تفسير سورة القارعة

روح البيان
تفسير سورة سورة القارعة من كتاب روح البيان المعروف بـروح البيان .
لمؤلفه إسماعيل حقي . المتوفي سنة 1127 هـ

يَوْمَئِذٍ اى يوم إذ يكون ما ذكر من بعث ما فى القبور وتحصيل ما فى الصدور لَخَبِيرٌ اى عالم بظواهره وبواطنه علما موجبا للجزاء متصلا به كما ينبئ عنه تقييده بذلك اليوم والا فمطلق علمه سبحانه محيط بما كان وما سيكون قوله بهم ويومئذ متعلقان بخبير قدما عليه مراعاة للفواصل واللام غير مانعة من ذلك
تفسير سورة القارعة
مكية وآيها عشر او احدى عشرة بسم الله الرحمن الرحيم
الْقارِعَةُ القرع هو الضرب بشدة واعتماد بحيث يحصل منه صوت شديد ثم سميت الحادثة العظيمة من حوادث الدهر قارعة والمراد بها هاهنا القيامة التي مبدأها النفخة الاولى ومنتهاها فصل القضاء بين الخلائق سميت بها لأنها تقرع القلوب والاسماع بفنون الافزاع والأهوال وتخرج جميع الاجرام العلوية والسفلية من حال الى حال السماء بانشقاق والانفطار والشمس والنجوب بالتكوير والانكدار والانتثار والأرض والجبال بالدك والنسف وهى مبتدأ خبره قوله مَا الْقارِعَةُ على أن ما الاستفهامية خبر والقارعة مبتدأ اى راى شىء عجيب هى فى الفخامة والفظاعة وقد وضع الظاهر موضع الضمير تأكيدا للتهويل وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ ما فى حيز الرفع على الابتداء وادراك هو الخبر اى واى شىء أعلمك ما شان القارعة فان عظم شأنها بحيث لا تكاد تناله دراية أحد حتى يدرك بها ولما كان هذا منبئا عن الوعد الكريم باعلامها أنجز ذلك بقوله يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ اى هى يوم يكون الناس على ان يوم مرفوع على انه خبر مبتدأ محذوف وحركته الفتح لاضافته الى الفعل وان كان مضارعا على ما هو رأى الكوفيين او اذكر يوم إلخ فانه يدريك ما هى كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ جمع فراشة وهى التي تطير وتتهافت على السراج فتحترق وبالفارسية پروانه. والمبثوث المفرق وبه شبه فراشة القفل وهو ما ينشب فيه والمبثوث بالفارسية پراكنده. والمعنى كالفراش المفرق فى الكثرة والانتشار والضعف والذلة والاضطراب والتطاير الى الداعي كتطاير الفراش الى النار قال جرير فى الكثرة والانتشار والضعف والذلة والاضطراب والتطاير الى الداعي كتطاير الفراش الى النار قال جرير
. ان الفرزدق ما عملت وقومه مثل الفراش عشين نار المصطلى
وهذا يدل على كثرة الفراش ولو فى بعض المواضع فسقط ما قال سعدى المفتى فيه ان الفراش لا يعرف بالكثرة بحيث يصلح ان يكون مشبها به لاهل المحشر فيها الا ان يفسر بصغار الجراد اى كالجراد المنتشر حين ارادة الطيران كما قال تعالى كأنهم جراد منتشر وفيه ان الفراش لم يفسر فى اللغات بصغار الجراد وقال ابن الشيخ شبه الله الخلق وقت البعث فى هذه الآية بالفراش المبثوث وفى الآية الاخرى بالجراد المنتشر وجه التشبيه بالجراد هو الكثرة والاضطراب وبالفراش المبثوث اختلاف جهات حركاتهم فانهم إذا بعثوا
فزعوا فيذهب كل واحد منهم الى جهة غير جهة الآخر كالفراش فانها إذا طارت لاتتجه الى جهة واحدة بل تختلف جهاتها انتهى وفيه اشارة الى ان السالك الفاني يكون فى الشهود الاحدى فى الذلة وتفرق الوجهة كالفراش واحقر وأذل لانه لا قدر ولا وقع له فى عين الموحد وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ العهن الصوف المصبوغ ألوانا والنفش نشر الشعر والصوف والقطن بالإصبع وخلخلة الاجزاء وتفريقها عن تراصها قال السجاوندى شبه خفتها بعد رزانتها بالصوف وتلونها بالمصبوغ ومرها بالمندوف واختصاص العهن لالوان الجبال كما قال تعالى ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود والمعنى وتكون الجبال كالصوف الملون بالألوان المختلفة المندوف فى تفرق اجزائها وتطايرها فى الجو وكلا الامرين من آثار القارعة بعد النفخة الثانية عند حشر الخلائق يبدل الله الأرض غير الأرض ويغير هيئاتها ويسير الجبال عن مقارها على ما ذكر من الهيئات الهائلة ليشاهدها اهل المحشر وهى وان اندكت عند النفخة الاولى ولكن تسييرها وتسوية الأرض انما يكونان بعد النفخة الثانية فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ جمع الموزون وهو العمل الذي له وزن وخطر عند الله او جمع ميزان وثقلها رجحانها لان الحق ثقيل والباطل خفيف والجمع للتعظيم أو لأن لكل مكلف ميزانا او لاختلاف الموزونات وكثرتها قال ابن عباس رضى الله عنهما انه ميزان له لسان وكفتان لا يوزن فيه الا الأعمال ليبين الله امر العباد بما عهدوه فيما بينهم قالوا توضع فيه صحف الأعمال إظهارا للمعدلة وقطعا للمعذرة او تبرز الأعمال العرضية بصور جوهرية مناسبة لها فى الحسن والقبح يعنى يؤتى بالأعمال الصالحة على صور حسنة وبالأعمال السيئة على صور سيئة فتوضع فى الميزان اى فمن تر جحت مقادير حسناته فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ من قبيل الاسناد الى السبب لان العيش سبب الرضى من منعم العيش وقال بعضهم راضية اى راض صاحبها عنها وبالفارسية در زندكانى باشد پسنديده. وقد سبق فى الحاقة وفى التأويلات النجمية فاما من ثقلت له موزونات الأوصاف الالهية والأخلاق اللاهوتية فهو فى راحة واستراحة من نتائج تلك الأوصاف والأخلاق وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ بان لم يكن له حسنة يعتد بها او تر جحت سيئاته على حسناته وعن ابن مسعود رضى الله عنه يحاسب الناس يوم القيامة فمن كانت حسناته اكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة ومن كانت سيئاته اكثر من حسناته بواحدة دخل النار فَأُمُّهُ اى مأواه هاوِيَةٌ هى من اسماء النار سميت بها لغاية عمقها وبعد مهواها روى ان أهل النار يهوى فيها سبعين خريفا (وقال الكاشفى) وآن دركه باشد زيرترين همه دركها وعبر عن المأوى بالأم لأن أهلها يأوون إليها كما يأوى الولد الى امه وفيه تهكم به أو لأنها تحيط به احاطة رحم الام بالولد أو لأن الام هى الأصل والكافر خلق من النار وكل شىء يرجع الى أصله وهو اللائح وفى الكشاف من قولهم إذا دعوا على الرجل بالهلكة هوت امه لانه إذا هوى اى سقط وهلك فقد هوت امه ثكلا وحزنا فكأنه قيل فقد هلك وعن قتادة فام رأسه هاوية فى جهنم لانه يطرح فيها منكوسا وأم الرأس الدماغ او الجلدة
Icon