تفسير سورة سبأ

تفسير الخازن
تفسير سورة سورة سبأ من كتاب لباب التأويل في معاني التنزيل المعروف بـتفسير الخازن .
لمؤلفه الخازن . المتوفي سنة 741 هـ
مكية وهي أربع وخمسون آية وثمانمائة، وثلاثة وثلاثون كلمة وألف وخمسمائة واثنا عشر حرفا.

سورة سبأ
مكية وهي أربع وخمسون آية وثمانمائة، وثلاثة وثلاثون كلمة وألف وخمسمائة واثنا عشر حرفا.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

[سورة سبإ (٣٤): الآيات ١ الى ٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (١) يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (٢) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٣) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤)
قوله عز وجل الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ معناه أن كل نعمة من الله، فهو الحقيق بأن يحمد ويثنى عليه من أجلها، ولما قال: الحمد لله وصف ملكه فقال: الذي له ما في السموات وما في الأرض أي ملكا وخلقا وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ أي كما هو له في الدنيا لأن النعم في الدارين كلها منه، فكما أنه المحمود على نعم الدنيا فهو المحمود على نعم الآخرة وقيل: الحمد في الآخرة هو حمد أهل الجنة كما ورد يلهمون التسبيح والحمد كما يلهمون النفس وَهُوَ الْحَكِيمُ أي الذي أحكم أمور الدارين الْخَبِيرُ أي بكل ما كان وما يكون يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ أي من المطر والكنوز والأموات وَما يَخْرُجُ مِنْها أي من النبات والشجر والعيون والمعادن والأموات إذا بعثوا وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ أي من المطر والثلج والبرد، وأنواع البركات والملائكة وَما يَعْرُجُ فِيها أي في السماء من الملائكة وأعمال العباد وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ أي للمفرطين في أداء ما وجب عليهم من شكر نعمه قوله تعالى وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ معناه أنهم أنكروا البعث وقيل: استبطئوا ما وعدوه من قيام الساعة على سبيل اللهو والسخرية قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ يعني الساعة عالِمِ الْغَيْبِ أي لا يفوت علمه شيء من الخفيات وإذا كان كذلك اندرج في علمه، وقت قيام الساعة وأنها آتية لا يَعْزُبُ عَنْهُ أي لا يغيب عنه مِثْقالُ ذَرَّةٍ يعني وزن ذرة فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ أي من الذرة وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ يعني في اللوح المحفوظ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ أي لذنوبهم وَرِزْقٌ كَرِيمٌ يعني الجنة.
[سورة سبإ (٣٤): الآيات ٥ الى ١٢]
وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (٥) وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٦) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (٧) أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ (٨) أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٩)
وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠) أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١) وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ (١٢)
441
وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا يعني في ابطال أدلتنا معجزين يعني يحسبون أنهم يفوتوننا أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ قيل الرجز سوء العذاب وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ يعني مؤمني أهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه، وقيل هم أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ يعني القرآن هُوَ الْحَقَّ يعني أنه من عند الله وَيَهْدِي أي القرآن إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ أي إلى دين الإسلام وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أي المنكرين للبعث المتعجبين منه هَلْ نَدُلُّكُمْ أي قال بعضهم لبعض هل ندلكم عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ يعنون محمدا صلّى الله عليه وسلّم معناه يحدثكم بأعجوبة من الأعاجيب وهي أنكم إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ أي قطعتم كل تقطيع وفرقتم كل تفريق، وصرتم ترابا إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أي يقول إنكم تبعثون وتنشئون خلقا جديدا بعد أن تكونوا رفاتا وترابا أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أي أهو مفتر على الله كذبا فيما ينسب إليه من ذلك؟ أَمْ بِهِ جِنَّةٌ أي جنون يوهمه ذلك ويلقيه على لسانه قال الله تعالى: ردا عليهم ليس بمحمد صلّى الله عليه وسلّم من الافتراء والجنون شيء وهو مبرأ منهما بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يعني منكري البعث فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ أي عن الحق في الدنيا أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أي فيعلموا أنهم حيث كانوا في أرضي وتحت سمائي، فإن أرضي وسمائي محيطة بهم لا يخرجون من أقطارها، وأنا قادر عليهم إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أي كما خسفنا بقارون أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ أي كما فعلنا بأصحاب الأيكة إِنَّ فِي ذلِكَ أي فيما ترون في السماء والأرض لَآيَةً أي تدل على قدرتنا على البعث بعد الموت لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ أي تائب راجع إلى الله تعالى بقلبه. قوله عز وجل وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا يعني النبوة والكتاب. وقيل الملك وقيل هو جميع ما أوتي من حسن الصوت، وغير ذلك مما خص به يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ أي وقلنا يا جبال سبحي معه إذا سبح وقيل: رجعي معه إذا رجع ونوحي معه إذا ناح وَالطَّيْرَ أي وأمرنا الطير أن تسبح معه فكان داود إذا نادى بالتسبيح أو بالنياحة أجابته الجبال بصداها، وعكفت الطير عليه من فوقه وقيل كان داود إذا لحقه ملل أو فتور أسمعه الله تعالى تسبيح الجبال فينشط له وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ يعني كان الحديد في يده كالشمع أو كالعجين يعمل منه ما يشاء من غير نار ولا ضرب مطرقة قيل سبب ذلك أن داود عليه السلام لما ملك بني إسرائيل كان من عادته أن يخرج إلى الناس متنكرا فإذا رأى إنسانا لا يعرفه تقدم إليه، وسأله عن داود فيقول له ما تقول في داود وإليكم هذا أي رجل هو فيثنون عليه ويقولون خيرا فقيض الله له ملكا في صورة آدمي، فلما رآه داود تقدم إليه على عادته فسأله فقال الملك: نعم الرجل هو لولا خصلة فيه فراع داود عليه الصلاة والسلام، ذلك، وقال ما هي يا عبد الله قال: إنه يأكل ويطعم عياله من بيت المال قال فتنبه لذلك وسأل الله تعالى أن يسبب له سببا يستغني به عن بيت المال فيتقوت منه ويطعم عياله فألان الله له الحديد وعلمه صنعة الدروع وأنه أول من اتخذها، وكانت قبل ذلك صفائح وقيل إنه كان يبيع كل درع بأربعة آلاف فيأكل منها، ويطعم عياله ويتصدق منها على الفقراء والمساكين وقد صح في الحديث أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «قال كان داود عليه السلام لا يأكل إلا من عمل يده» أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ أي دروعا كوامل واسعات طوالا تسحب في الأرض قيل: كان يعمل كل يوم درعا وَقَدِّرْ فِي
442
﴿ يعلم ما يلج في الأرض ﴾ أي من المطر والكنوز والأموات ﴿ وما يخرج منها ﴾ أي من النبات والشجر والعيون والمعادن والأموات إذا بعثوا ﴿ وما ينزل من السماء ﴾ أي من المطر والثلج والبرد، وأنواع البركات والملائكة ﴿ وما يعرج فيها ﴾ أي في السماء من الملائكة وأعمال العباد ﴿ وهو الرحيم الغفور ﴾ أي للمفرطين في أداء ما وجب عليهم من شكر نعمه.
قوله تعالى ﴿ وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة ﴾ معناه أنهم أنكروا البعث وقيل : استبطؤوا ما وعدوه من قيام الساعة على سبيل اللهو والسخرية ﴿ قل بلى وربي لتأتينكم ﴾ يعني الساعة ﴿ عالم الغيب ﴾ أي لا يفوت علمه شيء من الخفيات وإذا كان كذلك اندرج في علمه، وقت قيام الساعة وأنها آتية ﴿ لا يعزب عنه ﴾ أي لا يغيب عنه ﴿ مثقال ذرة ﴾ يعني وزن ذرة ﴿ في السموات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ﴾ أي من الذرة ﴿ ولا أكبر إلا من كتاب مبين ﴾ يعني في اللوح المحفوظ.
﴿ ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة ﴾ أي لذنوبهم ﴿ ورزق كريم ﴾ يعني الجنة.
﴿ والذين سعوا في آياتنا ﴾ يعني في إبطال أدلتنا معجزين يعني يحسبون أنهم يفوتوننا ﴿ أولئك لهم عذاب من رجز أليم ﴾ قيل الرجز سوء العذاب.
﴿ ويرى الذين أوتوا العلم ﴾ يعني مؤمني أهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه، وقيل هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ﴿ الذي أنزل إليك من ربك ﴾ يعني القرآن ﴿ وهو الحق ﴾ يعني أنه من عند الله ﴿ ويهدي ﴾ أي القرآن ﴿ إلى صراط العزيز الحميد ﴾ أي إلى دين الإسلام.
﴿ وقال الذين كفروا ﴾ أي المنكرين للبعث المتعجبين منه ﴿ هل ندلكم ﴾ أي قال بعضهم لبعض هل ندلكم ﴿ على رجل ينبئكم ﴾ يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم معناه يحدثكم بأعجوبة من الأعاجيب وهي أنكم ﴿ إذا مزقتم كل ممزق ﴾ أي قطعتم كل تقطيع وفرقتم كل تفريق، وصرتم تراباً ﴿ إنكم لفي خلق جديد ﴾ أي يقول إنكم تبعثون وتنشئون خلقاً جديداً بعد أن تكونوا رفاتاً وتراباً.
﴿ أفترى على الله كذباً ﴾ أي أهو مفتر على الله كذباً فيما ينسب إليه من ذلك ؟ ﴿ أم به جنة ﴾ أي جنون يوهمه ذلك ويلقيه على لسانه قال الله تعالى : رداً عليهم ليس بمحمد صلى الله عليه وسلم من الافتراء والجنون شيء وهو مبرأ منهما ﴿ بل الذين لا يؤمنون بالآخرة ﴾ يعني منكري البعث ﴿ في العذاب والضلال البعيد ﴾ أي عن الحق في الدنيا.
﴿ أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض ﴾ أي فيعلموا أنهم حيث كانوا في أرضي وتحت سمائي، فإن أرضي وسمائي محيطة بهم لا يخرجون من أقطارها، وأنا قادر عليهم ﴿ إن نشأ نخسف بهم الأرض ﴾ أي كما خسفنا بقارون ﴿ أو نسقط عليهم كسفاً من السماء ﴾ أي كما فعلنا بأصحاب الأيكة ﴿ إن في ذلك ﴾ أي فبما ترون في السماء والأرض ﴿ لآية ﴾ أي تدل على قدرتنا على البعث بعد الموت ﴿ لكل عبد منيب ﴾ أي تائب راجع إلى الله تعالى بقلبه.
قوله عز وجل ﴿ ولقد آتينا داود منا فضلاً ﴾ يعني النبوة والكتاب. وقيل الملك وقيل هو جميع ما أوتي من حسن الصوت، وغير ذلك مما خص به ﴿ يا جبال أوبي معه ﴾ أي وقلنا يا جبال سبحي معه إذا سبح وقيل : رجعي معه إذا رجع ونوحي معه إذا ناح ﴿ والطير ﴾ أي وأمرنا الطير أن تسبح معه فكان داود إذا نادى بالتسبيح أو بالناحية أجابته الجبال بصداها، وعكفت الطير عليه من فوقه وقيل كان داود إذا لحقه ملل أو فتور أسمعه الله تعالى تسبيح الجبال فينشط له ﴿ وألنا له الحديد ﴾ يعني كان الحديد في يده كالشمع أو كالعجين يعمل منه ما يشاء من غير نار ولا ضرب مطرقة قيل سبب ذلك أن داود عليه السلام لما ملك بني إسرائيل كان من عادته أن يخرج إلى الناس متنكراً فإذا رأى إنسانا لا يعرفه تقدم إليه، وسأله عن داود فيقول له ما تقول في داود وإليكم هذا أي رجل هو فيثنون عليه ويقولون خيرا فقيض الله له ملكا في صورة آدمي، فلما رآه داود تقدم إليه على عادته فسأله فقال الملك : نعم الرجل هو لولا خصلة فيه فراع داود عليه الصلاة والسلام، ذلك، وقال ما هي يا عبد الله قال : إنه يأكل ويطعم عياله من بيت المال قال فتنبه لذلك وسأل الله تعالى أن يسبب له سبباً يستغني به عن بيت المال فيتقوت منه ويطعم عياله فألان الله له الحديد وعلمه صنعة الدروع وأنه أول من اتخذها، وكانت قبل ذلك صفائح وقيل إنه كان يبيع كل درع بأربعة آلاف فيأكل منها، ويطعم عياله ويتصدق منها على الفقراء والمساكين وقد صح في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم « قال كان داود عليه السلام لا يأكل إلا من عمل يده ».
﴿ أن اعمل سابغات ﴾ أي دروعاً كوامل واسعات طوالاً تسحب في الأرض قيل : كان يعمل كل يوم درعاً ﴿ وقدر في السرد ﴾ أي ضيق في نسخ الدرع وقيل قدر المسامير في حلق الدرع ولا تجعل المسامير دقاقا فتفلت ولا تثبت، ولا غلاظاً فتكسر الحلق وقيل قدر في السرد أي اجعله على القصد وقدر الحاجة ﴿ واعملوا صالحاً ﴾ يريد داود وآله ﴿ إني بما تعملون بصير ﴾.
قوله تعالى ﴿ ولسليمان الريح ﴾ أو وسخرنا لسليمان الريح ﴿ غدوها شهر ورواحها شهر ﴾ معناه أن مسير غدو تلك الريح المسخرة له مسيرة شهر ومسير رواحها مسيرة شهر فكانت تسير به في يوم واحد مسيرة شهرين، قيل كان يغدو من دمشق فيقيل باصطخر وبينهما مسيرة شهر، ثم يروح من اصطخر فيبيت بكابل وبينهما مسيرة شهر للراكب المسرع وقيل إنه كان يتغذى بالري ويتعشى بسمر قندى ﴿ وأسلنا له عين القطر ﴾ أي أذبنا له عين النحاس قال أهل التفسير : أجريت له عين النحاس ثلاثة أيام بلياليهن كجري الماء، وكان بأرض اليمن وقيل أذاب الله لسليمان النحاس كما ألان لداود الحديد ﴿ ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ﴾ أي بأمر ربه قال ابن عباس سخر الله الجن لسليمان عليه الصلاة والسلام، وأمرهم بطاعته فيما يأمرهم به ﴿ ومن يزغ ﴾ أي يعدل ﴿ منهم ﴾ من الجن ﴿ عن أمرنا ﴾ أي الذي أمرنا به من طاعة سليمان ﴿ نذقه من عذاب السعير ﴾ قيل هذا في الآخرة وقيل : في الدنيا وذلك أن الله تعالى وكل بهم ملكاً بيده سوط من نار فمن زاغ منهم عن طاعة سليمان ضربه بذلك السوط ضربة أحرقته.
السَّرْدِ
أي ضيق في نسخ الدرع وقيل قدر المسامير في حلق الدرع ولا تجعل المسامير دقاقا فتفلت ولا تثبت، ولا غلاظا فتكسر الحلق وقيل قدر في السرد أي اجعله على القصد وقدر الحاجة وَاعْمَلُوا صالِحاً يريد داود وآله إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.
قوله تعالى وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ أي وسخرنا لسليمان الريح غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ معناه أن مسير غدو تلك الريح المسخرة له مسيرة شهر ومسير رواحها مسيرة شهر فكانت تسير به في يوم واحد مسيرة شهرين، قيل كان يغدو من دمشق فيقيل باصطخر وبينهما مسيرة شهر، ثم يروح من إصطخر فيبيت بكابل وبينهما مسيرة شهر للراكب المسرع وقيل إنه كان يتغذى بالري ويتعشى بسمرقندى وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ أي أذبنا له عين النحاس قال أهل التفسير: أجريت له عين النحاس ثلاثة أيام بلياليهن كجري الماء، وكان بأرض اليمن وقيل أذاب الله لسليمان النحاس كما ألان لداود الحديد وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ أي بأمر ربه قال ابن عباس سخر الله الجن لسليمان عليه الصلاة والسلام، وأمرهم بطاعته فيما يأمرهم به وَمَنْ يَزِغْ أي يعدل مِنْهُمْ من الجن عَنْ أَمْرِنا أي الذي أمرناه به من طاعة سليمان نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ قيل هذا في الآخرة وقيل: في الدنيا وذلك أن الله تعالى وكل بهم ملكا بيده سوط من نار فمن زاغ منهم عن طاعة سليمان ضربه بذلك السوط ضربة أحرقته.
[سورة سبإ (٣٤): الآيات ١٣ الى ١٤]
يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ (١٣) فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ (١٤)
يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ أي مساجد وقيل: هي الأبنية المرتفعة والقصور والمجالس الشريفة المصونة عن الابتذال، وكان مما عملوا له بيت المقدس وذلك أن داود عليه الصلاة والسلام ابتدأه ورفعه قامة رجل، فأوحى الله إليه لم أقض ذلك على يدك ولكن ابن لك أملكه بعدك اسمه سليمان أقضي إتمامه على يديه فلما توفي داود عليه السلام واستخلف سليمان عليه الصلاة والسلام أحب إتمام بيت المقدس فجمع الجن والشياطين وقسم عليهم الأعمال، وخص كل طائفة بعمل فأرسل الجن والشياطين في تحصيل الرخام والبلور من معادنهما وأمر ببناء المدينة بالرخام والصفائح وجعلها اثني عشر ربضا وأنزل على كل ربض منها سبطا من الأسباط، فلما فرغ من بناء المدينة ابتدأ في بناء المسجد فوجه الشياطين فرقا منهم من يستخرج الذهب والفضة من معادنهما، ومنهم من يستخرج الجواهر واليواقيت والدر الصافي من أماكنها، ومنهم من يأتيه بالمسك والعنبر والطيب من أماكنها فأتى من ذلك بشيء كثير لا يحصيه إلا الله تعالى ثم أحضر الصناع وأمرهم بنحت تلك الأحجار وتصييرها ألواحا وإصلاح تلك الجواهر وثقب اليواقيت واللئالئ فبنى المسجد بالرخام الأبيض والأصفر والأخضر وعمده بأساطين البلور الصافي وسقفه بأنواع الجواهر الثمينة، وفصص سقوفه وحيطانه باللآلئ واليواقيت وسائر الجواهر وبسط أرضه بألواح الفيروزج فلم يكن على وجه تلك الأرض يومئذ بيت أبهى ولا أنور من ذلك المسجد فكان يضيء في الظلمة، كالقمر ليلة البدر فلما فرغ منه جمع إليه أحبار بني إسرائيل، وأعلمهم أنه بناه لله تعالى وأن كل شيء فيه خالص له واتخذ ذلك اليوم عيدا. روى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «أن سليمان بن داود لما بنى بيت المقدس سأل الله عز وجل، حكما يوافق حكمه فأوتيه وسأل الله تعالى ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه، وسأل الله عز وجل حين فرغ من بناء المسجد أن لا يأتيه أحد لا ينهزه إلا الصلاة فيه إلا أخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه» أخرجه النسائي ولغير النسائي، «سأل ربه ثلاثا
443
فأعطاه اثنتين، وأنا أرجو أن يكون أعطاه الثالثة» وذكر نحوه قوله لا ينهزه أي لا ينهضه أي لا ينهضه إلا الصلاة قالوا: فلم يزل بيت المقدس على ما بناه سليمان عليه الصلاة والسلام حتى غزاه بختنصر فخرب المدينة، وهدم المسجد وأخذ ما فيه من الذهب والفضة وسائر أنواع الجواهر، وحمله إلى دار ملكه بالعراق وبنى الشياطين لسليمان باليمن قصورا وحصونا عجيبة من الصخر.
وقوله عز وجل وَتَماثِيلَ أي ويعملون له تماثيل أي صورا من نحاس ورخام وزجاج قيل كانوا يصورون السباع والطيور وغيرها، وقيل كانوا يصورون صور الملائكة والأنبياء والصالحين في المساجد ليراها الناس فيزدادوا عبادة قيل: يحتمل أن اتخاذ الصور كان مباحا في شريعتهم وهذا مما يجوز أن يختلف فيه الشرائع، لأنه ليس من الأمور القبيحة في العقل كالقتل والظلم والكذب، ونحوها مما يقبح في كل الشرائع قيل: عملوا له أسدين تحت كرسيه ونسرين فوقه فإذا أراد أن يصعد بسط له الأسدان ذراعيهما، وإذا جلس أظله النسران بأجنحتهما وقيل: عملوا له الطواويس والعقبان والنسور على درجات سريره وفوق كرسيه لكي يهابه من أراد الدنو منه وَجِفانٍ أي قصاع كَالْجَوابِ أي كالحياض التي يجبى فيها الماء أي يجتمع قيل كان يقعد على الجفنة الواحدة ألف رجل يأكلون منها وَقُدُورٍ راسِياتٍ أي ثابتات على أثافيها لا تحرك، ولا تنزل عن أماكنها لعظمهن وكان يصعد إليها بالسلالم وكان باليمن اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً أي وقلنا يا آل داود اعملوا بطاعة الله تعالى شكرا على نعمه قيل: المراد من آل داود نفسه وقيل داود وسليمان وأهل بيته قال ثابت البناني كان داود نبي الله عليه الصلاة والسلام قد جزأ ساعات الليل والنهار على أهله فلم تكن تأتي ساعة من ليل أو نهار إلا وإنسان من آل داود قائم يصلي وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ أي قليل العامل بطاعتي شكرا لنعمتي. قوله تعالى فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ أي على سليمان قال: العلماء: كان سليمان يتجرد للعبادة في بيت المقدس السنة والسنتين والشهر والشهرين، وأقل من ذلك وأكثر فيدخل فيه ومعه طعامه وشرابهم فدخله المرة التي مات فيها وكان سبب ذلك أنه كان لا يصبح يوما إلا وقد نبتت في محرابه ببيت المقدس شجرة فيسألها: ما اسمك؟ فتقول: كذا وكذا فيقول لأي شيء خلقت؟ فتقول: لكذا وكذا فيأمر بها فتقطع. فإن كانت لغرس أمر بها فغرست وإن كانت لدواء كتب ذلك حتى نبتت الخروبة فقال لها: ما أنت قالت أنا الخروبة قال ولأي شيء نبت قالت لخراب مسجدك، قال سليمان: ما كان الله ليخربه وأنا حي أنت التي على وجهك هلاكي وخراب بيت المقدس، ثم نزعها وغرسها في حائط له ثم قال: اللهم عم على الجن موتي حتى تعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب، وكانت الجن تخبر الإنس أنهم يعلمون من الغيب شيئا، ويعلمون ما في غد ثم دخل المحراب وقام يصلي على عادته متكئا على عصاه فمات قائما، وكان للمحراب كوى من بين يديه، ومن خلقه فكان الجن يعملون تلك الأعمال الشاقة التي كانوا يعملون في حياة سليمان، وينظرون إليه ويحسبون أنه حي ولا ينكرون احتباسه عن الخروج إلى الناس لطول صلاته، وانقطاعه قبل ذلك فمكثوا يدأبون بعد موته حولا كاملا حتى أكلت الأرضة عصا سليمان، فخر ميتا فعلموا بموته قال ابن عباس: فشكرت الجن الأرضة فهم يأتونها بالماء والطين في جوف الخشب فذلك قوله تعالى ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ يعني الأرضة تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ قال البخاري يعني عصاه فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ معناه علمت الجن وأيقنت أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في التعب والشقاء مسخرين لسليمان، وهو ميت ويظنونه حيا أراد الله تعالى بذلك أن يعلم الجن أنهم لا يعلمون الغيب لأنهم كانوا يظنون ذلك لجهلهم وقيل في معنى الآية أنه ظهر أمر الجن وانكشف للانس أنهم لا يعلمون الغيب لأنهم كانوا قد شبهوا على الإنس ذلك ذكر أهل التاريخ أن سليمان ملك، وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وبقي في الملك مدة أربعين سنة وشرع في بناء بيت المقدس لأربع سنين مضين من ملكه، وتوفي وهو ابن ثلاث وخمسين. وقوله عز وجل:
444
قوله تعالى ﴿ فلما قضينا عليه الموت ﴾ أي على سليمان قال : العلماء : كان سليمان يتجرد للعبادة في بيت المقدس السنة والسنتين والشهر والشهرين، وأقل من ذلك وأكثر فيدخل فيه ومعه طعامه وشرابهم فدخله المرة التي مات فيها وكان سبب ذلك أنه كان لا يصبح يوماً إلا وقد نبتت في محرابه ببيت المقدس شجرة فيسألها : ما اسمك ؟ فتقول : كذا وكذا فيقول لأي شيء خلقت ؟ فتقول : لكذا وكذا فيأمر بها فتقطع. فإن كانت لغرس أمره بها فغرست وإن كانت لدواء كتب ذلك حتى نبتت الخروبة فقال : لها ما أنت قالت أنا الخروبة قال ولأي شيء نبت قالت لخراب مسجدك، قال سليمان : ما كان الله ليخربه وأنا حي أنت التي على وجهك هلاكي وخراب بيت المقدس، ثم نزعها وغرسها في حائط له ثم قال : اللهم عم على الجن موتي حتى تعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب، وكانت الجن تخبر الإنس أنهم يعلمون من الغيب شيئاً، ويعلمون ما في غد ثم دخل المحراب وقام يصلي على عادته متكئاً على عصاه فمات قائماً، وكان للمحراب كوى من بين يديه، ومن خلقه فكان الجن يعملون تلك الأعمال الشاقة التي كانوا يعملون في حياة سليمان، وينظرون إليه ويحسبون أنه حي ولا ينكرون احتباسه عن الخروج إلى الناس لطول صلاته، وانقطاعه قبل ذلك فمكثوا يدأبون بعد موته حولاً كاملاً حتى أكلت الأرضة عصا سليمان، فخر ميتاً فعلموا بموته قال ابن عباس : فشكرت الجن الأرضة فهم يأتونها بالماء والطين في جوف الخشب فذلك قوله تعالى ﴿ ما دلهم على موته إلا دابة الأرض ﴾ يعني الأرضة ﴿ تأكل منسأته ﴾ قال البخاري يعني عصاه ﴿ فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ﴾ معناه علمت الجن وأيقنت أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في التعب والشقاء مسخرين لسليمان، وهو ميت ويظنونه حياً أراد الله تعالى بذلك أن يعلم الجن أنه لا يعلمون الغيب لأنهم كانوا يظنون ذلك لجهلهم وقيل في معنى الآية أنه ظهر أمر الجن وانكشف للإنس أنهم لا يعلمون الغيب لأنهم كانوا قد شبهوا على الإنس ذلك ذكر أهل التاريخ أن سليمان ملك، وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وبقي في الملك مدة أربعين سنة وشرع في بناء بيت المقدس لأربع سنين مضين من ملكه، وتوفي وهو ابن ثلاث وخمسين.

[سورة سبإ (٣٤): الآيات ١٥ الى ١٦]

لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (١٥) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (١٦)
لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ عن فروة بن مسيك المرادي قال: «لما أنزل في سبأ ما أنزل قال رجل يا رسول الله: وما سبأ أرض أو امرأة قال: ليس بأرض ولا امرأة ولكنه رجل ولد عشرة من العرب فتيامن منهم ستة وتشاءم منهم أربعة فأما الذين تشاءموا فلخم وجذام وغسان وعاملة، وأما الذين تيامنوا فالأزد والأشعريون وحمير وكندة ومذحج وأنمار، فقال رجل: يا رسول الله وما أنمار؟ قال الذين منهم خثعم وبجيلة» أخرجه الترمذي مع زيادة. وقال حديث حسن غريب وسبأ هو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان في مسكنهم أي بمأرب من أرض اليمن، آية أي دلالة على وحدانيتنا وقدرتنا ثم فسر الآية فقال تعالى جَنَّتانِ أي بستانان عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ يعني عن يمين الوادي وشماله وقيل عن يمين من أتاهما وشماله وقيل كان لهم واد قد أحاطت به الجنتان كُلُوا أي قيل لهم كلوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ أي من ثمار الجنتين قيل كانت المرأة تحمل مكتلها على رأسها وتمر بالجنتين فيمتلئ المكتل من أنواع الفواكه من غير أن تمس بيدها شيئا وَاشْكُرُوا لَهُ أي على ما رزقكم من النعمة واعملوا بطاعته بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ أي أرض مأرب، وهي سبأ بلدة طيبة فسيحة، ليست بسبخة وقيل: لم يكن يرى في بلدتهم بعوضة ولا ذباب ولا برغوث ولا حية، ولا عقرب وكان الرجل يمر ببلدتهم، وفي ثيابه القمل فيموت القمل من طيب الهواء وَرَبٌّ غَفُورٌ قال وهب أي وربكم إن شكرتم على ما رزقكم رب غفور لمن شكره. قوله عز وجل: فَأَعْرَضُوا قال وهب: أرسل الله إليهم ثلاثة عشر نبيا فدعوهم إلى الله تعالى وذكروهم نعمه عليهم وأنذروهم عقابه فكذبوهم وقالوا ما نعرف لله علينا نعمة فقولوا لربكم فليحبس هذه النعمة عنا إن استطاع فذلك إعراضهم فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ العرم الذي لا يطاق قيل: كان ماء أحمر أرسله الله تعالى عليهم من حيث شاء وقيل: العرم السكر الذي يحبس الماء وقيل: العرم الوادي.
قال ابن عباس ووهب وغيرهما، كان لهم سد بنته بلقيس وذلك أنهم كانوا يقتتلون على ماء واديهم، فأمرت بواديهم فسد بالصخر والقار بين الجبلين وجعلت لهم ثلاثة أبواب بعضها فوق بعض، وبنت دونه بركة ضخمة وجعلت فيها اثني عشر مخرجا على عدة أنهار هم يفتحونها إذا احتاجوا إلى الماء، وإذا استغنوا عنه سدوها فإذا جاءهم المطر اجتمع إليهم ماء أودية اليمن فاحتبس السيل من وراء السد فأمرت بالباب الأعلى ففتح فجرى ماؤه إلى البركة، فكانوا يسقون من الباب الأعلى ثم من الثاني ثم من الثالث الأسفل فلا ينفذ الماء حتى يثوب الماء من السنة المقبلة، فكانت تقسمه بينهم على ذلك فبقوا بعدها مدة، فلما طغوا وكفروا سلط الله عليهم جرذا يسمى الخلد فنقب السد من أسفله فغرق الماء جنانهم وأخرب أرضهم وقال وهب رأوا فيما يزعمون ويجدون في علمهم أن الذي يخرب سدهم فأرة فلم يتركوا فرجة بين حجرين إلا ربطوا عندها هرة فلما جاء زمان ما أراد الله تعالى بهم من التغريق أقبلت فيما يذكرون فارة حمراء كبيرة إلى هرة من تلك الهرار فساورتها، حتى استأخرت عنها الهرة فدخلت في الفرجة التي كانت عندها فتغلغلت في السد، وحفرت حتى أوهنت المسيل وهم لا يعلمون بذلك فلما جاء السيل وجد خللا فدخل منه حتى اقتلع السد، وفاض الماء حتى علا أموالهم فغرقها ودفن بيوتهم الرمل فغرقوا ومزقوا كل ممزق، حتى صاروا مثلا عند العرب يقولون ذهبوا أيدي سبا، وتفرقوا أيادي سبا فذلك قوله تعالى فأرسلنا عليهم سيل العرم وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ قيل هو شجر الأراك وثمرة البربر وقيل: كل نبت أخذ طعما من المرارة حتى لا يمكن أكله، فهو خمط وقيل هو ثمر شجر يقال له فسوة الضبع على صور الخشخاش يتفرك ولا ينتفع به وَأَثْلٍ قيل هو الطرفاء وقيل شجر يشبه الطرفاء إلا أنه
قوله عز وجل :﴿ فأعرضوا ﴾ قال وهب : أرسل الله إليهم ثلاثة عشر نبياً فدعوهم إلى الله تعالى وذكروهم نعمه عليهم وأنذروهم عقابه فكذبوهم وقالوا ما نعرف الله علينا نعمة فقولوا لربكم فليحبس هذه النعمة عنا إن استطاع فذلك إعراضهم ﴿ فأرسلنا عليهم سيل العرم ﴾ العرم الذي لا يطاق قيل : كان ماء أحمر أرسله الله تعالى عليهم من حيث شاء وقيل : العرم السكر الذي يحبس الماء وقيل : العرم الوادي.
قال ابن عباس : ووهب وغيرهما، كان لهم سد بنته بلقيس وذلك أنهم كانوا يقتتلون على ماء واديهم، فأمرت بواديهم فسد بالصخر والقار بين الجبلين وجعلت لهم ثلاثة أبواب بعضها فوق بعض وبنت دونه بركة ضخمة وجعلت فيها اثني عشر مخرجاً على عدة أنهار هم يفتحونها إذا احتاجوا إلى الماء، وإذا استغنوا عنه سدوها فإذا جاءهم المطر اجتمع إليهم ماء أودية اليمن فاحتبس السيل من وراء السد فأمرت بالباب الأعلى ففتح فجرى ماؤه إلى البركة، فكانوا يسقون من الباب الأعلى ثم من الثاني ثم من الثالث الأسفل فلا ينفذ الماء حتى يثوب الماء من السنة المقبلة، فكانت تقسمه بينهم على ذلك فبقوا بعدها مدة، فلما طغوا وكفروا سلط الله عليهم جرذاً يسمى الخلد فنقب السد من أسفله فغرق الماء جناتهم وأخرب أرضهم وقال وهب رأوا فيما يزعمون ويجدون في علمهم أن الذي يخرب سدهم فأرة فلم يتركوا فرجة بين حجرين إلا ربطوا عندها هرة فلما جاء زمان ما أراد الله تعالى بهم من التغريق أقبلت فيما يذكرون فأرة حمراء كبيرة إلى هرة من تلك الهرار فساورتها، حتى استأخرت عنها الهرة فدخلت في الفرجة التي كانت عندها فتغلغلت في السد، وحفرت حتى أوهنت المسيل وهم لا يعلمون بذلك فلما جاء السيل وجد خللاً فدخل منه حتى اقتلع السد، وفاض الماء حتى علا أموالهم فغرقها ودفن بيوتهم الرمل فغرقوا ومزقوا كل ممزق، حتى صاروا مثلاً عند العرب يقولون ذهبوا أيدي سبأ، وتفرقوا أيادي سبا فذلك قوله تعالى فأرسلنا عليهم سيل العرم ﴿ وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط ﴾ قيل هو شجر الأراك وثمره البربر وقيل : كل نبت أخذ طعماً من المرارة حتى لا يمكن أكله، فهو خمط وقيل هو ثمر شجرة يقال له فسوة الضبع على صور الخشخاش يتفرك ولا ينتفع به ﴿ وأثل ﴾ قيل هو الطرفاء وقيل شجر يشبه الطرفاء إلا أنه أعظم منه ﴿ وشيء من سدر قليل ﴾ هو شجر معروف ينتفع بورقة في الغسل وثمره النبق ولم يكن السدر الذي بدلوه مما ينتفع به بل كان سدراً برياً لا يصلح لشيء قيل : كان شجر القوم من خير الشجر فصيره الله من شر الشجر بأعمالهم.
أعظم منه وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ هو شجر معروف ينتفع بورقة في الغسل وثمره النبق ولم يكن السدر الذي بدلوه مما ينتفع به بل كان سدرا بريا لا يصلح لشيء قيل: كان شجر القوم من خير الشجر فصيره الله من شر الشجر بأعمالهم وهو قوله تعالى:
[سورة سبإ (٣٤): الآيات ١٧ الى ٢٢]
ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ (١٧) وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ (١٨) فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (١٩) وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٠) وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٢١)
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (٢٢)
ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا أي ذلك فعلنا بهم جزاء كفرهم وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ أي هل يكافأ بعمله إلا الكفور لله في نعمه، قيل المؤمن يجزي ولا يجزى يجازى بحسناته، ولا يكافأ بسيئاته وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها أي بالماء والشجر، وهي قرى الشام قُرىً ظاهِرَةً أي متواصلة تظهر الثانية من الأولى لقربها منها قيل: كان متجرهم من اليمن إلى الشام فكانوا يبيتون بقرية ويقيلون بأخرى وكانوا لا يحتاجون إلى حمل زاد من سبأ إلى الشام، وقيل: كانت قراهم أربعة آلاف وسبعمائة قرية متصلة من سبأ إلى الشام وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ أي قدرنا سيرهم بين هذه القرى فكان سيرهم في الغدو والرواح على قدر نصف يوم، فإذا ساروا نصف يوم وصلوا إلى القرية ذات مياه وأشجار، فكان ما بين اليمن والشام كذلك سِيرُوا أي وقلنا لهم سيروا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً أي في أي وقت شئتم آمِنِينَ أي لا تخافون عدوا ولا جوعا ولا عطشا فبطروا النعمة، وسئموا الراحة وطغوا ولم يصبروا على العافية فقالوا: لو كانت جناتنا أبعد مما هي كان أجدر أن نشتهيها وطلبوا الكد والتعب في الأسفار فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وقرئ باعد بين أسفارنا أي اجعل بيننا وبين الشام مفاوز وفلوات لنركب فيها الرواحل، ونتزود الأزواد فلما تمنوا ذلك عجل الله لهم الإجابة وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ أي بالبطر والطغيان فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ أي عبرة لمن بعدهم يتحدثون بأمرهم وشأنهم وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ أي فرقناهم في كل وجه من البلاد كل التفريق قيل: لما غرقت قراهم تفرقوا في البلاد فأما غسان فلحقوا بالشام ومر الأزد إلى عمان وخزاعة إلى تهامة ومر الأوس والخزرج إلى يثرب، وكان الذي قدم منهم المدينة عمرو بن عامر، وهو جد الأوس والخزرج ولحق آل خزيمة بالعراق إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أي لعبرا ودلالات لِكُلِّ صَبَّارٍ أي عن المعاصي شَكُورٍ أي لله على نعمه قيل، المؤمن صابر على البلاء شاكر للنعماء وقيل: المؤمن إذا أعطى شكر وإذا ابتلي صبر. قوله عز وجل وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ قيل على أهل سبأ وقيل على الناس كلهم فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قال ابن عباس رضي الله عنهما يعني المؤمنين كلهم لأنهم لم يتبعوه في أصل الدين، وقيل هو خاص بالمؤمنين الذين يطيعون الله ولا يعصونه، قال ابن قتيبة: إن إبليس لما سأل النظرة فأنظره الله قال لأغوينهم ولأضلنهم ولم يكن مستيقنا وقت هذه المقالة أن ما قاله فيهم يتم وإنما قاله ظنا فلما اتبعوه وأطاعوه صدق عليهم ما ظنه فيهم وقال الحسن إنه لم يسل عليهم سيفا، ولا ضربهم بسوط إنما وعدهم ومناهم فاغتروا وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ يعني ما كان تسليطنا إياه عليهم إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ يعني لنرى ونميز المؤمن من الكافر وأراد علم الوقوع، والظهور إذ كان معلوما
﴿ وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها ﴾ أي بالماء والشجر، وهي قرى الشام ﴿ قرى ظاهرة ﴾ أي متواصلة تظهر الثانية من الأولى لقربها منها قيل : كان متجرهم من اليمن إلى الشام فكانوا يبيتون بقرية ويقيلون بأخرى وكانوا لا يحتاجون إلى حمل زاد من سبأ إلى الشام، وقيل : كانت قراهم أربعة آلاف وسبعمائة قرية متصلة من سبأ إلى الشام ﴿ وقدرنا فيها السير ﴾ أي قدرنا سيرهم بين هذه القرى فكان سيرهم في الغدو والرواح على قدر نصف يوم، فإذا ساروا نصف يوم وصلوا إلى القرية ذات مياه وأشجار، فكان ما بين اليمن والشام كذلك ﴿ سيروا ﴾ أي وقلنا لهم سيروا ﴿ فيها ليالي وأياماً ﴾ أي في أي وقت شئتم ﴿ آمنين ﴾ أي لا تخافون عدواً ولا جوعاً ولا عطشاً فبطروا النعمة، وسئموا الراحة وطغوا ولم يصبروا على العافية فقالوا : لو كانت جناتنا أبعد مما هي كان أجدر أن نشتهيها وطلبوا الكد والتعب في الأسفار.
﴿ فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا ﴾ وقرئ باعد بين أسفارنا أي اجعل بيننا وبين الشام مفاوز وفلوات لنركب فيها الرواحل، ونتزود الأزواد فلما تمنوا ذلك عجل الله لهم الإجابة ﴿ وظلموا أنفسهم ﴾ أي بالبطر والطغيان ﴿ فجعلناهم أحاديث ﴾ أي عبرة لمن بعدهم يتحدثون بأمرهم وشأنهم ﴿ ومزقناهم كل ممزق ﴾ أي فرقناهم في كل وجه من البلاد كل التفريق قيل : لما غرقت قراهم تفرقوا في البلاد فأما غسان فلحقوا بالشام ومر الأزد إلى عمان وخزاعة إلى تهامة ومر الأوس والخزرج إلى يثرب، وكان الذي قدم منهم المدينة عمرو بن عامر، وهو جد الأوس والخزرج ولحق آل خزيمة بالعراق ﴿ إن في ذلك لآيات ﴾ أي لعبراً ودلالات ﴿ لكل صبار ﴾ أي عن المعاصي ﴿ شكور ﴾ أي لله على نعمه قيل، من المؤمن صابر على البلاء شاكر للنعماء وقيل : المؤمن إذا أعطى شكر وإذا ابتلي صبر.
قوله عز وجل ﴿ ولقد صدق عليهم إبليس ظنه ﴾ قيل على أهل سبأ وقيل على الناس كلهم ﴿ فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين ﴾ قال ابن عباس رضي الله عنهما يعني المؤمنين كلهم لأنهم لم يتبعوه في أصل الدين، وقيل هو خاص بالمؤمنين الذين يطيعون الله ولا يعصونه قال ابن قتيبة : إن إبليس لما سأل النظرة فأنظره الله قال لأغوينهم ولأضلنهم ولم يكن مستيقناً وقت هذه المقالة أن ما قاله فيهم يتم وإنما قاله ظناً فلما اتبعوه وأطاعوه صدق عليهم ما ظنه فيهم وقال الحسن إنه لم يسل عليهم سيفاً، ولا ضربهم بسوط إنما وعدهم ومناهم فاغتروا.
﴿ وما كان له عليهم من سلطان ﴾ يعني ما كان تسليطنا إياه عليهم ﴿ إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك ﴾ يعني لنرى ونميز المؤمن من الكافر وأراد علم الوقوع، والظهور إذا كان معلوماً عنده لأنه عالم الغيب ﴿ وربك على كل شيء حفيظ ﴾ يعني رقيب وقيل حفيظ بمعنى حافظ.
قوله تعالى ﴿ قل ﴾ يعني قل يا محمد لكفار مكة ﴿ ادعوا الذين زعمتم ﴾ يعني أنهم آلهة ﴿ من دون الله ﴾ والمعنى ادعوهم ليكشفوا عنكم الضر الذي نزل بكم في سني الجوع، ثم وصف عجز الآلهة فقال تعالى ﴿ لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ﴾ يعني من خير وشر ونفع وضر ﴿ وما لهم ﴾ يعني للآلهة ﴿ فيهما ﴾ يعني في السموات، الأرض ﴿ من شرك ﴾ يعني من شركة ﴿ وما له ﴾ يعني لله ﴿ منهم ﴾ يعني من الآلهة ﴿ من ظهير ﴾ عون.
عنده لأنه عالم الغيب وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ يعني رقيب وقيل حفيظ بمعنى حافظ. قوله تعالى قُلِ يعني قل يا محمد لكفار مكة ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ يعني أنهم آلهة مِنْ دُونِ اللَّهِ والمعنى ادعوهم ليكشفوا عنكم الضر الذي نزل بكم في سني الجوع، ثم وصف عجز الآلهة فقال تعالى لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ يعني من خير وشر ونفع وضر وَما لَهُمْ يعني للآلهة فِيهِما يعني في السموات، الأرض مِنْ شِرْكٍ يعني من شركة وَما لَهُ يعني لله مِنْهُمْ يعني من الآلهة مِنْ ظَهِيرٍ عون.
[سورة سبإ (٣٤): الآيات ٢٣ الى ٣١]
وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٢٣) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤) قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٢٥) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (٢٦) قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ كَلاَّ بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧)
وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢٨) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٩) قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ (٣٠) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (٣١)
وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ يعني أذن الله له في الشفاعة قاله تكذيبا للكفار حيث قالوا: هؤلاء شفعاؤنا عند الله وقيل: يجوز أن يكون المعنى إلا لمن أذن الله في أن يشفع له حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ معناه كشف الفزع وأخرج عن قلوبهم قيل هم الملائكة وسبب ذلك من غشية تصيبهم عند سماع كلام الله تعالى (خ) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها» فإذا فزع عن قلوبهم قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الذي قال الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ وللترمذي «إذا قضى الله في السماء أمرا ضربت الملائكة بأجنحتها خضعا لقوله كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير» قال الترمذي حديث حسن صحيح قوله: خضعا جمع خاضع وهو المنقاد المطمئن والصفوان الحجر الأملس عن ابن مسعود رضي الله عنه قال «إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السموات صلصلة كجر السلسلة على الصفاة، فيصعقون فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل فإذا جاء فزع عن قلوبهم فيقولون يا جبريل ماذا قال ربك؟ فيقول الحق فيقولون الحق» أخرجه أبو داود. الصلصلة صوت الأجراس الصلبة بعضها على بعض، وقيل: إنما يفزعون حذرا من قيام الساعة، قيل كانت الفترة بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام خمسمائة سنة أو ستمائة، لم تسمع الملائكة فيها صوت وحي فلما بعث الله محمدا صلّى الله عليه وسلّم كلم جبريل بالرسالة إلى محمد صلّى الله عليه وسلّم فلما سمعت الملائكة ظنوا أنها الساعة، لأن محمدا صلّى الله عليه وسلّم، عند أهل السموات من أشراط الساعة، فصعقوا مما سمعوا خوفا من قيام الساعة فلما انحدر جبريل جعل يمر بأهل كل سماء، فيكشف عنهم فيرفعون رؤوسهم ويقول بعضهم لبعض: ماذا قال ربكم: قالوا قال الحق يعني الوحي وهو العلي الكبير وقيل: الموصوفون بذلك هم المشركون وقيل إذا كشف الفزع عن قلوبهم عند نزول الموت قالت الملائكة لهم ماذا قال ربكم في الدنيا لإقامة الحجة عليهم؟ قالوا: الحق فأقروا به حين لم ينفعهم الإقرار وهو العلي الكبير أي ذو العلو والكبرياء.
قوله عز وجل ﴿ قل من يرزقكم من السموات والأرض ﴾ يعني المطر والنبات ﴿ قل الله ﴾ يعني إن لم يقولوا إن رزاقنا هو الله فقل : أنت إن رازقكم هو الله ﴿ وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ﴾ معناه ما نحن وأنتم على أمر واحد بل أحد الفريقين مهتد والآخر ضال، وهذا ليس على طريق الشك بل جهة الإلزام والإنصاف في الحجاج، كما يقول القائل أحدنا كاذب، وهو يعلم أنه صادق وصاحبه كاذب فالنبي صلى الله عليه وسلم ومن اتبعه على الهدى ومن خالفه في ضلال فكذبهم من غير أن يصرح بالتكذيب ومنه بيت حسان :
أتهجوه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفداء
وقيل أو بمعنى الواو، ومعنى الآية إنا لعلى هدى وإنكم لفي ضلال مبين.
﴿ قل لا تسألون عما أجرمنا ﴾ أي تؤاخذون به ﴿ ولا نسأل عما تعملون ﴾ أي من الكفر والتكذيب وقيل أراد بالإجرام الصغائر والزلات التي لا يخلو منها مؤمن وبالعمل الكفر والمعاصي العظام.
﴿ قل يجمع بيننا ربنا ﴾ أي يوم القيامة ﴿ ثم يفتح ﴾ يعني يقضي ويحكم ﴿ بيننا بالحق ﴾ يعني بالعدل ﴿ وهو الفتاح ﴾ يعني القاضي ﴿ العليم ﴾ يعني بما يقضي.
﴿ قل أروني ﴾ أعلموني ﴿ الذين ألحقتم به ﴾ يعني بالله ﴿ شركاء ﴾ يعني الأصنام التي أشركوها معه في العبادة هل يخلقون أو يرزقون وأراد بذلك أن يريهم الخطأ العظيم في إلحاق الشركاء بالله ﴿ كلا ﴾ كلمة ردع لهم عن مذهبهم والمعنى ارتدعوا فإنهم لا يخلقون ولا يرزقون ﴿ بل هو العزيز ﴾ أي الغالب على أمره ﴿ الحكيم ﴾ أي تدبير خلقه فأنى يكون له شريك في ملكه.
قوله عز وجل ﴿ وما أرسلناك إلا كافة للناس ﴾ يعني للناس كلهم عامة أحمرهم وأسودهم عربيهم وعجميهم وقيل الرسالة عامة لهم لأنها إذا شملتهم فقد كفتهم أن يخرج منها أحد ( ق ) عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهور، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة ». في الحديث بيان الفضائل التي خص الله بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم دون سائر الأنبياء، وأن هذه الخمسة لم تكن لأحد ممن كان قبله من الأنبياء، وفيه اختصاصه بالرسالة العامة لكافة الخلق الإنس والجن وكان النبي قبله يبعث إلى قومه أو إلى أهل بلده فعمت رسالة نبينا صلى الله عليه سلم، جميع الخلق وهذه درجة خص بها دون سائر الأنبياء عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام، وقيل في المعنى كافة أي كافأتكفهم عما هم عليه من الكفر فتكون الهاء للمبالغة ﴿ بشيراً ﴾ أي لمن آمن بالجنة ﴿ ونذيراً ﴾ أي لمن كفر بالنار ﴿ ولكن أكثر الناس لا يعلمون ﴾.
﴿ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ﴾ يعني يوم القيامة.
﴿ قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون ساعة ولا تستقدمون ﴾ معناه لا تتقدمون على يوم القيامة وقيل : عن يوم الموت ولا تتأخرون عنه بأن يزاد في آجالهم أو ينقص منها.
﴿ وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه ﴾ يعني التوراة والإنجيل ﴿ ولو ترى ﴾ أي يا محمد ﴿ إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول ﴾ معناه ولو ترى في الآخرة موقفهم وهم يتجاذبون أطراف المحاورة ويتراجعونها بينهم لرأيت العجب ﴿ يقول الذين استضعفوا ﴾ وهم الأتباع ﴿ للذين استكبروا ﴾ وهو القادة والأشراف ﴿ لولا أنتم لكنا مؤمنين ﴾ يعني أنتم منعتمونا عن الإيمان بالله ورسوله.
قوله عز وجل قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعني المطر والنبات قُلِ اللَّهُ يعني إن لم يقولوا إن رزاقنا هو الله فقل: أنت إن رازقكم هو الله وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ معناه ما نحن وأنتم على أمر واحد بل أحد الفريقين مهتد والآخر ضال، وهذا ليس على طريق الشك بل جهة الإلزام والإنصاف في الحجاج، كما يقول القائل أحدنا كاذب، وهو يعلم أنه صادق وصاحبه كاذب فالنبي صلّى الله عليه وسلّم ومن اتبعه على الهدى ومن خالفه في ضلال فكذبهم من غير أن يصرح بالتكذيب ومنه بيت حسان:
أتهجوه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفداء
وقيل أو بمعنى الواو، ومعنى الآية إنا لعلى هدى وإنكم لفي ضلال مبين قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا أي لا تؤاخذون به وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ أي من الكفر والتكذيب وقيل أراد بالإجرام الصغائر والزلات التي لا يخلو منها مؤمن وبالعمل الكفر والمعاصي العظام قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا أي يوم القيامة ثُمَّ يَفْتَحُ يعني يقضي ويحكم بَيْنَنا بِالْحَقِّ يعني بالعدل وَهُوَ الْفَتَّاحُ يعني القاضي الْعَلِيمُ يعني بما يقضي قُلْ أَرُونِيَ أعلموني الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ يعني بالله شُرَكاءَ يعني الأصنام التي أشركوها معه في العبادة هل يخلقون أو يرزقون وأراد بذلك أن يريهم الخطأ العظيم في إلحاق الشركاء بالله كَلَّا كلمة ردع لهم عن مذهبهم والمعنى ارتدعوا فإنهم لا يخلقون ولا يرزقون بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ أي الغالب على أمره الْحَكِيمُ أي في تدبير خلقه فأنى يكون له شريك في ملكه. قوله عز وجل وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ يعني للناس كلهم عامة أحمرهم وأسودهم عربيهم وعجميهم وقيل الرسالة عامة لهم لأنها إذا شملتهم فقد كفتهم أن يخرج منها أحد (ق) عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهور، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة». في الحديث بيان الفضائل التي خص الله بها نبينا محمدا صلّى الله عليه وسلّم دون سائر الأنبياء، وأن هذه الخمسة لم تكن لأحد ممن كان قبله من الأنبياء، وفيه اختصاصه بالرسالة العامة لكافة الخلق الإنس والجن وكان النبي قبله يبعث إلى قومه أو إلى أهل بلده فعمت رسالة نبينا صلّى الله عليه وسلّم، جميع الخلق وهذه درجة خص بها دون سائر الأنبياء عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام، وقيل في معنى كافة أي كافا تكفهم عما هم عليه من الكفر فتكون الهاء للمبالغة بَشِيراً أي لمن آمن بالجنة وَنَذِيراً أي لمن كفر بالنار وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ يعني يوم القيامة قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ معناه لا تتقدمون على يوم القيامة وقيل: عن يوم الموت ولا تتأخرون عنه بأن يزاد في آجالهم أو ينقص منها وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ يعني التوراة والإنجيل وَلَوْ تَرى أي يا محمد إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ معناه ولو ترى في الآخرة موقفهم وهم يتجاذبون أطراف المحاورة ويتراجعونها بينهم لرأيت العجب يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا وهم الأتباع لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا وهو القادة والأشراف لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ يعني أنتم منعتمونا عن الإيمان بالله ورسوله.
[سورة سبإ (٣٤): الآيات ٣٢ الى ٣٩]
قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (٣٢) وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٣٣) وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٣٤) وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٣٥) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٦)
وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ (٣٧) وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (٣٨) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٣٩)
448
قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا أي أجاب المتبوعون في الكفر لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ أي منعناكم عَنِ الْهُدى أي عن الإيمان بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ أي بترك الإيمان وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أي مكركم بنا في الليل والنهار وقيل مكر الليل والنهار هو طول السلامة في الدنيا وطول الأمل فيها إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً أي هو قول القادة للأتباع إن ديننا الحق وإن محمد كذاب ساحر وهذا تنبيه للكفار أن تصير طاعة بعضهم لبعض في الدنيا سبب عداوتهم في الآخرة وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ أي أظهروها وقيل: أخفوها وهو من الأضداد لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا أي في النار الأتباع والمتبوعين جميعا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ أي من الكفر والمعاصي في الدنيا.
قوله عز وجل وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها أي رؤساؤها وأغنياؤها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ وَقالُوا يعني المترفين والأغنياء للفقراء الذين آمنوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلاداً يعني لو لم يكن الله راضيا بما نحن عليه من الدين والعمل الصالح لم يخولنا أموالا ولا أولادا وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ أي إن الله قد أحسن إلينا في الدنيا بالمال والولد فلا يعذبنا في الآخرة قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ يعني أنه تعالى يبسط الرزق ابتلاء وامتحانا ولا يدل البسط على رضا الله تعالى ولا التضييق على سخطه وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ أي إنها كذلك وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى أي بالتي تقربكم عندنا تقريبا إِلَّا أي لكن مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً قال ابن عباس يريد إيمانه وعلمه يقربه مني فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا أي يضعف الله لهم حسناتهم فيجزي بالحسنة الواحدة عشر إلى سبعمائة وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا أي يعملون في إبطال حججنا مُعاجِزِينَ أي معاندين يحسبون أنهم يعجزوننا ويفوتنا أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ. قوله عز وجل قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ أي يعطي خلفه إذا كان في غير إسراف ولا تقتير فهو يخلفه ويعوضه لا معوض سواه إما عاجلا بالمال أو بالقناعة التي هي كنز لا ينفد، وإما بالثواب في الآخرة الذي كل خلف دونه، وقيل ما تصدقتم من صدقة وأنفقتم من خير فهو يخلفه على المنفق. قال مجاهد: من كان عنده من هذا المال ما يقيمه فليقتصد، فإن الرزق مقسوم ولعل ما قسم له قليل، وهو ينفق نفقة الموسع عليه فينفق جميع ما في يده ثم يبقى طول عمره في فقره، ولا يتأولن وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه فإن هذا في الآخرة ومعنى الآية ما كان من خلف فهو منه (ق) عن ابن هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال الله تبارك وتعالى: أنفق ينفق عليك» ولمسلم «يا ابن آدم أنفق أنفق عليك» (ق) عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان يقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا» (م) عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله» وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ أي خير من يعطي ويرزق لأن كل ما رزق غيره من سلطان يرزق جنده أو سيد يرزق مملوكه أو رجل يرزق عياله فهو من رزق الله أجراه الله على أيدي هؤلاء وهو الرزاق الحقيقي الذي لا رازق سواه. قوله تعالى:
449
﴿ وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار ﴾ أي مكركم بنا في الليل والنهار وقيل مكر الليل والنهار هو طول السلام في الدنيا وطول الأمل فيها ﴿ إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أنداداً ﴾ أي هو قول القادة للأتباع إن ديننا الحق وإن محمد كذاب ساحر وهذا تنبيه للكفار أن تصير طاعة بعضهم لبعض في الدنيا سبب عداوتهم في الآخرة ﴿ وأسروا الندامة ﴾ أي أظهروها وقيل : أخفوها وهو من الأضداد ﴿ لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا ﴾ أي في النار الأتباع والمتبوعين جميعاً ﴿ هل يجزون إلا ما كانوا يعملون ﴾ أي من الكفر والمعاصي في الدنيا.
قوله عز وجل ﴿ وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها ﴾ أي رؤساؤها وأغنياؤها ﴿ إنا بما أرسلتم به كافرون ﴾.
﴿ وقالوا ﴾ يعني المترفين والأغنياء للفقراء الذين آمنوا ﴿ نحن أكثر أموالاً وأولاداً ﴾ يعني لو لم يكن الله راضياً بما نحن عليه من الدين والعمل الصالح لم يخولنا أموالاً ولا أولاداً ﴿ وما نحن بمعذبين ﴾ أي إن الله قد أحسن إلينا في الدنيا بالمال والولد فلا يعذبنا في الآخرة.
﴿ قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ﴾ يعني أنه تعالى يبسط الرزق ابتلاء وامتحاناً ولا يدل البسط على رضا الله تعالى ولا التضييق على سخطه ﴿ ولكن أكثر الناس لا يعلمون ﴾ أي إنها كذلك.
﴿ وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى ﴾ أي بالتي تقربكم عندنا تقريباً ﴿ إلا ﴾ أي لكن ﴿ من آمن وعمل صالحاً ﴾ قال ابن عباس يريد إيمانه وعلمه يقربه مني ﴿ فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا ﴾ أي يضعف الله لهم حسناتهم فيجزي بالحسنة الواحدة عشر إلى سبعمائة ﴿ وهم في الغرفات آمنون ﴾.
﴿ والذين يسعون في آياتنا ﴾ أي يعملون في إبطال حججنا ﴿ معاجزين ﴾ أي معاندين يحسبون أنهم يعجزوننا ويفوتنا ﴿ أولئك في العذاب محضرون ﴾.
قوله تعالى عز وجل ﴿ قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه ﴾ أي يعطي خلفه إذا كان في غير إسراف ولا تقتير فهو يخلفه ويعوضه لا معوض سواه إما عاجلاً بالمال أو بالقناعة التي هي كنز لا ينفد، وإما بالثواب في الآخرة الذي كل خلف دونه، وقيل ما تصدقتم من صدقة وأنفقتم من خير فهو يخلفه على المنفق. قال مجاهد : من كان عنده من هذا المال ما يقيمه فليقتصد، فإن الرزق مقسوم ولعل ما قسم له قليل، وهو ينفق نفقة الموسع عليه فينفق جميع ما في يده ثم يبقى طول عمره في فقره، ولا يتأولن وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه فإن هذا في الآخرة ومعنى الآية ما كان من خلف فهو منه ( ق ) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :« قال الله تبارك وتعالى : أنفق ينفق عليك » ولمسلم « يا ابن آدم أنفق أنفق عليك » ( ق ) عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان يقول أحدهما اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر اللهم أعط ممسكاً تلفاً » ( م ) عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :« ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً وما تواضع لله إلا رفعه الله » ﴿ وهو خير الرازقين ﴾ أي خير من يعطي ويرزق لأن ما رزق غيره من سلطان يرزق جنده أو سيد يرزق مملوكه أو رجل يرزق عياله فهو من رزق الله أجراه الله على أيدي هؤلاء وهو الرزاق الحقيقي الذي لا رازق سواه.

[سورة سبإ (٣٤): الآيات ٤٠ الى ٤٩]

وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (٤٠) قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (٤١) فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (٤٢) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا إِلاَّ إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٤٣) وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (٤٤)
وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٤٥) قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (٤٦) قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٤٧) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (٤٨) قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ (٤٩)
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يعني هؤلاء الكفار ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ أي في الدنيا وهذا استفهام تقريع وتقرير للكفار فتتبرأ الملائكة منهم من ذلك وهو قوله تعالى قالُوا سُبْحانَكَ أي تنزيها لك أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ أي نحن نتولاك ولا نتولاهم فبينوا بإثبات موالاة الله ومعاداة الكفار براءتهم من الرضا بعبادتهم لهم بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ يعني الشياطين. فان قلت قد عبدوا الملائكة فكيف وجه قوله بل كانوا يعبدون الجن. قلت أراد أن الشياطين زينوا لهم عبادة الملائكة فأطاعوهم في ذلك فكانت طاعتهم للشياطين عبادة لهم وقيل صوروا لهم صورا وقالوا لهم هذه صور الملائكة فاعبدوها فعبدوها وقيل كانوا يدخلون في أجواف الأصنام فيعبدون بعبادتها أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ يعني مصدقون للشياطين قال الله تعالى فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً أي شفاعة وَلا ضَرًّا أي بالعذاب يريد أنهم عاجزون ولا نفع عندهم ولا ضر وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلَّا رَجُلٌ يعنون محمدا صلّى الله عليه وسلّم يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً يعنون القرآن وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ وَما آتَيْناهُمْ يعني هؤلاء المشركين مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها أي يقرءونها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ أي لم يأت العرب قبلك نبي ولا أنزل إليهم كتاب وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أي من الأمم السالفة رسلنا وَما بَلَغُوا يعني هؤلاء المشركين مِعْشارَ أي عشر ما آتَيْناهُمْ أي أعطينا الأمم الخالية من القوة والنعمة وطول الأعمار فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ أي إنكاري عليهم يحذر بذلك كفار هذه الأمة عذاب الأمم الماضية. قوله عز وجل قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ أي آمركم وأوصيكم بِواحِدَةٍ أي بخصلة واحدة ثم بين تلك الخصلة فقال تعالى أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ أي لأجل الله مَثْنى أي اثنين وَفُرادى أي واحدا واحدا ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا أي تجتمعوا جميعا فتنظروا وتتحاوروا وتتفكروا في حال محمد صلّى الله عليه وسلّم فتعلموا أن ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ومعنى الآية إنما أعظكم بواحدة إن فعلتموها أصبتم الحق وتخلصتم وهي أن تقوموا لله وليس المراد به القيام على القدمين ولكن هو الانتصاب في الأمر والنهوض فيه بالهمة فتقوموا لوجه الله خالصا ثم تتفكروا في أمر محمد صلّى الله عليه وسلّم وما جاء به أما الاثنان فيتفكران، ويعرض كل منهما محصول فكره على صاحبه لينظرا فيه نظر متصادقين متناصفين لا يميل بهما اتباع الهوى وأما الفرد فيفكر في نفسه أيضا بعدل ونصفة هل رأينا في هذا الرجل جنونا قط أو جربنا عليه كذبا قط وقد علمتم أن محمدا صلّى الله عليه وسلّم ما به من جنة بل قد علمتم أنه من أرجح قريش عقلا وأوزنهم حلما وأحدهم ذهنا وأرصنهم رأيا وأصدقهم قولا وأزكاهم نفسا، وأجمعهم لما يحمد عليه الرجال ويمدحونه به وإذا علمتم ذلك كفاكم أن تطالبوه بآية وإذا جاء بها تبين أنه نبي نذير مبين صادق فيما جاء
قوله تعالى ﴿ قالوا سبحانك ﴾ أي تنزيها لك ﴿ أنت ولينا من دونهم ﴾ أي نحن نتولاك ولا نتولاهم فبينوا بإثبات موالاة الله ومعاداة الكفار براءتهم من الرضا بعبادتهم لهم ﴿ بل كانوا يعبدون الجن ﴾ يعني الشياطين. فإن قلت قد عبدوا الملائكة فكيف وجه قوله بل كانوا يعبدون الجن. قلت أراد أن الشياطين زينوا لهم عبادة الملائكة فأطاعوهم في ذلك فكانت طاعتهم للشياطين عبادة لهم وقيل صوروا لهم صوراً وقالوا لهم هذه صور الملائكة فاعبدها فعبدوها وقيل كانوا يدخلون في أجواف الأصنام فيعبدون بعبادتها ﴿ أكثرهم بهم مؤمنون ﴾ يعني مصدقون للشياطين.
قال الله تعالى ﴿ فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعاً ﴾ أي شفاعة ﴿ ولا ضراً ﴾ أي بالعذاب يريد أنهم عاجزون ولا نفع عندهم ولا ضر ﴿ ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون ﴾.
﴿ وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إلا رجل ﴾ يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم ﴿ يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى ﴾ يعنون القرآن ﴿ وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين ﴾.
﴿ وما آتيناهم ﴾ يعني هؤلاء المشركين ﴿ من كتب يدرسونها ﴾ أي يقرؤونها ﴿ وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير ﴾ أي لم يأت العرب قبلك نبي ولا أنزل إليهم كتاب.
﴿ وكذب الذين من قبلهم ﴾ أي من الأمم السالفة رسلنا ﴿ وما بلغوا ﴾ يعني هؤلاء المشركين ﴿ معشار ﴾ أي عشر ﴿ ما آتيناهم ﴾ أي أعطينا الأمم الخالية من القوة والنعمة وطول الأعمار ﴿ فكذبوا رسلي فكيف كان نكير ﴾ أي إنكاري عليهم يحذر بذلك كفار هذه الأمة عذاب الأمم الماضية.
قوله عز وجل ﴿ قل إنما أعظكم ﴾ أي آمركم وأوصيكم ﴿ بواحدة ﴾ أي بخصلة واحدة ثم بين تلك الخصلة فقال تعالى ﴿ أن تقوموا لله ﴾ أي لأجل الله ﴿ مثنى ﴾ أي اثنين ﴿ وفرادى ﴾ أي واحداً واحداً ﴿ ثم تتفكروا ﴾ أي تجتمعوا جميعاً فتنظروا وتتحاوروا وتتفكروا في حال محمد صلى الله عليه وسلم فتعلموا أن ﴿ ما بصاحبكم من جنة ﴾ ومعنى الآية إنما أعظكم بواحدة إن فعلتموها أصبتم الحق وتخلصتم وهي أن تقوموا لله وليس المراد به القيام على القدمين ولكن هو الانتصاب في الأمر والنهوض فيه بالهمة فتقوموا لوجه الله خالصاً ثم تتفكروا في أمر محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به أمان الاثنان فيتفكران، ويعرض كل منهما محصول فكره على صاحبه لينظرا فيه نظر متصادقين متناصفين لا يميل بهما اتباع الهوى وأما الفرد فيفكر في نفسه أيضاً بعدل ونصفة هل رأينا في هذا الرجل جنوناً قط أو جربنا عليه كذباً قط وقد علمتم أن محمداً صلى الله عليه وسلم ما به من جنة بل قد علمتم أنه من أرجح قريش عقلاً وأوزنهم حلماً وأحدهم ذهناً وأرصنهم رأياً وأصدقهم قولاً وأزكاهم نفساً، وأجمعهم لما يحمد عليه الرجال ويمدحونه به وإذا علمتم ذلك كفاكم أن تطالبوه بآية وإذا جاء بها تبين أنه نبي نذير مبين صادق فيما جاء به وقيل : تم الكلام عند قوله : تتفكروا أي في السموات والأرض فتعلموا أنه خالقها واحد لا شريك له ثم ابتدأ فقال ما بصاحبكم من جنة ﴿ إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد ﴾.
﴿ قل ما سألتكم ﴾ أي على تبليغ الرسالة ﴿ من أجر ﴾ أي جعل ﴿ فهل لكم ﴾ أي لم أسألكم شيئاً ﴿ إن أجري ﴾ أي ثوابي ﴿ إلا على الله وهو على كل شيء شهيد ﴾.
﴿ قل إن ربي يقذف بالحق ﴾ أي يأتي بالوحي من السماء فيقذفه إلى الأنبياء ﴿ علام الغيوب ﴾ أي خفيات الأمور.
﴿ قل جاء الحق ﴾ أي القرآن والإسلام ﴿ وما يبدئ الباطل وما يعيد ﴾ أي ذهب الباطل وزهق فلم تبق منه بقية تبدئ شيئاً أو تعيده وقيل الباطل هو إبليس والمعنى لا يخلق إبليس أحداً ابتداء ولا يبعثه إذا مات وقيل الباطل الأصنام.
به وقيل: تم الكلام عند قوله: ثم تتفكروا أي في السموات والأرض فتعلموا أنه خالقها واحد لا شريك له ثم ابتدأ فقال ما بصاحبكم من جنة إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ
أي على تبليغ الرسالة مِنْ أَجْرٍ أي جعل فَهُوَ لَكُمْ أي لم أسألكم شيئا إِنْ أَجْرِيَ أي ثوابي إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ أي يأتي بالوحي من السماء فيقذفه إلى الأنبياء عَلَّامُ الْغُيُوبِ أي خفيات الأمور قُلْ جاءَ الْحَقُّ أي القرآن والإسلام وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ أي ذهب الباطل وزهق فلم تبق منه بقية تبدئ شيئا أو تعيده وقيل الباطل هو إبليس والمعنى لا يخلق إبليس أحدا ابتداء ولا يبعثه إذا مات وقيل الباطل الأصنام.
[سورة سبإ (٣٤): الآيات ٥٠ الى ٥٤]
قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (٥٠) وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٥١) وَقالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٢) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (٥٤)
قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وذلك أن كفار مكة كانوا يقولون له إنك قد ضللت حين تركت دين آبائك فقال الله تعالى قل إن ضللت فيما تزعمون أنتم فإنما أضل على نفسي أي إثم ضلالتي على نفسي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي أي في القرآن والحكمة إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ قوله عز وجل وَلَوْ تَرى أي يا محمد إِذْ فَزِعُوا أي عند البعث أي حين يخرجون من قبورهم وقيل عند الموت فَلا فَوْتَ أي لا يفوتوننا ولا نجاة لهم وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ قيل من تحت أقدامهم، وقيل أخذوا من بطن الأرض إلى ظهرها وحيثما كانوا فإنهم من الله قريب لا يفوتونه، ولا يعجزونه وقيل: من مكان قريب يعني عذاب الدنيا وهو القتل يوم بدر وقيل: هو خسف بالبيداء ومعنى الآية ولو ترى إذ فزعوا لرأيت أمرا تعتبر به وَقالُوا آمَنَّا بِهِ أي حين عاينوا العذاب قيل هو عند اليأس وقيل هو عند البعث وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ أي التناول والمعنى كيف لهم تناول ما بعد عنهم وهو الإيمان والتوبة وقد كان قريبا منهم في الدنيا فضيعوه وقال ابن عباس يسألون الرد إلى الدنيا فيقال وأنى لهم الرد إلى الدنيا مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ أي من الآخرة إلى الدنيا وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ أي القرآن وقيل بمحمد صلّى الله عليه وسلّم من قبل أن يعاينوا العذاب وأهوال القيامة وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ قيل هو الظن لأن علمه غاب عنهم والمكان البعيد بعدهم عن علم ما يقولون، والمعنى يرمون محمدا صلّى الله عليه وسلّم بما لا يعلمون من حيث لا يعلمون وهو قولهم إنه شاعر ساحر كاهن لا علم له بذلك وقيل يرجمون بالظن يقولون لا بعث ولا جنة ولا نار وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ أي الإيمان والتوبة والرجوع إلى الدنيا ونعيمها وزهرتها كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ أي بنظرائهم ومن كان على مثل حالهم من الكفار مِنْ قَبْلُ أي لم تقبل منهم التوبة في وقت اليأس إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ أي من البعث ونزول العذاب بهم مُرِيبٍ أي موقع الريبة والتهمة، والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.
قوله عز وجل ﴿ ولو ترى ﴾ أي يا محمد ﴿ إذ فزعوا ﴾ أي عند البعث أي حين يخرجون من قبورهم وقيل عند الموت ﴿ فلا فوت ﴾ أي لا يفوتوننا ولا نجاة لهم ﴿ وأخذوا من مكان قريب ﴾ قيل من تحت أقدامهم، وقيل أخذوا من بطن الأرض إلى ظهرها حيثما كانوا فإنهم من الله قريب لا يفوتونه، ولا يعجزونه وقيل : من مكان قريب يعني عذاب الدنيا وهو القتل يوم بدر وقيل : هو خسف بالبيداء ومعنى الآية ولو ترى إذ فزعوا لرأيت أمراً تعتبر به.
﴿ وقالوا آمنا به ﴾ أي حين عاينوا العذاب قيل هو عند اليأس وقيل هو عند البعث ﴿ وأنى لهم التناوش ﴾ أي التناول والمعنى كيف لهم تناول ما بعد عنهم وهو الإيمان والتوبة وقد كان قريباً منهم في الدنيا فضيعوه وقال ابن عباس يسألون الرد إلى الدنيا فيقال وأنى لهم الرد إلى الدنيا ﴿ من مكان بعيد ﴾ أي من الآخرة إلى الدنيا.
﴿ وقد كفروا به من قبل ﴾ أي القرآن وقيل بمحمد صلى الله عليه وسلم من قبل أن يعاينوا العذاب وأهوال القيامة ﴿ ويقذفون بالغيب من مكان بعيد ﴾ قيل هو الظن لأن علمه غاب عنهم والمكان البعيد بعدهم عن علم ما يقولون، والمعنى يرمون محمداً صلى الله عليه وسلم بما لا يعلمون من حيث لا يعلمون وهو قولهم إنه شاعر ساحر كاهن لا علم له بذلك وقيل يرجمون بالظن يقولون لا بعث ولا جنة ولا نار.
﴿ وحيل بينهم وبين ما يشتهون ﴾ أي الإيمان والتوبة والرجوع إلى الدنيا ونعيمها وزهرتها ﴿ كما فعل بأشياعهم ﴾ أي بنظرائهم ومن كان على مثل حالهم من الكفار ﴿ من قبل ﴾ أي لم تقبل منهم التوبة في وقت اليأس ﴿ إنهم كانوا في شك ﴾ أي من البعث ونزول العذاب بهم ﴿ مريب ﴾ أي موقع الريبة والتهمة، والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.
Icon