تفسير سورة الإخلاص

تفسير الثعلبي
تفسير سورة سورة الإخلاص من كتاب الكشف والبيان عن تفسير القرآن المعروف بـتفسير الثعلبي .
لمؤلفه الثعلبي . المتوفي سنة 427 هـ
مكية، وهي سبعة وأربعون حرفاً، وخمس عشر كلمة، وأربع آيات.
أخبرنا الإمام أبو بكر محمد بن الحسن الأصبهاني بقرائتي عليه قال : أخبرنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس قال : حدّثنا يونس بن حبيب قال : حدّثنا أبو داود الطيالسي قال : حدّثنا شعبة، عن قتادة قال : سمعت سالم بن أبي الجعد يحدث، عن معد ابن أبي طلحة، عن أبي الدرداء، أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال :" أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة " ؟ قلت : يارسول الله ومن يطيق ذاك ؟ قال :" اقرؤوا( قل هو الله أحد ) ".
وأخبرني أبو عبد الله الحسين محمد بن الفرج قال : حدّثنا محمد بن الزيرقان قال : حدّثنا مروان بن سالم، عن أبي عمر مولى جرير بن عبد الله قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) :" من قرأ حين يدخل منزله نفت الفقر عن أهل ذلك المنزل والجيران ".
وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن صقلاب قال : حدّثنا ابن أبي الخصيب قال : حدّثني أبي قال : حدّثنا سعيد بن المغيرة قال : حدّثنا محمد بن مروان، عن أبان، عن أنس قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) :" من قرأ( قل هو الله أحد )مرة بورك عليه، ومن قرأها مرّتين بورك عليه وعلى أهله، فإن قرأها ثلاث مرات بورك عليه وعلى أهله وعلى جميع جيرانه، فن قرأها اثنتي عشر مرة بنى له اثنتي عشر قصراً في الجنة، ويقول الحفظة : انطلقوا بنا ننظر إلى قصر أخينا، فإن قرأها مائة كفّر عنه ذنوب خمس وعشرين سنة ما خلا الدماء والأموال، فإن قرأها أربع مائة مرة كفّرت عنه ذنوب أربعمائة سنة ما خلاء الدماء والأموال، فإن قرأها ألف مرة لم يمت حتى يرى مكانه في الجنة أو يرى له ".
وأخبرنا أبو عمر وأحمد بن أبي الفراتي قال : حدّثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب قال : حدّثنا عبد الله بن جامع الحلواني قال : حدّثنا محمد بن العباس قال : حدّثنا عمر بن سعد العطار الفلزمي قال : حدّثنا ابن أبي ذئب قال : حدّثنا محمد بن غيلان، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد قال : جاء رجل إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فشكا إليه الفقر وضيق المعاش فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) :" إذا دخلت بيتك فسلم إن كان فيه أحد، وإن لم يكن فيه أحد فسلّم عليّ، وأقرأ( قل هو الله أحد )مرة واحدة "، ففعل الرجل، فأدرّ الله عليه رزقاً حتى أفاض على جيرانه.
وأخبرنا أبو الحسين عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم بن يحيى قال : حدّثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد بن بشر قال : حدّثنا الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني قال : حدّثنا يزيد بن هارون قال : حدّثنا العلاء أبو محمد الثقفي قال : سمعت أنس بن مالك قال : كنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بتبوك، فطلعت الشمس بضياء وشعاع ونور لم أرها طلعت فيما مضى، فأتى جبريل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال :" يا جبريل، مالي أرى الشمس اليوم طلعت بضياء ونور وشعاع لم أرها طلعت فيما مضى " ؟ فقال : ذاك أن معاوية بن معاوية الليثي مات بالمدينة اليوم، فبعث الله سبحانه إليه سبعين ألف ملك يصلّون عليه. قال :" وفيم ذاك " ؟ قال : كان يكثر قراءة( قل هو الله أحد ) بالليل والنهار، وفي ممشاه وقيامه وقعوده، فهل لك يارسول الله أن أقبض لك الأرض فتصلي عليه. قال :" نعم " فصلى عليه ثم رجع.
وأخبرنا أحمد بن أبي قال : حدّثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب قال : حدّثنا محمد بن عيسى بن يزيد قال : حدّثنا سليمان بن داود المنقري قال : حدّثنا عبد العزيز بن محمد، عن عبد الله بن عمر، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك، أن رجلا كان يصلي على عهد النبي ( صلى الله عليه وسلم )، فكان لا يقرأ في الصلاة إلا قرأ في أثرها( قل هو الله أحد )، فذكر ذلك لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم )، فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) :" ما حملك على لزومها " ؟ فقال : يارسول الله، إني أحبها. فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) :" حبك إياها يدخلك الجنة ".
وأخبرنا ناقل بن راقم بن أحمد البابي قال : حدّثنا علي بن الحسن بن بختيار قال : حدّثنا أبو إبراهيم القطان قال : حدّثنا عثمان بن عبد الله القرشي قال : حدّثنا سلمة بن سنان، عن محمد بن المنكدر أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال :" نزل ملك من السماء السابعة، وخرج من الأرض السابعة ملك/ فالتقيا على هذه الأرض، فقال الذي نزل من السماء : قد رفعت اليوم عملا لم أرفع مثله، قال الذي خرج من تحت الأرض : ما ذاك ؟ قال : قرأ رجل( قل هو الله أحد ) مائة مرة. قال : ما صُنع به ؟ قال : غفر الله له ".
وأخبرني محمد بن القاسم قال : حدّثنا محمد بن يزيد قال : حدّثنا أبو يحيى البزاز قال : حدّثنا محمد بن الأزهر قال : حدّثنا أبو عامر العقدي، عن مالك بن أنس، عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن ابن جبير، عن أبي هريرة، أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) سمع رجلا يقرأ( قل هو الله أحد ) فقال :" وجبت ". قيل : يارسول الله، وما وجبت ؟ قال :" وجبت له الجنة ".
وأخبرني محمد بن القاسم قال : حدّثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن الدشت قال : حدّثنا أحمد بن محمد بن الحسن بن قريش قال : حدّثنا معاذ بن يوسف التاجر قال : حدّثنا مُسدد بن مُسرهد قال : حدّثنا حمدان بن رزام قال : حدّثنا محمد بن عبد الله، عن مالك بن دينار، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) :" من قرأ( قل هو الله أحد ) مرة واحدة أعطاه الله من الثواب ما يحمل ثوابه سبعين قنطاراً من ياقوت، فيفوح منه الروح، يحملون كتبه كتباً واحداً أشد تقرطاً من شعر الزنجي، وأرق من الشعر ".
وأخبرني محمد بن القاسم قال : حدّثنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن جعفر قال : أخبرنا أبو حسان العثماني قال : حدثنا أحمد بن عبد الرحمن قال : حدثنا عمي عبد الله بن وهب قال : حدثنا ابن لهيعة، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن مكحول، عن عبد الرحمن بن غنم، عن أبي بن كعب قال : سئل النبي ( عليه السلام ) عن ثواب( قل هو الله أحد ) فقال :" من قرأ ( قل هو الله أحد ) تناثر الخير على مفرق رأسه من عنان السماء، ونزلت عليه السكينة، وتغشّاه الرحمن، وازدوي حول العرش، ونظر الله سبحانه إلى قارئها، فلا يسأله شيء إلا أعطاه إياه، ويجعله فى كلائه وحرزه ".

حدّثنا محمد بن الأزهر قال: حدّثنا أبو عامر العقدي عن مالك بن أنس عن عبد الله بن عبد الرحمن عن ابن جبير عن أبي هريرة أن النبي ﷺ سمع رجلا يقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فقال:
«وجبت» قيل: يا رسول الله وما وجبت؟ قال: «وجبت له الجنة» [٣١٢] «١».
وأخبرني محمد بن القاسم قال: حدّثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن الدشت قال:
حدّثنا أحمد بن محمد بن الحسن بن قريش قال: حدّثنا معاذ بن يوسف التاجر قال: حدّثنا مسدد ابن مسرهد قال: حدّثنا حمدان بن رزام قال: حدّثنا محمد بن عبد الله عن مالك بن دينار عن أنس بن مالك قال: قال: رسول الله ﷺ «من قرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ مرة واحدة أعطاه الله من الثواب ما يحمل ثوابه سبعين قنطارا من ياقوت فيفوح منه الروح يحملون كتبه كتبا واحدا أشد تقرطا من شعر الزنجي وأرق من الشعر» [٣١٣].
وأخبرني محمد بن القاسم قال: حدّثنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن جعفر قال: أخبرنا أبو حسان العثماني قال: حدثنا أحمد بن عبد الرحمن قال: حدثنا عمي عبد الله بن وهب قال:
حدثنا ابن لهيعة عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن مكحول عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي ابن كعب قال: سئل النبي (عليه السلام) عن ثواب قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فقال: «من قرأ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) تناثر الخير على مفرق رأسه من عنان السماء، ونزلت عليه السكينة وتغشّاه الرحمن وازدوي حول العرش، ونظر الله سبحانه إلى قارئها فلا يسأله شيء إلا أعطاه إياه ويجعله في كلائه وحرزه» [٣١٤].

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة الإخلاص (١١٢) : الآيات ١ الى ٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (٤)
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ
أخبرنا الشيخ أبو طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق المزكى قال: أخبرنا الإمام أبو بدر محمد بن إسحاق بن خزيمة قال: حدثنا أحمد بن منيع ومحمود بن خداش قالا: حدثنا أبو سعد الصغاني قال: حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب أن المشركين قالوا لرسول الله (عليه السلام) : انسب لنا ربك، فأنزل الله سبحانه قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ الى آخر السورة.
وروى أبو ضبيان وأبو صالح عن ابن عباس أن عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة أتيا النبي ﷺ فقال عامر: الى ما تدعونا يا محمد؟ قال: «الى الله سبحانه» فقالا: صفه لنا، أذهب
(١) مسند أحمد: ٢/ ٣٠٢.
332
هو أم فضة أم حديد أم من خشب؟ فنزلت هذه السورة، فأرسل الله سبحانه الصاعقة إلى أربد فأحرقته وطعن عامر في خنصره فمات، وقد ذكرت قصتهما في سورة الرعد.
وقال الضحاك وقتادة ومقاتل: جاء ناس من أحبار اليهود الى النبي ﷺ فقالوا: يا محمد صف لنا ربّك لعلنا نؤمن بك فإن الله أنزل نعته في التوراة فأخبرنا به من أي شيء هو من أي جنس أمن ذهب هو أو نحاس أم صفر أم حديد أم فضة؟ وهل يأكل ويشرب؟ وممّن ورث الدنيا؟ ومن يورثها؟ فأنزل الله سبحانه هذه السورة وهي نسبة الله خاصة.
وأخبرني عقيل أن أبا فرج البغدادي أخبرهم عن أبي جعفر الطرفي قال: حدّثنا ابن حميد قال: حدّثنا سلمة قال: حدّثني ابن إسحاق عن محمد بن سعيد قال: أتى رهط من اليهود للنبي ﷺ قالوا: يا محمد هذا الله خلق الخلق فمن خلقه؟ فغضب النبي حتى امتقع لونه ثم ساورهم غضبا لربه، فجاءه جبرائيل فسكّنه وقال: أخفض عليك جناحك يا محمد، وجاءه من الله سبحانه بجواب ما سألوه قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ السورة، فلما تلا عليهم النبي ﷺ قالوا له:
صف لنا ربك كيف خلق وكيف عضده وذراعه؟ فغضب النبي ﷺ أشد من غضبه الأوّل وساورهم، فأتاه جبرائيل فقال: له مثل مقالته وأتاه بجواب ما سألوه ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ «١».
وقال الضحاك عن ابن عباس: إنّ وفد نجران قدموا على رسول الله ﷺ سبعة أساقفة من بني الحرث بن كعب فيهم السيد والعاقب، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: صف لنا ربك من أي شيء هو؟
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنّ ربي ليس من شيء وهو بائن من «٢» الأشياء» [٣١٥] فأنزل الله سبحانه قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ أي واحد.
ولا فرق بين الواحد والأحد عند أكثر أصحابنا يدل عليه قراءة عبد الله قُلْ هُوَ اللَّهُ [... ] «٣».
وفرق قوم بينهما فقال بعضهم: الواحد للفصل والأحد للغاية، وقيل: واحد بصفاته أحد بذاته، وقيل: إنّ الواحد يدلّ على أزليته وأوّليته، لأنّ الواحد في الأعداد ركنها وأصلها وميدانها، والأحد يدل على بينونته من خلقه في جميع الصفات، ونفي أبواب الشرك عنه، فالأحد بني لنفي ما يذكر معه من العدد، والواحد أسم لمفتتح العدد، فأحد صلح في الكلام في موضع الجحود، والواحد في موضع الإثبات تقول: لم يأتني منهم أحد وجاءني منهم واحد،
(١) سورة الزمر: ٦٧.
(٢) في سبل الهدى للشامي (٣/ ٣٩٦) : وهو بائن خالق الأشياء.
(٣) بياض في مصوّرة المخطوط.
333
فالمعنى أنه لم يأتني اثنان، وقال ابن الأنباري: أجد في الأصل واحد كما قالوا للمرأة أناة والأصل وناة من الوني وهو الفتور قال الشاعر:
رمته أناة من ربيعة عامر نؤوم الضحى في مأتم أي مأتم «١»
وقال النابغة في الواحد:
كأن رحلي وقد زال النهار بنا بذي الجليل على مستأنس وحد «٢»
سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول: سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: سمعت ابن عطاء يقول في قوله سبحانه قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ: هو المنفرد بإيجاد المفقودات والمتّحد بإظهار الخفيّات.
وقراءة العامة أَحَدٌ بالتنوين، وقرأ الحسن ونصر بن عاصم وابن إسحاق وأبان بن عثمان وهارون بن عيسى أحدُ الله بلا تنوين طلبا للخفة وفرارا من التقاء الساكنين كقراءة من قرأ عُزَيْرُ ابْنُ اللَّهِ «٣» بغير تنوين.
وأما قوله: اللَّهُ الصَّمَدُ فأختلفوا فيه فقال ابن عباس ومجاهد والحسن وسعيد بن جبير:
الذي لا جوف له، وأما سعيد بن المسيب: الذي لا حشو له، الشعبي: الذي لا يأكل ولا يشرب، وإليه ذهب الفرضي، وقيل: يفتره ما بعده.
أخبرنا محمد بن الفضل قال: أخبرنا محمد بن إسحاق بن خزيمة قال: حدثنا أحمد بن منبع ومحمود بن خراش قال: حدّثنا أبو سعد الصعالي قال: حدّثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع عن أبي العالية عن أبيّ بن كعب قال: الصَّمَدُ الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت وليس يرث إلا سيورث وأن الله لا يموت ولا يورث.
وقال أبو وائل شفيق بن سلمة: وهو السيّد الذي قد انتهى سؤدده، وهي رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: هو السيد الذي قد كمل في جميع أنواع الشرف والسؤدد.
غيره: هو السيد المقصود في الحوائج، يقول العرب: صمّدت فلانا أصمده وأصمده صمدا بسكون الميم إذا قصدته، والمصمود صمد كالقبض والنفض، ويقال: بيت مصمود ومصمّد إذا قصده الناس في حوائجهم قال طرفة:
وأن يلتقي الحي الجميع تلاقني الى ذروة البيت الرفيع المصمد «٤»
(١) الصحاح: ٥/ ١٨٥٧.
(٢) تاج العروس: ٧/ ٢٦١. [.....]
(٣) سورة التوبة: ٣٠.
(٤) تفسير مجمع البيان: ١٠/ ٤٨٣.
334
وأنشد الأئمة في الصمد:
ألا بكر الناعي بخيري بني أسد بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد «١»
وقال قتادة: الصَّمَدُ: الباقي بعد خلقه، عاصم ومعمر: هو الدائم،
علي بن موسى الرضا:
هو الذي أيست العقول عن الإطلاع على كيفيته
، محمد بن علي الترمذي: هو الأزلي بلا عدد، والباقي بلا أمد، والقائم بلا عمد، الحسين بن الفضل: هو الأزلي بلا أبتداء، وقيل: هو الذي جلّ عن شبه المصورين وقيل: هو بمعنى نفي التجزؤ والتأليف عن ذاته، ميسرة: المصمت، ابن مسعود: الذي ليست له أحشاء،
أبو إسحاق الكوفي عن عكرمة: الصَّمَدُ الذي ليس فوقه أحد، وهو قول علي عليه السّلام.
السدي: هو المقصود إليه في الرغائب المستغاث به عند المصائب، يمان: الذي لا ينام، كعب الأحبار: الذي لا يكافئه من خلقه أحد. ابن كيسان: الذي لا يوصف بصفته أحد، مقاتل ابن حيان: الذي لا عيب فيه، ربيع: الذي لا تعتريه الآفات، سعيد بن جبير أيضا: الكامل في جميع صفاته وأفعاله، الصادق: وهو الغالب الذي لا يغلب، أبو هريرة: المستغني عن كل أحد والمحتاج إليه كل أحد، مرّة الهمداني: الذي لا يبلى ولا يغنى، الحسين بن الفضل أيضا:
هو الذي يَحْكُمُ ما يُرِيدُ ويَفْعَلُ ما يَشاءُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ولا راد لقضائه.
محمد بن علي: الصَّمَدُ: الذي لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ ولا تحويه الأفكار ولا تبلغه الأقطار وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ.
ابن عطاء: الصَّمَدُ: الذي لم يتبيّن عليه أثر فيما أظهر،
جعفر: الذي لم يعط لخلقه من معرفته الا الاسم والصفة
، جنيد: الذي لم يجعل لأعدائه سبيلا الى معرفته، وقيل: هو الذي لا يدرك حقيقة نعوته وصفاته فلا يتسع له اللسان ولا يشير إليه البيان، ابن عطاء: هو المتعالي عن الكون والفساد، وقال الواسطي: الذي لا يسحر ولا يستغرق ولا تعترض عليه القواطع والغلل.
وقال جعفر أيضا: الصَّمَدُ خمس حروف: فالألف دليل على أحديّته، واللام دليل على إلهيته وهما مدغمان لا يظهران على اللسان ويظهران في الكتابة، فدلّ على أحديته وإلهيّته خفية لا يدرك بالحواس، وأنّه لا يقاس بالناس فخفاءه في اللفظ دليل على أن العقول لا تدركه ولا تحيط به علما، وإظهاره في الكتابة دليل على أنه يظهر على قلوب العارفين، ويبدو لأعين المحبين في دار السلام، والصاد دليل على صدقه، فوعده صدق وقوله صدق وفعله صدق ودعا عباده الى الصدق، والميم دليل على ملكه فهو الملك على الحقيقة، والدال علامة دوامه في أبديته وأزليته.
(١) لسان العرب: ٣/ ٢٥٨.
335
لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أختلف القراء فيه، فقرأ حمزة ويعقوب ساكنة الفاء مهموزة ومثله روى العباس عن أبي عمرو وإسماعيل عن نافع، وقرأ شيبة مشبعة غير مهموزة ومثله روى حفص عن عاصم، وقرأ الآخرون مثقلا مهموزا وكلّها لغات صحيحة فصيحة ومعناه المثل.
أَحَدٌ أي هو واحد، وقيل: على التقديم والتأخير مجازه: ولم يكن له أحد كفوا.
وقال عبد خير: سأل رجل علي بن أبي طالب عليه السّلام عن تفسير هذه السورة قال: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ بلا تأويل عدد، اللَّهُ الصَّمَدُ لا يتبعض بدد، لَمْ يَلِدْ فيكون هالكا، وَلَمْ يُولَدْ فيكون إلها مشاركا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ من خلقه كُفُواً أَحَدٌ [٣١٦] «١».
وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي بقراءتي قال: سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت أبا علي الروذباري يقول: وجدنا أنواع الشرك ثمانية: النقص والتقلّب والكثرة والعدد وكونه علّة أو معلولا، والأشكال والأضداد، فنفى الله تعالى عن صفته نوع الكثرة والعدد بقوله: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ونفى التنقّص والتقلّب بقوله: اللَّهُ الصَّمَدُ ونفى العلل والمعلول بقوله: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ونفى الأشكال والأضداد بقول: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ فحصلت الوحدانية البحت لذلك سمّيت سورة الإخلاص.
(١) تفسير مجمع البيان: ١٠/ ٤٨٩.
336
سورة الفلق والناس [المعوذتين] )
سورة الفلق
مدنية، وهي أربع وسبعون حرفا، وثلاث وعشرون كلمة، وخمس آيات
أخبرنا أبو عمرو الفراتي قال: أخبرنا أبو موسى قال: أخبرنا مكي بن عيدان قال: حدّثنا سليمان بن داود قال: حدّثنا أحمد بن نصر قال: حدّثنا أبو معاذ عن أبي عصمة نوح بن أبي مريم عن زيد العمي عن أبي نصرة عن ابن عباس عن أبيّ بن كعب عن النبي ﷺ قال: «من قرأ المعوذتين فكأنما قرأ الكتب التي أنزلها الله تعالى كلّها» [٣١٧] «١».
وأخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد العدل قال: حدّثنا أبو العباس محمد ابن يعقوب قال: أخبرنا العباس بن الوليد بن مريد قال: أخبرني أبي قال: حدّثنا الأوزاعي قال:
حدّثني يحيى بن أبي كثير قال: حدّثني محمد بن إبراهيم بن الحرث التيمي عن عقبة بن عامر الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال له: «ألا أخبرك بأفضل ما تعوذت» «٢» قلت: بلى، قال: «قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ» [٣١٨] «٣».
وأخبرنا الحباري قال: حدّثنا ابن عدي قال: حدّثنا إبراهيم بن رحيم قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا الوليد بن مسلم قال: حدّثنا هشام بن الغانم عن يزيد بن يزيد بن جابر عن القاسم أبي عبد الرحمن عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عقبة ألا أعلمك سورتين هما أفضل القرآن أو من أفضل القرآن» قلت: بلى يا رسول الله، فعلّمني المعوذتين ثم قرأهما في صلاة الغداة، وقال: لي «اقرأهما كلما قمت ونمت» [٣١٩] «٤».
وأخبرنا أبو العباس أحمد بن عمرو العصفري قال: حدّثنا عمر بن عبد المجيد قال: حدّثنا عبد الحميد بن جعفر عن صالح بن أبي غريب عن كثير بن مرّة عن عبد العزيز بن مروان قال:
سمعت عقبة بن عامر الجهني يقول: سمعت النبي ﷺ يقول: «إنك لن تقرأ سورة أحب الى الله
(١) تفسير مجمع البيان: ١٠/ ٤٩١.
(٢) في المصدر: ما تعوّذ به المتعوّذون.
(٣) السنن الكبرى: ٤/ ٤٤٠.
(٤) المعجم الكبير: ١٧/ ٣٣٦.
337
عزّ وجلّ ولا أقرب عنده «١» من قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ فأن استطعت أن لا تدعها في صلاة فأفعل» [٣٢٠] «٢».
وأخبرنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب المزكى قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبدوس الطرائفي قال: حدّثنا معاذ بن نجدة بن العريان قال: حدّثنا خلاد- يعني ابن يحيى- قال: حدّثنا سفيان عن إسماعيل عن قيس بن أبي حازم عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «أنزل علي الله سورتان لم أسمع لمثلهن ولم أرى مثلهن: المعوذتين» [٣٢١] «٣».
القصة:
قال ابن عباس وعائشة رضى الله عنهما- دخل حديث بعضهما في بعض: كان غلام اليهود يخدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم فدبّت إليه اليهود فلم يزلوا به حتى أخذ مشاطة رأس النبي صلّى الله عليه وسلم وعدّة أسنان من مشطه فأعطاها اليهود، فسحروه فيها، وكان الذي تولى ذلك رجل منهم يقال له لبيد بن أعصم ثم دسّها في بئر لبني زريق يقال له ذروان، فمرض رسول الله صلّى الله عليه وسلم وانتثر شعر رأسه، ولبث ست أشهر يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، وجعل يذوب ولا يدري ما عراه، فبينما هو نائم إذ أتاه ملكان فقعد أحدهم عند رأسه والآخر عند رجليه، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه: ما بال الرجل؟ قال: طب قال: وما طب؟ قال: سحر، قال: ومن سحره؟ قال: لبيد ابن أعصم اليهودي، قال: وبم طبّه؟ قال: بمشط ومشاطة قال: وأين هو؟ قال في [جفّ «٤» طلعة ذكر] تحت راعوفة في بئر ذروان «٥».
والجف: قشر الطلع، والراعوفة: حجر في أسفل البئر ناتئ يقوم عليه الماتح، فانتبه رسول الله صلّى الله عليه وسلم مذعورا وقال: «يا عائشة أما شعرت أن الله سبحانه أخبرني بدائي» [٣٢٢] «٦» ثم بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم عليا والزبير وعمار بن ياسر فنزحوا ماء تلك البئر كأنه نقاعة الحنّاء، ثم رفعوا الصخرة وأخرجوا الجف فإذا فيه مشاطة رأسه وأسنان من مشطة وإذا فيه وتر معقود فيه إثنا عشر عقدة مغروزة بالإبر فأنزل الله سبحانه هاتين السورتين فجعل كلّما يقرأ آية أنحلت عقدة، ووجد رسول الله صلّى الله عليه وسلم خفّة حين أنحلت العقدة الأخيرة فقام كأنما أنشط من عقال، وجعل جبرائيل (عليه السلام) يقول: بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من حاسد وعين والله يشفيك، قال: فقالوا: يا رسول الله أفلا نأخذ الخبيث فنقلته، فقال صلّى الله عليه وسلم: «أما أنا فقد شفاني الله وأكره أن أثير على الناس شرا» [٣٢٣] «٧».
(١) في المصدر: ولا أبلغ.
(٢) المعجم الأوسط: ٦/ ١٤٩.
(٣) المعجم الكبير: ١٧/ ٣٥٠، وفيه: آيات بدل: سورتان.
(٤) الجفّ: غشاء على الطلع للأنثى وللذكر.
(٥) في تفسير القرطبي: أوران.
(٦) زاد المسير: ٨/ ٣٣٢، تفسير القرطبي: ٢٠/ ٢٥٣. [.....]
(٧) بطوله في تفسير ابن كثير عن الثعلبي: ٤/ ٦١٥، وصحيح مسلم: ٧/ ١٣.
338
Icon