ﰡ
١٩٧ - قال الله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (٣)
* سَبَبُ النُّزُولِ:
أخرج الترمذي عن يوسف بن سعد قال: قام رجل إلى الحسن بن علي بعدما بايع معاوية، فقال: سودت وجوه المؤمنين أو يا مسوِّد وجوهِ المؤمنين فقال: لا تؤنبني - رحمك اللَّه - فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُري بني أُمية على منبره فساءه ذلك فنزلت: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ)، يا محمد يعني نهراً في الجنة، ونزلت: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ)، يملكها بعدك بنو أُمية يا محمد. قال القاسم: فعددناها فإذا هي ألف شهر لا تزيد يوماً ولا تنقص.
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآيات. وقد ذكر جمهور المفسرين هذا الحديث عند تفسيرها كالطبري وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
قال ابن كثير: (ثم هذا الحديث على كل تقدير منكر جدًا. قال شيخنا الإمام الحافظ الحجة أبو الحجاج المزي: هو حديث منكر. (قلت) وقول القاسم بن الفضل الحداني أنه حسب مدة بني أُمية فوجدها ألف شهر لا تزيد يومًا ولا تنقص ليس بصحيح. قال معاوية بن أبي سفيان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - استقل بالملك حين سلم إليه الحسن بن علي الإمرة سنة أربعين واجتمعت البيعة لمعاوية وسمي ذلك عام الجماعة. ثم استمروا فيها متتابعين بالشام وغيرها لم تخرج عنهم إلا مدة دولة عبد اللَّه بن الزبير في الحرمين والأهواز وبعض البلاد قريبًا من تسع سنين، لكن لم تزل يدهم عن الإمرة بالكلية بل عن بعض البلاد إلى أن استلبهم بنو العباس الخلافة في سنة اثنتين وثلائين ومائة فيكون مجموع مدتهم اثنتين وتسعين سنة، وذلك أزيد من ألف شهر فإن الألف شهر عبارة عن ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر، وكأن القاسم بن الفضل أسقط من مدتهم أيام ابن الزبير وعلى هذا فيقارب ما قاله الصحة في الحساب واللَّه أعلم، ومما يدل على ضعف هذا الحديث أنه سيق لذم بني أمية ولو أُريد ذلك لم يكن بهذا السياق، فإن تفضيل ليلة القدر على أيامهم لا يدل على ذم أيامهم فإن ليلة القدر شريفة جدًا والسورة الكريمة إنما جاءت لمدح ليلة القدر، فكيف تمدح بتفضيلها على أيام بني أمية التي هي مذمومة بمقتضى هذا الحديث.
ثم الذي يفهم من الآية أن الألف شهر المذكورة في الآية هي أيام بني
وقال ابن عاشور: (واتفق حذاق العلماء على أنه حديث منكر صرح بذلك ابن كثير وذكره عن شيخه المزي وأقول: هو مختل المعنى وسمات الوضع لائحة عليه وهو من وضع أهل النحل المخالفة للجماعة فالاحتجاج به لا يليق أن يصدر مثله عن الحسن مع فرط علمه وفطنته، وأيَّة ملازمة بين ما زعموه من رؤيا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبين دفع الحسن التأنيب عن نفسه، ولا شك أن هذا الخبر من وضع دعاة العباسيين على أنه مخالف للواقع لأن المدة التي بين تسليم الحسن الخلافة إلى معاوية وبين بيعة السفاح وهو أول خلفاء العباسية ألف شهر واثنان وتسعون شهرًا أو أكثر بشهر أو شهرين فما نُسب إلى القاسم الحُدَّاني من قوله: فعددناها فوجدناها إلخ كذب لا محالة.
والحاصل أن هذا الخبر الذي أخرجه الترمذي منكر كما قاله المزي) اهـ.
وإذا كان الحديث منكرًا كما تقدم فقد امتنع أن يكون سبب نزول هذه الآيات، هذا فيما يخص سورة القدر، أما سورة الكوثر فالحديث عنها يأتي إن شاء اللَّه تعالى في السبب الذي يليه.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور ليس سببًا لنزول سورة القدر لأنه منكر، وخالف سياق القرآن من وجوه، وقد أنكره علماء التفسير واللَّه أعلم.
* * * * *