ﰡ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الشرح (٩٤) : آية ١]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١)نَشْرَحْ جزم بلم، وعلامة الجزم حذف الضمة. من النحويين من يقول: «ألم» من حروف الجزم، وذلك خطأ لأن الألف للاستفهام. والمعنى على الإيجاب لأن ألف الاستفهام هاهنا يؤدي عن معنى التقرير والتوقيف فيصير النفي إيجابا والإيجاب نفيا.
قال الفرّاء: أي ألم نلن لك قلبك، وقال الحسين بن واقد: ألم نوسّع لك صدرك. قال أبو جعفر: وهذا قول بيّن، ومنه يقال: فلان ضيّق الصدر، وصدره واسع وقد شرح الله صدور الأنبياء صلوات الله عليهم والمؤمنين ثوابا على أعمالهم الحسنة فصاروا يقبلون الحق ولا تضيق له صدورهم. ومن هذا الحديث المستقيم الإسناد، رواه يونس عن الزهري عن أنس عن أبي ذرّ عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال «فرج سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبرائيل صلّى الله عليه وسلّم ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم ثم أتى بطست مملوءة حكمة وإيمانا فأقرّه في صدري ثم عرج بي إلى السّماء» «١» لَكَ الكاف في موضع جر باللام، وفتحت اللام على أصلها. ومن النحويين من يقول: أصلها الكسر ولكن فتحت في قولهم له لئلا يجمع بين كسرة وضمّة ثم أتبع «لك» له، وإن لم يكن فيه تلك العلّة صَدْرَكَ منصوب بنشرح. وقال العلماء: الصدر محل القرآن والعلم، واستدلّوا في ذلك بقول الله عزّ وجلّ بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ [العنكبوت: ٤٩].
[سورة الشرح (٩٤) : آية ٢]
وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ (٢)
قال الحسن: وزره ذنبه في الجاهلية. يقال: وزر يزر وزرا والمفعول موزور، وفي الحديث «ارجعن موزورات غير مأجورات» «٢» ومن أهل الحديث
(٢) أخرجه ابن ماجة في سننه ١٥٧٨، والبيهقي في السنن الكبرى ٤/ ٧٧، والبغوي في شرح السنة ٥/ ٤٦٥، والمتقي في كنز العمال ٤٢٥٨١، والمنذري في الترهيب والترغيب ٤/ ٣٥٩.
[سورة الشرح (٩٤) : آية ٣]
الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (٣)
أهل التفسير يقولون: أثقله فإن قال قائل: كيف وصف هذا الوزر بالثقل وهو مغفور غير مطالب به؟ فالجواب أن سبيل الأنبياء صلوات الله عليهم والصالحين إذا ذكروا ذنوبهم أن يشتدّ غمّهم وبكاؤهم، فلهذا وصف ذنوبهم بالثقل. قال أبو جعفر:
وهذا الجواب عن سؤال السائل: لم يغتمّ الصالحون إذا ذكروا ذنوبهم التي قد تابوا منها وقد علموا أن المغفرة بعد التوبة واجبة؟ وفي هذا جواب آخر وهو أنهم يخافون أن يكونوا قد بقي عليهم شيء يلزمهم من تمام التوبة.
[سورة الشرح (٩٤) : آية ٤]
وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (٤)
بيان هذا في الحديث المسند عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: قال لي جبرائيل صلّى الله عليه وسلّم: «إن ربّي وربّك عزّ وجلّ يقول لك كيف رفعت ذكرك؟ قال قلت الله أعلم، قال إذا ذكرت معي» «١».
[سورة الشرح (٩٤) : الآيات ٥ الى ٦]
فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٦)
وقرأ عيسى بن عمر بضمّ السين فيهما. قيل: المعنى أن نعم الله تعالى، وهي اليسر أكثر من الشدائد، وهي العسر، وقيل: خوطب النبي صلّى الله عليه وسلّم بأنه سيظفر فذلك الظفر، وهو اليسر بالمشركين الذين لحقت منهم الشدة.
[سورة الشرح (٩٤) : آية ٧]
فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧)
قال أبو جعفر: وقد ذكرنا ما قيل في التكرير وما قيل في معنى فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧) «٢» ومن أحسن ما قيل فيه، وهو جامع لجميع الأقوال، أنه ينبغي إذا فرغ الإنسان من شغله أن ينتصب لله جلّ وعزّ وأن يرغب إليه وأن لا يشتغل بما يلهيه عن ذكر الله سبحانه فهذا أدب الله عزّ وجلّ. وقد قال عبد الله بن مسعود: ما يعجبني الإنسان أراه فارغا لا يشتغل بأمر الدنيا، ولا بأمر الآخرة.
(٢) انظر البحر المحيط ٨/ ٤٨٤ (قرأ الجمهور بفتح الراء، وأبو السمال بكسرها).