهم يعمهون ﴾ أي يترددون فيها متحيرين.
﴿ أولئك الذين لهم سوء العذاب ﴾ أي أشده وهو القتل والأسر ﴿ وهم في الآخرة هم الأخسرون ﴾ أي أنهم خسروا أنفسهم وأهليهم وساروا إلى النار.
قوله تعالى ﴿ وإنك لتلقى القرآن ﴾ أي تؤتاه وتلقنه وحياً ﴿ من لدن حكيم عليم ﴾ أي حكيم عليم بما أنزل إليك. فإن قلت : ما الفرق بين الحكمة والعلم. قلت : الحكمة هي العلم بالأمور العلمية فقط والعلم أعم منه لأنه العلم قد يكون علماً، وقد يكون نظراً والعلوم النظرية أشرف.
﴿ إذ قال ﴾ أي واذكر يا محمد إذ قال ﴿ موسى لأهله ﴾ أي في مسيره بأهله من مدين إلى مصر ﴿ إني آنست ﴾ أي أبصرت ﴿ ناراً سآتيكم منها بخبر ﴾ أي امكثوا مكانكم سآتيكم بخبر عن الطريق، وقد كان ضل عن الطريق ﴿ أو آتيكم بشهاب قبس ﴾ الشهاب شعلة النار والقبس النار المقبوسة منها، وقيل : القبس هو العود الذي في أحد طرفيه نار ﴿ لعلكم تصطلون ﴾ يعني تستدفئون من البرد كان في شدة الشتاء.
﴿ فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ﴾ يعني بورك على من في النار وقيل : البركة راجعة إلى موسى والملائكة والمعنى من في طلب النار وهو موسى ﴿ ومن حولها ﴾ وهم الملائكة الذين حول النار وهذه تحية من الله عز وجل لموسى بالبركة، وقيل : المراد من النار النور وذكر بلفظ النار لأن موسى حسبه ناراً من النار هم الملائكة وذلك أن النور الذي رآه موسى كان فيه ملائكة لهم زجل بالتسبيح والتقديس، ومن حولها موسى، لأنه كان بالقرب منها وقيل البركة راجعة إلى النار، وقال ابن عباس : معناه بوركت النار والمعنى بورك من في النار ومن حولها وهم الملائكة وموسى وروي عن ابن عباس في قوله بورك من في النار قدس من في النار وهو الله تعالى عنى به نفسه على معنى أنه نادى موسى وأسمعه من جهتها كما روي أنه مكتوب في التوراة جاء الله من سيناء، وأشرف من ساعير واستعلى من جبال فاران ومعنى مجيئه من سيناء بعثه موسى منه، ومن ساعير بعثة المسيح ومن جبال فاران بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وفاران اسم مكة، وقيل كانت النار بعينها وهي إحدى حجب الله عز وجل كما صح في الحديث « حجابه النار لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه » ثم نزه الله سبحانه وتعالى نفسه، وهو المنزه من كل سوء وعيب فقال تعالى ﴿ وسبحان الله رب العالمين ﴾.
ثم تعرف إلى موسى بصفاته فقال : الله يا موسى ﴿ إنه أنا الله العزيز الحكيم ﴾ قيل معناه أن موسى قال : من المنادي قال : إنه أنا الله وهذا تمهيد لما أراد الله أن يظهره على يده من المعجزات، والمعنى أنا القوي القادر على ما يبعد من الأوهام كقلب العصا حية.
كقلب العصا حية وهو قوله ﴿ وألق عصاك ﴾ تقديره فألقاها فصارت حية ﴿ فلما رآها تهتز ﴾ أي تتحرك ﴿ كأنها جان ﴾ وهي الحية الصغيرة التي يكثر اضطرابها ﴿ ولى مدبراً ﴾ يعني هرب من الخوف ﴿ ولم يعقب ﴾ يعني لم يرجع، ولم يلتفت قال الله تعالى ﴿ يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون ﴾ يريد إذا أمنتهم لا يخافون أما الخوف الذي هو شرط الإيمان، فلا يفارقهم قال النبيّ صلى الله عليه وسلم « أنا أخشاكم لله ».
مَنْ فِي النَّارِ
يعني يورك على من في النار وقيل: البركة راجعة إلى موسى والملائكة والمعنى من في طلب النار وهو موسى وَمَنْ حَوْلَها وهم الملائكة الذين حول النار وهذه تحية من الله عز وجل لموسى بالبركة، وقيل:
المراد من النار النور وذكر بلفظ النار لأن موسى حسبه نارا ومن في النار هم الملائكة وذلك أن النور الذي رآه موسى كان فيه ملائكة لهم زجل بالتسبيح والتقديس، ومن حولها موسى، لأنه كان بالقرب منها وقيل البركة راجعة إلى النار، وقال ابن عباس: معناه بوركت النار والمعنى بورك من في النار ومن حولها وهم الملائكة وموسى وروي عن ابن عباس في قوله بورك من في النار يعني قدس من في النار وهو الله تعالى عنى به نفسه على معنى أنه نادى موسى وأسمعه من جهتها كما روي أنه مكتوب في التوراة جاء الله من سيناء، وأشرف من ساعين واستعلى من جبال فاران ومعنى مجيئه من سيناء بعثه موسى منه، ومن ساعين بعثة المسيح ومن جبال فاران بعثة محمد صلّى الله عليه وسلّم وفاران اسم مكة، وقيل كانت النار بعينها وهي إحدى حجب الله عز وجل كما صح في الحديث
«حجابه النار لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه» ثم نزه الله سبحانه وتعالى نفسه، وهو المنزه من كل سوء وعيب فقال تعالى وَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ثم تعرف إلى موسى بصفاته فقال: الله يا موسى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ قيل معناه أن موسى قال: من المنادي قال: إنه أنا الله وهذا تمهيد لما أراد الله أن يظهره على يده من المعجزات، والمعنى أنا القوي القادر على ما يبعد من الأوهام كقلب العصا حية وهو قوله وَأَلْقِ عَصاكَ تقديره فألقاها فصارت حية فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ أي تتحرك كَأَنَّها جَانٌّ وهي الحية الصغيرة التي يكثر اضطرابها وَلَّى مُدْبِراً يعني هرب من الخوف وَلَمْ يُعَقِّبْ يعني لم يرجع، ولم يلتفت قال الله تعالى يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ يريد إذا أمنتهم لا يخافون أما الخوف الذي هو شرط الإيمان، فلا يفارقهم قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم
«أنا أخشاكم لله».
[سورة النمل (٢٧): الآيات ١١ الى ١٦]
إِلاَّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (١١) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (١٢) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٣) وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٤) وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (١٥)
وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (١٦)
إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ قيل: هو ما يصدر من الأنبياء من ترك الأفضل والصغيرة وقيل يحتمل أن يكون المراد منه التعريض بما وجد من موسى من قتل القبطي وهو من التعريضات اللطيفة وسماه ظلما لقول موسى إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ثم إنه خاف من ذلك فتاب قال: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ قال ابن جريح: قال الله تعالى لموسى إنما أخفتك لقتلك النفس، ومعنى الآية لا يخيف الله الأنبياء إلا بذنب يصيبه أحدهم فإن أصابه أخافه حتى يتوب، فعلى هذا التأويل يكون صحيحا وتناهى الخبر عن الرسل عند قوله إلا من ظلم ثم ابتدأ الخبر عن حالة من ظلم من الناس كافة وفي الآية متروك استغنى عن ذكره لدلالة الكلام عليه تقديره: فمن ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم وقيل ليس هذا الاستثناء من المرسلين، لأنه لا يجوز عليهم الظلم بل هو استثناء من المتروك ومعناه: لا يخاف لدي المرسلون إنما الخوف عليهم من الظالمين وهذا الاستثناء المنقطع معناه لكن من ظلم من سائر الناس فإنه يخاف فإن تاب وبدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم أي أغفر له وأزيل خوفه وقيل: إلا هنا بمعنى ولا معناه ولا يخاف لدي المرسلون ولا من ظلم، ثم بدل حسنا بعد سوء يعني تاب من ظلمه فإني غفور رحيم ثم إن الله تعالى أراه آية أخرى فقال تعالى
338
وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ قيل كانت عليه مدرعة صوف لا كمّ لها، ولا أزرار فأدخل يده في جيبها وأخرجها فإذا هي تبرق مثل شعاع الشمس أو البرق مِنْ غَيْرِ سُوءٍ يعني من غير برص فِي تِسْعِ آياتٍ يعني آية مع تسع آيات أنت مرسل بهن فعلى هذا تكون الآيات إحدى عشرة العصا واليد البيضاء والفلق والطوفان والجراد، والقمل والضفادع والدم والطمس والجدب في بواديهم، والنقصان في مزارعهم، وقيل: في بمعنى من أي من تسع آيات فتكون اليد البيضاء من التسع إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ يعني خارجين عن الطاعة فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً يعني بينة واضحة يبصرونها قالُوا هذا يعني الذي نراه سِحْرٌ مُبِينٌ يعني ظاهر وَجَحَدُوا بِها يعني أنكروا الآيات، ولم يقروا أنها من عند الله وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ يعني علموا أنها من عند الله والمعنى أنهم جحدوا بها بألسنتهم واستيقنوها بقلوبهم وضمائرهم ظُلْماً وَعُلُوًّا أي شركا وتكبرا عن أن يؤمنوا بما جاء به موسى فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ يعني الغرق.
قوله تعالى وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً يعني علم القضاء والسياسة وعلم داود تسبيح الطير، والجبال وعلم سليمان منطق الطير والدواب وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا يعني بالنبوة والكتاب والملك وتسخير الجن والإنس عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ أراد بالكثير الذين فضلا عليهم من لم يؤت علما أو لم يؤت مثل علمهما، وفيه أنهما فضلا على كثير وفضل عليهما كثير وقيل إنهما لم يفضلا أنفسهما على الكل، وذلك يدل على حسن التواضع. قوله تعالى وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ يعني نبوته وعلمه، وملكه دون سائر أولاده وكان لداود تسعة عشر ابنا وأعطي سليمان ما أعطي داود وزيد له تسخير الريح، والجن والشياطين قال مقاتل: كان سليمان أعظم ملكا من داود، وأقضى منه وكان داود أشد تعبدا من سليمان وكان سليمان شاكرا لنعم الله تعالى وَقالَ يعني سليمان يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ سمى صوت الطير منطقا لحصول الفهم منه، وروي عن كعب الأحبار قال: صاح ورشان عند سليمان، فقال: أتدرون ما يقول هذا؟ قالوا: لا قال إنه يقول لدوا للموت وابنوا للخراب وصاحت فاختة فقال: أتدرون ما تقول؟ قالوا لا قال إنها تقول ليت الخلق لم يخلقوا وصاح طاوس فقال أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا قال: إنه يقول كما تدين تدان وصاح هدهد فقال: أتدرون ما يقول هذا؟ قالوا:
لا قال: إنه يقول من لا يرحم لا يرحم وصاح صرد فقال: أتدرون ما يقول هذا؟ قالوا: لا قال إنه يقول استغفروا ربكم يا مذنبين وصاحت طيطوى فقال أتدرون ما تقول؟ قالوا: لا قال: فإنها تقول كل حي ميت وكل جديد بال وصاح خطاف فقال: أتدرون ما يقول قالوا: لا قال: إنه يقول قدموا خيرا تجدوه وهدرت حمامة قال: أتدرون ما تقول قالوا: لا قال: إنها تقول سبحان ربي الأعلى ملء سمائه وأرضه وصاح قمري قال أتدرون ما يقول؟
قالوا: لا قال إنه يقول سبحان ربي الدائم قال والغراب يدعو على العشار والحدأة تقول كل شيء هالك إلا وجهه، والقطاة تقول من سكت سلم والببغاء تقول: ويل لمن كانت الدنيا همه. والضفدع يقول سبحان ربي القدوس والبازي يقول: سبحان ربي وبحمده والضفدعة تقول: سبحان المذكور بكل لسان.
وعن مكحول قال صاح دراج عند سليمان فقال: أتدرون ما يقول قالوا: لا قال إنه يقول الرحمن على العرش استوى وقال فرقد مر سليمان على بلبل فوق شجرة يحرك رأسه، ويميل ذنبه فقال: لأصحابه أتدرون ما يقول هذا البلبل؟ قالوا الله ونبيه أعلم قال إنه يقول أكلت نصف تمرة فعلى الدنيا العفاء وروي أن جماعة من اليهود قالوا لا بن عباس: إنا سائلوك عن سبعة أشياء إن أخبرتنا آمنا وصدقنا قال: سلوا تفقها لا تعنتا قالوا أخبرنا ما تقول القنبرة في صفيرها والديك في صعيقه، والضفدع في نقيقه والحمار في نهيقه، والفرس في صهيله وماذا يقول الزرزور والدراج قال نعم أما القنبر فإنه يقول: اللهم العن مبغض محمد وآل محمد والديك يقول اذكروا الله يا غافلين وأما الضفدع، فإنه يقول سبحان الله المعبود في البحار وأما الحمار فإنه يقول اللهم العن العشار وأما
339
ثم إن الله تعالى أراه آية أخرى فقال تعالى ﴿ وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء ﴾ قيل كانت عليه مدرعة صوف لا كمَّ لها، ولا أزرار فأدخل يده في جيبها وأخرجها فإذا هي تبرق مثل شعاع الشمس أو البرق ﴿ من غير سوء ﴾ يعني من غير برص ﴿ في تسع آيات ﴾ يعني آية مع تسع آيات أنت مرسل بهن فعلى هذا تكون الآيات إحدى عشرة العصا واليد البيضاء والفلق والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والطمس والجدب في بواديهم، والنقصان في مزارعهم، وقيل :" في " بمعنى " من " أي من تسع آيات فتكون اليد البيضاء من التسع ﴿ إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوماً فاسقين ﴾ يعني خارجين عن الطاعة.
﴿ فلما جاءتهم آياتنا مبصرة ﴾ يعني بينة واضحة يبصرونها ﴿ قالوا هذا ﴾ يعني الذي نراه ﴿ سحر مبين ﴾ يعني ظاهر.
﴿ وجحدوا بها ﴾ يعني أنكروا الآيات، ولم يقروا أنها من عند الله ﴿ واستيقنتها أنفسهم ﴾ يعني علموا أنها من عند الله والمعنى أنهم جحدوا بها بألسنتهم واستيقنوها بقلوبهم وضمائرهم ﴿ ظلماً وعلواً ﴾ أي شركاً وتكبراً عن أن يؤمنوا بما جاء به موسى ﴿ فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ﴾ يعني الغرق.
قوله تعالى ﴿ ولقد آتينا داود وسليمان علماً ﴾ يعني علم القضاء والسياسة، وعلم داود تسبيح الطير والجبال، وعلم سليمان منطق الطير والدواب ﴿ وقالا الحمد لله الذي فضلنا ﴾ يعني بالنبوة والكتاب والملك وتسخير الجن والإنس ﴿ على كثير من عباده المؤمنين ﴾ أراد الكثير الذي فضلا عليهم من لم يؤت علماً أو لم يؤت مثل علمهما، وفيه أنهما فضلا على كثير وفضل عليهما كثير وقيل إنهما لم يفضلا أنفسهما على الكل، وذلك يدل على حسن التواضع.
قوله تعالى ﴿ وورث سليمان داود ﴾ يعني نبوته وعلمه، وملكه دون سائر أولاده وكان لداود تسعة عشر ابناً وأعطي سليمان ما أعطي داود وزيد له تسخير الريح، والجن والشياطين قال مقاتل : كان سليمان أعظم ملكاً من داود، وأقضى منه وكان داود أشد تعبداً من سليمان كان سليمان شاكراً لنعم الله تعالى ﴿ وقال ﴾ يعني سليمان ﴿ يا أيها الناس علمنا منطق الطير ﴾ سمى صوت الطير منطقاً لحصول الفهم منه، وروي عن كعب الأحبار قال : صاح ورشان عند سليمان، فقال : أتدرون ما يقول هذا ؟ قالوا : لا قال إنه يقول لدوا للموت وابنوا للخراب وصاحت فاختة فقال : أتدرون ما تقول ؟ قالوا لا قال إنها تقول ليت الخلق لم يخلقوا وصاح طاووس فقال أتدرون ما يقول ؟ قالوا : لا قال : إنه يقول كما تدين تدان وصاح هدهد فقال : أتدرون ما يقول هذا ؟ قالوا : لا قال : إنه يقول من لا يرحم لا يرحم وصاح صرد فقال : أتدرون ما يقول هذا ؟ قالوا : لا قال إنه يقول استغفروا ربكم يا مذنبين وصاحت طيطوى فقال أتدرون ما تقول ؟ قالوا : لا قال : فإنها تقول كلي حي ميت وكل جديد بال وصاح خطاف فقال : أتدرون ما يقول قالوا : لا قال : إنه يقول قدموا خيراً تجدوه وهدرت حمامة قال : أتدرون ما تقول قالوا : لا قال : إنها تقول سبحان ربي الأعلى ملء سمائه وأرضه وصاح قمري قال أتدرون ما يقول ؟ قالوا : لا قال إنه يقول سبحان ربي الدائم قال والغراب يدعو على العشار والحدأة تقول كل شيء هالك إلا وجهه، والقطاة تقول من سكت سلم والببغاء تقول : ويل لمن كانت الدنيا همه. والضفدع يقول سبحان ربي القدوس والبازي يقول : سبحان ربي وبحمده والضفدعة تقول : سبحان المذكور بكل لسان. وعن مكحول قال صاح دراج عند سليمان فقال : أتدرون ما يقول قالوا : لا قال إنه يقول الرحمن على العرش استوى وقال فرقد مر سليمان على بلبل فوق شجرة يحرك رأسه، ويميل ذنبه فقال : لأصحابه أتدرون ما يقول هذا البلبل ؟ قالوا الله ونبيه أعلم قال إنه يقول أكلت نصف تمرة فعلى الدنيا العفاء وروي أن جماعة من اليهود قالوا لابن عباس : إنا سائلوك عن سبعة أشياء إن أخبرتنا آمنا وصدقنا قال : سلوا تفقهاً لا تعنتاً قالوا أخبرنا ما تقول القنبرة في صفيرها والديك في صعيقه، والضفدع في نقيقه والحمار في نهيقه، والفرس في صهيله وماذا يقول الزرزور والدراج قال نعم أما القنبر فإنه يقول : اللهم العن مبغض محمد وآل محمد والديك يقول اذكروا الله يا غافلين وأما الضفدع، فإنه يقول سبحان الله المعبود في البحار وأما الحمار فإنه يقول اللهم العن العشار وأما الفرس، فإنه يقول إذا التقى الجمعان سبوح قدوس رب الملائكة والروح وأما الزرزور، فإنه يقول اللهم إني أسألك قوت يوم بيوم يا رزاق وأما الدراج فإنه يقول الرحمن على العرش استوى، فأسلم هؤلاء اليهود وحسن إسلامهم وروي عن جعفر الصادق عن أبيه عن جده الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، قال : إذا صاح النسر قال : يا ابن آدم عشت ما شئت آخره الموت، وإذا صاح العقاب قال البعد من الناس أنس، وإذا صاح القنبر قال إلهي العن مبغضي محمد وآل محمد وإذا صاح الخطاف قال الحمد لله رب العالمين ويمد العالمين كما يمد القارئ. وقوله تعالى ﴿ وأوتينا من كل شيء ﴾ أي مما أوتي الأنبياء، والملوك قال ابن عباس : من أمر الدنيا والآخرة وقيل النبوة والملك وتسخير الرياح والجن والشياطين ﴿ إن هذا لهو الفضل المبين ﴾ يعني الزيادة الظاهرة على ما أعطي غيرنا وروي أن سليمان أعطي مشارق الأرض ومغاربها فملك ذلك أربعين سنة فملك جميع الدنيا من الجن والإنس والشياطين والطير، والدواب والسباع وأعطي مع هذا منطق الطير ومنطق كل شيء وفي زمنه صنعت الصنائع العجيبة.
الفرس، فإنه يقول إذا التقى الجمعان سبوح قدوس رب الملائكة والروح وأما الزرزور، فإنه يقول اللهم إني أسألك قوت يوم بيوم يا رزاق وأما الدراج فإنه يقول الرحمن على العرش استوى، فأسلم هؤلاء اليهود وحسن إسلامهم وروي عن جعفر الصادق عن أبيه عن جده الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، قال: إذا صاح النسر قال: يا ابن آدم عشت ما شئت آخره الموت، وإذا صاح العقاب قال البعد من الناس أنس، وإذا صاح القنبر قال إلهي العن مبغضي محمد وآل محمد وإذا صاح الخطاف قال الحمد لله رب العالمين ويمد العالمين كما يمد القارئ. وقوله تعالى وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أي مما أوتي الأنبياء، والملوك قال ابن عباس: من أمر الدنيا والآخرة وقيل النبوة والملك وتسخير الرياح والجن والشياطين إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ يعني الزيادة الظاهرة على ما أعطي غيرنا وروي أن سليمان أعطي مشارق الأرض ومغاربها فملك ذلك أربعين سنة فملك جميع الدنيا من الجن والإنس والشياطين والطير، والدواب والسباع وأعطي مع هذا منطق الطير ومنطق كل شيء وفي زمنه صنعت الصنائع العجيبة.
[سورة النمل (٢٧): الآيات ١٧ الى ٢٠]
وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٧) حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٨) فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (١٩) وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ (٢٠)
وَحُشِرَ أي جمع لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ من الأماكن المختلفة في مسير له فَهُمْ يُوزَعُونَ أي يحبسون حتى يرد أولهم على آخرهم، قيل: كان على جنوده وزعة من النقباء ترد أولها على آخرها لئلا يتقدموا في المسير قال محمد بن كعب القرظي كان معسكر سليمان مائة فرسخ خمسة وعشرون منها للإنس وخمسة وعشرون للجن وخمسة وعشرون للوحش، وخمسة وعشرون للطير والفرسخ اثنا عشر ألف خطوة فالبريد ثمانية وأربعون ألف خطوة لأنه أربع فراسخ فجملة ذلك خمسة وعشرون بريدا وقيل نسجت الجن له بساطا من ذهب وحرير، فرسخا في فرسخ وكان يوضع كرسيه في وسطه، فيقعد وحوله كراسي الذهب والفضة فيقعد الأنبياء على كراسي الذهب والعلماء على كراسي الفضة، والناس حوله والجن والشياطين حول الناس والوحوش حولهم وتظله الطير بأجنحتها، حتى لا تقع عليه شمس وكان له ألف بيت من قوارير على الخشب فيها ثلاثمائة منكوحة يعني حرة وسبعمائة سرية فيأمر الريح العاصف فترفعه ثم يأمر الرخاء فتسير به وأوحى الله إليه، وهو يسير بين السماء والأرض أني قد زدت في ملكك أنه لا يتكلم أحد من الخلائق بشيء إلا جاءت الريح وأخبرتك به. قوله عز وجل حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ أي أشرفوا على وادي النمل روي عن كعب الأحبار قال: كان سليمان إذا ركب حمل أهله وخدمه وحشمه، وقد اتخذ مطابخ ومخابز فيها تنانير الحديد والقدور العظام تسع كل قدر عشرة من الإبل، فيطبخ الطباخون ويخبز الخبازون وهو بين السماء والأرض واتخذ ميادين للدواب فتجري بين يديه والريح تهوي به فسار من إصطخر يريد اليمن فسلك على مدينة الرسول صلّى الله عليه وسلّم فقال سليمان: هذه دار هجرة نبي يكون في آخر الزمان طوبى لمن آمن به، وطوبى لمن اتبعه ولما وصل مكة رأى حول البيت، أصناما تعبد فجاوزه سليمان فلما جاوزه بكى البيت فأوحى الله إليه ما يبكيك قال يا رب أبكاني هذا نبي من أنبيائك ومعه قوم من أوليائك مروا علي، ولم يهبطوا ولم يصلوا عندي والأصنام تعبد حولي من دونك فأوحى الله إليه لا تبك، فإني سوف أملؤك وجوها سجدا وأنزل فيك قرآنا جديدا، وأبعث منك نبيا في آخر الزمان أحب أنبيائي إلي، وأجعل فيك عمارا من خلقي يعبدونني، وأفرض عليهم فريضة يزفون إليك زفيف النسر إلى
قوله عز وجل ﴿ حتى إذا أتوا على وادي النمل ﴾ أي أشرفوا على وادي النمل روي عن كعب الأحبار قال : كان سليمان إذا ركب حمل أهله وخدمه وحشمه، وقد اتخذ مطابخ ومخابز فيها تنانير الحديد والقدور العظام تسع كل قدر على عشرة من الإبل، فيطبخ الطباخون ويخبز الخبازون وهو بين السماء والأرض واتخذ ميادين للدواب فتجري بين يديه والريح تهوي به فسار من اصطخر يريد اليمن فسلك على مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم فقال سليمان : هذه دار هجرة نبي يكون في آخر الزمان طوبى لمن آمن به، وطوبى لمن اتبعه ولما وصل مكة رأى حول البيت، أصناماً تعبد فجاوزه سليمان فلما جاوزه بكى البيت فأوحى الله إليه ما يبكيك قال يا رب أبكاني هذا نبي من أنبيائك ومعه قوم من أوليائك مروا علي، ولم يهبطوا ولم يصلوا عندي والأصنام تعبد حولي من دونك فأوحى الله إليه لا تبك، فإني سوف أملؤك وجوهاً سجداً وأنزل فيك قرآناً جديداً، وأبعث منك نبياً في آخر الزمان أحب أنبيائي إلي، وأجعل فيك عماراً من خلقي يعبدونني، وأفرض عليهم فريضة يزفون إليك زفيف النسر إلى وكرها ويحنون إليك حنين الناقة إلى ولدها والحمامة إلى بيضها، وأطهرك من الأوثان والأصنام والشيطان ثم مضى سليمان حتى مر بوادي السدير وادٍ من الطائف فأتى على وادي النمل كذا قال كعب الأحبار. وقيل : إنه بالشأم هو واد يسكنه الجن وذلك النمل مراكبهم. وقيل : إن ذلك النمل أمثال الذباب. وقيل كالبخاتي والمشهور أنه النمل الصغير ﴿ قالت نملة ﴾ قيل : كانت عرجاء وكانت ذات جناحين وقيل اسمها طاخية وقيل جرمى ﴿ يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم ﴾ ولم يقل ادخلن لأنه جعل لهم عقولاً كالآدميين فخوطبوا خطاب الآدميين وهذا ليس بمستبعد أن يخلق الله فيها عقلاً ونطقاً فإنه قادر على ذلك ﴿ لا يحطمنكم ﴾ أي لا يكسرنكم ﴿ سليمان وجنوده وهم لا يشعرون ﴾ قال أهل التفسير. علمت النملة أن سليمان نبي ليس فيه جبروتية ولا ظلم، ومعنى الآية أنكم لو لم تدخلوا وطؤوكم، ولم يشعروا فسمع سليمان قولها من ثلاثة أميال وكان لا يتكلم أحد بشيء إلا حملته الريح حتى تلقيه إلى مسامع سليمان، فلما بلغ وادي النمل حبس جنوده حتى دخلوا بيوتهم. فإن قلت : كيف يتصور الحطم من سليمان وجنوده وهو فوق البساط على متن الريح، قلت كأنهم أرادوا النزول عند منقطع الوادي، فلذلك قالت نملة : لا يحطمنكم سليمان وجنوده لأنهم ما دامت الريح تحملهم لا يخاف حطمهم.
﴿ فتبسم ضاحكاً من قولها ﴾ قيل أكثر ضحك الأنبياء تبسم وقيل معنى ضاحكاً متبسماً، وقيل : كان أوله التبسم وآخره الضحك ( ق ) عن عائشة رضي الله عنها قالت :« ما رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم مستجمعاً قط ضاحكاً حتى أرى منه لهواته إنما كان يتبسم » عن عبد الله بن الحارث بن جزء قال « ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم » أخرجه الترمذي. فإن قلت : ما كان سبب ضحك سليمان. قلت شيئان : أحدهما ما دل من قولها على ظهور رحمته ورحمة جنوده وشفقتهم، وذلك قولها وهم لا يشعرون يعني أنهم لو شعروا ما يفعلون. الثاني سروره بما آتاه الله مما لم يؤت أحداً من إدراك سمعه، ما قالته النملة وقيل : إن الإنسان إذا رأى أو سمع ما لا عهد له به تعجب وضحك، ثم إن سليمان حمد ربه على ما أنعم به عليه ﴿ وقال رب أوزعني ﴾ أي ألهمني ﴿ أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين ﴾ أي أدخلني في جملتهم، وأثبت اسمي مع أسمائهم واحشرني في زمرتهم. قال ابن عباس : يريد مع إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ومن بعدهم من النبيين وقيل : أدخلني الجنة مع عبادك الصالحين.
قوله عز وجل ﴿ وتفقد الطير ﴾ أي طلبها وبحث عنها والمعنى أنه طلب ما فقد من الطير ﴿ فقال ما لي لا أرى الهدهد ﴾ وكان سبب تفقده الهدهد وسؤاله عنه إخلاله بالنوبة، وذلك أن سليمان كان إذا نزل منزلاً تظله وجنده الطير من الشمس، فأصابته الشمس من موضع الهدهد فنظر فرآه خالياً. وروي عن ابن عباس أنه كان دليله على الماء وكان يعرف موضع الماء ويرى الماء تحت الأرض كما يرى في الزجاجة، ويعرف قربه من بعده فينقر الأرض فتجيء الشياطين فيحفرونه ويستخرجون الماء منه قال سعيد بن جبير : لما ذكر ابن عباس هذا، قال نافع بن الأزرق بأوصاف انظر ما تقول إن الصبي منا يضع الفخ ويحثو عليه التراب، فيجيء بالهدهد، وهو لا يبصر الفخ حتى يقع في عنقه، فقال له ابن عباس ويحك إذا جاء القدر حال دون البصر وفي رواية إذا نزل القضاء والقدر ذهب اللب، وعمي البصر فنزل سليمان منزلاً واحتاج إلى الماء، فطلبوه فلم يجدوه فتفقد الهدهد ليدله على الماء فقال ما لي لا أرى الهدهد على تقدير أنه مع جنوده، وهو لا يراه ثم إنه أدركه الشك فقال ﴿ أم كان من الغائبين ﴾ أي أكان وقيل بل كان من أهل الغائبين، ثم أوعده على غيبته.
وكرها ويحنون إليك حنين الناقة إلى ولدها والحمامة إلى بيضها، وأطهرك من الأوثان والأصنام والشيطان ثم مضى سليمان حتى مر بوادي السدير واد من الطائف فأتى على وادي النمل كذا قال كعب الأحبار. وقيل: إنه بالشأم هو واد يسكنه الجن وذلك النمل مراكبهم. وقيل: إن ذلك النمل أمثال الذباب. وقيل كالبخاتي والمشهور أنه النمل الصغير قالَتْ نَمْلَةٌ قيل: كانت عرجاء وكانت ذات جناحين وقيل اسمها طاخية وقيل جرمي يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ ولم يقل ادخلن لأنه جعل لهم عقولا كالآدميين فخوطبوا خطاب الآدميين وهذا ليس بمستبعد أن يخلق الله فيها عقلا ونطقا فإنه قادر على ذلك لا يَحْطِمَنَّكُمْ أي لا يكسرنكم سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ قال أهل التفسير. علمت النملة أن سليمان نبي ليس فيه جبروتية ولا ظلم، ومعنى الآية أنكم لو لم تدخلوا وطئوكم، ولم يشعروا فسمع سليمان قولها من ثلاثة أميال وكان لا يتكلم أحد بشيء إلا حملته الريح حتى تلقيه إلى مسامع سليمان، فلما بلغ وادي النمل حبس جنوده حتى دخلوا بيوتهم. فإن قلت: كيف يتصور الحطم من سليمان وجنوده وهو فوق البساط على متن الريح، قلت كأنهم أرادوا النزول عند منقطع الوادي، فلذلك قالت نملة: لا يحطمنكم سليمان وجنوده لأنهم ما دامت الريح تحملهم لا يخاف حطمهم فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها قيل أكثر ضحك الأنبياء تبسم وقيل معنى ضاحكا متبسما، وقيل: كان أوله التبسم وآخره الضحك (ق) عن عائشة رضي الله عنها قالت:
«ما رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم مستجمعا قط ضاحكا حتى أرى منه لهواته إنما كان يتبسم» عن عبد الله بن الحارث بن جزء قال
«ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» أخرجه الترمذي. فإن قلت: ما كان سبب ضحك سليمان. قلت شيئان: أحدهما ما دل من قولها على
ظهور رحمته ورحمة جنوده وشفقتهم، وذلك قولها وهم لا يشعرون يعني أنهم لو شعروا ما يفعلون. الثاني سروره بما آتاه الله مما لم يؤت أحدا من إدراك سمعه، ما قالته النملة وقيل: إن الإنسان إذا رأى أو سمع ما لا عهد له به تعجب وضحك، ثم إن سليمان حمد ربه على ما أنعم به عليه وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أي ألهمني أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ أي أدخلني في جملتهم، وأثبت اسمي مع أسمائهم واحشرني في زمرتهم.
قال ابن عباس: يريد مع إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ومن بعدهم من النبيين وقيل: أدخلني الجنة مع عبادك الصالحين. قوله عز وجل وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ أي طلبها وبحث عنها والمعنى أنه طلب ما فقد من الطير فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ وكان سبب تفقده الهدهد وسؤاله عنه إخلاله بالنوبة، وذلك أن سليمان كان إذا نزل منزلا تظله وجنده الطير من الشمس، فأصابته الشمس من موضع الهدهد فنظر فرآه خاليا. وروي عن ابن عباس أنه كان دليله على الماء وكان يعرف موضع الماء ويرى الماء تحت الأرض كما يرى في الزجاجة، ويعرف قربه من بعده فينقر الأرض فتجيء الشياطين فيحفرونه ويستخرجون الماء منه قال سعيد بن جبير: لما ذكر ابن عباس هذا، قال نافع بن الأزرق بأوصاف، انظر ما تقول إن الصبي منا يضع الفخ ويحثو عليه التراب، فيجيء بالهدهد، وهو لا يبصر الفخ حتى يقع في عنقه، فقال له ابن عباس ويحك إذا جاء القدر حال دون البصر وفي رواية إذا نزل القضاء والقدر ذهب اللب، وعمي البصر فنزل سليمان منزلا واحتاج إلى الماء، فطلبوه فلم يجدوه فتفقد الهدهد ليدله على الماء فقال ما لي لا أرى الهدهد على تقدير أنه مع جنوده، وهو لا يراه ثم إنه أدركه الشك فقال أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ أي أكان وقيل بل كان من أهل الغائبين، ثم أوعده على غيبته فقال:
[سورة النمل (٢٧): الآيات ٢١ الى ٢٢]
لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢١) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (٢٢)
341
لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً قيل هو أن ينتف ريشه وذنبه ويلقيه في الشمس ممعطا لا يمتنع من النمل ولا من غيره وقيل لأودعنه القفص ولأحبسنه مع ضده، وقيل لأفرقنّ بينه وبين إلفه أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ أي بحجة بينة على غيبته وكان سبب غيبة الهدهد على ما ذكره العلماء أن سليمان لما فرغ من بناء بيت المقدس، عزم على الخروج إلى أرض الحرم فتجهز للمسير واستصحب جنوده من الجن والإنس، والطير والوحش فحملتهم الريح فلما وافى الحرم أقام ما شاء الله أن يقيم، وكان في كل يوم ينحر طول مقامه خمسة آلاف ناقة ويذبح خمسة آلاف ثور وعشرين ألف شاة وقال لمن يحضر من أشراف قومه إن هذا المكان يخرج منه نبي عربي صفته كذا وكذا، يعطى النصرة على جميع من ناوأه وتبلغ هيبته مسيرة شهر، القريب والبعيد عنده في الحق سواء لا تأخذه في الله لومة لائم قالوا فبأي دين يدين يا نبي الله؟ قال: بدين الحنيفية فطوبى لمن أدركه وآمن به قالوا كم بيننا وبين خروجه يا نبي الله قال مقدار ألف سنة فليبلغ الشاهد الغائب، فإنه سيد الأنبياء وخاتم الرسل قال فأقام بمكة حتى قضى نسكه ثم خرج من مكة صباحا، وسار نحو اليمن فوافى صنعاء زوالا أي وقت الزوال، وذلك مسيرة شهر فرأى أرضا حسناء تزهو خضرتها فأحب النزول بها ليصلي ويتغذى فلما نزل قال الهدهد:
اشتغل سليمان بالنزول فارتفع نحو السماء لينظر إلى الدنيا، وعرضها فبينما هو ينظر يمينا وشمالا رأى بستانا لبلقيس فنزل إليه فإذا هو بهدهد آخر وكان اسم هدهد سليمان يعفور واسم هدهد اليمن يعفير، فقال يعفير ليعفور: من أين أقبلت وأين تريد قال أقبلت من الشام مع صاحبي سليمان بن داود قال ومن سليمان بن داود؟ قال:
ملك الإنس والجن والشياطين، والطير والوحش والرياح فمن أين أنت يا يعفير قال أنا من هذه البلاد قال: ومن ملكها؟ قال: امرأة يقال لها بلقيس وإن لصاحبك ملكا عظيما، ولكن ليس ملك بلقيس دونه، فإنها تملك اليمن وتحت يدها أربعمائة ملك كل ملك على كورة مع كل ملك أربعة آلاف مقاتل، ولها ثلاثمائة وزير يديرون ملكها ولها اثنا عشر ألف قائد مع كل قائد اثنا عشر ألف مقاتل، فهل أنت منطلق معي حتى تنظر إلى ملكها قال أخاف أن يفقدني سليمان في وقت الصلاة إذا احتاج إلى الماء قال الهدهد اليماني إن صاحبك يسره أن تأتيه بخبر هذه الملكة. قال فانطلق معه ونظر إلى بلقيس وملكها، وأما سليمان فإنه نزل على غيره ماء فسأل عن الماء الإنس والجن فلم يعلموا فتفقد الهدهد فلم يره فدعا بعريف الطير، وهو النسر فسأله عن الهدهد فقال أصلح الله الملك ما أدري أين هو، وما أرسلته إلى مكان فغضب سليمان وقال لأعذبنه الآية ثم دعا العقاب وهو أشد الطير، فقال له عليّ بالهدهد هذه الساعة فرفع العقاب في الهواء حتى رأى الدنيا كالقصعة بين يدي أحدكم، ثم التفت يمينا وشمالا فرأى الهدهد مقبلا من نحو اليمن فانقض العقاب يريده، فعلم الهدهد أن العقاب يقصده بسوء فقال له بحق الله الذي قواك وأقدرك علي إلا ما رحمتني، ولم تتعرض لي بسوء فتركه العقاب وقال ويحك ثكلتك أمك إن نبي الله قد حلف أن يعذبك، أو أن يذبحك ثم طارا متوجهين نحو سليمان فلما انتهيا إلى العسكر تلقاه النسر والطير، فقالوا: ويلك أين غبت في يومك هذا فلقد توعدك نبي الله وأخبروه بما قال سليمان. فقال الهدهد: أو ما استثنى نبي الله قالوا بلى ولكنه قال أو ليأتيني بسلطان مبين. قال نجوت إذا فانطلق به العقاب: حتى أتيا سليمان وكان قاعدا على كرسيه فقال العقاب قد أتيتك به يا نبي الله فلما قرب منه الهدهد رفع رأسه وأرخى ذنبه وجناحيه يجرهما على الأرض تواضعا لسليمان، فلما دنا منه أخذ برأسه فمده إليه. وقال له: أين كنت لأعذبنك عذابا شديدا فقال يا نبي الله اذكر وقوفك بين يدي الله فلما سمع سليمان ذلك ارتعد وعفا عنه، ثم قال ما الذي أبطأك عني فقال الهدهد ما أخبر الله عنه بقوله تعالى فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ معناه أي غير طويل فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ أي عملت ما لم تعلم وبلغت ما لم تبلغ أنت ولا جنودك ألهم الله الهدهد هذا الكلام فكافح سليمان تنبيها على أن أدنى خلق الله قد أحاط علما بما لم يحط به ليكون لطفا له في ترك الإعجاب. والإحاطة بالشيء علما أن يعلمه من جميع جهاته حتى لا يخفى عليه منه معلوم وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ قيل: هو اسم للبلد وهي مأرب
342
﴿ فمكث غير بعيد ﴾ معناه أي غير طويل ﴿ فقال أحطت بما لم تحط به ﴾ أي علمت ما لم تعلم وبلغت ما لم تبلغ أنت ولا جنودك ألهم الله الهدهد هذا الكلام فكافح سليمان تنبيهاً على أن أدنى خلق الله قد أحاط علماً بما لم يحط به ليكون لطفاً له في ترك الإعجاب. والإحاطة بالشيء علماً أن يعلمه من جميع جهاته حتى لا يخفى عليه من معلوم ﴿ وجئتك من سبأ ﴾ قيل : هو اسم للبلد وهي مأرب والأصح أنه اسم رجل وهو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وقد جاء في الحديث أن النبي صلّى الله عليه وسلّم سئل عن سبأ فقال :« رجل له عشرة من البنين تيامن منهم ستة وتشاءم أربعة » ﴿ بنبأ ﴾ أي بخبر ﴿ يقين ﴾ فقال سليمان وما ذاك.
والأصح أنه أسم رجل وهو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وقد جاء في الحديث أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم سئل عن سبأ فقال: رحل له عشرة من البنين تيامن منهم ستة وتشاءم أربعة بِنَبَإٍ أي بخبر يَقِينٍ فقال سليمان وما ذاك فقال:
[سورة النمل (٢٧): الآيات ٢٣ الى ٢٨]
إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ (٢٣) وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (٢٤) أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ (٢٥) اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٢٦) قالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٧)
اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ (٢٨)
إِنِّي أي الهدهد وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ هي بلقيس بنت شراحيل من نسل يعرب بن قحطان، وكان أبوها ملكا عظيم الشأن قد ولد له أربعون ملكا هو آخرهم، وكان يملك أرض اليمن كلها وكان يقول لملوك الأطراف ليس أحد منكم كفؤا لي وأبى أن يتزوج منهم فخطب إلى الجن فزوجوه منهم امرأة يقال لها ريحانة بنت السكن. قيل في سبب وصوله إلى الجن حتى خطب منهم، أنه كان كثير الصيد فربما اصطاد الجن، وهم على صورة الظباء فيخلي عنهم فظهر له ملك الجن وشكره على ذلك واتخذه صديقا، فخطب ابنته فزوجه إياها وقيل إنه خرج متصيدا فرأى حيتين يقتتلان بيضاء وسوداء، وقد ظهرت السوداء على البيضاء، فقتل السوداء وحمل البيضاء وصب عليها الماء فأفاقت، وأطلقها فلما رجع إلى داره وجلس وحده منفردا، فإذا معه شاب جميل فخاف منه، قال: لا تخف أنا الحية البيضاء التي أحييتني والأسود الذي قتلته هو عبد لنا تمرد علينا، وقتل عدة منا وعرض عليه المال فقال: المال لا حاجة لي به. ولكن إن كان لك بنت فزوجنيها فزوجه ابنته، فولدت له بلقيس وجاء في الحديث «إن أحد أبوي بلقيس كان جنيا: فلما مات أبو بلقيس طمعت في الملك وطلبت قومها أن يبايعوها فأطاعها قوم وأبى آخرون، وملكوا عليهم رجلا آخر يقال: إنه ابن أخي الملك وكان خبيثا سيء السيرة في أهل مملكته، حتى كان يمد يده إلى حريم رعيته، ويفجر بهن فأراد قومه خلعه فلم يقدروا عليه فلما رأت بلقيس ذلك، أدركتها الغيرة فأرسلت إليه فعرضت نفسها عليه فأجابها الملك وقال: ما منعني أن أبتدئك بالخطبة إلا اليأس منك فقالت لا أرغب عنك لأنك كفؤ كريم، فاجمع رجال أهلي واخطبني منهم، وخطبها فقالوا لا نراها تفعل فقال: بلى إنها قد رغبت فيّ فذكروا ذلك لها فقالت: نعم فزوجوها منه فلما زفت إليه خرجت في ملأ كثير من خدمها وحشمها، فلما دخلت به سقته الخمر حتى سكر ثم قتلته وحزت رأسه وانصرفت إلى منزلها من الليل، فلما أصبحت أرسلت إلى وزرائه وأحضرتهم وقرعتهم وقالت أما كان فيكم من يأنف لكريمته أو كرائم عشيرته، ثم أرتهم إياه قتيلا وقالت اختاروا رجلا تملكونه عليكم فقالوا لا نرضى غيرك فملكوها وعلموا أن ذلك النكاح كان مكرا وخديعة منها (خ) عن أبي بكرة قال لما بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى قال «لن يفلح قوم ملكوا عليهم امرأة». قوله تعالى وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يعني ما تحتاج إليه الملوك من المال والعدة وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ أي سرير ضخم عال. فإن قلت: كيف استعظم الهدهد عرشها على ما رأى من عظمة ملك سليمان. قلت: يحتمل أنه استعظم ذلك بالنسبة إليها، ويحتمل أنه لم يكن لسليمان مع عظم ملكه مثله وكان عرش بلقيس من الذهب مكللا بالدر، والياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر، وقوائمه من الياقوت والزمرد، وعليه سبعة أبيات على كل بيت باب مغلق قال ابن عباس: كان عرش
قوله عز وجل إخباراً عن الهدهد ﴿ وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله ﴾ وذلك أنهم كانوا يعبدون الشمس، وهم مجوس ﴿ وزين لهم الشيطان أعمالهم ﴾ المزين هو الله لأنه الفعال لما يريد، وإنما ذكر الشيطان لأنه سبب الإغواء ﴿ فصدهم عن السبيل ﴾ أي عن طريق الحق الذي هو دين الإسلام ﴿ فهم لا يهتدون ﴾ أي إلى الصواب.
﴿ ألا يسجدوا ﴾ قرئ بالتخفيف ومعناه ألا يا أيها الناس اسجدوا وهو أمر من الله مستأنف، وقرئ بالتشديد ومعناه وزين لهم الشيطان أعمالهم لئلا يسجدوا ﴿ لله الذي يخرج الخبء ﴾ يعني الخفي المخبأ ﴿ في السموات والأرض ﴾ قيل خبء السموات المطر وخبء الأرض النبات ﴿ ويعلم ما تخفون وما تعلنون ﴾ والمقصود من هذا الكلام الرد على من يعبد الشمس وغيرها، من دون ا لله لأنه لا يستحق العبادة إلا من هو قادر على من في السموات والأرض، عالم بجميع المعلومات.
﴿ الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم ﴾ أي هو المستحق للعبادة والسجود لا غيره.
فصل :
وهذه السجدة من عزائم السجود، يستحب للقارئ والمستمع أن يسجد عند قراءتها. فإن قلت : قد وصف عرش بلقيس بالعظم وعشر الله بالعظم، فما الفرق بينهما. قلت وصف عرش بلقيس بالعظم بالنسبة إليها وإلى أمثالها من ملوك الدنيا وأما عرش الله تعالى فهو بالنسبة إلى جميع المخلوقات من السموات والأرض، فحصل الفرق بينهما.
فلما فرغ الهدهد من كلامه ﴿ قال ﴾ سليمان ﴿ سننظر أصدقت ﴾ أي فيما أخبرت ﴿ أم كنت من الكاذبين ﴾ ثم إن الهدهد دلهم على الماء فاحتفروا الركايا وروى الناس والدواب، ثم إن سليمان كتب كتاباً : من عبد الله سليمان بن داود إلى بلقيس ملكة سبأ « بسم الله الرحمن الرحيم السلام على من اتبع الهدى، أما بعد أن لا تعلوا علي وأتوني مسلمين قيل لم يزد على ما نص الله في كتابه، وكذلك الأنبياء كانوا يكتبون جملاً، لا يطيلون ولا يكثرون، فلما كتب سليمان الكتاب طبعه بالمسك وختمه بخاتمه.
وقال للهدهد ﴿ اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ﴾ إنما قال : إليهم بلفظ الجمع لأنه جعله جواباً لقول الهدهد وجدتها وقومها يسجدون للشمس فقال : فألقه إلى الذين هذا دينهم ﴿ ثم تول عنهم ﴾ أي تنح عنهم فقف قريباً منهم ﴿ فانظر ماذا يرجعون ﴾ أي يردون من الجواب وقيل : تقدير الآية فألقه إليهم فانظر ماذا يرجعون ثم تول عنه، أي انصرف إلي فأخذ الهدهد الكتاب وأتى به بلقيس وكانت بأرض مأرب من اليمن على ثلاث مراحل من صنعاء، فوجدها نائمة مستلقية على قفاها وقد غلقت الأبواب، ووضعت المفاتيح تحت رأسها وكذلك كانت تفعل إذا رقدت فأتى الهدهد وألقى الكتاب على نحرها وقيل : حمل الهدهد الكتاب بمنقاره حتى وقف على المرأة وحولها القادة والوزراء والجنود، فرفرف ساعة والناس ينظرون فرفعت بلقيس رأسها فألقى الكتاب على حجرها وقال وهب بن منبه : كانت لها كوة مستقبلة الشمس تقع فيها حين تطلع فإذا نظرت إليها سجدت لها فجاء الهدهد، وسد الكوة بجناحيه فارتفعت الشمس، ولم تعلم فلما استبطأت الشمس قامت تنظر، فرمى بالصحيفة إليها فأخذت بلقيس الكتاب، وكانت قارئة فلما رأت الخاتم ارتعدت، وخضعت لأن ملك سليمان كان في خاتمه وعرفت أن الذي أرسل الكتاب أعظم ملكاً منها فقرأت الكتاب وتأخر الهدهد غير بعيد وجاءت هي حتى قعدت على سرير ملكها، وجمعت الملأ من قومها وهم الأشراف وقال ابن عباس كان مع بلقيس مائة قيل مع كل قيل مائة ألف والقيل ملك دون الملك الأعظم وقيل كان أهل مشورتها ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، كل رجل منهم على عشرة آلاف فلما جاؤوا وأخذوا مجالسهم.
بلقيس ثلاثين ذراعا، في ثلاثين ذراعا وطوله في السماء ثلاثون ذراعا. وقيل كان طوله ثمانين في ثمانين وعلوه ثمانون وقيل: كان طوله ثمانين وعرضه أربعين وارتفاعه ثلاثون ذراعا. قوله عز وجل إخبارا عن الهدهد وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وذلك أنهم كانوا يعبدون الشمس، وهم مجوس وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ المزين هو الله لأنه الفعال لما يريد، وإنما ذكر الشيطان لأنه سبب الإغواء فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ أي عن طريق الحق الذي هو دين الإسلام فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ أي إلى الصواب أَلَّا يَسْجُدُوا قرئ بالتخفيف ومعناه ألا يا أيها الناس اسجدوا وهو أمر من الله مستأنف، وقرئ بالتشديد ومعناه وزين لهم الشيطان أعمالهم لئلا يسجدوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ يعني الخفي المخبأ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قيل خبء السموات المطر وخبء الأرض النبات وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ والمقصود من هذا الكلام الرد على من يعبد الشمس وغيرها، من دون الله لأنه لا يستحق العبادة إلا من هو قادر على من في السموات والأرض، عالم بجميع المعلومات اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أي هو المستحق للعبادة والسجود لا غيره.
فصل
وهذه السجدة من عزائم السجود، يستحب للقارئ والمستمع أن يسجد عند قراءتها. فإن قلت: قد وصف عرش بلقيس بالعظم وعرش الله بالعظم، فما الفرق بينهما. قلت وصف عرش بلقيس بالعظم بالنسبة إليها وإلى أمثالها من ملوك الدنيا وأما عرش الله تعالى فهو بالنسبة إلى جميع المخلوقات من السموات والأرض، فحصل الفرق بينهما فلما فرغ الهدهد من كلامه قالَ سليمان سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أي فيما أخبرت أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ ثم إن الهدهد دلهم على الماء فاحتفروا الركايا وروى الناس والدواب، ثم إن سليمان كتب كتابا: من عبد الله سليمان بن داود إلى بلقيس ملكة سبأ «بسم الله الرحمن الرحيم السلام على من اتبع الهدى، أما بعد أن لا تعلوا علي وأتوني مسلمين قيل لم يزد على ما نص الله في كتابه، وكذلك الأنبياء كانوا يكتبون جملا، لا يطيلون ولا يكثرون فلما كتب سليمان الكتاب طبعه بالمسك وختمه بخاتمه، وقال للهدهد اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ إنما قال: إليهم بلفظ الجمع لأنه جعله جوابا لقول الهدهد وجدتها وقومها يسجدون للشمس فقال: فألقه إلى الذين هذا دينهم ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ أي تنح عنهم فقف قريبا منهم فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ أي يردون من الجواب وقيل: تقدير الآية فألقه إليهم فانظر ماذا يرجعون ثم تول عنه، أي انصرف إلي فأخذ الهدهد الكتاب وأتى به إلى بلقيس وكانت بأرض مأرب من اليمن على ثلاث مراحل من صنعاء، فوجدها نائمة مستلقية على قفاها وقد غلقت الأبواب، ووضعت المفاتيح تحت رأسها وكذلك كانت تفعل إذا رقدت فأتى الهدهد وألقى الكتاب على نحرها وقيل: حمل الهدهد الكتاب بمنقاره حتى وقف على المرأة وحولها القادة والوزراء والجنود، فرفرف ساعة والناس ينظرون فرفعت بلقيس رأسها فألقى الكتاب في حجرها وقال وهب بن منبه: كانت لها كوة مستقبلة الشمس تقع فيها حين تطلع فإذا نظرت إليها سجدت لها فجاء الهدهد، وسد الكوة بجناحيه فارتفعت الشمس، ولم تعلم فلما استبطأت الشمس قامت تنظر، فرمى بالصحيفة إليها فأخذت بلقيس الكتاب، وكانت قارئة فلما رأت الخاتم ارتعدت، وخضعت لأن ملك سليمان كان في خاتمه وعرفت أن الذي أرسل الكتاب أعظم ملكا منها فقرأت الكتاب وتأخر الهدهد غير بعيد وجاءت هي حتى قعدت على سرير ملكها، وجمعت الملأ من قومها وهم الأشراف وقال ابن عباس كان مع بلقيس مائة قيل مع كل قيل مائة ألف والقيل ملك دون الملك الأعظم وقيل كان أهل مشورتها ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، كل رجل منهم على عشرة آلاف فلما جاءوا وأخذوا مجالسهم.
[سورة النمل (٢٧): الآيات ٢٩ الى ٣٥]
قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (٢٩) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣٠) أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣١) قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ (٣٢) قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ماذا تَأْمُرِينَ (٣٣)
قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ (٣٤) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (٣٥)
344
قالَتْ لهم بلقيس يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ قيل سمته كريما لأنه كان مختوما، روى ابن عباس عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال
«كرامة الكتاب ختمه» وقال ابن عباس: كريم أي شريف لشرف صاحبه، ثم بينت ممن الكتاب فقالت إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ قرأت المكتوب فيه فقالت وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فإن قلت لم قدم إنه من سليمان على بسم الله. قلت: ليس هو كذلك بل ابتدأ سليمان ببسم الله الرحمن الرحيم وإنما ذكرت بلقيس، أن هذا الكتاب من سليمان ثم ذكرت ما في الكتاب فقالت: وإنه بسم الله الرحمن الرحيم أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ قال ابن عباس: لا تتكبروا علي. والمعنى لا تمتنعوا من الإجابة فإن ترك الإجابة، من العلو والتكبر وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ أي طائعين مؤمنين وقيل من الاستسلام وهو الانقياد قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي أي أشيروا علي فيما عرض لي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً أي قاضية وفاصلة حَتَّى تَشْهَدُونِ أي تحضرون قالُوا يعني الملأ مجيبين لها نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ أي في الجسم على القتال وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ أي عند الحرب وقيل أرادوا بالقوة كثرة العدد والبأس والشجاعة وهذا تعريض منهم بالقتال أي إن أمرتهم بذلك ثم قالوا وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ أيتها الملكة أي في القتال وتركه فَانْظُرِي ماذا تَأْمُرِينَ أي تجدين مطيعين لأمرك قالَتْ بلقيس مجيبة لهم عن التعريض للقتال وما يؤول إليه أمره إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أي عنوة أَفْسَدُوها أي خربوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً أي أهانوا أشرافها وكبراءها كي يستقيم لهم الأمر تحذرهم بذلك مسير سليمان إليهم ودخوله بلادهم ثم تناهى الخبر عنها هنا، وصدق الله قولها فقال تعالى وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ أي كما قالت هي يفعلون وقيل هو من قولها وهو للتأكيد لما قالت ثم قالت وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ يعني إلى سليمان وقومه أصانعه بها على ملكي، وأختبره بها أملك هو أم نبي فإن كان ملكا قبل الهدية ورجع، وإن كان نبيا لم يقبل الهدية، ولم يرضه منا إلا أن نتبعه في دينه وهو قولها فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ وذلك أن بلقيس كانت امرأة لبيبة عاقلة قد ساست الأمور، وجربتها فأهدت وصفاء ووصائف.
قال ابن عباس: مائة وصيف ومائه وصيفة قال وهب وغيره عمدت بلقيس إلى خمسمائة غلام وخمسمائة جارية، فألبست الجواري لبس الغلمان الأقبية والمناطق، وألبست الغلمان لبس الجواري وجعلت في أيديهم أساور الذهب، وفي أعناقهم أطواق الذهب وفي آذانهم أقرطة، وشنوفا مرصعات بأنواع الجواهر وحملت الجواري على خمسمائة رمكة، والغلمان على خمسمائة برذون على كل فرس سرج من الذهب مرصع بالجواهر، وأغشية الديباج وبعثت إليه لبنات من الذهب ولبنات من الفضة وتاجا مكللا بالدر والياقوت، وأرسلت بالمسك والعنبر والعود اليلنجوج وعمدت إلى حق جعلت فيه درة بقيمة ثمينة غير مثقوبة، وخرزة جزع معوجة الثقب ودعت رجلا من أشراف قومها يقال له: المنذر بن عمرو وضمت إليه رجالا من قومها أصحاب عقل ورأي وكتبت مع المنذر كتابا تذكر فيه الهدية، وقالت: إن كنت نبيا ميز بين الوصفاء والوصائف، وأخبرنا بما في الحق قبل أن تفتحه واثقب الدرة ثقبا مستويا وأدخل في الخرزة خيطا من غير علاج إنس ولا جن، وأمرت بلقيس الغلمان فقالت: إذا كلمكم سليمان فكلموه بكلام تأنيث وتخنيث يشبه كلام النساء، وأمرت الجواري أن يكلمنه بكلام فيه غلظة يشبه كلام الرجال، ثم قالت للرسول انظر إذا دخلت، فإن نظر إليك نظرا فيه غضب فاعلم أنه ملك فلا يهولنك أمره ومنظره فأنا أعز منه وإن رأيت الرجل بشاشا لطيفا فافهم أنه نبي فتفهم قوله ورد الجواب
345
ثم بينت ممن الكتاب فقالت ﴿ إنه من سليمان ﴾ قرأت المكتوب فيه فقالت ﴿ وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ﴾ فإن قلت لم قدم إنه من سليمان على بسم الله. قلت : ليس هو كذلك بل ابتدأ سليمان ببسم الله الرحمن الرحيم وإنما ذكرت بلقيس، أن هذا الكتاب من سليمان ثم ذكرت ما في الكتاب فقالت : وإنه بسم الله الرحمن الرحيم.
﴿ ألا تعلوا علي ﴾ قال ابن عباس : لا تتكبروا علي. والمعنى لا تمتنعوا من الإجابة فإن ترك الإجابة، من العلو والتكبر ﴿ وأتوني مسلمين ﴾ أي طائعين مؤمنين وقيل من الاستسلام وهو الانقياد.
﴿ قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ﴾ أي أشيروا علي فيما عرض علي ﴿ ما كنت قاطعة أمراً ﴾ أي قاضية وفاصلة ﴿ حتى تشهدون ﴾ أي تحضرون.
﴿ قالوا ﴾ يعني الملأ مجيبين لها ﴿ نحن أولو قوة ﴾ أي في الجسم على القتال ﴿ وأولو بأس شديد ﴾ أي عند الحرب وقيل أرادوا بالقوة كثرة العدد والبأس والشجاعة وهذا تعريض منهم بالقتال أي إن أمرتهم بذلك قالوا ﴿ والأمر إليك ﴾ أيتها الملكة أي في القتال وتركه ﴿ فانظري ماذا تأمرين ﴾ أي تجدين مطيعين لأمرك.
﴿ قالت ﴾ بلقيس مجيبة لهم عن التعريض للقتال وما يؤول إليه أمره ﴿ إن الملوك إذا دخلوا قرية ﴾ أي عنوة ﴿ أفسدوها ﴾ أي خربوها ﴿ وجعلوا أعزة أهلها أذلة ﴾ أي أهانوا أشرافها وكبراءها كي يستقيم لهم الأمر تحذرهم بذلك مسير سليمان إليهم ودخوله بلادهم ثم تناهى الخبر عنها هنا، وصدق الله قولها فقال تعالى ﴿ وكذلك يفعلون ﴾ أي كما قالت هي يفعلون وقيل هو من قولها وهو للتأكيد لما قالت.
ثم قالت ﴿ وإني مرسلة إليهم بهدية ﴾ يعني إلى سليمان وقومه أصانعه بها على ملكي، وأختبره بها أملك هو أم نبي فإن كان ملكاً قبل الهدية ورجع، وإن كان نبياً لم يقبل الهدية، ولم يرضه منا إلا أن نتبعه في دينه وهو قولها ﴿ فناظرة بم يرجع المرسلون ﴾ وذلك أن بلقيس كانت امرأة لبيبة عاقلة قد ساست الأمور، وجربتها فأهدت وصفاء ووصائف.
قال ابن عباس : مائة وصيف ومائة وصيفة قال وهب وغيره عمدت بلقيس إلى خمسمائة غلام وخمسمائة جارية، فألبست الجواري لبس الغلمان الأقبية والمناطق، وألبست الغلمان لبس الجواري وجعلت في أيديهم أساور الذهب، وفي أعناقهم أطواق الذهب وفي آذانهم أقرطة، وشنوفاً مرصعات بأنواع الجواهر وحملت الجواري على خمسمائة رمكة، والغلمان على خمسمائة برذون على كل فرس سرج من الذهب مرصع بالجواهر، وأغشية الديباج وبعثت إليه لبنات من الذهب ولبنات من الفضة وتاجاً مكللاً بالدر والياقوت، وأرسلت بالمسك والعنبر والعود اليلنجوج وعمدت إلى حق جعلت فيه درة بقيمة ثمينة غير مثقوبة، وخرزة جزع معوجة الثقب ودعت رجلاً من أشراف قومها يقال له : المنذر بن عمرو وضمت إليه رجالاً من قومها أصحاب عقل ورأي وكتبت مع المنذر كتاباً تذكر فيه الهدية، وقالت : إن كنت نبياً ميز بن الوصفاء والوصائف، وأخبرنا بما في الحق قبل أن تفتحه واثقب الدرة ثقباً مستوياً وأدخل في الخرزة خيطاً من غير علاج إنس ولا جن، وأمرت بلقيس الغلمان فقالت : إذا كلمكم سليمان فكلموه بكلام تأنيث وتخنيث يشبه كلام النساء، وأمرت الجواري أن يكلمنه بكلام فيه غلظة يشبه كلام الرجال، ثم قالت للرسول انظر إذا دخلت، فإن نظر إليك نظراً فيه غضب فاعلم أنه ملك فلا يهولنك أمره ومنظره فأنا أعز منه وإن رأيت الرجل بشاشاً لطيفاً فافهم أنه نبي فتفهم قوله ورد الجواب فانطلق الرسول بالهدايا، وأقبل الهدهد مسرعاً إلى سليمان، فأخبره فأمر سليمان الجن أن يضربوا لبناً من الذهب والفضة، ففعلوا وأمرهم بعمل ميدان مقدار تسعة فراسخ وأن يفرشوا لبن الذهب والفضة، وأن يخلوا مقدار تلك اللبنات التي معهم وأن يعملوا حائطاً شرفه من الذهب والفضة، ففعلوا ثم قال أي دواب البر والبحر أحسن فقالوا يا نبي الله ما رأينا أحسن من دابة من دواب البحر يقال لها كذا وكذا مختلفة ألوانها لها أجنحة وأعراف ونواص، قال : علي بها الساعة فأتوا بها قال شدوها بين يمين الميدان وشماله ثم قال للجن علي بأولادكم، فاجتمع منهم خلق كثير فأقامهم على يمين الميدان، وعلى شماله وأمر الإنس والجن والشياطين، والوحوش والطير والسباع فاصطفوا فراسخ عن يمينه وشماله، فلما دنا القوم إلى الميدان ونظروا إلى ملك سليمان رأوا أول الأمر الدواب، التي لا يرى مثلها تروث في لبنات الذهب والفضة، فلما رأوا ذلك تقاصرت أنفسهم وخبؤوا ما معهم من الهدايا وقيل إن سليمان فرش الميدان بلبنات الذهب والفضة، وترك على طريقهم موضعاً على قدر ما معهم من اللبن في ذلك الموضع فلما رأى الرسل موضع اللبنات خالياً خافوا أن يتهموا بذلك، فوضعوا ما معهم من اللبن في ذلك الموضع فلما رأوا الشياطين هالهم ما رأوا وفزعوا فقالت لهم الشياطين جوزوا لا بأس عليكم، فكانوا يمرون على كردايس الإنس والجن والوحش والطير حتى وقفوا بين يدي سليمان، فأقبل عليهم بوجه طلق وتلقاهم تلقياً حسناً، وسألهم عن حالهم فأخبره رئيس القوم بما جاؤوا فيه وأعطوه كتاب الملكة فنظر فيه، وقال أين الحق ؟ فأتى به فحركه فجاءه جبريل فأخبره بما فيه، فقال لهم : أن فيه درة ثمينة غير مثقوبة وخرزة معوجة الثقب قال الرسول : صدقت فاثقب الدرة وأدخل الخيط في الجزعة فقال سليمان : من لي بثقبها وسأل الإنس والجن، فلم يكن عندهم علم ثم سأل الشياطين فقالوا : نرسل إلى الأرضة فلما جاءت الأرضة أخذت شعرة في فيها ودخلت فيها حتى خرجت من الجانب الآخر فقال سليمان ما حاجتك قالت : تصير رزقي في الشجر. فقال : لك ذلك ثم قال من لي بهذه الخرزة فقالت دودة بيضاء أنا لها يا نبي الله فأخذت الدودة الخيط في فيها ودخلت الثقب حتى خرجت من الجانب الآخر. فقال لها سليمان : ما حاجتك فقالت يكون رزقي في الفواكه قال : لك ذلك ثم ميز بن الغلمان والجواري، بأن أمرهم أن يغسلوا وجوههم وأيديهم فجعلت الجارية تأخذ الماء بيدها، تضرب بها الأخرى وتغسل وجهها والغلام يأخذ الماء بيديه ويغسل به وجهه، وكانت الجارية تصب الماء على باطن ساعدها والغلام على ظاهره فميز بين الغلمان والجواري.
فانطلق الرسول بالهدايا، وأقبل الهدهد مسرعا إلى سليمان، فأخبره فأمر سليمان الجن أن يضربوا لبنا من الذهب والفضة، ففعلوا وأمرهم بعمل ميدان مقدار تسعة فراسخ وأن يفرشوا لبن الذهب والفضة، وأن يخلوا مقدار تلك اللبنات التي معهم وأن يعملوا حائطا شرفه من الذهب والفضة، ففعلوا ثم قال أي دواب البر والبحر أحسن فقالوا يا نبي الله ما رأينا أحسن من دابة من دواب البحر يقال لها كذا وكذا مختلفة ألوانها لها أجنحة وأعراف ونواص، قال: علي بها الساعة فأتوا بها قال شدوها بين يمين الميدان وشماله ثم قال للجن علي بأولادكم، فاجتمع منهم خلق كثير فأقامهم على يمين الميدان، وعلى شماله وأمر الإنس والجن والشياطين، والوحوش والطير والسباع فاصطفوا فراسخ عن يمينه وشماله، فلما دنا القوم إلى الميدان ونظروا إلى ملك سليمان رأوا أول الأمر الدواب، التي لا يرى مثلها تروث في لبنات الذهب والفضة، فلما رأوا ذلك تقاصرت أنفسهم وخبؤوا ما معهم من الهدايا وقيل إن سليمان فرش الميدان بلبنات الذهب والفضة، وترك على طريقهم موضعا على قدر ما معهم من اللبن في ذلك الموضع فلما رأى الرسل موضع اللبنات خاليا خافوا أن يتهموا بذلك، فوضعوا ما معهم من اللبن في ذلك الموضع، ولما رأوا الشياطين هالهم ما رأوا وفزعوا فقالت لهم الشياطين جوزوا لا بأس عليكم، فكانوا يمرون على كردايس الإنس والجن والوحش والطير حتى وقفوا بين يدي سليمان، فأقبل عليهم بوجه طلق وتلقاهم تلقيا حسنا، وسألهم عن حالهم فأخبره رئيس القوم بما جاءوا فيه وأعطوه كتاب الملكة فنظر فيه، وقال أين الحق؟
فأتى به فحركه فجاءه جبريل فأخبره بما فيه، فقال لهم: أن فيه درة ثمينة غير مثقوبة وخرزة معوجة الثقب قال الرسول: صدقت فاثقب الدرة وأدخل الخيط في الجزعة فقال سليمان: من لي بثقبها وسأل الإنس والجن، فلم يكن عندهم علم ثم سأل الشياطين فقالوا: نرسل إلى الأرضة فلما جاءت الأرضة أخذت شعرة في فيها ودخلت فيها حتى خرجت من الجانب الآخر فقال سليمان ما حاجتك قالت: تصير رزقي في الشجر. فقال: لك ذلك ثم قال من لي بهذه الخرزة فقالت دودة بيضاء أنا لها يا نبي الله فأخذت الدودة الخيط في فيها ودخلت الثقب حتى خرجت من الجانب الآخر. فقال لها سليمان: ما حاجتك فقالت يكون رزقي في الفواكه قال: لك ذلك ثم ميز بين الغلمان والجواري، بأن أمرهم أن يغسلوا وجوههم وأيديهم فجعلت الجارية تأخذ الماء بيدها، تضرب بها الأخرى وتغسل وجهها والغلام يأخذ الماء بيديه ويغسل به وجهه، وكانت الجارية تصب الماء على باطن ساعدها والغلام على ظاهره فميز بين الغلمان والجواري، ثم رد سليمان الهدية كما أخبر الله تعالى فقال تعالى:
[سورة النمل (٢٧): الآيات ٣٦ الى ٣٩]
فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (٣٦) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ (٣٧) قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣٨) قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (٣٩)
فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللَّهُ أي ما أعطاني من الدين والنبوة والحكمة والملك خَيْرٌ أي أفضل مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ معناه أنتم أهل مفاخرة ومكاثرة بالدنيا تفرحون بإهداء بعضكم إلى بعض، وأما أنا فلا أفرح بالدنيا وليست الدنيا من حاجتي لأن الله قد أعطاني منها ما لم يعط أحدا ومع ذلك أكرمني بالدين والنبوة، ثم قال للمنذر بن عمرو أمير الوفد ارْجِعْ إِلَيْهِمْ أي بالهدية فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ أي لا طاقة لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أي من أرض سبأ أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ أي إن لم يأتوني مسلمين قال وهب وغيره من أهل الكتاب: لما رجعت رسل بلقيس إليها أي من عند سليمان، وبلغوها ما قال سليمان قالت والله لقد عرفت ما هذا بملك وما لنا به من طاقة. فبعثت إلى سليمان إني قادمة عليك بملوك قومي حتى أنظر ما أمرك، وما الذي تدعو إليه من دينك، ثم أمرت بعرشها فجعلته في آخر سبعة أبيات بعضها داخل
قال للمنذر بن عمرو أمير الوفد ﴿ ارجع إليهم ﴾ أي بالهدية ﴿ فلنأتينهم بجنود لا قبل ﴾ أي لا طاقة ﴿ لهم بها ولنخرجنهم منها ﴾ أي من أرض سبأ ﴿ أذلة وهم صاغرون ﴾ أي إن لم يأتوني مسلمين قال وهب وغيره من أهل الكتاب : لما رجعت رسل بلقيس إليها أي من عند سليمان، وبلغوها ما قال سليمان قالت والله لقد عرفت ما هذا بملك وما لنا به من طاقة. فبعثت إلى سليمان إني قادمة عليك بملوك قومي حتى أنظر ما أمرك، وما الذي تدعو إليه من دينك، ثم أمرت بعرشها فجعلته في آخر سبعة أبيات بعضها داخل بعض ثم أغلقت عليه سبعة أبواب، ووكلت به حراساً يحفظونه ثم قالت لمن خلفت على ملكها احتفظ بما قبلك وسرير ملكي لا يخلص إليه أحد، ثم أمرت منادياً ينادي في أهل مملكتها تؤذنهم بالرحيل، وشخصت إلى سليمان في اثني عشر ألف قيل من ملوك اليمن كل قيل تحت يده ألوف كثيرة، قال ابن عباس : وكان سليمان رجلاً مهيباً لا يبتدأ بشيء حتى يكون هو الذي يسأل عنه. فخرج يوماً فجلس على سريره فرأى رهجاً قريباً منه قال ما هذا ؟ قالوا : بلقيس قد نزلت منا بهذا المكان وكان على مسيرة فرسخ من سليمان.
فأقبل سليمان على جنوده ﴿ قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين ﴾ قال ابن عباس يعني طائعين وقيل مؤمنين. قيل : غرض سليمان في إحضار عرشها ليريها قدرة الله تعالى وإظهار معجزة دالة على نبوته، وقيل أراد أن ينكره ويغيره قبل مجيئها ليختبر بذلك عقلها وقيل : إن سليمان علم أنها إن أسلمت يحرم عليه مالها فأراد أن يأخذ سريرها قبل أن يحرم عليه أخذه لأنه أعجبه وصفه، لما وصفه له الهدهد وقيل أراد أن يعرف قدر ملكها لأن السرير على قدر المملكة.
﴿ قال عفريت من الجن ﴾ وهو المارد القوي، وقال ابن عباس العفريت الداهية قال وهب : اسمه كوذي. وقيل : ذكوان. وقيل : هو صخر المارد وكان مثل الجبل يضع قدمه عند منتهى طرفه ﴿ أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك ﴾ أي مجلس قضائك قال ابن عباس : وكان له في الغداة مجلس يقضي فيه إلى متسع النهار وقيل نصفه ﴿ وإني عليه ﴾ أي على حمله ﴿ لقوي أمين ﴾ أي على ما فيه من الجواهر وغيرها قال سليمان : أريد أسرع من ذلك.
بعض ثم أغلقت عليه سبعة أبواب، ووكلت به حراسا يحفظونه ثم قالت لمن خلفت على ملكها احتفظ بما قبلك وسرير ملكي لا يخلص إليه أحد، ثم أمرت مناديا ينادي في أهل مملكتها تؤذنهم بالرحيل، وشخصت إلى سليمان في اثني عشر ألف قيل من ملوك اليمن كل قيل تحت يده ألوف كثيرة، قال ابن عباس: وكان سليمان رجلا مهيبا لا يبتدأ بشيء حتى يكون هو الذي يسأل عنه. فخرج يوما فجلس على سريره فرأى رهجا قريبا منه قال ما هذا؟ قالوا: بلقيس قد نزلت منا بهذا المكان وكان على مسيرة فرسخ من سليمان فأقبل سليمان على جنوده قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ قال ابن عباس يعني طائعين وقيل مؤمنين. قيل:
غرض سليمان في إحضار عرشها ليريها قدرة الله تعالى وإظهار معجزة دالة على نبوته، وقيل أراد أن ينكره ويغيره قبل مجيئها ليختبر بذلك عقلها وقيل: إن سليمان علم أنها إن أسلمت يحرم عليه مالها فأراد أن يأخذ سريرها قبل أن يحرم عليه أخذه لأنه أعجبه وصفه، لما وصفه له الهدهد وقيل أراد أن يعرف قدر ملكها لأن السرير على قدر المملكة قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ وهو المارد القوي، وقال ابن عباس العفريت الداهية قال وهب: اسمه كوذي.
وقيل: ذكوان. وقيل: هو صخر المارد وكان مثل الجبل يضع قدمه عند منتهى طرفه أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ أي مجلس قضائك قال ابن عباس: وكان له في الغداة مجلس يقضي فيه إلى متسع النهار وقيل نصفه وَإِنِّي عَلَيْهِ أي على حمله لَقَوِيٌّ أَمِينٌ أي على ما فيه من الجواهر وغيرها قال سليمان: أريد أسرع من ذلك.
[سورة النمل (٢٧): الآيات ٤٠ الى ٤٤]
قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (٤٠) قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ (٤١) فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (٤٢) وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ (٤٣) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٤)
قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ قيل هو جبريل. وقيل: هو ملك أيد الله به سليمان وقيل هو آصف بن برخيا وكان صديقا يعلم اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى وقيل هو سليمان نفسه لأنه أعلم بني إسرائيل بالكتاب وكان الله قد آتاه علما وفهما، فعلى هذا يكون المخاطب العفريت الذي كلمه فأراد سليمان إظهار معجزة، فتحداهم أولا ثم بين للعفريت أنه يتأتى له من سرعة الإتيان بالعرش ما لا يتأتى للعفريت قيل: كان الدعاء الذي دعا به: يا ذا الجلال والإكرام وقيل: يا حي يا قيوم. وروي ذلك عن عائشة وروي عن الزهري قال دعاء الذي عنده علم من الكتاب: يا إلهنا وإله كل شيء إلها واحدا لا إله إلا أنت، ائتني بعرشها، وقال ابن عباس: إن آصف قال لسليمان حين صلى مد عينيك حتى ينتهي طرفك فمد سليمان عينيه ونظر نحو اليمن ودعا آصف، فبعث الله الملائكة فحملوا السرير يجرون به تحت الأرض، حتى نبع من بين يدي سليمان وقيل: خر سليمان ساجدا ودعا باسم الله الأعظم فغاب العرش تحت الأرض حتى ظهر عند كرسي سليمان فقال:
ما قال أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ قال سليمان: هات قال أنت النبي ابن النبي وليس أحد عند الله أوجه منك فإن دعوت الله كان عندك: قال صدقت ففعل ذلك فجيء بالعرش في الوقت فَلَمَّا رَآهُ يعني رأى سليمان العرش مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ أي محولا إليه من مأرب إلى الشام في قدر ارتداد الطرف قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي يعني لتمكن من حصول المراد أَأَشْكُرُ أي نعمته علي أَمْ أَكْفُرُ فلا أشكرها وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما
347
يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ
أي يعود نفع شكره إليه وهو أن يستوجب به تمام النعمة، ودوامها لأن الشكر قيد النعمة الموجودة وصيد النعمة المفقودة وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ أي عن شكره لا يضره ذلك الكفران كَرِيمٌ يعني بالإفضال عليه لا يقطع نعمة عنه بسبب إعراضه عن الشكر وكفران النعمة قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها يعني غيروا سريرها إلى حال تنكره إذا رأته قيل: هو أن يزاد فيه أو ينقص منه وقيل: إنما يجعل أسفله أعلاه ويجعل مكان الجوهر الأحمر أخضر ومكان الأخضر أحمر نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي إلى معرفة عرشها أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ إلى معرفته، وإنما حمل سليمان على ذلك ما قال وهب ومحمد بن كعب، وغيرهما أن الشياطين خافت أن يتزوجها سليمان فتفشي إليه أسرار الجن، لأن أمها كانت جنية وإذا ولدت ولدا لا ينفكون من تسخير سليمان وذريته من بعده فأساءوا الثناء عليها ليزهدوه فيها، وقالوا: إن في عقلها شيئا وإن رجلها كحافر الحمار، وإنها شعراء الساقين فأراد سليمان، أن يختبر عقلها بتنكير عرشها وينظر إلى قدميها ببناء الصرح فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ لها أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ قيل: إنها عرفته ولكن شبهت عليهم كما شبهوا عليها، وقيل: إنها كانت حكيمة لم تقل نعم خوفا من الكذب ولا قالت: لا خوفا من التكذيب أيضا فقالت: كأنه هو فعرف سليمان كمال عقلها بحيث لم تقر ولم تنكر اشتبه عليها أمر العرش، لأنها تركته في بيت عليه سبعة أبواب مغلقة والمفاتيح معها قيل فإنه عرشك فما أغنى عنك إغلاق الأبواب ثم قالت وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها يعني من قبل الآية في العرش وَكُنَّا مُسْلِمِينَ يعني منقادين مطيعين خاضعين لأمر سليمان وقيل: قوله تعالى وأوتينا العلم أي بالله وبصحة نبوة سليمان بالآيات المتقدمة من أمر الهدهد والرسل من قبلها أي من قبل الآية في العرش، وكنا مسلمين أو معناه وأوتينا العلم بالله، وبقدرته على ما يشاء من قبل هذه المرأة وكنا مسلمين ويكون الغرض من هذا شكر نعمة الله عليه أن خصه بمزيد العلم، والتقدم في الإسلام وقيل معناه وأوتينا العلم بإسلامها ومجيئها طائعة من قبل مجيئها طائعة وكنا مسلمين لله.
قوله تعالى وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ يعني منعتها عبادة الشمس عن التوحيد وعبادة الله وقيل معناه صدها سليمان، عما كانت تعبد من دون الله وحال بينها وبينه إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ أخبر الله أنها كانت من قوم يعبدون الشمس، فنشأت بينهم ولم تعرف إلا عبادة الشمس يلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ
وذلك أن سليمان لما اختبر عقلها بتنكير العرش وأراد أن ينظر إلى قدميها وساقيها من غير أن يسألها كشفهما لما أخبرته الجن أن رجليها كحافر حمار، وهي شعراء الساقين أمر الشياطين، فعملوا لها قصرا من الزجاج الأبيض كالماء وقيل: الصرح صحن الدار وأجرى تحته الماء، وألقى فيه السمك والضفادع وغيرهما من دواب البحر ثم وضع سريره في صدر المجلس وجلس عليه وقيل إنما عمل الصرح ليختبر به فهمها كما فعلت في الوصفاء والوصائف.
فلما جلس على السرير دعا بلقيس، ولما جاءت قيل لها ادخلي الصرح لَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً
أي ماء عظيما كَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها
لتخوض الماء إلى سليمان، فإذا هي أحسن النساء ساقا وقدما إلا أنها كانت شعراء الساقين فلما نظر سليمان ذلك صرف بصره عنهاالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ
أي مملس نْ قَوارِيرَ
زجاج وليس بماء فحينئذ سترت ساقيها وعجبت من ذلك وعلمت أن ملك سليمان من الله تعالى واستدلت بذلك على التوحيد والنبوةالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي
بعبادة غيرك أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ
أي أخلصت له التوحيد والعبادة، وقيل: إنها لما بلغت الصرح وظنته لجة قالت: في نفسها إن سليمان يريد أن يغرقني وكان القتل أهون من هذا فلما تبين لها خلاف ذلك قالت: رب إني ظلمت نفسي بذلك الظن. واختلفوا في أمر بلقيس بعد إسلامها، فقيل انتهى أمرها إلى قولها أسلمت لله رب العالمين ولا عمل لأحد وراء ذلك، لأنه لم يذكر في الكتاب ولا في خبر صحيح وقال بعضهم: تزوجها سليمان وكره ما رأى من كثرة شعر ساقيها، فسأل الإنس عما يذهب ذلك فقالوا الموسى. فقالت المرأة إني لم يمسني حديد قط فكره سليمان الموسى وقال: إنها تقطع ساقيها
348
﴿ قال نكروا لها عرشها ﴾ يعني غيروا سريرها إلى حال تنكره إذا رأته قيل : هو أن يزاد فيه أو ينقص منه وقيل : إنما يجعل أسفله أعلاه ويجعل مكان الجواهر الأحمر أخضر ومكان الأخضر أحمر ﴿ ننظر أتهتدي ﴾ إلى معرفة عرشها ﴿ أم تكون من الذين لا يهتدون ﴾ إلى معرفته، وإنما حمل سليمان على ذلك ما قال وهب ومحمد بن كعب، وغيرهما أن الشياطين خافت أن يتزوجها سليمان فتفشي إليه أسرار الجن، لأن أمها كانت جنية وإذا ولدت ولداً لا ينفكون من تسخير سليمان وذريته من بعده فأساءوا الثناء عليها ليزهدوه فيها، وقالوا : إن في عقلها شيئاً وأن رجلها كحافر الحمار، وإنها شعراء الساقين فأراد سليمان، أن يختبر عقلها بتنكير عرشها وينظر إلى قدميها ببناء الصرح.
﴿ فلما جاءت قيل ﴾ لها ﴿ أهكذا عرشك قالت كأنه هو ﴾ قيل : إنها عرفته ولكن شبهت عليهم كما شبهوا عليها، وقيل : إنها كانت حكيمة لم تقل نعم خوفاً من الكذب ولا قالت : لا خوفاً من التكذيب أيضاً فقالت : كأنه هو فعرف سليمان كمال عقلها بحيث لم تقر ولم تنكر اشتبه عليها أمر العرش، لأنها تركته في بيت عليه سبعة أبواب مغلقة والمفاتيح معها قيل فإنه عرشك فما أغنى عنك إغلاق الأبواب ثم قالت ﴿ وأوتينا العلم من قبلها ﴾ يعني من قبل الآية في العرش ﴿ وكنا مسلمين ﴾ يعني منقادين مطيعين خاضعين لأمر سليمان وقيل : قوله تعالى وأوتينا العلم أي بالله وبصحة نبوة سليمان بالآيات المتقدمة من أمر الهدهد والرسل من قبلها أي من قبل الآية في العرش، وكنا مسلمين أو معناه وأوتينا العلم بالله، وبقدرته على ما يشاء من قبل هذه المرأة وكنا مسلمين ويكون الغرض من هذا شكر نعمة الله عليه أن خصه بمزيد العلم، والتقدم في الإسلام وقيل معناه وأوتينا العلم بإسلامها ومجيئها طائعة من قبل مجيئها طائعة وكنا مسلمين لله.
قوله تعالى ﴿ وصدها ما كانت تعبد من دون الله ﴾ يعني منعتها عبادة الشمس عن التوحيد وعبادة الله وقيل معناه صدها سليمان، عما كانت تعبد من دون الله وحال بينها وبينه ﴿ إنها كانت من قوم كافرين ﴾ أخبر الله أنها كانت من قوم يعبدون الشمس، فنشأت بينهم ولم تعرف إلا عبادة الشمس.
﴿ قيل لها ادخلي الصرح ﴾ وذلك أن سليمان لما اختبر عقلها بتنكير العرش وأراد أن ينظر إلى قدميها وساقيها من غير أن يسألها كشفهما لما أخبرته الجن أن رجليها كحافر حمار، وهي شعراء الساقين أمر الشياطين، فعملوا لها قصراً من الزجاج الأبيض كالماء وقيل : الصرح صحن الدار وأجرى تحته الماء، وألقى فيه السمك والضفادع وغيرهما من دواب البحر ثم وضع سريره في صدر المجلس وجلس عليه وقيل إنما عمل الصرح ليختبر به فهمها كما فعلت في الوصفاء والوصائف. فلما جلس على السرير دعا بلقيس، ولما جاءت قيل لها ادخلي الصرح ﴿ فلما رأته حسبته لجة ﴾ أي ماء عظيماً ﴿ وكشفت عن ساقيها ﴾ لتخوض الماء إلى سليمان، فإذا هي أحسن النساء ساقاً وقدماً إلا أنها كانت شعراء الساقين فلما نظر سليمان ذلك صرف بصره عنها ﴿ قال إنه صرح ممرد ﴾ أي مملس ﴿ من قوارير ﴾ زجاج وليس بماء فحينئذٍ سترت ساقيها وعجبت من ذلك وعلمت أن ملك سليمان من الله تعالى واستدلت بذلك على التوحيد والنبوة ﴿ قالت ربي إني ظلمت نفسي ﴾ بعبادة غيرك ﴿ وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين ﴾ أي أخلصت له التوحيد والعبادة، وقيل : إنها لما بلغت الصرح وظنته لجة قالت : في نفسها إن سليمان يريد أن يغرقني وكان القتل أهون من هذا فلما تبين لها خلاف ذلك قالت : رب إني ظلمت نفسي بذلك الظن. واختلفوا في أمر بلقيس بعد إسلامها، فقيل انتهى أمرها إلى قولها أسلمت لله رب العالمين ولا عمل لأحد وراء ذلك، لأنه لم يذكر في الكتاب ولا في خبر صحيح وقال بعضهم : تزوجها سليمان وكره ما رأى من كثرة شعر ساقيها، فسأل الإنس عما يذهب ذلك فقالوا الموسى. فقالت المرأة إني لم يمسني حديد قط فكره سليمان الموسى وقال : إنها تقطع ساقيها فسأل الجن فقالوا لا ندري فسأل الشياطين. فقالوا : نحتال لك حتى تكون كالفضة البيضاء فاتخذوا النورة، والحمام فكانت النورة والحمامات من يومئذٍ. فلما تزوجها سليمان أحبها حباً شديداً، وأقرها على ملكها وأمر الجن فابتنوا لها بأرض اليمن ثلاثة حصون لم ير الناس مثلها ارتفاعاً وحسناً، وهي سلحين وبيسنون وغمدان ثم كان سليمان يزورها في كل شهر مرة، ويقيم عندها ثلاثة أيام يبكر من الشام إلى اليمن ومن اليمن إلى الشام وولدت له ولداً ذكراً. وقال وهب : زعموا أن بلقيس لما أسلمت قال لها سليمان اختاري رجلاً من قومك حتى أزوجك إياه، فقالت : ومثلي يا نبي الله ينكح الرجال وقد كان لي من قومي الملك والسلطان، قال : نعم إنه لا يكون في الإسلام إلا ذلك ولا ينبغي لك أن تحرمي ما أحل الله قالت : فإن كان ولا بد فزوجني ذا تبع ملك همدان فزوجها إياه وذهب بها إلى اليمن، وملك زوجها ذا تبع على اليمن، ودعا زوبعة ملك الجن وقال له اعمل لذي تبع ما استعملك فيه فلم يزل يعمل له ما أراد إلى أن مات سليمان وحال الحول، وعلم الجن موت سليمان، فأقبل رجل منهم حتى بلغ جوف اليمن وقال بأعلى صوته : يا معشر الجن إن الملك سليمان قد مات فارفعوا أيديكم فرفعوا أيديهم وتفرقوا وانقضى ملك سليمان وملك ذي تبع وملك بلقيس، وبقي الملك لله الواحد القهار قيل إن سليمان ملك وهو ابن ثلاث عشرة سنة ومات وهو ابن ثلاث وخمسين سنة.
فسأل الجن فقالوا لا ندري فسأل الشياطين. فقالوا: نحتال لك حتى تكون كالفضة البيضاء فاتخذوا النورة، والحمام فكانت النورة والحمامات من يومئذ. فلما تزوجها سليمان أحبها حبا شديدا، وأقرها على ملكها وأمر الجن فابتنوا لها بأرض اليمن ثلاثة حصون لم ير الناس مثلها ارتفاعا وحسنا، وهي سلحين وبيسنون وغمدان ثم كان سليمان يزورها في كل شهر مرة، ويقيم عندها ثلاثة أيام يبكر من الشام إلى اليمن ومن اليمن إلى الشام وولدت له ولدا ذكرا. وقال وهب: زعموا أن بلقيس لما أسلمت قال لها سليمان اختاري رجلا من قومك حتى أزوجك إياه، فقالت: ومثلي يا نبي الله ينكح الرجال وقد كان لي من قومي الملك والسلطان، قال: نعم إنه لا يكون في الإسلام إلا ذلك ولا ينبغي لك أن تحرمي ما أحل الله قالت: فإن كان ولا بد فزوجني ذا تبع ملك همدان فزوجها إياه وذهب بها إلى اليمن، وملك زوجها ذا تبع على اليمن، ودعا زوبعة ملك الجن وقال له اعمل لذي تبع ما استعملك فيه فلم يزل يعمل له ما أراد إلى أن مات سليمان وحال الحول، وعلم الجن موت سليمان، فأقبل رجل منهم حتى بلغ جوف اليمن وقال بأعلى صوته: يا معشر الجن إن الملك سليمان قد مات فارفعوا أيديكم فرفعوا أيديهم وتفرقوا وانقضى ملك سلمان وملك ذي تبع وملك بلقيس، وبقي الملك لله الواحد القهار قيل إن سليمان ملك وهو ابن ثلاث عشرة سنة ومات وهو ابن ثلاث وخمسين سنة. قوله عز وجل:
[سورة النمل (٢٧): الآيات ٤٥ الى ٤٩]
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (٤٥) قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٦) قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (٤٧) وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (٤٨) قالُوا تَقاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٤٩)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ أي وحدوه لا تشركوا به شيئا فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ أي مؤمن وكافر يَخْتَصِمُونَ أي في الدين كل فريق يقول الحق معنا قالَ يعني صالحا للفريق المكذب يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ أي بالبلاء والعقوبة قَبْلَ الْحَسَنَةِ أي العافية والرحمة لَوْلا أي هلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ أي بالتوبة إليه من الكفر لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أي لا تعذبون في الدنيا قالُوا اطَّيَّرْنا أي تشاءمنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قيل: إنما قالوا ذلك لتفرق كلمتهم وقيل: لإمساك القطر عنهم قالوا إنما أصابنا هذا الضر والشدة من شؤمك وشؤم أصحابك قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أي ما يصيبكم من الخير والشر بأمر الله مكتوب عليكم، سمي طائرا لأنه لا شيء أسرع من نزول القضاء المحتوم وقال ابن عباس الشؤم الذي أتاكم من عند الله بكفركم وقيل طائركم أي عملكم، عند الله، سمي طائرا لسرعة صعوده إلى السماء بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ قال ابن عباس تختبرون بالخير والشر وقيل معناه تعذبون. قوله تعالى وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ يعني مدينة ثمود وهي الحجر تِسْعَةُ رَهْطٍ يعني من أبناء أشرافهم يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أي بالمعاصي وَلا يُصْلِحُونَ أي لا يطيعون وهم غواة قوم صالح الذين اتفقوا على عقر الناقة ورأسهم قدار بن سالف قالُوا تَقاسَمُوا بِاللَّهِ يعني يقول بعضهم لبعض احلفوا بالله أيها القوم لَنُبَيِّتَنَّهُ أي لنقتلنه ليلا وَأَهْلَهُ يعني قومه الذين آمنوا معه ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ أي لولي دمه ما شَهِدْنا يعني ما حضرنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ أي ما ندري من قتله ولا هلاك أهله وَإِنَّا لَصادِقُونَ يعني في قولنا ما شهدنا ذلك.
[سورة النمل (٢٧): الآيات ٥٠ الى ٦٣]
وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٥٠) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (٥١) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥٢) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٥٣) وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (٥٤)
أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (٥٥) فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٥٦) فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ (٥٧) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (٥٨) قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (٥٩)
أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (٦٠) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٦١) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٦٢) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٣)
349
وَمَكَرُوا مَكْراً أي غدروا غدرا حين قصدوا تبيت صالح وأهله وَمَكَرْنا مَكْراً يعني جازيناهم على مكرهم بتعجيل العذاب وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ يعني أهلكناهم أي التسعة قال ابن عباس: أرسل الله الملائكة تلك الليلة إلى دار صالح يحرسونه فأتت التسعة دار صالح شاهرين سلاحهم، فرمتهم الملائكة بالحجارة وهم يرون الحجارة ولا يرون الملائكة فقتلتهم وأهلك الله جميع القوم بالصيحة وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ، فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا أي بظلمهم وكفرهم إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً أي لعبرة لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ أي قدرتنا وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا، وَكانُوا يَتَّقُونَ يقال إن الناجين كانوا أربعة آلاف. قوله تعالى وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ أي الفعلة القبيحة وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ أي تعلمون أنها فاحشة وهو من بصر القلب وقيل: معناه يبصر بعضكم بعضا وكانوا لا يستترون عتوا منهم أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ فإن قلت إذا فسر تبصرون بالعلم وقد قال: بعده
«قوم تجهلون» فيكون العلم جهلا. قلت: معناه تفعلون فعل الجاهلين وتعلمون أنه فاحشة. وقيل: تجهلون العاقبة وقيل أراد بالجهل السفاهة التي كانوا عليها فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ يعني من أدبار الرجال فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ أي قضينا عليها بأن جعلناها من الباقين في العذاب وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً أي الحجارة فَساءَ أي فبئس مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ قوله عز وجل قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى هذا خطاب لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يحمد الله على هلاك كفار الأمم الخالية، وقيل: يحمده على جميع نعمه وسلام على عباده الذين اصطفى يعني الأنبياء والمرسلين وقال ابن عباس: هم أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم وقيل:
هم كل المؤمنين من السابقين واللاحقين آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ فيه تبكيت للمشركين وإلزام الحجة عليهم بعد هلاك الكفار. والمعنى آلله خير لمن عبده أم الأصنام لمن عبدها فإن الله خير لمن عبده وآمن به لإغنائه عنه من الهلاك والأصنام، لم تغن شيئا عن عابديها عند نزول العذاب، ولهذا السبب ذكر أنواعا تدل على وحدانيته وكمال قدرته.
فالنوع الأول قوله تعالى: أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ذكر أعظم الأشياء المشاهدة الدالة على عظيم
350
﴿ قال ﴾ يعني صالحاً للفريق المكذب ﴿ يا قوم لم تستعجلون بالسيئة ﴾ أي بالبلاء والعقوبة ﴿ قبل الحسنة ﴾ أي العافية الرحمة ﴿ لولا ﴾ أي هلا ﴿ تستغفرون الله ﴾ أي بالتوبة إليه من الكفر ﴿ لعلكم ترحمون ﴾ أي لا تعذبون في الدنيا.
﴿ قالوا اطيرنا ﴾ أي تشاءمنا ﴿ بك وبمن معك ﴾ قيل : إنما قالوا ذلك لتفرق كلمتهم وقيل : لإمساك القطر عنهم قالوا إما أصابنا هذا الضر والشدة من شؤمك وشؤم أصحابك ﴿ قال طائركم عند الله ﴾ أي ما يصيبكم من الخير والشر بأمر الله مكتوب عليكم، سمي طائراً لأنه لا شيء أسرع من نزول القضاء المحتوم وقال ابن عباس الشؤم الذي أتاكم من عند الله بكفركم وقيل طائركم أي عملكم، عند الله، سمي طائراً لسرعة صعوده إلى السماء ﴿ بل أنتم قوم تفتنون ﴾ قال ابن عباس تختبرون بالخير والشر وقيل معناه تعذبون.
قوله تعالى ﴿ وكان في المدينة ﴾ يعني مدينة ثمود وهي الحجر ﴿ تسعة رهط ﴾ يعني من أبناء أشرافهم ﴿ يفسدون في الأرض ﴾ أي بالمعاصي ﴿ ولا يصلحون ﴾ أي لا يطيعون وهم غواة قوم صالح الذي اتفقوا على عقر الناقة ورأسهم قدار بن سالف.
﴿ قالوا تقاسموا بالله ﴾ يعني يقول بعضهم لبعض احلفوا بالله أيها القوم ﴿ لنبيتنه ﴾ أي لنقتلنه ليلاً ﴿ وأهله ﴾ يعني قومه الذين آمنوا معه ﴿ ثم لنقولن لوليه ﴾ أي لولي دمه ﴿ ما شهدنا ﴾ يعني ما حضرنا ﴿ مهلك أهله ﴾ أي ما ندري من قتله ولا هلاك أهله ﴿ وإنا لصادقون ﴾ يعني في قولنا ما شهدنا ذلك.
﴿ ومكروا مكراً ﴾ أي غدروا غدراً حين قصدوا تبيت صالح وأهله ﴿ ومكرنا مكراً ﴾ يعني جازيناهم على مكرهم بتعجيل العذاب ﴿ وهم لا يشعرون ﴾.
﴿ فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم ﴾ يعني أهلكناهم أي التسعة قال ابن عباس : أرسل الله الملائكة تلك الليلة إلى دار صالح يحرسونه فأتت التسعة دار صالح شاهرين سلاحهم، فرمتهم الملائكة بالحجارة وهم يرون الحجارة ولا يرون الملائكة فقتلتهم وأهلك الله جميع القوم بالصيحة ﴿ وقومهم أجمعين ﴾.
﴿ فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ﴾ أي بظلمهم وكفرهم ﴿ إن في ذلك لآية ﴾ أي لعبرة ﴿ لقوم يعلمون ﴾ أي قدرتنا.
﴿ وأنجينا الذين آمنوا، وكانوا يتقون ﴾ يقال إن الناجين كانوا أربعة آلاف.
قوله تعالى ﴿ ولوطاً إذ قال لقومه : أتأتون الفاحشة ﴾ أي الفعلة القبيحة ﴿ وأنتم تبصرون ﴾ أي تعلمون أنها فاحشة هو من بصر القلب وقيل : معناه يبصر بعضكم بعضاً وكانوا لا يستترون عتواً منهم.
﴿ أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون ﴾ فإن قلت إذا فسر تبصرون بالعلم وقد قال : بعده ﴿ قوم تجهلون ﴾ فيكون العلم جهلاً. قلت : معناه تفعلون فعل الجاهلين وتعلمون أنه فاحشة. وقيل : تجهلون العاقبة وقيل أراد بالجهل السفاهة التي كانوا عليها.
﴿ فلما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون ﴾ يعني من أدبار الرجال.
﴿ فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين ﴾ أي قضينا عليها بأن جعلناها من الباقين في العذاب.
﴿ وأمطرنا عليهم مطراً ﴾ أي الحجارة ﴿ فساء ﴾ أي فبئس ﴿ مطر المنذرين ﴾.
قوله عز وجل ﴿ قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ﴾ هذا خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحمد الله على هلاك كفار الأمم الخالية، وقيل : يحمده على جميع نعمه وسلام على عباده الذين اصطفى يعني الأنبياء والمرسلين وقال ابن عباس : هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وقيل : هم كل المؤمنين من السابقين واللاحقين ﴿ الله خير أما يشركون ﴾ فيه تبكيت للمشركين وإلزام الحجة عليهم بعد هلاك الكفار. والمعنى آلله خير لمن عبده أم الأصنام لمن عبدها فإن الله خير لمن عبده وآمن به لإغنائه عنه من الهلاك والأصنام، لم تغن شيئاً عن عابديها عند نزول العذاب، ولهذا السبب ذكر أنواعاً تدل على وحدانيته وكمال قدرته.
فالنوع الأول قوله تعالى :﴿ أمن خلق السموات والأرض ﴾ ذكر أعظم الأشياء المشاهدة الدالة على عظيم قدرته. والمعنى الأصنام خير أم الذي خلق السموات والأرض ثم ذكر نعمه فقال ﴿ وأنزل لكم من السماء ماء ﴾ يعني المطر ﴿ فأنبتنا به حدائق ﴾ أي بساتين جمع حديقة، وهو البستان المحيط عليه فإن لم يكن عليه حائط فليس بحديقة ﴿ ذات بهجة ﴾ أي ذات منظر حسن والبهجة الحسن يبتهج به من يراه ﴿ ما كان لكم أن تنبتوا شجرها ﴾ يعني ما ينبغي لكم، لأنكم لا تقدرون على ذلك لأن الإنسان قد يقول : أنا المنبت للشجرة بأن أغرسها وأسقيها الماء فأزال هذه الشبهة بقوله ﴿ ما كان لكم أن تنبتوا شجرها ﴾ لأن إنبات الحدائق المختلفة الأصناف، والطعوم والروائح المختلفة والزروع تسقى بماء واحد، لا يقدر عليه إلا الله تعالى ؛ ولا يتأتى لأحد وإن تأتى ذلك لغيره محال ﴿ أإله مع الله ﴾ يعني هل معه معبود أعانه على صنعه ﴿ بل ﴾ يعني ليس معه إله ولا شريك ﴿ هم قوم ﴾ يعني كفار مكة ﴿ يعدلون ﴾ يشركون وقيل يعدلون عن هذا الحق الظاهر إلى الباطل.
النوع الثاني قوله عز وجل ﴿ أمن جعل الأرض قراراً ﴾ أي دحاها وسواها للاستقرار عليها، وقيل لا تميد بأهلها ﴿ وجعل خلالها أنهاراً ﴾ أي وسطها بأنهار تطرد بالمياه ﴿ وجعل لها رواسي ﴾ أي جبالاً ثوابت ﴿ وجعل بين البحرين ﴾ يعني العذب والملح ﴿ حاجزاً ﴾ أي مانعاً لا يختلط أحدهما بالآخر ﴿ أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون ﴾ أي توحيد ربهم وقدرته وسلطانه.
النوع الثالث قوله تعالى ﴿ أمن يجيب المضطر ﴾ أي المكروب المجهود، وقيل : المضرور بالحاجة المحوجة من مرض أو نازلة من نوازل الدهر يعني إذا نزلت بأحد بادر إلى الالتجاء والتضرع إلى الله تعالى وقيل : هو المذنب إذا استغفر ﴿ إذا دعاه ﴾ يعني فيكشف ضره ﴿ ويكشف السوء ﴾ أي الضر لأنه لا يقدر على تغيير حال من فقر إلى غنى، ومن مرض إلى صحة ومن ضيق إلى سعة إلا القادر، الذي لا يعجز والقاهر الذي لا يغلب ولا ينازع ﴿ ويجعلكم خلفاء الأرض ﴾ أي سكانها، وذلك أنه ورثهم سكانها والتصرف فيها قرناً بعد قرن وقيل يجعل أولادكم خلفاء لكم وقيل : جعلكم خلفاء الجن في الأرض ﴿ أإله مع الله قليلاً ما تذكرون ﴾ أي تتعظون.
النوع الرابع قوله عز وجل ﴿ أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ﴾ أي يهديكم بالنجوم والعلامات إذا جن عليكم الليل مسافرين في البر والبحر ﴿ ومن يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته ﴾ أي قدام المطر ﴿ أإله مع الله تعالى عما يشركون ﴾.
قدرته. والمعنى الأصنام خير أم الذي خلق السموات والأرض ثم ذكر نعمه فقال وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً يعني المطر فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ أي بساتين جمع حديقة، وهو البستان المحيط عليه فإن لم يكن عليه حائط فليس بحديقة ذاتَ بَهْجَةٍ أي ذات منظر حسن والبهجة الحسن يبتهج به من يراه ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها يعني ما ينبغي لكم، لأنكم لا تقدرون على ذلك لأن الإنسان قد يقول: أنا المنبت للشجرة بأن أغرسها وأسقيها الماء فأزال هذه الشبهة بقوله ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها لأن إنبات الحدائق المختلفة الأصناف، والطعوم والروائح المختلفة والزروع تسقى بماء واحد، لا يقدر عليه إلا الله تعالى ولا يتأتى لأحد وإن تأتى ذلك لغيره محال أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ يعني هل معه معبود أعانه على صنعه بَلْ يعني ليس معه إله ولا شريك هُمْ قَوْمٌ يعني كفار مكة يَعْدِلُونَ يشركون وقيل يعدلون عن هذا الحق الظاهر إلى الباطل. النوع الثاني قوله عز وجل أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً أي دحاها وسواها للاستقرار عليها، وقيل لا تميد بأهلها وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً أي وسطها بأنهار تطرد بالمياه وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ أي جبالا ثوابت وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ يعني العذب والملح حاجِزاً أي مانعا لا يختلط أحدهما بالآخر أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ أي توحيد ربهم وقدرته وسلطانه. النوع الثالث قوله تعالى أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ أي المكروب المجهود، وقيل: المضرور بالحاجة المحوجة من مرض أو نازلة من نوازل الدهر يعني إذا نزلت بأحد بادر إلى الالتجاء والتضرع إلى الله تعالى وقيل: هو المذنب إذا استغفر إِذا دَعاهُ يعني فيكشف ضره وَيَكْشِفُ السُّوءَ أي الضر لأنه لا يقدر على تغيير حال من فقر إلى غنى، ومن مرض إلى صحة ومن ضيق إلى سعة إلا القادر، الذي لا يعجز والقاهر الذي لا يغلب ولا ينازع وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أي سكانها، وذلك أنه ورثهم سكانها والتصرف فيها قرنا بعد قرن وقيل يجعل أولادكم خلفاء لكم وقيل: جعلكم خلفاء الجن في الأرض أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ أي تتعظون. النوع الرابع قوله عز وجل أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ أي يهديكم بالنجوم والعلامات إذا جن عليكم الليل مسافرين في البر والبحر وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أي قدام المطر أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ النوع الخامس قوله تعالى:
[سورة النمل (٢٧): الآيات ٦٤ الى ٧٨]
أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٦٤) قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٦٥) بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ (٦٦) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ (٦٧) لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٦٨)
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٦٩) وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (٧٠) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٧١) قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (٧٢) وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (٧٣)
وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (٧٤) وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٧٥) إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٧٦) وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٧٧) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٧٨)
أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ أي نطفا في الأرحام ثُمَّ يُعِيدُهُ بعد الموت وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أي من السماء بالمطر ومن الأرض بالنبات أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ أي حجتكم على قولكم إن مع الله إلها
قوله تعالى ﴿ قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله ﴾ نزلت في المشركين حين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت الساعة. والمعنى أن الله هو الذي يعلم الغيب وحده ويعلم متى تقوم الساعة ﴿ ما يشعرون أيان يبعثون ﴾ يعني أن من في السموات وهم الملائكة ومن في الأرض وهم بنو آدم لا يعلمون متى يبعثون والله تعالى تفرد بعلم ذلك.
﴿ بل ادارك علمهم ﴾ أي بلغ ولحق علمهم ﴿ في الآخرة ﴾ هو ما جهلوه في الدنيا وسقط عنهم علمه. وقيل بل علموا في الآخرة حين عاينوها ما شكوا فيه وعلموا عنه في الدنيا وهو قوله تعالى ﴿ بل هم في شك منها ﴾ أي هم اليوم في شك من الساعة ﴿ بل هم منها عمون ﴾ جمع عم وهو أعمى القلب وقيل معنى الآية أن الله أخبر عنهم إذا بعثوا يوم القيامة يستوي علمهم في الآخرة، وما وعدوا فيها من الثواب والعقاب وإن كانت علومهم مختلفة في الدنيا.
قوله تعالى ﴿ وقال الذين كفروا ﴾ أي مشركو مكة ﴿ أ إذا كنا تراباً وآباؤنا أإنا لمخرجون ﴾ أي من قبورنا أحياء.
﴿ لقد وعدنا هذا ﴾ أي هذا البعث ﴿ نحن وآباؤنا من قبل ﴾ أي من قبل محمد صلى الله عليه سلم وليس ذلك بشيء ﴿ إن هذا ﴾ أي ما هذا ﴿ إلا أساطير الأولين ﴾ أي أحاديثهم وأكاذيبهم التي كتبوها.
﴿ ولا تحزن عليهم ﴾ أي بتكذيبهم إياك وإعراضهم عنك. ﴿ ولا تكن في ضيق مما يمكرون ﴾ نزلت في المستهزئين الذي اقتسموا عقاب مكة.
﴿ قل عسى أن يكون ردف ﴾ أي دنا وقرب ﴿ لكم ﴾ وقيل معناه ردفكم ﴿ بعض الذي تستعجلون ﴾ أي من العذاب فحل بهم ذلك يوم بدر.
قوله عز وجل ﴿ وإن ربك لذو فضل على الناس ﴾ يعني على أهل مكة حيث لم يعجل لهم بالعذاب﴿ ولكن أكثرهم لا يشكرون ﴾.
﴿ وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم ﴾ أي تخفي ﴿ وما يعلنون ﴾ أي من عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
﴿ وما من غائبة ﴾ أي من جملة غائبة من مكتوم سر وخفي أمر وشيء غائب ﴿ في السماء والأرض إلا في كتاب مبين ﴾ يعني في اللوح المحفوظ.
﴿ إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل ﴾ أي يبين لهم ﴿ أكثر الذين هم فيه يختلفون ﴾ أي من أمر الدين، وذلك أن أهل الكتاب اختلفوا فيما بينهم فصاروا أحزاباً يطعن بعضهم على بعض فنزل القرآن ببيان ما اختلفوا فيه.
﴿ وإنه ﴾ يعني القرآن ﴿ لهدى ورحمة للمؤمنين ﴾.
﴿ إن ربك يقضي بينهم ﴾ أي يفصل بينهم ويحكم بين المختلفين في الدين يوم القيامة ﴿ بحكمة ﴾ أي الحق ﴿ هو العزيز ﴾ الممتنع الذي لا يرد له أمر ﴿ العليم ﴾ أي بأحوالهم فلا يخفى عليه شيء منها.
آخر إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ قوله تعالى قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ نزلت في المشركين حين سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن وقت الساعة. والمعنى أن الله هو الذي يعلم الغيب وحده ويعلم متى تقوم الساعة وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ يعني أن من في السموات وهم الملائكة ومن في الأرض وهم بنو آدم لا يعلمون متى يبعثون والله تعالى تفرد بعلم ذلك بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ أي بلغ ولحق علمهم فِي الْآخِرَةِ هو ما جهلوه في الدنيا وسقط عنهم علمه. وقيل بل علموا في الآخرة حين عاينوها ما شكوا فيه وعلموا عنه في الدنيا وهو قوله تعالى بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها أي هم اليوم في شك من الساعة بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ جمع عم وهو أعمى القلب وقيل معنى الآية أن الله أخبر عنهم إذا بعثوا يوم القيامة يستوي علمهم في الآخرة، وما وعدوا فيها من الثواب والعقاب وإن كانت علومهم مختلفة في الدنيا.
قوله تعالى وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أي مشركو مكة أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ أي من قبورنا أحياء لَقَدْ وُعِدْنا هذا أي هذا البعث نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ أي من قبل محمد صلّى الله عليه وسلّم وليس ذلك بشيء إِنْ هذا أي ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ أي أحاديثهم وأكاذيبهم التي كتبوها قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ أي بتكذيبهم إياك وإعراضهم عنك. وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ نزلت في المستهزئين الذي اقتسموا عقاب مكة وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ أي دنا وقرب لَكُمْ وقيل معناه ردفكم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ أي من العذاب فحل بهم ذلك يوم بدر. قوله عز وجل وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ
يعني على أهل مكة حيث لم يعجل لهم بالعذاب وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ أي ذلك وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ أي تخفي وَما يُعْلِنُونَ أي من عداوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وَما مِنْ غائِبَةٍ أي من جملة غائبة من مكتوم سر وخفي أمر وشيء غائب فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ يعني في اللوح المحفوظ إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أي يبين لهم أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ أي من أمر الدين، وذلك أن أهل الكتاب اختلفوا فيما بينهم فصاروا أحزابا يطعن بعضهم على بعض فنزل القرآن ببيان ما اختلفوا فيه وَإِنَّهُ يعني القرآن لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ أي يفصل بينهم ويحكم بين المختلفين في الدين يوم القيامة بِحُكْمِهِ أي الحق هُوَ الْعَزِيزُ الممتنع الذي لا يرد له أمر الْعَلِيمُ أي بأحوالهم فلا يخفى عليه شيء منها.
[سورة النمل (٢٧): الآيات ٧٩ الى ٨٢]
فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (٧٩) إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٨٠) وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٨١) وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ (٨٢)
فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ أي فثق به إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ أي البين إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى يعني موتى القلوب وهم الكفار وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ، إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ أي معرضين. فإن قلت ما معنى مدبرين والأصم لا يسمع صوتا سواء أقبل أو أدبر؟. قلت: هو تأكيد ومبالغة وقيل: إن الأصم إذا كان حاضرا قد يسمع برفع الصوت، أو يفهم بالإشارة فإذا ولى لم يسمع ولم يفهم. ومعنى الآية إنه لفرط إعراضهم عما يدعون إليه كالميت الذي لا سبيل إلى سماعه، وكالأصم الذي لا يسمع ولا يفهم وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ معناه ما أنت بمرشد من أعماه الله عن الهدى وأعمى قلبه عن الإيمان إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا إلا من يصدق بالقرآن أنه من الله فَهُمْ مُسْلِمُونَ أي مخلصون. قوله تعالى: وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ يعني إذا وجب عليهم العذاب وقيل: إذا غضب الله عليهم وقيل إذا وجبت الحجة عليهم، وذلك أنهم لم يأمروا بالمعروف، ولم ينهوا
﴿ إنك لا تسمع الموتى ﴾ يعني موتى القلوب وهم الكفار ﴿ ولا تسمع الصم الدعاء، إذا ولو مدبرين ﴾ أي معرضين. فإن قلت ما معنى مدبرين والأصم لا يسمع صوتاً سواء أقبل أو أدبر ؟. قلت : هو تأكيد ومبالغة وقيل : إن الأصم إذا كان حاضراً قد يسمع برفع الصوت، أو يفهم بالإشارة فإذا ولى لم يسمع ولم يفهم. ومعنى الآية إنه لفرط إعراضهم عما يدعون إليه كالميت الذي لا سبيل إلى سماعه، وكالأصم الذي لا يسمع ولا يفهم.
﴿ وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم ﴾ معناه ما أنت بمرشد من أعماه الله عن الهدى وأعمى قلبه عن الإيمان ﴿ إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا ﴾ إلا من يصدق بالقرآن أنه من الله ﴿ فهم مسلمون ﴾ أي مخلصون.
قوله تعالى :﴿ وإذا وقع القول عليهم ﴾ يعني إذا وجب عليهم العذاب وقيل : إذا غضب الله عليهم وقيل إذا وجبت الحجة عليهم، وذلك أنهم لم يأمروا بالمعروف، ولم ينهوا عن المنكر وقيل إذا لم يرج صلاحهم وذلك في آخر الزمان قبل قيام الساعة ﴿ أخرجنا لهم دابة الأرض ﴾. ( م ) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « بادروا بالأعمال قبل ست : طلوع الشمس من مغربها والدخان والدجال والدابة وخويصة أحدكم وأمر العامة » ( م ) عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « إن أول الآيات خروجاً طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة على الناس ضحى، وأيتهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على أثرها قريباً » عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « تخرج الدابة ومعها خاتم سليمان وعصا موسى فتجلو وجه المؤمن وتخطم أنف الكافر بالخاتم : حتى إن أهل الحق ليجتمعون فيقول هذا يا مؤمن ويقول هذا يا كافر » أخرجه الترمذي. وقال حديث حسن، وروى البغوي بإسناده عن الثعلبي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال :« يكون للدابة ثلاث خرجات من الدهر فتخرج خروجاً بأقصى اليمن فيفشو ذكرها بالبادية لا يدخل ذكرها القرية، يعني مكة ثم تمكث زمناً طويلاً، ثم تخرج خرجة أخرى قريباً من مكة فيفشوا ذكرها بالبادية، ويدخل ذكرها القرية يعني مكة ثم بينا الناس يوماً في أعظم المساجد على الله حرمة، وأكرمها على الله يعني المسجد الحرام لم يرعهم، إلا وهي في ناحية المسجد تدنو وتدنو، كذا قال عمر وما بين الركب الأسود إلى باب بني مخزوم، عن يمين الخارج في وسط من ذلك فارفض الناس عنها وتثبت لها عصابة عرفوا أنهم لم يعجزوا الله، فخرجت عليهم تنفض رأسها من التراب فمرت بهم فجلت وجوههم حتى تركتها كأنها الكواكب الدرية، ثم ولت في الأرض لا يدركها طالب ولا يعجزها هارب حتى أن الرجل، ليقوم فيعوذ منها بالصلاة فتأتيه من خلفه فتقول يا فلان الآن تصلي فيقبل عليها بوجهه فتسمه في وجهه، فيتجاور الناس في ديارهم ويصطحبون في أسفارهم ويشتركون في الأموال يعرف الكافر من المؤمن فيقال للمؤمن يا مؤمن وللكافر يا كافر » وبإسناد الثعلبي عن حذيفة بن اليمان ذكر رسول الله صلى لله عليه وسلم الدابة قلت : يا رسول الله من أين تخرج قال « من أعظم المساجد حرمة على الله فبينما عيسى يطوف بالبيت ومعه المسلمون إذ تضطرب الأرض، وينشق الصفا مما يلي المسعى وتخرج الدابة من الصفا أول ما يخرج منها رأسها ملمعة ذات وبر وريش لن يدركها الطالب، ولن يفوتها هارب تسم الناس مؤمناً وكافراً ؛ فأما المؤمن فتترك وجهه كأنه كوكب دري وتكتب بين عينيه مؤمن ؛ وأما الكافر فتنكت بين عينيه نكتة سوداء وتكتب بين عينيه كافر » وروي عن ابن عباس أنه قرع الصفا بعصاه وهو محرم وقال : إن الدابة لتسمع قرع عصاي هذه وعن ابن عمر قال تخرج الدابة ليلة جمع الناس ويسيرون إلى منى، وعن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال « بئس الشعب شعب أجياد مرتين أو ثلاثاً قيل : ولم ذلك يا رسول الله ؟ قال : تخرج منه الدابة تصرخ ثلاث صرخات يسمعها من بين الخافقين » وروي عن ابن الزبير أنه وصف الدابة فقال : رأسها رأس ثور وعينها عين خنزير، وأذنها أذن فيل وقرنها قرن إيل وصدرها صدر أسد ولونها لون نمر وخاصرتها خاصرة هر، وذنبها ذنب كبش وقوائمها قوائم بعير بين كل مفصلين اثنا عشر ذراعاً. وعن عبد الله بن عمرو قال : تخرج الدابة من شعب أجياد فتمس رأسها السحاب ورجلاها في الأرض وروي عن علي قال : ليست بدابة لها ذنب ولكن لها لحية وقال وهب : وجهها وجه رجل وسائر خلقها كخلق الطير فتخبر من رآها أن أهل مكة، كانوا بمحمد والقرآن لا يوقنون ﴿ تكلمهم ﴾ أي بكلام فصيح قيل تقول هذا مؤمن وهذا كافر. وقيل : تقول ما أخبر الله تعالى ﴿ إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ﴾ تخبر الناس عن أهل مكة أنهم لم يؤمنوا بالقرآن والبعث. وقرئ تكلمهم بتخفيف اللام من الكلم، وهو الجرح وقال ابن الجوزي : سئل ابن عباس عن هذه الآية تكلمهم فقال : كل ذلك تفعل تكلم المؤمن وتكلم الكافر.
عن المنكر وقيل إذا لم يرج صلاحهم وذلك في آخر الزمان قبل قيام الساعة أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ.
(م) عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «بادروا بالأعمال قبل ست: طلوع الشمس من مغربها والدخان والدجال والدابة وخويصة أحدكم وأمر العامة» (م) عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول «إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة على الناس ضحى، وأيتهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على أثرها قريبا» عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «تخرج الدابة ومعها خاتم سليمان وعصا موسى فتجلو وجه المؤمن وتخطم أنف الكافر بالخاتم: حتى إن أهل الحق ليجتمعون فيقول هذا يا مؤمن ويقول هذا يا كافر» أخرجه الترمذي. وقال حديث حسن، وروى البغوي بإسناده عن الثعلبي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:
يكون للدابة ثلاث خرجات من الدهر فتخرج خروجا بأقصى اليمن فيفشو ذكرها بالبادية لا يدخل ذكرها القرية، يعني مكة ثم تمكث زمنا طويلا، ثم تخرج خرجة أخرى قريبا من مكة فيفشو ذكرها بالبادية، ويدخل ذكرها القرية يعني مكة ثم بينا الناس يوما في أعظم المساجد على الله حرمة، وأكرمها على الله يعني المسجد الحرام لم يرعهم، إلا وهي في ناحية المسجد تدنو وتدنو، كذا قال عمر وما بين الركب الأسود إلى باب بني مخزوم، عن يمين الخارج في وسط من ذلك فارفض الناس عنها وتثبت لها عصابة عرفوا أنهم لم يعجزوا الله، فخرجت عليهم تنفض رأسها من التراب فمرت بهم فجلت وجوههم حتى تركتها كأنها الكواكب الدرية، ثم ولت في الأرض لا يدركها طالب ولا يعجزها هارب حتى أن الرجل، ليقوم فيعوذ منها بالصلاة فتأتيه من خلفه فتقول يا فلان الآن تصلي فيقبل عليها بوجهه فتسمه في وجهه، فيتجاور الناس في ديارهم ويصطحبون في أسفارهم ويشتركون في الأموال يعرف الكافر من المؤمن فيقال للمؤمن يا مؤمن وللكافر يا كافر» وبإسناد الثعلبي عن حذيفة بن اليمان ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الدابة قلت: يا رسول الله من أين تخرج قال «من أعظم المساجد حرمة على الله فبينما عيسى يطوف بالبيت ومعه المسلمون إذ تضطرب الأرض، وينشق الصفا مما يلي المسعى وتخرج الدابة من الصفا أول ما يخرج منها رأسها ملمعة ذات وبر وريش لن يدركها الطالب، ولن يفوتها هارب تسم الناس مؤمنا وكافرا فأما المؤمن فتترك وجهه كأنه كوكب دري وتكتب بين عينيه مؤمن وأما الكافر فتنكت بين عينيه نكتة سوداء وتكتب بين عينيه كافر» وروي عن ابن عباس أنه قرع الصفا بعصاه وهو محرم وقال: إن الدابة لتسمع قرع عصاي هذه وعن ابن عمر قال تخرج الدابة ليلة جمع والناس يسيرون إلى منى، وعن أبي هريرة عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال «بئس الشعب شعب أجياد مرتين أو ثلاثا قيل: ولم ذاك يا رسول الله؟ قال: تخرج منه الدابة تصرخ ثلاث صرخات يسمعها من بين الخافقين» وروي عن ابن الزبير أنه وصف الدابة فقال: رأسها رأس ثور وعينها عين خنزير، وأذنها أذن فيل وقرنها قرن إيل وصدرها صدر أسد ولونها لون نمر وخاصرتها خاصرة هر، وذنبها ذنب كبش وقوائمها قوائم بعير بين كل مفصلين اثنا عشر ذراعا. وعن عبد الله بن عمرو قال: تخرج الدابة من شعب أجياد فتمس رأسها السحاب ورجلاها في الأرض وروي عن علي قال: ليست بدابة لها ذنب ولكن لها لحية وقال وهب: وجهها وجه رجل وسائر خلقها كخلق الطير فتخبر من رآها أن أهل مكة، كانوا بمحمد والقرآن لا يوقنون تُكَلِّمُهُمْ أي بكلام فصيح قيل تقول هذا مؤمن وهذا كافر. وقيل: تقول ما أخبر الله تعالى أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ تخبر الناس عن أهل مكة أنهم لم يؤمنوا بالقرآن والبعث. وقرئ تكلمهم بتخفيف اللام من الكلم، وهو الجرح وقال ابن الجوزي: سئل ابن عباس عن هذه الآية تكلمهم وتكلمهم فقال: كل ذلك تفعل تكلم المؤمن وتكلم الكافر. قوله تعالى:
[سورة النمل (٢٧): الآيات ٨٣ الى ٨٧]
وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ (٨٣) حَتَّى إِذا جاؤُ قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨٤) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ (٨٥) أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٨٦) وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ (٨٧)
﴿ حتى إذا جاؤوا ﴾ يعني يوم القيامة ﴿ قال ﴾ الله تعالى لهم ﴿ أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علماً ﴾ أي ولم تعرفوها حق معرفتها ﴿ أم ماذا كنتم تعملون ﴾ أي حين لم تتفكروا فيها وقيل : معنى الآية أكذبتم بآياتي غير عالمين بها ولم تتفكروا في صحتها بل كنتم بها جاهلين.
﴿ ووقع القول ﴾ أي وجب العذاب ﴿ عليهم بما ظلموا ﴾ أي بما أشركوا ﴿ فهم لا ينطقون ﴾ أي بحجة قيل إن أفواههم مختومة.
﴿ ألم يروا أنا جعلنا ﴾ أي أنا خلقنا ﴿ الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصراً ﴾ أي مضيئاً يبصر فيه. وفي الآية دليل على البعث بعد الموت لأن القادر على قلب الضياء ظلمة، والظلمة ضياء قادر على الإعادة بعد الموت ﴿ إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ﴾ أي يصدقون فيعتبرون.
قوله تعالى ﴿ ويوم ينفخ في الصور ﴾ هو قرن ينفخ فيه إسرافيل قال الحسن : الصور هو القرن ومعنى كلامه إن الأرواح تجتمع في القرن ثم ينفخ فيه فتذهب في الأجساد فتحيا بها الأجساد ﴿ ففزع ﴾ أي فصعق ﴿ من في السموات ومن في الأرض ﴾ أي ماتوا. والمعنى أنه يلقى عليهم الفزع إلى أن يموتوا. وقيل ينفخ إسرافيل في الصور ثلاث نفخات، نفخة الفزع ونفخة الصعق ونفخة القيام لرب العالمين ﴿ إلا من شاء الله ﴾ روى أبو هريرة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم سئل عن قوله تعالى ﴿ إلا من شاء الله ﴾ قال « هم الشهداء متقلدون أسيافهم حول العرش » وقال ابن عباس : هم الشهداء لأنهم أحياء عند ربهم لا يصل إليهم الفزع. وقيل : يعني جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل فلا يبقى بعد النفخة إلا هؤلاء الأربعة ويروى أن الله تعالى يقول لملك الموت خذ نفس إسرافيل فيأخذ نفسه ثم يقول : من بقي يا ملك الموت فيقول : سبحانك ربي تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام، وجهك الباقي الدائم بقي جبريل وميكائيل، وملك الموت فيقول : خذ نفس ميكائيل. فيأخذ نفس ميكائيل فيقع، كالطود العظيم فيقول من بقي من خلقي : فيقول : سبحانك ربي تباركت وتعاليت بقي جبريل، وملك الموت فيقول مت يا ملك الموت فيموت فيقول يا جبريل من بقي فيقول : تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام بقي وجهك الدائم الباقي وجبريل، الميت الفاني فيقول الله : يا جبريل لا بد من موتك فيقع ساجداً يخفق بجناحيه. فيروى أن فضل خلقه على ميكائيل كفضل الطود العظيم على ظرب من الظراب. ويروى أنه يبقى مع هؤلاء الأربعة حملة العرش ثم روح ملك الموت، فإذا لم يبق أحد إلا الله تبارك وتعالى طوى السماء كطي السجل للكتاب ثم يقول الله « أنا الجبار لمن الملك اليوم فلا يجيبه أحد فيقول الله تعالى : لله الواحد القهار » ( ق ) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « ينفخ في الصور فيصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم ينفخ فيه أخرى، فأكون أول من رفع رأسه فإذا موسى أخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أكان ممن استثنى الله عز وجل أم رفع رأسه قبلي، ومن قال أنا خير من يونس بن متى فقد كذب » وقيل الذين استثنى الله هم رضوان والحور ومالك والزبانية. وقوله تعالى ﴿ وكل ﴾ أي وكل الذين أحيوا بعد الموت ﴿ أتوه ﴾ أي جاؤوه ﴿ داخرين ﴾ أي صاغرين.
وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً أي نحشر من كل قرن جماعة مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ أي يحبس أولهم على آخرهم حتى يجتمعون ثم يساقوا إلى النار حَتَّى إِذا جاؤُ يعني يوم القيامة قالَ الله تعالى لهم أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أي ولم تعرفوها حق معرفتها أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي حين لم تتفكروا فيها وقيل: معنى الآية أكذبتم بآياتي غير عالمين بها ولم تتفكروا في صحتها بل كنتم بها جاهلين وَوَقَعَ الْقَوْلُ أي وجب العذاب عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا أي بما أشركوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ أي بحجة وقيل إن أفواههم مختومة أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا أي أنا خلقنا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً أي مضيئا يبصر فيه.
وفي الآية دليل على البعث بعد الموت لأن القادر على قلب الضياء ظلمة، والظلمة ضياء قادر على الإعادة بعد الموت إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ أي يصدقون فيعتبرون. قوله تعالى وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ هو قرن ينفخ فيه إسرافيل قال الحسن: الصور هو القرن ومعنى كلامه إن الأرواح تجتمع في القرن ثم ينفخ فيه فتذهب في الأجساد فتحيا بها الأجساد فَفَزِعَ أي فصعق مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ أي ماتوا. والمعنى أنه يلقى عليهم الفزع إلى أن يموتوا. وقيل ينفخ إسرافيل في الصور ثلاث نفخات، نفخة الفزع ونفخة الصعق ونفخة القيام لرب العالمين إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ روى أبو هريرة أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم سئل عن قوله تعالى
«إلا من شاء الله» قال هم الشهداء متقلدون أسيافهم حول العرش وقال ابن عباس: هم الشهداء لأنهم أحياء عند ربهم لا يصل إليهم الفزع.
وقيل: يعني جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل فلا يبقى بعد النفخة إلا هؤلاء الأربعة ويروى أن الله تعالى يقول لملك الموت خذ نفس إسرافيل فيأخذ نفسه ثم يقول: من بقي يا ملك الموت فيقول: سبحانك ربي تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام، وجهك الباقي الدائم بقي جبريل وميكائيل، وملك الموت فيقول: خذ نفس ميكائيل. فيأخذ نفس ميكائيل فيقع، كالطود العظيم فيقول من بقي من خلقي فيقول: سبحانك ربي تباركت وتعاليت بقي جبريل، وملك الموت فيقول مت يا ملك الموت فيموت فيقول يا جبريل من بقي فيقول: تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام بقي وجهك الدائم الباقي وجبريل، الميت الفاني فيقول الله: يا جبريل لا بد من موتك فيقع ساجدا يخفق بجناحيه. فيروى أن فضل خلقه على ميكائيل كفضل الطود العظيم على ظرب من الظراب. ويروى أنه يبقى مع هؤلاء الأربعة حملة العرش ثم روح ملك الموت، فإذا لم يبق أحد إلا الله تبارك وتعالى طوى السماء كطي السجل للكتاب ثم يقول الله
«أنا الجبار لمن الملك اليوم فلا يجيبه أحد فيقول الله تعالى: لله الواحد القهار (ق) عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «ينفخ في الصور فيصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم ينفخ فيه أخرى، فأكون أول من رفع رأسه فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أكان ممن استثنى الله عز وجل أم رفع رأسه قبلي، ومن قال أنا خير من يونس بن متى فقد كذب» وقيل الذين استثنى الله هم رضوان والحور ومالك والزبانية. وقوله تعالى وَكُلٌّ أي وكل الذين أحيوا بعد الموت أَتَوْهُ أي جاءوه داخِرِينَ أي صاغرين.
[سورة النمل (٢٧): الآيات ٨٨ الى ٩٣]
وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ (٨٨) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (٨٩) وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٠) إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩١) وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (٩٢)
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٩٣)
354
قوله تعالى وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً أي قائمة واقفة وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ أي تسير سير السحاب حتى تقع على الأرض فتستوي بها وذلك أن كل شيء عظيم وكل جسم كبير وكل جمع كثير يقصر عنه البصر لكثرته وعظمه وبعد ما بين أطرافه فهو في حساب الناظر واقف وهو سائر كذلك سير الجبال يوم القيامة لا يرى لعظمها كما أن سير السحاب لا يرى لعظمه صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ يعني أنه تعالى، لما قدم هذه الأشياء كلها التي لا يقدر عليها غيره جعل ذلك الصنع من الأشياء التي أتقنها وأحكمها وأتى بها على وجه الحكمة والصواب إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ. قوله تعالى مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ أي بكلمة الإخلاص، وهي شهادة أن لا إله إلا الله وقيل الإخلاص في العمل، وقيل الحسنة كل طاعة عملها لله عز وجل فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها قال ابن عباس فيها يصل إلى الخير بمعنى أن له من تلك الحسنة خير يوم القيامة وهو الثواب والأمن من العذاب أما من يكون له شيء خير من الإيمان فلا، لأنه لا شيء خير من لا إله إلا الله، وقيل: هو جزاء الأعمال والطاعات الثواب والجنة وجزاء الإيمان والإخلاص رضوان الله والنظر إليه لقوله
«ورضوان من الله» وقيل: معنى خير منها الأضعاف أعطاه الله بالواحدة عشر أضعافها، لأن الحسنة استحقاق العبد والتضعيف تفضيل الرب تبارك وتعالى وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ فإن قلت كيف نفى الفزع هنا وقد قال قبله ففزع من في السموات ومن في الأرض.
قلت: إن الفزع الأول هو ما لا يخلو عنه أحد عند الإحساس بشدة تقع وهول يفجأ من رعب وهيبة وإن كان المحسن يأمن وصول ذلك الضرر إليه فأما الفزع الثاني فهو الخوف من العذاب فهم آمنون منه. وأما ما يلحق الإنسان من الرعب عند مشاهدة الأهوال فلا ينفك منه أحد وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ يعني بالشرك فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ عبر بالوجه عن جميع البدن كأنه قال كبوا وطرحوا جميعهم في النار هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي تقول لهم خزنة جهنم
«هل تجزون إلا ما كنتم تعملون» في الدنيا من الشرك.
وقوله تعالى إِنَّما أُمِرْتُ يعني يقول الله تعالى لرسوله قل إنما أمرت أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ يعني أمرت أن أخص بعبادتي وتوحيدي الله الذي هو رب هذه البلدة يعني مكة، وإنما خصها من بين سائر البلاد بالذكر لأنها مضافة إليه وأحب البلاد وأكرمها عليه، وأشار إليها إشارة تعظيم لأنها موطن نبيه ومهبط وحيه الَّذِي حَرَّمَها أي جعلها الله حرما آمنا لا يسفك فيها دم ولا يظلم فيها أحد ولا يصاد صيدها ولا يختلى خلاها ولا يدخلها إلا محرم، وإنما ذكر أنه هو الذي حرمها لأن العرب كانوا معترفين بفضيلة مكة، وأن تحريمها من الله لا من الأصنام وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ أي خلقا وملكا وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لله المطيعين له وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ أي أمرت أن أتلو القرآن ولقد قام صلّى الله عليه وسلّم بكل ما أمر به أتم قيام على ما أمر به فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ أي نفع اهتدائه يرجع إليه وَمَنْ ضَلَّ أي عن الإيمان وأخطأ طريق الهدى فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ أي من المخوفين، وما علي إلا البلاغ نسختها آية القتال وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ أي على جميع نعمه، وقيل: على ما وفقني من القيام بأداء الرسالة والإنذار سَيُرِيكُمْ آياتِهِ الباهرة ودلائله القاهرة قيل: هو يوم بدر وهو ما أراهم من القتل والسبي وضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم وقيل: آياته في السموات والأرض وفي أنفسكم فَتَعْرِفُونَها أي فتعرفون الآيات والدلالات وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ فيه وعيد بالجزاء على أعمالهم والله سبحانه وتعالى أعلم.
355
قوله تعالى ﴿ من جاء بالحسنة ﴾ أي بكلمة الإخلاص، وهي شهادة أن لا إله إلا الله وقيل الإخلاص في العمل، وقيل الحسنة كل طاعة عملها الله عز وجل ﴿ فله خير منها ﴾ قال ابن عباس فيها يصل إلى الخير بمعنى أن له من تلك الحسنة خير يوم القيامة وهو الثواب والأمن من العذاب أما من يكون له شيء خير من الإيمان فلا، لأنه لا شيء خير من لا إله إلا الله، وقيل : هو جزاء الأعمال والطاعات الثواب والجنة وجزاء الإيمان والإخلاص رضوان الله والنظر إليه لقوله ﴿ ورضوان من الله ﴾ وقيل : معنى خير منها الأضعاف أعطاه الله بالواحدة عشر أضعافها، لأن الحسنة استحقاق العبد والتضعيف تفضيل الرب تبارك وتعالى ﴿ وهم من فزع يومئذٍ آمنون ﴾ فإن قلت كيف نفى الفزع هنا وقد قال قبله ففزع من في السموات ومن في الأرض. قلت : إن الفزع الأول هو ما لا يخلو عنه أحد عند الإحساس بشدة تقع وهول يفجأ من رعب وهيبة وإن كان المحسن يأمن وصول ذلك الضرر إليه فأما الفزع الثاني فهو الخوف من العذاب فهم آمنون منه. وأما ما يلحق الإنسان من الرعب عند مشاهدة الأهوال فلا ينفك منه أحد.
﴿ ومن جاء بالسيئة ﴾ يعني بالشرك ﴿ فكبت وجوههم في النار ﴾ عبر بالوجه عن جميع البدن كأنه قال كبوا وطرحوا جميعهم في النار ﴿ هل تجزون إلا ما كنتم تعملون ﴾ أي تقول لهم خزنة جهنم ﴿ هل تجزون إلا ما كنتم تعملون ﴾ في الدنيا من الشرك.
وقوله تعالى ﴿ إنما أمرت ﴾ يعني يقول الله تعالى لرسوله قل إنما أمرت ﴿ أن أعبد رب هذه البلدة ﴾ يعني أمرت أن أخص بعبادتي وتوحيدي الله الذي هو رب هذه البلدة يعني مكة، وإنما خصها من بين سائر البلاد بالذكر لأنها مضافة إليه وأحب البلاد وأكرمها عليه، وأشار إليها إشارة تعظيم لأنها موطن نبيه ومهبط وحيه ﴿ الذي حرمها ﴾ أي جعلها الله حرماً آمناً لا يسفك فيها دم ولا يظلم فيها أحد ولا يصاد صيدها ولا يختلى خلاله ولا يدخلها إلا محرم، وإنما ذكر أنه هو الذي حرمها لأن العرب كانوا معترفين بفضيلة مكة، وأن تحريمها من الله لا من الأصنام ﴿ وله كل شيء ﴾ أي خلقاً وملكاً ﴿ وأمرت أن أكون من المسلمين ﴾ لله المطيعين له.
﴿ وأن أتلوا القرآن ﴾ أي أمرت أن أتلو القرآن ولقد قام صلى الله عليه وسلم بكل ما أمر به أتم قيام على ما أمر به ﴿ فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ﴾ أي نفع اهتدائه يرجع إليه ﴿ ومن ضل ﴾ أي عن الإيمان وأخطأ طريق الهدى ﴿ فقل إنما أنا من المنذرين ﴾ أي من المخوفين، وما علي إلا البلاغ نسختها آية القتال.
﴿ وقل الحمد لله ﴾ أي على جميع نعمه، وقيل : على ما وفقني من القيام بأداء الرسالة والإنذار ﴿ سيريكم آياته ﴾ الباهرة ودلائله القاهرة قيل : هو يوم بدر وهو ما أراهم من القتل والسبي وضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم وقيل : آياته في السموات والأرض وفي أنفسكم ﴿ فتعرفونها ﴾ أي فتعرفون الآيات والدلالات ﴿ وما ربك بغافل عما تعملون ﴾ فيه وعيد بالجزاء على أعمالهم والله سبحانه وتعالى أعلم.