مكية، وآياتها إحدى عشرة.
ﰡ
﴿وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (١) ﴾
﴿وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَالْحَسَنُ، وَالْكَلْبِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَالْمُقَاتِلَانِ (٢)، وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَغَيْرُهُمْ: هِيَ الْخَيْلُ الْعَادِيَةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تَضْبَحُ، وَالضَّبْحُ: صَوْتُ أَجْوَافِهَا إِذَا عَدَتْ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ تَضْبَحُ غَيْرُ الْفَرَسِ وَالْكَلْبِ وَالثَّعْلَبِ، وَإِنَّمَا تَضْبَحُ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتُ إِذَا تَغَيَّرَ حَالُهَا مِنْ تَعَبٍ أَوْ فَزَعٍ، وَهُوَ مِنْ [قَوْلِهِمْ] (٣) ضَبَحَتْهُ النَّارُ، إِذَا غَيَّرَتْ لَوْنَهُ.
[وَقَوْلُهُ: "ضَبْحًا" نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ، مَجَازُهُ: وَالْعَادِيَّاتُ تَضْبَحُ ضَبْحًا] (٤).
وَقَالَ عَلِيٌّ: هِيَ الْإِبِلُ فِي الْحَجِّ، تَعْدُو مِنْ عَرَفَةَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ، وَمِنَ الْمُزْدَلِفَةِ إِلَى مِنًى، وَقَالَ إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي وَقْعَةِ بَدْرٍ، [كَانَتْ أَوَّلُ غَزْوَةٍ فِي الْإِسْلَامِ بَدْرًا] (٥) وَمَا كَانَ مَعَنَا إِلَّا فَرَسَانِ، فَرَسٌ لِلزُّبَيْرِ وَفَرَسٌ لِلْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ فَكَيْفَ تَكُونُ الْخَيْلُ الْعَادِيَاتُ؟ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ، وَالسُّدَّيُّ.
وَقَالَ بَعْضُ مَنْ قَالَ: هِيَ الْإِبِلُ: قَوْلُهُ "ضَبْحًا" يَعْنِي ضِبَاحًا تَمُدُّ أَعْنَاقَهَا فِي السَّيْرِ (٦).
(٢) يعني: مقاتل بن حيان ومقاتل بن سليمان.
(٣) في "ب" قول العرب.
(٤) ما بين القوسين جاء في "أ" متأخرا لآخر معنى (والعاديات ضبحا).
(٥) ما بين القوسين ساقط من "أ".
(٦) ساق الطبري: ٣٠ / ٢٧١ - ٢٧٣ هذه الأقوال - التي ترجع إلى رأيين - ثم قال مرجحا: "وأولى القولين في ذلك بالصواب، قول من قال: عني بالعاديات: الخيل، وذلك أن الإبل لا تضبح وإنما تضبح الخيل، وقد أخبر الله تعالى أنها تعدو ضبحا".
﴿فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا﴾ قَالَ عِكْرِمَةُ، وَعَطَاءٌ، وَالضَّحَّاكُ، وَمُقَاتِلٌ، وَالْكَلْبِيُّ،: هِيَ الْخَيْلُ تُورِي النَّارَ بِحَوَافِرِهَا إِذَا سَارَتْ فِي الْحِجَارَةِ. يَعْنِي: وَالْقَادِحَاتِ قَدْحًا يَقْدَحْنَ بِحَوَافِرِهِنَّ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: هِيَ الْخَيْلُ تُهَيِّجُ الْحَرْبَ وَنَارَ الْعَدَاوَةِ بَيْنَ فُرْسَانِهَا.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هِيَ الْخَيْلُ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ تَأْوِي بِاللَّيْلِ [إِلَى مَأْوَاهَا] (١) فَيُوَرُّونَ نَارَهُمْ، وَيَصْنَعُونَ طَعَامَهُمْ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: هِيَ مَكْرُ الرِّجَالِ، يَعْنِي رِجَالَ الْحَرْبِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ إِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَمْكُرَ بِصَاحِبِهِ: أَمَا وَاللَّهِ لِأَقْدَحَنَّ لَكَ ثُمَّ لْأُوَرِّيَنَّ لَكَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: هِيَ النِّيرَانُ تَجْتَمِعُ (٢). ﴿فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا﴾ هِيَ الْخَيْلُ تُغِيرُ بِفُرْسَانِهَا، عَلَى الْعَدُوِّ عِنْدَ الصَّبَاحِ، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ. وَقَالَ الْقُرَظِيُّ: هِيَ الْإِبِلُ تَدْفَعُ بِرُكْبَانِهَا يَوْمَ النَّحْرِ مِنْ جَمْعٍ (٣) إِلَى مِنًى، وَالسُّنَّةُ أَنْ لَا تَدْفَعُ [بَرُكْبَانِهَا يَوْمَ النَّحْرِ] (٤) حَتَّى تُصْبِحَ وَالْإِغَارَةُ سُرْعَةُ السَّيْرِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: أَشْرَقَ ثَبِيرٌ كَيْمَا نُغِيرُ. ﴿فَأَثَرْنَ بِهِ﴾ أَيْ هَيَّجْنَ بِمَكَانِ [سَيْرِهِنَّ] (٥) كِنَايَةٌ عَنْ غَيْرِ مَذْكُورٍ، لِأَنَّ الْمَعْنَى مَفْهُومٌ، ﴿نَقْعًا﴾ غُبَارًا، وَالنَّقْعُ: الْغُبَارُ. ﴿فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا﴾ أَيْ دَخَلْنَ بِهِ وَسَطَ جَمْعِ الْعَدُوِّ، وَهُمُ الْكَتِيبَةُ يُقَالُ: وَسَطْتُ، الْقَوْمَ بِالتَّخْفِيفِ، وَوَسَّطْتُهُمْ، بِالتَّشْدِيدِ، وَتَوَسَّطُّهُمْ بِالتَّشْدِيدِ، كُلُّهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ. قَالَ الْقُرَظِيُّ: [هِيَ الْإِبِلُ تَوَسَّطُ بِالْقَوْمِ] (٦) يَعْنِي جَمْعَ مِنًى، [هَذَا مَوْضِعُ الْقَسَمِ]، (٧) أَقْسَمَ اللَّهُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ.
(٢) ذكر الطبري: ٣٠ / ٢٧٣ - ٢٧٤، هذه الأقوال ثم قال مرجحا: "وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أقسم بالموريات التي توري النيران قدحا، فالخيل توري بحوافرها، والناس يورونها بالزند، واللسان مثلا يوري بالمنطق، والرجال يورون بالمكر مثلا، وكذلك الخيل تهيج الحرب بين أهلها إذا التقت في الحرب، ولم يضع الله دلالة على أن المراد من ذلك بعض دون بعض، فكل ما أورت النار قدحا، فداخلة فيما أقسم به لعموم ذلك بالظاهر".
(٣) مزدلفة.
(٤) ما بين القوسين ساقط من "ب".
(٥) في "ب" سيرها.
(٦) ما بين القوسين ساقط من "ب".
(٧) ما بين القوسين ساقط من "ب".
﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ: "لَكَنُودٌ": لِكَفُورٌ جَحُودٌ لِنِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ الْكَلْبِيُّ: هُوَ بِلِسَانِ مُضَرَ وَرَبِيعَةَ الْكَفُورُ، وَبِلِسَانِ كِنْدَةَ وَحَضْرَمَوْتَ الْعَاصِي (١).
وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ الَّذِي يَعُدُّ الْمَصَائِبَ وَيَنْسَى النِّعَمَ (٢). وَقَالَ عَطَاءٌ: هُوَ الَّذِي لَا يُعْطِي فِي النَّائِبَةِ مَعَ قَوْمِهِ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هُوَ قَلِيلُ الْخَيْرِ، وَالْأَرْضُ الْكَنُودُ: الَّتِي لَا تُنْبِتُ شَيْئًا.
وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: "الْكَنُودُ" الَّذِي أَنْسَتْهُ الْخَصْلَةُ، الْوَاحِدَةُ مِنَ الْإِسَاءَةِ الْخِصَالَ الْكَثِيرَةَ مِنَ الْإِحْسَانِ، وَ"الشَّكُورُ": الَّذِي أَنْسَتْهُ الْخَصْلَةُ الْوَاحِدَةُ مِنَ الْإِحْسَانِ الْخِصَالَ الْكَثِيرَةَ مِنَ الْإِسَاءَةِ. ﴿وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ﴾ قَالَ [أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ] :(٣) وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى كَوْنِهِ كَنُودًا لَشَاهِدٌ. وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: الْهَاءُ رَاجِعَةٌ إِلَى الْإِنْسَانِ أَيْ: إِنَّهُ شَاهِدٌ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا يَصْنَعُ. ﴿وَإِنَّهُ﴾ يَعْنِي الْإِنْسَانَ، ﴿لِحُبِّ الْخَيْرِ﴾ أي لحب لمال، ﴿لَشَدِيدٌ﴾ أَيْ: لَبَخِيلٌ، أَيْ إِنَّهُ مِنْ أَجْلِ حُبِّ الْمَالِ لَبَخِيلٌ. يُقَالُ لِلْبَخِيلِ: شَدِيدٌ وَمُتَشَدِّدٌ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَقَوِيٌّ، أَيْ شَدِيدٌ الْحُبِّ لِلْخَيْرِ أَيِ الْمَالِ. ﴿أَفَلَا يَعْلَمُ﴾ أَيْ: أَفَلَا يَعْلَمُ هَذَا الْإِنْسَانُ، ﴿إِذَا بُعْثِرَ﴾ أَيْ: أُثِيرَ وَأُخْرِجَ، ﴿مَا فِي الْقُبُورِ﴾ [مِنَ الْمَوْتَى] (٤). ﴿وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ﴾ أَيْ: مُيِّزَ وَأُبْرِزَ مَا فِيهَا مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ.
(٢) أخرجه البيهقي في "الشعب": ٨ / ٥٠٨ وعزاه السيوطي لابن جرير وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في "الشعب".
(٣) في "ب" المفسرون.
(٤) ما بين القوسين ساقط من "ب".
﴿إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ﴾، [جَمَعَ] (١) الْكِنَايَةَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ اسْمٌ لِجِنْسِ، ﴿يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ﴾ عَالِمٌ، قَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِهِمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَفِي غَيْرِهِ، وَلَكِنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ يُجَازِيهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ فِي ذَلِكَ [الْيَوْمِ] (٢).
(٢) ما بين القوسين ساقط من "ب".