تفسير سورة العاديات

التيسير في أحاديث التفسير
تفسير سورة سورة العاديات من كتاب التيسير في أحاديث التفسير .
لمؤلفه المكي الناصري . المتوفي سنة 1415 هـ
والآن وقد فرغنا من تفسير سورة " الزلزلة " نستعين بالله على تفسير سورة " العاديات " المكية، وهي ثالث وآخر سورة في هذا الثمن.

وفي مطلعها قسم من الله عظيم، بالخيل التي جعلها الله قوة للجهاد في سبيله، والدفاع عن دينه، فكانت عدة الفتوحات الإسلامية في مختلف بقاع الأرض، وذلك قوله تعالى بعد البسملة :﴿ والعاديات ضبحا١ فالموريات قدحا٢ فالمغيرات صبحا٣ ﴾، أقسم بخيل الغزاة المجاهدين في سبيل الله، " العاديات ضبحا "، أي : التي تجري وتعدو عند سيرها، و " تضبح " أثناء عدوها، و " الضبح " هو الصوت الذي يسمع من جوف الخيل حين تعدو، " الموريات قدحا "، أي : التي ينقدح الشرر من حوافرها إذا أصابت سنابكها الحجارة بالليل، " المغيرات صبحا " أي : التي تغير على الأعداء وقت الصباح، ولا تباغتهم في ظلام الليل، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغير صباحا ويستمع الأذان، فإن سمع أذانا أمسك وإلا أغار.
وقوله تعالى :﴿ فأثرن به نقعا٤ فوسطن به جمعا٥ ﴾، وصف لما يقوم به فرسان الإسلام، وتقوم به خيلهم، من إثارة الغبار، عندما تقبل على ساحة المعركة، فتتوسط جموع الأعداء، وتخترق صفوفهم بكل شجاعة وحماس.
وقوله تعالى :﴿ إن الإنسان لربه لكنود٦ وإنه على ذلك لشهيد٧ وإنه لحب الخير لشديد٨ ﴾، هذا هو الشيء المقسم عليه وجواب القسم، وكأن كتاب الله يريد أن يقول : إن نعم الله على الإنسان لا يحصيها عد، وفي مقدمتها تمكينه من وسائل القوة والظفر، وتسخير الحق سبحانه وتعالى له طاقات الحيوان والبشر، وبالرغم من ذلك فإن الإنسان يتنكر لنعم الله، ويصرفها في غير محلها، ويتصرف فيها تصرف المستهترين السخفاء، والطغاة السفهاء، فمعنى قوله تعالى :﴿ إن الإنسان لربه لكنود ﴾، إنه لجاحد لنعمة ربه، كافر بها، غير شاكر لها، وقال الحسن : " الكنود هو اللائم لربه الذي يعد المصائب، وينسى نعم الله عليه "، ومعنى قوله تعالى :﴿ إنه على ذلك لشهيد٧ ﴾، إن الجاحد لنعمة الله ليشهد على جحود نفسه بنفسه، إذ لا يستطيع تكذيب ما ينطق به لسان حاله، وما يتجلى في أقواله وأفعاله، ومن ذلك قول الشاعر :
" فكل إناء بالذي فيه ينضح "
ومعنى قوله تعالى :﴿ وإنه لحب الخير لشديد٨ ﴾، إن الإنسان تميل نفسه إلى حب المال، والبخل به، والشح في إنفاقه، و " الخير " هنا بمعنى المال، على غرار قوله تعالى في سورة ( الفجر : ٢٠ ) :﴿ وتحبون المال حبا جما ﴾. قال ابن كثير : " وفي معنى هذه الآية مذهبان : أحدهما : أن المعنى، وإنه لشديد المحبة للمال، والثاني : أن المعنى وإنه لحريص بخيل، من أجل محبته للمال، وكلاهما صحيح ".
وأول هذا الثمن يحتوي على ختام سورة " العاديات " التي تناول الحديث فيها جحود الإنسان لنعمة ربه، رغما عما يتقلب فيه من الهبات الإلهية، والعطايا الربانية، التي لا حد لها ولا حصر، ﴿ وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ﴾ ( إبراهيم : ٣٤ ).
ففي ختامها تساءل كتاب الله هل بلغ الجهل والغرور بالإنسان، الكافر بالله، الجاحد لنعمه، إلى حد أن يتجاهل ما هو مقبل عليه –أحب أم كره- من مفارقة القبر بعد نزوله، وانتقاله منه، بعد سكناه المؤقتة، إلى دار البقاء والخلود، ليحاسب فيها على ما أصر عليه من الكبر والجحود :﴿ أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور٩ ﴾ ؟ أي : إذا أخرج من كان مقبورا فيها من الأموات، ﴿ وحصل ما في الصدور١٠ ﴾، أي : أبرز ما كان مكتوما فيها من النيات والسرائر، ﴿ إن ربهم بهم يومئذ لخبير١١ ﴾، أي : إنه سبحانه سيفاجئ الناس يوم القيامة، بأنه كان مطلعا على جميع أعمالهم وتصرفاتهم، وأنه سيحاسبهم عليها بمقتضاها، ﴿ ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا ﴾ ( الكهف : ٤٩ ).
Icon